القرآن الكريم والسُنَّة النبوية والاعجاز
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

القرآن الكريم والسُنَّة النبوية والاعجاز

القرآن الكريم والسُنَّة النبوية والاعجاز كنز ورسالة لمنهج حياة للعالم الإسلامي اجمع
 
الرئيسيةالرئيسية  البوابةالبوابة  أحدث الصورأحدث الصور  التسجيلالتسجيل  دخول  

 

 الإيمان هو الأساس (دروس في الإيمان)

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
Admin
Admin
Admin


المساهمات : 4240
تاريخ التسجيل : 20/01/2018

الإيمان هو الأساس (دروس في الإيمان) Empty
مُساهمةموضوع: الإيمان هو الأساس (دروس في الإيمان)   الإيمان هو الأساس (دروس في الإيمان) Emptyالخميس فبراير 22, 2018 6:05 am

۞بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ۞
۞ٱلْسَلآمّ ٍعَلْيّكَمُ وٍرٍحَمُةٌ اللَّــْـْہ ۆبُركَاته۞
۞أَعُوذُ بِاللَّهِ السَّمِيعِ الْعَلِيمِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ من ♥️هَمْزِهِ، ♥️ونَفْثِهِ،♥️ونَفْخِهِ۞
۞الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ۞
۞أَشْهَدُ أَنّ لَّا إِلَٰهَ إِلَّإ الله ♥️وأَشْهَدُ ان محمداً رسول الله۞
۞تحية من عند الله طيبة مباركة۞

الإيمان هو الأساس (دروس في الإيمان) Img_1425165734_396
الإيمان هو الأساس- دروس في الإيمان
(1)

المقدمة
إن الحمد لله، نحمده ونستعينه، وتعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد إن محمدا عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم.
أما بعد: فإن الإيمان بالغيب هو أساس التسليم المطلق لله تعالى في أمره ونهيه وإسلام الوجه له، ولهذا كان أول الصفات التي وصف الله بها عباده المتقين ورتب عليها فلاحهم كما قال تعالى: {ألم ذلك الكتاب لا ريب فيه هدى للمتقين الذين يؤمنون بالغيب-إلى قوله تعالى-: أولئك على هدى من ربهم وألئك هم المفلحون} البقرة:1-5 ومثل ذلك قوله تعالى: {قد أفلح المؤمنون-إلى قوله تعالى-: أولئك هم الوارثون الذين يرثون الفردوس هم فيها خالدون}. المؤمنون 1-11.
وبهذا يتضح المنهج الذي سلكه الرسول صلى الله عليه وسلم-بأمر من ربه-في العهد المكي، الذي زاد على عشر سنوات، وهو يدعو قومه إلى الإيمان بوحي الله وما تضمنه من البيان والهدى،-وهم-لعدم إيمانهم بهذا الوحي الذي أنزله الله على رسوله صلى الله عليه وسلم-لا يزدادون إلا عتوا في الأرض واستكبارا ويطلبون منه أ ن يأتيهم بآيات محسوسة تدل على صد قه كما قال تعالى:{ولقد صرفنا للناس في هذا القرآن من كل مثل فأبى أكثر الناس إلا كفورا وقالوا لن نؤمن لك حتى تفجر لنا من الأرض ينبوعا أو تكون لك جنة من نخيل وعنب فتفجر الأنهار خلالها تفجيرا أو تسقط السماء كما زعمت علينا كسفا أو تأتي بالله والملائكة قبيلا أو يكون لك بيت من زخرف أو ترقى في السماء ولن نؤمن لرقيك حتى تنزل علينا كتابا نقرأه قل سبحان ربي هل كنت إلا بشرا رسولا.}. الإسراء 89.
ولما كان الإيمان بالغيب هو الأساس في التسليم المطلق لله تعالى لم يستجب الله تعالى لتعنت الكافرين الذين طلبوا من رسوله أن يأتيهم بآية من عند الله محسوسة حتى يصدقوه بزعمهم بل تعجب من عدم اكتفائهم بهذا القرآن الذي هو أعظم آية دالة على صدقه وأن الله وحده كاف في الشهادة بينه وبينهم، كما قال تعالى: {وقالوا لولا نزل عليه آيات من ربه قل إنما الآيات عند الله وإنما أنا نذير مبين أولم يكفهم أنا أنزلنا عليك الكتاب يتلى عليهم إن في ذلك لرحمة وذكرى لقوم يؤمنون قل كفى بالله بيني وبينكم شهيدا يعلم ما في السماوات والأرض والذين آمنوا بالباطل وكفروا بالله أولئك هم الخاسرون}. العنكبوت 50-52
وعندما يثبت الإيمان بالغيب في قلب المؤمن، لا تجده يعترض على شيء أمر الله به أو نهى عنه، محكما عقله أو هواه أو ما جرت به العادة، ويدل على ذلك موقف أبي بكر رضي الله عنه من قصة الإسراء التي طارت بها طائرة المشركين استدلالا بها على كذب محمد حاشاه-صلى الله عليه وسلم-ليثنوا الناس وبخاصة أصحابه عن الإيمان به، فقالوا عندما سمعوا النبأ (والله إن العير لتطرد شهرا من مكة إلى الشام مدبرة، وشهرا مقبلة، أفيذهب ذلك محمد في ليلة واحدة ويرجع إلى مكة؟... وذهب الناس إلى أبي بكر فقالوا له: هل لك يا أبا بكر في صاحبك، يزعم أنه قد جاء هذه الليلة بيت المقدس وصلى فيه ورجع إلى مكة. قال فقال لهم أبو بكر: إنكم تكذبون عليه، فقالوا: بل هو ذاك في المسجد يحدث به الناس. فقال أبو بكر: والله لئن كان قاله لقد صدق، فما يعجبكم من ذلك! فوا لله إنه ليخبرني أن الخبر ليأتيه من السماء إلى الأرض في ساعة من ليل أو نهار فأصدقه، فهذا أبعد مما تعجبون منه.ثم أقبل حتى انتهى إلى رسول الله، فقال يا نبي الله أحدثت هؤلاء القوم أنك جئت بيت المقدس هذه الليلة؟ قال: نعم. قال يا نبي الله فصفه لي، فإني قد جئته..... فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يصفه لأبي بكر، ويقول أبو بكر: صدقت، أشهد أنك رسول الله......) [السيرة النبوة لابن هشام (2/33)الناشر مكتبة الكليات الأزهرية] تأمل من النص المعاني الآتية:
تكذيب المشركين-كعادتهم-لعدم إيمانهم بالغيب.
عدم إسراع أبي بكر في تصديق الخبر الذي نقله له أعداء الرسول صلى الله عليه وسلم، لأمرين:
الأمر الأول أنه لم يسمعه من الرسول بنفسه.
الأمر الثاني: خوفه من أن يكونوا كذبوا عليه.
احتياط أبي بكر لنفسه وتصميمه أمام المشركين على تصديق الرسول تصديقا مطلقا في كل ما يثبت أنه قاله : (والله لئن كان قاله لقد صدق).
تثبت أبي بكر رضي الله عنه من الخبر بسؤال الرسول صلى الله عليه وسلم.
إنكار أبي بكر تعجب قريش من شيء قد صدقه هو فيما هو اعظم منه، (خبر السماء الذي يأتيه صباح مساء).
كما أن الذي يؤمن بالغيب لا يرده عن طاعة الله راد، ولا يصده عنها صاد ولو كان في ذلك ذهاب ماله وولده ونفسه، وفي قصة السحرة مع فرعون عبرة لمن اعتبر، فقد كانوا رهن إشارة فرعون قبل إيمانهم بالله طلبا للحظوة عنده، وخوفا من بطشه، ولكنهم في لحظة واحدة وقفوا أمامه متحدين بطشه زاهدين في ماله وجاهه.
قال تعالى: {قالوا يا موسى إما أن تلقي وإما أن نكون أول من ألقى قال بل ألقوا فإذا حبالهم وعصيهم يخيل إليه من سحرهم أنها تسعى فأوجس في نفسه خيفة موسى قلنا لا تخف إنك أنت الأعلى وألق ما في يمينك تلقف ما صنعوا إنما صنعوا كيد ساحر ولا يفلح الساحر حيث أتى فألقي السحرة سجدا قالوا آمنا برب هارون وموسى قال آمنتم له قبل أن آذن لكم إنه لكبيركم الذي علمكم السحر فلأقطعن أيديكم وأرجلكم من خلاف ولأصلبنكم في جذوع النخل ولتعلمن أينا أشد عذابا وأبقى قالوا لن نؤثرك على ما جاءنا من البينات والذي فطرنا فاقض ما أنت قاض إنما تقضي هذه الحياة الدنيا إنا آمنا بربنا ليغفر لنا خطايانا وما أكرهتنا عليه من السحر والله خير وأبقى}. طـه: 65-73
ولما كانت هذه هي منزلة الإيمان من الدين كان حقا على العلماء والدعاة إلى الله أن يهتموا به قبل غيره من أمور الدين ليغرسوه في نفوس الناس، ليمتثلوا أمره ويجتنبوا نهيه، راضية بذلك نفوسهم مؤثرة ما عنده على ما سواه وبذلك تتربع الأمة الإسلامية على مقعد توجيه الأمم عن جدارة واستحقاق، وليس عن دعوى وافتراء، وبذلك أيضا تقبل أمم الأرض على هذا الدين لتدخل فيه أفواجا كما فعلت الأمم قبلها عندما رأت في الأمة الإسلامية القدوة الحسنة. وهذا هو السبب الرئيس الذي حفزني لكتابة هذه الرسالة التي حاولت أن تكون سهلة على الأفهام، قاصرة على أصول الإيمان العظام التي تضمنتها بعض آي القرآن والأحاديث الصحيحة الواضحة البيان، كحديث جبريل المشهور.
وهذه الرسالة هي في الحقيقة أهم فصل من فصول كتاب شرعت في إعداده وترتيبه وهو بعنوان:{أثر تطبيق الشريعة الإسلامية في صلاح الأمة} أسأل الله أن ييسر لي إكماله وأن ينفعني وكل من قرأه أو نقل إليه مضمونه، به إنه سميع مجيب.
الإيمان هو الأساس (دروس في الإيمان) %D8%AE%D9%84%D9%81%D9%8A%D8%A7%D8%AA-%D8%A2%D9%8A%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D9%83%D8%B1%D8%B3%D9%8A-%D9%85%D9%83%D8%AA%D9%88%D8%A8%D8%A9-2
(2)


تعريف الإيمان في اللغة
اشتهر في كتب اللغة أن الإيمان: التصديق. ومعلوم أن التعريف الشرعي قد يتفق مع التعريف اللغوي وقد يختلف، بحيث يكون المعنى الشرعي أشمل من اللغوي وهو كذلك هنا، إذ التصديق أحد أجزاء المعنى الشرعي على الصحيح المشهور عند علماء السلف، وعلى ذلك دلت نصوص القرآن والسنة.
تعريف الإيمان في الشرع
فالإيمان في الشرع هو: (تصديق بالجنان، وقول باللسان، وعمل بالأركان).
وقد ذكر ابن تيمية، أنه قد حكى غير واحد الإجماع على هذا التعريف، وذكر ما نقله أبو عبيد القاسم بن سلام عن مشاهير أهل العلم الذين صرحوا بأن الإيمان قول وعمل ونية، من أهل مكة، والمدينة، واليمن، والكوفة، والبصرة، وأهل واسط والمشرق. [ راجع مجموع الفتاوى (7/310،، 326، 331، 388، 402). وراجع شرح النووي على مسلم (1/149)]
ومما يدل على صحة هذا التعريف الذي عليه جمهور السلف أن الله تعالى عندما يصف المؤمنين يصفهم بالعناصر الثلاثة المذكورة في كثير من آي القرآن الكريم كقوله تعالى:{ألم ذلك الكتاب لا ريب فيه هدى للمتقين الذين يؤمنون بالغيب ويقيمون الصلاة ومما رزقناهم ينفقون والذين يؤمنون بما أنزل إليك وما أنزل من قبلك وبالآخرة هم يوقنون أولئك على هدى من ربهم وألئك هم المفلحون}. البقرة:1-5 فالإيمان بالغيب يكون بالقلب وهو التصديق، وإقامة الصلاة تجتمع فيها الأركان الثلاثة: قول اللسان، من تكبير وقراءة وذكر، وعمل الأركان-الجوارح-من قيام وركوع وسجود وقعود وغيرها. وتصديق الجنان-القلب-وذلك يشمل التصديق بما تتضمنه الآيات القرآنية من توحيد وحساب وجنة ونار، وكذلك بقية الأذكار المشروعة في الصلاة. ومثل هذه الآيات: الآيات التسع الأول من سورة {المؤمنون}. وغيرها.
ومن أوضح الأحاديث الدالة على شمول الإيمان لأعمال الجوارح الحديثان الآتيان:
الأول حديث ابن عباس المتفق عليه-في قصة وفد عبد قيس-(أمرهم بالإيمان بالله وحده، قال: أتدرون ما لإيمان بالله وحده؟ قالوا الله ورسوله أعلم،قال: شهادة أن لا إله إلا الله، وأن محمدا رسول الله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وصيام رمضان وأن تعطوا من الغنم الخمس.) [ صحيح البخاري بشرح فتح الباري(1/129) ومسلم بشرح النووي (1/81)]
الحديث الثاني: حديث أبي هريرة المتفق عليه أيضا، أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: (الإيمان بضع وسبعون شعبة، فأفضلها قول لا إله إلا الله، وأدناها إماطة الأذى عن الطريق، والحياء شعبة من الإيمان). [ صحيح البخاري بشرح الفتح (1/51) وصحيح مسلم بشرح النووي (2/7) واللفظ له]
هذه النصوص وغيرها كثير تدل على أن هذا التعريف هو الذي يجب المصير إليه، لأن المعاني الشرعية يجب أخذها من الشرع، ولا يجوز اطراح ما دلت عليه النصوص بحجة أن اللغة دلت على خلافه، ولو أخذ بهذا الاحتجاج لأصبحت كثير من المعاني الشرعية محكومة باللغة، والعكس هو الصحيح ألا ترى أن الصلاة في اللغة الدعاء، وأن الصيام الإمساك عن الكلام.. فهل يجوز أن نعرف الصلاة بأنها الدعاء، ونعرف الصيام بأنه الإمساك عن الكلام في الشرع؟، لا بل إن المصطلح الشرعي لينفى إذا لم يؤت به على الوجه الذي شرعه الله، مع القدرة على ذلك، فقد نفى صلى الله عليه وسلم الصلاة الشرعية عمن لم يأت بها على ما أراد الله، كما يدل عليه حديث المسيء صلاته المشهور عند أهل العلم، والذي رواه أبو هريرة، رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم، دخل المسجد، فدخل رجل فصلى، ثم جاء فسلم على النبي صلى الله عليه وسلم، فرد النبي صلى الله عليه وسلم السلام، فقال: (ارجع فصل فإنك لم تصل) فصلى ثم جاء فسلم على النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: (ارجع فصل فإنك لم تصل) ثلاثا، فقال: والذي بعثك بالحق ما أحسن غيره، فعلمني. قال: (إذا قمت إلى الصلاة...) الحديث [اللؤلؤ والمرجان فيما اتفق عليه الشيخان: (رقم: 224، ص: 81)]
الإيمان هو الأساس (دروس في الإيمان) %D8%AE%D9%84%D9%81%D9%8A%D8%A7%D8%AA-%D8%A2%D9%8A%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D9%83%D8%B1%D8%B3%D9%8A-%D9%85%D9%83%D8%AA%D9%88%D8%A8%D8%A9-2
(3)
تنبيهات

التنبيه الأول: هناك تعريف للإمام أبي حنيفة رحمه الله قد يخالف ظاهره التعريف المذكور، وهوأن الإيمان تصديق بالقلب وإقرار باللسان)، فلم يدخل في هذا التعريف عمل الأركان.
ومعنى هذا أن العمل غير داخل في مسمى الإيمان، والذي حققه العلماء أن الخلاف بين أبي حنيفة وجمهور أهل السنة لفظي من حيث النتيجة، لأمرين:
الأول: أن أصحاب الذنوب داخلون عند أبي حنيفة تحت الذم والوعيد-كما هم داخلون كذلك عند الجمهور-فلا يستحق المدح المطلق ودخول الجنة ابتداء إلا من جمع بين التصديق والعمل الصالح وابتعد عن الكبائر.
الأمر الثاني: أن من أهل الكبائر من يدخل النار ولكنه لا يخلد فيها، ومنهم من يدخل الجنة ولكن بعفو الله ومغفرته، وهذا هو مذهب السلف رحمهم الله.
فالخلاف إذا بينه وبينهم هو دخول العمل في مسمى الإيمان عند الجمهور وعدم دخوله فيه عند أبي حنيفة، إذ يرى أن العمل لازم للإيمان وليس جزء منه، وبذلك لا يوافق غلاة المرجئة الذين قالوا: إ ن الأعمال ليست داخلة في مسمى الإيمان ولا لازمة له، وأنه لا يضر مع الإيمان ذنب.ولا تتسع هذه الرسالة لإيراد التعريفات الأخرى ومناقشتها [وقد ناقشت تلك التعريفات في بحث مخطوط بعنوان (الإيمان وأثره في حياة الإنسان)] إذ الهدف معرفة الحق بدليله وقد عرف والحمد لله.
التنبيه الثاني: أن المانعين لدخول الأعمال في مسمى الإيمان أوردوا شبهة ظنوا أنها تؤيد ما ذهبوا إليه وتلزم الجمهور بمذهب الخوارج الذين يكفرون بالمعاصي-الكبائر-، قالوا: لو كان الإيمان مركبا من أجزاء للزم زوال جميعه بزوال بعضه.
والجواب على ذلك من وجهين:
الوجه الأول: أن زوال الإيمان بزوال بعض أجزائه يعود الأمر فيه إلى الشارع فما أثبت الشارع زوال الإيمان بزواله-كترك الصلاة جحدا لوجوبها-أثبتناه، وما لم يثبت الشارع زوال الإيمان بزواله-كترك إكرام الضيف، بل كترك أداء الزكاة تساهلا لا جحدا-لم نحكم بزوال الإيمان بزوال ذلك الجزء، فلا يلزم الجمهور على هذا القول تكفير أهل الكبائر.
الوجه الثاني:أنه لا يلزم دائما-عقلا-زوال الكل بزوال الجزء، بل قد يزول الجزء ولا يزول الكل، مثال ذلك: المكيلات والموزونات، فإذا كان عندنا عشرون صاعا من قمح ونقص منه شئ فإن اسم القمح لا يزول بزوال بعضه، ويقال:هذا قمح ناقص وهكذا يقال في مرتكب الكبيرة التي لا تخرج صاحبها من الإيمان: مؤمن ناقص الإيمان.[ وقد أجاد في مناقشة هذه المسألة وغيرها شيخ الإسلام ابتيمية في مجموع الفتاوى-مجلد الإيمان]
التنبه الثالث: أن اسم الإيمان إذا أفرد شمل اعتقاد القلب وقول اللسان وعمل الجوارح، وإذا اقترن بالإسلام أو بالعمل الصالح اختص الإيمان باعتقاد القلب-الذي هو التصديق-واختص ما اقترن به بما عداه .
التنبيه الرابع: المقصود بالعمل
يجب أن يعلم أن المقصود بالعمل، هو ما شرع الله تعالى للمؤمن فعله أو تركه، مما يدخل في أحد الأحكام التكليفية الخمسة، التي هي: الواجب والمندوب، والمحرم والمكروه، والمباح، ويدخل في ذلك حقوق الله وحقوق عباده.
فالواجب يثيب الله فاعله ويعاقب تاركه، و المندوب يثيب الله فاعله ولا يعاقب تاركه، و الحرام يعاقب الله فاعله ويثيب تاركه، والمباح يثيب الله فاعله وتاركه إن كان فعله وتركه لله.
فلا يفهم من معنى العمل أنه قاصر على ما تعارف عليه عامة الناس من الشعائر التعبدية، كالصلاة والصيام والحج والزكاة والذكر وقراءة القرآن والجهاد في سبيل الله.... بل هو شامل لكل تصرفات العبد، وبخاصة ما تعلق بذات الإنسان من عمل، سواء أكان من حقوق الله كإقامة الحدود التي لا يقيمها إلا ولي الأمر، فهي من العمل الذي هو جزء من الإيمان،فإذا قام به فقد أدى ذلك الجزء الإيماني، وإذا لم يقم به فقد ترك جزأً من الإيمان، أو ما تعلق بعباده، كبر الوالدين فمن بر بواليه فقد أدى عملا من أعمال الإيمان، ومن لم يبر بهما فقد ترك جزأً من الإيمان.
والآباء إذا قاموا بحقوق أبنائهم من تربية وتعليم وتغذية... فقد أدوا عملا من أعمال الإيمان، وإلاّ نقص من إيمانهم مقدار تقصيرهم في ذلك.
والزوجان إذا قام كل منهما بحق زوجه، فقيامه بذلك من الإيمان، ومن لم يقم بذلك فقد ترك جزءا من الإيمان.
وهكذا من أدى الشهادة الواجب أداؤها عليه فإن أداءه للشهادة من الإيمان، ومن لم يؤدها فقد جزءا واجبا من الإيمان.
والقضاة، إذا حكموا بشرع الله بين المتخاصمين مع العدل، فحكمهم بذلك وعدلهم من الإيمان، وإذا جاروا وظلموا فجورهم وظلمهم نقص من إيمانهم.
والعالم إذا أدى حقوق تلاميذه، فحضر درسه تحضيرا جيدا ليفيدهم بعلم محقق ففعله ذلك إيمان، وإذا قصر في أداء حقهم عليه نقص من إيمانه مقدار تقصيره.
والطلاب إذا قاموا بما يجب عليهم مما فرغوا له من تحصيل العلم والاستفادة من العلماء كان ما قاموا به من الإيمان، وإذا تساهلوا وتركوا القيام بما يجب عليهم فقد نقص من إيمانهم مقدار ما تساهلوا فيه.
والموظف في عمل إداري أسس لمصالح المسلمين إذا قام بعمله في إدارته وأدى الحقوق إلى أهلها في وقتها ففعله ذلك من الإيمان، وإذا أخر حقوق الناس بدون عذر أو نقص من الوقت الواجب عليه شغله، فقد نقص من إيمانه قدر ما قصر فيه.
وولي أمر المسلمين إذا نصح لرعيته وعدل بينهم وأدى إليهم حقوقهم، وولى عليهم الأكفاء الذين يصلحون أمورهم، ففعله ذلك إيمان، وإذا غشهم أو ظلمهم أو ولى عليهم من يشق عليهم، فقد نقص من إيمانه مقدار ما أضر به رعيته.
والرعية إذا نصحت لولي أمرها المسلم فأطاعته في طاعة الله، ونصرته على الخارجين عليه وأمرته بالمعروف ونهته عن المنكر فنصحها له إيمان، وعدم نصحها فسوق ونقص من إيمانها.
والتاجر إذا سلك في تجارته سلوكا شرعيا فباع واشترى مراعيا ما أحله الله له وما حرمه عليه، فصدق في بيعه وشرائه، وبين ما يجب عليه بيانه من عيب أو غيره مما يجب بيانه، وابتعد عن أخذ الربا فسلوكه ذلك من الإيمان، وإذا سلك في تجارته سلوك الغاش المرابي الآكل حقوق الناس بغير حق علموا أم لم يعلموا، فقد فسق ونقص إيمانه.
ومن اؤتمن على مال أو سر مما لا يجوز له الإباحة به فأدى أمانته فأداؤه للأمانة إيمان، فإذا خان أمانته فخيانته فسق ونقص في إيمانه.
والذي يوصل إلى الناس الخير، فيكرمهم، ويصلهم ويعود مريضهم، ويشمت عاطسهم، ويسلم عليهم، ويتبع جنائزهم، ويواسي محتاجهم، وينصح لهم ويحب لهم ما يحب لنفسه، ويدفع عنهم الأذى-وبخاصة في حال غيابهم-، ويمسك لسانه عن الولوغ في أعراضه فلا يغتابهم ولا يتجسس عليهم، ولا يسعى بالنميمة بينهم، ففعله ذلك كله من الإيمان، والذي يسعى إلى الناس بالشر والقطيعة، فيغتابهم أو يرضى باغتيابهم، أو يسعى بالنميمة بينهم ليوغر صدور بعضهم على بعض، أو يتجسس عليهم لكشف عوراتهم، أو الإضرار بهم، فإيمانه ناقص، وفسقه ظاهر.
والذي يتناول ما أباحه الله له من الطعام والشراب واللباس والنكاح وغيرها من المباحات، مبتغيا بذلك وجه الله فأعماله المباحة من الإيمان، وإذا ترك شيئا من المباحات ورعا وخوفا من الوقوع في محرم فإن تركه ذلك من الإيمان، وهو مثاب في كلتا الحالتين.
وهكذا تقاس كل الأعمال.
والذي لا يقوم بأعمال الإيمان التي هي-أصلا وظيفته-فهو أشد الناس جرما وأقلهم دينا، لأنه فرط في عبودية خاصة لله عليه، غير العبودية العامة التي يتساوى فيها مع الناس، كالقاضي في قضائه، والعالم في علمه، والمدير في إدارته، وإن أكثر من الصلاة والصيام والذكر وقراءة القرآن والصدقات.
وعلى أمثال هؤلاء نعى ابن القيم-رحمه الله-النكير فقال: (ولله سبحانه على كل أحد عبودية بحسب مرتبته، سِوى العبودية العامة التي سوى بين عباده فيها.
فعلى العالم من عبوديته نشر السنة والعلم الذي بعث الله به رسوله ما ليس على الجاهل، وعليه من عبودية الصبر على ذلك ما ليس على غيره.
وعلى الحاكم من عبودية إقامة الحق وتنفيذه وإلزامه من هو عليه به والصبر على ذلك والجهاد عليه ما ليس على المفتي.
وعلى الغني من عبودية أداء الحقوق التي في ماله ما ليس على الفقير.
وعلى القادر على الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بيده ولسانه ما ليس على العاجز عنهما.....
وقد غر إبليس أكثر الخلق بأن حسن لهم القيام بنوع من الذكر والقراءة والصلاة والصيام والزهد في الدنيا والانقطاع، وعطلوا هذه العبوديات فلم يحدثوا قلوبهم بها، وهؤلاء عند ورثة الأنبياء من أقل الناس دينا، فإن الدين هو القيام لله بما أمر به، فتارك حقوق الله التي تجب عليه أسوأ حالا عند الله ورسوله من مرتكب المعاصي.....
ومن له خبرة بما بعث الله به رسوله صلى الله عليه وسلم هو وأصحابه، رأى أن أكثر من يشار إليهم بالدين هم أقل الناس دينا.
وأي دين وأي خير فيمن يرى محارم الله تنتهك، وحدوده تضاع، ودينه يترك، وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم يرغب عنها، وهو بارد القلب ساكت اللسان؟ شيطان أخرس، كما أن المتكلم بالباطل شيطان ناطق.
وهل بلية الدين إلا من هؤلاء الذين إذا سلمت لهم مآكلهم ورياساتهم، فلا مبالاة بما جرى على الدين، وخيارهم المتحزن المتلمظ، ولو نوزع في بعض ما فيه غضاضة عليه في جاهه أو ماله، بذل وتبذل وجد واجتهد، واستعمل مراتب الإنكار الثلاثة بحسب وسعه.
وهؤلاء-مع سقوطهم في عين الله ومقت الله لهم-قد بلوا في الدنيا بأعظم بلية تكون وهم لا يشعرون، وهو موت القلوب، فإن القلب كلما كانت حياته أتم كان غضبه لله ورسوله أقوى وانتصاره للدين أكمل.[ إعلام الموقعين عن رب العالمين عن رب العالمين (2/176-177)]
الإيمان هو الأساس (دروس في الإيمان) %D8%AE%D9%84%D9%81%D9%8A%D8%A7%D8%AA-%D8%A2%D9%8A%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D9%83%D8%B1%D8%B3%D9%8A-%D9%85%D9%83%D8%AA%D9%88%D8%A8%D8%A9-2
(4)

التنبه الخامس: أن الإيمان يزيد بالفقه في الدين والعمل به، وينقص بالجهل بالدين، والمعاصي، وقد دلت على ذلك الآيات القرآنية، والأحاديث النبوية.
فمن الآيات قول الله تعالى: {إنما المؤمنون الذين إذا ذكر الله وجلت قلوبهم وإذا تليت عليهم آياته زادتهم إيمانا وعلى ربهم يتوكلون} الأنفال:2
وقوله تعالى: {ويزيد الله الذين اهتدوا هدى} مريم: 76
وقوله: ويزداد الذين آمنوا إيمانا} المدثر: 31، وقوله: {هو الذي أنزل السكينة في قلوب المؤمنين ليزدادوا إيمانا مع إيمانهم} الفتح: 4
وقوله: {الذين قال لهم الناس إن الناس قد جمعوا لكم فاخشوهم فزادهم إيمانا وقالوا حسبنا الله ونعم الوكيل} آل عمران: 173
ومن الأحاديث حديث أبي هريرة، رضي الله عنه،عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلـمSadالإيمان بضع وسبعون أو بضع وستون شعبة، فأفضلها قول لا إله إلا الله وأدناها إماطة الأذى عن الطريق، والحياء شعبة من الإيمان).[ البخاري (1/51) بشرح فتح الباري، ومسلم (2/5) بشرح النووي، واللفظ له]
وحديث أنس، رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: (يخرج من النار من قال: لا إله إلا الله، وفي قلبه وزن شعيرة من خير، ويخرج من النار من قال: لا إله إلا الله، وفي قلبه وزن برة من خير، ويخرج من النار من قال:لا إله إلا الله وفي قلبه وزن من خير).وفي رواية (من إيمان) مكان (من خير). [ البخاري (1/103) بشرح فتح الباري]
وفي حديث أبي سعيد الخد ري، رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم، قالSadيدخل أهل الجنة الجنة، وأهل النار النار، ثم يقول الله تعالى: أخرجوا من كان في قلبه مثقال حبة من خردل من إيمان..). [ متفق عليه، وهو في: اللؤلؤ والمرجان (برقم: 116، ص: 47)]
قال الإمام النووي، رحمه الله-بعد أن ذكر مذاهب العلماء في زيادة الإيمان ونقصانه-: (فإذا تقرر ما ذكرناه من مذاهب السلف وأئمة الخلف، فهي متظاهرة متطابقة على كون الإيمان يزيد وينقص، وهذا مذهب السلف والمحدثين، وجماعة من المتكلمين... قال المحققون من أصحابنا المتكلمين: نفس التصديق لا يزيد ولا ينقص، والإيمان الشرعي يزيد وينقص، بزيادة ثمراته وهي الأعمال، ونقصانها...-إلى أن قال: فالأظهر والله أعلم أن نفس التصديق يزيد بكثرة النظر وتظاهر الأدلة، ولهذا يكون إيمان الصديقين أقوى من إيمان غيرهم، بحيث لا تعتريهم الشبه، ولا يتزلزل إيمانهم بعارض، بل لا تزال قلوبهم منشرحة نيرة، وإن اختلفت عليهم الأحوال، وأما غيرهم من المؤلفة ومن قاربهم ونحوهم، فليسوا كذلك، فهذا مما لا يمكن إنكاره، ولا يتشكك عاقل في أن نفس تصديق أبي بكر، رضي الله عنه، لا يساويه تصديق آحاد الناس..). [شرح النووي على مسلم: (1/148). وراجع الفتاوى، لابن تيمية (7/223، 562) فقد ذكر-بالتفصيل- الوجوه التي يكون بها زيادة الإيمان ونقصانه، وهو بحث مفيد جدا، ومنطقي]
الإيمان هو الأساس (دروس في الإيمان) %D8%AE%D9%84%D9%81%D9%8A%D8%A7%D8%AA-%D8%A2%D9%8A%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D9%83%D8%B1%D8%B3%D9%8A-%D9%85%D9%83%D8%AA%D9%88%D8%A8%D8%A9-2
(5)

الإيمان بربوبية الله تعالى
سبق أن أساس التسليم المطلق من العبد لربه سبحانه وتعالى، هو الإيمان بالغيب، وهو كل ما أخبر الله به عباده في كتبه، وعلى ألسنة رسله، عليهم الصلاة والسلام، وذلك شامل لما أخبر به تعالى عن نفسه، أو عن ملائكته، وكتبه ورسله واليوم الآخر، والقدر خيره وشره، وتلك هي أصول الإيمان، وفي حكمها كل التفاصيل الإيمانية الواردة في الكتاب والسنة-الثابتة-من أخبار الغيب، ما مضى منها وما سيأتي، ولهذا كانت أول صفات المتقين هي الإيمان بالغيب، كما قال تعالى: {ا لم ذلك الكتاب لا ريب فيه هدى للمتقين الذين يؤمنون بالغيب}البقرة:3.
الإيمان بالغيب يميز الإنسان عن الحيوان
و الإيمان بالغيب يفرق بين الإنسان والحيوان الذي لا يشعر إلا بالمحسوسات المادية، من طعام وشراب ونحوهما، ولهذا كان الكافر من البشر أضل في ميزان الله من الحيوان، كما قال تعالى: {ولقد ذر أنا لجهنم كثيرا من الجن والإنس لهم قلوب لا يفقهون بها ولهم أعين لا يبصرون بها ولهم آذان لا يسمعون بها أولئك كالأنعام بل هم أضل أولئك هم الغافلون}. الأعراف: 179
ومن الإيمان بالغيب الإيمان بأن الله تعالى، هو وحده خالق الكون بسماواته وأرضيه، وما فيهما وما بينهما، وأنه سيدها ومدبرها إذا أراد شيئا قال له كن فيكون.
شذوذ منكر وجود الخالق
وقد اتفقت على وجود خالقٍ لهذا الكون ومدبر لشؤونه الأمم كلها، على تعاقب أجيالها-وإن اختلفت تصوراتها لهذا الخالق المدبر-ولهذا كان هذا الإقرار من كل الأمم سببا في استدلال الرسل عليهم الصلاة والسلام به على كون هذا الخالق المدبر هو وحده الذي يستحق أن يعبد، ولا يستحق العبادة سواه، وهذا المعنى أي كون الله وحده يستحق العبادة دون سواه-هو الذي كان الكفار ينكرونه-بخلاف المعنى الأول -وهو كون الله هو الخالق المدبر-فإنهم كانوا يقرون به، وكان هو حجة الرسل عليهم فيما أنكروه.
والذين أنكروا كون الله هو الخالق المدبر، كانوا قلة شاذة في العالمين، وكان إنكارهم صادرا عن جحود ومكابرة، وليس عن شبهة يحتجون بها، كما قال تعالى: {وجحدوا بها واستيقنتها أنفسهم ظلما وعلوا} [ النمل: 14].
وإنكار هذه الفئة الشاذة لوجود الخالق المدبر، هو أعظم مكابرة من إنكار كون الله تعالى هو المعبود الحق وحده، والذي لا يعترف بوجود الخالق المدبر للكون، لا ينتظر منه أن يقر بوجود معبود واحد من باب أولى، بخلاف من أقر بوجود الخالق المدبر، فإنه-وإن أنكر وجود معبود واحد-لا يستبعد أن يعود عن إنكاره، ويقر بأن الخالق الواحد هو المعبود الحق الواحد، كما وقع ذلك من خلق كثير من المشركين من سائر الأمم.
إ قامة الله الحجة على من أنكر وجوده
ومع أن الرسل -عليهم الصلاة والسلام-لم يكون في حاجة إلى دعوة الناس إلى الإقرار بهذا التوحيد-أي أن الله هو الخالق المدبر-ولا إلى إقامة الحجة عليه، لإقرار عامة الناس به-وتنزيل الفئة الشاذة منزلة العدم-فإن الله تعالى قد أقام الحجة، على من يحتمل أن يكابر وينكر وجوده في أي زمان، أقام الله الحجة بالأدلة والبراهين القاطعة، على وجوده وتدبيره للكون وأنه المالك المتصرف فيه على مقتضى حكمته، وتلك الحجج والبراهين من الكثرة بحيث لا يمكن أن يحصيها إلا من استطاع أن يحصي كل ما خلق الله وأبدع في هذا الكون العظيم، ومن ذا الذي سيقول: أنا لها؟! فالكون كله كتاب مفتوح، لكل البشر، وكل شيء فيه دليل على الخالق المدبر الواحد. وفي -كل شيء له آية تدل على أنه واحد-.
والقرآن الكريم مليء بهذه الحجج والبراهين في هذا الباب، وهو ينتزع تلك الحجج والبراهين من هذا الكون المفتوح، بحيث يستطيع أن يرى تلك الحجج ويعقلها كل الناس، القارئ والأمي،والعالم والجاهل، بمجرد التأمل القليل الذي لا يحتاج إلى جهد جهيد، وليس من السهل استقصاء تلك الحجج والبراهين التي نصبها الله للدلالة على وجوده وتدبيره للكون، في القرآن الكريم، في هذه الرسالة المختصرة، ولكنا سنذكر شيئا منها، والقرآن الكريم موجود ميسر لمن أراد المزيد في هذا الباب.
قال تعالى: {خلق السماوات والأرض بالحق يكور الليل على النهار ويكور النهار على الليل وسخر الشمس والقمر كل يجري لأجل مسمى ألا هو العزيز الغفار خلقكم من نفس واحدة ثم جعل منها زوجها وأنزل من الأنعام ثمانية أزواج يخلقكم في بطون أمهاتكم خلقا من بعد خلق في ظلمات ثلاث ذلكم الله ربكم له الملك لا إله إلا هو فأنى تصرفون}. الزمر: 5-6.
وقال تعالى: {أمن خلق السماوات والأرض وأنزل لكم من السماء ماء فأنبتنا به حدائق ذات بهجة ما كان لكم أن تنبتوا شجرها ءإله مع الله بل هم قوم يعدلون أفمن جعل الأرض قرارا وجعل خلالها أنهارا وجعل لها رواسي وجعل بين البحرين حاجزا ءإله مع الله بل أكثرهم لا يعلمون أمن يجيب المضطر إذا دعاه ويكشف السوء ويجعلكم خلفاء الأرض ءْإله مع الله قليلا ما تذكرون أمن يهديكم في ظلمات البر والبحر ومن يرسل الرياح بشرا بين يدي رحمته ءإله مع الله تعالى عما يشركون أمن يبدأ الخلق ثم يعيده ومن يرزقكم من السماء والأرض ءإله مع الله قل هاتوا برهانكم إن كنتم صادقين}.النمل: 60-64.
وقال تعالى: {أم خلقوا من غير شيء أم هم الخالقون أم خلقوا السماوات والأرض بل لا يوقنون}. الطور: 35-36.
وقال تعالى: {قال فرعون وما رب العالمين قال رب السماوات والأرض وما بينهما إن كنتم موقنين}. الشعراء: 23-24.
وإذا كان عامة الناس في غابر الزمان قد أقروا بأن الله هو الخالق المدبر لهذا الكون، وكان دعاة التوحيد-من الأنبياء وأتباعهم-يدعون من أقر بذلك إلى ما كانوا ينكرونه-وهو توحيد الألوهية- ويستدلون عليهم فيما أنكروه من هذا التوحيد بما أقروا به،من توحيد الربوبية انسجاما مع الفطرة التي تلزمهم من ذلك الإقرار، فإن فطر كثير من الناس قد فسدت في هذا العصر، حتى بلغ بها تلاعب الشيطان وإضلاله إلى إنكار براهين هذا التوحيد-توحيد الربوبية-التي لا توازيها براهين، إذ هي قمة البراهين، بل أصبحت دول كبرى في العالم تقوم على أساس هذا الإلحاد، وهو إنكار وجود الخالق ومحاربة من يقربه، والأنكى من ذلك أن أنظمة تحكم شعوبا إسلامية قامت على هذا الأساس، وحاربت دعاة الإسلام وعلماءه الذين قاموا بتبصير الناس بانحرافهم وإلحادهم، ووالتهم أنظمة أخرى في بلدان المسلين علمانية أو شبه علمانية
الإيمان هو الأساس (دروس في الإيمان) %D8%AE%D9%84%D9%81%D9%8A%D8%A7%D8%AA-%D8%A2%D9%8A%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D9%83%D8%B1%D8%B3%D9%8A-%D9%85%D9%83%D8%AA%D9%88%D8%A8%D8%A9-2
(6)

الإيمان بالغيب هو الأساس
منطق غريب! هذا، ومع وجود الإلحاد وانتشاره وقيام دول على أ ساسه (1) - وبخاصة في بعض البلدان الإسلامية- يرى بعض المنتسبين إلى العلم، أنه لا حاجة إلى دعوة الناس إلى توحيد الربوبية هذا ا لذي أنكره كثير من أبناء المسلمين-فضلا عمن سواهم-، بحجة أن الرسل-عليهم الصلاة والسلام- لم يكونوا يدعون أممهم، إلى الإقرار بوجود الخالق المدبر للكون وهذا-في الحقيقة -منطق غريب، ودعوى فاسدة وحجة أو قياس أفسد، وما هو والله بمنطق يتوقع صدوره من طالب علم صغير، بله من يحمل مؤهلا في الشريعة الإسلامية، وقد يكون ممن تخصصه الدراسي في أصول الدين!
كيف يستوي في ميزان العلم والعلماء، قوم يقرون بوجود الخالق، فلا يحتاج الداعية إلى إضاعة الوقت في دعوتهم إلى الإقرار بما هم به مقرون، مع حاجته-وحاجة المدعوين-إلى دعوتهم إلى الإقرار بما هم له منكرون، وهو توحيد الألوهية، الذي يدل ما اعترفوا به من توحيد الربوبية، على ما أنكروه من توحيد الألوهية، كيف يستوي هؤلاء وقوم أنكروا هذا التوحيد الذي هو الدليل أشد الإنكار ولا يمكن أن يؤمنوا بألوهية الله وأنه المعبود الحق وحده-وهو المدلول في دعوة الأنبياء-إلا إذا أقروا أ ولا بوجود الخالق المدبر وحده لهذا الكون؟!
والرسل عليهم السلام-وإن لم يكونوا يدعون الناس إلى الإقرار بوجود خالق مدبر للكون، لإقرارهم بذلك أصلا-لم يكونوا يترددون في إقامة الحجة على من كابر وجحد-ولو كان في حقيقة الأمر موقنا بما جحد-فعندما قال فرعون لموسى عليه السلام: {وما رب العالمين} أجابه موسى فورا بقوله: {رب السماوات والأرض إن كنتم موقنين}، واستمر فرعون في جحوده واستمر موسى في إقامة الحجة والبرهان عليه، كما قال تعالى: {قال لمن حوله ألا تستمعون قال ربكم ورب آبائكم الأولين قال إن رسولكم الذي أرسل إليكم لمجنون قال رب المشرق والمغرب وما بينهما إن كنتم تعقلون قال لئن اتخذت إلها غيري لأجعلنك من المسجونين قال أولو جئتك بشيء مبين}. الشعراء: 23-30
ولم يقل موسى لفرعون: إن سؤالك لا يحتاج إلى جواب وأنت تعلم من هو رب العالمين.
ومع هذا فإنا نحمد الله تعالى على أن إنكار هذا التوحيد الذي لا يوجد أظهر منه في فطر الناس حتى عند الذين يكفرون بدين الإسلام، أو غيره من الأديان، قد أصبح إنكاره خرافة عند أطفال المسلمين الذين لم تدنس فطرهم ولم تجتلهم الشياطين، بل عند غير المسلمين من علماء الكون كالأطباء والفلكيين والجيولوجيين، وغيرهم ممن تجاوزوا موضوع الإقرار بوجود الخالق، إلى الإقرار برسالة الرسول صلى الله عليه وسلم و أن القرآن وحي من عند الله، بناء على ما بهرهم من المعجزات الكونية والآفاقية والنفسية التي أشار إليها القرآن الكريم والتي لم يكن أحد في ذلك الوقت يخطر له ذلك على بال، ولم توجد وسائل تمكن البشر من اكتشاف ما أشار إليه القرآن إلا في السنوات القريبة جدا-مع ما يمتاز به القرآن من الدقة في التعبير والمصطلحات كما هو الحال في علم الأجنة-.
والذي يتتبع نشاط مؤتمرات وندوات الإعجاز العلمي في القرآن والسنة المنبثقة عن هيئة الإعجاز العلمي في القرآن والسنة التي أنشأها الشيخ عبد المجيد بن عزيز الزنداني اليمني في مقر رابطة العالم الإسلامي في مكة المكرمة يتضح له أن إنكار وجود الخالق المدبر لهذا الكون قد أصبح خرافة وإن أصر المكابرون على إنكاره.
لكن ما دام يوجد في الأرض من يظهر عدم الإيمان بهذا التوحيد-سواء أكان من الملحدين الأجانب أم من أذنابهم الذين اتبعوهم من ذرا ري المسلمين، وسواء أكانوا صادقين في إنكارهم أم كاذبين فلا بد من إقامة الحجة عليهم، ولابد من دعوتهم إلى الإقرار بتوحيد الربوبية الذي هو الدليل على توحيد الألوهية.
وقد أبرز علماء الإسلام-قديما وحديثا-الأدلة والبراهين على وجود الخالق المدبر للكون، ومن الكتب النفيسة التي عنيت بهذا الأمر: كتاب (مفتاح دار السعادة ومنشور ولاية العلم والإرادة) لابن قيم الجوزية رحمه الله الذي جال في أبوابه وفصوله جولات واسعة في الكون الفسيح بسماواته وأرضه وما بينهما وفي الأنفس التي أودع الله فيها ما يحيي القلوب من الموت ويشفي الأبصار من العمى، وإنه ليذكر رحمه الله أمورا مفصلة في الكون والإنسان، حتى كأنه يعيش في هذا العصر الذي يسمى عصر الاكتشافات العلمية، وفيه ظهر من الحجج والبراهين الكونية والنفسية ما لم يظهر كثير منه في العصور السابقة، بسبب الوسائل والإمكانات التي توافرت فيه ولم تتوافر في غيره، فظهر فيه كثير مما أشار الله إليه أو أشار إليه رسوله، تحقيقا لوعد الله القائل: {قل أر أيتم إن كان من عند الله ثم كفرتم به من أضل ممن هو في شقاق بعيد سنريهم آياتنا في الآفاق وفي أنفسهم حتى يتبين لهم أنه الحق أولم يكف بربك أنه على كل شيء شهيد} فصلت: 52-53.
وإذا استقر في نفس الإنسان أن الكون كله أوجده خالق واحد لا يشاركه في هذا الإيجاد أحد وأن هذا الخالق هو المالك لجميع المخلوقات، لأنه هو وحده خالقها ومدبرها، علم هذا الإنسان أنه مخلوق مملوك مدبر لهذا الخالق المالك المدبر، كغيره من المخلوقات، و المخلوق المملوك المدبر لابد أن يخضع لخالقه ومالكه ومدبره، فيمتثل أمره الذي هو فيه مختار، كما يخضع لإرادته في ما هو مضطر، وبطاعته الاختيارية لأمر الخالق يمتاز الإنسان-ومثله الجن-عن سائر المخلوقات المسيرة بأمر ربها القدري، كالشمس والقمر، وسائر الكواكب والأفلاك، والحيوانات والبحار والأنهار والجبال، وغيرها. كما قال تعالى: {ألا له الخلق والأمر}. الأعراف: 54. وقال تعالى {وربك يخلق ما يشاء ويختار ما كان لهم الخيرة من أمرهم}. القصص: 68.
فالأثر المترتب على الإيمان بأن الله هو الخالق المالك المدبر هو خضوع العبد المخلوق المملوك المدبر، خضوعا مطلقا لأمر الخالق فيما يختار كخضوعه له فيما لا اختيار له فيه، فكما يمرض ويصح، ويحيا ويموت، خاضعا لأمر الله القدري بدون اختيار منه فإنه يؤمن بالله، ويصلي ويصوم ويحج ويتصدق، ويحكم بما أنزل الله، ويفعل كلما يحب الله منه أن يفعل، ويترك كلما يحب الله أن يترك،مختارا خاضعا لأمر الله الشرعي كخضوعه لأمر الله القدري.
ولهذا يترتب على الإقرار بأن الله هو الخالق المدبر المالك الرازق المحيي المميت وحده، الإقرار بأنه تعالى الإله المعبود بحق وحده لا شريك له.
الإيمان هو الأساس (دروس في الإيمان) %D8%AE%D9%84%D9%81%D9%8A%D8%A7%D8%AA-%D8%A2%D9%8A%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D9%83%D8%B1%D8%B3%D9%8A-%D9%85%D9%83%D8%AA%D9%88%D8%A8%D8%A9-2
(7)

الإيمان بأن الله هو المعبود الحق وحده
وهذا هو أساس المطالب و العلوم الإلهية كلها، وهو الذي بعث الله تعالى به رسله، وأنزل به عليهم كتبه، وأمرهم أن يدعوا خلقه إلى الإقرار به وأن يبينوه لهم غاية البيان، وهو أساس كل صلاح في الأرض بل في الكون كله ولا صلاح ولا خير ولا سعادة ولا استقامة ولا طمأنينة في الحياة إلا بهذا الإيمان، بل لا يوجد بدونه إلا الفساد والشر والانحراف والقلق والاضطراب. وهذا الإيمان لازم لكل من آمن بأن الله تعالى هو الخالق المدبر لأمر الكون، دون من سواه، لأن الذي يختص بالخلق والتدبير لهذا الكون-ومنه الإنسان-يجب عند ذوي العقول السليمة أن يكون هو وحده الإله المعبود، الذي يأمر فيطاع أمره، وينهى فيجتنب نهيه، كما أنه يقول للشيء كن فيكون خلقا وإيجادا، فيجب أن يطاع أمره شرعا واختيارا.
شمول العبادة لحياة الإنسان
وهذا شامل لحياة الإنسان كلها، ولهذا قصر سبحانه وتعالى الحكمة في خلقه الجن والإنس على عبادته، أي إنه تعالى إنما أو جدهم في هذه الأرض من أجل أن يعبدوه، وليس لشيء آخر غير عبادته، كما قال تعالى: {وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون..} الذاريات 56. وقال تعالى: {قل إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين لا شريك له وبذلك أمرت وأنا أول المسلمين}، الأنعام: 162-163. وبأمره ونهيه-وهما ركنا عبادته اللذين تضمنتهما كلمة التوحيد-يبتلي الله تعالى عباده، كما قال عز وجل: {الذي خلق الموت والحياة ليبلوكم أيكم أحسن عملا وهو العزيز الغفور}. الملك: 2. وتلك-أي الدعوة إلى أن يكون الله وحده هو المعبود الحق-هي وظيفة الرسل عليهم الصلاة والسلام، كما قال تعالى: {ولقد بعثنا في كل أمة رسولا أن اعبدوا الله واجتنبوا الطاغوت}. النحل: 6
ولشمول العبادة-التي هي لب توحيد الألوهية-لكل تصرفات الإنسان كانت الأحكام التكليفية التي لا يشذ عنها أي نشاط يقوم به العبد داخلة في معنى العبادة، فمن فعل الواجب امتثالا لأمر الله، وهكذا المندوب، أو ترك المحرم طاعة لله، وكذا المكروه، أثابه الله على ذلك كله، وهكذا إذا فعل المباح قاصدا شكر ربه عليه والتقوى به على طاعته، أو تركه خشية أن يوقعه في ما به بأس فإنه يثاب عند الله على فعله وتركه، وإن ترك الواجب أو فعل المحرم كان آثما، ومن رحمة الله بعبده عدم مؤاخذته بفعل المكروه، أو ترك المندوب.
وهذا كله يدل على شمول العبادة لحياة الإنسان كلها، وهو ما فهمه علماء الإسلام من معنى العبادة وبينوه بعبارات متنوعة، مؤداها واحد، ومن أجمع تعريفا تهم وأشملها قول شيخ الإسلام ابن تيمية، رحمه الله:{العبادة اسم جامع لكل ما يحبه الله ويرضاه من الأقوال والأعمال الباطنة والظاهرة.} [مجموع الفتاوى (10/149)].

===========
(1) [لقد انهارت دولة الإلحاد الكبرى-الاتحاد السوفييتي، وبدأت دولة الصين في التراجع المتدرج عن هذا المبدأ البغيض-وتمزقت،وأضحت تتقاتل فيما بينها، وتتسمى بأسماء أخرى-كالاشتراكية-بدلا من الشيوعية والماركسية، لتوهم الناس أنها تخلت عن العار الذي حكمتهم به ما يقارب قرنا من الزمن، ليحافظ أربابها على كراسي حكمهم، وهم في الحقيقة مازالوا ملحدين، وإذا قدروا مرة أخرى-وماإخالهم بإذن الله قادرين-فلا أظنهم يترددون في إعادة إلحاد هم الصريح إلى سابق عهده المنهار. ونحمد لله الذي قضى على دول الإلحاد في بلدان المسلمين وأخزى زعماءهم فتركوا قصورهم التي أورثها الله الذين ظلموهم لما يقرب من ثلاثة عقود. ونسأل الله أن يهدي من بقي من أتباعهم للحق أو يفرق جمعهم، ويشتت شملهم حتى لا تقوم لهم قائمة أبدا]،
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://el-quran.ahlamontada.com
Admin
Admin
Admin


المساهمات : 4240
تاريخ التسجيل : 20/01/2018

الإيمان هو الأساس (دروس في الإيمان) Empty
مُساهمةموضوع: رد: الإيمان هو الأساس (دروس في الإيمان)   الإيمان هو الأساس (دروس في الإيمان) Emptyالخميس فبراير 22, 2018 6:07 am

الإيمان هو الأساس (دروس في الإيمان) %D8%AE%D9%84%D9%81%D9%8A%D8%A7%D8%AA-%D8%A2%D9%8A%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D9%83%D8%B1%D8%B3%D9%8A-%D9%85%D9%83%D8%AA%D9%88%D8%A8%D8%A9-2
[img](Cool أساس صلاح العالم عبادة الله، وأساس فساده اتباع الهوى: وإذا كان هذا هو معنى العبادة في الإسلام-وهي حقيقة التوحيد ولبه وجوهره-وكان قلب العبد وجوارحه كلها لله تعالى، فعلم العبد ذلك وآمن به وعمل بمقتضاه فإنه لا يترك أمرا يأتيه من ربه ولا يرتكب نهيا من نواهيه، سواء تعلق ذلك بقلبه أو بجوارحه، وسواء تعلق بحق الله أو بحقوق عباده، وهذا هو أساس صلاح الأمة في الأرض وصلاح أحوالها. والذي لا يفهم هذا المعنى، ولا يؤمن به فإنه سيتبع في تصرفاته غير أمر ربه ونهيه-أ ي إنه سيطبق غير شرع الله-وذلك هو عين اتباع الهوى-هوى نفسه أو هوى غيره-واتباع الهوى الشاذ عن هدى الله، هو أساس الفساد في الأرض وأهواء الناس تختلف وتتضارب لا يضبطها ضابط، بل إن هوى الإنسان الواحد يختلف بين وقت وآخر، فقد يرى الشيء الآن حسنا فيفعله ويدعو إلى فعله ويرغب فيه، وقد يرى هذا الإنسان ذلك الشيء نفسه في وقت آخر-قرب أم بعد-قبيحا يكرهه ويبتعد عنه وينفر منه ويعادي من يفعله، بدون ضابط من دين أو خلق أو مصلحة راجحة في الحالين، إلا اتباع الهوى، كما قال الشاعر: لا تمدحن ابن عباد وإن هطلت *** يداه كالمزن حتى تخجل الديما فإنها فلتات من وســاوسه *** يعطي ويمنع لا بخلا ولا كرمـا وبذلك تتصادم الأهواء، وتتعارض الرغبات، و يتنافس أصحابها في إشباعها، كل يريد أن يشبع هواه ورغبته، ضد شهوات الآخرين ورغباتهم، فيعم الأرض الفساد وتهدر فيها الضرورات التي اتفقت الشرائع على وجوب حفظها-ولا حفظ لها بدون اتباع أمر الله ونهيه-ويصبح التنازع والخصام والظلم والحروب هي القاعدة التي يتعامل بها الناس، كما هو شأن العالم اليوم. لذلك لابد أن يكون هذا المعنى واضحا في أذهان الناس-وبخاصة المسلمين-أفرادا وأسرا وشعوبا، حكاما ومحكومين، لأن كل تصرف يبنى على هذا المعنى يكون صلاحا، وكل تصرف يبنى على غيره، يكون فسادا، ومن هنا نفى الله تعالى عن رسوله صلى الله عليه وسلم أن ينطق في ما جاء به من رسالته عن هواه غير المحكوم بالوحي، بل أكد تعالى أنه لا ينطق إلا عن وحي منه، قال تعالى:{وما ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحي}.النجم:3-4 وأخبر سبحانه أن الذين يخالفون وحيه، ويتركون اتباع رسوله المبرأ من الهوى، ويصرون على الكفر به وبما جاء به من عند ربه، وعلى الاستهزاء به واعتقاد أن ما هم عليه من الضلال هو الحق وما جاء به من الهدى هو الضلال، أخبر تعالى أن سبب ذلك كله هو اتباع الهوى الذي لا مطمع في اهتداء صاحبه لأنه اتخذ إلهه هواه، فقال تعالى: {وإذا رأوك إن يتخذوك إلا هزوا أهذا الذي بعث الله رسولا إن كاد ليضلنا عن آلهتنا لولا أن صبرنا عليها وسوف يعلمون حين يرون العذاب من أضل سبيلا أرأيت من اتخذ إلهه هواه أفأنت تكون عليه وكيلا أم تحسب أن أكثرهم يسمعون أو يعقلون إن هم إلا كالأنعام بل هم أضل سبيلا}. الفرقان:41-44. وأخبر تعالى أن اتباع الهوى يورث الفساد في الكون كله، وأنه-تعالى وتنزه-لو راعى في تدبير الكون أهواء أعداء الحق وأنصار الباطل لعم هذا الكون الفساد، قال تعالى: {أم يقولون به جنة بل جاءهم بالحق وأكثرهم للحق كارهون ولو اتبع الحق أهواءهم لفسدت السماوات والأرض ومن فيهن بل أتيناهم بذكرهم فهم عن ذكرهم معرضون}. المؤمنون: 70-71. قال ابن جرير رحمه الله: (يقول تعالى ذكره: ولو عمل الرب تعالى ذكره بما يهوى هؤلاء المشركون، وأجرى التدبير على مشيئتهم وإرادتهم وترك الحق الذي هم له كارهون لفسدت السماوات والأرض ومن فيهن، وذلك أنهم لا يعرفون عواقب الأمور والصحيح من التدبير والفاسد، فلو كانت الأمور جارية على مشيئتهم وأهوائهم، مع إيثار أكثرهم الباطل على الحق، لم تقر السماوات والأرض ومن فيهن من خلق الله.) [جامع البيان عن تأويل آي القرآن، في تفسير الآية المذكورة]. فإذا قام العبد بطاعة ربه على أساس أمره ونهيه-الذين تضمنهما هذا التوحيد- وخالف هواه وهوى غيره-المخالفين لوحيه-تحققت له ولأمته السالكة مسلكه السعادة والصلاح في الدنيا والآخرة، وزالت من حياتهم الشقاوة التي لا تزول إلا باتباع أمر الله، وذلك هو تطبيق شريعته المبني على الإقرار بألوهيته والعمل بمقتضاها وإلا عم الكون كله الفساد باتباع الهوى، جزاء وفاقا.[/img]

الإيمان هو الأساس (دروس في الإيمان) %D8%AE%D9%84%D9%81%D9%8A%D8%A7%D8%AA-%D8%A2%D9%8A%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D9%83%D8%B1%D8%B3%D9%8A-%D9%85%D9%83%D8%AA%D9%88%D8%A8%D8%A9-2
(9)

وجوب الإيمان بأسماء الله وصفاته على أساس قاعدتين
اعلم أنه يجب الإيمان بأسماء الله تعالى وصفاته كما وردت في كتابه، وفي سنة رسوله الصحيحة على أساس قاعدتين:
القاعدة الأولى: إثباتها على أساس تنزيه الله تعالى عن مشابهة المخلوقين، وقد دلت على هذه القاعدة نصوص كثيرة، في القرآن والسنة، كما قال الله تعالى ى {ليس كمثله شيء وهو السميع البصير}. الشورى: 11
القاعدة الثانية: فهم معناها مع قطع الطمع عن الإحاطة بكيفيتها،كما قال تعالى:{يعلم ما بين أيديهم وما خلفهم ولا يحيطون به علما} طه:110.
فإذا آمن العبد بأسماء الله وصفاته على أساس هاتين القاعدتين، وعلم هذا المطلب العظيم، وتعبد ربه سبحانه وتعالى به، حقق له العبودية لله تعالى.
وقد حفل كتاب الله، وكذا سنة رسوله، صلى الله عليه وسلم، بذكر أسماء الله وصفاته في سياق تقرير أصول الإيمان وفروعه، وفي سياق تقرير قواعد الإسلام وأجزائه، وفي تشريع الأحكام الفقهية بأبوابها المتنوعة، ليتعرف الله بتلك الأسماء والصفات الجليلة، إلى عباده، فيعبدوه بها حق عبادته، وليربط سبحانه تصرفاتهم، به عن طريق أسمائه وصفاته، التي يريد منهم أن يستحضروها عند تصرفاتهم في الحياة-فعلا وتركا-فيذكروا ربهم عند ذلك، ذكرا يدفعهم إلى العمل بما يرضيه، وترك ما يسخطه.

(10)

الغاية من معرفة أسماء الله وصفاته:
وقد بين تعالى الغاية من تعرفه إلى عباده بأسمائه الحسنى وصفاته العلا، وهي عبادته بها، كما قال تعالى: {قل ادعوا الله أو ا دعوا الرحمان أيا ما تدعوا فله الأسماء الحسنى}. الإسراء: 110. وقال تعالى: {ولله الأسماء الحسنى فادعوه بها وذروا الذين يلحدون في أسمائه سيجزون ما كانوا يعملون} الأعراف: 180.
وضوح تلك الغاية في القرآن لمن تدبره:
وإنه ليصعب على الباحث تتبع المواضع التي وردت فيها أسماء الله وصفاته، في أصول الإيمان وفروعه، وقواعد الإسلام وجزئيا ته، لكثرة ذلك في كتاب الله، ولكن قارئ القرآن إذا تدبره أدنى تدبر، وتأمله أدنى تأمل، تبين له بوضوح أن كل اسم أو صفة، ذكرها الله في كتابه في أي مناسبة كانت يكون المقصود منها تلك الغاية العظيمة، وهي ذكر الله في كل فعل وترك، ذكرا يدفع صاحبه إلى العمل بما يرضي الله، وترك ما يسخطه.
مناسبة الأسماء والصفات للسياقات التي تذكر فيها:
كما أن كل اسم من أسماء الله، أو صفة من صفاته، يكون ذكرها مناسبا للسياق الذي ذكرت فيه غاية المناسبة، فإذا كان السياق يقتضي رحمة الله ومغفرته، ذكر فيه ما يناسب ذلك كأسمائه:الرحمن الرحيم الغفور، وإذا كان السياق يقتضي إشعار العبد بما يعمل في سره وعلنه، ذكرت الأسماء الدالة على كمال علم الله وإحاطته بكل شيء،كأسمائه: العليم البصير السميع العليم الخبير، وإذا كان السياق يقتضي قدرة الله وجبروته وعظمته، ذكر من أسمائه ما يناسب ذلك، كأسمائه: العظيم الجبار المتكبر القهار، والمقصود من ذلك-والله أعلم-أن يعبد الإنسان ربه حق عبادته بأسمائه وصفاته، فيكون في كل أفعاله مرتبطا بربه-فعلا وتركا-مخلصا أعماله لله، مطيعا له طاعة كاملة، محبا لما يحبه الله، مبغضا لما يبغضه الله.

(11)

مناسبة أسماء الله وصفاته للسياق الذي تذكر فيه:
1- سياقات تقتضي رحمة الله ومغفرته و رأفته ، وهي كثيرة جدا، نذكر شيئا منها باختصار: من ذلك قوله تعالى: {وما كان الله ليضيع إيمانكم إن الله بالناس لرؤف رحيم}. البقرة: 143. وقد ذكر في سبب نزولها أن بعض أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، كانوا يصلون إلى بيت المقدس ثم ماتوا قبل الأمر باستقبال الكعبة، فتساءل الناس: ما حال صلاة أولئك؟ فأنزل الله هذه الآية، ليعلم الناس أنه تعالى أرأف بعباده وأرحم بهم من أنفسهم، وأن رحمته تقتضي عدم ضياع أعمالهم الصالحة [ راجع تفسير الآية في تفسير القرآن العظيم لابن كثير]. وقوله تعالى: {إنما حرم عليكم الميتة والدم ولحم الخنزير وما أهل به لغير الله فمن اضطر غير باغ ولا عاد فلا إثم عليه إن الله غفور رحيم}. البقرة: 173.
فمن رحمة الله بعباده أن لا يوقعهم-فيما شرع لهم-في حرج لذلك أحل لهم ما حرم عليهم عند الضرورة، ورفع عنهم الإثم. وقوله تعالى: {واقتلوهم حيث ثقفتموهم وأخرجوهم من حيث أخرجوكم والفتنة أشد من القتل ولا تقاتلوهم عند المسجد الحرام حتى يقاتلوكم فيه فإن قاتلوكم فاقتلوهم كذلك جزاء الكافرين فإن انتهوا فإن الله غفور رحيم}.البقرة:191-192.[ راجع المصدر المذكور في الحاشية السابقة]
إن أعداء الله من الكفار، يحاد ونه ويحاربون دينه ويناصبون أولياءه العداء ويقاتلونهم بسبب عبادتهم لربهم، فإذا تابوا إلى الله وأنابوا فأسلموا له نالتهم رحمة الله فورا وجب إسلامهم ما قبله، وأصبحوا من أوليائه بعد أن كانوا قبل وقت قصير من أعدائه، وأذهب الله من قلوب المؤمنين الذين آذوهم وقاتلوهم الغيظ الذي كان بها، فأصبحوا إخوانهم، لهم ما لهم وعليهم ما عليهم .وقوله تعالى: {يا أيها الذين آمنوا لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل إلا أن تكون تجارة عن تراض منكم ولا تقتلوا أنفسكم إن الله كان بكم رحيما}. النساء: 29.
إن حفظ الأموال وحفظ الأنفس من الضرورات التي لا حياة للناس بدونه، لذلك اقتضت رحمة الله وحكمته أن يشرع لعباده حفظ أموالهم وأنفسهم بتحريم الاعتداء عليهما، لما يترتب على الاعتداء عليهما من الفتن والمصائب، فناسب السياق ذكر رحمة الله بعباده حيث شرع لهم ذلك.
وقال تعالى: {ولو أنهم إذ ظلموا أنفسهم جاءوك فاستغفروا الله واستغفر لهم الرسول لوجدوا الله توابا رحيما}. النساء: 64.إن المنافقين الذين لا يفتأ ون يكيدون للمسلمين، ويفسدون في الأرض خلافا لمراد الله من إصلاحها، ويصدون عن سبيل الله، ومع ذلك يدعوهم الله للأوبة إليه ليغمرهم برحمته، وهذا يدعو العصاة من الكفار والمنافقين والفسقة أن لا ييأسوا من رحمة الله ومغفرته مهما كثرت ذنوبهم فرحمة الله واسعة يقبل التوبة ويبدل سيئات أهلها حسنات.

(12)

أمثلة تدل على مناسبة أسماء الله وصفاته للسياق الذي تذكر فيه:

2- سياقات تقتضي الجمع بين الرحمة والأمن والعزة والجبروت والقدرة
كما هو الحال في سورة الحشر التي ذكر الله فيها ما جرى من نصره وتأييده، لعباده المؤمنين، على أعدائهم اليهود والمنافقين الذين تواطؤا على الكيد للرسول صلى الله عليه وسلم، وأصحابه فاقتضى السياق أن يذكر من أسمائه ما فيه من رحمة وأمن وسلامة، ونصر وعزة، لعباده المؤمنين، وما فيه من هيمنة وكبرياء وعظمة وإذلال، للكافرين، فختم تعالى السورة بقوله: {هو الله الذي لا إله هو عالم الغيب والشهادة هو الرحمان الرحيم هو الله الذي لا إله إلا هو الملك القدوس السلام المؤمن المهيمن العزيز الجبار المتكبر سبحان الله عما يشركون هو الله الخالق البارئ المصور له الأسماء الحسنى يسبح له ما في السماوات والأرض وهو العزيز الحكيم}. الحشر: 22-24.
فأسماؤه:الرحمان الرحيم، السلام المؤمن، يناسب أن تذكر في سياق ما أنعم به على المؤمنين ورحمهم ولطف بهم من كيد عدوهم، كما أن أسماءه: الملك العزيز الجبار المتكبر يناسب ذلك أيضا لأنها تدل على أنه قادر على نصرهم على عدوهم، في كل زمان كما نصرهم آنذاك، ويناسب أيضا أن تذكر في سياق عتو المشركين وتكبرهم عن الإيمان بالله وعن طاعته، وأنه تعالى قد أذلهم ونصر المؤمنين عليهم، وهو تهديد لهم، ولأمثالهم، حتى يكفوا عن إيذاء عباده، ويتوبوا إلى الله من عتوهم، وإلا فهو لهم بالمرصاد.
ومن ذلك قوله تعالى {ذلكم بأنكم اتخذتم آيات الله هزوا وغرتكم الحياة الدنيا فاليوم لا يخرجون منها ولا هم يستعتبون فلله الحمد رب السماوات والأرض رب العالمين وله الكبرياء في السماء والأرض وهو العزيز الحكيم} الجاثية:35-37
وقوله تعالى {فإن زللتم من بعد ما جاءتكم البينات فاعلموا أن الله عزيز حكيم}. البقرة: 209.
وقوله تعالى {ولينصرن الله من ينصره إن الله لقوي عزيز}. الحج: 40
والقوة والعزة يناسب ذكرهما النصر لأن من كان قويا عزيزا كانت له الغلبة.
وقوله تعالى: {وما قدروا الله حق قدره إن الله لقوي عزيز}. الحج: 74.
وقوله تعالى: {كذبوا بآياتنا كلها فأخذناهم أخذ عزيز مقتدر} القمر:42.
وقوله تعالى: {لقد أرسلنا رسلنا وأنزلنا معهم الكتاب والميزان ليقوم الناس بالقسط وأنزلنا الحديد فيه بأس شديد ومنافع للناس وليعلم الله من ينصره ورسله إن الله قوي عزيز}. الحديد: 25.
وفي ذكر اسميه الكريمين هنا: قوي عزيز، ما يناسب وعد أوليائه بالنصر ووعيد أعدائه بالهزيمة .
وقوله تعالى: {فلا تحسبن الله مخلف وعده رسله إن الله عزيز ذو انتقام} إبراهيم:47.
وقال تعالى في ختام آية الكرسي، بعد أن ذكر بعض صفاته العظيمة، كالحياة والقيومية وإحاطة علمه بكل شيء، ونفى عن نفسه ما يضاد ذلك من صفات النقص، كالسنة والنوم قال: {وهو العلي العظيم}.البقرة:225.
وقوله تعالى {ذلك بأن الله هو الحق وأن ما يدعون من دونه الباطل وأن الله هو العلي الكبير}. الحج: 62
وقوله تعالى:{ولا تنفع الشفاعة عنده إلا لمن أذن له حتى إذا فزع عن قلوبهم قالوا ما ذا قال ربكم قالوا الحق وهو العلي الكبير}. سبأ: 2.
وقوله تعالى: {واللاتي تخافون نشوزهن فعظوهن واهجروهن في المضاجع واضربوهن فإن أطعنكم فلا تبغوا عليهن سبيلا إن الله كان عليا كبيرا}.النساء:34.
تأمل كيف شرع الله للرجل تأديب زوجه عند الحاجة إلى تأديبها، ثم نهاه عن البغي عليها، ثم ذكره أنه-أي الرجل-وإن كان أقوى من المرأة، وقد شرع له تأديبها عند الحاجة فإنه لا يجوز له أن يستغل قوته ويظلم زوجه، فإن فعل فليعلم أن الله أقوى منه، وفي ذلك تهديد وزجر له عن الاعتداء. فالمخلوق مهما علا وتجبر فالله أقوى منه.
وإذا كان في آيات الرحمة والرأفة والمغفرة ما يدعو العبد إلى محبة الله والطمع فيما عنده والإسراع إلى رضاه بفعل طاعته واجتناب معصيته، فإن في ذكر آيات الجبروت والعظمة والعزة والقوة ما يدعو العبد إلى الخوف من الله ومن عذابه، وبذلك يكون العبد دائما متقلبا بين الرجاء والخوف، فالرجاء يحفزه على الإسراع إلى طاعة الله، والخوف يحجزه من ارتكاب معصية الله، بل كل منهما يحفزه على الطاعة، ويحجزه عن المعصية. وفي ذلك يكمن صلاح الفرد والأسرة والأمة.

(13)

3- سياقات تقتضي إحاطة علم الله بكل ما يعمل العبد في سره وعلنه:

وفي هذه السياقات يذكر الله تعالى من أسمائه وصفاته ما يجعل العبد يشعر بأن الله معه في كل أحواله، يعلم هواجس نفسه وحركات أعضائه وما ينطق به لسانه وذلك هو معنى رقابة الله على عبده ويسميه العلماء: الواعظ الأعظم والزاجر الأكبر، وفي هذه السياقات يناسب ذكر أسمائه: السميع البصير العليم عالم الغيب والشهادة اللطيف الخبير..

من ذلك قوله تعالى: {إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها وإذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل إن الله نعما يعظكم به إن الله كان سميعا بصيرا}. النساء: 58.

وقوله تعالى: {يا أيها الذين آمنوا كونوا قوامين بالقسط شهداء لله ولو على أنفسكم أو الوالدين والأقربين إن يكن غنيا أو فقيرا فالله أولى بهما فلا تتبعوا الهوى أن تعدلوا وإن تلووا أو تعرضوا فإن الله كان بما تعملون خبيرا}. النساء: 135.

وقال تعالى: {إن الله لا يخفى عليه شيء في الأرض ولا في السماء}. آل عمران: 5.

وقال تعالى: {وإذا لقوا الذين آمنوا قالوا آمنا وإذا خلا بعضهم إلى بعض قالوا أتحدثونهم بما فتح الله عليكم ليحاجوكم به عند ربكم أفلا تعقلون أولا يعلمون أن الله يعلم ما يسرون وما يعلنون}. البقرة: 76.

وقوله تعالى: {إن الذين يحادون الله ورسوله كبتوا كما كبت الذين من قبلهم وقد أنزلنا آيات بينات وللكافرين عذاب مهين يوم يبعثهم الله جميعا فينبئهم بما عملوا أحصاه الله ونسوه والله على كل شيء شهيد ألم تر أن الله يعلم ما في السماوات وما في الأرض ما يكون من نجوى ثلاثة إلا هو رابعهم ولا خمسة إلا هو سادسهم ولا أدنى من ذلك ولا أكثر إلا هو معهم أينما كانوا ثم ينبئهم بما عملوا يوم القيامة إن الله بكل شيء عليم}. المجادلة: 5-7.

وقوله تعالى: {قل إن تخفوا ما في صدوركم أو تبدوه يعلمه الله ويعلم ما في السماوات وما في الأرض والله على كل شيء قدير يوم تجد كل نفس ما عملت من خير محضرا وما عملت من سوء تود لو أن بينها وبينه أمدا بعيدا ويحذركم الله نفسه والله رؤف بالعباد}.آل عمران: 29-30.

وفي حديث جبريل المشهور قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لإحسان أن تعبد الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك) [مسلم (1/37)]

والذي يشهد قلبه إحاطة علم الله بكل شيء لا تخفى عليه خافية في الأرض ولا في السماء سيدفعه ذلك إلى تحري ما يرضي ربه ليفعله، وما يسخطه، ليجتنبه، وستكون في قلبه رقابة ذاتية لا تفارقه وذلك هو عين الصلاح الذي تنشده الأمة الإسلامية، بل العالم كله.

فإذا أضيف إلى ذلك علمه بكمال قدرة الله التي لا يقف أمامها شيء والتي يصورها قوله جل شأنه {إذا قضى أمرا فإنما يقول له كن فيكون}. آل عمران:47، زاده ذلك حرصا على فعل الخير وترك الشر، لعلمه أن الله الذي أحاط بكل شيء علما قد أحاط بكل شيء قدرة، فكما لا يخفى عليه شيء فإنه لا يعجزه شيء ومن ذا الذي لا يرغب في ثواب العليم القدير على ما يقدم من الحسنات، ومن لا يخاف من العليم القدير أن يعاقبه على ما يأتي من السيئات؟!

ومن كمال قدرته وكمال علمه تعالى أن جعل أعضاء الإنسان تسجل عليه أعماله التي يباشرها بتلك الأعضاء، فإذا جاء وقت الجزاء والحساب شهدت عليه بكل ما اقترف، وأين يفر الإنسان من جلده وسمعه وبصره ويده ورجله، وهي تلازمه في كل مكان، بل بها يتعاطى الخير أو الشر؟!إن أعضاء الإنسان آلات تصوير-كمرات-تصور حركاته في الليل وفي النهار في الضوء وفي الظلمة، في السر وفي العلن، وهي كذلك آلات تسجيل-كاسيت-تسجل أصواته لتحتفظ بها فتفاجئه بما لم يكن يتوقع من شهادتها عليه، قال تعالى: {ويوم يحشر أعداء الله إلى النار فهم يوزعون، حتى إذا ما جاؤها شهد عليهم سمعهم وأبصارهم وجلودهم بما كانوا يعملون وقالوا لجلودهم لم شهدتم علينا قالوا أنطقنا الله الذي أنطق كل شيء وهو خلقكم أول مرة وإليه ترجعون وما كنتم تستترون أن يشهد عليكم سمعكم ولا أبصاركم ولا جلودكم ولكن ظننتم أن الله لا يعلم كثيرا مما تعملون وذلكم ظنكم الذي ظننتم بربكم أرداكم فأصبحتم من الخاسرين}. حم السجدة : 19-23.

وقال تعالى: {يوم تشهد عليهم ألسنتهم وأيديهم وأرجلهم بما كانوا يعملون}. النور: 24.

فالعلم بأسماء الله الحسنى وصفاته العلا والإيمان بها، والتربية على معانيها والتعبد لله بها، كل ذلك له أثره العظيم في صلاح الفرد والأسرة والأمة.

ولهذا يكثر ذكر اسم الله تعالى وغيره من أسمائه في القرآن والسنة في المناسبات المتنوعة في الموضوعات الإيمانية والأخلاقية والفقهية القضائية والأسرية، والجهادية والمالية وغيرها، لربط حركات المسلم وتصرفاته في تلك الأبواب كلها بالله تعالى، وكذلك أمر الله تعالى بالإكثار من ذكره، كما قال تعالى: {يا أيها الذين آمنوا اذكروا الله ذكرا كثيرا} الأحزاب 41.

كما ذكر الله تعالى أن من صفات عباده المؤمنين الإكثار من ذكره الذي أمرهم به، فقال: {والذاكرين الله كثيرا والذاكرات}. الأحزاب: 35. لأن الذي يكثر من ذكر الله-بلسانه وقلبه-ويفقه معاني أسمائه وصفاته، الغالب أن يداوم على طاعته فيفوز برضاه، بخلاف من رددها بلسانه وقلبه لاه، فإنه لا يحوز المقصد الذي أراده الله من ذكره بأسمائه الحسنى، وإن كان يرجى له مع تكرارها أن ينال بركتها فيحاول التفقه في معانيها والتعبد المطلوب بها.

ومن هنا كان المكثر من الصلة بأسماء الله-حفظا وعلما وتعبدا-جديرا بوعد الله له بالجنة، كما قال الرسول صلى الله عليه وسلم: {إن لله تسعا وتسعين اسما-مائة إلا واحدا-من أحصاها دخل الجنة} [البخاري (3/185)، ومسلم (4/262)] ، وما ذلك إلا للتأثير الرباني الذي أحدثته معاني تلك الأسماء في حياة محصيها المتعبد لربه بها لأنها زكته فأكثر من طاعة مولاه وازداد من شكره على ما أنعم عليه من التوفيق، وابتعد عن معاصيه، فهو دائما مع ربه تراه في كل ميدان من ميادين الطاعة فإذا فتشت عنه في ميادين أهل الفسق والفجور لم تجد له أثرا إنه من أهل الله وفي ركب عباده الصالحين: {ومن يطع الله والرسول فأولئك مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا}. النساء: 69



(14)

الواعظ الأكبر والزاجر الأعظم
إن المؤمن بأسماء الله وصفاته المتعبد بها،-ومنها علم الله المحيط بكل شيء وقدرته الشاملة التي لا يشذ عنها شيء-لا بد أن تكون في قلبه تلك الرقابة التي يسميها العلماء: (الواعظ الأكبر والزاجر الأعظم) والتي لا تفارقه، فإذا وسوست له نفسه بفعل ما هو فساد، أو ترك ما هو صلاح أو وسوس له الشيطان بذلك، ذكره ذلك الواعظ الأكبر والزاجر الأعظم، بالعليم القدير الرقيب فتفتحت بصيرته، ورجع إلى ربه، وجعل الشيطان يولي خاسرا خزيان، قال تعالى: {وإما ينزغنك من الشيطان نزغ فاستعذ بالله إنه سميع عليم إن الذين اتقوا إذا مسهم طائف من الشيطان تذكروا فإذا هم مبصرون}. الأعراف 200-201.
تأمل ذكر اسميه تعالى: {سميع عليم} بعد أمر الله من أصابه نزغ من الشيطان بالاستعاذة به تعالى من نزغه، وتأمل قوله: {تذكروا} بعد قوله {إ ذا مسهم طائف من الشيطان}، ماذا يتذكرون إلا واعظ الله في قلوبهم من أثر أسمائه الحسنى وصفاته العلى التي امتلأت بها قلوبهم حبا لله وولاء وتقربا إليه لنيل رضاه، ومهابة، وإجلالا، وخوفا منه وهربا من سخطه وعقابه؟!
ثم تأمل ثمرة الاستعاذة بالله السميع العليم في قول تعالى:{فإذا هم مبصرون} وما هو إبصارهم إلا السير في صراط الله المستقيم الذي توجههم إليه أسماء الله وصفاته، وذلك هو عين الصلاح الذي تنشده الأمم في هذه الحياة.
وبهذا يعلم أن الإيمان بربوبية الله وخلقه وتدبيره، والإيمان بأنه الإله المعبود الحق وحده، والإيمان بأسمائه وصفاته والتعبد بها مع فقه ما آمن به، إن ذلك كله هو قاعدة قواعد الإسلام وأساس صلاح العالم، وكل فساد يحدث في الأرض، فسببه ما يحدث من خلل في تربية النفوس على أساس تلك القاعدة.
وقد قال ابن القيم، رحمه الله عن هذا المطلب العظيم -الإيمان بأسماء الله وصفاته والتعبد بها-: (وهو باب المحبين حقا لا يدخل منه غيرهم، ولا يشبع من معرفته أحد منهم، بل كل ما بدا له منه علم ازداد شوقا ومحبة وظمأ..... ولا يتصور نشر هذا المقام حق تصوره-فضلا أن يوفاه حقه-، فأعرف خلقه به وأحبهم له، صلى الله عليه وسلم: يقول: (لا أحصي ثناء عليك أنت كما أثنيت على نفسك). ولو شهد بقلبه صفة واحدة من أوصاف كماله لاستدعت منه المحبة التامة عليها، وهل مع المحبين محبة إلا من آثار صفات كماله، فإنهم لم يروه في هذه الدار وإنما وصل إليهم العلم بآثار صفاته وآثار صنعه، فاستدلوا بما علموه على ما غاب عنهم، فلو شاهدوه، ورأوا جلاله وجماله وكماله سبحانه، لكان لهم في حبه شأن آخر وإنما تفاوتت منازلهم ومراتبهم في محبته على حسب تفاوت مراتبهم في معرفته والعلم به..) [طريق الهجرتين وباب السعادتين: 561-562، طبع قطر]
قلت: ولهذا كان المكثر من حفظ أسماء الله المتعبد بها لربه، جديرا بدخول الجنة، كما قال صلى الله عليه وسلم: (إن لله تسعة وتسعين اسما،-مائة إلا واحدا-من أحصاها دخل الجنة).[ البخاري: (3/185) ومسلم (4/262)] وفي رواية: (من حفظها).
وما ذلك إلا لتأثير تلك الأسماء في محصيها المتعبد بها لربه، لأنها زكته بألفاظها التي ذكره بها وبمعانيها التي تدبرها وعمل بمقتضاها، فأكثر من طاعة الله وشكره على نعمه وابتعاده عن معاصيه، فلم يترك صلاحا يقدر على فعله إلا أتاه، ولم ير فسادا إلا تجنبه وأباه.....

(15)

التدريس الفِرَقِي لأسماء الله وصفاته لا يحقق التزكية الربانية بها:

وهنا لابد من التنبيه على أمر مهم جدا، وهو أن الواجب على العلماء الذين يقومون بتدريس الإيمان (العقيدة)، وبخاصة أسماء الله وصفاته، أن يجعلوا جل اهتمامهم تربية طلابهم بمعاني هذه الأسماء والصفات، بحيث يغرسون تلك المعاني في نفوسهم، ويفقهونهم فيها، تربية وتفقيها يحدثان في حياتهم آثار تلك المعاني، من محبة الله وطاعته والطمع في ثوابه، ومن إجلاله وجبروته وعظمته والهيبة منه وخشيته والبعد عن معاصيه وتوقي عقابه، ولا ينبغي أن يكون الهدف الأول من تدريس أسماء الله وصفاته، ذكر اختلاف الفرق فيها والمقارنة بين ذلك الاختلاف، من إثبات ونفي، وتأويل وتحريف. فالأصل في التعرف على الله بأسمائه وصفاته أن يتعبد المتعرف ربه بهذه الأسماء والصفات، ويملأ قلبه بمعانيها ويهتدي بها ليكون صالحا مصلحا في الأرض، محاربا للفساد والإفساد.

أما ذكر مذاهب الفرق في أسماء الله وصفاته فذلك أمر طارئ لا ينبغي أن يكون هو الأساس في تدريسها، لأنه لا يؤدي إلى المقصود من العلم بها والتعرف عليها وهو التعبد بها الذي أمر الله عباده به، كما قال تعالى: {ولله الأسماء الحسنى فادعوه بها}.

فعلى من يريد التصدي لتدريس الناس أسماء الله وصفاته، أن يهتم هو أولا فيتفقه فيها ويعلم المقصود من التعرف عليها، ويربي نفسه بمعانيها، حتى تحدث فيه الأثر الذي أراد الله أن تحدثه في النفوس، وبذلك يكون معلما ومربيا ربانيا وقدوة حسنة يؤثر في طلابه بسلوكه قبل التأثير فيهم بتدريسه، ثم ينقل تلك المعاني التي أثرت فيه إلى طلابه بادئ ذي بدء، ولا يتعرض لمذاهب الفرق فيها إلا بعد أن يشعر بأنه قد غرس تلك المعاني في نفوسهم، وفقههم فيها تفقيها قرآنيا نبويا، وليس تفقيها فرقيا، فالعلم بها، والإيمان بمقتضاها، والتعبد بها، هي المقصود الأول من دراستها.

ثم يأتي بعد ذلك التنبيه على ما وقع من انحراف في منهج بعض الفرق في أسماء الله وصفاته، فيبين الحق من الباطل بأدلته، حتى يكون الدارس على علم بزلل تلك الفرق وانحرافها، سواء أكان ذلك تشبيها، أو تحريفا، أو تأويلا، مع بيان الأسباب التي أوجدت تلك الانحرافات، والجج الدامغة لها.

وإن الطالب الذي يتبع في تدريسه هذا المنهج الرباني للأسماء والصفات، لجدير أن يرفض كل انحراف فرقي فيها، لما وقر في نفسه وقلبه من معانيها العظيمة، ولما أحدثته في حياته من استقامة على صراط الله المستقيم. وتنبيهه بعد ذلك على تلك الانحرافات ما هو إلا تزويده بالحجج والبراهين التي تدحض تلك الانحرافات وشبه أهلها.

أما ما يسير عليه الآن كثير من مدرسي أصول الإيمان (العقيدة) من الاهتمام أولا بمذاهب الفرق في الأسماء والصفات، وعدم اتباع المنهج الرباني الذي سلكه القرآن الكريم وسار عليه الرسول صلى الله عليه وسلم وأصحابه والتا بعون من علماء السلف الصالح، من التربية الإيمانية بالأسماء والصفات والتعبد بها، فهو منهج فرقي جاف مخالف لذلك المنهج الرباني و ينبغي إعادة النظر فيه، ووضعه في مكانه اللائق به، كما مضى.

وبهذا نعلم السبب وراء الجفاف الروحي الذي يتصف به كثير من الطلاب الدارسين للأسماء والصفات على المنهج الفرقي الجاف، فهو منهج يفقد صاحبه التربية الربانية التي أراد الباري سبحانه من عباده بلوغها من التعبد له بأسمائه الحسنى وصفاته العُلا.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://el-quran.ahlamontada.com
Admin
Admin
Admin


المساهمات : 4240
تاريخ التسجيل : 20/01/2018

الإيمان هو الأساس (دروس في الإيمان) Empty
مُساهمةموضوع: رد: الإيمان هو الأساس (دروس في الإيمان)   الإيمان هو الأساس (دروس في الإيمان) Emptyالخميس فبراير 22, 2018 6:09 am

الإيمان هو الأساس (دروس في الإيمان) %D8%AE%D9%84%D9%81%D9%8A%D8%A7%D8%AA-%D8%A2%D9%8A%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D9%83%D8%B1%D8%B3%D9%8A-%D9%85%D9%83%D8%AA%D9%88%D8%A8%D8%A9-2
(16)

الشرك وأنواعه وحكم كل نوع
تمهيد: تعريف الشرك:
الشرك في اللغة :
قال في اللسان: (الشِّرْكَةُ والشَّرِكَةُ سواء: مخالطة الشريكين.. وقد اشترك الرجلان وتشاركا وشارك أحدهما الآخر.. والاسم: الشِّرْك، والجمع أشراك.... وأشرك بالله جعل له شريكا في ملكه..).[ راجع المادة (ش ر ك) في اللسان وغيره]
أما الشرك في اصطلاح الشرع، فهو: أن يَجْعَلَ العبد لله ندا في ربوبيته، أوألوهيته،أوأسمائه وصفاته.[ وهي المباحث الثلاثة التي سبق الكلام فيها]
وقد شمل ذلك كله حديث ابن مسعود رضي الله عنه إذ قال: سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم: أي الذنب أعظم عند الله؟ قال: (أن تجعل لله ندا وهو خلقك).[ اللؤلؤ والمرجان فيما اتفق عليه الشيخان: رقم الحديث53، ص: 16)]
أنواع الشرك: يظهر مما سبق أن الشرك يكون في أنواع التوحيد الثلاثة: توحيد الربوبية، وتوحيد الألوهية، وتوحيد الأسماء والصفات.
أنواع شرك الربوبية :
وشرك الربوبية نوعان:
الأول إنكار وجود الخالق مطلقا: كما هو حال فرعون الذي ادعى عدم علمه بوجود إله غير نفسه: [وغالب المنكرين لوجود الخالق مكابرون، ومنهم فرعون الذي قال الله تعالى عنه: (وجحدوا بها واستيقنتها أنفسهم ظلما وعلوا). النمل: 14، وقد سبق في المبحث الأول من الفصل الأول أن كل ما في الكون من المخلوقات دليل على وجود الله وتدبيره للعوالم كلها، وأن منكره يعد شاذا في هذا الكون] كما قال تعالى عنه:{وقال فرعون يا أيها الملأ ما علمت لكم من إله غيري فأوقد لي يا هامان على الطين فاجعل لي صرحا لعلي أطلع إلى إله موسى وإني لأظنه من الكاذبين}. القصص: 38.
وقال تعالى: {يا هامان ابن لي صرحا لعلي أبلغ الأسباب أسباب السماوات فأطلع إلى إله موسى وإني لأظنه كاذبا}. غافر:37.
وكما هو شأن الشيوعيين الماركسيين في عصرنا الحاضر، ويسمي هذا النوع من الشرك بشرك التعطيل، وهو أقبح أنواع الشرك.
النوع الثاني: أن يعترف العبد بخالق للكون في الجملة، ولكنه يعتقد أن معه خالقا آخر خلق بعض المخلوقات، كاعتقاد المجوس بوجود خالقين: وهما النور الذي خلق الخير، والظلمة التي خلقت الشر.
وحكم من صدر منه هذا الشرك (شرك الربوبية) بنوعيه ظاهر، فكفره أعظم أنواع الكفر المخلد في نار جهنم، لأن غالب الأمم كانت تقر بربوبية الله، ولا تعترف بخالق سواه، وإن أشركت معه غيره في العبادة، فالذي ينكر ربوبية الله أو يزعم أن للكون خالقين أو أكثر شاذ في هذا الوجود. [ راجع شرح الطحاوية: 82-87]
الإيمان هو الأساس (دروس في الإيمان) %D8%AE%D9%84%D9%81%D9%8A%D8%A7%D8%AA-%D8%A2%D9%8A%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D9%83%D8%B1%D8%B3%D9%8A-%D9%85%D9%83%D8%AA%D9%88%D8%A8%D8%A9-2
(17)

أنواع شرك الألوهية:
والشرك في الألوهية نوعان:
النوع الأول: أن يسوي الله بغيره في عبادته كما يقول النصارى: إن عيسى هو الله أو ابن الله أو ثالث ثلاثة، وكأن يسجد لصنم أو قبر أو يستغيث به أو يدعوه طالبا منه ما لا يقدر عليه إلا الله [ويجب أن يفرق بين الاستغاثة والدعاء وبين التوسل بالذات أو الجاه، فدعاء غير الله أو الاستغاثة بغيره فيما لا يقدر عليه إلا الله عبادة يكفر صاحبها إذا أقيمت عليه الحجة. أما التوسل بالذات أو الجاه ففيه خلاف بين العلماء قديما وحديثا، وغاية ما قال فيه منكروه أنه بدعة، ولم يقل أحد منهم: إنه شرك، كما قد يظنه بعض الجهلة المتسرعين في إصدار الأحكام بدون علم]، وكذلك أن يحب غير الله-حب عبادة-كما يحب الله، أو ينحر دابة عبادة وتقربا إلى غير الله، ويدخل فيه التوكل والاعتماد على غير الله، بحيث يعتقد أن الْمُتَوَكَّلَ عليه يجلب له النفع أو يدفع عنه الضر، من دون الله، كجلب رزق أو جاه أو منصب، ودفع مرض أو فقر أو موت، أو غير ذلك مما يترتب عليه تعظيم المخلوق كتعظيم الخالق، أو الخوف من المخلوق كالخوف من الخالق، وهو خوف العبادة الذي يجعل صاحبه يلجأ إلى المخوف منه كما يلجأ إلى الله أو أشد. [ولا يدخل في ذلك الخوف الطبيعي، كخوف الإنسان من سبع، أومن عدو صوب إليه السلاح ليقتله أو يأخذ ماله، لأن هذا الخوف-الطبيعي-ليس خوف عبادة وتعظيم] وهذا شرك أكبر.
ومعلوم أن الشرك الأكبر لا يغفره الله تعالى، كما قال تعالى: (إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء). النساء: 116.
ويدخل في ذلك من حرم ما أحل الله أو أحل ما حرم الله متعمدا، ومن أطاعه واتبعه في ذلك التحليل والتحريم مع علمه بمخالفته دين الله، لأن ذلك يعتبر عبادة له من دون الله، كما ورد ذلك في حديث عدي بن حاتم عندما قدم على النبي صلى الله عليه وسلم، فسمعه يقرأ قوله تعالى: {اتخذوا أحبارهم ورهبا نهم أربابا من دون الله والمسيح ابن مريم وما أمروا إلا ليعبدوا إلها واحدا لا إله إلا هو سبحانه عما يشركون} 31. التوبة . فقال عدي-وكان نصرانيا-: لسنا نعبدهم! فقال الرسول صلى الله عليه وسلم: (أليس يحرمون ما أحل الله فتحرمونه، ويحلون ما حرم الله فتحلونه؟) قال عدي: بلى [جواب عدي هذا يدل على أنهم كانوا يتبعون أحبارهم ورهبا نهم في التحليل والتحريم، مع علمهم بمخالفة ذلك لدين الله، ولو كانوا يتبعونهم في ذلك مع الجهل به، لقال للرسول صلى الله عليه وسلم: نحن لا نعلم أن ما حرموا أو أحلوا يخالف دين الله]، قال: (فتلك عبادتهم) [سنن الترمذي (5/278، رقم الحديث: 3095) وهو في صحيح الترمذي للألباني (3/56)، وحسنه]
كما يدخل في ذلك اعتقاده جواز الحكم بغير ما أنزل الله، سواء أَحَكَمَ هو-أي معتقد الجواز أو جوزَ ذلك لغيره بالفتوى أو بالرضا-. [راجع: مقدمة المؤلف: (الفقرة الخامسة تحت عنوان: أهمية الموضوع)، والمبحث الخامس من: الفصل الثالث من هذا الكتاب]
أما إذا حكم الحاكم بغير ما أنزل الله في بعض القضايا، لغرض من الأغراض، كأخذه رشوة، أو لمصلحة قريب أو صديق.... مع اعتقاده أنه عاص في ذلك،وأن الحكم بما أنزل الله واجب، فلا يدخل في هذا النوع من الشرك، بل هو من كبائر الذنوب التي تجب التوبة منها، وإذا لم يتب فهو تحت المشيئة، إن شاء الله غفر له وإن شاء عذبه بقدر معصيته ثم أدخله الجنة. [راجع شرح الطحاوية: (ص: 363)]
وبهذا يعلم أن من حرم ما أحل الله أو أحل ما حرم الله، مجتهدا
-وهو من أهل الاجتهاد-أو جاهلا، لا يحكم عليه بالكفر، بل لا يؤثم ولا يفسق، وإنما ينال المجتهد من الله الأجر على اجتهاده، ويغفر الله له خطأه، ولا يؤاخذ الجاهل بجهله.
وكذلك من اتبع من أحل الحرام أو حرم الحلال مع عدم علمه بمخالفة ذلك لدين الله لا يكون كافرا ولا آثما، لعدم قيام الحجة عليه. [راجع مجموع الفتاوى لابن تيمية: (7/70-71)]
وحكم مرتكب هذا النوع من الشرك أنه كافر كفرا أكبر مخلد في النار إذا قامت عليه الحجة ومات على ذلك.
النوع الثاني: أن يعبد الله تعالى وحده، ولكنه لا يخلص له الإخلاص الكامل في عبادته، بل يتصنع فيها للمخلوقين، كأن يحسن صلاته ويطيلها ليثني عليه الناس، أو يتصدق، أو يجاهد، أويجتهد في طلب العلم الشرعي، ليرائي بذلك، أو يحلف بغير الله غير معتقد تعظيم المحلوف به كتعظيم الله أو أشد [أما إذا حلف بغير الله معتقدا تعظيم المحلوف به مثل تعظيم الله أو أشد فإن اعتقاده ذلك-لا مجرد الحلف-شرك أكبر، لأنه جعل لله ندا بذلك الاعتقاد] ، فهذا وأمثاله شرك أصغر، لا يخرج صاحبه من الملة، ولكنه على خطر عظيم، فأول ما تسعر النار بمن قرأ القرآن ليقال: إنه قارئ، أو أنفق ماله ليقال: إنه جواد، أو قاتل الكفار ليقال: إنه شجاع كما ورد بذلك الحديث الصحيح [متفق عليه وهو في (رياض الصالحين، رقم: 1617، ص: 620)].
الإيمان هو الأساس (دروس في الإيمان) %D8%AE%D9%84%D9%81%D9%8A%D8%A7%D8%AA-%D8%A2%D9%8A%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D9%83%D8%B1%D8%B3%D9%8A-%D9%85%D9%83%D8%AA%D9%88%D8%A8%D8%A9-2
(18)

شرك الأسماء والصفات:

والشرك في أسماء الله تعالى نوعان:

النوع الأول: إنكارها وجحدها مطلقا، بحيث لا يُثْبِتُ-الجاحد-لله تعالى شيئا من أسمائه وصفاته الواردة في القرآن الكريم والسنة النبوية الصحيحة، فهذا شرك أكبر مخرج من ملة الإسلام، لأن في ذلك تعطيلا لما أخبر الله تعالى به عن نفسه من أسمائه وصفاته، وفيه تكذيب للقرآن والسنة الصحيحة، وهو شبيه بمن جحد وجود الله تعالى، وهذا هو مذهب غلاة المعتزلة، ومعطلة الجهمية. [مجموع الفتاوى: (10/55)، (6/35)]
النوع الثاني: تشبيه الله تعالى أو أسمائه وصفاته، أو تشبيه شيء منها بأسماء المخلوقين أو صفاتهم كما يصف اليهود الله تعالى بصفات النقص التي يتصف بها المخلوقون، كوصفهم له بالعجز والفقر والبخل ونحو ذلك، وكما يصف النصارى بعض المخلوقات-كعيسى عليه السلام-بالصفات الإلهية التي لا يتصف بها إلا الخالق جل جلاله، وكذلك بعض الجهمية الذين جعلوا صفات الخالق من جنس صفات المخلوقين [مجموع الفتاوى: (6/35)]، وهذا أيضا شرك أكبر مخرج من ملة الإسلام لما في ذلك من المخالفة الصريحة للنصوص القرآنية والأحاديث النبوية ودلالتها القطعية على نفي المشابهة-. ووجود الاشتراك في مجرد اللفظ بين أسماء الخالق وصفاته وبين أسماء المخلوق وصفاته لا يلزم منه الاشتراك في حقيقة المعاني-. [مثال ذلك: أن من أسماء الله تعالى (العزيز)، وسمى بعض المخلوقين (العزيز) كما في قوله تعالى: (قالت امرأة العزيز)، ومن صفاته (الرحمة) ووصف بعض المخلوقين بـ(الرحمة) فليس العزيز كالعزيز، ولا الرحيم كالرحيم، الاشتراك في اللفظ لا يلزم منه الاشتراك في حقيقة المعنى وكيفيته، ومن أوضح الأدلة على ذلك أن الله تعالى يوصف بأنه موجود،ويوصف المخلوق أيضا بأنه موجود، وهل ذات الله الموجود كذات المخلوق الموجود؟ كلا!]
وهناك طائفة لا تجحد أسماء الله وصفاته، ولا تشبه الله ولا شيئا من أسمائه وصفاته، بالمخلوقين، ولكنها تثبت بعض صفاته إثباتا يليق بجلاله، وتؤول بعضها الآخر ظنا منها أن إثباتها على ظاهرها يلزم منه التشبيه، وهذا هو مذهب جمهور الأشعرية، فما حكم هذه الطائفة؟
بادئ ذي بدء نقول: إن هذا المسلك غير صحيح لوجوه ثلاثة:
الوجه الأول: مخالفته لنصوص القرآن والسنة، ولما درج عليه السلف في القرون المفضلة من الصحابة وأتباعهم، فلم يرد عنهم أنهم أولوا شيئا من أسماء الله وصفاته.
الوجه الثاني: توهمهم أن إثبات ما أولوه من صفات الله يلزم منه التشبيه، وهذا خطأ أيضا، فإثبات صفات الله على ظاهرها اللائق بجلال الله، مع النفي القاطع لمماثلتها لصفات المخلوقين، لا يلزم منه ما توهموه من تشبيه، كما قال الله تعالى مبينا ذلك: {ليس كمثله شيء وهو السميع البصير}. فقد نفى عن نفسه التشبيه، وأثبت على أساسه صفتي السمع والبصر.
الوجه الثالث: تناقضهم في إثبات بعض الصفات على أساس التنزيه، وتأويل بعض الصفات خشية التشبيه، والواجب إثبات جميع أسماء الله وصفاته على أساس التنزيه، فما قالوه فيما أثبتوه يجب أن يقولوه فيما أولوه وإلا لزمهم أن يؤولوا كل الصفات، لأن ما أثبتوه بدون تأويل-مثل السمع والبصر-يمكن أن يتوهم فيه المشابهة، كما توهموها في صفة الرحمة-مثلا-لأن المخلوقين لهم سمع ويصر كما أنهم يتصفون بصفة الرحمة، ثم إن صفات الله يجب أن يقال فيها ما يقال في ذاته، فكما نثبت لله تعالى ذاتا لا تشبهها ذوات المخلوقين، كذلك يجب أن نثبت له صفات لا تشبهها صفات المخلوقين.
الإيمان هو الأساس (دروس في الإيمان) %D8%AE%D9%84%D9%81%D9%8A%D8%A7%D8%AA-%D8%A2%D9%8A%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D9%83%D8%B1%D8%B3%D9%8A-%D9%85%D9%83%D8%AA%D9%88%D8%A8%D8%A9-2
(19)

وهنا ثلاثة تنبيهات مهمة:
التنبيه الأول: أنه لا يلزم من إتيان شخص معين ما ثبت شرعا أنه كفر أن يحكم على ذلك الشخص بأنه كافر، وإن كان يطلق لفظ الكفر عموما على من أتى الكفر، فيقال-مثلا-من فعل كذا فقد كفر، ولكن لا يقال ذلك عن شخص بعينه إلا بوجود شروط وانتفاء موانع، فمن الشروط التي إذا وجدت حكم على المعين إذا أتى كفرا-أنه كافر: أن تقوم عليه الحجة، بأن يكون على علم بأن ذلك كفر، لأن من شرط التكليف القدرة على ما يكلفه الإنسان، ولا قدرة لجاهل بالحكم على فعله أو تركه، والله تعالى لا يكلف نفسا إلا وسعها، ومن الموانع الصغر-أي عدم البلوغ-، فإذا أتى الجاهل بالحكم ما هو كفر لم يحكم عليه بأنه كافر لانتفاء الشرط، وإذا أتى ذلك من لم يبلغ سن التكليف لم يحكم عليه بالكفر لوجود المانع.
وقد وضح شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله هذا المعنى تمام الإيضاح، ومن ذلك قوله:
(وأصل ذلك أن المقالة التي هي كفر بالكتاب والسنة والإجماع، يقال: هي كفر قولا يطلق، كما دل على ذلك الدلائل الشرعية، فإن الإيمان من الأحكام المتلقاة عن الله ورسوله، ليس ذلك مما يحكم فيه الناس بظنونهم وأهوائهم، ولا يجب أن يُحكَم في كل شخص قال ذلك بأنه كافر، حتى يثبت في حقه شروط التكفير وتنتفي موانعه، مثل من قال: إن الخمر أو الرباحلال، لقرب عهده بالإسلام، أو لنشوئه في بادية بعيدة، أو سمع كلاما أنكره ولم يعتقد أنه من القرآن ولا أنه من أحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، كما كان بعض السلف ينكر أشياء حتى يثبت عنده أن النبي صلى الله عليه وسلم قالها، وما كان الصحابة يشكون في أشياء، مثل رؤية الله وغير ذلك، حتى يسألوا عن ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومثل الذي قال: إذا أنا مت فاسحقوني وذروني في اليم لعلي أضل عن الله ونحو ذلك، فإن هؤلاء لا يكفرون حتى تقام عليهم الحجة بالرسالة، كما قال الله تعالى: {لئلا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل} وقد عفا الله لهذه الأمة عن الخطأ والنسيان، وقد أشبعنا الكلام في القواعد التي في هذا الجواب في أماكنها..) [مجموع الفتاوى: (35/165)]
وقال في موضع آخر:
(فهذا الكلام يمهد أصلين عظيمين:
أحدهما: أن العلم والإيمان والهدى فيما جاء به الرسول، وأن خلاف ذلك كفر على الإطلاق، فنفي الصفات كفر، والتكذيب بأن الله يُرى في الآخرة، أو أنه على العرش، أو أن القرآن كلامه، أو أنه كلم موسى، أو أنه اتخذ إبراهيم خليلا كفر، وكذلك ما كان في معنى ذلك، وهذا معنى كلام أئمة السنة وأهل الحديث.
والأصل الثاني: أن التكفير العام-كالوعيد العام-يجب القول بإطلاقه وعمومه.
وأما الحكم على المعين بأنه كافر،، و مشهود له بالنار: فهذا يقف على الدليل المعين، فإن الحكم يقف على ثبوت شروطه وانتفاء موانعه........
وإذا عرف هذا فتكفير المعين من هؤلاء الجهال وأمثالهم-بحيث يحكم عليه بأنه من الكفار-لا يجوز الإقدام عليه إلا بعد أن تقوم الحجة الرسالية التي يتبين بها بأنهم مخالفون للرسل، وإن كانت هذه المقالة لا ريب أنها كفر.
وهذا الكلام في تكفير جميع المعينين.. فليس لأحد أن يكفر أحدا من المسلمين، وإن أخطأ وغلط، حتى تقام عليه الحجة وتبين له المحجة..). [مجموع الفتاوى (12/497-501، وراجع:523)]
ويدخل في ذلك المعطلة والمشبهة من أهل القبلة، فلا يحكم على معين منهم بالكفر المخرج من الملة إلا إذا قامت عليه الحجة وتبينت له المحجة، مع أن أئمة الإسلام أطلقوا الكفر على هاتين الطائفتين بصفة عامة.
قال ابن تيمية رحمه الله:
(والمحفوظ عن أحمد وأمثاله من الأئمة إنما هو تكفير الجهمية المشبهة، وأمثال هؤلاء.. مع أن أحمد لم يكفر أعيان الجهمية، ولا كل من قال: إنه جهمي كفره، ولا كل من وافق الجهمية في بعض بدعهم، بل صلى خلف الجهمية الذين دعوا إلى قولهم وامتحنوا الناس وعاقبوا من لم يوافقهم بالعقوبات الغليظة، لم يكفرهم أحمد وأمثاله، بل كان يعتقد إيمانهم وإمامتهم ويدعو لهم، ويرى الائتمام بهم في الصلوات خلفهم والحج والغزو معهم، والمنع من الخروج عليهم ما يراه لأمثالهم من الأئمة، وينكر ما أحدثوا من القول الباطل الذي هو كفر عظيم، وإن لم يعلموا هم أنه كفر، وكان ينكره ويجاهدهم بحسب الإمكان، فيجمع بين طاعة الله ورسوله في إظهار السنة والدين وإنكار بدع الجهمية الملحدين، وبين رعاية حقوق المؤمنين من الأئمة والأمة، وإن كانوا جهالا مبتدعين وظلمة فاسقين) [مجموع الفتاوى: (7/507)]
الإيمان هو الأساس (دروس في الإيمان) %D8%AE%D9%84%D9%81%D9%8A%D8%A7%D8%AA-%D8%A2%D9%8A%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D9%83%D8%B1%D8%B3%D9%8A-%D9%85%D9%83%D8%AA%D9%88%D8%A8%D8%A9-2
(20)

اجتهاد المجتهد مغفور له في الأصول وفي الفروع
التنبيه الثاني: أن العالم إذا اجتهد وبذل وسعه في مسألة-إيمانية أو عملية-من مسائل الإسلام وأخطأ في اجتهاده، فإن خطأه مغفور معفو عنه، ولا يحكم عليه بالكفر، وإن حكم على من أتاها عالما معاندا أنه كافر، وهذا بخلاف ما اشتهر لدى كثير من العلماء من أنه لا يعذر المجتهد إلا في مسائل الفروع دون الأصول، ولهذا تجد أمثال هؤلاء يكفرون ويبدعون ويفسقون علماء بأعيانهم وقعوا في هذا الباب، وقد أبان ابن تيمية هذه المسألة أيضا، وأبدى فيها وأعاد ليسكت ألسنة حدادا سلقت من هم عند الله معذورون، وبرحمته مغمورون، وبين أن التفريق بين الفروع والأصول في نيل المجتهد عفو الله وتجاوزه، من البدع التي لم تكن معروفة لدى أهل القرون المفضلة من الصحابة والتابعين، وأنها إنما هي من أقوال بعض أهل الكلام، فقال رحمه الله:
(... هل يمكن كل أحد أن يعرف باجتهاده الحق في كل مسألة فيها نزاع؟ وإذا لم يمكنه فاجتهد واستفرغ وسعه فلم يصل إلى الحق، بل قال: ما اعتقد أنه هو الحق في نفس الأمر، ولم يكن هو الحق في نفس الأمر، هل يستحق أن يعاقب أم لا؟ هذا أصل هذه المسألة.....-وذكر مذاهب العلماء إلى أن قال-:
وأما غير هؤلاء فيقول: (هذا قول السلف وأئمة الفتوى، كأبي حنيفة والشافعي والثوري وداود بن علي، وغيرهم لا يؤثمون مجتهدا مخطئا في المسائل الأصولية ولا في الفروعية كما ذكر ذلك عنهم ابن حزم وغيره، ولهذا كان أبو حنيفة والشافعي وغيرهما يقبلون شهادة أهل الأهواء-إلا الخطابية-ويصححون الصلاة خلفهم.
والكافر لا تقبل شهادته على المسلمين ولا يصلى خلفه.
وقالوا: هذا هو القول المعروف عن الصحابة والتابعين لهم بإحسان وأئمة الدين: أنهم لا يكفرون ولا يفسقون ولا يؤثمون أحدا من المجتهدين المخطئين، لا في مسألة عملية ولا علمية. قالوا: والفرق بين مسائل الفروع والأصول إنما هو من أقوال أهل البدع من أهل الكلام والمعتزلة والجهمية ومن سلك سبيلهم، وانتقل هذا القول إلى أقوام تكلموا بذلك في أصول الفقه ولم يعرفوا حقيقة هذا القول ولا غوره....) [مجموع الفتاوى: (19/203-227)]
وقال-أيضا-:
(وقد اختلف العلماء في خطاب الله ورسوله، هل يثبت حكمه في حق العبيد قبل البلاغ؟ على ثلاثة أقوال في مذهب أحمد وغيره، قيل: يثبت، وقيل: لا يثبت، وقيل يثبت المبتدأ دون الناسخ.
والصحيح ما دل عليه القرآن في قوله تعالى: {وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا} وقوله: {لئلا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل} وفي الصحيحين عن النبي صلى الله عليه وسلم: (ما من أحد أحب إليه العذر من الله، من أجل ذلك أرسل الرسل مبشرين ومنذرين).
فالمتأول والجاهل المعذور، ليس حكمه حكم المعاند والفاجر، بل قد جعل الله لكل شيء قدرا).[ مجموع الفتاوى: (3/288)]
وقال: (والخطأ المغفور في الاجتهاد، هو في نوعي المسائل الخبرية والعلمية [لعله: العملية، لأن الخبرية هي العلمية] كما قد بسط في غير موضع، كمن اعتقد ثبوت شيء لدلالة آية أو حديث، وكان لذلك ما يعارضه ويبين المراد ولم يعرفه.
مثل من اعتقد أن الذبيح إسحاق لحديث اعتقد ثبوته، أو اعتقد أن الله لا يرى، لقوله: {لا تدركه الأبصار}، ولقوله: {وما كان لبشر أن يكلمه الله إلا وحيا أو من وراء حجاب}. كما احتجت عائشة بهاتين الآيتين على انتفاء الرؤية في حق النبي صلى الله عليه وسلم، وإنما يدلان بطريق العموم.
وكما نقل عن بعض التابعين أن الله لا يرى، وفسروا قوله:{وجوه يومئذ ناضرة إلى ربها ناظرة} بأنها تنظر ثواب ربها، كما نقل عن مجاهد وأبي صالح.
أو من اعتقد أن الميت لا يعذب ببكاء الحي، لاعتقاده أن قوله: {ولا تزر وازرة وزر أخرى} يدل على ذلك وأن ذلك يقدم على رواية الراوي، لأن السمع يغلط، كما اعتقد ذلك طائفة من السلف.
أو اعتقد أن الميت لا يسمع خطاب الحي، لاعتقاده أن قوله {إنك لا تسمع الموتى} يدل على ذلك.
أو اعتقد أن الله لا يعجب، كما اعتقد ذلك شريح لاعتقاده أن العجب إنما يكون من جهل السبب والله منزه عن الجهل.
أو اعتقد أن عليا أفضل الصحابة، لاعتقاده صحة حديث الطير، وأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (اللهم ائتني بأحب الخلق إليك يأكل معي من هذا الطائر).
أو اعتقد أن من جس للعدو وعلمهم بغزو النبي صلى الله عليه وسلم فهو منافق، كما اعتقد ذلك عمر في حاطب، وقال: دعني أضرب عنق هذا المنافق.
أو اعتقد أن من غضب لبعض المنافقين غضبة فهو منافق، كما اعتقد ذلك أسيد بن حضير في سعد بن عبادة، وقال: إنك منافق تجادل عن المنافقين.
أو اعتقد أن بعض الكلمات أو الآيات أنها ليست من القرآن، لأن ذلك لم يثبت عنده بالنقل الثابت، كما نقل عن غير واحد من السلف أنهم أنكروا ألفاظا من القرآن، كإنكار بعضهم: {وقضى ربك}، وقال: إنما هي: ووصى ربك، وإنكار بعضهم قوله: {وإذ أخذ الله ميثاق النبيين} وقال: إنما هو ميثاق بني إسرائيل، وكذلك هي في قراءة عبد الله، وإنكار بعضهم: قوله:{أولم ييئس الذين آمنوا}، إنما هي: أولم يتبين الذين آمنوا، وكما أنكر عمر على هشام بن الحكم لما رآه يقرأ سورة الفرقان على غير ما قرأها، وكما أنكر طائفة من السلف على بعض القراء بحروف لم يعرفوها، حتى جمعهم عثمان على مصحف الإمام.
وكما أنكر طائفة من السلف والخلف أن الله يريد المعاصي، لاعتقادهم أن معناه: أن الله يحب ذلك ويرضاه ويأمر به، وأنكر طائفة من السلف أن الله يريد المعاصي، لكونهم ظنوا أن الإرادة لا تكون إلا بمعنى المشيئة لخلقها، وقد علموا أن الله خالق كل شيء وأنه ما شاء كان وما لم يشأ لم يكن، والقرآن قد جاء بلفظ الإرادة بهذا المعنى وبهذا المعنى، ولكن كل طائفة عرفت أحد المعنيين وأنكرت الآخر.
وكالذي قال لأهله: إذا أنا مت فأحرقوني ثم ذر وني في اليم، فوا لله لئن قدر الله علي ليعذبني عذابا لا يعذبه أحدا من العالمين.
وكما قد ذكره طائفة من السلف في قوله: {يظن أن لن يقدر عليه أحد} وفي قوله: {هل يستطيع ربك أ، ينزل علينا مائدة من السماء}، وكالصحابة الذين سألوا النبي صلى الله عليه وسلم: هل نرى ربنا يوم القيامة؟ فلم يكونوا يعلمون أنهم يرونه، وكثير من الناس لا يعلم ذلك، إما أنه لم تبلغه الأحاديث، وإما لأنه ظن أنه كذب وغلط.) [مجموع الفتاوى: (20/33-36)]
وقال أيضا:
(وأصل هذا ما قد ذكرته في غير موضع: أن المسائل الخبرية قد تكون بمنزلة المسائل العملية، وإن سميت تلك (بمسائل أصول) وهذه (مسائل فروع) فإن هذه تسمية محدثة، قسمها طائفة من الفقهاء والمتكلمين، وهو على المتكلمين والأصوليين أغلب، لاسيما إذا تكلموا في مسائل التصويب والتخطئة.
وأما جمهور الفقهاء المحققين والصوفية، فعندهم أن الأعمال أهم وآكد من مسائل الأقوال المتنازع فيها، فإن الفقهاء كلامهم إنما هو فيها، وكثيرا ما يكرهون الكلام في مسائل ليس فيها عمل، كما يقوله مالك وغيره من أهل المدينة....
بل الحق أن الجليل من كل واحد من الصنفين مسائل أصول) والدقيق مسائل فروع).
فالعلم بوجوب الواجبات، كمباني الإسلام الخمس، وتحريم المحرمات الظاهرة المتواترة كالعلم بأن الله على كل شيء قدير، وبكل شيء عليم، وأنه سميع بصير، وأن القرآن كلام الله، ونحو ذلك من القضايا الظاهرة المتواترة، ولهذا كان من جحد تلك الأحكام العملية المجمع عليها كفر، كما أن من جحد هذه كفر.
وقد يكون الإقرار بالأحكام العملية أوجب من الإقرار بالقضايا القولية، بل هذا هو الغالب، فإن القضايا القولية يكفي فيها الإقرار بالجُمَل، وهو الإيمان بالله وملائكته، وكتبه ورسله، والبعث بعد الموت، والإيمان بالقدر خيره وشره.
وأما الأعمال الواجبة، فلا بد من معرفتها على التفصيل، لأن العمل بها لا يمكن إلا بعد معرفتها مفصلة...
وقولنا: إنها قد تكون بمنزلتها [يعني المسائل الخبرية قد تكون بمنزلة المسائل العملية] يتضمن أشياء:
منها: أنها تنقسم إلى قطعي وظني. [فليس كل مسألة من مسائل العقيدة تكون قطعية]
ومنها: أن المصيب-وإن كان واحدا-فالمخطئ قد يكون معفوا عنه، وقد يكون مذنبا، وقد يكون فاسقا وقد يكون كالمخطئ في الأحكام العملية سواء.....
وإذا كانت قد تكون قطعية، وقد تكون اجتهادية سوغ اجتهاديتها ما سوغ في المسائل العملية، وكثير من تفسير القرآن أو أكثره من هذا الباب، فإن الاختلاف في كثير من التفسير هو من باب المسائل العلمية الخبرية، لا من باب العملية، لكن قد تقع الأهواء في المسائل الكبار كما قد تقع في مسائل العمل..) [مجموع الفتاوى6/56-61)]
وبين رحمه الله أن الصحابة تنازعوا في مسائل علمية اعتقادية، كتنازعهم في مسائل عملية، وأن كل فريق منهم أقر الفريق الآخر على اجتهاده، مع بقاء الألفة والمودة بينهم، فقال:
(وقد اتفق الصحابة-في مسائل تنازعوا فيها-على إقرار كل فريق للفريق الآخر على العمل باجتهادهم، كمسائل في العبادات والمناكح والمواريث والعطاء والسياسة وغير ذلك....
وتنازعوا في مسائل علمية اعتقادية، كسماع الميت صوت الحي، وتعذيب الميت ببكاء أهله، ورؤية محمد صلى الله عليه وسلم ربه قبل الموت، مع بقاء الجماعة والألفة.
وهذه المسائل منها ما أحد القولين خطأ قطعا، ومنها ما المصيب في نفس الأمر واحد عند الجمهور أتباع السلف، والآخر مؤد لما وجب عليه بحسب قوة إدراكه ...
ومذهب أهل السنة والجماعة أنه لا إثم على من اجتهد، وإن أخطأ .....) [مجموع الفتاوى: (19/122)]
ومن لم يسعه ما وسع أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأئمة الإسلام، ومذهب أهل السنة فلتضق عليه الأرض بما رحبت.
الإيمان هو الأساس (دروس في الإيمان) %D8%AE%D9%84%D9%81%D9%8A%D8%A7%D8%AA-%D8%A2%D9%8A%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D9%83%D8%B1%D8%B3%D9%8A-%D9%85%D9%83%D8%AA%D9%88%D8%A8%D8%A9-2
(21)

حكم من تأول بعض الصفات
التنبيه الثالث: أن الذين أولوا بعض الصفات، وهم الأشعرية، لم يؤلوها عنادا، وإنما أولوها بسبب خطأ فهمهم بأن إثباتها بحسب ظاهرها يلزم منه التشبيه، فهم مجتهدون فيما ذهبوا إليه، والمجتهد معفو عنه في خطئه، مثاب على اجتهاده، فلا يجوز ذم من عفا الله عنه ووعده بالثواب،-وإن كان ذلك لايمنع من بيان الحق الذي لم يهتد إليه-ولهذا قال ابن تيمية، رحمه الله:
(ومن علم منه الاجتهاد السائغ فلا يجوز أن يذكر على وجه الذم والتأثيم له، فإن الله غفر له خطأه، بل يجب لما فيه من الإيمان والتقوى موالاته ومحبته، والقيام بما أوجب الله من حقوقه، من ثناء ودعاء وغيره).[ مجموع الفتاوى (8/234)]
وإني أشهد الله لو أنني فهمت من ظاهر نصوص الصفات ما فهمه الأشعرية-مثلا- من أن المراد بها الجوارح الموجودة في المخلوقات لكان فرضا علي أن أتأولها تأولا يخرجها عن ذلك الظاهر الشنيع، وإن الذين نصبوا أنفسهم قضاة يشنعون على علماء الإسلام في تأويلهم الاجتهادي، ويخرجونهم بذلك الاجتهاد الذي عفا الله عنه، من صفوف أهل السنة، ويحكمون عليهم بأنهم ليسوا من الطائفة المنصورة، أقول: لو أن أولئك الذين نصبوا أنفسهم قضاة يصدرون تلك الأحكام الجائرة نشأوا في بيئة علمية أشعرية لكانوا أشعريين، بل لو أنهم نشأوا في بيئة علمية جهمية لكانوا جهميين، ولسلكوا نفس المسلك الذي نشأوا فيه، وإن الواجب علينا أن نحمد الله الذي هيأ لنا بيئة علمية تغرس في عقولنا وقلوبنا منهج القرآن والسنة وما سار عليه أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، في أبواب الإيمان، منذ نعومة أظفارنا، وأن نتمسك بما قرره أهل العلم من أن المجتهد مأجور على اجتهاده، معفو عنه على خطئه، وأن ندعو لهم بالمغفرة والرحمة، وأن ننظر لجهودهم العظيمة في خدمة كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، وبخاصة علماء الشافعية-من أمثال الإمام النووي، والحافظ ابن حجر وغيرهما-الذين لا ينكر خدمتهم للسنة النبوية وعلومها إلا مكابر.
ويجب الذود عن علماء الأمة الإسلامية، وعقوبة من يسلط عليهم لسانه، وبخاصة في تكفيرهم وإصدار الأحكام التي تخالف هدي الله عليهم، مع ما عرف عنهم من نصر الحق والجهاد في سبيله.
قال ابن تيمية رحمه الله: [وهو يرد على من زعم أن من نازع في عصمة الرسل في بعض القضايا يعتبر متنقصا بهم عليه الصلاة والسلام، كمن خطأ الرسول صلى الله عليه وسلم في مسألة تأبير النخل ومنهم أبو حامد الغزالي رحمه الله..]
(ليس في هذا الكلام تنقص بالرسول صلى الله عليه وسلم بوجه من الوجوه باتفاق علماء المسلمين-إلى أن قال-: فإن تسليط الجهال [قلت: والذي يكفر علماء المسلمين أو غيرهم ممن لا يستحقون التكفير في شرع الله، هو جاهل، وإن ادعى العلم] على تكفير علماء المسلمين من أعظم المنكرات، وإنما أصل هذا من الخوارج والروافض الذين يكفرون أئمة المسلمين، لما يعتقدون أنهم أخطؤا في الدين، وقد اتفق أهل السنة والجماعة أن علماء المسلمين لا يجوز تكفيرهم بمجرد الخطأ المحض، بل كل أحد يؤخذ من قوله ويترك، إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم،، وليس كل من يترك بعض كلامه لخطأ أخطأه يكفر ولا يفسق، بل ولا يأثم، فإن الله تعالى قال في دعاء المؤمنين: (ربنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا) وفي الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أن الله تعالى قال: (قد فعلت).
واتفق علماء المسلمين أنه لا يكفر أحد من علماء المسلمين المنازعين في عصمة الأنبياء، والذين قالوا إنه تجوز عليهم الصغائر والخطأ ولا يقرون على ذلك، لم يكفر أحد منهم باتفاق المسلمين، فإن هؤلاء يقولون: إنهم معصومون من الإقرار على ذلك، ولو كفر هؤلاء لزم تكفير كثير من الشافعية والمالكية والحنفية والحنبلية والأشعرية، وأهل الحديث والتفسير والصوفية الذين ليسوا كفارا باتفاق المسلمين... ومن كفرهم بذلك استحق العقوبة الغليظة التي تزجره وأمثاله عن تكفير المسلمين..). [مجموع الفتاوى: (35/99/104)]
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://el-quran.ahlamontada.com
Admin
Admin
Admin


المساهمات : 4240
تاريخ التسجيل : 20/01/2018

الإيمان هو الأساس (دروس في الإيمان) Empty
مُساهمةموضوع: رد: الإيمان هو الأساس (دروس في الإيمان)   الإيمان هو الأساس (دروس في الإيمان) Emptyالجمعة فبراير 23, 2018 2:32 am

الإيمان هو الأساس (دروس في الإيمان) %D8%AE%D9%84%D9%81%D9%8A%D8%A7%D8%AA-%D8%A2%D9%8A%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D9%83%D8%B1%D8%B3%D9%8A-%D9%85%D9%83%D8%AA%D9%88%D8%A8%D8%A9-2
(22)

الإيمان بالملائكة أحد أصول الإيمان الستة

كثيرا ما يذكر الله تعالى الإيمان بالملائكة بعد ذكر الإيمان به، كما يذكر الكفر بهم بعد ذكر الكفر به لأهمية الإيمان بهم، وقوة صلتهم بالله، ودوام طاعتهم له، وقوة صلتهم بخلقه في الأرض، وبخاصة صلتهم بعباده المؤمنين، قال تعالى: {آمن الرسول بما أنزل من ربه والمؤمنون كل آمن بالله وملائكته وكتبه ورسله}. البقرة: 285. وفيه تفسير لبعض الغيب المذكور في أول السورة، في قوله تعالى:{هدى للمتقين الذين يؤمنون بالغيب}.البقرة:1-3

ومثله قوله تعالى في وسط السورة-وإن كان ذكر الملائكة جاء بعد ذكر اليوم الآخر: {ولكن البر من آمن بالله واليوم الآخر والملائكة والكتاب والنبيين}. البقرة:177 .

وقال تعالى: {ومن يكفر بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر فقد ضل ضلالا بعيدا}. النساء: 136. وأصول الإيمان كما هو معروف ستة، خمسة منها ذكرت هنا مجتمعة في آية النساء وفي الآية التي سبقتها في سورة البقرة، والسادس الإيمان بالقدر وقد ذكر في آيات كثيرة من القرآن. [سنذكر شيئا منها في مبحث الإيمان بالقدر]

وقد ذكرت الأركان الستة مجتمعة في حديث جبريل المشهور: (أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر وتؤمن بالقدر خيره وشره) .[ مسلم: (1/37)]

فالإيمان بالملائكة أصل من أصول الإيمان لا يصح إيمان من أنكره أو شك فيه، ولا يعد من أنكره مسلما، ومن لم يصح إيمانه لا يرجى منه أن يطبق شريعة الله التي أساسها الإيمان بالغيب.
الإيمان هو الأساس (دروس في الإيمان) %D8%AE%D9%84%D9%81%D9%8A%D8%A7%D8%AA-%D8%A2%D9%8A%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D9%83%D8%B1%D8%B3%D9%8A-%D9%85%D9%83%D8%AA%D9%88%D8%A8%D8%A9-2
(23)

الصلة بين الملائكة والإنسان
لقد حدد الله لكثير من ملائكته وظائف لها صلة بالمخلوقين في الأرض-وهي داخلة في وظيفتهم الرئيسة:-طاعتهم المطلقة لربهم-: {لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون}. التحريم: 6. فما من إنسان إلا وللملائكة صلة به، من وقت وجوده في رحم أمه، إلى أن يدخل الجنة أو النار.

وقد فصل العلماء وظائف الملائكة التي وردت بها نصوص الكتاب والسنة. [راجع على سبيل المثال شرح العقيدة الطحاوية: ص 332-337]

والذي يهمنا هنا أمور:

الأمر الأول: صلة الملك بالجنين في رحم أمه.أنه تعالى يرسل الملك إلى الجنين، وهو في رحم أمه فيأمره بكتابة رزقه، وأجله، وعمله، وسعادته أو شقاوته [ ثبت ذلك في الصحيحين من حديث عبد الله بن مسعود.راجع كتاب العلوم والحكم،لابن رجب،بتحقيق الأرناؤط ص: 153]، وهي كما ترى صلة مبكرة بالإنسان قبل أن يظهر على وجه الأرض.وهذه غير صلتهم المبكرة بأبينا آدم عليه السلام كما قص ذلك القرآن الكريم في آي كثيرة .

الأمر الثاني: أن الملائكة هم سفراء الله إلى خلقه في الأرض، كما قال تعالى: {ينزل الملائكة بالروح من أمره على من يشاء من عباده أن أنذروا أنه لا إله إلا أنا فاتقون}. النحل: 2

وقد نزل جبريل عليه السلام بآخر كتب الله المنزلة وهو القرآن الكريم على رسولنا صلى الله عليه وسلم، قال تعالى: {وإنه لتنزيل رب العالمين نزل به الروح الأمين على قلبك لتكون من المنذرين}. الشعراء:192-195. وكان-جبريل-عليه السلام يدارس الرسول صلى الله عليه وسلم القرآن، كما كان ينزل يعرفه ببعض الأحكام، كمواقيت الصلاة.

الأمر الثالث: أن الله قد وكل بكل إنسان ملكين، أحدهما عن يمينه يكتب حسناته، والآخر عن يساره يكتب سيئا ته، قال تعالى: {ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد}. ق: 18.

الأمر الرابع: أن بعض الملائكة يزورون المؤمنين ويتفقد ونهم في بعض عباداتهم المهمة، كصلاتي الفجر والعصر، كما في حديث أبي هريرة، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (يتعاقبون فيكم ملائكة بالليل، وملائكة بالنهار، يجتمعون في صلاة الفجر وصلاة العصر، ثم يعرج الذين باتوا فيكم، فيسألهم ربهم-وهو أعلم بكم: كيف تركتم عبادي؟ فيقولون: تركناهم وهم يصلون وأتيناهم وهم يصلون). [متفق عليه، جامع الأصول (9/398)]

الأمر الخامس: أن بعضهم يقبضون أرواح بني آدم-المؤمن منهم وغير المؤمن- قال تعالى: {قال الذين أوتوا العلم إن الخزي اليوم والسوء على الكافرين الذين تتوفاهم الملائكة ظالمي أنفسهم فألقوا السلم ما كنا نعمل من سوء}.النحل: 27-28.

وقال تعالى: {الذين تتوفاهم الملائكة طيبين يقولون سلام عليكم ادخلوا الجنة بما كنتم تعملون}. النحل: 32.

والذين يقبضون روح المؤمن هم ملائكة الرحمة الذين يحتفلون بها في الأرض وفي السماء، ويسأله في قبره ملكان عن ربه ودينه ونبيه، فيجيب جوابا صحيحا، فيحتفلون به في قبره ويبشرونه بالخير الذي استحقه بعمله الصالح الذي وفقه الله له.

والذين يقبضون روح الكافر هم ملائكة العذاب، حيث يوبخونه ويقرعونه في الأرض وفي السماء، ويسأله ملكان عن ربه ودينه ونبيه فلم يستطع الإجابة الصحيحة، لأنه لم يدخل مدرسة الكتاب والسنة التي تعلم فيها المؤمن في الدنيا، فيوبخونه-أيضا-ويقرعونه في قبره وينال منهم ما يسوءه على رسوبه الذي حرص على فعل أسبابه في الدنيا. [راجع شرح الطحاوية ص 345-349]

الأمر السادس: أنهم يهتمون-وهم في السماء-بإخوانهم المؤمنين في الأرض، فيدعون لهم، ويستغفرون، كما قال تعال: {الذين يحملون العرش ومن حوله يسبحون بحمد ربهم ويؤمنون به ويستغفرون للذين آمنوا ربنا وسعت كل شيء رحمة وعلما فاغفر للذين تابوا واتبعوا سبيلك وقهم عذاب الجحيم ربنا وأدخلهم جنات عدن التي وعدتهم ومن صلح من آبائهم وأزواجهم وذريا تهم إنك أنت العزيز الحكيم وقهم السيئات ومن تق السيئات يومئذ فقد رحمته وذلك هو الفوز العظيم}. غافر: 7-9.

وأما الكفار فإنهم يلعنونهم كما يلعنهم الله، قال تعالى: {إن الذين كفروا وماتوا وهم كفار ألئك عليهم لعنة الله والملائكة والناس أجمعين}. البقرة: 161

الأمر السابع: أنهم يشاركون إخوانهم المؤمنين في جهاد أعدائهم في سبيل الله لرفع راية الإسلام، وتثبيت الصلاح في الأرض واجتثاث الباطل منها، كما قال تعالى: {ولقد نصركم الله ببدر وأنتم أذلة فاتقوا الله لعلكم تشكرون إذ تقول للمؤمنين ألن يكفيكم أن يمدكم ربكم بثلاثة آلاف من الملائكة منزلين بلى إن تصبروا وتتقوا ويأتوكم من فور هم هذا يمددكم ربكم بخمسة آلاف من الملائكة مسومين}. آل عمران: 123.

وقال تعالى: {إذ تستغيثون ربكم فاستجاب لكم أني ممد كم بألف من الملائكة مردفين-إلى قوله تعالى-: إذ يوحي ربك إلى الملائكة أني معكم فثبتوا الذين أمنوا سألقي في قلوب الذين كفروا الرعب فاضربوا فوق الأعناق واضربوا منهم كل بنان}. الأنفال: 9-12.

فصلتهم بالمؤمنين المناصرة لهم وتثبيتهم، وصلتهم بالكفار قتالهم وضربهم تحقيقا للولاء الذي عقده الله بين المؤمنين، مهما تباعدت ديارهم وفصلت بينهم الأزمنة المتباعدة، وتحقيقا للبراء الذي كلفه الله عباده المؤمنين، وللتعاون على البر والتقوى.

الأمر الثامن: أن خزنة الجنة يستقبلون إخوانهم المؤمنين،مرحبين بهم عند دخولهم الجنة، مهنئين ومبشرين لهم بحسن المأوى بدار القرار، وخزنة النار يستقبلون الكافرين موبخين لهم على كفرهم ومقرعين منذرين لهم بشر مصير عند دخولهم النار ٌقال تعالى: {وسيق الذين كفروا إلى جهنم زمرا حتى إذا جاؤها فتحت أبوابها وقال لهم خزنتها ألم يأتكم رسل منكم ينذرونكم لقاء يومكم هذا قالوا بلى ولكن حقت كلمة العذاب على الكافرين قيل ادخلوا أبواب جهنم خالدين فيها فبئس مثوى المتكبرين وسيق الذين اتقوا إلى الجنة زمرا حتى إذا جاؤها وفتحت أبوابها وقال لهم خزنتها سلام عليكم طبتم فادخلوها خالدين}. الزمر: 71-73.

ولست بصدد استقصاء كل ما للملائكة من صلة بالناس في الدنيا، فذلك أمر يطول، ولكن المتأمل في هذه الأمور-الثمانية-يتبين له أهمية الإيمان بالملائكة، بل ضرورة ذلك، ليحقق في نفسه الإيمان الذي أمره الله به، فمن المستحيل-شرعا-أن يتم الإيمان بالله تعالى، أو بأي ركن من أركان الإيمان الأخرى، بدون الإيمان بالملائكة.

فالإيمان الذي أمرنا الله به إنما جاءنا عن طريق الوحي، والوحي إنما نزل عن طريق الملائكة، فكيف يؤمن من ينكر الإيمان بالملائكة بالوحي الذي هو مصدر الإيمان والوحي لم يصل إلى الرسول صلى الله عليه وسلم إلا عن طريق جبريل؟! ألا ترى أن اليهود اتخذوا جبريل عدوا لهم بسبب اتخاذ الله له سفيرا بوحيه إلى رسوله محمد صلى الله عليه وسلم فحكم الله عليهم بأنهم عدو له ولملائكته كلهم بما فيهم ميكال الذي زعموا أنه وليهم، كما قال تعالى:{قل من كان عدوا لجبريل فإنه نزله على قلبك بإذن الله مصدقا لما بين يديه وهدى وبشرى للمؤمنين من كان عدوا لله وملائكته ورسله وجبريل وميكال فإن الله عدو للكافرين}. البقرة: 97-98. ][ راجع تفسير الآيتين في كتاب جامع البيان عن تأويل آي القرآن للإمام الطبري. وقد اشترك مع اليهود في عداوة جبريل غلاة الرافضة الذين اتهموه بالخيانة لإبلاغه القرآن محمدا صلى الله عليه وسلم، وقد كان الله تعالى إنما أراد به عليا رضي الله عنه في زعمهم!]
الإيمان هو الأساس (دروس في الإيمان) %D8%AE%D9%84%D9%81%D9%8A%D8%A7%D8%AA-%D8%A2%D9%8A%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D9%83%D8%B1%D8%B3%D9%8A-%D9%85%D9%83%D8%AA%D9%88%D8%A8%D8%A9-2

(24)

وفي الملائكة قدوة حسنة لنا
إن الذي يريد أن يطبق شريعة الله، ليكون صالحا مصلحا، لابد أن يسعى جاهدا في التعرف على عباد الله الصالحين، وعلى أعمالهم التي يتقربون بها إلى الله، والإكثار من مرافقتهم وحبهم والاقتداء بهم، فالجليس الصالح يؤثر في جليسه بصلاحه، كما أن جليس السوء يؤثر في جليسه بسوئه، والذي يزهد في مجالسة الصالحين ومرافقتهم، لا بد أن يجالس أهل السوء ويرافقهم ويكتسب منهم سوء فعالهم، فالأرواح جنود مجندة، ماتوا فق منها ائتلف وما تنافر اختلف، والطيور على أشباهها تقع، وقد شرع الله لعباده المؤمنين قراءة سورة الفاتحة في صلاتهم، فرضا كانت أم نفلا، وفيها هذا الدعاء العظيم: {إهدنا الصراط المستقيم صراط الذين أنعمت عليهم غير المغضوب عليهم ولا الضالين}. والذين أنعم الله عليهم، هم عباد الله الصالحون الذين هم القدوة الحسنة لمن أراد الصلاح في الدارين، وقد استجاب الله دعاءهم هذا، فقال تعالى {ومن يطع الله والرسول فأولئك مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا}. النساء: 69.

وقد طبع الله الملائكة على المداومة على طاعته، وعدم معصيته وأخبر تعالى أنهم لا يفترون عن عبادته ولا يسأمون، فحياتهم كلها عبادة، كما قال تعالى:{فالذين عند ربك يسبحون له بالليل والنهار وهم لا يسأمون}. فصلت: 38.

وقال تعالى: {يسبحون الليل والنهار لا يفترون}. الأنبياء: 20.
وقال تعالى:{لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون}. التحريم: 6.

وفي إخبار الله لنا عنهم بذلك حض لنا على الاجتهاد في طاعته، وإذا كانوا هم مجبولين على تلك الطاعة، ونحن لسنا مثلهم في ذلك فإننا مكلفون أن نجتهد في طاعته في حدود طاقتنا، ولا يكلف الله نفسا إلا وسعها، ونشترك نحن والملائكة في أننا جميعا مأمورون بطاعة الله، وإن اختلفت قدراتنا.

وإن اشتراكنا معهم في الإيمان بالله وطاعته ومحبته وتطبيق ما أمرنا به، والولاء الذي يربطنا بهم، كل ذلك جعلهم يهتمون بنا ويدعون لنا، ويشاركوننا في جهادنا ضد أعدائنا، وهم يلازموننا بكتابة أعمالنا، وينفخون الروح فينا ونحن أجنة في أرحام أمهاتنا، ويزوروننا ليلا ونهارا ويسرون بعبادتنا لربنا وطاعتنا له، وهم الذين يقبضون أرواحنا، ويمتحنوننا في قبورنا ويسألوننا عن ربنا وديننا ونبينا، ويبشرون المؤمنين منا بالنعيم في قبورنا كما ينذرون الكافرين بالعذاب
فيها، ويستقبلون عباد الله المؤمنين عند دخولهم الجنة فيبشرونهم بالنعيم المقيم والجزاءالعظيم، ويستقبلون أعداء الله من الكافرين عند دخولهم النار بالتبكيت والتقريع والعذاب الأليم.

إن في ذلك كله لما يحفز المؤمن على الاجتهاد في طاعة الله والبعد عن معصيته اقتداء بإخوانه الملائكة الذين يلازمونه بإذن الله من زمن خلقه في رحم أمه إلى أن يدخل الجنة، فذلك يجعل المؤمن يستحيي من إتيان المعصية أو ترك الطاعة، وأهل الطاعة لله لا يفارقونه، بل منهم من يلازمه لكتابة حسناته وسيئا ته.

هذا وقد نبه الرسول صلى الله عليه وسلم أمته على الإقتداء بالملائكة في صفة من صفات أعظم عبادة-بعد الشهادتين-وهي الصلاة، كما روى جابر بن سمرة، رضي الله عنه، قال: (... ثم خرج علينا-رسول الله صلى الله عليه وسلم-، فقال: (... ألا تصفون كما تصف الملائكة عند ربها، فقلنا: يا رسول الله! وكيف تصف الملائكة عند ربها؟ قال: يتمون الصف الأول ويتراصون في الصفوف). [مسلم (1/322)]

وإن الذي لا يتخذ عباد الله المتقين، من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين-ومنهم الملائكة المقربون-، قدوة له في طاعة ربه فلا بد أن يتخذ أعداء الله المفسدين من الشيطان الرجيم وأتباعه قدوته إلى معصية الله.فليعلم الإنسان من يرافق، فإن المرء مع من أحب.

عن المرء لا تسأل وسل عن قرينه *** فكل قرين بالمقارن يقتدي
الإيمان هو الأساس (دروس في الإيمان) %D8%AE%D9%84%D9%81%D9%8A%D8%A7%D8%AA-%D8%A2%D9%8A%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D9%83%D8%B1%D8%B3%D9%8A-%D9%85%D9%83%D8%AA%D9%88%D8%A8%D8%A9-2
(25)

الإيمان بالكتب المنزلة من أصول الإيمان

تكليف الله أهل الكتب السابقة بحفظها وموقفهم من ذلك
إن من أصول الإيمان التي لا يصح بدونها، الإيمان بكتب الله التي أنزلها على رسله، عليهم الصلاة والسلام، من لدن آدم عليه السلام إلى نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، فما من نبي ولا رسول إلا أنزل الله إليه ما يهتدي به ويهدي به قومه، قال تعالى: {قلنا اهبطوا منها جميعا فإما يأتينكم مني هدى فمن تبع هداي فلا خوف عليهم ولاهم يحزنون و الذين كفروا وكذبوا بآياتنا أولئك أصحاب النار هم فيها خالدون}. البقرة: 38-39.

فيجب الإيمان بأن الله تعالى أنزل هداه إلى كل نبي ورسول سواء علمنا اسم ذلك النبي أو الرسول أم لم نعلم، وسواء أعلمنا اسم الكتاب الذي أنزل عليه أم لم نعلم، وسواء أكان ذلك الكتاب قد نزل خاصا بذلك النبي أم هو امتداد لرسول سبقه، فما ذكره الله لنا من كتبه باسمه كالتوراة والإنجيل والقرآن آمنا به كما ذكره الله، وما لم يذكره باسمه آمنا به إجمالا، قال تعالى: {إنا أوحينا إليك كما أوحينا إلى نوح والنبيين من بعده وأوحينا إلى إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب والأسباط وعيسى وأيوب ويونس وهارون وسليمان وآتينا داود زبورا}. النساء: 163.

ومن الكتب التي ذكرها الله تعالى لنا في القرآن الكريم التوراة التي أنزلها على موسى عليه السلام والإنجيل الذي أ نزله على عيسى عليه السلام، والزبور الذي أنزله على داود عليه السلام، والصحف التي أ نزلها الله على إبراهيم عليه السلام، كل ذلك يجب الإيمان به، وأنه جاء من عند الله، كما جاء القرآن من عند الله، والفرق بين القرآن وتلك الكتب أن تلك الكتب قد حرفت وبدلت، وما بقي فيها من حق كتمه العالمون به من أتباع تلك الديانات، وأن كل ما وجد منها لا يحكم له بالصحة، ولا يحكم عليه بالبطلان إلا إذا علم ذلك الحكم من كتاب الله أو من سنة رسوله الثابتة الصحيحة، والحكم بالصحة أو البطلان على ما في تلك الكتب إنما هو مبني على حكم الوحي المنزل على الرسول صلى الله عليه وسلم.
الإيمان هو الأساس (دروس في الإيمان) %D8%AE%D9%84%D9%81%D9%8A%D8%A7%D8%AA-%D8%A2%D9%8A%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D9%83%D8%B1%D8%B3%D9%8A-%D9%85%D9%83%D8%AA%D9%88%D8%A8%D8%A9-2
(26)

موقف الأمم السابقة من حفظ كتبهم

تكليف الله أهل الكتب السابقة حفظها، وموقفهم من ذلك :

وقد أشار القرآن الكريم أن الله تعالى لم يتكفل بحفظ تلك الكتب السماوية التي سبقت نزول القرآن الكريم وإنما وكل حفظها إلى علماء تلك الديانات ابتلاء لهم، وهو يعلم سبحانه أنهم سيحرفونها ويبدلونها ويكتمون ما فيها من الحق، ويعلم أن رسالة أولئك الرسل مقيدة بز منهم وبقومهم، وأن الرسالة الشاملة هي رسالة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، ولهذا انتهت تلك الكتب بانتهاء رسالة الرسل الذين أنزلت عليهم.

والآية التي أشار الله فيها إلى أ نه تعالى وكل حفظ الكتب السابقة إلى علماء تلك الديانات، هي قوله تعالى: {إنا أنزلنا التوراة فيها هدى ونور يحكم بها النبيون الذين أسلموا للذين هادوا والربانيون والأحبار بما استحفظوا من كتاب الله وكانوا عليه شهداء}.المائدة: 44.

قال شيخنا العلامة الكبير الشيخ محمد الأمين الشنقيطي رحمه الله:{أخبر الله تعالى في هذه الآية أن الأحبار والرهبان استحفظوا كتاب الله-يعني استودعوه-وطلب منهم حفظه،ولم يبين هنا هل امتثلوا الأمر في ذلك وحفظوه،أو لم يمتثلوا الأمر في ذلك وضيعوه؟ ولكنه بين في مواضع أخرى أنهم لم يمتثلوا الأمر ولم يحفظوامااستحفظوه بل حرفوه وبدلوه عمدا، كما قال الله تعالى : {يحرفون الكلم عن مواضعه} الآية.. [أضواء البيان في تفسير القرآن بالقرآن (2/100)]
الإيمان هو الأساس (دروس في الإيمان) %D8%AE%D9%84%D9%81%D9%8A%D8%A7%D8%AA-%D8%A2%D9%8A%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D9%83%D8%B1%D8%B3%D9%8A-%D9%85%D9%83%D8%AA%D9%88%D8%A8%D8%A9-2
(27)

تحريف الكتب السماوية السابقة

1- تحريف نصوص الكتب السماوية السابقة
و المطلع على نسخ الكتب السماوية الموجودة اليوم على ظهر الأرض، العهد القديم أو الجديد-التوراة والإنجيل-يعلم يقينا أن نصوصها قد حرفت وبدلت، وأنها ليست هي النصوص التي أنزلها الله على أنبيائه و وعلماء تلك الديانات يقرون بأن نصوص العهدين ليست هي التى تلقاها الأنبياء من الله، وإنما كتبها بعد ذ لك بعض أتباعهم-مع اختلافهم في المدة التي مضت قبل كتابتها، هذا من جهة، ومن جهة أخرى يجد القارئ فرقا كبيرا بين النسخ التي مضى عليها زمن طويل وبين النسخ التي كتبت حديثا، كما يجد فرقا كبيرا بين النسخ المكتوبة بلغات مختلفة كالفرنسية والألمانية والإنجليزية واليابانية، والعربية.

2- تحريف معانيها
هذا من حيث النصوص، فإذا نظر إليها من حيث المعاني، فإنها تدل بما لا يدع محلا للشك أن أغلب تلك المعاني ليست من عند الله، بل هي موضوعة ممن لم يقدروا الله حق قدره، حيث تثبت مع الله آلهة أخرى، وتثبت الصراع بينه وبين بعض أنبيائه ورسله، كما أنها تحط من أقدار رسل الله وتتهمهم بما لا يليق أن يتهم به الرجل العادي من الناس.

هذا وقد نص الله تعالى على أن أهل الكتاب حرفوا كتبهم، كما قال تعالى: {من الذين هادوا يحرفون الكلم عن مواضعه ويقولون سمعنا وعصينا}. النساء: 46.

وقال تعالى: {يحرفون الكلم عن مواضعه ونسوا حظا مما ذكروا به ولا تزال تطلع على خائنة منهم إلا قليلا منهم}. المائدة:13.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://el-quran.ahlamontada.com
Admin
Admin
Admin


المساهمات : 4240
تاريخ التسجيل : 20/01/2018

الإيمان هو الأساس (دروس في الإيمان) Empty
مُساهمةموضوع: رد: الإيمان هو الأساس (دروس في الإيمان)   الإيمان هو الأساس (دروس في الإيمان) Emptyالجمعة فبراير 23, 2018 2:35 am

الإيمان هو الأساس (دروس في الإيمان) %D8%AE%D9%84%D9%81%D9%8A%D8%A7%D8%AA-%D8%A2%D9%8A%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D9%83%D8%B1%D8%B3%D9%8A-%D9%85%D9%83%D8%AA%D9%88%D8%A8%D8%A9-2

(28)

هل توجد نسخ غير محرفة في السابقة؟

هذا هو حال الكتب السماوية السابقة في الجملة فهل يقال: إنه لا توجد نسخ من التوراة والإنجيل فيها شيء من الحق؟الجواب: لا، بل إن نصوص القرآن الكريم والسنة النبوية تدلان على وجود نسخ من الكتابين فيهما شيء من الحق الذي لو آمن به أهل الكتابين لأثبتوا رسالة الرسول صلى الله عليه وسلم.

القرآن يدل على تحريف الكتب السماوية:

أما الآيات فمنها قول الله تعالى: {كل الطعام كان حلا لبني إسرائيل إلا ما حرم إسرائيل على نفسه من قبل أن تنزل التوراة قل فأتوا بالتوراة فاتلوها إن كنتم صادقين}. آ ل عمران:93

فأمر الله رسوله صلى الله عليه وسلم بأن يطلب من أهل الكتاب إحضار التوراة وتلاوة ما فيها مما يتعلق بالموضوع، يدل على أنه كان يوجد عندهم في التوراة حق يخالف ما ادعوه من الباطل، وأنهم كانوا يكتمون ذلك، ولو أحضروه كما طلب منهم لبان كذبهم، وهذا واضح.

ومنها قوله تعالى: {وكيف يحكمونك وعندهم التوراة فيها حكم الله ثم يتولون من بعد ذلك وما أولئك بالمؤمنين}. المائدة: 43.

ومنها قوه تعالى: {وليحكم أهل الإنجيل بما أنزل الله فيه ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الفاسقون}. المائدة: 47.

وقد ثبت في السنة عن نافع أن عبد الله بن عمر أخبره أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، أتي بيهودي ويهودية قد زنيا، فانطلق رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى جاء يهود، فقال: (ما تجدون في التوراة على من زنى؟) قالوا نسود وجوههما، ونحملهما، ونخالف بين وجوههما، ويطاف بهما. قال: {فأتوا بالتوراة إن كنتم صادقين}، فجاؤا بها فقرؤوها، حتى إذا مروا بآية الرجم وضع الفتى الذي يقرأ يده على آية الرجم، وقرأ ما بين يديها وما وراءها، فقال له عبد الله بن سلام-وهو مع رسول الله صلى الله عليه وسلم-: مره فليرفع يده فرفعها فإذا تحتها آية الرجم، فأمر بهما رسول الله صلى الله عليه وسلم فرجما} [البخاري بشح فتح الباري (13/516) ومسلم بشرح النووي (3/1326) واللفظ له،وراجع تفسير النسائي (1/313)]

وبهذا يعلم أن في بعض نسخ الكتب السماوية السابقة شيئا من الحق ولكن العلماء المسؤلين عن تلك الكتب يخفونها، ويكتمون ما لا يريدون أن يطلع عليه أحد، وبخاصة ما يتعلق بصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم ويدل على رسالته، وقد ذكر الله في كتابه الكريم أنهم يكتمون ما أنزل الله، وأن بعضهم يحذر بعضا من إظهار ما يثبت الحق الذي جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم، وهذا كثير في القرآن الكريم .

من ذلك قوله تعالى: {وآمنوا بما أنزلت مصدقا لما معكم ولا تكونوا أول كافر به ولا تشتروا بآياتي ثمنا قليلا وإياي فاتقون ولا تلبسوا الحق بالباطل وتكتموا الحق وأنتم تعلمون}. البقرة: 41-42.

وقد وُجِدت تْنسخة من إنجيل بر نابا، وفيه البشارة بالرسول صلى الله عليه وسلم، ولكن النصارى ينكرونه أشد الإنكار، ويزعمون أنه منحول من قبل المسلمين.

وقد قابلت رجلا دخل في الإسلام بعد أن مكث فترة طويلة يعتقد النصرانية، حتى وصل إلى رتبة قسم الولاء على يد البابا والذي يصل إلى هذه الدرجة ينال أقسى العقوبات إذا ترك النصرانية، وقال لي: (إنه اطلع على نسخة أصلية من إنجيل بر نابا في متحف فينا قال: ووجود هذه النسخة الأصلية يدل على كذبهم في ادعاء أن هذه النسخة مزورة وقال: إنهم لا يسمحون بتداول هذه النسخة إلا للقسس فقط، وقد كان هذا الرجل قسيسا، وتسمى بعد إسلامه: أيوب عبد الرحمن . كانت مقابلتي له في يوم الأربعاء 23/12/1409 هـ /7/1989 م في المجلس الإقليمي للدعوة الإسلامية بمنطقة جنوب شرق آسيا والمحيط الهادي، في كوالالمبور/ماليزيا راجع الكتاب السادس من سلسلة: (في المشارق والمغارب (3/173)] ذلك قوله تعالى: {وإذا لقوا الذين آمنوا قالوا آمنا وإذا خلوا إلى شياطينهم قالوا أتحدثونهم بما فتح الله عليكم ليحاجوكم به عند ربكم أفلا تعقلون).البقرة: 76.

وقد ذكر شيخ الإسلام ابن تيمية، رحمه الله أن الراجح وجود بعض النسخ الصحيحة من التوراة والإنجيل فقال: (والصحيح القول الثالث وهو أن في الأرض نسخا صحيحة، وبقيت إلى عهد النبي صلى الله عليه وسلم، ونسخا كثيرة محرفة، ومن قال: إنه لم يحرف شيء من النسخ، فقد قال ما لا يمكنه نفيه ومن قال: جميع النسخ بعد النبي صلى الله عليه وسلم، حرفت، فقد قال ما يعلم أنه خطأ، والقرآن يأمرهم أن يحكموا بما أنزل الله في التوراة والإنجيل،ويخبر أن فيهما حكمه، وليس في القرآن خبر أنهم غيروا جميع النسخ). [مجموع الفتاوى (13/104)]

تلك هي الكتب الإلهية السابقة، من حيث حفظها وتحريفها، وكتمان أهل الكتاب الحق الذي جاء فيها، وكونه قد توجد منها نسخ صحيحة، تعمد أهلها كتمان الحق الذي تضمنته.
الإيمان هو الأساس (دروس في الإيمان) %D8%AE%D9%84%D9%81%D9%8A%D8%A7%D8%AA-%D8%A2%D9%8A%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D9%83%D8%B1%D8%B3%D9%8A-%D9%85%D9%83%D8%AA%D9%88%D8%A8%D8%A9-2
(29)

الفرق بين القرآن والكتب السابقة

ما الفرق بين القرآن الكريم والكتب السابقة، مع أنها كلها كلام الله ؟

الفرق أن القرآن الكريم، فقد تكفل الله تعالى بحفظه، ولم يكل حفظه إلى خلقه، مع توفيق الله لهذه الأمة للعناية الشديدة به، كما قال تعالى: {إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون}. الحجر: 9.

قال شيخنا العلامة الشنقيطي رحمه الله: (إن قيل ما الفرق بين التوراة والقرآن فإن كلا منهما كلام الله، أنزله على رسول من رسله صلوات الله وسلامه عليهم والتوراة حرفت وبدلت كما بيناه آنفا، والقرآن محفوظ من التحريف والتبديل، لو حرف منه أحد حرفا واحدا فأبدله بغيره، أو زاد فيه حرفا أو نقص فيه آخر لرد عليه آلاف الأطفال من صغار المسلمين فضلا عن كبار هم؟

فالجواب أن الله استحفظهم التوراة واستودعهم إياها، فخانوا الأمانة ولم يحفظوها، بل ضيعوها عمدا، والقرآن العظيم لم يكل الله حفظه إلى أحد حتى يمكنه تضييعه، بل تولى حفظه جل وعلا بنفسه الكريمة المقدسة، كما أوضحه بقوله: {إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون}. وقوله: {لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه}. الآية إلى غير ذلك من الآيات.) [أضواء البيان في تفسير القرآن بالقرآن (2/100)]
الإيمان هو الأساس (دروس في الإيمان) %D8%AE%D9%84%D9%81%D9%8A%D8%A7%D8%AA-%D8%A2%D9%8A%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D9%83%D8%B1%D8%B3%D9%8A-%D9%85%D9%83%D8%AA%D9%88%D8%A8%D8%A9-2
(30)

ما المقصود بحفظ القرآن الكريم؟

والمقصود بحفظ القرآن حفظ الدين كله، ويدخل في ذلك حفظ سنة الرسول صلى لله عليه وسلم، التي هيأ الله لها من حفظ نصوص متونها، وأسانيدها، وبين صحيحها من ضعيفها، كما بين أحوال رواتها من حيث العدالة والفسق، والصدق والكذب، والضبط والتساهل، وغير ذلك مما يعرف به صحة نسبة الحديث إلى الرسول صلى الله عليه وسلم وعدم صحتها. وحفظ سنة الرسول صلى الله عليه وسلم، لازم لحفظ القرآن الكريم، لأن كثيرا من الأحكام الواردة في القرآن الكريم لا يمكن أداؤها كما أراد الله إلا ببيان الرسول صلى الله عليه وسلم ما أجمل فيها، كمواقيت الصلاة، وعدد ركعاتها، والقراءة فيها، وهكذا الحج والزكاة والصيام وغيرها من الأحكام، كما أن أحكاما كثيرة لم تذكر في القرآن الكريم، وبينها الرسول صلى الله عليه، كما قال تعالى: {وأنزلنا إليك الذكر لتبين للناس ما نزل إليهم}. النحل: 16.

وحفظ نصوص القرآن والسنة إلى يوم القيامة، يضمن للأمة الإسلامية الرجوع إليهما لتصحيح ما قد يطرأ من شوائب وانحرافات في سلوكها ورد ما قد يحاول أعداء هذا الدين، من إدخال ما ليس منه فيه. وهاهو القرآن الكريم قد حفظه الله، فلم يغير منه حرف أو كلمة مع طول المدة من يوم نزوله إلى الآن وسيبقى كذلك إلى يوم الدين.

ومن أسباب حفظه أن آياته كلها كتبت في عهد النبي صلى الله عليه وسلم فلم يمت إلا بعد أن كتبـت آياته بأمره في مواضعها التي عينها هو لكتابتها، ثم هيأ الله أصحاب نبيه فجمعوه في مصحف واحد ووزعوا نسخه في الأقطار الإسلامية في عهدهم، وهذه ميزة لم تحصل لأي كتاب من الكتب السابقة، ثم هيأ الله الأجيال المسلمة حيث يحمله الجيل السابق إلى الجيل اللاحق، فهو متواتر النقل تواترا لا يوجد له نظير، واجتمع على نقله حفظ مئات الألوف لألفاظه في صدور صغار الأمة الإسلامية وكبارها، رجالها ونسائها، مع حفظه كتابة في كل عصر بوسائله المتاحة، حتى أصبح اليوم يوجد في البر والبحر والجبل والسهل، والمدينة والريف وفي الغابة والصحراء وهوهو في كل مكان. [وقد انتشر مصحف المدينة المنورة الذي يقوم بطباعته مجمع خادم الحرمين الشريفين في المدينة المنورة، انتشارا واسعا، في كل أنحاء المعمورة، ونفع الله به المسلمين في هذا العصر، وله أحجام متنوعة، تناسب كل الفئات، كما أنه طبع طبعات متنوعة كذلك من حيث أنواع الخطوط، المناسبة للعرب والباكستانيين وغيرهم، بحسب ما ألفوا من الطبعات. هذا وقد يعمد أعداء الإسلام من اليهود والنصارى والوثنيين إلى طبع المصحف الكريم وتحريف بعض ألفاظه، لإدخال بعض ما يريدون مما يحقق بعض مقاصدهم لدى جهال المسلمين، أو غيرهم، ولكنا نحمد الله لا يمضي على ذلك يوم أو يومان إلا وقد علت أصوات المسلمين،صغارا وكبارا، محذرة مما صنع المحرفون]

وهيأ الله علماء الإسلام لحفظ معاني الكتاب والسنة، فكان منهم المفسر والفقيه والمحدث، وغيرهم بحيث لا يظهر زنديق يريد أن يحرف شيئا من معاني القرآن والسنة إلا وجد شهب الحق المحرقة تأتيه من كل مكان.
الإيمان هو الأساس (دروس في الإيمان) %D8%AE%D9%84%D9%81%D9%8A%D8%A7%D8%AA-%D8%A2%D9%8A%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D9%83%D8%B1%D8%B3%D9%8A-%D9%85%D9%83%D8%AA%D9%88%D8%A8%D8%A9-2
(31)

فائدة الإيمان بالكتب السابقة

قد يقال: وما فائدة الإيمان بالكتب السابقة مع كونها قد حرفت وبدلت؟

والجواب: أن فائدة الإيمان بها مع تحريفها وتبديلها، ومع عدم جواز الاعتماد عليها، مستقلة-ولو سلمت من التغيير-بعد نزول القرآن الكريم، تعود إلى ثلاثة أمور :

الأمر الأول: أن القرآن الكريم قد أخبرنا عنها، وخبره حق وصدق يجب الإيمان به، ومن كذبه فقد كفر.

الأمر الثاني: معرفة أن هدى الله تعالى لم ينقطع عن البشر من وقت وجودهم على هذه الأرض إلى اليوم، وسيبقى كذلك إلى يوم القيامة، وذلك يدل على أن هذا القرآن ليس بدعا من الكتب الإلهية، كما أن الرسول صلى الله عليه وسلم ليس بدعا من الرسل.

الأمر الثالث:إقامة الحجة على أهل الكتب السابقة بما ثبت فيها من صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم.

حكم من لم يؤمن بالكتب السماوية السابقة :

والذي لا يؤمن بأن الله أوحى إلى رسله وأنزل عليهم كتبه، لهداية خلقه قبل أن يأتي محمد صلى الله عليه وسلم، فإنه لا يكون مسلما-ولو ادعى الإيمان بالقرآن الكريم- فإن القرآن الكريم قد أوجب الإيمان بكتب الله المنزلة على رسله عليهم السلام، قال تعالى: {ومن يكفر بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر فقد ضل ضلالا بعيدا}. النساء: 136.
الإيمان هو الأساس (دروس في الإيمان) %D8%AE%D9%84%D9%81%D9%8A%D8%A7%D8%AA-%D8%A2%D9%8A%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D9%83%D8%B1%D8%B3%D9%8A-%D9%85%D9%83%D8%AA%D9%88%D8%A8%D8%A9-2
(32)

هيمنة القرآن على الكتب السابقة

القرآن الكريم هو الحجة على الناس ولا حجة في غيره بعد نزوله

القرآن الكريم هو خاتم الكتب السماوية وآخرها نزولا، والمهيمن عليها، فما أثبته القرآن مما ورد فيها فهو الثابت، لثبوته في القرآن، وما نفاه القرآن مما ورد فيها فلا عبرة به لنفيه في القرآن، فهو الحجة ولا حجة في سواه بعد نزوله، لأن كل الكتب السابقة، قد حرفت وبدلت، وما بقي فيها ثابتا فهو خاضع لحكم القرآن الذي نسخ ما سبقه من الكتب، وقد يكون فيها شيء من الحق، ولكن أهل الكتاب كتموه، حسدا منهم لرسول الله صلى الله عليه وسلم، ولهذه الأمة، كما قال الله تعالى: {وأنزلنا إليك الكتاب بالحق مصدقا لما بين يديه من الكتاب ومهيمنا عليه فاحكم بينهم بما أنزل الله ولا تتبع أهواءهم عما جاءك من الحق-إلى قوله-: وأن احكم بينهم بما أنزل الله ولا تتبع أهواءهم واحذرهم أن يفتنوك عن بعض ما أنزل الله إليك فإن تولوا فاعلم أنما يريد الله أن يصيبهم ببعض ذنوبهم، وإن كثيرا من الناس الفاسقون أفحكم الجاهلية يبغون ومن أحسن من الله حكما لقوم يوقنون}. المائدة: 48-50.

ما ذا يستفاد من الكتب السابقة إقامة الحجة على أهلها بما بقي فيها من الحق؟

ونحن لسنا في حاجة إلى ما فيها من حق إلا لإقامة الحجة على أهلها إذ نقول لهم كما قال الله لرسوله، صلى الله عليه وسلم: {قل فأتوا بالتوراة فاتلوها إن كنتم صادقين}.آل عمران: 93.

نص القرآن الكريم على تحريف أهل الكتاب لكتبهم وكتمان ما بقي فيها من الحق

وقد نص القرآن الكريم على تحريف أهل الكتاب وكتمانهم للحق ولبسه بالباطل، كما قال تعالى: {من الذين هادوا يحرفون الكلم عن مواضعه}.النساء: 46

وقال تعالى: {فبما نقضهم ميثاقهم لعناهم وجعلنا قلوبهم قاسية يحرفون الكلم عن مواضعه}. المائدة: 13.

وقال تعالى: {فويل للذين يكتبون الكتاب بأيديهم ثم يقولون هذا من عند الله ليشتروا به ثمنا قليلا فويل لهم مما كتبت أيديهم وويل لهم مما يكسبون}. البقرة: 79.

وقال تعالى: {أفتطمعون أن يؤمنوا لكم وقد كان فريق منهم يسمعون كلام الله ثم يحرفونه من بعد ما عقلوه وهم يعلمون}. البقرة: 75.

وقال تعالى: {وقالت اليهود ليست النصارى على شيء وقالت النصارى ليست اليهود على شيء وهم يتلون الكتاب كذلك قال الذين لا يعلمون مثل قولهم فالله يحكم بينهم يوم القيامة فيما كانوا فيه يختلفون} البقرة: 113.

وقد رد الله على اليهود والنصارى في قولهم هذا بأنهم كلهم ليسوا على شيء، لعدم إقامتهم ما جاء هم من عنده في التوراة والإنجيل، فقال تعالى: {قل يا أهل الكتاب لستم على شيء حتى تقيموا التوراة والإنجيل وما أنزل إليكم من ربكم}ا لمائدة: 68.

المراد بإقامة التوراة والإنجيل

والمراد بإقامة التوراة والإنجيل-هنا-الإقرار بما كانوا يعلمونه ويكتمونه، من نعت محمد صلى الله عليه وسلم الدال على رسالته، وليس المراد العمل بما يخالف القرآن مما فيهما، فلا يقبل منهم، بعد نزول القرآن إلا ما جاء فيه.

قال قاضي القضاة أبو السعود الحنفي رحمه الله: {فلو أنهم أقاموا التوراة والإنجيل-أي بمراعاة ما فيهما من الأحكام-التي من جملتها شواهد نبوة محمد صلى الله عليه وسلم ومبشرات بعثته إنما تكون بذلك، لا بمراعاة جميع ما فيهما من الأحكام، لانتساخ بعضها بنزول القرآن، فليست مراعاة الكل من إقامتهما في شيء}. [تفسير أبي السعود: (2/90)]
الإيمان هو الأساس (دروس في الإيمان) %D8%AE%D9%84%D9%81%D9%8A%D8%A7%D8%AA-%D8%A2%D9%8A%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D9%83%D8%B1%D8%B3%D9%8A-%D9%85%D9%83%D8%AA%D9%88%D8%A8%D8%A9-2
(33)

هل يعد أهل الكتاب من المؤمنين عند الله؟

إن كل من لم يؤمن برسالة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، وما جاء به من عند ربه، لا يعد عند الله مؤمنا، بعد أن تقوم عليه الحجة بتبليغ هذه الرسالة، بل هو كافر مشرك به تعالى، لا فرق في ذلك بين يهودي ونصراني، ووثني .. وهذا من الأمور البدهية في الإسلام.

ولولا ما نسمع هذه الأيام من قول منكر وزور، من إطلاق بعض الناس صفة الإيمان على اليهود والنصارى، بحجة أنهم أهل كتاب، لما كنا في حاجة إلى الكلام في هذا الأمر.

نعم كل طائفة منهم تدعي أنها تؤمن برسولها وبما جاء به من عند الله، فيدعي اليهود أنهم يؤمنون بموسى عليه السلام، وبالتوراة التي أنزلها الله عليه.

ويدعي النصارى أنهم يؤمنون بعيسى عليه السلام، وبالإنجيل الذي أنزله الله عليه.

وهم في الحقيقة لا يؤمنون برسول ولا كتاب، بل لا يؤمنون –حقيقة-بالله تعالى.

وكونهم ينتسبون إلى دين سماوي كان صحيحا في عهد الرسول الذي جاء أسلافهم به، لا يسوغ دعواهم الإيمان بعد أن حرفوا ذلك الدين وبدلوه، وحرفوا الكتاب الذي جاءهم به من أرسله الله إليهم

ولقد نص الله تعالى على أن أهل الكتاب كفار مشركون، والآيات الدالة على ذلك كثيرة

{ لقد كفر الذين قالوا إن الله هو المسيح ابن مريم قل فمن يملك من الله شيئا إن أراد أن يهلك المسيح ابن مريم وأمه ومن في الأرض جميعا ولله ملك السموات والأرض وما بينهما يخلق ما يشاء والله على كل شيء قدير} (17) المائدة

لقد كفر الذين{ قالوا إن الله هو المسيح ابن مريم وقال المسيح بابني إسرائيل اعبدوا الله ربي وربكم إنه من يشرك بالله فقد حرم الله عليه الجنة ومأواه النار وما للظالمين من أنصار}(72) المائدة

{لقد كفر الذين قالوا إن الله ثالث ثلاثة وما من إله إلا إله واحد وإن لم ينتهوا عما يقولون ليمسن الذين كفروا منهم عذاب أليم}(73) المائدة

{لم يكن الذين كفروا من أهل الكتاب والمشركين منفكين حتى تأتيهم البينة}(1) البينة

{إن الذين كفروا من أهل الكتاب والمشركين في نار جهنم خالدين فيها أولئك هم شر البرية}(6) البينة

{ ياأهل الكتاب لا تغلوا في دينكم ولا تقولوا على الله إلا الحق إنما المسيح عيسى ابن مريم رسول الله وكلمته ألقاها إلى مريم وروح منه فآمنوا بالله ورسله ولا تقولوا ثلاثة انتهوا خيرا لكم إنما الله إله واحد سبحانه أن يكون له ولد له ما في السموات وما في الأرض وكفى بالله وكيلا }(171) النساء

{ قل ياأهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم ألا نعبد إلا الله ولا نشرك به شيئا ولا يتخذ بعضنا بعضا أربابا من دون الله فإن تولوا فقولوا اشهدوا بأنا مسلمون} (64) آل عمران

{ ياأهل الكتاب لم تكفرون بآيات الله وأنتم تشهدون}(70) آل عمران

{ياأهل الكتاب لم تلبسون الحق بالباطل وتكتمون الحق وأنتم تعلمون}(71) آل عمران

{ قل ياأهل الكتاب لم تكفرون بآيات الله والله شهيد على ما تعملون}(98) آل عمران

{ قل ياأهل الكتاب لم تصدون عن سبيل الله من ءامن تبغونها عوجا وأنتم شهداء وما الله بغافل عما تعملون}(99) آل عمران

{ ياأهل الكتاب لا تغلوا في دينكم ولا تقولوا على الله إلا الحق إنما المسيح عيسى ابن مريم رسول الله وكلمته ألقاها إلى مريم وروح منه فآمنوا بالله ورسله ولا تقولوا ثلاثة انتهوا خيرا لكم إنما الله إله واحد سبحانه أن يكون له ولد له ما في السموات وما في الأرض وكفى بالله وكيلا}(171) النساء

{ قل ياأهل الكتاب لستم على شيء حتى تقيموا التوراة والإنجيل وما أنزل إليكم من ربكم وليزيدن كثيرا منهم ما أنزل إليك من ربك طغيانا وكفرا فلا تأس على القوم الكافرين}(68) المائدة

{ قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر ولا يحرمون ما حرم الله ورسوله ولا يدينون دين الحق من الذين أوتوا الكتاب حتى يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون}(29) التوبة

{وقالت اليهود عزير ابن الله وقالت النصارى المسيح ابن الله ذلك قولهم بأفواههم يضاهئون قول الذين كفروا من قبل قاتلهم الله أنى يؤفكون (30) اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابا من دون الله والمسيح ابن مريم وما أمروا إلا ليعبدوا إلها واحدا لا إله إلا هو سبحانه عما يشركون(31) } التوبة

الإيمان هو الأساس (دروس في الإيمان) %D8%AE%D9%84%D9%81%D9%8A%D8%A7%D8%AA-%D8%A2%D9%8A%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D9%83%D8%B1%D8%B3%D9%8A-%D9%85%D9%83%D8%AA%D9%88%D8%A8%D8%A9-2
(34)

القرآن هو المصدر الأول للتشريع
إذا كان الإيمان بالكتب المنزلة قبل القرآن، أصلا من أصول الدين، فإن الإيمان بالقرآن الكريم هو أساس الإيمان بالكتب السابقة كلها، بل هو أساس الإيمان بالرسل وبدين الله من حين أوجد الله آدم إلى اليوم، لأنه لم يبق كتاب سماوي صحيح يدلنا على إنزال الله تلك الكتب، وإرسال أولئك الرسل إلا هذا القرآن، ومن هنا تأتي أهمية الإيمان بهذا الكتاب خاصة، كما أنه لا يوجد دين رباني حق يجب على البشرية كلها اتباعه إلا ما جاء به هذا الكتاب، ولا منهج تشريع يضمن للعالم الهداية والصلاح إلا منهج هذا القرآن، فهو المصدر الأول للشريعة الإسلامية، وتليه سنة الرسول صلى الله عليه وسلم، الذي ما عرفت رسالته إلا بالقرآن،فيه أمر الله ونهيه لرسوله ولهذه الأمة التي يجب عليها أن تطبقه في حياتها لتنال سعادة الدارين.

ولهذا أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يتلو هذا القرآن على الناس، وأن يبينه لهم، وأن يحكم به بينهم، ووصف من لم يحكم به بالكفر-الأكبر-إذا اعتقد جواز الحكم بغير ما أنزل الله، أو زعم أن الحكم بما أنزل الله غير صالح،وأن الذي يدعى إلى التحاكم إلى كتاب الله فلم يستجب لذلك، ليس بمؤمن، قال تعالى: {اتبع ما أوحي إليك من ربك الإله إلا هو وأعرض عن المشركين}. الأنعام: 106.

وقال تعالى: {قل يا أيها الناس قد جاءكم الحق من ربكم فمن اهتدى فإنما يهتدي لنفسه ومن ضل فإنما يضل عليها وما أنا عليكم بوكيل واتبع ما يوحى إليك واصبر حتى يحكم الله وهو خير الحاكمين}. يونس: 108،109.

وقال تعالى: {ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون-ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الظالمون-ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الفاسقون}. المائدة: 44،45/47.

وقال تعالى: {ألم تر إلى الذين يزعمون أ نهم آمنوا بما أنزل إليك وما أنزل من قبلك يريدون أن يتحاكموا إلى الطاغوت وقد أمروا أن يكفروا به ويريد الشيطان أن يضلهم ضلالا بعيدا وإذا قيل لهم تعالوا إلى ما أنزل الله وإلى الرسول رأيت المنافقين يصدون عنك صدودا}.النساء: 60-61.

وقال تعالى: {فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجا مما قضيت ويسلموا تسليما}. النساء: 65.

فالإيمان بهذا القرآن يترتب عليه التسليم المطلق لأمر الله ونهيه الواردين فيه أو في ما صح من سنة الرسول صلى الله عليه وسلم، إذ التسليم المطلق لأمر الله ونهيه، والحكم بما أنزل، والعمل بذلك هو المقصود من إنزاله، وهو فرض على كل الناس، وبه يكون صلاح العالم: {إن هذا القرآن يهدي للتي هي أقوم ويبشر المؤمنين الذين يعملون الصالحات أن لهم أجرا كبيرا} الإسراء:9.

فالقرآن الكريم هو المهيمن على كل ما عداه من الكتب السماوية السابقة.
الإيمان هو الأساس (دروس في الإيمان) %D8%AE%D9%84%D9%81%D9%8A%D8%A7%D8%AA-%D8%A2%D9%8A%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D9%83%D8%B1%D8%B3%D9%8A-%D9%85%D9%83%D8%AA%D9%88%D8%A8%D8%A9-2
(35)

وجوب الاهتمام بالقرآن
تمهيد : لو علم أعمى البصر أن طبيبا ظهر عنده قدرة على علاجه ليعود إليه بصره، لسارع كل أعمى إلى ذلك الطبيب، ينشد عنده العلاج الذي يمكنه من التمتع بنعمة البصر، ولو علم الأصم أن طبيبا آخر عنده قدرة على علاجه ليعود إليه سمعه لسارع كل أصم إلى ذلك الطبيب ينشد عنده العلاج الذي يمكنه من التمتع بنعمة السمع، وهكذا الأبكم، وفاقد الشم، وكل من عنده مرض مزمن أو عرف بصعوبة العلاج، هذا أمر مشاهد في ذوي العاهات والأمراض، يجتهدون هم وأقاربهم في البحث عن الأطباء والمستشفيات التي يأملون أن يجدوا فيها علاج أمراضهم، ينفقون في سبيل ذلك الأموال، ويكابدون مشاق السفر والتنقل، وهجر الديار، طلبا للشفاء والطمأنينة والاستقرار، وهذا الحرص مطلوب طبعا وعادة وشرعا، لأن العبد مأمور بتعاطي الأسباب التي تجلب له المصالح وتدفع عنه المفاسد.

ولكن الأهم من ذلك-مع كونه مهما-أن يهتم الجاهل بمصالح دنياه وآخرته، وبالمفاسد التي تكدر عليه حياته في الدنيا، وتفقده السعادة فيها وفي الآخرة، ألا وهو العلم النافع الذي يزيل عنه غشاوة الجهل وينير له درب الحياة، فيكون به على بصيرة بالمنهج الذي يهديه في حياته إلى ما يحقق له سعادة الدارين: فردا وأسرة و أمة، حاكما ومحكوما، خادما ومخدوما، المنهج الذي يؤدي به حق نفسه وحق خالقه وحق المخلوقين من حوله.

وإنك لترى كثيرا من المفكرين والقادة في العالم يبدون ضجرهم وامتعاضهم مما يرونه يحل بأممهم من المصائب المتنوعة: الاجتماعية، والاقتصادية والسياسية والعسكرية، وغيرها من المشكلات التي تدمر الناس تدميرا، ويبحثون عن مناهج يضعونها لأممهم علها تحل مشكلاتهم أو تخفف منها، ويجربون منهجا إثر منهج، وكلما بدا لهم نقص في منهج لجئوا إلى آخر، ولقد جربوا كل المناهج البشرية الموجودة على ظهر الأرض، أخذ الغرب بعض تجارب الشرق، كما أخذ الشرق بعض تجارب الغرب، ولكنها كلها قد أخفقت، وبعض الدول الكبيرة قد انهارت، والبعض الآخر في طريقه إلى الانهيار، ولم يقدروا على تحقيق السعادة لقومهم، ولا على التخفيف من القلق والاضطراب، فقد العالم العدل والأمن والسلام والمحبة والإيثار، لأن تلك المناهج كلها من صنع البشر الذين يعتريهم الجهل والهوى والغفلة والظلم، ومن كانت تلك صفاته فلا بد أن يكون في منهجه الذي يضعه نقص وسلبيات، يكون من ثمارها الظلم وكثرة الأخطاء التي تترتب عليها كثرة وقوع المفاسد، وكثرة فوات المصالح، وعدم إصابة الحق-إذا كان واضع المنهج ينشده، فكيف إذا تعمد اتباعا لهواه ومصالحه إرادة الباطل- وهذا ما نشاهده اليوم في مشارق الأرض ومغاربها.
الإيمان هو الأساس (دروس في الإيمان) %D8%AE%D9%84%D9%81%D9%8A%D8%A7%D8%AA-%D8%A2%D9%8A%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D9%83%D8%B1%D8%B3%D9%8A-%D9%85%D9%83%D8%AA%D9%88%D8%A8%D8%A9-2
(36)

المنهج الوحيد لسعادة العالم
إن المنهج الوحيد الذي تنشد البشرية السعادة في ظله -الذي لا يوجد اليوم في الأرض سواه-و الذي لا يعتريه نقص لأنه منهج من أحاط بكل شيء علما، المتصف بالعدل، المنزه عن الجهل والظلم والغفلة، هو كتاب الله الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، وسنة نبيه الثابتة الصحيحة، وهو الذي شرف الله به هذه الأمة-الأمة الإسلامية-، وجعلها به خير أمة أخرجت للناس، وهو النور الهادي، والدواء الشافي، والصراط المستقيم الذي لاعوج فيه، وهو وحده الذي يخرج الناس من الظلمات إلى النور. هذا المنهج الوحيد الذي تنشد البشرية السعادة في ظله، وتشكو من التعاسة التي أصابتها من جراء العلوم التي تقدمت تقدما عظيما في عالم الجماد، ولم يواكبها تقدم يذكر في علوم حياة الإنسان.

عقلاء الغرب يشكون من مآسي أمتهم ويتمنون لها منهجا لا يوجد في غير القرآن!

وهذه مقتطفات من تلك الشكوى، أطلقها بعض علماء الغرب الذين أذهلتهم الكوارث الأدبية والنفسية والعقلية التي أصابت أمتهم المتقدمة ماديا، فقد قال الطبيب الجراح الفرنسي/ألكسيس كاريل/: (فيجب أن يفهم بوضوح أن قوانين العلاقات البشرية مازالت غير معروفة، فإن علوم الاجتماع والاقتصاديات علوم افتراضية... صفوة القول، أن علوم الجماد حققت تقدما عظيما بعيد المدى، بينما بقيت علوم البشر في حالة بدائية... ومن ثم فإن التقدم الهائل الذي أحرزته علوم الجماد على علوم الحياة هو إحدى الكوارث التي عانت منها الإنسانية، فالبيئة التي ولدتها عقولنا واختراعاتنا غير صالحة لا بالنسبة لقوا منا ولا بالنسبة لهيئتنا، إننا قوم تعساء، لأننا ننحط أخلاقيا وعقليا، إن الجماعات والأمم التي بلغت فيها الحضارة الصناعية أعظم نمو وتقدم، هي على وجه الدقة، الجماعات والأمم الآخذة في الضعف، والتي ستكون عودتها إلى البربرية والهمجية أسرع من عودة غيرها إليها، ولكنها لا تدرك ذلك ... إن القلق والهموم التي يعاني منها سكان المدن العصرية تتولد عن نظمهم السياسية والاقتصادية والاجتماعية، إننا ضحايا تأخر علوم الحياة عن علوم الجماد.....والعلاج الوحيد لهذا الشر المستطير هو معرفة أكثر عمقابأنفسنا... ) [الإنسان ذلك المجهول، لألكسيس كاريل (ص 40-42)].

ولما كان المؤلف المذكور، لا يعول إلا على التجارب البشرية، غير ملتفت إلى الوحي السماوي ليأسه من صلاحية ما تدعي الكنيسة أنه من عند الله، وقد فشلت فشلا ذريعا في تحقيق مصالح الناس وإخراجهم به من الظلمات إلى النور، وقد لا يكون على اطلاع على منهج الله الذي جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم، فقد نصح بسلوك تجارب هذا العلم تجربة بعد أخرى، حتى يتمكنوا من الوصول إلى المنهج المنشود، وقال: (ولئن استطاع هذا العلم أن يلقي الضوء على طبيعتنا الحقة وإمكانياتنا والطريقة التي تمكننا من تحقيق هذه الإمكانيات، فإنه سيمدنا بالإيضاح الصحيح لما يطرأ علينا من ضعف فسيولوجي، كذا لأمراضنا الأدبية والعقلية، إننا لا نملك وسيلة أخرى [مثل الإسلام] لمعرفة القواعد التي لا تلين لوجوه نشاطنا العضوي والروحي، وتمييز ما هو محرم مما هو شرعي، وإدراك أننا لسنا أحرارا لنعدل في بيئتنا وفي أنفسنا تبعا لأهوائنا، وما دامت الأحوال الطبيعية للحياة قد حطمتها المدنية العصرية، فقد أصبح علم الإنسان أكثر العلوم ضرورة) [نفس الكتاب (ص 42)]

ألا ترى أنه يتطلع إلى منهج يعرف البشر بقواعد لا تلين لوجوه نشاطهم الجسمي والروحي، ليعرفوا الحلال من الحرام معرفة تشفيهم من أمراضهم الأدبية والعقلية!؟

إن هذا المنهج لهو الذي يتطلع إليه هو وغيره، وهو الذي يحقق للناس السعادة لهو المنهج الرباني الذي جاء به رسولنا محمد صلى الله عليه وسلم الذي أبى مفكر والعالم وقادته أن يجربوه في الأرض بل إنهم ناصبوه العداء وحاربوه، ولازالوا يحاربونه، وكثير منهم يعلم ما يحمله هذا المنهج من الخير، ولكنهم يحاربونه حسدا وعنادا، اتباعا للهوى، وحرصا على بقاء البشرية ترسف في القيود والأغلال، قيود الشهوات وأغلالها التي أراد الطغاة أن يكبلوها بها ليتمكنوا من قيادتها واستعبادها، بدلا من السير على منهج الله الذي يحرر من اتبعه من عبودية العباد إلى عبودية الله الواحد الذي لا رب سواه للعباد.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://el-quran.ahlamontada.com
Admin
Admin
Admin


المساهمات : 4240
تاريخ التسجيل : 20/01/2018

الإيمان هو الأساس (دروس في الإيمان) Empty
مُساهمةموضوع: رد: الإيمان هو الأساس (دروس في الإيمان)   الإيمان هو الأساس (دروس في الإيمان) Emptyالجمعة فبراير 23, 2018 2:38 am

الإيمان هو الأساس (دروس في الإيمان) %D8%AE%D9%84%D9%81%D9%8A%D8%A7%D8%AA-%D8%A2%D9%8A%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D9%83%D8%B1%D8%B3%D9%8A-%D9%85%D9%83%D8%AA%D9%88%D8%A8%D8%A9-2
(37)

منهج أفصح عن نفسه غاية الإفصاح

لقد أفصح هذا المنهج عن نفسه غاية الإفصاح، وأقام على الناس-وبخاصة أهله- الحجة، فبين مصدره، وهو الله، وبين غايته، وهي هداية البشر، وبين ثمرته، وهي سعادة البشر وإخراجهم من الظلمات إلى النور، فقال تعالى: {قد جاءكم من الله نور وكتاب مبين يهدي به الله من اتبع رضوانه سبل السلام ويخرجهم من الظلمات إلى النور بإذنه ويهديهم إلى صراط مستقيم}. المائدة: 15-16

وقال تعالى:{يا أيها الناس قد جاءكم برهان من ربكم وأنزلنا إليكم نورا مبينا}. النساء: 174.

وقال تعالى: {الله ولي الذين آمنوا يخرجهم من الظلمات إلى النور والذين كفروا أولياؤهم الطاغوت يخرجونهم من النور إلى الظلمات}. البقرة: 257.

وقال تعالى: {فآمنوا بالله ورسوله والنور الذي أنزلنا}. التغابن: 8.

وقال تعالى: {أ لم ذلك الكتاب لا ريب فيه هدى للمتقين}. البقرة: 2.

وقال تعالى: {هو الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق}. التوبة:33.

وقال تعالى: {قل هو للذين آمنوا هدى وشفاء}. فصلت: 44.

وقال تعالى: {إن هذا القرآن يهدي للتي هي أقوم}. الإسراء: 9.

وقال تعالى: {يا أيها الذين آمنوا استجيبوا لله وللرسول إذا دعاكم يحييكم}. الأنفال: 24.

وقال تعالى: {قل أوحي إلي أنه استمع نفر من الجن فقالوا إنا سمعنا قر آنا عجبا يهدي إلى الرشد فآمنا به ولن نشرك بربنا أحدا}. الجن: 1-2.

كما بين هذا المنهج للناس أن من لم يستضئ بنوره ويهتد بهداه ويستشف به من أمراض الجهالة والعصيان، ولم يستجب له ليمنحه الحياة السعيدة، فإنه سيتخبط في ظلمات الكفر وضلال الجهل ومرض الهوى والمعاصي، وسيسلك بدلا من صراط الله المستقيم سبل عدوه الشيطان.

كما قال تعالى: {والذين كفروا أولياؤهم الطاغوت يخرجونهم من الظلمات إلى النور}. البقرة: 257.

وقال تعالى: {ومن الناس من يجادل في الله بغير علم ويتبع كل شيطان مريد كتب عليه أنه من تولاه فأنه يضله ويهديه إلى عذاب لسعير}. الأنعام: 39.

وقال تعالى: {ألم تر إلى الذين يزعمون أنهم آمنوا بما أنزل إليك وما أنزل من قبلك يريدون أن يتحاكموا إلى الطاغوت وقد أمروا أن يكفروا به ويريد الشيطان أن يضلهم ضلالا بعيدا}. النساء: 60.

وقال تعالى: {ومن يشرك بالله فقد ضل ضلالا بعيدا}. النساء: 116.

وقال تعالى: {وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمرا أن يكون لهم الخيرة من أمرهم ومن يعص الله ورسوله فقد ضل ضلالا مبينا} الأحزاب 36:

وقال تعالى: {في قلوبهم مرض فزادهم الله مرضا}.البقرة: 10

وقال تعالى: {فترى الذين في قلوبهم مرض يسارعون فيهم}. المائدة: 52.

وقال تعالى: {إذ يقول المنافقون والذين في قلوبهم مرض غر هؤلاء دينهم}. الأنفال: 49.

وقال تعالى: {وأما الذين في قلوبهم مرض فزادتهم رجسا إلى رجسهم وماتوا وهم كافرون}.التوبة: 26.

وقال تعالى: {الذين آمنوا يقاتلون في سبيل الله والذين كفروا يقاتلون في سبيل الطاغوت}. النساء: 76.

وقال تعالى: {إن الذين كفروا وظلموا لم يكن الله ليغفر لهم ولا ليهديهم طريقا إلا طريق جهنم}. النساء: 169.

وقال تعالى: {ومن يشاقق الرسول من بعد ما تبين له الهدى ويتبع غير سبيل المؤمنين نوله ما تولى ونصله جهنم وساءت مصيرا}. النساء: 115.
الإيمان هو الأساس (دروس في الإيمان) %D8%AE%D9%84%D9%81%D9%8A%D8%A7%D8%AA-%D8%A2%D9%8A%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D9%83%D8%B1%D8%B3%D9%8A-%D9%85%D9%83%D8%AA%D9%88%D8%A8%D8%A9-2
(38)

وظلم ذوي القربى أشد مضاضة
ليس غريبا أن يحارب المنهج الإلهي أعداؤه الأصيلون في عداوته من يوم نزل إلى يومنا هذا، وستستمر محاربتهم له، ما بقي في الأرض حق وباطل، ولكن ما يؤسف له أن ينبري من ذرا ري المسلمين من يعلن الحرب على هذا المنهج المشتمل على كل ما تحتاج إليه الأمة الإسلامية، لتكون القدوة الصالحة للأمم، فينقذها وينقذ بها غيرها من أمم الأرض التي ذاقت بسبب غيابه عن توجيهها كل المصائب والمحن التي تشاهد اليوم في كل أنحاء الأرض.

وهاهو المنهج الرباني يدعو هذه الأمة لتعود إلى الله في إيمانها الذي حل في قلوب كثير من أبنائها غيره من المبادئ والعقائد الفاسدة، وفي عبادتها التي قست تلك القلوب بتركها، أو ضعفت صلة أجيالها بها، وفي تشريعها الذي عاداه بعض من تربع على كراسي حكمها من مثقفيها الذين تربوا على مناهج أعدائها، فاستبدلوا به قوانين تعارضه، وفي سياستها الشرعية التي أقصي رجالها ودعاتها، وحاربهم طغاة الحكم الصادون عن سبيل الله، فقاد أولئك الطغاة أمة الإسلام إلى هاوية الذلة والمهانة وجعلوها في ذيل قافلة الأمم، يتحكم في مصالحها أعداؤها من اليهود والنصارى والملحدون والوثنيون، حتى غدت هذه الأمة-وهي أغنى أمم الأرض في سعة أراضيها وكثرة معادنها وثرواتها، وامتداد بحارها، ووفرة مياهها، وكثرة رجالها، الذين يوجد من بينهم ذوو كفاءات عالية في شتى العلوم والتخصصات التي تحتاج إليها الأمة في نهوضها وتقدمها، غدت هذه الأمة التي هذه بعض إمكاناتها-أفقر من على وجه الأرض في كثير من بلدانها تستجدي من عدوها كل ضرورات حياتها في طعامها وشرابها، ولباسها ومركبها، وفي سلاحها واقتصادها، وقوة السلاح والاقتصاد مع قوة الإيمان كانت من أهم أسباب عزتها، وقد كانت بذلك ترهب عدوها-استجابة لأمر ربها-، لا لتظلمه بها ولا لتكرهه على الدخول في دينها، ولكن لتحطم السدود التي يضعها الطغاة أمام حرية الكلمة التي أراد الباري أن يحرر بها عباده من استعباد الطغاة الجبارين في الأرض ولتنشر بذلك العدل بين الناس وتحمي المظلومين من الظالمين.

وهاهي الأمة الإسلامية اليوم وقد حرمها أعداء دينها من أبنائها، يعتدي عليها أراذل البشر ويستبيح كل ضرورات حياتها فلا تستطيع أن تدفع عن نفسها [لقد بلغ الأمر ببعض الطغاة الذين يحاربون الإسلام أن أمروا بحذف آيات القرآن الكريم التي تتعلق باليهود الذين اغتصبوا ديار المسلمين ودنسوا المسجد الأقصى , وأهانوا المسلمين , من الكتب الدراسية ,حتى لا تكشف تلك الآيات للطلاب عوار أولئك الطغاة ,في موالاتهم لأعداء الأمة الإسلامية , وانهزامهم أمام أعدائها]، وهي قادرة على ذلك-لولا قهر الطغاة من أبنائها-الذين يفترض فيهم أن يأخذوا بيدها إلى العودة إلى منهجها لتستعيد قوتها وقيادتها للناس بهدى ربها ولكن القريب ظلم قريبه:

وظلم ذوي القربى أشد مضاضة على المرء من وقع الحسام المهند

إن منهج الله لينادي هذه الأمة حاديا لها:{يا أيها الذين آمنوا استجيبوا لله وللرسول إذا دعاكم لما يحييكم}. الأنفال: 24. ولكن هذه الأمة، وهي تحمل تلك الأمراض المتنوعة الخطيرة، ونزلت بها تلك النكبات العظيمة، عزف أهل الحل والعقد فيها-الذين بيدهم أزمة أمورها-أن يعالجوها بذلك الدواء الناجع، أو ينيروا لها الدرب الذي يجب أن تسلكه بذلك السراج المنير أو يهدوها إلى صراط الله المستقيم بذلك الهدى الرباني الذي يهدي للتي هي أقوم، لأن مرض التمرد على الله وعلى دينه قد تمكن من قلوبهم فآثرت المرض على الصحة، ولا سبيل لشفاء هذه الأمة من أمراضها إلا بتناول دوائها من كتاب ربها وسنة نبيها.

وقد قال بعض العلماء في أمثال هؤلاء الذين يرفضون علاج أمراضهم بالدواء الناجع: (وعلامة مرض القلب عدوله عن الأغذية النافعة الموافقة إلى الأغذية الضارة، وعدوله عن دوائه النافع إلى دوائه الضار. فهاهنا أربعة أشياء: غذاء نافع، ودواء شاف، وغذاء ضار، ودواء مهلك. فالقلب الصحيح يؤثر النافع الشافي على الضار المؤذي، والقلب المريض بضد ذلك.

وأنفع الأغذية غذاء الإيمان، وأنفع الأدوية دواء القرآن، وكل منهما فيه الغذاء والدواء، فمن طلب الشفاء في غير الكتاب والسنة، فهو من أجهل الجاهلين الضالين، فإن الله تعالى يقول: {قل هو للذين آمنوا هدى وشفاء والذين لا يؤمنون في آذانهم وقر وهو عليهم عمى أولئك ينادون من مكان بعيد}. فصلت:: 44.وقال تعالى: {وننزل من القرآن ما هو شفاء ورحمة للمؤمنين ولا يزيد الظالمين إلاخسارا} . الإسراء: 82. و{من} في قوله {من القرآن} لبيان الجنس، لا للتبعيض [أي أن القرآن كله شفاء].

وقال تعالى: {يا أيها الناس قد جاءتكم موعظة من ربكم وشفاء لما في الصدور وهدى ورحمة للمؤمنين}. يونس: 57.فالقرآن هو الشفاء التام من جميع الأدواء القلبية والبدنية، وأدواء الدنيا والآخرة، وما كل أحد يؤهل للاستشفاء به، وإذا أحسن العليل التداوي به، ووضعه على دائه بصدق وإيمان وقبول تام واعتقاد جازم واستيفاء شروطه، لم يقاوم الداء، وكيف تقاوم الأدواء كلا م رب الأرض والسماء الذي لو نزل على الجبال لصدعها أو على الأرض لقطعها؟! فما من مرض من أمراض القلوب والأبدان إلا وفي القرآن سبيل الدلالة على دوائه وسببه والحمية منه، لمن رزقه الله فهما في كتابه). [شرح الطحاوية: (308) بتحقيق الألباني]
الإيمان هو الأساس (دروس في الإيمان) %D8%AE%D9%84%D9%81%D9%8A%D8%A7%D8%AA-%D8%A2%D9%8A%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D9%83%D8%B1%D8%B3%D9%8A-%D9%85%D9%83%D8%AA%D9%88%D8%A8%D8%A9-2
(39)

طرق الاهتمام بالقرآن الكريم

تلاوة القرآن بتدبر:
إن أول طريقة للاهتمام بالقرآن الكريم هي المداومة على تلاوته، بحيث لا يمر يوم من الأيام دون أن يتلو المسلم ما تيسر له من القرآن، والأولى أن يكون له منه ورد يومي لا يفرط فيه ما استطاع إلى ذلك سبيلا، لأن تلاوة القرآن عبادة إذ بكل حرف من حروفه عشر حسنات، لأنه كلام الله، وقد كان الرسول صلى الله عليه وسلم يداوم على تلاوته، امتثالا لأمر الله تعالى له إذ يقول: {اتل ما أوحي إليك من الكتاب وأقم الصلاة} العنكبوت: 5.

وقال تعالى عنه: {إنما أمرت أن أعبد رب هذه البلدة الذي حرمها وأمرت أن أكون من المسلمين وأن أتلو القرآن..}. النمل: 91-92

>وأثنى سبحانه على أهل الكتاب الذين يتلونه حق تلاوته، فقال تعالى: {الذين آتيناهم الكتاب يتلونه حق تلاوت أولئك يؤمنون به}. البقرة: 121.
>
>وكان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يقتدون بنبيهم، فيداومون على تلاوته، حتى كان بعضهم يختمه في ليلة واحدة، حتى أشفق عليهم، وأرشدهم إلى الرفق بأنفسهم، ومضى على دربهم التابعون، ذلك أن تلاوة القرآن ترقق القلوب وتصلها بالله، فتعبده حق عبادته، ويطبق التالي له أوامر الله ونواهيه بنفس راضية مطمئنة.
>
>أنواع تلاوة القرآن:
>
>النوع الأول : تلاوة فردية، بحيث يتلو كل واحد بمفرده ما تيسر له منه، إما تلاوة تكرار وحفظ، وإما تلاوة تدبر وتفهم لمعانيه.
>
>النوع الثاني: تلاوة جماعية، بحيث يجتمع عدد من المسلمين في مسجد أو في منزل أو مدرسة، ويتداولون القراءة كل واحد يتلو قسطا منه، والآخرون يستمعون،وهذه التلاوة قد تكون أكثر فائدة إذا روعي فيها بركة الاجتماع، وتعليم العالم الجاهل، سواء في تصحيح التلاوة وأحكام التجويد، أو في بيان بعض المعاني الغامضة، أو شرح الألفاظ الغريبة من حيث اللغة، أو لفت الأنظار إلى بعض العبر التي تتضمنها الآيات، كقصص الأنبياء وأممهم، وربط ذلك بحاضر الأمة الإسلامية وغيرها من الأمم، وقد جاء الترغيب في هذا النوع من التلاوة على لسان الرسول صلى الله عليه وسلم، وبخاصة في المساجد، كما في حديث أبي هريرة، رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: (....وما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله ويتدارسونه بينهم إلا نزلت عليهم السكينة وغشيتهم الرحمة، وحفتهم الملائكة وذكرهم الله فيمن عنده). [جزء من حديث أخرجه أحمد ومسلم وأبو داود والترمذي وابن ماجه، وهو في جامع الأصول (7/360). راجع: جامع العلوم والحكم لابن رجب، بتحقيق وهبة الزحيلي (2/179)]

فينبغي أن يحرص جماعة كل مسجد في كل حي على هذه التلاوة المباركة التي تعود عليهم بتلك الآثار العظيمة التي ذكرت في الحديث، إضافة إلى ما تنشئه فيهم من المحبة والأخوة والألفة والتعارف والتعاون على البر والتقوى المنبثق عن هذه التلاوة المباركة.

وأكمل من مجرد التلاوة في المصحف حفظ القرآن كله أو ما تيسر منه، ليتمكن حافظه من تكراره في الأوقات التي لا يستطيع فيها تلاوته في المصحف، ونحمد الله أن وفق كثيرا من أجيال المسلمين على مر الدهور لحفظه عن ظهر قلب، وبخاصة في هذا العصر الذي أقبل فيه كثير من الشباب المسلم على حفظ كتاب الله في كل أقطار الأرض، كما وفق كثيرا من الجمعيات الإسلامية للاهتمام بتحفيظه، وهذا من آثار حفظ الله الذي وعد به لهذا الكتاب: {إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون}. الحجر: 9.

تدبر القرآن:

ولكن تلاوة آي القرآن-مع ما فيها من الثواب العظيم-ليست كافية للمسلم، بل لا بد أن يصحبها مع ذ لك تدبر معانيه لفهم مراد الله تعالى منه، وكلما كان التالي أكثر تدبرا له كان أكثر فقها فيه، ولهذا حض الله تعالى على تدبره، فقال:{أفلا يتدبرون القرآن ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافا كثيرا}.النساء 82. وقال تعالى: {كتاب أنزلناه مبارك ليدبروا آياته وليتذكر أولو الألباب}.ص:29.

وقال تعالى: {أفلا يتدبرون القرآن أم على قلوب أقفالها}. محمد: 24.
الإيمان هو الأساس (دروس في الإيمان) %D8%AE%D9%84%D9%81%D9%8A%D8%A7%D8%AA-%D8%A2%D9%8A%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D9%83%D8%B1%D8%B3%D9%8A-%D9%85%D9%83%D8%AA%D9%88%D8%A8%D8%A9-2
(40)

غرس احترام القرآن في النفوس:

ومما يجب الاهتمام به الاجتهاد في غرس احترام هذا الكتاب في نفوس الأمة احتراما صادقا، حتى يقدروه حق قدره، فهو كلام الله الذي شرف الله به هذه الأمة، فأنزله عليها، وجعلها أهلا لحمله والقيام به، وخاطبها فيه وأمرها ونهاها، وحفظها به، ولولا حفظ الله لهذه الأمة بهذا القرآن لكانت قد اضمحلت وذابت في غيرها من الأمم واضمحلت لغتها، لما نزل بها من المحن والمصائب التي كان يكفي لاضمحلالها شيء يسير منها، لهذا يجب أن تقدر هذه الأمة كتاب الله حق قدره، وتحفظه، كما حفظها، قال تعالى مبينا تشريفه لهذه الأمة بهذا القرآن: {فاستمسك بالذي أوحينا إليك إنك على صراط مستقيم وإنه لذكر لك ولقومك وسوف تسألون}. الزخرف: 43-44.

وقال تعالى: {بل أتيناهم بذكرهم فهم عن ذكرهم معرضون}. المؤمنون: 71.

وقال تعالى: {لقد أنزلنا إليكم كتابا فيه ذكركم أفلا تعقلون}. الأنبياء: 10 [لا أقصد بغرس احترام القرآن في النفوس مجرد إحداث التفاعل العاطفي , فهذا الاحترام موجود لدى غالب المسلمين, والدليل على ذلك أن الفسقة الذين قد لا يفتحون المصحف للقراءة فيه , إذا وقع المصحف في يد أحد هم انحنى له وقبله , ويفعل ذلك بعض من يحارب الحكم بهذا القرآن , وإذا أردت أن ترى بأم عينك تلك العاطفة نحو القرآن فضع المصحف أمامك على بساط المسجد في الأرض , لترى كيف يغضب غالب من يراك تفعل ذلك , مبالغة في احترام القرآن , ولكن هؤلاء الغاضبون-لجهلهم-لا يغضبون من محاربة الطغاة تحكيم القرآن , وأيهما أولى بالغضب وضعه على بساط نظيف في الأرض أم إبعاده عن توجيه الأمة في حياتها كما أراد لها ربها؟!].
الإيمان هو الأساس (دروس في الإيمان) %D8%AE%D9%84%D9%81%D9%8A%D8%A7%D8%AA-%D8%A2%D9%8A%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D9%83%D8%B1%D8%B3%D9%8A-%D9%85%D9%83%D8%AA%D9%88%D8%A8%D8%A9-2
(41)

جفاء مقيت ونتيجة خاسرة
وإنه لمن المؤسف حقا، أن ترى أجيالا من أبناء المسلمين الذين ينتظمون في المدارس الحكومية في أغلب البلدان الإسلامية لا يغرس احترام القرآن في نفوسهم، بل قد لا توجد حصة لدراسة القرآن في مناهج تلك المدارس وخططها، ويتخرج كثير من أبناء المسلمين في المدارس والمعاهد والجامعات والدراسات العليا، وهم لا يستطيعون قراءة بعض آيات القرآن وهم يقرؤون الصحف والمجلات وغيرها، ولا يحفظون بعض قصار السور، اللهم إلا إذا اهتم بهم آباؤهم أو بعض الصالحين في تلك المؤسسات أو من خارجها.

والسبب في ذلك أنهم لم يجدوا اهتماما بالقرآن من أسرهم ولا من مدارسهم، بل قد يجدون من أسرهم أو من بعض مدرسيهم تنفيرا من هذا الكتاب، إما بطريقة مباشرة أو غير مباشرة، ويجدون تشجيعا على أمور أخرى، كالرقص والموسيقى، وبعض أنواع الرياضة ..

ولقد كانت النتيجة المترتبة على إهمال الاهتمام بهذا القرآن أن جعل الله هذه الأمة الغافلة عن هديه أمة مهينة ذليلة لا احترام لها عند خلقه، جزاء وفاقا، والسبب في هذا الجفاء المقيت لذلك الكتاب المجيد من غالب أبناء هذه الأمة، يعود إلى بعض قادتها الذين مجدوا قوانين الكفر، وهونوا من شأن هذا الكتاب، واهتموا باللهو والخنا واللعب أكثر من اهتمامهم بالإسلام، ولو أنهم قدروا القرآن حق قدره واهتموا به واحترموه، وسعوا-وفي أيديهم كل الإمكانات والوسائل المحققة لسعيهم-إلى غرس احترامه في نفوس رعاياهم لكان للأمة مع هذا القرآن شان آخر، ولكان للقرآن مع الأمة شأن آخر كذلك، ولكأني أسمع صوت رسول الله صلى الله عليه وسلم الحزين وأشاهد وجهه الذي يظهر عليه أثر العجب والغضب، وهو ينظر إلى السماء شاكيا الطغاة الصادين عن سبيل الله : {وقال الرسول يا رب إن قومي اتخذوا هذا القرآن مهجورا}. الفرقان: 30.

وإن المسلم ليحزن غاية الحزن، وهو يقارن بين قراء الأمس الذين كانوا يقرؤون القرآن على الناس في ميادين الجهاد، وقد تراصت صفوفهم أمام أعدائهم، لرفع راية الإسلام، وبين قراء اليوم الذين يتبارون في قراءته وتلحينه في المآتم وفي المقابر، أولئك كانوا يقرؤونه على الأحياء ليعملوا به، وهؤلاء يقرؤونه على الأموات الذين قد يكون الكثير منهم فارق الدنيا وهو ممن اتخذ هذا القرآن مهجورا لقد كان من أسباب قيام الخلفاء الراشدين بجمع القرآن استشهاد كثير من حملة القرآن في ساح الجهاد فأين قراؤنا اليوم من هذه المنقبة العظيمة؟!

لقد عظم جفاء الأمة الإسلامية كتاب ربها وطال، ولقد عظمت خسارة هذه الأمة بسبب ذلك واشتدت، فهل من عودة إلى الله وإلى احترام هذا القرآن بالعمل به وتحكيم شريعته، ليعيد لنا المجد الذي فقدناه، ونحيا حياة الأحرار السعداء، لا حياة العبيد الأشقياء {يا أيها الذين آمنوا استجيبوا لله وللرسول إذا دعاكم لما يحييكم}. الأنفال: 24.

{والعصر إن الإنسان لفي خسر إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر}.
الإيمان هو الأساس (دروس في الإيمان) %D8%AE%D9%84%D9%81%D9%8A%D8%A7%D8%AA-%D8%A2%D9%8A%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D9%83%D8%B1%D8%B3%D9%8A-%D9%85%D9%83%D8%AA%D9%88%D8%A8%D8%A9-2
(42)

فقه معاني القرآن الكريم

ولفقه معاني القرآن الكريم سبل تؤدي إليه:

السبيل الأولى: قراءته، بتدبر، وقد سبق.

السبيل الثانية: طلب تفسيره على أيدي العلماء، كما كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يأخذونه منه مباشرة، وفي كلا الأمرين لا بد لمن أراد أن يفقه معاني القرآن الكريم من سلوك ما سلكه علماء المسلمين في تفسيره، من فهم للغة العربية، يمكن صاحبه من فهم معاني الألفاظ، لأن القرآن نزل باللغة العربية مخاطبا العرب-في الأصل-بلغتهم وأساليبهم.

ولا بد من معرفة المصطلحات الشرعية المقصودة في القرآن الكريم، إذ قد وردت فيه ألفاظ لا يقصد بها مجرد المعنى اللغوي-وإن كان بين المعنيين صلة وتناسب في الجملة-كالصلاة والصيام والحج ونحوها. ولا بد من معرفة قواعد النحو والصرف، ليعلم الفاعل من المفعول، والاسم من المصدر، ونحو ذلك لما يترتب على ذلك من فروق في المعاني التي تختلف الأحكام والمقاصد باختلافها.

وقد كان علماء الصحابة-ومنهم ابن عباس، بحر القرآن وحبره-يفسرون القرآن بلغة العرب، ويستشهدون على ذلك بأشعارهم، والذي لا يفهم اللغة العربية يكون فهمه مبنيا على تفسير غيره له، بدون أن يتذوق هو معانيه. ومما يعين على فهم القرآن الكريم الإلمام بالأساليب البلاغية وغير ذلك من علوم اللغة العربية. ولا بد من الإحاطة بالموضوع الواحد في القرآن الكريم الذي نزلت فيه آيات متعددة بعضها يفسر بعضا، أو يخصصه أو يقيده، وقد يكون بعض الآيات ناسخا لبعض، فلو اكتفى طالب العلم بفهم معنى آية أو جملة من القرآن دون الرجوع إلى الآيات الأخرى التي لها صلة بتلك الآية أو الجملة، لفاته فقه الموضوع وفهم غير مراد الله، وهذا قد يوقع بعض المتعالمين في القول على الله بلا علم، ولهذا كان من أهم الطرق التي سلكها العلماء تفسير القرآن بالقرآن، كما جرى عليه الصحابة والتا بعون، وممن اهتم به العلامة ابن كثير رحمه الله في (تفسير القرآن العظيم) وأفرد له شيخنا الكبير العلامة الشيخ محمد الأمين الشنقيطي كتابا عظيما، سماه: (أضواء البيان في تفسير القرآن بالقرآن)، وهو كتاب لا يستغني عنه طالب العلم العالي الهمة، وله كذلك كتاب آخر صغير الحجم عظيم الفائدة، وهو (دفع إيهام الاضطراب عن آي الكتاب).

ولا بد لمن أراد فقه القرآن الكريم من الاطلاع على ما ورد في السنة الصحيحة مما له صلة بالآيات، فإن السنة تبين معاني القرآن وتفسره، كما يفسر القرآن بعضه بعضا-وإن كانت السنة تتضمن أحكاما كثيرة زائدة عما ورد في القرآن، وهي وحي مثله في وجوب العمل بها-قال تعالى مبينا أن الرسول صلى الله عليه وسلم يبين للناس القرآن-وذلك بسنته-: {وأنزلنا إليك الذكر لتبين للناس ما نزل إليهم ولعلهم يتفكرون}. النحل 44. [وراجع(مقدمة تفسير القرآن العظيم) لابن كثير]

ولا بد لمن أراد فقه القرآن من الإلمام بعلوم التفسير وأصوله، وفهم قواعده فهما سليما بالدراسة على أيدي العلماء المتمكنين.
الإيمان هو الأساس (دروس في الإيمان) %D8%AE%D9%84%D9%81%D9%8A%D8%A7%D8%AA-%D8%A2%D9%8A%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D9%83%D8%B1%D8%B3%D9%8A-%D9%85%D9%83%D8%AA%D9%88%D8%A8%D8%A9-2
(43)

السبيل الثالثة لفقه القرآن الكريم: وضع منهج ميسر لتفسير القرآن الكريم:
وإن من سبل فقه معاني القرآن الكريم وضع منهج ميسر لفهمه، وينبغي أن تهتم بذلك الجمعيات والمؤسسات الإسلامية التي تعنى بتحفيظ القرآن الكريم لشباب المسلمين، وكذلك المعاهد والمدارس والكليات، ينبغي أن تجتهد هذه المؤسسات في وضع منهج ميسر لتفسير القرآن العظيم، يكتب على أساسه، كتاب تفسير سهل يكون بأيدي أولئك الشباب الذين وفقهم الله لحفظه، حتى يتمكنوا من فهم القرآن وفقهه، ليكونوا من أهل القرآن حقا، يتأثرون به ويؤثرون به في غيرهم، من أسرهم وزملائهم، وطلابهم، وجيرانهم، وكل من لهم به صلة، من المسلمين وغير المسلمين، فقد ازداد عدد حفظة كتاب الله في العالم الإسلامي من أقصاه إلى أقصاه، وكذلك في البلدان غير الإسلامية من البنين والبنات، وهم يختلطون بفئات كثيرة من الناس، فلو فقهوا معاني كتاب الله فقها صحيحا، لاستفاد منهم المسلمون وغير المسلمين، وإذا كانت بعض المؤسسات المهتمة بتحفيظ القرآن غير قادرة على القيام بهذه المهمة، لعدم وجود علماء مؤهلين لذلك فيجب التعاون بين المؤسسات المعنية بذلك.
الإيمان هو الأساس (دروس في الإيمان) %D8%AE%D9%84%D9%81%D9%8A%D8%A7%D8%AA-%D8%A2%D9%8A%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D9%83%D8%B1%D8%B3%D9%8A-%D9%85%D9%83%D8%AA%D9%88%D8%A8%D8%A9-2
(44)

مقترحات لمنهج تفسير القرآن الكريم
وينبغي أن يشتمل المنهج المقترح على ما يأتي:

أ-مقدمة مختصرة تتضمن القواعد العامة للتفسير.
ب-تفسير الألفاظ الغريبة في القرآن الكريم.
جـ-التفسير الإجمالي للآيات
د-أسباب النزول
هـ-تفسير موضوعي موجز
و-ذكر الأحكام التي تشتمل عليها الآيات
ز-الإشارة إلى الأخلاق والآداب التي تتضمنها الآيات، باختصار.
حـ-ربط معاني القرآن بواقع الأمة الإسلامية،وعلاقاتها فيما بينها وعلاقاتها مع غيرها.
س-العبرة من قصص الأنبياء مع أممهم ومصائر تلك الأمم، وربط ذلك بالأمم المعاصرة.
ويكون ذلك في أجزاء صغيرة، وبأسلوب سهل ميسر، يراعى فيه مستويات الدارسين، من الشباب، وسيستفيد منه غير حفظة القرآن من أبناء المسلمين الراغبين في فهم كتاب الله عز وجل.

ويختار لوضع هذا المنهج وتأليف الكتاب، لجنة من العلماء الذين تتوافر فيهم الصفات اللازمة، إذ يجب أن يكونوا مع فقههم لكتاب الله، من المهتمين بالدعوة و بمصالح الأمة الإسلامية، ومن ذوي الفكر الإسلامي المخلصين، الذين لا تأخذهم في الله لومة لائم، لأن أمراض الأمة الإسلامية المزمنة، تحتاج إلى رجال يشخصونها بأمانة، ويصفون لها الدواء بخبرة وصدق، ولا يلتفتون في تشخيصهم ووصفهم، إلا إلى ما يرضي ربهم ويحقق مصالح أمتهم، ويخرجها مما حل بها من هوان وتأخر بتربية جيل قرآني، يقودها إلى مجدها المفقود.

ويمكن أن تكون هذه اللجنة من عناصر متخصصة في علوم متعددة يحتاج إليها هذا المنهج والكتاب الذي يراد تأليفه، فيكون منهم المتخصص في اللغة العربية من غريب وقواعد وصرف..، ومنهم المتخصص في الفقه، ومنهم المتخصص في الحديث، ومنهم المتخصص في الدعوة وأساليبها، ومنهم الخبير بالشؤون السياسية والدبلوماسية والعلا قات الدولية، ومنهم الخبير بالشؤون الاقتصادية، وغيرها، حتى يتم التعاون بينهم في إبراز تفسير-مع اختصاره-يجعل الدارس ملما بشمول الإسلام لكل مجالات الحياة التي يحاول أعداء الإسلام إبعاد المسلمين عن فقهها من هذا لقرآن.

إن هذا التفسير لو قدر له أن يتم سيكون وسيلة عظيمة من وسائل التفقه في كتاب الله، وسيعين أبناء المسلمين على استعادة وعيهم ومعرفتهم للغاية التي من أجلها نزل كتاب الله، وهي تحقيق العبودية له سبحانه، وتطبيق شريعته، وإخراج الناس من الظلمات إلى النور، وشهادة هذه الأمة على الأمم الأخرى، بتبليغها هذا الدين. أما الاجتهاد في تحفيظ القرآن الكريم-بدون فهم معانيه المؤدي إلى امتثال أمره واجتناب نهيه- فإنه مع فضله وأهميته لا يكفي لتربية أجيال المسلمين على حقائق دين الله.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://el-quran.ahlamontada.com
Admin
Admin
Admin


المساهمات : 4240
تاريخ التسجيل : 20/01/2018

الإيمان هو الأساس (دروس في الإيمان) Empty
مُساهمةموضوع: رد: الإيمان هو الأساس (دروس في الإيمان)   الإيمان هو الأساس (دروس في الإيمان) Emptyالجمعة فبراير 23, 2018 2:41 am

الإيمان هو الأساس (دروس في الإيمان) %D8%AE%D9%84%D9%81%D9%8A%D8%A7%D8%AA-%D8%A2%D9%8A%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D9%83%D8%B1%D8%B3%D9%8A-%D9%85%D9%83%D8%AA%D9%88%D8%A8%D8%A9-2
(45)

ترجمة معاني القرآن الكريم

ولا بد هنا من الإشارة، إلى أن من طرق الاهتمام بالقرآن العظيم إعداد ترجمة مختصرة لمعانيه بلغات العالم المتنوعة، وبخاصة اللغات العالمية، التي يكثر المتحدثون بها كاللغة الإنجليزية واللغة الفرنسية واللغة الألمانية، من لغات الشعوب غير الإسلامية، ولغات بعض الشعوب الإسلامية الكثيرة العدد، كاللغة الملايوية التي تشترك في القراءة بها شعوب كثيرة من جنوب شرق آسيا، كإندونيسيا، وماليزيا وبر وناي، والمسلمون في فطاني بجنوب تايلاند، واللغة الأردية، وغيرها من اللغات التي يمكن ترجمة معاني القرآن الكريم إليها.

الشروط الواجب توافرها في ترجمة معاني القرآن الكريم:

ويجب أن تتوافر في هذه الترجمات شروط أساسية لتؤدي الغرض منها، وهوا لبلاغ المبين الذي كلفه الله رسوله صلى الله عليه وسلم وأمته من بعده:

الشرط الأول: أن تكون الترجمة تفسيرية وليست حرفية، بحيث تشرح معاني القرآن شرحا يجعل القارئ أو السامع يفهم المعنى المراد من الآية أو الآيات، والمصطلحات الشرعية الواردة فيها، فلا يترجم لفظ الجلالة-مثلا-ترجمة حرفية كما هو في اللغة الإنجليزية، بل يفسر معناه تفسيرا واضحا بالمعنى الذي أراده الله، لأن المصطلحات الأجنبية لا يمكن أن تؤدي معاني المصطلحات الشرعية، إذ لكل مصطلح دلالته عند أهله، فإذا فسر لفظ الجلالة بما يقابله في اللغة الإنجليزية لا يتبادر إلى ذهن صاحب هذه اللغة إلا معنى الإله الذي فهمه بها، كما هو في المسيحية _ مثلا-أي إن الله ثالث ثلاثة، وهكذا الصلاة والصيام والحج والزكاة، وغيرها فلا بد من شرح الألفاظ والمصطلحات شرحا يفهم المترجم له المعنى الشرعي على حقيقته، وإلا لم يكن البلاغ مبينا.

الشرط الثاني: أن يكون المترجم جامعا لأربع خصال، بها تكون الترجمة صحيحة:

الخصلة الأولى: أن يكون عالما معاني القرآن الكريم علما مبنيا على القواعد التي وضعها علماء التفسير، وليس متطفلا، يقول فيه برأيه إذ الترجمة تفسير يفوق في صعوبته تفسير القرآن باللغة العربية، والتفسير بمجرد الرأي محظور، كما هو معروف.

الخصلة الثانية: أن يكون متقنا للغة العربية وأساليبها وقواعدها واشتقاقها، حتى لا يترجم غير المعنى الذي عناه القرآن الكريم.

الخصلة الثالثة: أن يكون متقنا للغة التي يريد أن يترجم معاني القرآن إليها، كإتقانه للغة العربية، ليتمكن من أداء المعنى المقصود من القرآن إلى تلك اللغة.

الخصلة الرابعة: أن يكون أمينا يتحرج من الخطأ في ترجمته تحرجا يجعله يبذل طاقته في الوصول إلى المعنى المراد من الآيات، وذلك يتطلب منه الصبر والبحث وعدم العجلة، وسؤال أهل العلم والخبرة حتى يكون عمله متقنا.

الشرط الثالث: أن تعرض ترجمته على لجنة مؤهلة تجمع متخصصين في اللغتين، وفي العلوم الشرعية التي يحتاج إليها في تصحيح الترجمة، تدرس الترجمة دراسة دقيقة، وتبدي ما ظهر لها من أخطاء، ثم تجيزها بعد التصحيح.
الإيمان هو الأساس (دروس في الإيمان) %D8%AE%D9%84%D9%81%D9%8A%D8%A7%D8%AA-%D8%A2%D9%8A%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D9%83%D8%B1%D8%B3%D9%8A-%D9%85%D9%83%D8%AA%D9%88%D8%A8%D8%A9-2
(46)

تنبيهات تتعلق بالترجمة

التنبيه الأول: أن كثيرا من ترجمات معاني القرآن في البلدان الغربية، قام بها مستشرقون، غالبهم حاقدون على الإسلام، تعمدوا التحريف، والتشويه في ترجماتهم. وقد يكون بعضهم-وهم قلة -قصدوا ترجمة القرآن ترجمة سليمة، ولكنهم لا يجيدون لغة القرآن،فشوهوا معانيه بدون قصد، وقد يحصل ذلك من مسلمين لا يشك في حسن قصدهم.

التنبيه الثاني : أنه قد تصدى لترجمة معاني القرآن الكريم فرق تنتسب إلى الإسلام، وهي تكفر به في الحقيقة، كالقاديانية، فشوهوا معانيه بمعتقداتهم.

التنبيه الثالث: أنه لعدم وجود ترجمات صحيحة -غير تلك الترجمات-اضطر المسلمون الذين يجيدون لغات أولئك المترجمين إلى أخذ معاني القرآن من تلك الترجمات، وكثير منهم يجهلون مبادئ الإسلام، فتأثروا بالعقائد المخالفة لمعاني القرآن السليمة وهم لا يدرون.

التنبيه الرابع: أنه لا توجد دار لترجمة معاني القرآن الكريم-حسب علمي-في العالم كله تتوافر فيها الشروط اللازمة لإخراج تراجم صحيحة باللغات المختلفة، وهذه الدار من فروض الكفاية التي يأثم كل قادر على إيجادها في تقصيره.]
الإيمان هو الأساس (دروس في الإيمان) %D8%AE%D9%84%D9%81%D9%8A%D8%A7%D8%AA-%D8%A2%D9%8A%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D9%83%D8%B1%D8%B3%D9%8A-%D9%85%D9%83%D8%AA%D9%88%D8%A8%D8%A9-2
(47)

نوعا الفقه في القرآن الكريم

والفقه في كتاب الله نوعان:

النوع الأول: فرض عين على كل مسلم ومسلمة، وهو أن يكون على علم بالأحكام التي تجب عينا على كل مسلم، بحيث لا يكفي في القيام بها أحد عن أحد لأنه ليس المقصود بها الفعل فقط، إنما المقصود بها أن يقوم بالفعل كل مكلف من المسلمين، وكذلك يجب على المسلم عينا أن يعلم أحكام ما يزاوله في حياته كالبيع والشراء، والعلاقة بينه وبين أسرته، حتى يؤتي كل ذي حق حقه-وإن كان ذلك لا يجب على غيره ممن لا يزاول مثل عمله.

النوع الثاني: فر ض كفاية، وهو أن يوجد في المسلمين فقهاء تحصل بهم الكفاية، في التعليم والفتوى، والقضاء، وأحكام المواريث، والحسبة، وغيرها، فلا بد أن يوجد في كل ذلك فقهاء يكفون في القيام بما يحتاجه المسلمون في تلك الأبواب، بحيث لو احتاج المسلمون في بلد ما إلى ألف قاض، وألف خطيب، وألف معلم، وجب على الأمة كلها أن تسعى في إيجاد هذا العدد الكافي وإلا لحق الإثم كل قادر من الأمة على ذلك، فإذا وجد هذا العدد الكافي تعين عليهم القيام بوظائفهم كل فيما يخصه، وسقط الإثم عن باقي الأمة، لأن المقصود وجود من يكفي في ذلك، وليس المقصود أن يقوم به كل فرد من أفراد الأمة. وقد دل على ذلك القرآن الكريم، قال تعالى:{وما كان المؤمنون لينفروا كافة فلولا نفر من كل فرقة منهم طائفة ليتفقهوا في الدين ولينذروا قومهم إذا رجعوا إليهم لعلهم يحذرون}. التوبة:122.

وجه الاستدلال من الآية أن الإنذار ليس مطلوبا عينا من كل أحد، بل المطلوب أن يوجد من يكفي في إنذار الأمة، فإذا وجد العدد الكافي سقط الفرض عن الباقين. وقد دعا الرسول صلى الله عليه وسلم لابن عمه عبد الله بن عباس أن يفقهه الله في الدين، فقالSadاللهم فقهه في الدين وعلمه التأويل). [تفسير القرآن العظيم (1/4) دار الخير] فكان رضي الله عنه حبر هذه الأمة.
الإيمان هو الأساس (دروس في الإيمان) %D8%AE%D9%84%D9%81%D9%8A%D8%A7%D8%AA-%D8%A2%D9%8A%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D9%83%D8%B1%D8%B3%D9%8A-%D9%85%D9%83%D8%AA%D9%88%D8%A8%D8%A9-2
(48)

طوائف أساءت الأدب مع القرآن الكريم

لقد أساء الأدب مع القرآن الكريم ثلاث طوائف من الناس:

الطائفة الأولى: طلاب مدارس إسلامية صغار، أصابهم الغرور والإعجاب بأنفسهم لإحرازهم قليلا من العلم المبعثر الذي لم يستندوا فيه على مناهج أهل العلم، وقواعدهم، بل حصلوه-غالبا-بقراءتهم الشخصية، أو على أيدي من حصلوه بتلك الطريقة، ونصبوا أنفسهم علماء مفتين يقولون على الله بدون علم، يحللون ويحرمون، ويكفرون، ويبدعون، ويفسقون، ويحكمون على سرائر الناس، ويجتهدون في تأخير ما حقه التقديم، وتقديم ما حقه التأخير، لا يتورعون من الاستدلال بآي القرآن على ما يظنونه-ظنا-حقا، وقد يكون باطلا، وقد كثر ت هذه الطائفة في هذا العصر وأصبحت تكون مجموعات لا هم لها إلا إحداث الخلاف والصراع في فرعيات وسع علماء السلف من الصحابة والتابعين الخلاف فيها واحترام بعضهم لبعض. ولكن هذه الطائفة تفاصل على تلك المسائل ومصيبتها أنها تنزل آيات من القرآن على فهمها، فإذا اختلف أحدهم-مثلا-مع آخر في حكم وضع اليدين في الصلاة على الصدر، أو فوق السرة أو تحتها أو اختلف معه في تحريك الإصبع في التشهد، انطلق يستدل بمثل قول الله تعالى {فليحذر الذين يخالفون عن أمره أن تصيبهم فتنة أو يصيبهم عذاب أليم} النور: 63. [أذكر من ذلك قصة حصلت بين طويلبين صغيرين، في المسجد النبوي، كان أحدهما يحرك أصبعه في التشهد تحريكا مستمرا-بعض الناس يحرك يده كلها -فلما سلما قال له الآخر:لماذا تعبث في الصلاة؟فقال له الشاب: أنا أعمل بسنة الرسول صلى الله عليه وسلم، فقال له الآخر: صلاتك باطلة، لأن وجود ثلاث حركات متوالية تبطل الصلاة. فقال المحرك: أنت مبتدع تخالف السنة، واستدل عليه بآية النور المذكورة، فالتفت إليهما، وقلت لهما: هذه من المسائل الفرعية التي لا تبطل الصلاة بفعلها ولا بتركها،ولكن هناك تحريك آخر أجمع العلماء على أنه إما أن يكون فرض عين أو فرض كفاية، وهو الآن فرض عين فإذا كنتما صادقين تريدان الأجر والثواب فاذهبا وحركا جميعا أصبعكما وستجدان أنكما أخوان في الله يجمع بينكما الولاء لله ولرسوله وللمؤمنين، والبراء من أعداء الله الملحدين، وأخذت أحرك أصبعي السبابة كأنها موضوعة على زناد الرشاش أو المسدس،وكانت الحرب على أشدها تلك الأيام بين المجاهدين الأفغان والملحدين الروس والأفغان. ففهم الشابان وسكتا، ولعل الله وفقهما لذلك ونالا الشهادة بتحريك أصبعهما هناك]

الطائفة الثانية: تلاميذ المستشرقين.

وهم من يسمون بالمثقفين الذين تعلموا على أيدي المستشرقين أو تلامذتهم في الغرب أو في بلاد المسلمين، وكثير منهم لا يلتزمون بأحكام الإسلام، وبعضهم لايحرؤعلى الجهر بأن العمل بالقرآن غير لازم، فيحاول أن يلوي معاني الآيات القرآنية ويفسرها تفسيرا يؤدي إلى ما يريد فإذا انتقده منتقد بأن هذا المعنى غير سليم وأن العلماء فسروه بكذا، واستدلوا بكذا، قال: هذه كهنوتية تريدون أن تتحدثوا أنتم باسم الله كما فعل رجال الكنيسة. ونسي هؤلاء أن لكل علم رجاله المتخصصين فيه، وأن النجار الماهر في مهنته لا يجرؤ على الزعم بأنه يستطيع أن يزاول مهنة الطبيب البشري... وهكذا ونحن نقول لهؤلاء: لا كهنوت ولا حجر عليكم في أن تجتهدوا في تفسير كلام الله وفي أحكام الإسلام وسنشكركم على ذلك ونعتبركم علماءنا ومفتينا، ولكن بشرط أن تكونوا مؤهلين لذلك بأدواته العلمية المعروفة عند أهله، وليس ذلك بكهنوت لأنه مبني على قواعد علمية، كل من أحرزها كأن أهلا لأن يكون من أهلها، إن كنتم مؤهلين هذا التأهيل فحي هلا بكم، وإلا فالزموا الأدب مع الله ورسوله، ومع الكتاب والسنة، وأعطوا القوس لباريها، واسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون.

إن كلتا الطائفتين-مع اختلاف ثقافتهما-قد أساءتا الأدب مع كتاب الله، ومنهجهما يؤدي إلى العبث بمعاني القرآن وأحكام الإسلام وآدابه، وذلك أمر يترتب عليه خطر عظيم، لا يجوز السكوت عليه أو السماح به، بل يجب زجر من يحصل ذلك منه، وتأديبه إن تمادى في غيه، فالقرآن ليس محلا لعبث العابثين، وإنما هو منهج الله لخلقه لا يتصدى لتفسيره غير أهله، وإذا كان كبار الصحابة الذين آخذوا الفقه في الدين-ومنه تفسير القرآن العظيم-على يد الرسول صلى الله عليه وسلم، كانوا يتحرجون أن يقولوا في القرآن برأيهم، فمن هم هؤلاء الذين يريدون العبث في كتاب الله بأهوائهم؟! [راجع مقدمة تفسير القرآن العظيم 0 (1/6).لابن كثير]

الطائفة الثالثة: علماء السوء، وهم الذين يفقهون معاني كتاب الله ويعلمون حكم الله في المسائل التي يفتون أو يقضون فيها، ولكنهم يشترون بآيات الله ثمنا قليلا كما كان يفعل علماء أهل الكتاب، وهؤلاء هم أخطر على الإسلام والمسلمين من غيرهم، لأمور:

الأول: قدرتهم على إظهار الحق في صورة الباطل، والعكس، إذ قد يعتمدون على عمومات مخصصة، أو مطلقات مقيدة أو مجملات مفسرة أو أقوال شاذة، وهم يعلمون ذلك. ولكن عامة الناس لا يعلمون، فيضللون الناس في فهم أحكام الله وينصرون الظالم، ويخذلون المظلوم.وهؤلاء يدخلون في مثل قوله تعالى:{يا أهل الكتاب لم تلبسون الحق بالباطل وتكتمون الحق وأنتم تعلمون}. آل عمران: 71.

الأمر الثاني: أن هؤلاء العلماء هم الذين يمكن لهم فيظهرون أمام الأمة في الفتوى والقضاء وغيرهما، فيفتن الجهال بفتاواهم،ويغتر ون بقضائهم، وتمجدهم وسائل الإعلام، وبخاصة في هذا العصر الذي تقلب فيه تلك الوسائل الحقائق، فتؤكد للناس لبس الحق بالباطل الذي يصدر من علماء السوء.

الأمر الثالث: تصدي علماء السوء هؤلاء لكل من أراد تنبيه الناس على باطلهم، حرصا منهم على بروزهم وحدهم، وعدم ظهور غيرهم، حتى يتسنى لهم الاستمرار في امتلاك الجاه والمنصب الذين يدران عليهم الأموال التي يأخذونها في مقابل تحريفهم لكتاب الله وأحكامه.
الإيمان هو الأساس (دروس في الإيمان) %D8%AE%D9%84%D9%81%D9%8A%D8%A7%D8%AA-%D8%A2%D9%8A%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D9%83%D8%B1%D8%B3%D9%8A-%D9%85%D9%83%D8%AA%D9%88%D8%A8%D8%A9-2
(49)

العمل بالقرآن الكريم والتحاكم إليه

نزل القرآن ليقيم حياة البشر على منهج الله

إن هذا القرآن لم ينزل ليكتب بماء الذهب، ويوضع على الأدراج والأرفف، ولم ينزل ليتغنى به القراء بأصوات تطرب الأسماع فحسب، ولم ينزل ليتلى على المحتضر بعد أن عاين ملائكة الموت وهم يحيطون به لقبض روحه، ولا لتلاوته على الأموات في قبورهم وقد أفضوا إلى ما قدموا، ولا في مآتمهم بعد دفنهم لتسلية أقربائهم وإنما نزل ليقيم حياة البشر على منهج الله الذي ارتضاه لهم في هذا الدين الذي حمله هذا الكتاب، نزل ليؤمن به الناس ويعملوا الصالحات، ولهذا كثر فيه اقتران العمل الصالح بالإيمان، وبهما يكون صلاح الأمة وعمارة الأرض.

قال تعالى {إن هذا القرآن يهدي للتي هي أقوم، ويبشر المؤمنين الذين يعملون الصالحات أن لهم أجرا كبيرا}. الإسراء: 9.
وقال تعالى:{وأما الذين آمنوا وعملوا الصالحات فيوفيهم أجورهم}.آل عمران: 57.
وقال تعالى: {والذين آمنوا وعملوا الصالحات سندخلهم جنات..} النساء 57
وقال تعالى: {وعد الله الذين آمنوا وعملوا الصالحات لهم مغفرة وأجر عظيم}. المائدة: 9.
وقال تعالى: {ليجزي الذين آمنوا وعملوا الصالحات بالقسط}. يونس:4.
وقال تعالى: {إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات يهديهم ربهم بإيمانهم تجري من تحتهم الأنهار في جنات النعيم}. يونس: 9.
وقال تعالى:{إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات إنا لا نضيع أجر من أحسن عملا} الكهف: 30.
وقال تعالى: {إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات سيجعل لهم الرحمن ودا}. مريم: 96.
وقال تعالى: {والشعراء يتبعهم الغاوون-إلى قوله-إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات وذكروا الله كثيرا وانتصروا من بعد ما ظلموا}. الشعراء: 224-227.
وقال تعالى: {والذين آمنوا وعملوا الصالحات لنكفرن عنهم سيئا تهم ولنجزينهم أحسن الذي كانوا يعملون}. العنكبوت: 7.
وقال تعالى: {والذين آمنوا وعملوا الصالحات لندخلنهم في الصالحين}. العنكبوت: 9.
وقال تعالى: {وإن كثيرا من الخلطاء ليبغي بعضهم على بعض إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات وقليل ما هم}. ص: 24.
وقال تعالى: {أم نجعل الذين آمنوا وعملوا الصالحات كالمفسدين في الأرض أم نجعل المتقين كالفجار}. ص: 28.
وقال تعالى: {من عمل صالحا من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فأولئك يدخلون الجنة يرزقون فيها بغير حساب}. غافر: 40.
وقال تعالى: {وما يستوي الأعمى والبصير والذين آمنوا وعملوا الصالحات ولا المسيء قليلا ما تذكرون}. غافر: 58.
وقال تعالى: {أم حسب الذين اجتر حوا السيئات أن نجعلهم كالذين آمنوا وعملوا الصالحات سواء محيا هم ومماتهم ساء ما يحكمون}. الجاثية: 21.
وقال تعالى: {والذين آمنوا وعملوا الصالحات وآمنوا بما نزل على محمد وهو الحق من ربهم كفر عنهم سيئا تهم وأصلح بالهم}.محمد: 2.
وقال تعالى: {رسولا يتلو عليهم آيات الله مبينات ليخرج الذين آمنوا وعملوا الصالحات من الظلمات إلى النور ومن يؤمن بالله ويعمل صالحا يدخله جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها أبدا قد أحسن الله له رزقا} الطلاق: 11.
وقال تعالى: {والعصر إن الإنسان لفي خسر إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر}. العصر.

لقد أطلت في ذكر الآيات الدالة على أن هذا القرآن إنما نزل ليهدي البشر إلى عمارة الأرض التي استخلفهم الله فيها بالإيمان والعمل الصالح، وسبب هذه الإطالة ابتعاد كثير من المسلمين عن تحقيق ما نزل القرآن من أجله، حتى أصبحوا لا يسألون أنفسهم عن تصرفاتهم أفرادا وأسرا وحكومات أهي موافقة لمنهج الله الذي أنزله في كتابه أم مخالفة له؟
الإيمان هو الأساس (دروس في الإيمان) %D8%AE%D9%84%D9%81%D9%8A%D8%A7%D8%AA-%D8%A2%D9%8A%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D9%83%D8%B1%D8%B3%D9%8A-%D9%85%D9%83%D8%AA%D9%88%D8%A8%D8%A9-2
(50)

ما العمل الصالح ؟
وهنا لابد من الإشارة إلى معنى العمل الصالح-بعد أن فهمنا معنى الإيمان-.

إن العمل الصالح في اصطلاح القرآن- والسنة-هو طاعة الله تعالى بامتثال أمره واجتناب نهيه، والبعد عن معاصيه، أي العمل بما جاء به كتابه وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، على مستوى الفرد والأسرة والأمة مع الإخلاص في ذلك.

فالإيمان بالله والكفر بالطاغوت، وأداء الشعائر التعبدية التي يتحقق فيها الإخلاص واتباع الرسول صلى الله عليه وسلم، وأداء الحقوق إلى أهلها، من مال أو شهادة أو وظيفة، والالتزام بالحلال والحرام، وإقامة الجهاد في سبيل الله لتكون كلمة الله هي العليا، والحكم بما أنزل الله، وغير ذلك مما ورد في القرآن والسنة كله من العمل الصالح في اصطلاح القرآن الكريم والسنة النبوية.

وليس العمل الصالح قاصرا على ما يفهمه كثير من المسلمين اليوم من أنه الشعائر التعبدية فقط ، كالصلاة والصيام والحج والذكر المعروف بمعناه الضيق الذي لا يثمر التسليم المطلق لله تعالى، فذلك جزء من العمل الصالح

فهم سلف الأمة لمعنى الإيمان والعمل الصالح :

لقد كان الإيمان والعمل الصالح بمعناهما الشامل الذي عناه الله تعالى مفهوما لدى أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومما يدل علي ذلك قول عائشة رضي الله عنها-وقد سئلت عن خلق رسول الله صلى الله عليه وسلم-: {ألم تقرأ القرآن، وتلت قول الله تعالى: {وإنك لعلى خلق عظيم}. القلم: 4، {كان خلقه القرآن} [راجع تفسير الآية في تفسير القرآن العظيم لابن كثير].

وكانوا رضي الله عنهم على ضوء هذا الفهم يجتهدون في العمل بمقتضاه، بحيث يتلون الآيات، ويتدبرون معانيها، ويفقهونها حق فقهها، ويعملون بما فيها، ولا يتجاوزونها بدون عمل، وقد سجل ذلك ابن مسعود، رضي الله عنه، فقال: (كان الرجل منا إذا تعلم عشر آيات، لم يجاوزهن، حتى يعرف معانيهن والعمل بهن.) وقال أبو عبد الرحمن السلمي: (حدثنا الذين كانوا يقرئوننا أنهم كانوا يستقرئون من النبي صلى الله عليه وسلم، وكانوا إذا تعلموا عشر آيات لم يخلفوها حتى يعملوا بما فيها من العمل، فتعلمنا القرآن والعمل جميعا.) [تفسير القرآن العظيم (1/4)]

هذا هو منهج رسول الله، ومنهج أصحابه والتابعين لهم بإحسان في معرفة معنى الإيمان والعمل الصالح الواردين في القرآن، وهذا هو منهجهم في العمل بهذا الكتاب، وهذا المنهج هو الذي يتحقق به للأمة الصلاح والفلاح، فإذا أراد المسلمون اليوم-ويجب أن يريدوا-أن يحققوا في أنفسهم ما أراد الله منهم أن يحققوه فعليهم أن يقرؤوا القرآن ويتدبروه، ويفتش كل واحد منهم عن نفسه في آيات هذا لقرآن، وما فيها من أوامر الله ونواهيه، ومن الصفات التي يحبها الله ويثني على أهلها ويعد عليها بالثواب، والصفات التي يبغضها الله ويذم أهلها ويعد عليها بالعقاب، ليحاسب القارئ نفسه ويعمل بما يرضي ربه ويترك ما يسخطه.

وإن الأمة التي تهمل العمل بهذا الكتاب وقد شرفها الله بحمل أمانته والقيام به لأمة خاسرة تستحق أن يستبدل الله بها غيرها فهل تعي هذه الأمة واجبها وتقوم بوظيفتها، فتحقق بذلك الخلافة في الأرض بعمارتها، وقيادة الأمم إلى عبادة الله في الأرض ونشر العدل ومحاربة الظلم والطغيان: {وعد الله الذين آمنوا وعملوا الصالحات ليستخلفنهم في الأرض كما استخلف الذين من قبلهم وليمكنن لهم دينهم الذي ارتضى لهم وليبدلنهم من بعد خوفهم أمنا يعبدونني لا يشركون بي شيئا ومن كفر بعد ذلك فألئك هم الفاسقون}. النور: 55، {ولينصرن الله من ينصره إن الله لقوي عزيز الذين إن مكناهم في الأرض أقاموا الصلاة وآتوا الزكاة وأمروا بالمعروف ونهوا عن المنكر ولله عاقبة الأمور}. الأنبياء: 40-4

أو تتمادى في غيها والبعد عن ربها بتركها العمل بهذا القرآن فتنال عقاب الله لها في الدنيا والآخرة: {يا أيها الذين آمنوا ما لكم إذا قيل لكم انفروا في سبيل الله اثاقلتم إلى الأرض أرضيتم بالحياة الدنيا من الآخرة فما متاع الحياة الدنيا في الآخرة إلا قليل إن لا تنفروا يعذبكم عذابا أليما ويستبدل قوما غيركم ولا تضروه شيئا والله على كل شيء قدير}. التوبة: 38-39. {وإن تتولوا يستبدل قوما غيركم ثم لا يكونوا أمثالكم}.محمد: 38.

ومثل العمل بالقرآن العمل بسنة الرسول صلى الله عليه وسلم، كما قال تعالى: {وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا} الحشر:7

وقال تعالى: {لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة لمن كان يرجو الله واليوم الآخر وذكر الله كثيرا}. الأحزاب: 21.

والذي لا يؤمن بسنة الرسول صلى الله عليه وسلم، ويزعم أن القرآن يكفيه في إقامة الإسلام، فقد كفر بالقرآن فلا إسلام بدون سنة الرسول صلى الله عليه وسلم.
الإيمان هو الأساس (دروس في الإيمان) %D8%AE%D9%84%D9%81%D9%8A%D8%A7%D8%AA-%D8%A2%D9%8A%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D9%83%D8%B1%D8%B3%D9%8A-%D9%85%D9%83%D8%AA%D9%88%D8%A8%D8%A9-2
(51)

ثمرة الفهم الشرعي للعمل الصالح
على ضوء هذا الفهم وتطبيقه يترتب وعد الله عباده المؤمنين بنصرهم والتمكين لهم في الدنيا وإثابتهم بدخولهم الجنة والرضا عنهم في الآخرة، فهو تعالى إنما وعد بالنصر عباده المؤمنين الذين يتحقق فيهم الإيمان المعروف في كتابه وفي سنة رسوله، وليس مجرد إيمان يدعيه مدع غير الإيمان الذي أراده الله، فليس الإيمان بالتمني وإنما هو ما وقر في القلب وصدقه العمل، وإلا:

وكل يدعي وصلا لليلى *** وليلى لا تقر لهم بذاكا

فلا ينبغي اليوم أن يتجرأ المسلمون على ربهم ويسألوا ذلك السؤال السيئ الأدب الدال علي جهلهم بالإيمان الذي نزل به القرآن الكريم ودعا إليه الرسول صلى الله عليه وسلم، ووعد الله أهله بالنصر على عدوهم والتمكين لهم في الأرض، ذلك السؤال الذي يتكرر على ألسنة جهال المسلمين تعجبا، وعلى ألسنة أعداء الإسلام، حتى من المنتسبين إليه مكرا وتشكيكا، فيقول الجميع: كيف ينصر الله غير المسلمين من اليهود والنصارى والشيوعيين والهندوس وغيرهم على المسلمين وقد وعدهم بالنصر على هؤلاء الأعداء، في القرآن الكريم، قي قوله: {وكان حقا علينا نصر المؤمنين}. الروم: 47.

وقوله: {وإن جندنا لهم الغالبون}. الصافات: 173.

من هم المؤمنون الموعودون بنصر الله ومن هم جنده الموعودون بالغلب ؟!

أهم الذين يوالون أعداءه من اليهود والنصارى ويعادون أولياءه من علماء المسلمين الدعاة إليه وإلى الجهاد في سبيله وتحكيم شريعته؟! كيف يطلب النصر من يدعي الإسلام على من يزعم أنه عدوه وهو يواليه ويطيعه في معصية الله ومحاربة أوليائه؟!

كيف ينصر الله من يمكن لمعاصيه في الأرض ويهيئ كل الأسباب لترك طاعته؟!

كيف ينصر الله من يحاربونه بإباحة المحرمات من الزنى والخمر والربا وإباحة كل الوسائل المؤدية إلى المنكر؟!

أينصر الله من يفرض على الأمة الإسلامية الحكم بالطاغوت ويحرمها من الحكم بكتاب ربها وسنة نبيها؟ من أحق بنصر الله أصحاب رسول الله الذين حصلت من بعضهم مخالفة لأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة أحد،لا تعد شيئا يذكر بالإضافة إلى ما يجاهر به من يدعي الإسلام اليوم، أوهؤلاء الذين لم يتركوا شيئا مما يغضب الله إلا ارتكبوه؟

إن الإيمان الذي وعد الله أهله بالنصر في القرآن هو الإيمان الذي بينه القرآن فليرجع إلى القرآن من يطمع في نصر الله، ليفهم منه الإيمان الذي أراده الله ويحققه في نفسه، وعندئذ سيكون من جند الله الغالبين، ومن لم ينصره الله على عدوه ممن يدعي الإيمان فليفتش عن إيمانه فسيجد فيه خللا لأن الله قٌد وعد -ووعده صدق-بنصر المؤمنين الذين ينصرون دينه: {يا أيها الذين آمنوا إن تنصروا الله ينصركم ويثبت أقدامكم} محمد:7.
الإيمان هو الأساس (دروس في الإيمان) %D8%AE%D9%84%D9%81%D9%8A%D8%A7%D8%AA-%D8%A2%D9%8A%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D9%83%D8%B1%D8%B3%D9%8A-%D9%85%D9%83%D8%AA%D9%88%D8%A8%D8%A9-2
(52)

التحاكم إلى كتاب الله :
إن من صميم الإيمان بكتاب الله، اعتقاد وجوب التحاكم إليه، وعدم جواز تحكيم غيره من قوانين البشر المخالفة له. [أما ما لم يخالف حكم الله، فالأصل فيه الإباحة] والإيمان بوجوب التحاكم إلى كتاب الله يدخل في معنى كلمة التوحيد (لا إله إلا الله)، فالإله المعبود بحق هو الحاكم، ومن أجاز التحاكم إلى غير كتاب الله، فقد أخل بمعنى (لا إله إلا الله)، وذلك من الشرك الأكبر المخرج من ملة الإسلام، وينطبق هذا على جميع الكتب السماوية السابقة التي أنزلها الله على رسله قبل نزول القرآن الكريم،فقد عجب الله تعالى ممن يزعم الإيمان بما أنزل على الرسول وما أنزل من قبله، وهو يريد التحاكم إلى الطاغوت بدلا من التحاكم إلى ما أنزل الله، كما قال تعالى: {ألم تر إلى الذين يزعمون أنهم آمنوا بما أنزل إليك وما أنزل من قبلك يريدون أن يتحاكموا إلى الطاغوت وقد أمروا أن يكفروا به ويريد الشيطان أن يضلهم ضلالا بعيدا وإذا قيل لهم تعالوا إلى ما أنزل الله وإلى الرسول رأيت المنافقين يصدون عنك صدودا}. النساء: 60،61.

ونفى سبحانه الإيمان عمن لم يحكم الرسول صلى الله عليه وسلم في القضايا التي يخاصم فيها، فقال تعالى {فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجا مما قضيت ويسلموا تسليما} النساء: 65. وقد نص الله تعالى على أن من لم يحكم بما أنزل الله فهو كافر، ظالم، فاسق، كما قال تعالى: {ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون-ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الظالمون-ومن لم يحكم بما أنزل الله فألئك هم الفاسقون}. المائدة:44-45،47.

وقد أمر الله رسوله بأن يحكم بين الناس بما أنزل الله وحذره من اتباع أهوائهم، لما في ذلك من فتنته عن بعض ما أنزل الله عليه، وجعل الحكم بغير ما أنزل من حكم الجاهلية، فقال تعالى: {وأن احكم بينهم بما أنزل الله ولا تتبع أهواءهم واحذرهم أن يفتنوك عن بعض ما أنزل الله إليك فإن تولوا فاعلم أنما يريد الله أن يصيبهم ببعض ذنوبهم وإن كثيرا من الناس لفاسقون أفحكم الجاهلية يبغون ومن أحسن من الله حكما لقوم يوقنون}. المائدة 49-50

فاعتقاد وجوب التحاكم إلى ما أنزل الله ووجوب الحكم به من صميم الإيمان، وتجويز التحاكم إلى غير ما أنزل الله مما يخالف شرع الله من صميم الكفر، ووجوب الحكم بما أنزل الله فرض، والحكم بغير ما أنزل الله في بعض الجزئيات مع اعتقاد عدم جواز ذلك من الكبائر لأنه كفر عملي، ويجب حمل كلام بعض السلف الذين قالوا: إن الحكم بغير ما أنزل الله كفر دون كفر وظلم دون ظلم وفسق دون فسق، على هذا المعنى، وهو أن يحكم الحاكم الذي يؤمن بوجوب الحكم بما أنزل الله، في بعض القضايا بغير شرع الله، بسبب قرابة أو أخذ رشوة، أو ما أشبه ذلك أما من حكم بغير ما أنزل الله، ولو في قضية واحدة، معتقدا أن ذلك جائز فهو كافر كفرا أكبر مخلد في نار جهنم. [راجع الجامع لأحكام القرآن: 0 6/190) للقرطبي]

قال ابن القيم، رحمه الله: (والصحيح أن الحكم بغير ما أنزل الله يتناول الكفرين، الأصغر والأكبر بحسب حال الحاكم، فإنه إن اعتقد وجوب الحكم بما أنزل الله في هذه الواقعة، وعدل عنه عصيانا، مع اعترافه بأنه مستحق للعقوبة، فهذا كفر أصغر، وإن اعتقد إنه غير واجب وأنه مخير فيه، مع تيقنه أنه حكم الله [كما يفعله من يسمون بالمشرعين في هذا العصر]، فهذا كفر أكبر، وإن جهله وأخطأه، فهذا مخطئ له حكم المخطئين) [مدا رج السالكين: (1/336)]الإيمان دروس في الإيمان- الدعوة إلى العمل بالقرآن لتكثر أنصاره (52)

إ ن المبادئ لا تثبت، ولا تبقى إلا إذا حملها رجال يفقهونها، ويحمونها، ويدعون إليها ويظهرون محاسنها، ويقيمون البرهان على أنها صالحة للتطبيق، وجرت العادة أن أصحاب كل مبدأ يرغبون في نشر مبدأهم، وتكثير سوادهم، بدعوة غيرهم إلى الإيمان بمبدئهم والعمل به، والانضمام إليهم في دعمه ونصره ولو التفت يمنة ويسرة اليوم، لوجدت هذه القاعدة مطبقة لدى أهل كل مبدأ من يهود، ونصارى، وملحدين، و هندوس، وبوذيين، وغيرهم.

فاليهود يدعون إلى مبادئهم التي تكثر سوادهم [اليهود ليسوا نشطين في الدعوة إلى الدخول في اليهودية، مثل النصارى، ولكنهم وضعوا لهم مبادئ وكونوا لها أحزابا تخدم مصالحهم، و تدمر مصالح الأمم والشعوب الأخرى،ويقتنصون للانضمام إلى تلك الأحزاب، كبار ساسة البلدان وأغنيائها، ويغرونهم بالشهوات: شهوات المناصب وشهوات الفسق، ويوقعونهم في حبائلهم، ويسجلونها بوثائق لا يقدرون على إنكارها، ويرهبونهم بها وبغيرها مما قد يصل إلى الاغتيال والقتل إن هم تقاعسوا عن تنفيذ أوامرهم، وهذا يفسر للمتأمل مسارعة كثير من حكام الشعوب الإسلامية وغيرها إلى موالاتهم، ومناصر تهم بالطرق المباشرة أو غير المباشرة]، والنصارى-على اختلاف فرقهم ومذاهبهم-مجدون غاية الجد في الدعوة إلى دينهم المحرف، وبخاصة في البلدان الإسلامية التي يرغبون في تنصير أهلها أكثر من تنصير غير المسلمين حسدا منهم لهذا الدين ونكاية بأهله. والشيوعيون الملاحدة يتخذون كل الوسائل الممكنة لنشر إلحادهم-وبخاصة بين المسلمين-ولو اقتضى الأمر منهم الغزو العسكري لإجبار الشعوب وإكراهها على إعلان الإلحاد وتطبيقه في حياة الناس، ومن الأمثلة الواضحة على ذلك احتلال الملحدين الروس الشعب الأفغاني بقوة الحديد والنار وتدمير البلاد والعيث فيها فسادا، وحصد مليون ونصف المليون من المسلمين، غير الجرحى والمعاقين والأرامل واليتامى والشقاق الذي خلفوه، بعد خروجهم-هذا مع مخالفة الإلحاد للفطر والعقول والأديان السماوية والأرضية. [ هذا، ومع أن دولتهم التي قامت على الإلحاد قد انهارت، وذهب بريق الإلحاد الذي كانوا يزينونه لعمي البصائر، فإنه لا يزال للإلحاد أنصاره في دوله المفككة، و بعض زعماء المسلمين في تلك البلدان لازالوا يحاربون الإسلام والمسلمين الذين يدعون إلى التمسك به] والوثنيون لا يألون جهدا في نشر وثنيتهم ومحاربة دين الإسلام، كما هو شأن الهندوس والبرماويين.

وهكذا يصنع أرباب السياسة والاقتصاد، يكرسون جهودهم لنشر مذاهبهم السياسية والاقتصادية، وتزيينها وحشد الدول والشعوب لتأييدها، يظهر ذلك في الدول الغربية-الولايات المتحدة الأمريكية وأوربا،التي نادت بالحرية المطلقة أولا، ثم اضطرت لإدخال مئات القيود عليها، فهم يتخذون كافة الوسائل لنشر مبادئهم، حتى لو اقتضى الأمر التدخل في حرية الشعوب، وإجبارها على التخلي عن رغباتها وعن تطبيق دينها، واختيار حكامها، الذي هو حق لها في مبادئ أولئك المتسلطين المنادين بالديمقراطية وحقوق الإنسان، وإذا لم ينجحوا في التدخل غير المباشر ولم يجد إلا استعمال القوة لم يتورعوا عن استعمالها باختلاق الحيل والذرائع الكاذبة،والأمثلة على ذلك معروفة لا تخفى على أحد [كما هو الحال في الجزائر، وغيرها].

هذا، مع أن كل تلك المبادئ والأديان لا يوجد منها دين أو مبدأ صالح ليكون منهجا لحياة البشر، يحقق لهم السعادة في الأرض، بدليل ما تعانيه البشرية اليوم، من محن وكوارث وقلق واضطراب وحروب وظلم وعدوان، مع كثرة المؤسسات العالمية: السياسية، والثقافية والاجتماعية والعسكرية-كما هو الشأن في ما يسمى بهيئة الأمم المتحدة ومجلس أمنها، وغيرها من المؤسسات المنتشرة في الأرض-.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://el-quran.ahlamontada.com
Admin
Admin
Admin


المساهمات : 4240
تاريخ التسجيل : 20/01/2018

الإيمان هو الأساس (دروس في الإيمان) Empty
مُساهمةموضوع: رد: الإيمان هو الأساس (دروس في الإيمان)   الإيمان هو الأساس (دروس في الإيمان) Emptyالجمعة فبراير 23, 2018 2:43 am

الإيمان هو الأساس (دروس في الإيمان) %D8%AE%D9%84%D9%81%D9%8A%D8%A7%D8%AA-%D8%A2%D9%8A%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D9%83%D8%B1%D8%B3%D9%8A-%D9%85%D9%83%D8%AA%D9%88%D8%A8%D8%A9-2
(53)

أضاعوني وأي فتى أضاعوا؟!
فأين أهل الدين الحق الذي أنزل الله به هذا القرآن ليكون دين العالمين كلهم: {تبارك الذي نزل الفرقان على عبده ليكون للعالمين نذيرا}. الفرقان: 1.
{وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين}. الأنبياء: 107.

إنه المنهج الحق المحفوظ الصالح لأن يكون منهجا للبشر مهما اختلفت ثقافاتهم وارتقت معارفهم، وهو وحده الذي يحقق السعادة للناس في الأرض، إن هم آمنوا به واتبعوه، ولقد قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم عمره كله-بعد بعثته-داعيا إلى الإيمان بهذا القرآن، والعمل به، ممتثلا في ذلك أمر ربه الذي قال له: {يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك وإن لم تفعل فما بلغت رسالته} المائدة:67.

وقال:{ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن}. النحل: 125.

فبلغ صلى الله عليه وسلم بنفسه مباشرة من استطاع الوصول إليه، وبعث بالرسائل إلى ملوك العالم يدعوهم فيها إلى الله، كما بعث الدعاة إلى الأقطار يبلغون عنه رسالة الله، وتبعه على ذلك أصحابه من بعده وتابعوهم بإحسان، وكان الخلفاء الراشدون يقتدون بالرسول صلى الله عليه وسلم في تبليغ الملوك والزعماء دين الله وجاهدوا في الله حق جهاده حتى بلغ الإسلام مشارق الأرض ومغاربها في برهة قصيرة من الزمن، ممتثلين في ذلك قول الحق جل جلاله: {قل هذه سبيلي أعو إلى الله على بصيرة أنا ومن اتبعني}. يوسف: 108.

وكان من أثر ذلك أن انتشر هذا الدين وكثر أنصاره وقادت الأمة الإسلامية أمم الأرض إلى رحاب الله، وأسعدتها بدينه، وما فيه من عدل وسماحة ونظافة، ولكن الأمة الإسلامية أخذت تبتعد عن هذا القرآن قليلا قليلا فضعف إيمان كثير من أبنائها وقل عملهم به، وفترت دعوتهم إليه، فخف وزن الأمة، وقاد قافلتها من ليس أهلا لقيادتها إلى غير قبلتها، وحارب دعاة الباطل من أبنائها دعاة الحق منهم، فسلط الله بعضهم على بعض، وأغرى بينهم العداوة والبغضاء، كما فعل بمن سبقهم ممن انحرفوا عن منهج الله.

قال تعالى: {ومن الذين قالوا إنا نصارى أخذنا ميثاقهم، فنسوا حظا مما ذكروا به فأغرينا بينهم العداوة والبغضاء إلى يوم القيامة وسينبئهم الله بما كانوا يصنعون}. المائدة: 14.

فخسرت بذلك الأمة الإسلامية حريتها ومجدها، وخسرت بخسارتها أمم الأرض كلها [وقد ألف في هذا المعنى الأستاذ أبو الحسن علي الندوي كتابا، سماه: (ما ذا خسر العالم بانحطاط المسلمين)]. وشكوى رسول الله إلى ربه تلاحق هذه الأمة في كل وقت تهجر فيه هذا القرآن والعمل به والدعوة إليه: {وقال الرسول يا رب إن قومي اتخذوا هذا القرآن مهجورا}. الفرقان: 30.

ولكأن القرآن يردد على مسامع هذه الأمة:
أضاعوني وأي فتى أضاعوا *** ليوم كريهة وسداد ثغر
الإيمان هو الأساس (دروس في الإيمان) %D8%AE%D9%84%D9%81%D9%8A%D8%A7%D8%AA-%D8%A2%D9%8A%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D9%83%D8%B1%D8%B3%D9%8A-%D9%85%D9%83%D8%AA%D9%88%D8%A8%D8%A9-2
(54)

حجة قائمة
ومع هذا الضعف وهذا الفتور في هذه الأمة، فقد أبقى الله فيها من يقيم عليها وعلى غيرها حجته، من علماء الإسلام ودعاته ومفكر يه، فلم يخل جيل من الأجيال من قائم لله بأمر الله، علما وعملا ودعوة، تحقيقا لقول الرسول صلى الله عليه وسلم، كما في حديث المغيرة بن شعبة عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: (لا يزال طائفة من أمتي ظاهرين حتى يأتيهم أمر الله وهم ظاهرون) [البخاري: (8-149)] وكما في حديث جابر رضي الله عنه يقول: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: (لا تزال طائفة من أمتي يقاتلون على الحق ظاهرين إلى يوم القيامة. قال: فينزل عيسى بن مريم صلى الله عليه وسلم، فيقول أميرهم: تعال صل لنا، فيقول: لا، إن بعضكم على بعض أمراء، تكرمة الله هذه الأمة). [مسلم: (1-137)]

حرب ظالمة:

ولكن الطغاة الذين يحاربون حكم الله وشريعته، والدعوة إليه كانوا للدعاة إلى الله بالمرصاد، منعا لهم من قول كلمة الحق، وطردا وسجنا وتعذيبا وقتلا لمن صبر واحتسب وأصر على القيام بواجب الدعوة إلى الله تعالى، وهذا أمر معروف في غالب الشعوب الإسلامية. [هنا قد يشكل على بعض الناس ما يلاقيه هؤلاء الدعاة من أذى، مع الوعد الذي جاء على لسان الرسول صلى الله عليه وسلم للطائفة التي قال صلى الله عليه وسلم فيها: (إنهم لا يضرهم من خذلهم أو خالفهم.) إلخ

والجواب: أن بقاء هذه الطائفة صابرة على أذى الطغاة الذين بيدهم القوة والسلطة،وهم يجندون كل شيء ضد أولئك الدعاة الذين لا يملكون شيئا يدفعون به عن أنفسهم، ولا يجدون نصيرا من البشر، ولا يستطيع أن يثنيهم الجبارون عن دعوتهم التي لولا توفيق الله لهم بالقيام بها لخلت الأرض من مبلغ للحق ، إن ذلك الصبر وبقاء البلاغ بالحق مستمرا إلى يوم القيامة، هو في الحقيقة نصر كبير، والضرر الذي يلحقهم بجانب ذلك النصر ليس بشيء. فالمبدأ هنا هو المنتصر ونصره نصر لأهله ولو أوذوا ا يضاف إلى ذلك أن هؤلاء الدعاة تثمر دعوتهم ثمرات هائلة بسب إيذائهم أو قتلهم، وذلك نصر لهم، ونحن نشاهد انتشار أفكار هؤلاء الدعاة ودعوتهم واتباع الناس لهم بعد تعذيبهم أو قتلهم ما لم يكن ذلك متوقعا قبل ما حصل لهم]

ولقد حقق قادة الشعوب الإسلامية الذين حاربوا الدعوة الإسلامية الصافية التي تمنح الناس العبودية لله وحده، وتحررهم من عبودية الطواغيت، ما كان يتمنى أعداء الإسلام من اليهود والنصارى وغيرهم وقوعه في العالم الإسلامي، ولم يكونوا يجرؤن عندما استعمروا البلدان الإسلامية-برغم كل ما فعلوا من فساد فيها-على التفكير فيما نفذه تلاميذهم المنتسبون إلى المسلمين، لم تفكر الدول الأوربية في كل البلدان الإسلامية التي استعمرتها في إلغاء الأذان من المساجد باللغة العربية واستبدال لغة أخرى بها، ولكن هذا ما فعله كمال أتاتورك في مآذن مساجد تركيا عندما تولى الحكم فيها. [لا حاجة لضرب الأمثلة ويمكن مراجعة بعض الكتب التي تعرضت لهذه الموضوعات، وهي كثيرة جدا. مثل كتاب الاتجاهات الوطنية في الأدب المعاصر، للدكتور محمد محمد حسين] فكان من أثر ذلك قلة المسلمين كيفا وإن كثروا كما، كثرة نسبية. وقلة عدد المسلمين-كما وكيفا- [وهذا ما يفسر لنا سعيهم المتواصل إلى تحديد النسل في البلدان الإسلامية، وكذلك تحريشهم بين الشعوب الإسلامية بوسائل شتى وإيقاد نار العداوة وإشعال الحروب بينهم حتى يقتل بعضهم بعضا، كما حصل بين العراق وإيران، وقد يفتعلون هم ما يتذرعون به لغزو بلاد المسلمين ليحصد وهم بأسلحة الدمار، كما حصل في أفغانستان، وكما يحصل الآن في البوسنة والهرسك والشيشان، وكما يحصل في الهند بين آونة وأخرى] من مقاصد أعداء الإسلام، حتى تسهل لهم السيطرة عليهم وعلى مواردهم، فإن لم يتمكنوا من تقليلهم كما وكيفا، سعوا إلى تقليلهم كيفا، وذلك عن طريق إضعاف إيمانهم وصلتهم بربهم، وتمسكهم بدينهم، وعدم وعيهم بما يحيكون ضدهم من مؤامرات، وهذا ما حققه لهم طغاة المسلمين مما لم يكونوا يقدرون هم على تحقيقه بأنفسهم
الإيمان هو الأساس (دروس في الإيمان) %D8%AE%D9%84%D9%81%D9%8A%D8%A7%D8%AA-%D8%A2%D9%8A%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D9%83%D8%B1%D8%B3%D9%8A-%D9%85%D9%83%D8%AA%D9%88%D8%A8%D8%A9-2
(55)

ثمرات الدعوة إلى القرآن

ولو أن قادة الشعوب الإسلامية كانوا هداة مهتدين، وسخروا الإمكانات الهائلة التي يسيطرون عليها للعمل بتوجيهات القرآن الكريم، واتخذوا الوسائل المتاحة للدعوة إلى منهج القرآن لكان المسلمون اليوم هم أكثر سكان الأرض وأقواهم،أي إنهم أكثرهم كما وكيفا-وكلما كثروا في الأمرين قويت شوكتهم، وزادت هيبتهم في نفوس أعدائهم، وقل-إن لم ينعدم-طمع عدوهم فيهم، بل سيكثر الداخلون في دينهم من كل الأصناف في العالم فتتوسع بذلك دائرة الإسلام وسعادة الناس به، وتتحقق به رغبة الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم في كثرة أتباعه، لينال أجره بدعوته التي باشرها و أجر كل من دعا بدعوته، أو عمل بها إلى يوم الدين فقد قال صلى الله عليه وسلم: (تزوجوا الودود الولود، فإني مكاثر بكم الأمم). [جامع الأصول 0(11/28) قال المحشي: وإسناده حسن]

ويترتب على ذلك انتشار الصلاح في الأرض، وتثبيت المسلمين على دينهم.

أنهار حياة دائمة:

إن قيام المسلمين بدعوة الناس إلى الإيمان بكتاب ربهم وتفهم معانيه والعمل به يمدهم دائما بالأنصار الذين ينضمون إلى صفوفهم، ويقلل من أنصار أعدائهم، وكلما دخل الناس في دين الله أفواجا، انتشرت في الأرض أخبار محاسن هذا الدين وتناقلتها الألسن ووسائل الإعلام المتنوعة التي هيأها الله في هذا العصر بصفة لم يسبق لها في العصور الماضية نظير.

وإن مثل إمداد المسلمين بالأنصار عن طريق الدعوة إلى هذا القرآن كمثل بحيرات واسعة بها مياه عذبة صافية، تحيط بها جبال شاهقة يغطيها في الشتاء جليد كثيف، فإذا جاء الصيف أخذ الجليد يذوب شيئا فشيئا، وأخذت مياهه تتدفق منسابة في الشعاب، تصب في تلك البحيرات، بدون انقطاع، فلا تزال البحيرات تتلقى من الجبال أنهارها، ولا زالت الجبال تستقبل من السماء جليدها، فإذا خف الجليد أو قلت المياه، حامت السحب السوداء المثقلة بالغيث المدرار وأنزلت بإذن ربها شآبيبها على الجبال والأودية والشعاب والبحيرات، وبذلك تستمر أنهار الحياة تروي الظمآن، وتنبت الزرع، وتسقي الغابات، هكذا يكون المسلمون عندما يقومون بالدعوة إلى هدي الله الذي تضمنه هذا القرآن، يجدون إمدادا مستمرا بالأنصار الداخلين في دينهم، فيكثر سوادهم ولا يقل، ويشتد ساعدهم ولا يضعف ويكونون كما قال الله تعالى: {ومثلهم في الإنجيل كزرع أخرج شطأه فآزره فاستغلظ فاستوى على سوقه يعجب الزراع ليغيظ بهم الكفار وعد الله الذين آمنوا وعملوا الصالحات منهم مغفرة وأجرا عظيما} الفتح 29

غدران أمطار غزيرة في وسط رمال سافية:

وإن عدم قيام المسلمين بدعوة الناس إلى الإيمان بهذا القرآن و الاهتداء بهدية والتمسك به والعمل بما فيه، يكون سببا في قلة المسلمين، وندرة الداخلين في دينهم، وقلة أنصارهم، وشدة ضعفهم، وكثرة أعدائهم الذين قد ينضم إلى صفوفهم بعض ضعاف الإيمان من المسلمين، إما بترك الإسلام والدخول في غيره من الأديان، كما يتنصر بعض المسلمين في بعض البلدان الإسلامية وغيرها، وإما بالتعاون معهم ضد الإسلام والمسلمين، كما يحصل اليوم من بعض أبناء المسلمين من مثقفين وأدباء وحكام وغيرهم، من الذين يوالون اليهود والنصارى ويتعاونون معهم في إضعاف الإيمان في نفوس أبنائه بشتى الوسائل، و في إقصاء حياة المسلمين عن العمل بحقائق الإسلام، وفي تشويه معاني الإسلام بوسائل الإعلام وغيرها، لينفروا الناس من الدخول فيه.

وإن مثل ترك المسلمين دعوة الناس إلى الإيمان بهذا القرآن واتباع هديه، وما يترتب على ذلك من قلتهم وضعفهم، كمثل بحيرة واسعة في صحراء ذات كثبان عظيمة من الرمال، نشأت على إثر أمطار غزيرة هطلت خلال زمن طويل، فأنبتت الكلأ والعشب الكثير وأحاطت بها الغابات الكثيفة المتشابكة، وتناسلت بها الحيوانات المتنوعة وسقى الناس منها وزرعوا، وأصبحت الأرض بها كما قال الله تعالى: {وترى الأرض هامدة فإذا أنزلنا عليها الماء اهتزت وربت وأنبتت من كل زوج بهيج}. الحج: 5.

ثم انقطع عنها المطر ونزل بها القحط، وأخذت الرياح تسفي عليها الرمال من كل جانب، ومياهها تتلاشى شيئا فشيئا، حتى لم يبق بها ما يسقي الحرث ولا يروي الظمآن، كيف سيكون حال الأشجار والغابات، والكلأ والعشب، والناس والماشية والحيوان؟!

هكذا تكون حال المسلمين عندما يقعدون عن الدعوة إلى هدي هذا القرآن العظيم يضعف إيمانهم وتمسكهم بدينهم، وتقل فيهم الطاعات وتحل في قلوبه العقائد الفاسدة والشكوك، وتنتشر الأخلاق السيئة، وتكثر الفواحش والمعاصي ويزهد الناس في دينهم الذي لم يجد من يحمله بحق، فيندر الداخل في هذا الدين، بل قد يخرج منه بعض أهله، و تقوى شوكة أعداء الإسلام ويتكالبون على أهله ويتداعون عليهم كما تداعى الأكلة على قصعتها، حتى يصبحوا عبيدا لعبيد الشيطان.

فهل يعي عقلاء الأمة الإسلامية ما حققه لهم سلفهم من عز وسؤدد، بسبب قيامهم بأمر الله الذي جاءهم به هذا القرآن، وما حل بأمتهم من ذل وهوان، بسبب إهمالهم وتقصيرهم في القيام بحق هذا الكتاب العظيم:{وتلك الأمثال نضربها للناس وما يعقلها إلا العالمون}. العنكبوت: 43.
الإيمان هو الأساس (دروس في الإيمان) %D8%AE%D9%84%D9%81%D9%8A%D8%A7%D8%AA-%D8%A2%D9%8A%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D9%83%D8%B1%D8%B3%D9%8A-%D9%85%D9%83%D8%AA%D9%88%D8%A8%D8%A9-2
(56)

- وجوب الإيمان بالرسل جميعا

من كفر برسول واحد فقد كفر بجميع الرسل

وكما يجب الإيمان بجميع الكتب السماوية التي أنزلها الله تعالى على رسله _إجمالا وتفصيلا-فإنه يجب الإيمان بالرسل جميعا-كذلك إجمالا وتفصيلا-ومن زعم الإيمان ببعضهم دون بعض فهو غير مؤمن-حقيقة-بجميعهم، بل لم يؤمن بالغيب جملة-ومنه الإيمان بالله-ذلك لأن الله أمر بالإيمان بهم جميعا، ولم يقبل من أحد فرق بينهم إيمانا، كما لم يقبل إيمان من فرق بين كتبه.

قال تعالى: {يا أيها الذين آمنوا آمنوا بالله ورسوله والكتاب الذي نزل على رسوله والكتاب الذي أنزل من قبل ومن يكفر بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر فقد ضل ضلالا بعيدا}. النساء 163.

وقال تعالى {إن الذين يكفرون بالله ورسله ويريدون أن يفرقوا بين الله ورسله ويقولون نؤمن ببعض ونكفر ببعض ويريدون أن يتخذوا بين ذلك سبيلا، أولئك هم الكافرون حقا وأعتدنا للكافرين عذابا مهينا والذين آمنوا بالله ورسله ولم يفرقوا بين أحد منهم أولئك سوف يؤتيهم أجورهم وكان الله غفورا رحيما}. النساء150-152.

هذا الإيمان الذي لا يقبل الله من أحد سواه هو الذي وصف الله به رسوله وأمته كما قال تعالى: {آمن الرسول بما أنزل إليه من ربه والمؤمنون، كل آمن بالله وملائكته وكتبه ورسله لا نفرق بين أحد من رسله، وقالوا سمعنا وأطعنا غفرانك ربنا وإليك المصير}. البقرة 285.

وهذه هي الميزة التي حباها الله هذه الأمة التي آمنت بالغيب كله فسارت في قافلة عباده الصالحين من لدن آدم عليه السلام إلى أن ختم الله أنبياءه ورسله بنبيه ورسوله محمد صلى الله عليه وسلم، فاستحقت بذلك أن تكون أمة وسطا-عدلا خيارا-وأن تكون شاهدة على غيرها من الأمم، لما عندها من الحق، وأن تكون خير أمة أخرجت للناس كما قال تعالى: {وكذلك جعلناكم أمة وسطا لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيدا} البقرة 143.

وقال تعالى: {كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله ولو آمن أهل الكتاب لكان خيرا لهم منهم المؤمنون وأكثرهم الفاسقون} آل عمران 110.

ومن هنا كان المرجع الوحيد في دين الله لكل البشر، هي هذه الأمة التي جعلها شاهدة على سواها من الأمم وخصها بآخر كتبه الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، وجعل رسولها خاتم جميع الرسل الذين أخذ عليهم الميثاق على الإيمان به ونصره، لو أدركوه قال تعالى: {وإذ أخذ الله ميثاق النبيين لما آتيتكم من كتاب وحكمة ثم جاءكم رسول مصدق لما معكم لتؤمنن به ولتنصرنه قال أقررتم وأخذتم على ذلكم إصري قالوا أقررنا قال فاشهدوا وأنا معكم من الشاهدين فمن تولى بعد ذلك فأولئك هم الفاسقون} آل عمران 82
الإيمان هو الأساس (دروس في الإيمان) %D8%AE%D9%84%D9%81%D9%8A%D8%A7%D8%AA-%D8%A2%D9%8A%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D9%83%D8%B1%D8%B3%D9%8A-%D9%85%D9%83%D8%AA%D9%88%D8%A8%D8%A9-2
(57)

دعوة إبراهيم وبشارة عيسى

وقد دعا نبي الله ورسوله إبراهيم صلى الله عليه وسلم، ربه أن يبعث رسولنا محمدا صلى الله عليه وسلم في هذه الأمة، كما قال تعالى:{وإذ يرفع إبراهيم القواعد من البيت وإسماعيل ربنا تقبل منا إنك أنت السميع العليم ربنا واجعلنا مسلمين لك ومن ذريتنا أمة مسلمة لك وأرنا مناسكنا وتب علينا إنك أنت التواب الرحيم وابعث فيهم رسولا منهم يتلو عليهم آياتك ويعلمهم الكتاب والحكمة ويزكيهم إنك أنت العزيز الحكيم}. البقرة: 127-129.

وبشر به آخر رسول بعثه الله إلى بني إسرائيل، وهو عيسى صلى الله عليه وسلم، كما قال الله تعالى عنه: {وإذ قال عيسى ابن مريم يا بني إسرائيل إني رسول الله إليكم مصدقا لما بين يدي ومبشرا برسول يأتي من بعدي اسمه أحمد}.الصف: 6

وقد روى العرباض بن سارية، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:{إني عبد الله لخاتم النبيين، وإن آدم عليه السلام لمنجدل في طينته، وسأنبئكم بأول ذلك، دعوة أبي إبراهيم، وبشارة عيسى بي، ورؤيا أمي التي رأت، وكذلك أمهات النبيين ترين} [مسند الإمام أحمد: (4/127-128)]. وعن أبي أمامة، رضي الله عنه، قال: قلت: يا نبي الله ما كان أول بدء أمرك؟ قال: {دعوة أبي إبراهيم، وبشرى عيسى، ورأت أمي أنه يخرج منها نور، أضاءت منها قصور الشام}.[ نفس المصدر (5/262)، وراجع تفسير القرآن العظيم لابن كثير (1/186)، (4/360)]
الإيمان هو الأساس (دروس في الإيمان) %D8%AE%D9%84%D9%81%D9%8A%D8%A7%D8%AA-%D8%A2%D9%8A%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D9%83%D8%B1%D8%B3%D9%8A-%D9%85%D9%83%D8%AA%D9%88%D8%A8%D8%A9-2
(58)

عموم رسالة نبينا
لا يصح إسلام أحد من البشر، ولا يقبل الله منه دينا-بعد بعثة الرسول صلى الله عليه وسلم-إلا بالإيمان به، فلا إيمان بالله وكتبه ورسله لمن لم يؤمن بعبد الله ورسوله، نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، ويشهد له بالرسالة، كما يشهد لله بالوحدانية، ولهذا قرنت شهادة أن محمدا رسول الله، بشهادة أن لا إله إلا الله.

وقد أخذ الله على أنبيائه ورسله الميثاق على تصديق بعضهم بعضا، قال ابن كثير رحمه الله في تفسير قوله تعالى: {وإذ أخذ الله ميثاق النبيين لما آتيتكم من كتاب وحكمة ثم جاءكم رسول مصدق لما معكم لتؤمنن به ولتنصرنه قال ءأقررتم وأخذتم على ذلكم إصري قالوا أقررنا قال فاشهدوا وأنا معكم من الشاهدين}.آل عمران: 81. قال: (يخبر تعالى أنه أخذ ميثاق كل نبي بعثه من لدن آدم عليه السلام، إلى عيسى عليه السلام لمهما آتى الله أحدهم من كتاب وحكمة، وبلغ أي مبلغ، ثم جاء رسول من بعده ليؤمنن به ولينصرنه، ولا يمنعه ما هو فيه من العلم والنبوة من اتباع من بعث بعده ونصرته...-ثم قال-: قال علي بن أبي طالب وابن عمه ابن عباس، رضي الله عنهما:ما بعث الله نبيا من الأنبياء إلا أخذ عليه الميثاق لئن بعث الله محمدا وهو حي ليؤمنن به ولينصرنه) . [تفسير القرآن العظيم 0 1/377) طبع عيسى... الحلبي]

أدلة عموم رسالته صلى الله عليه وسلم:

وهو يمتاز على سائر الرسل، عليهم الصلاة والسلام، بأن رسالته عامة إلى كل مكلف في هذه الأرض، من الجن و الإنس، كما قال تعالى: {وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين}. الأنبياء: 107.

وقال تعالى: {تبارك الذي نزل الفرقان على عبده ليكون للعالمين نذيرا} الفرقان: 1.

وقال تعالى: {قل يا أيها الناس إني رسول الله إليكم جميعا الذي له ملك السماوات والأرض لا إله إلا هو يحيي ويميت فآمنوا بالله ورسوله النبي الأمي الذي يؤمن بالله وكلماته واتبعوه لعلكم تهتدون}. الأعراف: 158 فقد ذُكِرَتْ هذه الآية الكريمة بعد أن ذكر الله في الآيات التي سبقتها ما دار بين الرسل السابقين وأممهم، من لدن نبي الله ورسوله نوح إلى نبيه ورسوله عيسى صلى الله عليهم جميعا وسلم، وذلك يدل مع عموم النص والتوكيد الواضح في الآية على عموم رسالته صلى الله عليه وسلم.

وقال تعالى: {وما أرسلناك إلا كافة للناس بشيرا ونذيرا ولكن أكثر الناس لا يعلمون}. سبأ: 28.

ومما يدل على عموم رسالته صلى الله عليه وسلم دعوته للجن وسماعهم بعض آي القرآن منه، وإيمان من هداه الله منهم به-وقد نص الله تعالى في كتابه على أن الجن كالإنس إنما خلقوا لعبادته، وعبادته لا تصح إلا إذا كانت على هدى منه ولا هدى إلا عن طريق رسله-قال تعالى: {وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون}. الذاريات: 56.

وقال تعالى: {وإذ صرفنا إليك نفرا من الجن فلما حضروه قالوا أنصتوا فلما قضي ولوا إلى قومهم منذرين قالوا يا قومنا إنا سمعنا كتابا أنزل من بعد موسى مصدقا لما بين يديه يهدي إلى الحق وإلى طريق مستقيم يا قومنا أجيبوا داعي الله وآمنوا به يغفر لكم ذنوبكم ويجركم من عذاب أليم} الأحقاف: 29-30.

وقد أنزل الله في الجن سورة سميت باسمهم، قال تعالى في أول السورة: {قل أوحي إلي أنه استمع نفر من الجن فقالوا إنا سمعنا قرآن اعجبا يهدي إلى الرشد فآمنا به ولن نشرك بربنا أحدا}. الجن : 1-2 [وقد ألف شيخ الإسلام ابن تيمية، رحمه الله، كتابا في عموم رسالة الرسول صلى الله عليه وسلم، سماه: (إيضاح الدلالة في عموم الرسالة).وهو في مجموع الفتاوى (19/9) وما بعدها].

وثبت عموم رسالته صلى الله عليه وسلم في سنته، كما ثبت في كتاب ربه، فقد روى جابر بن عبد الله، رضي الله عنهما، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: {نصرت بالرعب مسيرة شهر، وجعلت لي الأرض مسجدا وطهورا، فأيما رجل أدركته الصلاة فليصل، وأحلت لي الغنائم ولم تحل لأحد قبلي، وأعطيت الشفاعة، وكان النبي يبعث إلى قومه خاصة وبعثت إلى الناس عامة}. [البخاري (1/86)، ومسلم (1/370)]
الإيمان هو الأساس (دروس في الإيمان) %D8%AE%D9%84%D9%81%D9%8A%D8%A7%D8%AA-%D8%A2%D9%8A%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D9%83%D8%B1%D8%B3%D9%8A-%D9%85%D9%83%D8%AA%D9%88%D8%A8%D8%A9-2
(59)

ما يترتب على عموم رسالته
ويترتب على الإيمان بعموم رسالته صلى الله عليه وسلم وجوب تبليغها إلى أهل الأرض كلهم، ما أمكن ذلك، بكل السبل المتاحة، في جميع العصور، وهذا ما فعله صلى الله عليه وسلم، فقد دعا أهل الأرض كلهم: عربهم وعجمهم، يهوديهم ونصرا نيهم، ووثنيهم، من استطاع الوصول إليه بلغه بنفسه، ومن لم يستطع الوصول إليه بلغه عن طرق رسله ورسائله، واستعمل الوسائل الممكنة في عصره، اتصل بمن لقيه مباشرة ودعاه، وذهب إلى أماكن تجمع الناس في الأسواق ومناسك الحج، وذهب إلى بعض القرى-كالطائف-وصعد على جبل أبي قبيس ودعا الناس ليجتمعوا حوله حتى يسمعوا ما يقول. وحمل راية الجهاد في سبيل الله لتأديب الطغاة الذين وقفوا ضد الدعوة، فغزا الغزوات، وبعث البعوث، واستمر على ذلك حتى لقي ربه بأبي هو وأمي.

وآمن به بعض أهل الكتاب، في حياته وبعد مماته، كما آمنت به أمم الأرض بعد موته، وذلك كله مبسوط في كتب السنة والسيرة والتاريخ.

وبعث بعض أصحابه ليدعوا الناس بأنفسهم ويبلغوهم رسالة الله، وبعث بعضهم برسائله التي كتبها إلى الملوك والزعماء وختمها، كزعماء فارس والروم.

ونهض بمهمة تبليغ العالم هذا الدين بعد وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم أصحابه الكرام، بقيادة خلفائه الراشدين الذين تربوا على يديه وجاهدوا تحت رايته.

وهذا كله يدل على وجوب قيام الأمة الإسلامية في كل عصر بتبليغ هذا الدين الذي يجب على كل أحد اتباعه، وكيف يتبعه من لم يبلغه؟! ومن ذا الذي يجب عليه تبليغ هذا الدين غير أهله المؤمنين به؟

وبالبلاغ المبين ينتشر هذا الدين، وإذا كثر أتباعه في العالم عم الصلاح وقل الفساد،وهذا يوجب-كذلك-على هذه الأمة أن تكون قدوة حسنة، تحقق في حياتها تطبيق شريعة الله التي لا يؤمن بها غيرها، حتى يظهر في سلوكها الصلاح للناس، فيروا في حياتهم الإسلامية حقائق الإسلام وثمرات تطبيقه، وإذا لم يتحقق الصلاح في الأمة الإسلامية التي تزعم بأنها تؤمن بهذا الرسول وتقول لهم: إنه أرسل إلى الناس كافة فكيف يرجى من الأمم الأخرى أن تهتدي بهداه وتحقق به الصلاح في الأرض بدون قدوة حسنة تحمل المبدأ وتطبقه؟

والخلاصة أن عموم رسالة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم قد دل عليها القرآن والسنة، وبشر به الرسل قبله وذكرت رسالته الكتب الإلهية السابقة، وأهل الكتاب يعرفون ذلك، وقد آمن به من هداه الله منهم قديما وحديثا، ومن أنكر منهم رسالته أو عمومها، فهو مكابر جاحد كما قال الله تعالى عنهم: {يعرفونه كما يعرفون أبناءهم}. البقرة: 146.

ولا يوجد رسول غير رسول الله صلى الله عليه وسلم بعثه الله إلى الأمم كلها إلى يوم القيامة، كما لا يوجد كتاب سماوي محفوظ النص والمعنى يتضمن منهجا كاملا شاملا يصلح لجميع الناس إلى يوم القيامة، إلا هذا القرآن الذي هو حجة الله على عباده، فرسالة الرسول صلى الله عليه وسلم عامة لكل الناس، وهو خاتم الأنبياء والمرسلين.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://el-quran.ahlamontada.com
Admin
Admin
Admin


المساهمات : 4240
تاريخ التسجيل : 20/01/2018

الإيمان هو الأساس (دروس في الإيمان) Empty
مُساهمةموضوع: رد: الإيمان هو الأساس (دروس في الإيمان)   الإيمان هو الأساس (دروس في الإيمان) Emptyالجمعة فبراير 23, 2018 2:46 am

الإيمان هو الأساس (دروس في الإيمان) %D8%AE%D9%84%D9%81%D9%8A%D8%A7%D8%AA-%D8%A2%D9%8A%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D9%83%D8%B1%D8%B3%D9%8A-%D9%85%D9%83%D8%AA%D9%88%D8%A8%D8%A9-2
(60)

ختم رسالته لكل الرسالات
ومن الإيمان برسالة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم اليقين الجازم بأنه خاتم النبيين، فلا نبي بعده، ولا كتاب بعد القرآن الكريم، وقد تطابق على ذلك الكتاب والسنة وإجماع الأمة، قال تعالى: {ما كان محمد أبا أحد من رجالكم ولكن رسول الله وخاتم النبيين وكان الله بكل شيء عليما}. الأحزاب: 40

وروى أبو هريرة، رضي الله عنه،أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (إن مثلي ومثل الأنبياء من قبلي، كمثل رجل بنى بيتا، فأحسنه وأجمله، إلا موضع لبنة من زاوية، فجعل الناس يطوفون به، ويعجبون له، ويقولون: هلا وضعت هذه اللبنة؟! فأنا اللبنة وأنا خاتم النبيين.) وفي رواية: (فأنا موضع اللبنة جئت فختمت الأنبياء). [البخاري (4/162)، ومسلم (4/190)]

وفي حديث أبي هريرة أن الناس يقولون لمحمد صلى الله عليه وسلم يوم الحشر وهم يطلبون منه الشفاعة عند ربه (يا محمد أنت رسول الله وخاتم النبيين) [ مسلم (1/184)]

وقال صلى الله عليه وسلم: (وخُتِم بي النبيون) [مسلم (1/371)] ومن الأحاديث الصريحة في هذا الباب قوله صلى الله عليه وسلم: (كانت بنو إسرائيل تسوسهم الأنبياء كلما هلك نبي خلفه نبي، وإنه لا نبي بعدي) [البخاري (4/!44)، ومسلم (3/1471)، وراجع سنن الترمذي (4/499) وسنن أبي داود (4/450) وتفسير القرآن العظيم لابن كثير، تفسير الآية 40 من سورة الأحزاب] .

وهذه الأحاديث واضحة الدلالة في هذا المعنى، بل هي نص في ذلك لا تحتمل سواه.

فقد ضرب صلى الله عليه وسلم مثالا يدل على أ نه هو خاتم الأنبياء بالبيت الذي لم ينقص كمالَه إلا لبنةٌ واحدة، فإذا وضعت تلك اللبنة في موضعها اكتمل بها البناء، وأخبر بأنه هو تلك اللبنة، ومعنى ذلك أن البناء اكتمل به بعد أن بعثه الله رسولا، ولو كان سيأتي بعده نبي آخر لما صح اكتمال البناء به، إذ الاكتمال يكون بآخر الأنبياء جميعا، ولو كان سيأتي بعده نبي أو أكثر لكان البناء ناقصا لبنات بعدد من سيأتي من الأنبياء، وليست لبنة واحدة، وقد أخبر صلى الله عليه وسلم أنها لبنة واحدة، ولم يكتف صلى الله عليه وسلم بهذا المثل في الدلالة على أنه خاتم النبيين، مع وضوح دلالته على ذلك، بل أكد ذلك وزاده إيضاحا بقوله: (وأنا خاتم النبيين) وقوله: (فلا نبي بعدي) و (لا) نافية للجنس، فإذا ضمت هذه الأحاديث إلى الآية السابقة لم يبق أي احتمال لمجيء نبي بعده صلى الله عليه وسلم.
الإيمان هو الأساس (دروس في الإيمان) %D8%AE%D9%84%D9%81%D9%8A%D8%A7%D8%AA-%D8%A2%D9%8A%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D9%83%D8%B1%D8%B3%D9%8A-%D9%85%D9%83%D8%AA%D9%88%D8%A8%D8%A9-2
(61)

ما يترتب على كونه خاتم النبيين

ويترتب على الإيمان بأنه خاتم النبيين أمور:

الأمر الأول: عظم مسئولية أمته عن هذا الدين الذي جاء به، لأنهم ورثوه عنه ولا ينتظرون أن يأتي من ينوب عنه في حفظه وتبليغه غيرهم، بخلا ف الأمم السابقة، فقد كان كلما هلك نبي خلفه نبي كما سبق في الحديث قريبا.

لذلك يجب على هذه الأمة الاهتمام بهذا الدين إيمانا، وفقها، وعملا، ودعوة، لأن الله شرفها بهذا الفضل-وهو مسئوليتها عن هذا الدين بعد نبيها وكون الله قد كلفها حمل هذا الشرف والشهادة به على الأمم الأخرى إلى يوم القيامة-الذي لم تنله أمة غيرها.

الأمر الثاني: أن كل ما يحتاج إليه الناس، لجلب مصالحهم، ودفع المضار عنهم في دينهم ودنياهم، لا بد أن تكون مصادر هذا الدين قد اشتملت عليه، إما نصا أو استنباطا من نص، أو قياسا معتبرا على ما ورد به النص، أو إجماعا من علماء الأمة، لأن البشر كلهم بعد بعثة النبي صلى الله عليه وسلم ملزمون بالدخول في هذا الدين إلى يوم القيامة، فإذا لم يكن في مصادر هذا الدين ما يحقق مصالحهم في كل زمان لزم احتياجهم إلى غيره، وكانوا غير ملزمين به، لعدم تحقيقه مصالحهم وهذا باطل، فلزم أن تَفِيَ شريعة الرسول الخاتم بكل المصالح لكل البشر وفي كل الأزمان، وهذا هو واقع هذا الدين.[ سيأتي قريبا كلام ابن القيم فيما يتعلق بشمول شريعة الرسول صلى الله عليه وسلم لمصالح البشر كلها]

الأمر الثالث: أن باب الاجتهاد مفتوح لأهله إلى يوم القيامة، إذ يلزم من كون الرسول صلى الله عليه وسلم خاتم النبيين، ووجوب اتباع الناس كلهم لدينه، أن يجد هؤلاء الناس أحكاما في هذا الدين لكل ما يجد لهم من قضايا في حياتهم، والقضايا لا تحصى كثرة، ولا يمكن أن يوجد في كل قضية ما هو نص فيها، بل لا بد من البحث والاجتهاد في أغلب القضايا، فإذا أغلق باب الاجتهاد، خلت قضايا كثيرة من وجود أحكام لها في هذا الدين، ويلزم من ذلك فتح الباب لغير ذوي الفقه في الدين أن يشرعوا للناس ما لم يأذن به الله، إما اضطرارا لعدم وجو الفصل الشرعي في قضايا الناس المتجددة، وإما مكرا واغتناما لغياب العلماء المجتهدين لتسويغ الخروج عن شرع الله، بحجة عدم وفائه بتحقيق المقاصد وحل مشكلات الناس.

وقد نبه الإمام الشافعي رحمه الله على هذا الخطر لو حصل، فقال: (ولو جاز تعطيل القياس جاز لأهل العقول من غير أهل العلم أن يقولوا فيما ليس فيه خبر، بما يحضرهم من الاستحسان، وإن القول بغير خبر ولا قياس لغير جائز..) [الرسالة: (فقرة: 158-159، ص: 505)].

كما نعى ابن القيم رحمه الله على من فرطوا في هذه الشريعة فضيعوا بتفريطهم الحدود والحقوق، فجرءوا بذلك أهل الفجور والفساد بجعلهم الشريعة قاصرة لا تقوم بمصالح العباد، فقٌال: (قلت: هذا [يشير إلى اختلاف العلماء في العمل بالسياسة أو عدمه] موضع مزلة أقدام، ومضلة أفهام، وهو مقام ضنك في معترك صعب، فرط فيه طائفة فعطلوا الحدود، وضيعوا الحقوق، وجرءوا أهل الفجور على الفساد وجعلوا الشريعة قاصرة لا تقوم بمصالح العباد، وسدوا على أنفسهم طرقا صحيحة من الطرق التي يعرف بها المحق من المبطل، وعطلوها مع علمهم وعلم الناس أنها أدلة حق، ظنا منهم منافاتها لقواعد الشرع، والذي أوجب لهم ذلك نوع تقصير في معرفة حقيقة الشريعة والتطبيق بين الواقع وبينها، فلما رأى ولاة الأمر ذلك وأن الناس لا يستقيم أمرهم إلا بشيء زائد على ما فهمه هؤلاء من الشريعة، فأحدثوا لهم قوانين سياسية ينتظم بها مصالح العالم، فتولد من تقصير أولئك في الشريعة، وإحداث هؤلاء ما أحدثوه من أوضاع سياستهم شر طويل وفساد عريض، وتفاقم الأمر وتعذر استدراكه، وأفرط فيه طائفة أخرى فسوغت منه ما يناقض حكم الله ورسوله، وكلا الطائفتين أُتِيَتْ من قبل تقصيرها في معرفة ما بعث الله به رسوله، فإن الله بعث رسله وأنزل كتبه، ليقوم الناس بالقسط، وهو العدل الذي قامت به السماوات والأرض، فإذا ظهرت أمارات الحق، وقامت أدلة العقل، وأسفر صبحه بأي طريق كان، فثم شرع الله ودينه ورضاه وأمره، والله تعالى لم يحصر طرق العدل وأدلته وأمارا ته في نوع واحد، وأبطل غيره من الطرق التي هي أقوى منه وأدل وأظهر، بل بين بما شرعه من الطرق أن مقصوده إقامة الحق والعدل وقيام الناس بالقسط، فأي طريق استخرج بها الحق ومعرفة العدل وجب الحكم بموجبها ومقتضاها، والطرق أسباب ووسائل لا تراد لذواتها، وإنما المراد غاياتها التي هي المقاصد، ولكن نبه بما شرعه من الطرق على أسبابها وأمثالها وإن تجد طريقا من الطرق المثبتة للحق إلا وهي شرعة وسبيل للدلالة عليها، وهل يظن بالشريعة الكاملة خلاف ذلك؟ ولا نقول: إن السياسة العادلة مخالفة للشريعة الكاملة، بل هي جزء من أجزائها وباب من أبوابها، وتسميتها سياسة أمر اصطلاحي، وإلا فإذا كانت عدلا فهي من الشرع). [أعلام الموقعين عن رب العالمين (4/372)].

فلزم وجوب فتح باب الاجتهاد، ولكن لأهله الذين يفقهون الشريعة والواقع المراد تطبيق الحكم عليه، وليس للأدعياء والمتعالمين أو من يستظهرون نصوصا ويحفظون أحكاما وهم لا يدرون عن الواقع ولا يتصورون حقيقته.

وقد بين الإمام الشافعي رحمه الله الشروط التي يجب أن تتوافر في المجتهد الذين تطمئن الأمة إلى اجتهادهم، فقال: (ولا يقيس إلا من جمع الآلة التي له القياس بها، وهي العلم بأحكام كتاب الله: فرضه وأدبه، وناسخه ومنسوخه، وعامه وخاصة، وإرشاده.

ويستدل على ما احتمل التأويل بسنن رسول الله، فإذا لم يجد سنة فبإجماع المسلمين، فإن لم يكن إجماع فبالقياس.

ولا يكون لأحد أن يقيس حتى يكون عالما بما مضى قبله من السنن وأقاويل السلف، وإجماع الناس، واختلافهم، ولسان العرب. ولا يكون له أن يقيس حتى يكون صحيح العقل، وحتى يفرق بين المشتبه، ولا يعجل بالقول به دون التثبت.

ولا يمتنع من الاستماع ممن خالفه، لأنه قد يتنبه بالاستماع لترك الغفلة، ويزداد به تثبيتا، فيما اعتقد من الصواب.

وعليه في ذلك بلوغ غاية جهده، والإنصاف من نفسه، حتى يعرف من أين قال ما يقول، وترك ما يترك.

ولا يكون بما قال أعنى منه بما خالفه، حتى يعرف فضل ما يصير إليه على ما يترك، إن شاء الله.

فأما من تم عقله، ولم يكن عالما بما وصفنا، فلا يحل له أن يقيس، وذلك أنه لا يعرف ما يقيس عليه، كما لا يحل لفقيه عاقل أن يقول في ثمن درهم ولا خبرة له بسوقه.

ومن كان عالما بما وصفنا بالحفظ لا بحقيقة المعرفة، فليس له أن يقول أيضا بقياس، لأنه قد يذهب عليه عقل المعاني.

وكذلك لو كان حافظا مقصر العقل، أو مقصرا في علم لسان العرب، لم يكن له أن يقيس، من قبل نقص عقله عن الآلة التي يجوز بها القياس). [الرسالة (من فقرة: 1469-1478 ص : 5-9-511)]

وهذا يوجب على الأمة السعي في إيجاد علماء مجتهدين يقوم بهم فرض الكفاية في كل باب من أبواب الشريعة.
الإيمان هو الأساس (دروس في الإيمان) %D8%AE%D9%84%D9%81%D9%8A%D8%A7%D8%AA-%D8%A2%D9%8A%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D9%83%D8%B1%D8%B3%D9%8A-%D9%85%D9%83%D8%AA%D9%88%D8%A8%D8%A9-2
(62)

الأمر الرابع : من الأمور التي تترتب على كون الرسول صلى الله عليه وسلم خاتم النبيين:

أن الأمم الأخرى-غير الأمة الإسلامية-عليها أن تدخل في هذا الدين، وتتبع الرسول صلى الله عليه وسلم، وعليها إن كان عندها شك في كون الرسول صلى الله عليه وسلم خاتم النبيين، وكونه يجب اتباعه على كل الناس، أن تجتهد في الاطلاع على ما جاء به هذا الدين، لتصل إلى الحقيقة، فإن أي منصف يطلع على هذا الدين لا بد أن يعلم أنه حق وأنه جاء من عند الله، وأن أحدا لا يعذر في عدم اتباعه بعد أن تقوم عليه الحجة بمعرفة هذا الدين.

دجالون كذابون:

ولا بد هنا من التنبيه على أنه قد لا يخلو زمان من وجود دجالين كذابين، يدعون أنهم أنبياء، وقد أخبر الرسول صلى الله عليه وسلم بذلك، كما روى أبو هريرة، رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم،أنه قالSadلا تقوم الساعة حتى يبعث دجالون كذابون، قريب من ثلاثين، كلهم يزعم أنه رسول الله). [البخاري (13/81) بشرح فتح الباري، ومسلم (4/2240)]

ونحن نحمد الله أن الذين يدعون النبوة يحملون معهم دليل كذبهم، وهي الصفة التي أبرزها الرسول صلى الله عليه وسلم في الحديث، في كل من يدعي الرسالة بعده، فإذا كانت البراهين قد قامت على صدق الرسول صلى الله عليه وسلم، الذي خالطه صفوة الناس وخيار الأمة، من وقت بعثته إلى أن قبضه الله إليه، فلم يزدادوا إلا يقينا بصدقه، حتى كان بعضهم إذا حدث عنه قالSadحدثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو الصادق المصدوق) [ البخاري (7/210) ومسلم (4/2036)]. بل إنه اشتهر بالصدق والأمانة بين قريش قبل بعثته، حتى إنهم لمعرفتهم تَأَصُّل تينك الصفتين-وغيرهما من خلال الخير فيه-سموه الأمين

كما أن أصحابه، رضي الله عنهم-وهم الذين نقلوا لنا عنه هذا الدين، بنقل الكتاب والسنة والسيرة العطرة-كانوا كذلك صادقين شهد بصدقهم حالهم وفعلهم، والذي يقرأ تراجم القوم وسيرهم يدرك أنهم كانوا في القمة من الصدق والعدل والصلاح، بخلاف من ادعى النبوة في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم أو بعد وفاته، فإن من خالطهم أدنى مخالطة، واستمع إلى ما يقولون يظهر له بداهة كذبهم ودجلهم، كما لا يشك في أن أتباعهم مثلهم من الفجار الكذابين الذين يعلمون كذبهم، وإذا قارن العاقل أدنى مقارنة بين ما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم، وبين ما جاء به الدجالون، يتضح له أن ما جاء به الرسول فيه الهدى والخير والصلاح والفلاح، وأن ما دعا إليه الدجالون، ما هو إلا شر وضلال وفساد، وان الذين يناصرونهم إنما هم الطغاة الظلمة المفسدون في الأرض، كما هو حال القادياني الهندي الذي بعثه الإنجليز ليزعم للناس أن الرسالة لم تنقطع وأنه هو رسول للأمة، ووجد ممن بعثه المناصرة والتأييد، كما ناصره اليهود أعداء الرسالات، وبخاصة رسالة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم.
الإيمان هو الأساس (دروس في الإيمان) %D8%AE%D9%84%D9%81%D9%8A%D8%A7%D8%AA-%D8%A2%D9%8A%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D9%83%D8%B1%D8%B3%D9%8A-%D9%85%D9%83%D8%AA%D9%88%D8%A8%D8%A9-2
(63)

صفات واضع الشريعة تقتضي كمالها ودوام صلاحيتها:

يتصف واضع الشريعة-جل جلاله-بكمال العلم المنافي للجهل، وبكمال العدل المنافي للظلم، وبكمال القيومية المنافية للغفلة والسنة والنوم، وبكمال الحكمة المنافية للطيش والعشوائية والـخَرَق،وكمال الرحمة المنافي للغلظة والقسوة.

فكمال علمه تعالى يقتضي أن يشرع لعباده شريعة كاملة لا نقص فيها، صالحة لكل زمان ولجميع البشر في كل الأجيال، مهما اختلفت مستوياتهم الثقافية والاقتصادية والاجتماعية والصناعية، إذ علمه محيط بالماضي والحاضر والمستقبل وتغيرات الأحوال، كما أنه محيط بالنفس الإنسانية وما يصلحها وما يفسدها، وإنما يأتي نقص التشريع من جهل المشرع بتلك الأمور أو أحدها والله تعالى منزه عن ذلك، فقد أحاط بكل شيء علما.

وكمال عدله يقتضي أن يبرأ وينزه عن الهوى والمحاباة لأحد من المخلوقين، أو ظلم أحد منهم، فهو يشرع لخلقه لجلب مصالحهم ودفع المفاسد عنهم جميعا، في كل الأحوال، لأن العدل صفة ذاتية لله تعالى، وقد حرم الظلم على نفسه وجعله بين عباده محرما، وهذا بخلاف غيره من خلقه فإنهم معرضون لارتكاب الظلم، محاباة لقريب أو صديق،أو نكاية بعدو، أو اتباعا لهوى، أو غير ذلك من العوارض التي تعرض للبشر، كما قال تعالى عن نفسه: {شهد الله أنه لا إله إلا هو والملائكة وأولو العلم قائما بالقسط لا إله إلا هو العزيز الحكيم}.آل عمران: 18.

وقال: {ووضع الميزان ألا تطغوا في الميزان}.الرحمان: 8 والميزان العدل.

وقال تعالى: {وتمت كلمة ربك صدقا وعدلا لا مبدل لكلماته وهو السميع العليم} الأنعام: 5.

وأكثر سبحانه من أمر عباده-المعرضين للظلم والهوى والمحاباة -بالعدل.

قال تعالى: {يا أيها الذين آمنوا كونوا قوامين لله شهداء بالقسط ولا يجرمنكم شنآن قوم على ألا تعدلوا اعدلوا هو أقرب للتقوى واتقوا الله إن الله خبير بما تعملون}. المائدة: 8.

وقال تعالى: {وإذا قلتم فاعدلوا ولو كان ذا قربى}. الأنعام: 158.

وقال تعالى:{يا أيها الذين آمنوا كونوا قوامين بالقسط شهداء لله ولو على أنفسكم أو الوالدين والأقربين إن يكن غنيا أو فقيرا فالله أولى بهما فلا تتبعوا الهوى أن تعدلوا وإن تلووا أو تعرضوا فإن الله كان بما تعملون خبيرا}.النساء: 153.

وقال تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم: {فلذلك فادع واستقم كما أمرت ولا تتبع أهواءهم وقل آمنت بما أنزل الله من كتاب وأمرت لأعدل بينكم}. الشورى: 15. والآيات في ذلك كثيرة.

وكمال قيوميته يقتضي أن يكون تعالى منزها من الغفلة والنسيان والسنة والنوم.

وبذلك يكون تشريعه محيطا بكل مصالح العباد التي وضع شريعته لجلبها، وبجميع المفاسد التي وضع شريعته لدفعها أو رفعها، ولهذا كان من أسمائه تعالى:{الحي القيوم} المقتضيان نفي السنة والنوم عنه، كما قال تعالى: {الله لا إله إلا هو الحي القيوم لا تأخذه سنة ولا نوم}. البقرة: 255.

ونفى عن نفسه تعالى الغفلة، فقال: {وما الله بغافل عما تعملون} البقرة: 74. وغيرها كثير.

وكمال حكمته يقتضي أن يضع كل شيء في مكانه المناسب الذي لا يقال فيه ليته كان كذا، أو ليته لم يكن كذا، ولهذا يكثر تعقيب الله تعالى على كثير من أحكامه باسميه الكريمين {العليم الحكيم}، كقوله تعالى-وهو يحدد أنصباء الورثة-: {آباؤكم وأبناؤكم لا تدرون أيهم أقرب لكم نفعا فريضة من الله إن الله كان عليما حكيما}. النساء: 11.

ومثل قوله تعالى-في تشريع أحكام القتل-:{توبة من الله وكان الله عليما حكيما}. النساء: 92.

وكمال رحمته يقتضي أن يشرع لعباده ما هو الأيسر لهم أو الأكثر نفعا في الدنيا والآخرة، فلا يكلفهم ما فيه حرج عليهم، وقد يكون في بعض مايكلفهم شيء من المشقة، ولكن تلك المشقة أيسر لهم من المشقة التي تنزل بهم لو لم يكلفهم الله ذلك، ومن أقرب الأمثلة على ذلك أنه تعالى شرع لهم الجهاد في سبيله، دفعا للعدوان، أو فتحا للأبواب المغلقة أمام الجاهلين بدين الله، المحرومين من سماع الدعوة إليه، ودكا للسدود التي يضعها الطغاة في طريق الدعوة إلى الله، فلا يدفع ذلك العدوان ويحطم تلك الأبواب ويدك تلك السدود إلا الجهاد في سبيل الله، وفيه من مشقة بذل الأموال وإزهاق الأرواح وخراب الديار وغلاء الأسعار وفقد السلع، ما لا يخفى من المشقة على المباشرين للجهاد وغيرهم من النساء والذرية وكبار السن وغيرهم، و مع ذلك لو قورن بين تلك المشقات وما يترتب عليها من ثمار، كرفع راية الإسلام وتحطيم راية الكفر، ونيل الناس حريتهم من استعباد الطغاة لهم وصدهم عن سبيل الله وإكراههم المباشر أو غير المباشر على الكفر والفسوق والظلم والعدوان، وما يترتب على الجهاد من أمن وعدل وعبادة لله وحده، ومن قوة المسلمين وإرهابهم لعدوهم الذي أمرهم الله تعالى به في كتابه، وسلامة بلدان المسلمين من الاحتلال والاعتداء، كل تلك المشقات التي تنال المسلمين من الجهاد في سبيل الله لا تعد شيئا بجانب ثمراته العظيمة ما ذكر منها وما لم يذكر. [راجع في ثمرات الجهاد وأضرار القعود عنه: (الجهاد في سبيل الله/حقيقته وغايته) (2/411) للكاتب]

قال تعالى-نافيا إرادته الحرج على أمته فيما يشرع لهم-: {ما يريد الله ليجعل عليكم من حرج}. المائدة: 6.

وقال تعالى: {وجاهدوا في الله حق جهاده هو اجتباكم وما جعل عليكم في الدين من حرج}. الحج: 78.

وقال تعالى: {يا أيها الذين آمنوا لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل إلا أن تكون تجارة عن تراض منكم ولا تقتلوا أنفسكم إن الله كان بكم رحيما}. النساء: 29
الإيمان هو الأساس (دروس في الإيمان) %D8%AE%D9%84%D9%81%D9%8A%D8%A7%D8%AA-%D8%A2%D9%8A%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D9%83%D8%B1%D8%B3%D9%8A-%D9%85%D9%83%D8%AA%D9%88%D8%A8%D8%A9-2
(64)

الأدلة الدامغة على كمال الشريعة

نصوص وتفاصيل وتجارب تدل على كمال هذه الشريعة:

وإضافة إلى ما مضى فقد نص الله تعالى في كتابه الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه على كمال هذه الشريعة، ودلت تفاصيلها الواردة في الكتاب والسنة على أنها شريعة كاملة، ودلت على ذلك التجربة من أول مجيء هذه الشريعة إلى يومنا هذا

أولا: النصوص:

أما النصوص الدالة على كمال هذه الشريعة، فمنها قوله تعالى: {اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا}.سورة المائدة: 3.

و منها قوله تعالى: {ومن يبتغ غير الإسلام دينا فلن يقبل منه وهو في الآخرة من الخاسرين}. آل عمران: 19.

وجه الدلالة من هذه الآية أن الله نفى أن يقبل من أحد غير هذا الدين، ولولا أن هذا الدين كامل لما صح النفي، إذ نقصه يقتضي الحاجة إلى تكميله، وتكميله-مع وجود نقص فيه-لا بد أن يكون من غيره، وغيره منفي القبول، فلزم أن يكون كاملا لا نقص فيه.

ومنها قوله تعالى: {يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر ذلك خير وأحسن تأويلا}. النساء: 58-59.

وجه الدلالة من هذه الآية أن الله أمر بطاعته وطاعة رسوله وأولي الأمر من المؤمنين، ثم عقب على ذلك بالأمر برد ما اختلفوا فيه من شيء إلى الله والرسول، فدل على أنه ما من شيء يختلف فيه المسلمون -بما فيه الرعية وولاة أمرهم-إلا وله في هذه الشريعة حكم فصل، ولو كانت هذه الشريعة ناقصة لما صحت هذه الإحالة العامة، والرسول صلى الله عليه وسلم إنما أمر بالإحالة إلى مليء، فلا يحال إلى غير مليء، فالشريعة مليئة، أي كاملة.

ومن ذلك وصف كتابه الذي هو المصدر الأول لشريعته بأنه هدى، وأنه يهدي للتي هي أقوم، كما في قوله تعالى:{أ لم ذلك الكتاب لا ريب فيه هدى للمتقين}. البقرة: 1.

وقوله تعالى: {إن هذا القرآن يهدي للتي هي أقوم}. الإسراء: 9.

ثانيا: التفاصيل

أما التفاصيل فإن الذي يطلع على تفاصيل هذه الشريعة العظيمة ويعلم منهجها في التشريع، فسيجدها شاملة كاملة كافية، في كل باب من أبواب حياة البشر، تكفلت بجلب جميع مصالح العباد، ودفع-أو رفع-كل المفاسد عنهم، ما تمسكوا بها وأطاعوا الله في أمره ونهيه، منها ما نص عليه ومنها ما دخل في عموم النصوص أو شملته عللها، ومنها ما سكتت عنه لإباحته.

وكلف الله علماء الأمة الذين تتوافر فيهم شروط الاجتهاد أن يبينوا للناس ما يجد من قضايا في حياتهم، ولا بد أن يجد العالم المجتهد الذي يستفرغ وسعه في أي قضية من القضايا النازلة بالأمة حكما في هذه الشريعة.

ولهذا قال ابن القيم، رحمه الله-مبينا كمال شريعة الله-: (وقد توفي الرسول صلى الله عليه وسلم، وما طائر يقلب جناحيه، إلا ذكر للأمة منه علما، وعلمهم كل شيء، حتى آداب التخلي، وآداب الجماع والنوم، والقيام والقعود، والأكل والشرب، والركوب والنزول، والسفر والإقامة، والصمت والكلام، والعزلة والخلطة، والغنى والفقر، والصحة والمرض، وجميع أحكام الحياة والموت، ووصف لهم العرش والكرسي، والملائكة والجن، والنار والجنة، ويوم القيامة وما فيه حتى كأنه رأي العين، وعرفهم معبود هم وإلههم أتم تعريف حتى كأنهم يرونه ويشاهدونه بأوصاف كماله ونعوت جلاله، وعرفهم الأنبياء وأممهم وما جرى لهم وما جرى عليهم حتى كأنهم كانوا بينهم، وعرفهم من طرق الخير والشر دقيقها وجليلها ما لم يعرفه نبي لأمته قبله، وعرفهم، صلى الله عليه وسلم أحوال الموت وما يكون بعده في البرزخ وما يحصل فيه من النعيم والعذاب للروح والبدن ما لم يعرف به نبي غيره، وكذلك عرفهم، صلى الله عليه وسلم، من أدلة التوحيد والنبوة والمعاد والرد على جميع الفرق أهل الكفر والضلال ما ليس لمن عرفه حاجة من بعده، اللهم إلا إلى من يبلغه إياه ويبينه ويوضح ما خفي عليه، وكذلك عرفهم صلى الله عليه وسلم من مكايد الحروب ولقاء العدو وطرق النصر والظفر ما لو علموه وعقلوه ورعوه حق رعايته لم يقم لهم عدو أبدا، وكذلك عرفهم صلى الله عليه وسلم من مكايد إبليس وطرقه التي يأتيهم منها وما يتحرزون به من كيده ومكره ما يدفعون به شره ما لا مزيد عليه، وكذلك عرفهم، صلى الله عليه وسلم أحوال نفوسهم وأوصافها ودسائسها وكمائنها ما لا حاجة لهم معه إلى سواه، وكذلك عرفهم، صلى الله عليه وسلم من أمور معايشهم ما لو علموه لاستقامت لهم دنياهم أعظم استقامة.

وبالجملة فجاءهم بخير الدنيا والآخرة برمته، ولم يحوجهم الله إلى أحد سواه، فكيف يظن أن شريعته الكاملة التي ما طرق العالم شريعة أكمل منها، ناقصة تحتاج إلى سياسة [ذكر هذا النص وهو يتحدث عن اختلاف العلماء في العمل بالسياسة، وقرر أن السياسة العادلة هي جزء من شريعة الله، وأن كل ما خالف شريعة الله فليس بسياسة عادلة] خارجة عنها تكملها، أو إلى قياس أو حقيقة أو معقول خارج منها؟! ومن ظن ذلك فهو كمن ظن أن بالناس حاجة إلى رسول آخر بعده.

وسبب هذا كله خفاء ما جاء به على من ظن ذلك وقلة نصيبه من الفهم الذي وفق الله له أصحاب نبيه الذين اكتفوا بما جاء به واستغنوا به عما سواه، وفتحوا به القلوب والبلاد، وقالوا: هذا عهد نبينا إلينا، وهو عهدنا إليكم، وقد كان عمر رضي الله عنه يمنع من الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، خشية أن يشتغل الناس به عن القرآن، فكيف لو رأى اشتغال الناس بآرائهم وزبالة أذهانهم عن القرآن والحديث؟! فالله المستعان). انتهى كلام ابن القيم رحمه الله من: [أعلام الموقعين عن رب العالمين (4/375)]

قلت: كيف لو رأى ابن القيم اليوم اشتغال غالب قادة المسلمين من حكام، ومن يسمون بالمشرعين بزبالات أعداء الإسلام، من اليهود والنصارى والملحدين، وإحلالها محل القرآن والسنة وما استنبطه علماء الأمة منهما، ويرون أن هذه الزبالات هي التي تصلح لحياة الأمة، وليس الشريعة الربانية، بل إنهم ليحاربون كل من دعا إلى تطبيق شريعة الله، ويصفونه بأوصاف وضعوها للدلالة على الذم تنفيرا للناس منهم، كالرجعي، والأصولي، والمتزمت، والمتشدد... وإذا ما نبه الأمة الإسلامية منبهٌ إلى الخطر الذي حل بها من اعتداء أعدائها عليها باغتصاب أرضها وانتهاك حرماتها ونهب خيراتها، وذكرها بأمر ربها لها بجهاد عدوها وإخراجه من أرضها التي أجمعت الأمة على أن الجهاد لدفع العدوان عنها وحماية بيضة الإسلام فرض عين على جميع الأمة إذا لم تقم به طائفة كافية منها، إذا نبهها منبه وذكرها بقول الله تعالى: {وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل ترهبون به عدو الله وعدوكم وآخرين من دونهم لا تعلمونهم الله يعلمهم}. الأنفال: 60، وصفوه بأنه إرهابي متطرف! وهم يرون أعداء الله وأعداء الأمة يقتلون المسلمين في بلاد المسلمين التي اغتصبوها، ويسجنونهم، ويعذبونهم، وينتهكون أعراضهم ويمنعونهم من دخول مساجدهم ليعبدوا ربهم فيها...!!

ثالثا: التجارب

أما التجارب فإن التاريخ في كل العصور من يوم جاء هذا الدين إلى اليوم-وسيبقى كذلك إلى يوم القيامة-شاهد على كما ل هذه الشريعة، إذ لم تطبق في أي زمان أو مكان إلا أثبت تطبيقها كمالها، لنجاحها في تحقيق المصالح ودفع المفاسد التي عجزت قوانين الأرض عن تحقيقها، و قد ضرب مثالا لذلك في هذا العصر الأستاذ عبد القادر عودة، رحمه الله بتطبيق الملك عبد العزيز آل سعود رحمه الله، الفقه الجنائي في الجزيرة العربية، ونجاحه نجاحا منقطع النظير. [راجع لهذا الموضوع ما سطره هذا العالم المسلم الخبير بالقانون الوضعي،الذي شمر عن ساعد الجد فدرس-بعد دراسة القانون-الشريعة الإسلامية، وخلص إلى حكم العالم المنصف الذي جزم بأن التجارب الكلية والجزئية دلت على عجز القانون الوضعي عن الوصول إلى بعض النتائج التي وصلت إليها الشريعة الإسلامية، التشريع الجنائي الإسلامي (2/708-716)]
الإيمان هو الأساس (دروس في الإيمان) %D8%AE%D9%84%D9%81%D9%8A%D8%A7%D8%AA-%D8%A2%D9%8A%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D9%83%D8%B1%D8%B3%D9%8A-%D9%85%D9%83%D8%AA%D9%88%D8%A8%D8%A9-2
(65)

ميزات الشريعة الإسلامية

وقد بين عبد القادر عودة، رحمه الله-بعد أن غاص في أعماق القانون الوضعي حتى أصبح من كبار رجاله، ثم هداه الله للتفقه في هذا الدين والإطلاع على أسرار هذه الشريعة وحِكَمِها، فأخذ يبين كمالها و محاسنها ويدعو إلى تطبيقها، ويبين قصور القانون الوضعي وعجزه عن تحقيق المقاصد التي وضع من أجلها، وجاهد في سبيل ذلك، حتى قضى نحبه على يد طغاة الحكم المحاربين لشريعة الله-بين ما تمتاز به الشريعة الإسلامية عن غيرها من قوانين البشر، فقال رحمه الله: (وعلى هذا يمكننا أن نستخلص مما ذكر من الاختلاف-بين الشريعة والقانون-أن الشريعة الإسلامية تمتاز على القوانين الوضعية، بثلاث ميزات جوهرية

الميزة الأولى: الكمال . تمتاز الشريعة الإسلامية على القوانين الوضعية بالكمال، أي بأنها استكملت كل ما تحتاج الشريعة الكاملة، من قواعد ومبادئ ونظريات، وأنها غنية بالمبادئ والنظريات التي تكفل سد حاجات الجماعة في الحاضر القريب والمستقبل البعيد.

الميزة الثانية: السمو. تمتاز الشريعة الإسلامية عن القوانين الوضعية بالسمو، أي بأن قواعدها ومبادئها أسمى دائما من مستوى الجماعة، وأن فيها من المبادئ والنظريات ما يحفظ لها هذا المستوى السامي، مهما ارتفع مستوى الجماعة.

[قلت: ولعل هذا هو سبب محاربة الطغاة للشريعة الكاملة السامية الدائمة، لأن هبوط مستواهم عن مستواها وفقدهم الهمة العالية التي ترفعهم إلى مستواها السامق، وشعورهم بالنقص والتدني عنها، وعدم أهليتهم لحملها، وخوفهم من ظهور مَن هو أهل لحملها عليهم، كل ذلك جعلهم يحاربونها ويحاربون دعاتها، حتى لا يفقدوا السيطرة غير المشروعة على الأمة]

الميزة الثالثة: الدوام: تمتاز الشريعة الإسلامية على القوانين الوضعية بالدوام، أي بالثبات والاستقرار، فنصوصها لا تقبل التعديل والتبديل، مهما مرت الأعوام وطالت الأزمان، وهي مع ذلك تظل حافظة لصلاحيتها في كل زمان مكان). [التشريع الجنائي الإسلامي (1/24).

[ومن أهم الأسباب التي جعلت الشريعة كذلك أن كثيرا من نصوصها قابلة لاندراج كثير من القضايا النازلة فيها، إما لعمومها، وإما لإطلاقها، وإما لعللها، أو غير ذلك مما يدخل تحت اجتهاد المجتهد المؤهل للاجتهاد.]
الإيمان هو الأساس (دروس في الإيمان) %D8%AE%D9%84%D9%81%D9%8A%D8%A7%D8%AA-%D8%A2%D9%8A%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D9%83%D8%B1%D8%B3%D9%8A-%D9%85%D9%83%D8%AA%D9%88%D8%A8%D8%A9-2
(66)

أسباب سوء الظن في كمال الشريعة
إذا كانت هذه الشريعة العظيمة بهذه المنزلة الرفيعة من الكمال، فما لأسباب التي أحدثت في نفوس متهميها هذا الظن السيئ؟

والجواب أن الأسباب كثيرة، و يمكن ضبطها بالأمور الأربعة الآتية:

الأمر الأول: الجهل بحقائقها [كما سبق في كلام ابن القيم: " وسبب هذا كله خفاء ما جاء به على من ظن ذلك وقلة نصيبه من الفهم الذي وفق الله له أصحاب نبيه..."]. وهذا السبب قد يكون هو الغالب في كثير من ذرا ري المسلمين الذين يسيئون الظن بهذا الشريعة، ولهذا يرجع كثير منهم عن هذا الظن السيئ ويتوب، ويتحمس لتحكيمها بعد أن ييسر الله له العلم بكمالها-ولو إجمالا-وهذا الرجوع واضح جدا في هذا العصر الذي تعاظمت فيه الصحوة الإسلامية المباركة في كل أنحاء الأرض، ومن ذوي التخصصات المتنوعة: أطباء، ومهندسين، وفلكيين، وجيولوجيين، وعلماء نفس، وعلماء اجتماع، وعسكريين، وأدباء، وإعلاميين، وغيرهم، وقد كان غالب المتخصصين في هذه العلوم قبل ثلاثة عقود-بل أقل-لا يرون في هذا الدين ما يصلح منهجا لحياة الناس، وكانوا ييممون وجوههم شطر كل مبدأ ينشدون فيه ما ينقذ الأمة من شيوعية ورأسمالي وقومية وغيرها، ما عدا هذا الدين، فقد كان عندهم خارج حلبة السباق، ولكننا نرى اليوم نقابات هذه التخصصات وطلابها وأساتذتها يلحون على تطبيق هذه الشريعة، لما رأوا من كمالها وقصور ما عداها، وأصبحوا هم العقبة الكأداء أمام الطغاة المحاربين للشريعة الإسلامية، وقد كانوا من قبل هم جنودهم في محاربتها ومحاربة أهلها، وكأنهم في انضمامهم إلى صف المناصرين لشريعة الله سحرة فرعون الذين خدعهم برهة من الزمن، ثم أفاقوا متحدين له:{قالوا لن نؤثرك على ما جاءنا من البينات والذي فطرنا فاقض ما أنت قاض إنما تقضي هذه الحياة الدنيا إنا آمنا بربنا ليغفر لنا خطايانا وما أكرهتنا عليه من السحر والله خير وأبقى}. طه: 72-73 ولهذه الصحوة أسباب كثيرة، لا يتسع المقام هنا لذكرها.

وقد يكون الجهل هو السبب في عداء كثير من غير المسلمين للشريعة الإسلامية وعدم الاعتراف بالدين الإسلامي جملة، والدليل على ذلك ما نراه من دخول كثير منهم في هذا الدين عندما تتاح لهم فرصة العلم به، وهم أصناف شتى أيضا.

وعلاج هذا الداء هو نشر العلم النافع من العلماء العاملين.

الأمر الثاني: التشويه المتعمد لحقيقة هذه الشريعة، وقد تكاتف على هذا التشويه أعداء هذه الشريعة من اليهود والنصارى والملحدين والوثنيين، وغلاة العلمانيين من ذرا ري المسلمين، واتخذوا لذلك كل الأسباب الممكنة في مناهج التعليم وأجهزة الإعلام ومراكز البحث، وعن طريق المستشرقين، والمنصرين، والكتاب ومن يسمون بالأدباء، وعلماء السوء الذين يشترون بآيات الله ثمنا قليلا.

إن هذا التشويه الذي تعمده أعداء هذه الشريعة لحقائقها كان كافيا لمحوها، لولا أنها تحمل في ذاتها عوامل ثباتها وكمالها ودوامها وسموها، وفي ذلك تحقيق لقول الباري جل وعلا: {إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون}. الحجر: 9.

الأمر الثالث: إقصاء الطغاة لهذه الشريعة عن تطبيقها في الحياة، لأنها لو طبقت في حياة الأمة لرأى الناس كمالها واقعا، والمبدأ المطبق في الواقع يدفع عن نفسه التهم والشبهات الكاذبة، أما إذا لم يطبق في الحياة فإن الكذب عليها يصدقه الجاهلون بها.

الأمر الرابع: جمود غالب علماء المسلمين في الأرض على التقليد الأعمى والتطبيق العملي لزعمهم إغلاق باب الاجتهاد وتثبيط همم طلاب العلم عن البحث المقارن، وقصر هم على الاكتفاء بقراءة كتيبات مبتورة عن الدليل مقيدة بأقوال متأخري مذهب معين، فإذا تجاوزا تلك الكتيبات، لم يتعدوا الشروح والحواشي الدائرة حولها، مع البعد الكامل عن النوازل والمعاملات الحادثة التي لم يجد الناس جوابا شافيا لها، وشجع هذا النهج من لا يريد تطبيق الشريعة، كما أحدثوا محاكم قانونية ومستشارين قانونيين، فاتجه المسلمون إلى تلك المحاكم، وقد تسمى غرفا تجارية، وإلى أولئك المستشارين، فأُحِلَّ بذلك الحرام وحرم الحلال. [راجع أعلام الموقعين عن رب العالمين (4/372) وما بعدها]
الإيمان هو الأساس (دروس في الإيمان) %D8%AE%D9%84%D9%81%D9%8A%D8%A7%D8%AA-%D8%A2%D9%8A%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D9%83%D8%B1%D8%B3%D9%8A-%D9%85%D9%83%D8%AA%D9%88%D8%A8%D8%A9-2
(67)

وما يعقلها إلا العالمون:

ولقد ضرب الرسول صلى الله عليه وسلم، مثلا يبين به من فقهه الله في الدين، فعرف بذلك الشريعة الكاملة، فطبقها فأحدثت فيه أثرها النافع العظيم، ومن أعرض عن ذكر الله فطبع الله على قلبه جزاء وفاقا، فلم يهتد بهدى الله، وإنما آثر الضلال على الهدى فنال منه الضنك والشقاء،ففي حديث أبي موسى الأشعري، رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (مثل ما بعثتي الله به من الهدى والعلم، كمثل الغيث الكثير أصاب أرضا فكان منها نقية قبلت الماء فأنبتت الكلأ والعشب الكثير، وكانت منها أجادب أمسكت الماء فنفع الله بها الناس فشربوا وسقوا وزرعوا، وأصاب طائفة أخرى إنما هي قيعان لا تمسك ماء ولا تنبت كلأ، فذلك مثل من فقه في دين الله ونفعه ما بعثتي الله به، ومثل من لم يرفع بذلك رأسا ولم يقبل هدى الله الذي أرسلت به) [البخاري (1/28)]

فشريعة الله التي بعث الله بها نبيه صلى الله عليه وسلم، كاملة وهي صالحة للتطبيق لذوي القلوب النظيفة الطاهرة التي لم تجتلها الشياطين عن فطرة الله، وبها رفعوا رؤوسهم واعتزوا بربهم ودينهم، فلم يذلوا لغير الله، أما ذوو القلوب الجاسية الدنسة الذين اجتالتهم الشياطين، فأخرجتهم عن فطرة الله التي فطر الناس عليها-وهم القيعان التي لا تمسك ماء ولا تنبت كلأ-فلم ترتفع رؤوسهم بهذه الشريعة، إذ لا هِمَمَ لهم ترفعهم إلى مستواها، فانحنت رقابهم لغير الله، وذلت نفوسهم لسواه من أهواء وشهوات وشياطين، فكانوا بذلك عبيد العبيد: {وتلك الأمثال نضربها للناس وما يعقلها إلا العالمون}.العنكبوت: 43.

{قل هو للذين آمنوا هدى وشفاء والذين لا يؤمنون في آذانهم وقر وهو عليهم عمى}. فصلت: 44.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://el-quran.ahlamontada.com
Admin
Admin
Admin


المساهمات : 4240
تاريخ التسجيل : 20/01/2018

الإيمان هو الأساس (دروس في الإيمان) Empty
مُساهمةموضوع: رد: الإيمان هو الأساس (دروس في الإيمان)   الإيمان هو الأساس (دروس في الإيمان) Emptyالجمعة فبراير 23, 2018 2:48 am

الإيمان هو الأساس (دروس في الإيمان) %D8%AE%D9%84%D9%81%D9%8A%D8%A7%D8%AA-%D8%A2%D9%8A%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D9%83%D8%B1%D8%B3%D9%8A-%D9%85%D9%83%D8%AA%D9%88%D8%A8%D8%A9-2
(68)

وجوب اتباعه صلى الله عليه وسلم
يقتضي الإيمان بالرسول صلى الله عليه وسلم، وجوب اتباعه وطاعته في أمره ونهيه، فذلك ثمرة الإيمان الصادق، ومظهر صلاح الفرد والأسرة والأمة، والحجة القاطعة على محبته صلى الله عليه وسلم، ومن ادعى محبته ولم يتبعه فهو كاذب في دعواه.

ومحبته فرض على كل مسلم، بل إن اتباعه دليل على محبة الله تعالى، ومحبة الله ورسوله مقدمة على محبة النفس والمال والأهل والولد، كما قال تعالى: {قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله ويغفر لكم ذنوبكم}. [آل عمران: 31]

وقال صلى الله عليه وسلم: (لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من والده وولده والناس أجمعين). [متفق عليه، وهو في اللؤلؤ والمرجان فيما اتفق عليه الشيخان (ص: 9) من حديث أنس رضي الله عنه. ]

ومن أغرب الأمور وأمقتها عند الله أن يوصَى بعضُ من يتصدى لتعليم جهلة المسلمين دينَ الله بحثهم على محبة الرسول صلى الله عليه وسلم، حتى يعملوا بما جاءهم به من عند ربه، فيقول: لا ينبغي أن يبدأ بذلك ولا يطرق ذلك كثيرا، حتى تثبت العقيدة في نفوسهم لئلا يكون ذلك سببا في الغلو فيه! وكأن هذا الجاهل-الذي يدعي العلم ويتصدى لتعليم الجهال دين الله-أشد حرصا على حماية جناب التوحيد-من الله ورسوله! أي عقيدة يعني من جفا هذا النبي الكريم، وخالف الوحيين؟ أليست محبة الرسول صلى الله عليه وسلم من صميم الإيمان؟! {إنها لا تعمى الأبصار ولكن تعمى القلوب التي في الصدور}]

واتباع الرسل عليهم الصلاة والسلام في ما جاءوا به من عند ربهم هو مقصود رسا لاتهم، وبه يتحقق اهتداء الأمم وصلاحها وسعادتها، وفي عصيانهم وسلوك غير سبيلهم الضلال والفساد والشقاء.

فمن زعم أنه يؤمن بالرسول صلى الله عليه وسلم ويحبه-وما أكثر من يدعي محبته-وهو يعصيه ويشاقه ويرفض اتباعه والعمل بما جاء به من عند ربه، فهو كاذب في زعمه، وهو عاص غير مطيع، ضال غير مهتد، فاسد مفسد، غير صالح ولا مصلح، متبع سبل الشيطان لا صراط الرحمن، قال تعالى-بعد أن أهبط آدم وحواء وعدوهما ومغويهما، إبليس من الجنة: {قلنا اهبطوا منها جميعا فإما يأتينكم مني هدى فمن تبع هداي فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون والذين كفروا وكذبوا بآياتنا أولئك أصحاب النار هم فيها خالدون} البقرة: 38-39.

وقال تعالى: {وما أرسلنا من رسول إلا ليطاع بإذن الله}. النساء: 64.

وقال تعالى: {وجاء من أقصى المدينة رجل يسعى قال يا قوم اتبعوا المرسلين اتبعوا من لا يسألكم أجرا وهم مهتدون}. يس: 20-21.

وقال تعالى: {كذب قوم نوح المرسلين إذ قال لهم أخوهم نوح ألا تتقون إني لكم رسول أمين فاتقوا الله وأطيعون}. الشعراء: 105-108. وكان ذلك هو قول كل الرسل الذين جاءوا بعد نوح لقومهم.

وقال تعالى: {ادخلوا في السلم كافة ولا تتبعوا خطوات الشيطان}. البقرة: 208.

وقد جعل الله معيار صدق من ادعى الإيمان به وادعى محبته ومحبة دينه ومحبة رسوله صلى الله عليه وسلم، اتباع ما جاء به هذا الرسول من عند ربه، فقال تعالى: {قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله ويغفر لكم ذنوبكم}. آل عمران: 31.

و شبه سبحانه من اتبع ما جاء به رسوله في الاهتداء والصلاح بالبصير، وشبه من لا يتبعه في الضلال والفساد بالأعمى، فقال تعالى: {قل لا أقول لكم عندي خزائن الله ولا أعلم الغيب ولا أقول إني ملك إن أتبع إلا ما يوحى إلي قل هل يستوي الأعمى والبصير أفلا تتفكرون}. الأنعام: 5.
الإيمان هو الأساس (دروس في الإيمان) %D8%AE%D9%84%D9%81%D9%8A%D8%A7%D8%AA-%D8%A2%D9%8A%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D9%83%D8%B1%D8%B3%D9%8A-%D9%85%D9%83%D8%AA%D9%88%D8%A8%D8%A9-2
(69)

أثر الإيمان بالرسول في صلاح الأمة
الإسلام هو دين الحق، والقرآن والسنة هما الهدى، وهما-بعد بعثة الرسول صلى الله عليه وسلم-سبيل هداية البشر إلى هذا الدين، والذي جاء بهما من عند الله هو هذا الرسول الكريم، فلا مصدر لدين الحق إلا القرآن والسنة، وبدين الحق ومصدره يكون الصلاح، وبغيرهما-مما يخالفهما- يكون الفساد، لأن الكتاب والسنة من وحي الله، و كل مصدر يخالفهما فهو من وحي الشيطان.

فالرسول صلى الله عليه وسلم هو وحده الواسطة بين الله وبين خلقه في تبليغ دينه وهداه، فاتباعه فرض، وهو سبب صلاح الأمة، وجميع السبل المخالفة لسبيله يجب اطراحها وتركها والبعد عنها وإن أسخط ذلك كل الناس، لأن سلوك تلك السبل وإرضاء أهلها به يسخط الله ويكون سببا في شقاء الأمة وفسادها.

قال تعالى: {إنا أرسلناك بالحق بشيرا ونذيرا ولا تسأل عن أصحاب الجحيم ولن ترضى عنك اليهود ولا النصارى حتى تتبع ملتهم قل إن هدى الله هو الهدى ولئن اتبعت أهواءهم من بعد ما جاءك من العلم ما لك من الله من ولي ولا نصير}. البقرة: 119-120.

وقال تعالى: {أ لم ذلك الكتاب لا ريب فيه هدى للمتقين الذين يؤمنون بالغيب ويقيمون الصلاة ومما رزقناهم ينفقون والذين يؤمنون بما أنزل إليك وما أنزل من قبلك وبالآخرة هم يوقنون ألئك على هدى من ربهم وألئك هم المفلحون}. البقرة: 1-5. فرتب سبحانه فلاح هذه الأمة على الإيمان بما جاء به الرسول والاهتداء به والعمل بمقتضاه، ويترتب على اتباع الأمة لهدي رسولها صلى الله عليه وسلم، أن تكون في زمرة دعاة الهدى والصلاح، كما قال تعالى: {ومن يطع الله والرسول فأولئك مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا}. النساء: 69.

ويترتب على اتباع الرسول، صلى الله عليه وسلم اجتماع كلمة الأمة ووحدتها وسلامتها من التنازع والفشل، لاعتصامها بحبل الله، وردها ما اختلفت فيه إلى الله ورسوله، قال تعالى: {واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا واذكروا نعمة الله عليكم إذ كنتم أعداء فألف بين قلوبكم فأصبحتم بنعمته إخوانا وكنتم على شفا حفرة من النار فأنقذكم منها كذلك يبين الله لكم آياته لعلكم تهتدون}. آل عمران:103.

وقال تعالى: {يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر ذلك خير وأحسن تأويلا}. النساء: 59.

وباتباع الرسول صلى الله عليه وسلم يحبب الله إلى الأمة إيمانها بربها ورسولها ويزينه في قلوبها، ويجعلها أمة صلاح وفلاح وهدى ورشاد، ويكره إليها الكفر والفسوق والعصيان كما قال تعالى: {واعلموا أن فيكم رسول الله لو يطيعكم في كثير من الأمر لعنتم ولكن الله حبب إليكم الإيمان وزينه في قلوبكم وكره إليكم الكفر والفسوق والعصيان أولئك هم الراشدون فضلا من الله ونعمة والله عليم حكيم} الحجرات: 7-8.

ولقد أجمل الله تعالى وصف أتباع محمد صلى الله عليه وسلم معه في آية واحدة بما يظهر عزتهم وعلو قدرهم على من سواهم، وتعاونهم وتراحمهم فيما بينهم، وقوة تماسكهم، والغاية التي يسعون إلى تحقيقها في حياتهم وعبادتهم وأعمالهم الصالحة كلها التي أصلح الله بها شأنهم في الدنيا والآخرة، وهذه الأمور تكاد تكون مفقودة اليوم في حياة غالب هذه الأمة.

وسبب وجودها في أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومن سار على دربهم إنما هو اتباعهم للرسول صلى الله عليه وسلم، وسبب فقدها أو فقد أكثرها في هذه الأمة اليوم إنما هو عدم اتباعها له، قال تعالى: {محمد رسول الله والذين آمنوا معه أشداء على الكفار رحماء بينهم تراهم ركعا سجدا يبتغون فضلا من الله ورضوانا سيما هم في وجوههم من أثر السجود ذلك مثلهم في التوراة ومثلهم في الإنجيل كزرع أخرج شطأه فآزره فاستغلظ فاستوى على سوقه يعجب الزراع ليغيظ بهم الكفار وعد الله الذين آمنوا وعملوا الصالحات منهم مغفرة وأجرا عظيما}. الفتح: 29.
الإيمان هو الأساس (دروس في الإيمان) %D8%AE%D9%84%D9%81%D9%8A%D8%A7%D8%AA-%D8%A2%D9%8A%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D9%83%D8%B1%D8%B3%D9%8A-%D9%85%D9%83%D8%AA%D9%88%D8%A8%D8%A9-2
(70)

الإيمان باليوم الآخر
إن مما يلفت الانتباه إلى خطر الإيمان باليوم الآخر وأهميته ومنزلته عند الله تعالى أنه عز وجل جعله قرين الإيمان به، سلبا وإيجابا في آيات كثيرة جدا من كتابه الكريم، وكذلك ورد في سنة الرسول صلى الله عليه وسلم.

ذلك أن الله تعالى خلق البشر في هذه الحياة ليبلوهم أيهم أحسن عملا، وخلق الآخرة ليجزي الذين أحسنوا بالحسنى، ويجزي الذين أساءوا بالسوأى.

فالإيمان باليوم الآخر له أثر عظيم في حياة الإنسان يثمر الصلاح، وعدم الإيمان باليوم الآخر له أثر كذلك في حياته، يثمر الفساد، كما سيأتي.

قال تعالى: {إن الذين آمنوا والذين هادوا والنصارى والصابئين من آمن بالله واليوم الآخر وعمل صالحا فلهم أجرهم عند ربهم ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون}. البقرة: 62.

وقال تعالى: {ولا يحل لهن أن يكتمن ما خلق الله في أرحامهن إن كن يؤمن بالله واليوم الآخر}. البقرة: 228.

وقال تعالى:{ذلك يوعظ به من كان منكم يؤمن بالله واليوم الآخر}. البقرة 232.

وقال تعالى: {ليسوا سواء من أهل الكتاب أمة قائمة يتلون آيات الله آناء الليل وهم يسجدون يؤمنون بالله واليوم الآخر ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ويسارعون في الخيرات وأولئك من الصالحين}. آل عمران:113-114.

وقال تعالى: {لكن الراسخون في العلم منهم والمؤمنون يؤمنون بما أنزل إليك وما أنزل من قبلك والمقيمين الصلاة والمؤتون الزكاة والمؤمنون بالله واليوم الآخر أولئك سنؤتيهم أجرا عظيما}. النساء: 162.

وغير ذلك من الآيات التي ورد فيها ذكر الإيمان باليوم الآخر مقترنا بالإيمان بالله في الإثبات.

ومن الآيات التي ذكر فيها الإيمان باليوم الآخر مقترنا بالإيمان بالله في النفي، قوله تعالى: {ومن الناس من يقول آمنا بالله وباليوم الآخر وما هم بمؤمنين} البقرة: 8.

وقوله تعالى: {يا أيها الذين آمنوا لا تبطلوا صدقاتكم بالمن والأذى كالذي ينفق ماله رئاء الناس ولا يؤمن بالله واليوم الآخر}. البقرة: 26.

وقوله تعالى: {ومن يكفر بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر فقد ضل ضلالا بعيدا}. النساء: 136.

وقوله تعالى: {قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر}. التوبة: 5

وقال تعالى: {لا يستأذنك الذين يؤمنون بالله واليوم الآخر أن يجاهدوا بأموالهم وأنفسهم والله عليم بالمتقين إنما يستأذنك الذين لا يؤمنون بالله واليوم الآخر وارتابت قلوبهم فهم في ريبهم يترددون}. التوبة: 44-45 [وفي هاتين الآيتين اجتمع النفي والإثبات في اقتران الإيمان باليوم الآخر بالإيمان بالله]

وأما الأحاديث فهي أيضا كثيرة، ومنها: حديث أبي شريح، رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال (إن مكة حرمها الله، ولم يحرمها الناس، فلا يحل لامرئ يؤمن بالله واليوم الآخر أن يسفك بها دما، ولا يعضد بها شجرا). [البخاري (2/35)]

ومنها: حديث أبي هريرة، رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يؤذي جاره، واستوصوا بالنساء خيرا) [البخاري (6/145)]

ومنها حديث أبي سعيد الخدري، رضي الله عنه، قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا يبغض الأنصار رجل يؤمن بالله واليوم الآخر). [مسلم: (1/86)]
الإيمان هو الأساس (دروس في الإيمان) %D8%AE%D9%84%D9%81%D9%8A%D8%A7%D8%AA-%D8%A2%D9%8A%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D9%83%D8%B1%D8%B3%D9%8A-%D9%85%D9%83%D8%AA%D9%88%D8%A8%D8%A9-2
(71)

الإيمان باليوم الآخر يدفع إلى طاعة الله
اليوم الآخر هو اليوم الذي يجزي فيه الخالق خلقه على ما قدموا في حياتهم الدنيا {فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره} الزلزلة:7-8

يعلم المؤمن باليوم الآخر أن فيه من النعيم لأهل الطاعة والصلاح، ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر، وأن فيه من العذاب الدائم لأعداء الله الكافرين ما لا يحيط به إلا وصف الخالق جل وعلا، وأن فيه من عذاب الفساق والعصاة من المسلمين-ما لم تنلهم مغفرة الله ابتداء-ما يناسب ذنبهم عند الله تعالى .

وعلم المؤمن باليوم الآخر-وهو العلم الذي جاء به الرسول عن ربه-يدفعه، رغبا في رضا الله وثوابه، وهربا من سخط الله وعقابه، إلى المثابرة على العمل الصالح الذي يرضي به الله وينال به جزيل ثوابه، وإلى الابتعاد عن عمل السيئات الذي يسخط به الله وينال أليم عقابه، فلا يعمل إلا الخير والصلاح، وإذا ما زل وعصى ربه سارع إلى التوبة والإنابة إلى الله نادما مقلعا عازما على عدم العودة إلى الذنب، فهو دائما في رغب وطلب، ورهب وهرب.

إن المؤمن باليوم الآخر يعلم أن عليه حقوقا لربه يجب أن يؤديها، وهي فعل الأوامر وترك المناهي، وأن عليه حقوقا لأسرته، وحقوقا لجيرانه، وحقوقا للأمة يجب علي أن يؤديها، فيعطي كل ذي حق حقه، ويعلم أن هناك مظالم يجب أن يحذر الوقوع فيها، وأن الله تعالى-إذا لم يؤد تلك الحقوق ويبتعد عن تلك المظالم في الدنيا سيحاسبه عليها في الآخرة، فإذا أدى الحقوق وترك المظالم في الدنيا-نال رضا الله وثوابه في ذلك اليوم، فهو بهذا الإيمان يحاسب نفسه على ما يأتي ويذر في خلوته عن الناس وجلوته، وذلك ما يثمر الصلاح في حياة الفرد والأسرة والأمة، والحاكم والمحكوم، لأن الجميع يراقب الله في أعماله، ويتصور وقوفه بين يدي ربه يوم الجزاء والحساب، ويعلم أنه إذا لم ينل جزاءه اليوم فسينال جزاءه غدا، كما يقتضي ذلك العدل الإلهي.

تأمل الآيات الكريمة الآتية الدالة دلالة واضحة على أن الإيمان باليوم الآخر ركن ركين في دفع العبد إلى طاعة الله وبعد ه عن معصيته، وأنه يحقق صلاح الفرد والأسرة والأمة بإعطاء كل ذي حق حقه.

قال تعالى: {ليس البر أن تولوا وجوهكم قبل المشرق والمغرب ولكن البر من آمن بالله واليوم الآخر والملائكة والكتاب والنبيين وآتى المال على حبه ذوي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل والسائلين وفي الرقاب وأقام الصلاة وآتى الزكاة والموفون بعهدهم إذا عاهدوا والصابرين في البأساء والضراء وحين البأس أولئك الذين صدقوا وأولئك هم المتقون}. البقرة: 172.

وقال تعالى: {ليسوا سواء من أهل الكتاب أمة قائمة يتلون آيات الله آناء الليل وهم يسجدون يؤمنون بالله واليوم الآخر ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ويسارعون في الخيرات وأولئك من الصالحين}. آل عمران: 113-114.

وقال تعالى: {والمطلقات يتربصن بأنفسهن ثلاثة قروء ولا يحل لهن أن يكتمن ما خلق الله في أرحامهن إن كن يؤمن بالله واليوم الآخر}. البقرة: 228.

وقال تعالى: {إنما يعمر مساجد الله من آمن بالله واليوم الآخر وأقام الصلاة وآتى الزكاة ولم يخش إلا الله فعسى أولئك أن يكونوا من المهتدين} النوبة 18

وقال تعالى: {لا يستأذنك الذين يؤمنون بالله واليوم الآخر أن يجاهدوا بأموالهم وأنفسهم والله عليم بالمتقين إنما يستأذنك الذين لا يؤمنون بالله واليوم الآخر وارتابت قلوبهم فهم في ريبهم يترددون}.التوبة:44،45

وقال تعالى:{فإذا جاءت الطامة الكبرى يومئذ يتذكر الإنسان ما سعى وبرزت الجحيم لمن يرى فأما من طغى وآثر الحياة الدنيا فإن الجحيم هي المأوى وأما من خاف مقام ربه ونهى النفس عن الهوى فإن الجنة هي المأوى}.النازعات: 34-41.

تصور! لو أن كل فرد من أفراد البشر قام بعبادة ربه حق القيام، وأطاع الله ورسوله، وأدى ما وجب عليه من حقوق أسرته: الزوج والولد والوالد والإخوة والأقارب كلهم، وأدى الجار حق جاره، ومن ذلك أمن بعضهم بوائق بعض، وأدى ولاة الأمر حقوق رعيتهم، وأدت الرعية حقوق ولاة الأمر، وابتعد الجميع عن ظلم بعضهم بعضا، ووفى كل ذي عهد وميثاق بعهده وميثاقه: الأفراد والأسر والدول، لا فرق عند المسلم في ذلك بين مسلم وكافر، كل ذلك من أجل مراقبة الله الذي سيحاسب كل واحد على ما قدم، فيجزي المحسن بإحسانه والمسيء بإساءته، تصور لو حصل هذا كيف سيكون حال الأمة الإسلامية في الأرض؟! بل حال كل الأمم في الأرض عندما يرون الحياة الإسلامية مطبقة في بلاد المسلمين، إنهم سيرون الصلاح الذي ينشدونه ويبحثون عنه في مناهج البشر وقوانينهم فلم يعثروا عليه هناك!

فالإيمان باليوم الآخر من الأسس التي إذا وجدت وجد الخير والصلاح، وإذا فقدت فقد الخير والصلاح، ووجد الشر والفساد.

والسبب في ذلك أن المؤمن باليوم الآخر ينتظر في ذلك اليوم لقاء الله وجزاءه وعدله، فيعمل الخير ولو كرهته نفسه وشق عليه فعله، ويترك الشر ولو تاقت إليه نفسه وصعب عليه تركه، ناظرا إلى ما يستقبله هناك من رضا ربه وثوابه الدائم، مقابل ما فاته في حياة الزوال.
الإيمان هو الأساس (دروس في الإيمان) %D8%AE%D9%84%D9%81%D9%8A%D8%A7%D8%AA-%D8%A2%D9%8A%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D9%83%D8%B1%D8%B3%D9%8A-%D9%85%D9%83%D8%AA%D9%88%D8%A8%D8%A9-2
(72)

عدم الإيمان باليوم الآخر يدفع إلى المعصية
أما الذين لا يؤمنون باليوم الآخر، فلا هم لهم غير الحياة الدنيا، غايتهم التمتع فيها بكل ما تصل إليه أيديهم، من مطعم ومشرب، ومركب ومسكن، وجاه ومنصب، وعلو وتكبر واستعباد للخلق، يريدون فقط إشباع شهواتهم واتباع أهوائهم، إذ أنهم لعدم إيمانهم باليوم الآخر يرون حياتهم على الأرض قصيرة مهما طالت أعمارهم، فيحاولون اهتبال الفرص المتاحة لهم لإشباع نفوسهم التي لا تشبع، وتحقيق رغباتهم التي لا تنقطع، من ملذات الدنيا الجسدية بدون قيد، إلا قيد العجز عما يشتهون، لذلك تراهم يتخذون كل وسيلة للإفساد في الأرض، ويحاربون الله ورسله، ويصدون عن سبيل الله، لأن منهج الله الذي جاءت به الرسل يحول بينهم وبين الفساد في الأرض، وإذا حاربوا منهج الله اعتدوا على كل ضرورات الحياة: الدين، والنفس، والنسل والعقل، والمال، وكل ما يكملها من حاجيات وتحسينيات، وسلكوا سبل الشيطان وصدوا عن سبيل الرحمان يغيظهم الإيمان، ويسرهم الكفر والفسوق والعصيان، يرتكبون الفواحش وينشرونها ويؤيدون أهلها، ويبتعدون عن محاسن الأخلاق ويحاربونها ويناصرون كل من ناوأها، ذلك أنهم لا ينتظرون في ظنهم بعد الموت نعيما ولا عذابا، وهو ظن خاطئ انبنى عليه العيث في الدنيا فسادا، ولهم في الآخرة عذاب أليم.

ولنتأمل بعض الآيات التي تدل على اختلال موازين من لا يؤمنون بالآخرة، فمن طبيعتهم الظلم والانحراف عن سبيل الله والصد عنها وسعيهم في عدم استقامة الناس عليها.

قال تعالى: {فأذن مؤذن بينهم أن لعنة الله على الظالمين الذين يصدون عن سبيل الله ويبغونها عوجا وهم بالآخرة كافرون}. الأعراف: 44-45.

وقال تعالى: {ومن أظلم ممن افترى على الله كذبا أولئك يعرضون على ربهم ألا لعنة الله على الظالمين الذين يصدون عن سبيل الله وهم بالآخرة هم كافرون}. هود: 18-19.

وقال تعالى: {وإن الذين لا يؤمنون بالآخرة عن الصراط لنا كبون}. المؤمنون: 74.

والذين لا يؤمنون باليوم الآخر هم أتباع أعداء الأنبياء من شياطين الإنس والجن، إذ يصغون إلى كذبهم وافترائهم وتزيينهم للباطل الذي يصد عن دعوة رسل الله عليهم الصلاة والسلام، كما قال تعالى: {وكذلك جعلنا لكل نبي عدوا شياطين الإنس والجن يوحي بعضهم إلى بعض زخرف القول غرورا ولو شاء ربك ما فعلوه فذر هم وما يفترون ولتصغى إليه أفئدة الذين لا يؤمنون بالآخرة وليرضوه وليقترفوا ما هم مقترفون}. الأنعام: 12-13.

ويكفي من لا يؤمن باليوم الآخر فسادا واختلالا في ميزان حياته أن يشمئز قلبه من توحيد الله ويطمئن إلى الشرك به.

قال تعالى: {وإذا ذكر الله وحده اشمأزت قلوب الذين لا يؤمنون بالآخرة وإذا ذكر الذين من دونه إذا هم يستبشرون}الزمر: 45.

وقال تعالى: {ولا تتبع أهواء الذين كذبوا بآياتنا والذين لا يؤمنون بالآخرة وهم بربهم يعدلون}. الأنعام: 150.

وقال تعالى: {أفرأيت من اتخذ إلهه هواه وأضله الله على علم وختم على سمعه وقلبه وجعل على بصره غشاوة فمن يهديه من بعد الله أفلا تذكرون وقالوا ما هي إلا حياتنا الدنيا نموت ونحيا وما يهلكنا إلا الدهر وما لهم بذلك من علم إن هم إلا يظنون-إلى قوله تعالى-وإذا قيل إن وعد الله حق والساعة لا ريب فيها قلتم ما ندري ما الساعة إن نظن إلا ظنا وما نحن بمستيقنين وبدا لهم سيئات ما عملوا وحاق بهم ما كانوا به يستهزئون وقيل اليوم ننساكم كما نسيتم لقاء يومكم هذا ومأواكم النار وما لكم من ناصرين}. الجاثية: 23-34.
الإيمان هو الأساس (دروس في الإيمان) %D8%AE%D9%84%D9%81%D9%8A%D8%A7%D8%AA-%D8%A2%D9%8A%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D9%83%D8%B1%D8%B3%D9%8A-%D9%85%D9%83%D8%AA%D9%88%D8%A8%D8%A9-2
(73)

شبهة شيطا نية

تمهيد
إن ما سبق من النصوص القرآنية والأحاديث النبوية في موضوع الإيمان باليوم الآخر، لا تدع مجالا للشك في أن الإيمان باليوم الآخر أصل من أصول الإيمان التي لا يصح إيمان العبد إلا بها، وهذا مما أجمعت عليه الأمة، وعلم من الدين بالضرورة، فمن ادعى الإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله وأنكر الإيمان باليوم الآخر وما فيه من الجزاء، من جنة ونار، وغير ذلك مما وردت به نصوص القرن والسنة، فليس بمؤمن -في الحقيقة-لأن الله الذي يدعي أنه مؤمن به، قد قرن الإيمان باليوم الآخر بالإيمان به، كما سبق.

وإذا أنكر الإيمان باليوم الآخر غير المسلم، فالأصل في مجادلته أن تقام عليه الحجة في موضوع الإيمان بالغيب جملة، وفي مقدمة ذلك الإيمان بالله وبكتابه وبرسوله صلى الله عليه وسلم، فإذا آمن بالقرآن لزمه الإيمان بكل ما أخبر به القرآن، ومنه الإيمان باليوم الآخر.

أما أن ينكر الإيمان باليوم الآخر من يدعي الإيمان بالله تعالى وبالرسول صلى الله عليه وسلم، وبالقرآن، أي يزعم أنه من المسلمين، فهذا ممن يؤمن ببعض القرآن ويكفر ببعض، ولا إيمان لمن لم يؤمن بالقرآن كله.

عبارة فاسدة (ما عبدتُ الله خشية من عذابه، ولا طمعا في جنته)
ولقد بالغ بعض العلماء- حرصا منهم على أن يخلص المسلم عبادته لله تعالى-فأطلقوا عبارات يخالف ظاهرها الكتاب والسنة، ولكنهم لم يقصدوا-أبدا-التشكيك في الإيمان باليوم الآخر، وإنما قصدوا إخلاص العبادة لله، بحيث لا يلتفت المسلم في عبادته لربه إلى أي شيء من حظوظ نفسه، حتى ولو كان ذلك الحظ هو الرغبة في الجنة والخوف من النار.

ومن أشهر العبارات الشائعة المتناقلة في هذا الباب، العبارة المنسوبة إلى رابعة العدوية، وقد سألها الثوري: ما حقيقة إيمانك؟ فقالت: (ما عبدت الله خوفا من ناره ولا حبا لجنته، فأكون كالأجير السوء، بل عبدته حبا له وشوقا إليه). [إحياء علوم الدين (4/310)]

وقد اعتبر الهروي هذا المعنى من تعظيم حر مات الله حيث قال: (وهي على ثلاث درجات. الدرجة الأولى تعظيم الأمر والنهي، لا خوفا من عقوبة فتكون خصومة للنفس، ولا طلبا للمثوبة فيكون مستشرفا للأجرة..) [مدارج السالكين (2/75)]

ولهذا المعنى أيضا جعل(الرجاء أضعف منازل المريدين..[ نفس المرجع (2/37)]..)
الإيمان هو الأساس (دروس في الإيمان) %D8%AE%D9%84%D9%81%D9%8A%D8%A7%D8%AA-%D8%A2%D9%8A%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D9%83%D8%B1%D8%B3%D9%8A-%D9%85%D9%83%D8%AA%D9%88%D8%A8%D8%A9-2
(74)

أثران خطيران يترتبان على هذه العبارة :

الأثر الأول: أنها تخالف ما دلت عليه نصوص القرآن والسنة، وتزهد في منهج الأنبياء والرسل عليهم الصلاة والسلام، في الخوف من عذاب الله والرجاء في ثوابه.

بعض الآيات الدالة على بطلان تلك العبارات

فقد دلت آيات القرآن الكريم على مدح من اتصف بالخوف من الله وخشيته والخوف من عذابه، وأن ذلك من صفات عباده الصالحين من الأنبياء وأتباعهم، بل من صفات الملائكة المقربين، وقصر سبحانه خشيته على العلماء به، وذكر تعالى أن من مقاصد إنزال القرآن على رسول صلى الله عليه وسلم تذكرة من يخشاه عز وجل، وهذا كثير جدا في القرآن العظيم.

خشية الله والخوف منه ومن عذابه

قال تعالى: {ومن يطع الله ورسوله يخش الله ويتقه فأولئك هم الفائزون}. النور: 52.

فقد رتب الفوز على ثلاثة أمور: أحدها خشية الله. فخشية الله من صفات الفائزين من عباده.

وقال تعالى: {طه ما أنزلنا عليك القرآن لتشقى إلا تذكرة لمن يخشى}. طه:1-3

وقال تعالى: {إنما يخشى الله من عباده العلماء}.فاطر: 28.

وقال تعالى: {أفمن يعلم أنما أنزل إليك من ربك الحق كمن هو أعمى إنما يتذكر أولو الألباب الذين يوفون بعهد الله ولا ينقضون الميثاق والذين يصلون ما أمر الله به أن يوصل ويخشون ربهم ويخافون سوء الحساب}. الرعد: 19-21.

فقد أثنى الله على عباده العلماء العقلاء بخشيته وخوف سوء الحساب يوم القيامة.

وقال تعالى: {ولقد آتينا موسى وهارون الفرقان وضياء وذكرا للمتقين الذين يخشون ربهم بالغيب وهم من الساعة مشفقون}. الأنبياء: 48-49

وقال تعالى: {الذين يبلغون رسالات الله ويخشونه ولا يخشون أحدا إلا الله}. الأحزاب:39.

وهذا ثناء على رسل الله عليهم الصلاة والسلام.

وقال تعالى: {ولله يسجد ما في السماوات وما في الأرض من دابة والملائكة وهم لا يستكبرون يخافون ربهم من فوقهم ويفعلون ما يؤمرون}. النحل:49-5وهذه في الملائكة.

وقال تعالى: {أولئك الذين يدعون يبتغون إلى ربهم الوسيلة أيهم أقرب ويرجون رحمته ويخافون عذابه إن عذاب ربك كان محذورا}. الإسراء: 57. واسم الإشارة (أولئك)يعود إلى (النبيين) في آية سابقة.

وقال تعالى: {رجال لا تلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكر الله وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة يخافون يوما تتقلب فيه القلوب والأبصار}. النور: 37.

وذكر تعالى من صفات الأبرار {و يخافون يوما كان شره مستطيرا}.الإنسان: 7

وأمر الله تعالى رسوله صلى الله عليه وسلم، أن يذكر بالقرآن من يخاف وعيده، كما قال تعالى: {نحن أعلم بما يقولون وما أنت عليهم بجبار فذكر بالقرآن من يخاف وعيد}.ق:45. والذين يخافون وعيده هم المؤمنون بالغيب، ومنه الآخرة.
الإيمان هو الأساس (دروس في الإيمان) %D8%AE%D9%84%D9%81%D9%8A%D8%A7%D8%AA-%D8%A2%D9%8A%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D9%83%D8%B1%D8%B3%D9%8A-%D9%85%D9%83%D8%AA%D9%88%D8%A8%D8%A9-2
(75)

رجاء لقاء الله
ومن صفات عباد الله الصالحين : رجاء لقاء الله ورجاء ثوابه في جنته في اليوم الآخر

قال تعالى في الرجاء: {فمن كان يرجو لقاء ربه فليعمل عملا صالحا ولا يشرك بعبادة ربه أحدا}.الكهف: 110.

وقال تعالى: {من كان يرجو لقاء الله فإن أجل الله لآت}. العنكبوت: 5

وقال تعالى: {لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة لمن كان يرجو الله واليوم الآخر وذكر الله كثيرا}. الأحزاب: 21.

فقد قرن تعالى رجاء اليوم الآخر برجائه. والمقصود رجاء النعيم الكامل الذي وعد الله به عباده في الجنة.

وقد أمر الأنبياء قومهم برجاء اليوم الآخر، كما قال تعالى: {وإلى مدين أخاهم شعيبا فقال يا قوم اعبدوا الله وارجوا اليوم الآخر ولا تعثوا في الأرض مفسدين}. العنكبوت: 36.

وفرق تعالى بين من جمع بين من رجا رحمته وحذر الآخرة فاستعد لذلك بطاعة الله، وبين من فقد ذلك، فجعل الأول من أهل العلم والعقول، وجعل الثاني من الذين لا يعلمون، وهما لا يستويان في ميزان الله، قال تعالى: {أمن هو قانت آناء الليل ساجدا وقائما يحذر الآخرة ويرجو رحمة ربه قل هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون إنما يتذكر أولو الألباب}. الزمر: 9
الإيمان هو الأساس (دروس في الإيمان) %D8%AE%D9%84%D9%81%D9%8A%D8%A7%D8%AA-%D8%A2%D9%8A%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D9%83%D8%B1%D8%B3%D9%8A-%D9%85%D9%83%D8%AA%D9%88%D8%A8%D8%A9-2
(76)

ترغيب الصالحين في الجنة
وقال تعالى -مرغبا عباده في الجنة ومشوقا لهم إليها-: {والله يدعو إلى الجنة والمغفرة بإذنه}. البقرة:221.

وقال تعالى: {وسارعوا إلى مغفرة من ربكم وجنة عرضها السماوات والأرض أعدت للمتقين}. آل عمران: 133.

وقال تعالى: {سابقوا إلى مغفرة من ربكم وجنة عرضها كعرض السماء والأرض أعدت للذين آمنوا بالله ورسله ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء والله ذو الفضل العظيم}. الحديد: 21.

وقال تعالى: {إن الله اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم بأن لهم
الجنة}. التوبة: 111.

وقال تعالى: {مثل الجنة التي وعد المتقون فيها أنهار من ماء غير آسن وأنهار من لبن لم يتغير طعمه وأنهار من خمر لذة للشاربين وأنهار من عسل مصفى ولهم فيها من كل الثمرات ومغفرة من ربهم كمن هو خالد في النار وسقوا ماء حميما فقطع أمعاءهم}.محمد: 15.

وفي سورة الرحمان أوصاف عظيمة مشوقة إلى الجنة.

تخويف الله عباده من نار جهنم
وأنذر سبحانه من كفر به وعصاه بعذاب نار جهنم في آيات كثيرة من كتابه، تخويفا لهم من كفرهم وعصيانهم.

قال تعالى: {وإذا قيل له اتق الله أخذته العزة بالإثم فحسبه جهنم}. البقرة:206

وقال تعالى: {أفمن اتبع رضوان الله كمن باء بسخط من الله ومأواه جهنم وبئس المصير}. آل عمران: 162.

وقال تعالى: {ومن يقتل مؤمنا متعمدا فجزاؤه جهنم خالدا فيها وغضب الله عليه ولعنه وأعد له عذابا عظيما}. النساء: 93.

وقال تعالى: {الذين يأكلون الربا لا يقومون إلا كما يقوم الذي يتخبطه الشيطان من المس ذلك بأنهم قالوا إنما البيع مثل الربا وأحل الله البيع وحرم الربا فمن جاه موعظة من ربه فانتهى فله ما سلف وأمره إلى الله ومن عاد فأولئك أصحاب النار هم فيها خالدون}. البقرة: 275.

وقال تعالى: {إن الذين يأكلون أموال اليتامى ظلما إنما يأكلون في بطونهم نارا وسيصلون سعيرا}. النساء: 10.

وأثنى سبحانه على عباده الذين يطلبون منه المغفرة والوقاية من النار، قال تعالى: {قل أؤنبئكم بخير من ذلكم للذين اتقوا عند ربهم جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها وأزواج مطهرة ورضوان من الله والله بصير بالعباد الذين يقولون ربنا إننا آمنا فاغفر لنا ذنوبنا وقنا عذاب النار}. آل عمران: 15-16.

وأمر عباده المؤمنين بأن يتقوا النار بترك معصيته، ويرجوا رحمته بطاعته وطاعة رسوله فقال تعالى: {ياأيها الذين آمنوا لا تأكلوا الربا أضعافا مضاعفة واتقوا الله لعلكم تفلحون واتقوا النار التي أعدت للكافرين وأطيعوا الله والرسول لعلكم ترحمون}. آل عمران: 130-132

وقال تعالى عن أنبيائه وعن جندهم الذين قاتلوا أعداءهم في سبيله: {وكأين من نبي قاتل معه ربيون كثير فما وهنوا لما أصابهم في سبيل الله وما ضعفوا وما استكانوا والله يحب الصابرين وما كان قولهم إلا أن قالوا ربنا اغفر لنا ذنوبنا وإسرافنا في أمرنا وثبت أقدامنا وانصرنا على القوم الكافرين فآتاهم الله ثواب الدنيا والآخرة والله يحب المحسنين}. آل عمران: 146-148.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://el-quran.ahlamontada.com
Admin
Admin
Admin


المساهمات : 4240
تاريخ التسجيل : 20/01/2018

الإيمان هو الأساس (دروس في الإيمان) Empty
مُساهمةموضوع: رد: الإيمان هو الأساس (دروس في الإيمان)   الإيمان هو الأساس (دروس في الإيمان) Emptyالجمعة فبراير 23, 2018 2:51 am

الإيمان هو الأساس (دروس في الإيمان) %D8%AE%D9%84%D9%81%D9%8A%D8%A7%D8%AA-%D8%A2%D9%8A%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D9%83%D8%B1%D8%B3%D9%8A-%D9%85%D9%83%D8%AA%D9%88%D8%A8%D8%A9-2
(77)

أحاديث ترغب في الجنة

أما الأحاديث الدالة على الترغيب في الجنة ورغبة عباد الله الصالحين فيها، فهي كثيرة، نذكر شيئا منها.

فمنها حديث أبي هريرة، رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: (انتدب الله لمن خرج في سبيله، لا يخرجه إلا إيمان بي وتصديق بر سلي، أن أرجعه، بما نال من أجر أو غنيمة، أو أدخله الجنة. ولولا أن أشق على أمتي ما قعدت خلف سرية، ولوددت أن أقتل في سبيل الله، ثم أحيا ثم أقتل ثم أحيا،ثم أقتل). [اللؤلؤ والمرجان، فيما اتفق عليه الشيخان (ص: 491) رقم الحديث: 1229. جمع محمد فؤاد عبد الباقي]

في هذا الحديث عدة دلالات:

أولاها: أن الرجل إذا خرج للجهاد في سبيل الله، لا يخرجه إلا إيمان بالله وتصديق برسله-أي إنه مخلص لله في خروجه-فإنه قد يجمع الله له بين الأجر والغنيمة، إذا قدر له الرجوع إلى أهله، وأن الغنيمة التي كتبها الله له لا تنافي إخلاصه ولا تنقص من أجره، وذكر الأجر فيه تشويق للجهاد في سبيل الله، وليس فيه منافاة للإخلاص الذي ذكر معناه في أول الحديث (لا يخرجه إلا إيمان بي وتصديق بر سلي).

ثانيتها: فيه وعد لمن كانت تلك حاله أن يدخله الله الجنة إذا استشهد في سبيل الله. وفي ذلك ترغيب للمجاهد بذلك الوعد، ولو كان ينافي الإخلاص لما رغب فيه.

ثالثتها: تعقيب الرسول صلى الله عليه وسلم على وعد الله هذا، بتمنيه أن تتكرر حياته و يتكرر قتله في سبيل الله، وكأنه صلى الله عليه وسلم يقول لأصحابه إن هذا الوعد من الله يستحق العناية والحرص، ليناله المجاهد في سبيل الله.

وكما أظهر الرسول صلى الله عليه وسلم تمنيه تكرار الحياة والشهادة في سبيل الله، فقد أخبر أن الذي يدخل الجنة من المؤمنين لا يحب مفارقتها ليرجع إلى الدنيا، لما رأى فيها من النعيم الذي لا يطمع في سواه، ماعدا الشهيد، فإنه لعظم ما رأى من الكرامة على استشهاده يحب أن يرجع إلى الدنيا ليذوق طعم تكرار الشهادة في سبيل الله.

ففي حديث أنس بن مالك، رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: (ما أحد يدخل الجنة، يحب أن يرجع إلى الدنيا، وله ما على الأرض من شيء، إلا الشهيد، يتمنى أن يرجع إلى الدنيا، فيقتل عشر مرات، لما يرى من الكرامة). [المصدر السابق (ص 492) رقم الحديث: 1232]

فإخبار الرسول صلى الله عليه وسلم أصحابه بهذه الكرامة في الآخرة وهو يحثهم بها على الجهاد في سبيل الله واضح الدلالة على تشويقهم إلى الجنة، ولو كان ذلك ينافي الإخلاص لما شوقهم هذا التشويق.

بل إن بعض أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، استعجل الشهادة في سبيل الله-وهو في وسط حلبة القتال من أجل أن يدخل الجنة في تلك اللحظة، وأقره الرسول صلى الله عليه وسلم، ولو كان ذلك ينافي الإخلاص لما أقره على ذلك.

كما في حديث جابر بن عبد الله، رضي الله عنه، قال قال رجل للنبي صلى الله عليه وسلم، يوم أحد: أرأيت إن قتلت فأين أنا؟ قال (في الجنة)، فألقى تمرات في يده، ثم قاتل حتى قتل. [نفس المصدر (ص 495) رقم الحديث: 1241]

هذا وقد وصف الرسول صلى الله عليه وسلم لأمته الجنة-مرغبا لهم فيها بالعمل الصالح، كما وصف النار محذرا لهم بها من العمل السيئ-وما ذلك إلا من أجل الرجاء والخوف، الذين هما من صفات عباد الله الصالحين، كما مضى.

فقد روى أبو هريرة، رضي الله عنه، قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (قال الله: أعددت لعبادي الصالحين ما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر). فاقرؤوا إن شئتم: {فلا تعلم نفس ما أخفي لهم من قرة أعين جزاء بما كانوا يعملون}. السجدة: 17. [المصدر السابق (ص 794) رقم الحديث: 1797.والآية ذكر منها إلى قوله {قرة أعين) وقد أكملتها لما في آخرها من كون ذلك جزاء بعملهم، وذلك دليل على عدم منافاته للإخلاص]

وأحاديث أخرى تحذر من النار

وذكر صلى الله عليه وسلم الجنة والنار، في كلمتين جامعتين للترغيب في الجنة بتعاطي الأعمال الصالحة ولو كرهتها النفس، وللتحذير من النار التي تكون الشهوات المغرية بالمعاصي سببا في دخولها.

ففي حديث أبي هريرة، رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قالSadحجبت النار بالشهوات، وحجبت الجنة بالمكاره). [نفس المصدر (ص 794) رقم الحديث: 1797. ومعنى الحديث أنه لا يوصل إلى الجنة إلا بارتكاب المكروه، ولا يوصل إلى النار إلا بارتكاب الشهوات]
الإيمان هو الأساس (دروس في الإيمان) %D8%AE%D9%84%D9%81%D9%8A%D8%A7%D8%AA-%D8%A2%D9%8A%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D9%83%D8%B1%D8%B3%D9%8A-%D9%85%D9%83%D8%AA%D9%88%D8%A8%D8%A9-2
(78)

الحق أحق أن يتبع

فهل يجوز بعد الاطلاع على هذه النصوص، من القرآن والسنة الصحيحة الدالة دلالة واضحة، على أن الله تعالى تعبد خلقه-تعبدا-بخشيته والخوف منه، وبخشية عقابه في اليوم الآخر، والخوف من النار، كما تعبدهم برجائه، ورجاء ثوابه ومغفرته وجنته، وأن عباده الصالحين من الأنبياء والرسل ومن تبعهم عبدوا الله بذلك، هل يجوز بعد هذا أن يقال: (ما عبدته خوفا من ناره، ولا حبا لجنته، فأكون كالأجير السوء، بل عبدته حبا له، وشوقا إليه)؟ أو يقالSadتعظيم الأمر والنهي، لا خوفا من العقوبة. ولا طلبا للمثوبة..)؟!

إن غاية ما يمكن أن يعتذر به لمن قال هذه العبارات وأمثالها أنهم أرادوا الخير -وهو هنا الاجتهاد في الإخلاص لله تعالى، والتجرد من شوائب حظوظ النفس غير المشروعة، ولكنهم بالغوا في ذلك مبالغة أنستهم ما دلت عليه هذه النصوص، فأدخلوا حظوظ النفس المشروعة التي تعبدها الله بها، في حظوظها غير المشروعة، وهذا اجتهاد أخطئوا فيه، نسأل الله أن يغفر لهم خطأهم، ويثيبهم على اجتهادهم.

لكن ذلك لا يسوغ لمن اطلع على هذه النصوص وغيرها مما في معناها أن يقلدهم فيما ذهبوا إليه فالحق أحق أن يتبع، وكل واحد يؤخذ من قوله ويترك إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي لا ينطق عن الهوى.
الإيمان هو الأساس (دروس في الإيمان) %D8%AE%D9%84%D9%81%D9%8A%D8%A7%D8%AA-%D8%A2%D9%8A%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D9%83%D8%B1%D8%B3%D9%8A-%D9%85%D9%83%D8%AA%D9%88%D8%A8%D8%A9-2
(79)

تعليق العلماء على هذه العبارات

قال ابن تيمية، رحمه اللهSadومن قال من هؤلاء: لم أعبدك شوقا إلى جنتك، ولا خوفا من نارك، فهو يظن أن الجنة اسم لما يتمتع فيه بالمخلوقات، والنار اسم لما لا عذاب فيه إلا ألم المخلوقات، وهذا قصور وتقصير منهم، في فهم مسمى الجنة، بل كل ما أعده الله لأوليائه فهو من الجنة، والنظر إليه هو من الجنة، ولهذا كان أفضل الخلق يسأل الله الجنة، ويستعيذ به من النار، ولما سأل بعض أصحابه عما يقول في صلاته، قال: (إني أسأل الله الجنة، وأعوذ بالله من النار أما إني لا أحسن دندنتك ولا دندنة معاذ،فقال: (حولها ندندن) [مجموع الفتاوى (10/240)]

وقال في موضع آخر: (وقد علم بالاضطرار أن طلب الجنة من الله، والاستعاذة به من النار، هو من أعظم الأدعية المشروعة لجميع المرسلين والنبيين والشهداء والصالحين، وأن ذلك لا يخرج عن كونه واجبا، أو مستحبا، وطريق أولياء الله التي يسلكونها، لا تخرج عن فعل واجبات ومستحبات، إذ ما سوى ذلك محرم أو مكروه أو مباح، لا منفعة فيه في الدين). [نفس المرجع (10/714)]

وقال ابن القيم، رحمه الله-معلقا على قول الهروي رحمه الله: (الرجاء أضعف منازل المريدين...)-: (شيخ الإسلام حبيب إلينا، والحق أحب إلينا منه، وكل من عدا المعصوم، صلى الله عليه وسلم، فمأخوذ من قوله ومتروك، ونحن نحمل كلامه على أحسن محا مله، ثم نبين ما فيه.)، وبعد أن جمل كلامه على أحسن محا مله، قال: (فأما قوله: الرجاء أضعف منازل المريدين، فليس كذلك، بل هو من اجل منازلهم وأعلاها وأشرفها، وعليه وعلى الحب والخوف مدار السير إلى الله، وقد مدح الله تعالى أهله، وأثنى عليهم). فقال: {لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة لمن كان يرجو الله واليوم الآخر وذكر الله كثيرا}. الأحزاب: 21.

وفي الحديث الصحيح الإلهي، عن النبي صلى الله عليه وسلم-فيما يروي عن ربه عز وجل-: (يا بن آدم إنك ما دعوتني ورجوتني غفرت لك على ما كان منك، ولا أبالي ..)-إلى أن قال-: (وبالجملة فالرجاء ضروري للمريد السالك، والعارف لو فارقه لحظة لتلف أو كاد، فإنه دائر بين ذنب يرجو غفرانه، وعيب يرجو إصلاحه، وعمل صالح يرجو قبوله، واستقامة يرجو حصولها ودوامها، وقرب من الله ومنزلة يرجو وصوله إليها، ولا ينفك أحد من السالكين عن هذه الأمور أو بعضها، فكيف يكون الرجاء من اضعف منازله وهذا حاله)؟!.. [مدارج السالكين باختصار شديد (2/37) وما بعدها]

وقال أبو إسحاق الشاطبي رحمه الله- ردا على من زعم منافاة قصد الجزاء على الأعمال الصالحة للإخلاص-Sadفلا يخلو أن يكون الحظ المطلوب دنيويا أو أخرويا، فإن كان أخرويا فقد أثبته الشرع، حسبما تقدم. وإذا ثبت شرعا، فطلبه من حيث أثبته صحيح، إذ لم يتعد ما حده الشارع، ولا أشرك مع الله في ذلك العمل غيره، ولا قصد مخالفته، إذ قد فهم من الشارع، حين رتب على الأعمال جزاء أنه قاصد لوقوع الجزاء على الأعمال، فصار العامل ليقع له الجزاء عاملا لله وحده على مقتضى العلم الشرعي. وذلك غير قادح في إخلاصه، لأنه علم أن العبادة المنجية والعمل الموصل ما قصد به وجه الله، لا ما قصد به غيره، لأنه عز وجل يقول: {إلا عباد الله المخلصين أولئك لهم رزق معلوم فواكه وهم مكرمون في جنات النعيم} الصافات: 40-43.

فإذا كان قد رتب الجزاء على العمل المخلص-ومعنى كونه مخلصا لا يشرك معه في العبادة غيره-فهذا قد عمل على وفق ذلك، وطلَبُ الحظ ليس بشرك، إذ لا يعبد الحظ نفسه، وإنما يعبد من بيده بذل الحظ المطلوب، وهو الله تعالى، لكن لو أشرك مع الله من ظن بيده بذل حظ ما من العباد، فهذا هو الذي أشرك، حيث جعل مع الله غيره في ذلك الطلب بذلك العمل. والله لا يقبل عملا فيه شرك. وليست مسألتنا من هذا. فقد ظهر أن قصد الحظ الأخروي، في العبادة لا ينافي الإخلاص فيها، بل إذا كان العبد عالما بأنه لا يوصله إلى حظه من الآخرة إلا الله تعالى، فذلك باعث له على الإخلاص قوي، لعلمه أن غيره لا يملك ذلك..) [الموافقات (2/215) وما بعدها]

هذا هو الأثر الأول الذي ترتب على تلك العبارة وما أشبهها، وهو مخالفتها لنصوص القرآن والسنة، وهو واضح، وقد تبين ما يمكن أن يعتذر به لأصحابها، مع عدم جواز تقليدهم في ذلك.
الإيمان هو الأساس (دروس في الإيمان) %D8%AE%D9%84%D9%81%D9%8A%D8%A7%D8%AA-%D8%A2%D9%8A%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D9%83%D8%B1%D8%B3%D9%8A-%D9%85%D9%83%D8%AA%D9%88%D8%A8%D8%A9-2
(80)

أما الأثر الثاني الخطير المترتب على تلك العبارة الفاسدة: أن بعض المنتسبين إلى الإسلام، ممن كانوا قبل دخولهم في الإسلام ينكرون اليوم الآخر، ولم يهتموا بالتفقه في الدين على من هو أهل لتفقيههم فيه، فهموا من هذه العبارات غير مراد أصحابها-وهو المبالغة في إخلاص العمل لله تعالى من شوائب حظوظ النفس، حتى ولو كانت هي الرغبة في الفوز بالجنة والخوف من عذاب النار، كما سبق-فحملوا تلك العبارات على معنى أنه لا يوجد يوم آخر، وليس هناك جنة ولا نار، وأن الذي يعمل العمل الصالح رغبة في دخول الجنة فهو عبد شهواني، لم يعبد الله وإنما عبد شهواته، كرغبته في النساء الجميلات ذات العيون الواسعة-يقصد الحور العين-وشرب الخمر، وغيرها، وأن خشية الله، ليس معناها الخوف من أنه يعاقبنا، كما يخاف المذنب من الضرب.

هذا الفهم هو الذي يعتقده/أوربي مشهور/ [هو بروفيسور: رجاء جارودي] أعلن إسلامه، وسُرَّ به المسلمون، لأنه مفكر عالمي، له اطلاع واسع على الفلسفات القديمة والحديثة، وكان ماركسيا.

وعندما قابلته حاورته في هذا الموضوع، وقد سمعت أنه ينكر الإيمان باليوم الآخر، وكنت أظن أنه يبالغ في معنى الإخلاص، كما بالغت في ذلك رابعة العدوية وغيرها، ولكن عندما ذكرت له كثرة الآيات الواردة في الإيمان باليوم الآخر، قال: هذا تمثيل وخيال، وليس بحقيقة، فليست هناك جنة ولا نار، والله ليس عنده يوم أول ويوم آخر، والجنة المذكورة في القرآن المقصود بها السعادة التي تحصل في القلب في الدنيا عندما يعمل المؤمن خيرا، والنار المذكورة في القرآن هي القلق النفسي الذي يحصل في قلب العاصي في الدنيا.

بعد نقاش طويل قال: لقد اختلفت مع محمد الغزالي وشيخ الأزهر، في هذه المسألة، وإذا صح أنه يوجد يوم آخر وتوجد جنة ونار،فليدخلوا هم الجنة وهو-أي جار ودي-يدخل النار. قال هذا مبالغة في إنكار الإيمان باليوم الآخر واحتج على صحة اعتقاده هذا بما أورده الغزالي في (إحياء علوم الدين) عن/رابعة العدوية/وغيرها، ورفض رفضا باتا التسليم لآيات القرآن الكريم بالمعنى الذي فهمته الأمة الإسلامية كلها من عهد الرسول صلى الله عليه وسلم إلى الآن.

وكان يهزأ بعلماء الإسلام الذين يثبتون الإيمان باليوم الآخر، ويرى أنهم لا يفهمون حقيقة المعنى الذي أراده الله في القرآن، وقال: كلام الله لا يجوز أن نفهمه فهما أدبيا ظاهريا، وإنما نفهم روح معانيه، وضرب مثالا للفهم الأدبي الظاهري، وهو ما فهمه بعض الصحابة من قول الله تعالى: {وكلوا واشربوا حتى يتبين لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود}، فقد فهم الصحابي الخيط على حقيقته، وهو فهم أدبي ظاهري غير صحيح، وقاس الرجل فهم الأمة الإسلامية لمعنى اليوم الآخر على هذا المثال، وأكد أن المقصود مجرد التمثيل وليس الحقيقة التي فهمها علماء المسلمين، وقال:إن/نابليون/كان ملحدا وثنيا، ولكنه كان يقول: إذا وجد شعبٌ لا توجد عدالة اجتماعية فيه وناس يشكون ويتألمون من الظلم، فيجب أن يقال لهم: إنه يوجد عالَمٌ آخر، ستكون فيه التعويضات وأداء الحقوق، حتى يهدءوا.

والظاهر أنه يقصد من ذلك مقولة الشيوعيين-وكان هو منهم ولا زال يحمل بعض أفكارهم-: إن الرأسماليين يستعملون الدين لتخدير الشعوب، حتى لا تطالب بحقوقها، بل تخضع للظلم في الدنيا، لتنال الجزاء في الآخرة.
الإيمان هو الأساس (دروس في الإيمان) %D8%AE%D9%84%D9%81%D9%8A%D8%A7%D8%AA-%D8%A2%D9%8A%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D9%83%D8%B1%D8%B3%D9%8A-%D9%85%D9%83%D8%AA%D9%88%D8%A8%D8%A9-2
(81)

تنبيهات مهمة

التنبيه الأول: أن هذا الرجل ما زال يحمل معه بعض الفلسفات المنافية للإسلام، ومنها هذا الاعتقاد الفاسد في اليوم الآخر-وذكر لي المترجم أنه أيضا لا يؤمن بالملائكة، ولكن الوقت ضاق فلم أستطع الدخول معه في النقاش حولهم-.

التنبيه الثاني: أنه استند في اعتقاده هذا على تلك العبارات التي صدرت عن بعض العلماء الذين بالغوا في معنى الإخلاص، حتى جعلوا ما تعبدنا الله به من الطمع في ثوابه والخوف من عقابه، من الشوائب وحظوظ النفس المنافية للإخلاص، فكانت تلك العبارات-مع مخالفتها لنصوص القرآن والسنة-فتنة لأمثال هذا الرجل، ولذا يجب الحرص على عدم إطلاق العبارات المخالفة للنصوص الشرعية والتمسك دائما بمنهج القرآن والسنة، وما جرى عليه الصحابة والتابعون لهم بإحسان، وبخاصة في أمور الإيمان.

لتنبيه الثالث: الواجب على من دخل في الإسلام-مهما كانت ثقافته ومنزلته الاجتماعية-أن يأخذ مبادئ الإسلام على يد علمائه، ولا يكتفي بما فهمه هو عن الإسلام، قبل الدخول في الإسلام أو بعده، لأن هذا دين جاء به وحي، وله معان ومصطلحات يفهمها علماؤه، وليس للجاهل به أن يفسره على حسب هواه ويخلط ما في هذا الدين بما في غيره من الأديان والفلسفات الأخرى، ليأتي بدين جديد ليس هو دين الإسلام حقيقة، وهذا ما حصل من هذا الرجل.
الإيمان هو الأساس (دروس في الإيمان) %D8%AE%D9%84%D9%81%D9%8A%D8%A7%D8%AA-%D8%A2%D9%8A%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D9%83%D8%B1%D8%B3%D9%8A-%D9%85%D9%83%D8%AA%D9%88%D8%A8%D8%A9-2
(82)

إطراء الداخل في الإسلام يفتنه

ويجب على المسلمين تفقيه الداخلين في الإسلام، وعدم إطرائهم، لما في ذلك من فتنتهم.

ولقد كان من أسباب فتنة هذا الرجل وغروره بذلك الفهم الفاسد، وسخريته بالعلماء الذين أرادوا أن يصححوا له إيمانه، كان من أسباب ذلك أن بعض المؤسسات الإسلامية وبعض أجهزة الإعلام، أسرعت في الإشادة به والثناء عليه، ووصفه بالمفكر الإسلامي، ودعوته إلى إلقاء محاضرات عن الإسلام، وهو حديث عهد بالإسلام، فذاع صيته، وأصبح يظن هو بنفسه أنه شيخ الإسلام، وهل لشيخ الإسلام من حاجة إلى من يعلمه الإسلام؟!

إن الذي يدخل في الإسلام يحتاج أن يدرس-بالطريقة التي تناسب موقعه من الاحترام-مبادئ الإسلام التي يدرسها أبناؤنا في المدارس الابتدائية، وليس ذلك بِغَضٍّ من حقه ولا تنقص من مقامه، بل هو من العناية به والحرص على مصلحته ليفهم دين الله على حقيقته، ولا ينبغي أن يتسرع المسلمون مع الداخلين في الإسلام هذا التسرع الذي يؤدي إلى هذه النتيجة غير المحمودة.

فقد كان زعماء القبائل الذين يفدون على رسول الله صلى الله عليه وسلم يتعلمون منه أركان الإسلام وكيفية الصلاة وبعض الفرائض، ثم يعودون ليعلموا أهلهم، ولنتأمل كيف سيكون إسلام من يدخل في الإسلام على يد أمثال من هذه عقيدته في الإيمان بالغيب [راجع فيما يتعلق بموضوع/رجاء جار ودي/كتابنا (حوارات مع مسلمين أوربيين من: ص: 195-214) فقد التقيته في باريس بتاريخ 23 محرم سنة 1408 هـ-16/9/1987 م. ولا أريد هنا مناقشة حكم إسلامه. ولكن القاعدة أن من أنكر حكما معلوما من الدين بالضرورة، كتحريم الزنى، يكفر إذا قامت عليه الحجة، فكيف بمن أنكر ركنا من أركان الدين، وأقيمت عليه الحجة، واستمر على جحوده ؟!]
الإيمان هو الأساس (دروس في الإيمان) %D8%AE%D9%84%D9%81%D9%8A%D8%A7%D8%AA-%D8%A2%D9%8A%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D9%83%D8%B1%D8%B3%D9%8A-%D9%85%D9%83%D8%AA%D9%88%D8%A8%D8%A9-2
(83)

حكم من أنكر ركنا من أركان الإيمان

أما الحكم على من أنكر ركنا من أركان الإيمان أومن أركان الإسلام، فليس بخاف على صغار طلبة العلم أنه يكون مرتدا، إذا كان من المسلمين،بل إن من أنكر حكما من أحكام الإسلام معلوما من الدين بالضرورة، كتحريم الربا، أو الخمر، أو الزنى، فإنه يكون مرتدا، فكيف بمن أنكر ركنا من أركان الإيمان؟!

ولو كان المنكر لركن من أركان الإيمان، أو غيره من أحكام الإسلام المعلومة من الدين بالضرورة حديث عهد بإسلام، ولم تقم عليه الحجة من نصوص القرآن والسنة، من قِبَل عالم من علماء الإسلام لَقِيل: ينبغي التريث في الحكم عليه حتى تقام عليه الحجة، أما أن يكون كبار علماء الإسلام قد وضحوا له الحق بدليله، ثم يصر على إنكاره ويزيد على ذلك السخرية والاستهزاء بهم، ويصرح بأنه لو صح أنهم على الحق وهو على الباطل، بأن ثبت أنه يوجد يوم آخر وتوجد جنة ونار، فإنه يؤثر هؤلاء العلماء بالجنة، ويختار هو دخول النار، فإن هذا إنكار جحود واستكبار.

واستدلاله بهذه الشبهة المخالفة لنصوص الكتاب والسنة، ما هو إلا مجرد تَتُرُّس بها، لتسويغ إنكاره، لصدورها من علماء مسلمين، ومع أنهم لم يقصدوا ما ذهب إليه من الإنكار كما مضى، فإنه ينسب إليهم ما ذهب إليه من إنكار اليوم الآخر، فقد نسب إلى الإمام الغزالي إنكار اليوم الآخر، وهو منه براء، فهو-الغزالي-بعد أن حكى قول رابعة العدوية وغيرها في كتابه/إحياء علوم الدين/، عقب على ذلك بما يأتي: (وما أرادوا بهذا إلا إيثار لذة القلب في معرفة الله تعالى على لذة الأكل والشرب والنكاح فإن الجنة معدن تمتع الحواس، فأما القلب فلذته في لقاء الله فقط). [إحياء علوم الدين (4/311).

وقوله: (فإن الجنة معدن تمتع الحواس، غير مسلم، بل هي معدن النعيم الكامل، ويدخل في ذلك: رضا الله الذي يذكر الله به عباده بعد أن يستقروا في الجنة، كما روى أبو سعيد الخدري، رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: إن الله يقول لأهل الجنة: يا أهل الجنة! فيقولون: لبيك ربنا وسعديك والخير في يديك، فيقول: هل رضيتم؟ فيقولون: وما لنا لا نرضى يا رب، وقد أعطيتنا ما لم تعط أحدا من خلقك؟ فيقول: ألا أعطيكم أفضل من ذلك؟ فيقولون يا رب وأي شيء أفضل من ذلك؟ فيقول: أحل عليكم رضوا ني فلا أسخط عليكم بعده أبدا. مسلم (4/2176) كما يدخل في ذلك رؤيتهم ربهم التي لا تكون إلا في الجنة.

فليست الجنة معدن تمتع الحواس فقط، كما ذكر الغزالي رحمه الله، وقد ذكر هو نفسه ذلك من أصناف نعيم أهل الجنة، في كتابه المذكور (4/543) وهذه هي شبهة من بالغ في معنى الإخلاص فأطلق ما أطلق من تلك العبارات المخالفة لنصوص الكتاب والسنة، وسبق رد ابن تيمية على هذا الزعم.راجع (ص 105-106)]

ولقد تكلم الغزالي، رحمه الله كلاما طويلا جميلا في صفة جهنم والتحذير منها، وفي صفة الجنة والتشويق إليها، في كتابه المذكور، وقال-وهو يصف الجنة-: (ومهما أردت أن تعرف صفة الجنة، فاقرأ القرآن، فليس وراء بيان الله تعالى بيان). [إحياء علوم الدين (4/536)، وقد بدأ الكلام على صفة جهنم.. ثم أتبعه بصفة الجنة من ص: 530-547 من نفس الجزء المذكور] فأين هو إنكار الغزالي لليوم الآخر الذي يدعيه هذا الرجل؟!

لقد أطلت في هذا المبحث، لأهميته والحاجة إلى التنبه إلى هذه الشبهة الشيطانية التي كان من نتائجها هذا الاستدلال الأعوج.
الإيمان هو الأساس (دروس في الإيمان) %D8%AE%D9%84%D9%81%D9%8A%D8%A7%D8%AA-%D8%A2%D9%8A%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D9%83%D8%B1%D8%B3%D9%8A-%D9%85%D9%83%D8%AA%D9%88%D8%A8%D8%A9-2
(84)

عوامل الإخلاص:

وما دام قصد الإخلاص هو السبب في إطلاق هذه العبارات، التي ترتبت عليها تلك الآثار الفاسدة-غير المقصودة، إن شاء الله من قائليها-فلا بد من بيان موجز للعوامل التي تعين على الإخلاص لله تعالى في الأعمال، حتى يتقبلها الله، ويرضى عن صاحبها، ويثيبه عليها، ويتلخص هذا البيان في الأمور الآتية:

الأمر الأول: أن يعلم المؤمن أن منزلة الإخلاص، منزلة عظيمة يجب الحرص على تحقيقها في كل أعماله.

ولهذا جاءت النصوص القرآنية والأحاديث النبوية الصحيحة، حاضة على الإخلاص بصيغ كثيرة متنوعة:

من ذلك أن الله تعالى قرن أمره بالعبادة عامة- بدنية، وقلبية، ومالية-بالإخلاص، وبين أن ذلك هو الدين القيم، فقال:{وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين حنفاء ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة وذلك دين القيمة}. البينة: 5.

ومن ذلك أنه تعالى أمر عابديه أن يخلصوا له الدين، و حصر الدين الذي له-وهو الدين الذي شرعه لعباده ويقبله منهم ولا يقبل غيره-في الدين الخالص، أي النقي الصافي من شوائب الشرك الأصغر، ومنه الرياء، والشرك الأكبر، فقال تعالى مخاطبا نبيه، صلى الله عليه وسلم-والأصل في خطابه دخول أمته فيه-:

{إنا أنزلنا إليك الكتاب بالحق فاعبد الله مخلصا له الدين، ألا لله الدين الخالص}. الزمر:1-2.

ومن ذلك أنه تعالى، جعل العمل الصالح -وهو ماقصدبه وجهه، وجرى على هدي نبيه صلى الله عليه وسلم-الذي يحقق رجاء لقاء الله، ما خلا من الشرك، قال تعالى:{قل إنما أنا بشر مثلكم يوحى إلي أنما إلهكم إله واحد فمن كان يرجو لقاء ربه فليعمل عملا صالحا ولا يشرك بعبادة ربه أحدا}. الكهف: 110.

ومن ذلك رده تعالى على اليهود والنصارى في دعواهم أنه لا يدخل الجنة غيرهم، فقال تعالى: {بلى من أسلم وجهه لله وهو محسن فله أجره عند ربه ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون}. البقرة: 112.ومثلها قوله تعالى: {ومن أحسن دينا ممن أسلم وجهه لله وهو محسن واتبع ملة إبراهيم حنيفا}. النساء: 125.

وإسلام الوجه لله لا يكون إلا بالاستسلام الكامل لله الخالص من شوائب الشرك به.

وقد سميت السورة القصيرة التي اشتملت على وحدانية الله تعالى في ربوبيته وألوهيته وأسمائه وصفاته، ونفت عنه الشرك بكل أنواعه، سميت بسورة الإخلاص، وهي تعدل ثلث القرآن الكريم، كما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم، [روى الحديث البخاري وغيره عن أبي سعيد الخدري، رضي الله عنه. جامع الأصول(8/485)] وهي: {قل هو الله أحد الله الصمد لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا أحد}.وكل الآيات الآمرة بالتوحيد، أو العبادة لله، أو طاعته وطاعة رسوله صلى الله عليه وسلم، هي آمرة بالإخلاص لله تعالى، لأن الله لا يقبل أي عمل إلا إذا كان خالصا له.
الإيمان هو الأساس (دروس في الإيمان) %D8%AE%D9%84%D9%81%D9%8A%D8%A7%D8%AA-%D8%A2%D9%8A%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D9%83%D8%B1%D8%B3%D9%8A-%D9%85%D9%83%D8%AA%D9%88%D8%A8%D8%A9-2
(85)

وأما الأحاديث، فهي-أيضا-كثيرة، وبأساليب متنوعة:

فأولها الإخلاص في قول كلمة التوحيد، كما في حديث أبي هريرة، رضي الله عنه، أنه قال: قيل: يا رسول الله، من أسعد الناس بشفاعتك يوم القيامة؟ قال رسول الله، صلى الله عليه وسلم: (لقد ظننت يا أبا هريرة، أن لا يسألني عن هذا الحديث أحد أولَ منك، لما رأيت من حرصك على الحديث. أسعد الناس بشفاعتي يوم القيامة، من قال: لا إله إلا الله خالصا من قلبه، أو نفسه). [البخاري، رقم: 99 (1/193) بشرح فتح الباري]

ومنها ما دل على أن الأعمال لا تقبل عند الله إلا بالنية. والمراد أن يقصد العامل بعبادته المعينة وجه الله تعالى، كحديث عمر بن الخطاب، رضي الله عنه،قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول (إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى، فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله، فهجرته إلى الله ورسوله، ومن كانت هجرته لدنيا يصيبها، أو امرأة ينكحها، فهجرته إلى ما هاجر إليه). [متفق عليه (رياض الصالحين، رقم 1 ص: 4) تحقيق/رباح والدقاق]

ولوضوح دلالة هذا الحديث على وجوب الإخلاص، افتتح به كثير من المؤلفين في الحديث كتبهم، كما فعل الإمام البخاري، رحمه الله في كتابه: الصحيح، وكما فعل النووي في رياض الصالحين.

ومنها ما صرح الله تعالى فيه بأن إشراك غيره تعالى معه في العمل يبطل ذلك العمل، ويترتب عليه أن يترك الله العامل وعمله، ومن تركه الله، فقد خسر خسرانا مبينا، ففي حديث أبي هريرة، رضي الله عنه، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم، يقول: قال الله تعالى (أنا أغنى الشركاء عن الشرك، من عمل عملا، أشرك معي فيه غيري، تركتهوشركه). [مسلم (وهو في رياض الصالحين رقم: 1614 ص:619)]

ويورد المفسرون هذا الحديث وما أشبهه عند تفسير آية الكهف السابقة:{فمن كان يرجو لقاء ربه} الآية.

وقد سئل عبادة بن الصامت، رضي الله عنه، قيل لهSadأرأيت رجلا يصلي يبتغي وجه الله، ويحب أن يحمد، ويصوم يبتغي وجه الله ويحب أن يحمد، ويتصدق يبتغي وجه الله، ويحب أن يحمد، ويحج يبتغي وجه الله، ويحب أن يحمد، فقال عبادة: {ليس له شيء! إن الله يقول: (أنا خير شريك، فمن كان له معي شريك فهو له كله، لا حاجة لي فيه) . وحذر صلى الله عليه وسلم الأمة من الشرك الخفي، وهو الرياء. [راجع تفسير القرآن العظيم، لابن كثير (3/108)]

ومنها ما دل على أن من عمل عملا فقد فيه الإخلاص، دخل النار، وهو يفسر معنى قول الله تعالى: (تركته وشركه) كما في حديث أبي هريرة، رضي الله عنه، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم، يقول: (إن أول الناس يقضى يوم القيامة عليه، رجل استشهد، فأتي به، فعرفه نعمته فعرفها، قال: فما عملت فيها؟ قال: قاتلت فيك، حتى استشهدت، قال: كذبت، ولكنك قاتلت لأن يقال جريء‍ فقد قيل. ثم أمر به فسحب على وجهه، حتى ألقي في النار. ورجل تعلم العلم وعلمه، وقرأ القرآن فأتي به، فعرفه نعمه، فعرفها، قال فما عملت فيها؟ قال: تعلمت العلم وعلمته، وقرأت فيك القرآن، قال: كذبت ولكنك تعلمت ليقال: عالم ‍، وقرأت القرآن ليقال: هو قارئ، فقد قيل، ثم أمر به، فسحب على وجهه حتى ألقي في النار. ورجل وسع الله عليه من أصناف المال، فأتي به فعرفه نعمه، فعرفها، قال فما عملت فيها؟ قال: ما تركت من سبيل تحب أن ينفق فيها، إلا أنفقت فيها لك، قال: كذبت، ولكنك فعلت ليقال: هو جواد، فقد قيل، ثم أمر به، فسحب على وجهه، حتى ألقي في النار) [مسلم، وهو في (رياض الصالحين (رقم 1615، ص: 219)]

ومنها ما دل على أن فاقد الإخلاص الذي يعمل العمل ليراه الناس كذلك، أو يقول القول، ليسمع الناس ذلك،-يعني يرائي الناس بأعماله وأقواله-أن الله تعالى يفضحه يوم القيامة على رءوس الأشهاد، فيبين للناس، أنه لم يكن يقصد بأعماله وأقواله التي رأوها أو سمعوها وجه الله وإنما كان يحب الرياء والسمعة عند الناس، كما في حديث عبد الله بن سفيان، رضي الله عنه، قال قال النبي صلى الله عليه وسلمSadمن سَمَّع سَمَّع الله به ومن يرائي يرائي الله به). [متفق عليه وهو في (رياض الصالحين، رقم: 1617، ص: 620)]

ولهذه المنزلة العظيمة للإخلاص في دين الله اهتم به عباد الله الصالحون، اهتماما عظيما، حرصا على قبول الله أعمالهم، وعدم إحباطها، وقد بالغ بعضهم في ذلك، حتى أطلقوا تلك العبارات الفاسدة، وإن كان قصدهم حسنا.

فهذه النصوص الدالة على منزلة الإخلاص العظيمة وغيرها، إذا تذكرها المؤمن أعانه تذكرها على معالجة نفسه، وأعانه الله تعالى على الإخلاص له.
الإيمان هو الأساس (دروس في الإيمان) %D8%AE%D9%84%D9%81%D9%8A%D8%A7%D8%AA-%D8%A2%D9%8A%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D9%83%D8%B1%D8%B3%D9%8A-%D9%85%D9%83%D8%AA%D9%88%D8%A8%D8%A9-2
(86)

تذكر أن النافع الضار هو الله وحده

ذلك هو الأمر الأول الدال على منزلة الإخلاص العظيمة عند الله تعالى، وهو يقتضي حرص عباد الله الصالحين على اتخاذ الأسباب التي تجعلهم يحافظون عليه، ويبتعدون عن إرادة غير الله بأعمالهم.

الأمر الثاني: أن المؤمن يجب أن يتذكر، وهو يعمل العمل أن الله تعالى وحده هو الذي ينفعه ويضره، في الدنيا والآخرة، وأن الناس كلهم، لا يقدر أحد على أن ينفعه ولا يضره، إلا إذا كان الله تعالى، قد قدر ذلك له أو عليه، فلا يغنيه أحد من فقر، ولا يشفيه أحد من مرض، ولا يمنحه أحد جاها ولا منصبا، إلا إذا كان الله قد أذن في ذلك، كما فال تعالى: {وإن يمسسك الله بضر فلا كاشف له إلا هو، وإن يردك بخير فلا راد لفضله، يصيب به من يشاء من عباده وهو الغفور الرحيم}. يونس: 107

ولو فرض أن أحدا نفع آخر بشيء فهو إنما نفعه بما أقدره الله عليه، ولا يليق بالعبد الذي أجرى الله نفعه على يد بعض خلقه أن ينسى الخالق الذي أجرى النفع على يد المخلوق، ويتعلق بالمخلوق، الذي لولا إقدار الخالق له على ذلك النفع لكان عاجزا عن نفع نفسه فضلا عن نفع غيره.

ثم إن المخلوق إذا قضى حاجة آخر بما أقدره الله-فالغالب أنه لا يقضي حاجته، إلا لغرض نفع نفسه هو، وقد يكون نفعه الذي يريده فيه مضرة على من قضى حاجته.

وقد أشار ابن القيم، رحمه الله إلى هذا المعنى-وهو حرص الناس على قضاء حاجاتهم ولو كان في ذلك ضرر على غيرهم-بقولهSadومما يبين ذلك أن غالب الخلق يطلبون إدراك حاجتهم بك، وإن كان ذلك ضررا عليك، فإن صاحب الحاجة لا يرى إلا قضاءها، فهم لا يبالون بمضرتك إذا أدركوا منك حاجتهم، بل لو كان فيها هلاك دنياك وآخرتك لم يبالوا بذلك، وهذا لو تدبره العاقل، علم أنه عداوة، فهم يريدون أن يصيروك كالكير، ينفخ بطنك، ويعصر أضلاعك، في نفعهم ومصالحهم، بل لو أبيح لهم أكلك لجزروك كما يجزرون الشاة....) [طريق الهجرتين (ص:108)]. هذا هو شأن المخلوقين مع من يعمل من أجلهم.

أما الله تعالى الذي يخلص له العبد، فإنه يسبغ نعمه التي لا تعد على عبده، وهو غني عنه، كما قال تعالى:{وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون ما أريد منهم من رزق وما أريد أن يطعمون إن الله هو الرزاق ذو القوة المتين}. الذاريات: 55-57

فإن كان يقصد من التفاته إلى غير الله في عمله، المدح والثناء، فقد لبس بذلك ثوب زور، ليس له بساتر، فقد يكشف الله للناس عورته في الدنيا، وإن ستره فيها فضحه في الآخرة يوم تبلى السرائر، وقد سبق حديث أبي هريرة في الثلاثة الذين يسحبون على وجوههم في النار، وهم قارئ القرآن، والذي استشهد في المعركة والغني الذي أنفق ماله، وقد ادَّعوا كاذبين أنهم فعلوا ذلك ابتغاء وجه الله.

وقد بين الرسول صلى الله عليه وسلم أن المدح الجميل هو مدح الله للعبد، وليس مدح الناس الذي قد يكون مدحا على منكر، وقد يكون مدحا كاذبا، فقد روى البراء بن عازب في قول الله تعالى: {إن الذين ينادونك من وراء الحجرات أكثرهم لا يعقلون}.الحجرات:4، أن رجلا قام فقال: يا رسول الله، إن حمدي زين، وإن ذمي شين، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ذاك الله) [الترمذي (5/387-388) وقال: هذا حديث حسن غريب]. أي هو الذي مدحه زين، وذمه شين.

وكما أن الرجل ينبغي له أن يتجنب محبة المدح والثناء عليه، محافظة على إخلاصه لربه، فإن الرسول صلى الله عليه وسلم، قد حذر المداحين من الإطراء،كما روى أبو موسى الأشعري رضي الله عنه، قال: سمع النبي،صلى الله عليه وسلم، رجلا، يثني على رجل ويطريه في المدحة، فقال: (أهلكتم، أو قطعتم ظهر الرجل). [متفق عليه، وهو في رياض الصالحين (رقم:1786 ص:673)]

وأَمَر صلى الله عليه وسلم أصحابه أن يحثوا التراب في وجوه المداحين، كما روى همام بن الحارث، عن المقداد، رضي الله عنه أن رجلا جعل يمدح عثمان رضي الله عنه، فعمد المقداد، فجثاعلى ركبتيه، فجعل يحثوفي وجهه الحصباء، فقال له عثمان: ما شأنك؟ فقال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: (إذا رأيتم المداحين فاحثوا في وجوههم التراب). [ مسلم، وهو في رياض الصالحين (رقم:1788 ص:674)]. وإذا كان المقداد قد حثا التراب في وجه من مدح الخليفة الثالث عثمان بن عفان، فمن هو الذي يستحق المدح والإطراء، ولا يستحق مادحه أن يُحثى في وجهه التراب؟.

فتذكر المؤمن هذا المعنى، يعينه على الإخلاص لله.

وفي حديث ابن عباس رضي الله عنهما، قال: كنت خلف النبي، صلى الله عليه وسلم يوما، فقال: (يا غلام إني أعلمك كلمات: احفظ الله يحفظك، احفظ الله تجده تجاهك، إذا سألت فاسأل الله، وإذا استعنت فاستعن بالله، واعلم أن الأمة لو اجتمعت على أن ينفعوك بشيء، لم ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك، وإن اجتمعوا على أن يضروك بشيء، لم يضروك إلا بشيء قد كتبه الله عليك، رفعت الأقلام وجفت الصحف). وفي رواية: (احفظ الله تجده أمامك، تعرف إلى الله في الرخاء، يعرفك في الشدة، واعلم أن ما أخطأك لم يكن ليصيبك، وما أصابك لم يكن ليخطئك، واعلم أن النصر مع الصبر، وأن الفرج مع الكرب، وأن مع العسر يسرا) [أحمد والترمذي، وإسناده صحيح، رياض الصالحين، رقم: 62 ص: 42)].
الإيمان هو الأساس (دروس في الإيمان) %D8%AE%D9%84%D9%81%D9%8A%D8%A7%D8%AA-%D8%A2%D9%8A%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D9%83%D8%B1%D8%B3%D9%8A-%D9%85%D9%83%D8%AA%D9%88%D8%A8%D8%A9-2
(87)

ذكر المؤمن ربه في كل أعماله

ذلك هو الأمر الثاني الذي يعين صاحبه –إذا تذكره- على الإخلاص، وهو أنه لا ينفع أحدا ولا يضره إلا الله، فلا يليق بالعبد المؤمن أن يقصد بعمله من لا ينفعه ولا يضره من الخلق.

الأمر الثالث: أن يجاهد المؤمن نفسه بذكر ربه في كل أحيانه، وبخاصة في أوقات أدائه العبادة له تعالى، سواء أكانت فرضا أم نفلا، بل لو قصد الثواب على فعل المباح أو تركه، فلا بد أن يذكر الله تعالى ذكرا، يجعله يخلص عمله له، ولا ينظر إلى ما سواه، وقد ورد هذا المعنى، أي ذكر الله بصفة عامة، كما ورد مع كل عبادة على حدة، كالصلاة، والصيام، والحج، وغيرها، بل ورد حتى في الأعمال المباحة التي قد يظن كثير من الناس أن لا صلة لها بالعبادة ولا بالإخلاص.

وجاء الحث العام على ذكره تعالى، في آيات وأحاديث كثيرة، والذي يتأمل هذا الموضوع حق التأمل، يدرك منه أن الله تعالى يريد من عبده أن يكون في عبادة دائمة لربه، بفعل الواجبات، والمندوبات، وترك المحرمات، والمكروهات، وفعل المباحات وتركها، حسب المصلحة التي تقربه إلى الله بالفعل أو الترك، وهذه هي الأحكام التكليفية الخمسة التي لا تخرج عنها أفعال المكلفين، ويدل على ذلك قول الحق جل جلاله: {قل إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين لا شريك له وبذلك أمرت وأنا أول المسلمين}. الأنعام: 162.

هذه الآية تقتضي أن تكون حركات المؤمن وسكنا ته كلها لربه تعالى، وهذه هي الحياة السعيدة التي يريدها الله لعباده.

ترغيب القرآن في الإكثار من الذكر المطلق:

فقد حث القرآن الكريم المؤمن على الإكثار من ذكر الله المطلق، غير المقيد بزمان أو مكان، ليكون المؤمن على صلة بربه في كل الأحوال، وهو أهم عامل من عوامل الإخلاص لله تعالى.

قال تعالى: {لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة لمن كان يرجو الله واليوم الآخر وذكر الله كثيرا}. الأحزاب: 21.

وقال تعالى:{والذاكرين الله كثيرا والذاكرات أعد الله لهم مغفرة وأجرا عظيما}.الأحزاب: 35.

وقال تعالى: {يا أيها الذين آمنوا اذكروا الله ذكرا كثيرا وسبحوه بكرة وأصيلا}. الأحزاب: 41.

وقال تعالى: {إن في خلق السماوات والأرض واختلاف الليل والنهار لآيات لأولي الألباب الذين يذكرون الله قياما وقعودا وعلى جنوبهم ويتفكرون في خلق السماوات والأرض ربنا ما خلقت هذا باطلا سبحانك فقنا عذاب النار}. آل عمران: 190-191.

هذه الآيات وردت بالحض على الذكر الكثير المطلق من الزمان والمكان، بمعنى أن يكثر المؤمن من ذكر الله في كل الأوقات، وهذا غير ما ورد في القرآن من ألفاظ بمعنى الذكر، وليست بلفظه، كالتسبيح والتحميد والتكبير، وغيرها، وهي كثيرة.

ترغيب السنة في الإكثار من الذكر المطلق:

وقد جاءت السنة كالقرآن مرغبة في الإكثار من الذكر المطلق، غير المقيد كذلك بزمان أو مكان .

من ذلك: حديث أبي موسى الأشعري، رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: (مثل الذي يذكر ربه والذي لا يذكره، مثل الحي والميت). [البخاري، وهو في رياض الصالحين، برقم 1432، ص: 541)]

ومن ذلك حديث أبي هريرة، رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: (يقول الله تعالى: أنا عند ظن عبدي بي، وأنا معه إذا ذكرني، فإن ذكرني في نفسه، ذكرته في نفسي، وإن ذكرني في ملأ، ذكرته في ملأ خير منهم). [متفق عليه، وهو في (رياض الصالحين، برقم 1433، ص: 541)]

ومن ذلك حديثه-أيضا-، قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (سبق المفردون) قالوا وما المفردون يا رسول الله؟ قال: {الذاكرون الله كثيرا والذاكرات} [مسلم، وهو في (رياض الصالحين، برقم: 1434، ص: 542)]

ومن ذلك حديث عبد الله بن بسر، رضي الله عنه، أن رجلا قال: يا رسول الله، إن شرائع الإسلام قد كثرت علي، فأخبرني بشيء أتشبث به. قال: (لا يزال لسانك رطبا بذكر الله). [الترمذي، وقال: حديث حسن.وهو في (رياض الصالحين، برقم: 1436، ص: 542)]

إن المؤمن الذي يكثر من ذكر ربه في كل أوقاته-والذكر ليس المراد به مجرد تحريك اللسان، وإنما المراد به ما تواطأ عليه القلب واللسان معا، وقد يكون ذكر الله بالقلب فقط كأن يهم المؤمن بمعصية، أو بترك طاعة فيذكر الله في نفسه ذكر مراقبة وإجلال فيؤب إلى ربه-إن المؤمن الذي هذه حاله لابد أن يلازمه الإخلاص لربه، بمقدار ملازمته للذكر.
الإيمان هو الأساس (دروس في الإيمان) %D8%AE%D9%84%D9%81%D9%8A%D8%A7%D8%AA-%D8%A2%D9%8A%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D9%83%D8%B1%D8%B3%D9%8A-%D9%85%D9%83%D8%AA%D9%88%D8%A8%D8%A9-2
(88)

أذكار مقيدة بأزمنة، وأمكنة، وعبادات معينة تعين المؤمن على الإخلاص لله

إن الذي يطلع على الكتب التي جمعت في أبواب الذكر خاصة، سيجد نفسه مع ربه في كل زمان ومكان، فهو في كل عباداته يذكر الله.

فالصلاة يدخل المؤمن فيها بادئا بتعظيم اللهSadالله أكبر) وهو-لو استحضره المصلي في صلاته-عاصم له من مجردا لتفكير في الالتفات إلى غير الله، فالصلاة لله العظيم الأكبر، فمن ذا الذي يستحق أن يلتفت إليه غيره؟. ثم إن الصلاة كلها ذكر لله، ابتداء من دعاء الاستفتاح إلى أن يسلم المصلي، ما بين قراءة قرآن، وتكبير، وتسبيح، ودعاء في القيام والقعود، والركوع والسجود، والرفع والخفض، ألا يكفي المؤمن ذلك داعيا لأن يخلص لله صلاته، ولا يلتفت إلى سواه؟.

إن المؤمن الذي يلتفت إلى غير الله، وهو في صلاته، يؤدي فيها أذكارها بلسانه، لا يعتبر ذاكرا لربه في حقيقة الأمر، بل هو غافل عنه ذاكر لغيره.

وقد سمى الله تعالى صلاة الجمعة وخطبتيها ذكرا، وأمر المسلمين بترك البيع، لحضورها، وأذن لهم بعد ذلك بالانتشار في الأرض، لطلب الرزق ومزاولة البيع الذي أمرهم بتركه، وأمرهم مع ذلك بالإكثار من ذكره، كما قال تعالى:{يا أيها الذين آمنوا إذا نودي للصلاة من يوم الجمعة فاسعوا إلى ذكر الله وذروا البيع ذلكم خير لكم إن كنتم تعلمون، فإذا قضيت الصلاة فانتشروا في الأرض واذكروا الله كثيرا لعلكم تفلحون}. الجمعة: 9-10.

و الحج يدخل فيه المؤمن بادئا بهذه الكلمة العظيمة: (لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك، إن الحمد والنعمة لك والملك، لا شريك لك)، ويسن للحاج الاستمرار في هذه التلبية، حتى يقضي مناسكه، وهي كافية له في إخلاص أعمال الحج لربه تعالى، فكيف وهناك أذكار يشرع للحاج قولها، في طوافه وسعيه ووقوفه، وفي كل أوقاته،وكلها مذكرة بالله وبالإخلاص له.

والصوم أشار الله تعالى إلى ما يؤدي إليه، إذا صامه المؤمن إيمانا واحتسابا، وهو تقوى الله تعالى، كما قال تعالى: {يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون}. البقرة: 183.

وهل يكون متقيا لله في صيامه من أرد به غير الله؟ ثم إن الله تعالى ذكر أنه أنزل في هذا الشهر القرآن الكريم الذي يشرع للمؤمنين الإكثار من قراءته فيه كما قال تعالى: {شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن هدى للناس وبينات من الهدى والفرقان-إلى قوله تعالى-: ولتكملوا العدة ولتكبروا الله على ما هداكم ولعلكم تشكرون}. البقرة: 185

وكثير منهم يسمعون تلاوته من أئمتهم في صلاة التراويح في المساجد، وهم يبيتون نية الصيام في كل لياليه، ويذكرون الله عندما يتسحرون، وعندما يفطرون، ألا يكفي كل ذلك في إخلاص الصائم صومه لله؟

والزكاة ذكَّر الله تعالى عبده المؤمن الذي يخرجها أنه هو الذي فرضها عليه، وأتبع ذلك بذكر اسميه {العليم الحكيم}،كما قال تعالى {إنما الصدقات للفقراء والمساكين والعاملين عليها والمؤلفة قلوبهم وفي الرقاب والغارمين وفي سبيل الله وابن السبيل فريضة من الله والله عليم حكيم}. التوبة: 60.

فالمؤمن الذي يذكر أن الزكاة فريضة من الله العليم الحكيم، ينبني على ذكره ذلك أمران:

الأول الامتثال بإخراج زكاة ماله.

والثاني: الإخلاص في إخراجها، وعدم مراعاة الناس.

والجهاد الذي قيد في عامة نصوص القرآن والسنة بـ (سبيل الله) يأمر الله القائمين به، وهم يواجهون عدوهم في المعركة بالثبات والإكثار من ذكر الله، تذكيرا لهم بذلك القيد (في سبيل الله)، كما قال تعالى: {يا أيها الذين آمنوا إذا لقيتم فئة فاثبتوا واذكروا الله كثيرا لعلكم تفلحون}. الأنفال: 45.

وعندما سئل الرسول صلى الله عليه وسلم، عن الرجل يقاتل شجاعة ويقاتل حمية، ويقاتل رياء، أي ذلك في سبيل الله؟ فقال صلى الله عليه وسلم: (من قاتل لتكون كلمة الله هي العليا، فهو في سبيل الله). [متفق عليه، وهو في (رياض الصالحين، برقم: 8 ص: 7)]

إذًا، فما من عبادة شرعها الله إلا شرع فيها ذكره، ولا شك أن من حكم ذلك استحضار عظمته تعالى المؤدي إلى إخلاص العبادة له.

فإذا تتبعنا مواضع الذكر المشروع للمؤمن وجدنا الذكر يملأ وقته كله حتى مع الأعمال المباحة التي قد لا يخطر بالبال أن يؤمر عندها بالذكر، والمقام-هنا-لا يتسع لسرد الأحاديث في ذلك، فليس سردها من مقاصد هذا البحث، ولولا تلك الشبهة الفاسدة التي بناها القائلون بها على حرصهم على إرادة الإخلاص لله، ثم جاء من يبني عليها إنكار اليوم الآخر لما تعرضت لهذا الموضوع في هذا البحث لهذا سأشير إجمالا إلى بعض مواضع الذكر المشروع، بدون سرد الأحاديث الواردة فيها.

فقد وردت أذكار دبر الصلوات، وأذكار عند المشي إلى الصلاة، وأذكار عند دخول المسجد، وأذكار عند الخروج منه، وأذكار عند النوم، وأذكار عند القيام من النوم وأذكار في الصباح، وأذكار في المساء، وأذكار عند ركوب الدابة-ومثلها السيارة والطائرة والباخرة، وكل مركوب-، وأذكار عند السفر، وأذكار عند الرجوع من السفر، و أذكار عند تناول الطعام والشراب، وأذكار عند الفراغ منهما، بل لقد ورد الأمر بالذكر-وهو دعاء-عندما يريد الرجل إتيان أهله، وأذكار عند دخول بيت الخلاء، وأذكار عند الخروج منه، ومن أراد معرفة النصوص الواردة في هذه المواضع-وغيرها كثير-فليراجع كتب الأذكار المؤلفة في الذكر خاصة [منها على سبيل المثال: كتاب الأذكار للإمام النووي، وكتاب الكلم الطيب، لابن تيمية، وكتاب الوابل الصيب لابن القيم]، وهي كثيرة، أو كتب الأذكار التي عقدها علماء الحديث في الأمهات، كالأمهات الست وغيرها.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://el-quran.ahlamontada.com
Admin
Admin
Admin


المساهمات : 4240
تاريخ التسجيل : 20/01/2018

الإيمان هو الأساس (دروس في الإيمان) Empty
مُساهمةموضوع: رد: الإيمان هو الأساس (دروس في الإيمان)   الإيمان هو الأساس (دروس في الإيمان) Emptyالجمعة فبراير 23, 2018 2:54 am


الإيمان هو الأساس (دروس في الإيمان) %D8%AE%D9%84%D9%81%D9%8A%D8%A7%D8%AA-%D8%A2%D9%8A%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D9%83%D8%B1%D8%B3%D9%8A-%D9%85%D9%83%D8%AA%D9%88%D8%A8%D8%A9-2
(89)

هذا هو الحصن الحصين:

فليلجأ من يرغب رغبة صادقة في أن يحقق الإخلاص في أعماله لربه، إلى ذكر ربه فإنه واجد من الله العون على تحقق ذلك في كل أعماله بإذن الله، وهو عندما يلجأ إليه يلجأ إلى أمر مشروع، مأمور به، مثاب عليه، بخلاف تلك الشبهة الفاسدة التي تزهد المسلم في أمر رغب الله فيه، ورغب فيه رسوله صلى الله عليه وسلم، وهو الطمع في جنته وثوابه، والخوف من ناره وعقابه، فإن ذلك زهد في سبب مشروع، والزهد في السبب المشروع غير مشروع.

هذا، ومن آثار ذكر الله تعالى، أنه يحصن صاحبه من ترك طاعة الله، ومن ارتكاب معاصيه،كما قال تعالى: {وإما ينزغنك من الشيطان نزغ فاستعذ بالله إنه سميع عليم إن الذين اتقوا إذا مسهم طائف من الشيطان تذكروا فإذا هم مبصرون}. [الأعراف: 200-201.

هذه هي الثمرة المطلوبة من ذكر الله: أن يخلص عمله لله، وأن يمتثل أمره ويجتنب نهيه

هذا ويجب أن يعلم أن الإخلاص لله تعالى في كل الأعمال، ليس سهلا، لأن النفس، تطلب حظوظها العاجلة التي قد يوسوس لها الشيطان بها عند المخلوقين كالمدح والثناء، أو القرب من ذوي السلطان الذين يرغبون في الأمناء الصالحين، فيحسن أعماله، من أجل ذلك، أي المدح والثناء، أو الحظوة لدى ذوي السلطان، ولهذه الصعوبة، بالغ أولئك العلماء تلك المبالغة، التي أدت بهم إلى القول بتلك العبارات.

والذي يجتهد في التحقق بصفة الإخلاص، لابد أن يشعر بهذه الصعوبة، وقد سمعت سائلا يشكو إلى أحد العلماء هذه الصعوبة، فأجابه إجابة فيها نوع من عدم الاهتمام بالموضوع، وذهب يقول له: لا تكثر من الوسواس، والإسلام لا يمنع من أن يجمع المسلم بين ما ينفعه في دنياه وآخرته...، وفي ذلك خروج عن الموضوع.

والمسلمون اليوم في أمس الحاجة إلى التذكير بالإخلاص الذي ينبني عليه-إضافة إلى الإخلاص لله-الصدق فيما بينهم، والتنا صح، وعدم الخداع بين الأفراد والأسر والرعاة والرعية، فإن الذي لا يتصف بالإخلاص لله تعالى لا يؤمن من الخيانة.

وقد سئل ابن عمر، رضي الله عنهما، فقيل له: إننا ندخل على سلاطيننا، فنقول لهم بخلاف ما نتكلم إذا خرجنا من عندهم، قال ابن عمر، رضي الله عنهما : " كنا نعد هذا نفاقا على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم".البخاري، وهو في رياض الصالحين رقم 1616 ص 620.

والعاصم من الخداع والغش بين السلمين كلهم هو الإخلاص لله الذي يذكر المسلم بربه، وما يحبه وما يبغضه، ولعل فيما سقته في هذه المسألة ما يعين، والله المستعان.
الإيمان هو الأساس (دروس في الإيمان) %D8%AE%D9%84%D9%81%D9%8A%D8%A7%D8%AA-%D8%A2%D9%8A%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D9%83%D8%B1%D8%B3%D9%8A-%D9%85%D9%83%D8%AA%D9%88%D8%A8%D8%A9-2
(90)

الإيمان بالقدر
تمهيد
لا أريد الدخول في مباحث القدر العويصة، ولعل في المبحثين الذين ذكرتهما هنا -وهما: الإيمان بالقدر داعي سعي وعمل، وليس داعي اتكال وكسل . وبيان فساد الاحتجاج به على رضا الله بالمعاصي- كفاية لطالب الحق.
ومن أراد التوسع في مباحثه فليرجع إلى الكتب التي ألفت فيها خاصة مثل كتاب شفاء العليل في القضاء والقدر والتعليل، وهو يقع في مجلد.
وللإيمان بقدر الله مراتب أربعة، وهي العلم، والكتابة، و المشيئة الكونية القدرية والخَلْق، وقد فصل القول في هذه المراتب ابن القيم رحمه الله في كتابه: "شفاء العليل في مسائل القضاء والقدر والحكمة والتعليل" [صفحة: 63-109] نشر دار التراث/القاهرة]
النصوص الدالة على الإيمان بالقدر
وهو أحد أركان الإيمان الستة التي من أنكرها أو أنكر بعضها كفر، وقد وردت بإثبات هذا الركن-كغيره من الأركان الأخرى -نصوص كثيرة، في الكتاب والسنة، وأجمع على وجوب الإيمان به سلف الأمة، من الصحابة والتابعين لهم بإحسان.
وقد دلت نصوص القرآن والسنة الكثيرة على هذه مراتبه الأربع المذكورة.
فالنصوص الدالة على كمال علمه وإحاطته بكل شيء، لا تحصى كثرة، من ذلك قوله تعالى: {وإذ قال ربك للملائكة إني جاعل في الأرض خليفة قالوا أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء ونحن نسبح بحمدك ونقدس لك قال: إني أعلم ما لا تعلمون}. البقرة: 30.
وقوله تعالى: {كتب عليكم القتال وهو كره لكم وعسى أن تكرهوا شيئا وهو خير لكم وعسى أن تحبوا شيئا وهو شر لكم والله يعلم وأنتم لا تعلمون}. البقرة: 216.
وقوله تعالى: {ويضرب الله الأمثال للناس والله بكل شيء عليم}. النور: 35.
وقال تعالى: {وعنده مفاتح الغيب لا يعلمها إلا هو ويعلم ما في البر والبحر وما تسقط من ورقة إلا يعلمها ولا حبة في ظلمات الأرض ولا رطب ولا يابس إلا في كتاب مبين}. الأنعام: 59.
ومن النصوص كذلك على المرتبة الثانية، وهي كتابته تعالى الأشياء في الأزل، قوله تعالى: {ما أصاب من مصيبة في الأرض ولا في أنفسكم إلا في كتاب من قبل أن نبرأها إن ذلك على الله يسير}. الحديد: 22.
وقوله تعالى: {إنا نحن نحيي الموتى ونكتب ما قدموا وآثارهم وكل شيء أحصيناه في كتاب مبين}. يس: 12.
وقوله تعالى: {وكل شيء فعلوه في الزبر}. القمر: 52. وفسر بعض السلف الزبر باللوح المحفوظ، الذي قال الله تعالى فيه: {بل هو قرآن مجيد في لوح محفوظ}. البروج: 21-22.
وفي الصحيحين من حديث أبي هريرة، رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: (إن الله كتب على ابن آدم حظه من الزنا، أدرك ذلك لا محالة، فزنا العينين النظر، وزنا اللسان النطق، والنفس تمنى وتشتهي، والفرج يصدق ذلك و يكذبه). [اللؤلؤ والمرجان فيما اتفق عليه الشيخان (صفحة: 720) المطبعة العصرية/الكويت]
وفي حديث عمران بن حصين، رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: (... كان الله ولم يكن شيء غيره، وكان عرشه على الماء، وكتب في الذكر كل شيء....). [البخاري، بشرح فتح الباري: (6/286)]
قال ابن القيم، رحمه الله: (وأجمع الصحابة والتابعون وجميع أهل السنة والحديث، أن كل كائن إلى يوم القيامة فهو مكتوب في أم الكتاب.....). [شفاء العليل: (صفحة: 89)]

ومن النصوص الدالة على المرتبة الثالثة من مراتب الإيمان بالقدر، وهي مشيئته تعالى، قوله تعالى: {يمحو الله ما يشاء ويثبت وعنده أم الكتاب}. [الرعد: 39]
وقوله تعالى: {وما أرسلنا من رسول إلا بلسان قومه ليبين لهم فيضل الله من يشاء ويهدي من يشاء وهو العزيز الحكيم}. [إبراهيم: 4]
وقول الله تعالى: {قل اللهم مالك الملك تؤتي الملك من تشاء وتنزع الملك ممن تشاء وتعز من تشاء وتذل من تشاء بيدك الخير إنك على كل شيء قدير} [آل عمران: 26].
وقوله تعالى: {وما تشاءون إلا أن يشاء الله العالمين} [التكوير: 29].
ومن النصوص الدالة على المرتبة الرابعة، وهي خلقه كل شيء وإيجاده وتكوينه، قوله تعالى: {ذلكم الله ربكم خالق كل شيء لا إله إلا هو فاعبدوه} [الأنعام: 102].
وقوله تعالى: {أتعبدون ما تنحتون والله خلقكم وما تعملون} [الصافات: 95/96].
وقوله تعالى: {إنما أمره إذا أراد شيئا أن يقول له كن فيكون} [يس: 82].
وكل شيء في الكون من أعيان وصفات وحركات وسكنات، يدل على أن الله تعالى هو خالقه ومقدره ومدبره، لا إله إلا هو.
فله تعالى قدرته التامة على كل شيء كما قال : {تبارك الذي بيده الملك وهو على كل شيء قدير}. الملك: 1.
وقال: {ولو شاء الله لذهب بسمعهم وأبصارهم إن الله على كل شيء قدير}. البقرة: 20.
وقد عد الرسول صلى الله عليه وسلم القدر، من أصول الإيمان التي سأله عنها جبريل فقال صلى الله عليه وسلم: (الإيمان أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر وتؤمن بالقدر خيره وشره) [مسلم (1/37)]
الإيمان هو الأساس (دروس في الإيمان) %D8%AE%D9%84%D9%81%D9%8A%D8%A7%D8%AA-%D8%A2%D9%8A%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D9%83%D8%B1%D8%B3%D9%8A-%D9%85%D9%83%D8%AA%D9%88%D8%A8%D8%A9-2
(91)

الحذر من شبه أهل البدع في القدر :
ومعنى الإيمان بالقدر أن يعتقد المؤمن أن الله تعالى علم كل ما هو كائن، قبل أن يكون، وكتبه كذلك، وهو الذي يوجده على ما هو عليه، بحسب مقتضى علمه، وأنه لا قدرة لأحد أن يخرج عن مشيئة الله وقدره، وهذا هو مقتضى النصوص مثل قوله تعالى: {إن الله على كل شيء قدير}، وقول الرسول صلى الله عليه وسلم: (وتؤمن بالقدر خيره وشره).
وقد مضى على هذا الإيمان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وافتدى بهم في ذلك التابعون لهم بإحسان، وهو الحق الذي لا يجوز خلافه، لأنه مقتضى النصوص القرآنية، والسنة الصحيحة.
فالإيمان بالقدر على ما ورد به القرآن والسنة، هو الواجب، وفيه السلامة من سلوك أهل البدع، وأول البدع ظهورا، كانت بدعة القائلين: إن الأمر أنف، أي إن الله تعالى وتقدس عما يقولون، لا يعلم الأشياء، إلا بعد وقوعها، وقد قال فيهم عبد الله بن عمر، رضي الله عنهما: "فإذا لقيت أولئك فأخبرهم أني بريء منهم، وأنهم برآء مني، والذي يحلف به عبد الله بن عمر لو أن لأحدهم مثل أحد ذهبا، فأنفقه ما قبل الله منه، حتى يؤمن بالقدر." ثم ذكر حديث أبيه عمر، في قصة سؤال جبريل الرسول صلى الله عليه وسلم عن أكان الإيمان والإسلام. راجع شرح النووي على مسلم (1/156)]
القدر سر الله في خلقه:
ويجب أن يعلم أن ما يقدره الله، هو من الغيب الذي لا يعلمه قبل وقوعه إلا هو، سبحانه، إلا ما أطلع عليه هو أحدا من خلقه، كإعلامه الْمَلَك برزق المخلوق وأجله، وكونه شقيا أو سعيدا، وهو لا يزال في رحم أمه، وكإخباره بعض رسله ببعض المغيبات، كما قال تعالى: {عالم الغيب فلا يظهر على غيبه أحدا إلا من ارتضى من رسول..}. الجن: 26-7.
فلا علم للعبد بما قدره الله تعالى، من صحة ومرض، وفقر وغنى، وعز وذل، وشقاوة وسعادة، إلا بعد وجود ما يقدره تعالى.
الإيمان هو الأساس (دروس في الإيمان) %D8%AE%D9%84%D9%81%D9%8A%D8%A7%D8%AA-%D8%A2%D9%8A%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D9%83%D8%B1%D8%B3%D9%8A-%D9%85%D9%83%D8%AA%D9%88%D8%A8%D8%A9-2
(92)

وضوح النجدين
منح الله الإنسان ما يفرق به بين الحق والباطل، فمنحه العقل الذي يقيس به الخير والشر، ويزن به النافع من الضار، في كثير من شئون حياته، وهذا يكون فيما اتفق عقلاء بني آدم على مدحه من جلب المنافع ودفع المضار، كالصدق والعدل وأداء الأمانات، وترك الظلم، وغير ذلك مما يرون أن مصالحهم لا تتم إلا به، وإن اختلفوا في التفاصيل [ولبس المراد به التحسين والتقبيح على الوجه المتنازع فيه، بل ما اتفق عليه المسلمون وغيرهم، في الجملة، لا في التفصيل].
ولعلمه تعالى أن هذا العقل له قدرات محدودة في مجالات معينة، إذا تجاوزها تاه واختلت أحكامه، منح الله خلقه، ما يهدي تلك العقول إلى ما ينفعهم ويضرهم، فأنزل عليهم كتبه وبعث إليهم رسله.
فقد منح الله العبد ما يفرق به بين ما ينفعه وما يضره في حياته، وخلق له قدرة على فعل ما ينفعه وترك ما يضره، وأمره سبحانه بفعل ما يحبه ويرضاه-وهو الذي ينفعه في دنياه وآخرته-من الأعمال الصالحة، ووعده عليها بالإثابة، ونهاه عما يسخطه تعالى ويأباه-وهو ما يضره في دنياه وآخرته-من الأعمال الفاسدة، وتوعده عليها بالعقاب، ووعده تعالى أن يعينه-إذا استعان به-على فعل الخير وترك الشر.
وعلم الإنسان بأنه قادر على السعي في جلب ما ينفعه، ودفع أو رفع ما يضره من البدهيات التي لا ينكرها إلا مكابر، ولذا ترى الناس يكدحون ويجتهدون في جلب أرزاقهم وصحة أبدانهم، وترى الساعي في جلب رزقه وصحة بدنه يصل إلى مقصده في الغالب، كما ترى القاعد عن طلب الرزق وصحة البدن، يناله من الضنك والفقر والمرض والأوجاع بمقدار قعوده وإهماله.
والذي يريد السيادة والملك يسعى في سبيل ذلك بتعاطي الأسباب المناسبة لهذا الغرض، والذي يريد رضا الله و ثواب الآخرة ونعيمها يتعاطى الأسباب الموصلة له إلى ذلك، وهكذا، بل إنك لترى الكفيف الذي فقد بصره، يتعلم كيف يقرأ، وينجح في قصده، وترى الأصم الذي فقد سمعه يتعلم كيف يفهم ما يريده غيره بالإشارة، وترى الناس رائحين غادين في قضاء حوائجهم، بناء على معرفتهم الفطرية بأن الأسباب تترتب عليها مسبباتها غالبا، وهذه المعرفة يشترك فيها البشر كلهم، مسلمهم وكافر هم، فهي بديهة فطرية لا ينازع فيها عاقل.
ويهدي الله لنوره من يشاء
ولكن المؤمن إضافة إلى ذلك يعلم أن الله القادر على كل شيء، قد أمره بالسعي في عمل ما يرضيه تعالى، من الإيمان الصادق والعلم النافع والعمل الصالح، ونهاه عما يسخطه تعالى ويأباه من الكفر والفسوق والعصيان، وكلاهما-الأمر والنهي-يحقق له المصالح ويدفع عنه المضار في الدنيا والآخرة، ويعلم أن الله تعالى لا يمكن أن يأمره وينهاه إلا بما هو قادر على فعله وتركه، لأن رحمة الله وحكمته تقتضيان أن لا يكلف عبده بما لا يطيق ولا يقدر، فالقدرة مناط التكليف {لا يكلف الله نفسا إلا وسعها}. البقرة: 286.
فإذا أمر الله عبده المؤمن بطاعة أو نهاه عن معصية، علم العبد المأمور أن الله يحب له الصلاح، ويكره له الفساد، فيجتهد في فعل ما أمره الله به، طلبا لرضاه، وفي ترك ما نهاه عنه اتقاء لسخطه، ويستعين بربه الذي أمره ونهاه على فعل الطاعة وترك المعصية، لعلمه أنه تعالى على كل شيء قدير، والله يعينه إذا علم صدق نيته، ولذا شرع الله للمسلم أن يقول في كل صلاة: {إياك نعبد وإياك نستعين اهدنا الصراط المستقيم}.
ويعلم المؤمن أن الله تعالى استخلف الإنسان في الأرض لعمارتها ماديا ومعنويا، على مقتضى هداه، فكما يعمر المسجد بالبناء والذكر والصلاة وغيرها طاعة لله، فهو كذلك يعمر المصانع والقلاع والحصون، ويصنع السلاح لرد العدوان وحماية الدعوة وتحرير الناس من عبودية العباد إلى عبادة الله رب العباد، ويشق الطرق ويحوك الملابس ويفلح الأرض لينفع نفسه وغيره من الناس، يفعل كل ذلك وهو يعلم أن الله القادر على كل شيء هو الذي أمره بما فعل، وأن تمكين الله له في هذه الأرض يقتضي القيام بأمر الله، كما قال تعالى: {الذين إن مكناهم في الأرض أقاموا الصلاة وآتوا الزكاة وأمروا بالمعروف ونهوا عن المنكر ولله عاقبة الأمور}. الحج: 41.
وأن الله القادر على كل شيء هو الذي قال له: {قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله ويغفر لكم ذنوبكم}. آل عمران: 31-32
ولولا أن الله تعالى القادر على كل شيء، عالم أن عبده الذي أمره بعمارة الأرض وأمره بطاعته وطاعة رسوله، صلى الله عليه وسلم، قادر على فعل ما أمره به، لما كلفه ذلك.
الإيمان هو الأساس (دروس في الإيمان) %D8%AE%D9%84%D9%81%D9%8A%D8%A7%D8%AA-%D8%A2%D9%8A%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D9%83%D8%B1%D8%B3%D9%8A-%D9%85%D9%83%D8%AA%D9%88%D8%A8%D8%A9-2
(93)

لا تترك الأسباب لتخلف بعض المسببات
الأصل أن يترتب المسبب على وجود السبب، فالأكل سبب في إذهاب الجوع، وشرب الماء سبب في إذهاب العطش، وفلاحة الأرض، وبذر الحب سبب في إنبات الزرع، والغطاء المناسب سبب في إذهاب البرد، والنار سبب في الإحراق، والجد في طلب العلم-أي علم كان-سبب في الوصول إليه، وتناول الدواء سبب في إذهاب المرض والإيمان والعمل الصالح سببان في نيل رضا الله ودخول الجنة، ومثل ذلك جميع الأسباب ا لمناسبة لمسبباتها، وهي لا تحصي في حياة الأفراد والأمم من يوم وجدت الخلائق إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها.
وكون الإنسان قد يعمل السبب ليتوصل به إلى المسبب، ثم لا يتحقق له ذلك في بعض الأحيان، لا يسوغ له أن ييأس ويترك السبب، بل عليه أن يعيد الكرة مرات فقد يكون في السبب الذي عمله تقصير، فإذا عمل السبب كاملا وجد المسبب، وقد توجد أسباب أخرى في الوقت الذي عمل فيه السبب معارضة لذلك السبب، فإذا عمله في وقت آخر، ترتب عليه مسببه.
وقد يكون ذلك راجعا إلى تقدير الله في الأزل بأن لا يترتب المسبب على السبب، فإذا اتخذ المرء سببا آخر لمسبب آخر وُجِد المسببُ، لأن الله قدر في الأزل أن يترتب المسبب على السبب.
هذه المسببات التي قد تتخلف بتقدير من الله-الذي لا يعلمه المكلف، بل هو غيب عنه-لا تسوغ للمكلف أن يترك الأسباب، لأنه مأمور بفعلها، وليس مأمورا أن يطلع على قدر الله الغائب عنه، ليعمل وفقه.
الإيمان هو الأساس (دروس في الإيمان) %D8%AE%D9%84%D9%81%D9%8A%D8%A7%D8%AA-%D8%A2%D9%8A%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D9%83%D8%B1%D8%B3%D9%8A-%D9%85%D9%83%D8%AA%D9%88%D8%A8%D8%A9-2
(94)

مواقف الناس من الأسباب
وقد لخص ابن قيم الجوزية، رحمه الله مواقف الناس من الأسباب تلخيصا مفيدا، فقال: {والناس في الأسباب والقوى والطبائع ثلاثة أقسام:
منهم من بالغ في نفيها وإنكارها، فأضحك العقلاء على عقله، وزعم أنه بذلك ينصر الشرع، فجنى على العقل والشرع، وسلط خصمه عليه.
ومنهم من ربط العالم العلوي والسفلي بها، بدون ارتباطها بمشيئة فاعل مختار، ومدبر لها يصرفها كيف أراد، فيسلب قوة هذا ويقيم لقوة هذا قوة تعارضه، ويكف قوة هذا عن التأثير مع بقائها، ويتصرف فيها كما يشاء ويختار. وهذان طرفان جائران عن الصواب.
ومنهم من أثبتها خلقا وأمرا، وقدرا وشرعا، وأنزلها بالمحل الذي أنزلها الله به، من كونها تحت تدبيره ومشيئته، وهي طوع المشيئة والإرادة، ومحل جريان حكمها عليها، فيقوي سبحانه بعضها ببعض ويبطل-إن شاء-بعضها ببعض، ويسلب بعضها قوته وسببيته، ويعريها منها، ويمنعه من موجبها مع بقائها عليه، ليعلم خلقه أنه الفعال لما يريد، وأنه لا مستقل بالفعل والتأثير غير مشيئته، وأن التعلق بالسبب دونه كالتعلق ببيت العنكبوت، مع كونه سببا.} [إغاثة اللهفان: (1/243)]
هكذا يجب أن يفقه المؤمن الأسباب ومسبباتها، وأنها كلها تابعة لمشيئة الله الذي يقول للشيء كن فيكون، فما شاء كان وما لم يشأ لم يكن، وهو مكلف بفعل السبب، فيفعله طاعة لله، لعلمه أن ما أمره الله به له فيه مصلحة في دينه ودنياه.
ولهذا سعى عباد الله المؤمنون، من الأنبياء والمرسلين، وأتباعهم من الصديقين والشهداء والصالحين، سعيا حثيثا في عمل ما يحبه الله ويرضاه، مع إيمانهم الصادق ويقينهم الكامل بأن الله على كل شيء قدير، ونشروا في الأرض الصلاح، وحاربوا الشر والفساد، واستعانوا بربهم على أعدائهم، فنصرهم الله عليهم، ولكنهم كانوا يعلمون أن سعيهم ذلك إنما هو سبب مأمور به اقتضت حكمة الله أن يوصل ذلك السبب إلى النتائج المترتبة عليه، إلا أن تلك النتائج ليست حتمية الوقوع، بحيث يستقل السبب في إيجادها عن الله، بل لابد في وجودها وترتبها على السبب من كون الله تعالى قدر ذلك وشاءه، فإذا شاء الله خلاف ذلك فإن السبب لا يستقل بوجود النتيجة، كما كانت النار بردا وسلاما على إبراهيم، عليه السلام.
الإيمان هو الأساس (دروس في الإيمان) %D8%AE%D9%84%D9%81%D9%8A%D8%A7%D8%AA-%D8%A2%D9%8A%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D9%83%D8%B1%D8%B3%D9%8A-%D9%85%D9%83%D8%AA%D9%88%D8%A8%D8%A9-2
(95)

الإيمان بالقدر لا يقتضي ترك العمل
إن الإيمان بالقدر لا يقتضي الاتكال والكسل، كما يظن ذلك بعض من لم يوفق لفقهه من المسلمين، الذين أوجدوا بهذا الظن أثرين خطيرين:
أحدهما: تشبث به بعض جهلة المسلمين، وقعدوا عن فعل أسباب الخير والفلاح في شئون دينهم ودنياهم، وصاروا جبرية من حيث العمل، وإن لم يفهموا معنى الجبرية من حيث الفكر، ففقدوا بذلك القوة والعزة، ووصلوا إلى ما وصلوا إليه من التأخر والانحطاط، وأخذ أعداؤهم بأسباب القوة المادية، فسبقوهم في كل ميدان من ميادين الحياة الدنيا، وحال المسلمين اليوم شاهد وبرهان.
وثانيهما: اتخذه أعداء الإسلام حجة ودليلا على أن هذا الدين، هو دين تواكل وكسل، وليس دين سعي وعمل.
الرد على هذا اظن
ونحن لا نريد أن نطيل في الرد عليهم من الناحية النظرية، وإنما نحيلهم إلى أمرين:
الأمر الأول: الرجوع إلى القرآن الكريم لإحصاء ما ورد فيه من ذكر العمل الصالح الذي كلفه الله عباده المؤمنين، وما ورد في معناه، من سعي وفعل وسباق ومسارعة إلى الخيرات، ومن أوامر بتعاطي أعمال بعينها، كالأمر بالعدل والإحسان وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة ولإنفاق والجهاد في سبيل الله، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ومن نواهٍ عن أعمال الفساد والفواحش والمنكرات كالزنى، وشرب الخمر والظلم وقتل النفس التي حرم الله إلا بالحق، ومجالات العمل الذي كلفهموه من أبواب الخير القاصرة والمتعدية، وهكذا سنة الرسول صلى الله عليه وسلم، إن الذي يتتبع أبواب العمل في الكتاب والسنة سوف لا يجد وقت فراغ في حياة المسلم، بل سيجد وقته كله وقت عمل وعمارة للأرض بالخير والصلاح، ليس للمسلمين فقط، بل للبشرية جمعاء، وهو معنى الخلافة التي أراد الله من عباده القيام بها على الأرض، وهذا وحده يبطل تلك الدعوى الكاذبة.
الأمر الثاني : العودة إلى تاريخ المسلمين في العصور التي طبق فيها الإسلام، والتي قال فيها الرسول صلى الله عليه وسلم: (خيركم قرني ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم) [اللؤلؤ والمرجان، فيما اتفق عليه الشيخان (ص: 689) رقم الحديث: 1647]، ليروا كيف كان العرب الأميون قبل الإسلام، الذين كانت تأكلهم الحروب لأتفه الأسباب، رعاة الإبل والغنم، الذين تحكمهم أعراف الجاهلية الظالمة، في الأنفس والأموال والأعراض يأكل القوي الضعيف، ويهضم الحقير الشريف، لا وزن لهم بين الأمم، فإذا هم بعد الإسلام سادة وقادة، يُعَلِّمون ذوي الحضارات العريقة من زعماء فارس والروم، فتحوا القلوب بالإيمان والقرآن، وفتحوا البلدان التي أذاق الطغاة فيها أهلها سوء العذاب، بالسيف والسنان، ونشروا في الأرض العدل وحاربوا الظلم، وعمروا الأرض في فترة قصيرة من الزمن، عم فيها الصلاح مشارق الأرض ومغاربها، وانزوى الفساد في كل أرض وطئتها أقدامهم، والذي ينظر إلى الإسلام ويحكم عليه من خلال أحوال المسلمين في أوقات ابتعادهم عنه إنما يتهم البريء بجرائم المذنب، وكفى بذلك ظلما!
وتأمل قول الله تعالى: {ولكل وجهة هو موليها فاستبقوا الخيرات أينما تكونوا يأت بكم الله جميعا إن الله على كل شيء قدير}. البقرة: 148.
كيف أمر الله عباده باستباق الخيرات قبل أن يقرر قدرته على كل شيء، أهذا السياق وأمثاله يدل على أن الإيمان بالقدر يقتضي التواكل والكسل، أم على العكس من ذلك يقتضي السعي والعمل؟!
كيف والرسول صلى الله عليه وسلم يستعيذ بربه مما يؤدي إلى الاتكال البغيض، كما في حديث أنس، رضي الله عنه، قال كان نبي الله صلى الله عليه وسلم، يقول: (اللهم إني أعوذ بك من العجز والكسل، والجبن والهرم، وأعوذ بك من عذاب القبر، وأعوذ بك من فتنة المحيا والممات). [اللؤلؤ والمرجان فيما اتفق عليه الشيخان (ص737، رقم 1732)]
الإيمان هو الأساس (دروس في الإيمان) %D8%AE%D9%84%D9%81%D9%8A%D8%A7%D8%AA-%D8%A2%D9%8A%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D9%83%D8%B1%D8%B3%D9%8A-%D9%85%D9%83%D8%AA%D9%88%D8%A8%D8%A9-2
(96)

شبهة قديمة وجواب شاف كاف:
هذا هو معنى الإيمان بالقدر، وهذه هي منزلة العمل في الإسلام مع الإيمان بالقدر، ولقد وضح الرسول صلى الله عليه وسلم هذا المعنى غاية الإيضاح، عندما سألوه عما إذا كان لهم أن يتكلوا ويتركوا العمل، بناء على أن الله قد قدر لأهل الجنة دخولها، وقدر لأهل النار دخولها؟ فبين لهم صلى الله عليه وسلم، أن الإيمان بالقدر، لا يقتضي الاتكال وترك العمل، بل يجب العمل، مع الإيمان بالقدر فإن الله قدر لأهل الجنة دخولها بطاعته، وقدر لأهل النار دخولها بمعصيته، ومادام الإنسان لا يعلم أهو-في قدر الله-من أهل السعادة والجنة، أم من أهل الشقاوة والنار، وقد أمره ربه بطاعته التي هي سبب في السعادة ودخول الجنة، ونهاه عن معصيته التي هي سبب في الشقاوة ودخول النار، وعنده فرصة في حياته يستطيع أن يعمل بعمل أهل السعادة والجنة، ويبتعد عن عمل أهل الشقاوة والنار، فَلِمَ يتقاعس عن ذلك اتكالا على القدر الغائب عنه؟

ففي حديث علي، رضي الله عنه، قال: كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم في بقيع الغر قد، في جنازة، فقال: (ما منكم من أحد، إلا وقد كتب مقعده من الجنة ومقعده من النار) فقالوا: يا رسول الله أفلا نتكل؟ فقال: (اعملوا، فكل ميسر لما خلق له)، ثم قرأ: {فأما من أعطى واتقى وصدق بالحسنى فسنيسره لليسرى، وأما من بخل واستغنى وكذب بالحسنى فسنيسره للعسرى}، وفي رواية: (ما منكم من أحد، وما من نفس منفوسة إلا كتب مكانها من الجنة والنار، وإلا قد كتبت شقية أو سعيدة) فقال رجل: يا رسول الله أفلا نتكل على كتابنا وندع العمل، فمن كان منا من أهل السعادة فسيصير إلى أهل السعادة، ومن كان منا من أهل الشقاء فسيصير من أهل الشقاء؟ قال: (أما أهل السعادة فَيُيَسَّرون لعمل أهل السعادة، وأما أهل الشقاوة فييسرون لعمل أهل الشقاء)، ثم قرأ:{فأما من أعطى واتقى وصدق بالحسنى}. الآية. الليل: 5-10. [البخاري: (6/85) ومسلم (4/2039)]

فقد أخبر النبي صلى الله عليه وسلم أن العمل لا بد منه، وأن الذي يجتهد في عمل أهل السعادة، ييسر الله له عمل أهل السعادة، والذي يجتهد في عمل أهل الشقاوة، ييسر له عمل أهل الشقاوة، كما دلت على ذلك الآيات التي قرأها النبي صلى الله عليه وسلم، وهو يجيب السائل، وهو جواب شاف كاف على هذه الشبهة لمن وفقه الله لقبول الحق.

فالإيمان بالقدر داعي سعي وعمل، وليس داعي اتكال وكسل، بل إنه ليدفع صاحبه إلى اتخاذ الأسباب لعمل ما يرضي الله، ولا يقتضي الاتكال والقعود عن العمل، كما هو واضح من نصوص الكتاب والسنة، والواقع العملي في حياة الناس، يدل على ذلك، وهذا المعنى الواضح هو المحكم، وما قد يطرأ على الإنسان من شبه ووساوس شيطانية متشابه، والله تعالى يقول في الأمرين:{هو الذي أنزل عليك الكتاب منه آيات محكمات هن أم الكتاب، وأخر متشابهات، فأما الذين في قلوبهم زيغ فيتبعون ما تشابه منه ابتغاء الفتنة وابتغاء تأويله وما يعلم تأويله إلا الله، والراسخون في العلم يقولون آمنا به كل من عند ربنا وما يذكر إلا أولو الألباب}. آل عمران: 7.
الإيمان هو الأساس (دروس في الإيمان) %D8%AE%D9%84%D9%81%D9%8A%D8%A7%D8%AA-%D8%A2%D9%8A%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D9%83%D8%B1%D8%B3%D9%8A-%D9%85%D9%83%D8%AA%D9%88%D8%A8%D8%A9-2
(97)

فساد الاحتجاج بالقدر على رضا الله بالفساد
لا يلزم من الإيمان بأن الله تعالى هو الذي يقدر الأمور كلها، رضاه سبحانه بكل ما يفعل المخلوق، مما يخالف أمره ونهيه، كما لا يلزم منه رضا المخلوق بكل مقضي مقدر، صلاحا كان أم فسادا، لأن لله تعالى إرادتين: إرادة كونية عامة، وهي الإرادة المقتضية وجود المراد، وقد دل عليها مثل قوله تعالى: {إنما أمره إذا أراد شيئا أن يقول له كن فيكون}. يس: 82.
وإرادة شرعية خاصة-وهي بمعنى المحبة-ودل عليها مثل قول الله تعالى:{والله يريد أن يتوب عليكم ويريد الذين يتبعون الشهوات أن تميلوا ميلا عظيما}. النساء: 27.

فالله تعالى يريد الأعمال الصالحة، أي يحبها ويأمر بها ويثيب عليها-مثل التوبة عن المعاصي-، ولكنه لا يريد، أي لا يحب، الميل عن طاعته إلى معصيته، واتباع الشهوات المنكرة التي يريدها الشيطان وأتباعه، وهذا واضح جدا في الإرادتين المذكورتين في هذه الآية، فالله يريد التوبة، ولا يريد اتباع الشهوات والميل إلى المعاصي، والشيطان وأتباعه يريدون اتباع الشهوات والميل عن الطاعة إلى المعصية.
وهذا ما فهمه علماء الإسلام الذين رزقهم الله الفقه قي دينه، فلم يكونوا يخلطون بين الإرادتين، ولم يحتجوا بالقدر-المتضمن للإرادة الكونية العامة-على رضا الله بالمعاصي والفساد في الأرض.

الاحتجاج بالقدر على رضا الله بالفساد في الأرض من سنن المشركين
والذين فهموا خلاف هذا الفهم، فظنوا أن تقدير الله الكوني دليل على رضاه بالفساد في الأرض هم المشركون الذين قال الله عنهم: {سيقول الذين أشركوا لو شاء الله ما أشركنا ولا آباؤنا ولا حرمنا من شيء}، فرد الله عليهم بقوله: {كذلك كذب الذين من قبلهم حتى ذاقوا بأسنا قل هل عندكم من علم فتخرجوه لنا إن تتبعون إلا الظن وإن أنتم إلا تخرصون}. الأنعام 148.
فمن فهم من قدر الله أن العبد غير مسئول عما يعمله، لأن الله هو الذي قدر عليه عمله، وأن تقديره لذلك العمل دليل على رضاه تعالى به، وأن العبد يجب أن يرضى به، ولوكا مخالفا لشرع الله، فقد سلك سبيل المشركين الذين أنكر الله عليهم ما زعموه واتبع سننهم، كما هو واضح من آية الأنعام السالفة الذكر.
فالإسلام بريء من فهم المتكلين على القدر احتجاجا به على ترك العمل، أو الزعم بأن الله يرضى بفعل المعاصي، بحجة أنه هو الذي قدرها عليهم.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://el-quran.ahlamontada.com
Admin
Admin
Admin


المساهمات : 4240
تاريخ التسجيل : 20/01/2018

الإيمان هو الأساس (دروس في الإيمان) Empty
مُساهمةموضوع: رد: الإيمان هو الأساس (دروس في الإيمان)   الإيمان هو الأساس (دروس في الإيمان) Emptyالجمعة فبراير 23, 2018 2:55 am

الإيمان هو الأساس (دروس في الإيمان) %D8%AE%D9%84%D9%81%D9%8A%D8%A7%D8%AA-%D8%A2%D9%8A%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D9%83%D8%B1%D8%B3%D9%8A-%D9%85%D9%83%D8%AA%D9%88%D8%A8%D8%A9-2
(98)

رضا المؤمن بما قدره الله
ومن هنا نعلم أن المقضي المقدر الذي يجب الصبر عليه بعد وقوعه ويشرع الرضا به، هو المصائب التي يبتلي الله بها عباده، من فقر ومرض وموت قريب ونزول وباء، وقحط وجوائح، وزلازل وبراكين وفيضانات، وما شابه ذلك من الكوارث النازلة في الأنفس والأموال والأهل........

وقد ورد ذلك في نصوص القرآن والسنة، ومن أوضح الآيات قول الله تعالى: {ولنبلونكم بشيء من الخوف والجوع ونقص من الأموال والأنفس والثمرات وبشر الصابرين الذين إذا أصابتهم مصيبة قالوا إنالله وإناإليه راجعون أولئك عليهم صلوات من ربهم ورحمة وأولئك هم المهتدون}. البقرة:155-157.

فقول المؤمنين عندما يصابون بمصيبة: {إنالله وإناإليه راجعون} علامة واضحة على رضاهم بما قدر الله عليهم، لتأكيدهم بأنهم هم وكل ما لهم به صلة، لله تعالى أي عبيده وملكه يتصرف فيهم بما يشاء، وأنهم راجعون إليه بعد هذه الحياة فيجزيهم بما قدموا فيها من عمل صالح، ومنه الصبر على الابتلاء.

ومن الأحاديث الدالة على ذلك، ما رواه صهيب، رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: (عجبا لأمر المؤمن، إن أمره كله له خير، وليس ذلك لأحد إلا للمؤمن، إن أصابته سراء شكر فكان خيرا له، وإن أصابته ضراء صبر، فكان خيرا له). [الحديث في صحيح مسلم، وهو في جامع الأصول (9/369)]

أما الذنوب والمعاصي فإن الواجب على العبد أن يبغضها في كل حال من الأحوال، وأن يجتهد في البعد عنها وعدم ارتكابها قبل وقوعها، ولا يجوز له الرضا بها مطلقا، سواء أكانت منه أو من غيره، فإذا وقعت منه وجب عليه التوبة منها، ومن شروط التوبة الندم على فعل المعصية.

وإذا علم أنه لا يجوز الرضا بكل مقضي مقدر، ولو كان معصية، فإن الواجب على العبد أن يرضى بكل ما شرعه الله وأمر بهن ولا يجوز له بغضه وسخطه.

قال ابن تيمية، رحمه الله: (ليس في كتاب الله، ولا في سنة رسول الله آية ولا حديث يأمر العباد أن يرضوا بكل مقضي مقدر، من أفعال العباد، حسنها وسيئها، فهذا أصل يجب أن يعتنى به، ولكن على الناس أن يرضوا بما أمر الله به، فليس لأحد أن يسخط ما أمر الله به، قال تعالى: {فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجا مما قضيت ويسلموا تسليما}.النساء: 65.

وقال تعالى: {ولو أنهم رضوا ما آتاهم الله ورسوله وقالوا حسبنا الله سيؤتينا الله من فضله ورسوله إنا إلى الله راغبون}. [التوبة: 59] وذكر الرسول-هنا-يبين أن الإيتاء هو الإيتاء الديني الشرعي، لا الكوني القدري، وقال صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح: (ذاق طعم الإيمان من رضي بالله ربا، وبالإسلام دينا، وبمحمد نبيا) [مسلم (1/62)]

وينبغي للإنسان أن يرضى بما يقدره الله عليه من المصائب، التي ليست ذنوبا، مثل أن يبتليه بفقر، أو مرض أو ذل، وأذى الخلق له، فإن الصبر على المصائب واجب، وأما الرضا فهو مشروع، ولكن هل هو واجب أو مستحب؟ على قولين، لأصحاب أحمد وغيرهم، أصحهما أنه مستحب) انتهى كلام ابن تيمية من [مجموع الفتاوى (8/190، (10/158)، (11/257).
وراجع طريق الهجرتين، لابن القيم، ص 152 طبع قطر]

فالواجب على المؤمن أن يعتقد أن ما شاء الله كان، وما لم يشأ لم يكن، وأن مشيئة الله العامة-وهي الكونية القدرية-هي سر الله الذي لا نعلم عن مقدوره شيئا إلا بعد وقوعه. وأن يقوم بما أمره الله به فعلا، وما نهاه عنه تركا، ولا يجوز له أن يحتج بالقدر على مخالفة أمر الله ونهيه، وأن الله تعالى لا يأمر العبد، ولا ينهاه عن شيء، إلا إذا كان قادرا على فعل ما أمره به وترك ما نهاه عنه، وأن الله سبحانه رضي لعباده الإسلام والإيمان والطاعة، وكره لهم الكفر والفسوق والعصيان، وأن على العبد أن يحب ما يحبه الله، وأن يبغض ما يبغضه الله، وأن يسعى لتحقيق ما أمره الله به أو نهاه عنه، وأنه لا يجوز له أن يتكل على ما كتب وقدر في علم الله المكنون، ولو جاز هذا الاتكال وشرع لما صح أن يطلب من أحد عمل شيء في حياته، لا للدنيا، ولا للآخرة.

وقد قال عمر بن الخطاب، رضي الله عنه، لمن قال له: أفرارا من قدر الله؟: (نعم، نفر من قدر الله إلى قدر الله، أرأيت لو كان لك إبل هبطت واديا له عدوتان: إحداهما خصبة والأخرى جدبة، أليس إن رعيت الخصبة، رعيتها بقدر الله، وإن رعيت الجدبة رعيتها بقدر الله؟). [البخاري (7/21)، ومسلم (4/1740)،وراجع كتابنا الشورى: ص 64]

لقد ألزم عمر، رضي الله عنه السائل بما يتعاطاه الناس في حياتهم، من تحري مواطن المصالح والمنافع والسعي الجاد في الحصول على تلك المصالح والمنافع منها، ومن البعد عن المواطن التي لا يرجى منها الحصول على منافع، وهذا المعنى لا يخلو منه عمل أحد يوميا، فلو استحضره السائل وغيره لكان كافيا له في هذا الباب.

إن ما وردت به النصوص من كتاب الله وسنة رسوله،صلى الله عليه وسلم، في شأن القدر-تدل على أنه لا يكون شيء إلا بإذن الله وقدره، سواء كان خيرا أم شرا، وأن تعاطي الأسباب مشروع في أمور المعاش والمعاد، ولكنها لا تقتضي حتمية ترتب مسبباتها عليها بدون مشيئة الله، وأنه لا يجوز لأحد أن يحتج بالقدر، فيقعد عما يجب عليه عمله، أو يتعاطى ما لا يجوز له تعاطيه احتجاجا بأن الله قدره عليه، كما يدل على هذه المعاني الواقع الذي نراه في حياة الناس وأعمالهم التي لا تحصى كثرة.

فنحن نشاهد مريضين بمرض واحد، وصحتهما وأعمار هما متقاربة أو متماثلة، يذهبان إلى طبيب واحد، فيهتم بمعالجتهما اهتماما متساويا، فيشفى أحدهما ولا يشفى الآخر، أو يشفى أحدهما في وقت قصير ولا يشفى الآخر إلا بعد زمن طويل، وقد يشفى أحدهما ويموت الآخر، ونرى تاجرين يملكان بضاعة من صنف واحد ذات جودة واحدة في متجرين متجاورين ولا يوجد بينهما فرق واضح يرجح نجاح أحدهما دون الآخر، فيربح أحدهما أكثر من صاحبه وقدير بح هذا ويخسر ذاك، ونرى آخرين يجتهد كل منهما في الحصول على مال، وكلاهما فقير فيصير أحدهما غنيا ويبقى صاحبه على فقره، وقد يفتقر الغني ويغنى الفقير، ونرى هذا يسعى للحصول على رزقه فيرزقه الله، ويقعد ذاك عن السعي فيبيت جائعا، ونشاهد آخر يأتيه رزقه من حيث لا يحتسب، ونرى عددا من الناس تغرق بهم السفينة في البحر فينجو بعضهم ويهلك الآخرون.. وهكذا آلاف الحوادث تقع في الأرض تدل دلالة لا تقبل الشك أن وراءها تقديرا من القادر على كل شيء، وأنه لابد من تعاطي الأسباب للحصول عل النتائج المتوقع ترتبها على تلك الأسباب غالبا، ولكن تلك النتائج ليست حتمية، وهذا كله يدل على تلك المعاني التي جاءت في الكتاب والسنة، في موضوع القدر.
الإيمان هو الأساس (دروس في الإيمان) %D8%AE%D9%84%D9%81%D9%8A%D8%A7%D8%AA-%D8%A2%D9%8A%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D9%83%D8%B1%D8%B3%D9%8A-%D9%85%D9%83%D8%AA%D9%88%D8%A8%D8%A9-2
(99)

آثار الإيمان بالقدر
الإيمان بالقدر على الوجه السابق يحدث في حياة المؤمن آثارا مهمة، أهمها ما يأتي:
أولا: الجد في العمل وعدم الاتكال على ما سبق به القلم، وقد سبق الكلام عليه.
ثانيا: التواضع، والبعد عن الغرور.
إن الذي يؤمن بقدرالله، لا بد أن يتصف دائما بصفة التواضع والخضوع لربه وأن يقدره حق قدره سبحانه، ويبتعد عن الكبرياء والغرور، ومحبة إطراء النفس ونسبة الكمال إليها، سواء كان هذا الإطراء صادرا منه، أو من غيره، لأنه يعلم أن أعماله كلها ليست مستقلة بالنتائج المترتبة عليها، وإنما هي مرتبطة بمشيئة الله تعالى، وأنه هو نفسه لولا فضل الله عليه لما وجد على ظهر الأرض، وأن قواه العقلية والبدنية، هو سبحانه الذي أوجدها له ابتداء، وهو الذي أنعم عليه بدوامها، ولو شاء لسلبها منه كلها أو بعضها.
وهذه هي سمة أنبياء الله ورسله، وسمة عباده الصالحين الذين قدروا الله حق قدره، ونشير-هنا-إلى نماذج منها:
الأنموذج الأول: نبي الله يوسف عليه السلام، الذي، ابتلي بالعدوان عليه من إخوانه في صغره بفراق أبيه وأسرته، وابتلي بالاسترقاق والبيع والشراء، وهو ابن إبراهيم وإسحاق ويعقوب، وابتلي بالغربة والبعد عن وطنه، وابتلي بإغراء ربات القصور والملك بارتكاب الفواحش، فعصمه الله ثم ابتلي بالتهديد والاتهام بما هو منه براء، فلطف الله به، فلقد أنزل الله تعالى حب يوسف في قلب عزيز مصر فوصى امرأته بإكرامه فأكرمته، وظنت أنها بإكرامها له-وهي سيدة القصر ويوسف شاب غريب الدار رقيق-سيكون طوع بنانها، سعيدا بالاستجابة لتحقيق رغبتها العارمة لتمكنه من نفسها، ردا للجميل والإكرام، ولكن يوسف المؤمن بقدر الله أبى أن يستجيب لإغرائها وأضاف ذلك الإكرام إلى الله الذي استعاذ به من الوقوع في حبائل سيدات القصور، وليس إلى أمر عزيز مصر بإكرامه الذي لم يأت إلا بقدر الله ولطفه به، كما قال الله تعالى في ذلك: {وقال الذي اشتراه من مصر لامرأته أكرمي مثواه عسى أن ينفعنا أو نتخذه ولدا-إلى قوله تعالى-وراودته التي هو في بيتها عن نفسه وغلقت الأبواب وقالت هيت لك قال معاذ الله إنه ربي ي أحسن مثواي إنه لا يفلح الظالمون}. يوسف: 21، 23.
[هذا على القول بأن الضمير في (إنه) يعود إلى لفظ الجلالة في قوله:{معاذ الله} وهو الظاهر، لأن الله تعالى هو الذي سخر ليوسف كل سبل الخير التي أحاطه بها في مسيرة ابتلائه من وقت عزم إخوته على قتله إلى أن جمع الله بينه وبين أسرته، وقال في سياق إظهار شكره لربه على ذلك كله: {إن ربي لطيف لما يشاء}. وقد ذكر المفسرون هذا الاحتمال في مرجع الضمير عند تفسير الآية، ورجح ذلك ابن حيان في {البحر المحيط} (5/294) فقال: {والضمير في(إنه) الأصح أنه يعود على الله تعالى، أي أن الله ربي أحسن مثواي، إذ نجاني من الجب وأقامني في أحسن مقام...} ويرى كثير من المفسرين أن الضمير للشأن، وأن المراد به زوج المرأة الذي أمر بإكرام مثواه]
ثم ابتلي بالسجن فترة من الزمن ثم ختم ذلك الابتلاء بالعز والتمكين والملك، ونعمة انضمام أسرته إليه وهو في تلك الحال العظيمة، فما كان منه إلا أن يحمد ربه، ويناديه نداء العبد المعترف له بفضله عليه ونعمته، مسندا ذلك كله إليه شاكرا له عليه، كما قال تعالى عنه:{ورفع أبويه على العرش وخروا له سجدا وقال يا أبتي هذا تأويل رؤياي من قبل قد جعلها ربي حقا، وقد أحسن بي إذ أخرجني من السجن وجاء بكم من البدو من بعد أن نزغ الشيطان بيني وبين إخوتي إن ربي لطيف لما يشاء إنه هو العليم الحكيم رب قد آتيتني من الملك وعلمتني من تأويل الأحاديث فاطر السماوات والأرض أنت وليي في الدنيا والآخرة توفني مسلما وألحقني بالصالحين}. يوسف:100-101
الأنموذج الثاني: نبي الله سليمان عليه السلام، الذي آتاه الله من الملك ما لم يؤت أحدا من العالمين، آتاه هو وأباه العلم، وعلمه منطق الطير، وجعل جنوده من الجن والإنس والطير، وسخر له الريح التي كان غدوها شهرا، ورواحها شهرا، فاعترف لربه بالفضل والنعمة، وطلب منه أن يوفقه لشكره على ما أنعم عليه وتفضل، قال تعالى عنه: {ولقد آتينا داود وسليمان علما وقالا الحمد لله الذي فضلنا على كثير من عباده المؤمنين وورث سليمان داود وقال يا أيها الناس علمنا منطق الطير وأوتينا من كل شيء إن هذا لهو الفضل المبين وحشر لسليمان جنوده من الجن والإنس والطير فهم يوزعون حتى إذا أتوا على وادي النمل قالت نملة يا أيها النمل ادخلوا مساكنكم لا يحطمنكم سليمان وجنوده وهم لا يشعرون فتبسم ضاحكا من قولها وقال رب أوزعني أن أشكر نعمتك التي أنعمت علي وعلى والدي وأن أعمل صالحا ترضاه وأدخلني برحمتك في عبادك الصالحين}. النمل: 15-19
وقال عندما أحضر له عرش ملكة سبأ:{هذا من فضل ربي ليبلوني ءأشكر أم أكفر ومن شكر فإنما يشكر لنفسه ومن كفر فإن ربي غني كريم}.النمل: 40.
الأنموذج الثالث: قصة ثالث الثلاثة المبتلين، أي الذين ابتلاهم الله تعالى بالنعم بعد النقم، فشكر هو النعمة، وكفرها صاحباه، فقد كان أعمى، فرد الله عليه بصره، ورزقه واديا من الغنم، فجاءه الْمَلَكُ في صورته وهيئته، فقالSadرجل مسكين وابن سبيل انقطعت بي الحبال في سفري، فلا بلاغ لي اليوم إلا بالله ثم بك، أسألك بالذي رد عليك بصرك شاة أتبلغ بها في سفري؟ فقال: قد كنت أعمى فرد الله إلي بصري، فخذ ما شئت ودع ما شئت، فوا لله ما أجهدك اليوم بشيء أخذته لله عز وجل. فقال: أمسك مالك، إنما ابتليتم، فقد رضي الله عنك،وسخط علىصاحبيك) [الحديث رواه أبو هريرة، عن الرسول صلى الله عليه وسله، وهو متفق عليه. (رياض الصالحين رقم 65 ص: 43)]
الإيمان هو الأساس (دروس في الإيمان) %D8%AE%D9%84%D9%81%D9%8A%D8%A7%D8%AA-%D8%A2%D9%8A%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D9%83%D8%B1%D8%B3%D9%8A-%D9%85%D9%83%D8%AA%D9%88%D8%A8%D8%A9-2
( 100)

الاطمئنان والرضا
ومن آثار الإيمان بالقدر أن المؤمن به على الوجه السابق يمنحه الله الرضا والطمأنينة، والصبر والثبات، ويدفع عنه الضجر والتسخط، والقلق والاضطراب، لأنه يعلم أن ما أصابه لم يكن ليخطئه، وما أخطأ لم يكن ليصيبه، وأن الله يبتليه بالنعماء ليشكر، ويبتليه بالضراء ليصبر، وأن ذلك كله له خير، فلا يضيع وقته في الفرح والبطر بالنعماء، ولا يتعب نفسه بالندم والحزن والتحسر على ما فاته في الماضي من مال أو ولد أو جاه أو منصب، ولا يستسلم للغم بسبب المصائب والنكبات النازلة به في الحاضر، ولا للهم لما يتوقع أن يصيبه في مستقبل الزمان. كما قال تعالى:{ولنبلونكم بشيء من الخوف والجوع ونقص من الأموال والأنفس والثمرات وبشر الصابرين الذين إذا أصابتهم مصيبة قالوا إنالله وإناإليه راجعون أولئك عليهم صلوات من ربهم ورحمة وألئك هم المهتدون}. البقرة:157

وقال تعالى: {ما أصاب من مصيبة في الأرض ولا في أنفسكم إلا في كتاب من قبل أن نبرأها إن ذلك على الله يسير لكيلا تأسوا على ما فاتكم ولا تفرحوا بما آتاكم والله لا يحب كل مختال فخور}. الحديد: 22-23. وسبق قول الرسول صلى الله عليه وسلم: (عجبا لأمر المؤمن،إن أمره كله له خير، وليس ذلك لأحد إلا للمؤمن، إن أصابته سراء شكر فكان خيرا له، وإن أصابته ضراء صبر، فكان خيرا له). [ص: 121] ولا يقدر نعمة الرضا والطمأنينة إلا من فقدهما فظل يكابد الشقاء والقلق، وأصيب بالأمراض النفسية، وفضل الموت بإزهاق روحه منتحرا على الحياة، كما هو واقع كثير من الناس اليوم، وإن الذي يقارن بين حياة المسلمين اليوم-مع بعد كثير منهم عن التمسك بالإسلام-وبين غيرهم يجد فرقا كبيرا في هذا المجال، مع أن ما ينزل بالمسلمين من المحن، والفقر، والحرمان، والعدوان من أعدائهم أشد مما ينزل بغيرهم، وهم أشد صبرا وأقل قلقا، ونسبة الانتحار فيهم ليست شيئا يذكر بجانب ما يحصل عند غيرهم.وإن ذلك لمصداق لقول الله تعالى: {فمن اتبع هداي فلا يضل ولا يشقى ومن أعرض عن ذكري فإن له معيشة ضنكا}.طـه: 123-124.
الإيمان هو الأساس (دروس في الإيمان) %D8%AE%D9%84%D9%81%D9%8A%D8%A7%D8%AA-%D8%A2%D9%8A%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D9%83%D8%B1%D8%B3%D9%8A-%D9%85%D9%83%D8%AA%D9%88%D8%A8%D8%A9-2
(101)

آثار عدم الإيمان بالقدر على الوجه السابق
وعلى عكس ذلك يصاب الذي لا يؤمن بقدر الله بالغرور والكبرياء، ويظن أنه هو صاحب الفضل على نفسه وعلى غيره، وليس الله القادر على كل شيء، وهذا زعم فاسد وغرور كاذب مقيت، كثيرا ما يُرِي اللهُ صاحبَه عاقبةَ غروره وكبريائه، ويجعله عبرة لغيره.
ومما ذكر في القرآن الكريم ثلاثة نماذج، فيها عبرة لمن اعتبر:
النموذج الأول : قصة صاحب الجنتين، الذي أنساه كبره مشيئة ربه، وجعله يفخر على غيره بما رزقه الله من مال وولد، ويزعم أنه جدير بهما، وأنه بتلك الجدارة استحقهما، ولا يمكن أن يُسْلَبَهُمَا، قال تعالى عنه وعن محاوِرِه الذي حاول تذكيره بالمنعم عليه بخلقه، وبما أنعم الله عليه من المال والولد، فلم تنفعه الذكرى، فندم ولات ساعة مندم : {واضرب لهم مثلا رجلين جعلنا لأحدهما جنتين من أعناب وحففناهما بنخل وجعلنا بينهما زرعا. كلتا الجنتين آتت أكلها ولم تظلم منه شيئا. وفجرنا خلالهما نهرا وكان له ثمر فقال لصاحبه وهو يحاوره أنا أكثر منك مالا وأعز نفرا. ودخل جنته وهو ظالم لنفسه قال ما أظن أن تبيد هذه أبدا. وما أظن الساعة قائمة ولئن رددت إلى ربي لأجدن خيرا منها منقلبا. قال له صاحبه وهو يحاوره أكفرت بالذي خلقك من تراب ثم من نطفة ثم سواك رجلا. لكنا هو الله ربي ولا أشرك بربي أحدا. ولولا إذ دخلت جنتك قلت ما شاء الله لا قوة إلا بالله إن ترن أنا أقل منك مالا وولدا. فعسى ربي أن يؤتيني خيرا من جنتك ويرسل عليها حسبانا فتصبح صعيدا زلقا. أو يصبح ماؤها غورا فلن تستطيع له طلبا. وأحيط بثمره فأصبح يقلب كفيه على ما أنفق فيها وهي خاوية على عروشها ويقول يا ليتني لم أشرك بربي أحدا. ولم تكن له فئة ينصرونه من دون الله وما كان منتصرا. هنالك الولاية لله الحق هو خير ثوابا وخير عقبا}. الكهف: 32-44.
النموذج الثاني : قصة قارون الذي بغى على نبي الله موسى عليه السلام وقومه، ناسيا فضل الله عليه، ناسبا ما أنعم الله به عليه إلى كفاءته وخبرته، متباهيا بذلك على الناس، فتمنى من غرَّتْهم الحياة الدنيا أن يكون لهم مثله، ونصحه عباد الله الذين يقدرون الله حق قدره بالتواضع لله وشكر المنعم عليه بتلك النعم التي أبطرته، فلم تنفعه الذكرى، ونصحوا كذلك من اغتروا بغناه وكبريائه، فكانت عاقبته ما ذكر الله عنه في قوله: {إن قارون كان من قوم موسى فبغى عليهم وآتيناه من الكنوز ما إن مفاتحه لتنوء بالعصبة أولي القوة إذ قال له قومه لا تفرح إن الله لا يحب الفرحين. وابتغ فيما آتاك الله الدار الآخرة ولا تنس نصيبك من الدنيا وأحسن كما أحسن الله عليك ولا تبغ الفساد في الأرض إن الله لا يحب المفسدين. قال إنما أوتيته على علم عندي أولم يعلم أن الله قد أهلك من قبله من القرون من هو أشد منه قوة وأكثر جمعا ولا يسأل عن ذنوبهم المجرمون. فخرج على قومه في زينته قال الذين يريدون الحياة الدنيا يا ليت لنا مثل ما أوتي قارون إنه لذو حظ عظيم. وقال الذين أوتوا العلم ويلكم ثواب الله خير لمن آمن وعمل صالحا ولا يلقاها إلا الصابرون. فخسفنا به وبداره الأرض فما كان له من فئة ينصرونه من دون الله وما كان من المنتصرين. وأصبح الذين تمنوا مكانه بالأمس يقولون ويكأن الله يبسط الرزق لمن يشاء من عباده ويقدر لولا أن من الله علينا لخسف بنا ويكأنه لا يفلح الكافرون}. القصص: 76-82.
تأمل قول الله تعالى فيه: {فما كان له من فئة ينصرونه وما كان من المنتصرين}، وقوله في صاحب الجنتين:{ولم تكن له فئة ينصرونه من دون الله وما كان منتصرا}، الدالين على أن المتكبر الذي لا يقدر الله حق قدره لا ينصر نفسه ولا يجد من ينصره من دون الله، أي لا يمنعه أحد من عقاب الله له.
النموذج الثالث : قصة فرعون، وقد وردت بأساليب متنوعة في القرآن الكريم، يكفي أن أذكر منها بعض الآيات المناسبة للمقام في موضعين:
الموضع الأول: قول الله تعالى عنه: {وقال فرعون يا أيها الملأ ما علمت لكم من إله غيري فأوقد لي يا هامان على الطين فاجعل لي صرحا لعلي أ طلع إلى إله موسى وإني لأظنه من الكاذبين واستكبر هو وجنوده في الأرض بغير الحق وظنوا أنهم إلينا لا يرجعون فأخذناه وجنوده فنبذناهم في اليم فانظر كيف كان عاقبة الظالمين}. القصص: 38-40.
الموضع الثاني: قول الله تعالى:{ونادى فرعون في قومه قال يا قوم أليس لي ملك مصر وهذه الأنهار تجري من تحتي أفلا تبصرون أم أنا خير من هذا الذي هو مهين ولا يكاد يبين فلولا ألقي عليه أسورة من ذهب أو جاء معه الملائكة مقترنين فاستخف قومه فأطاعوه إنهم كانوا فاسقين فلما آسفونا انتقمنا منهم فأغرقناهم أجمعين فجعلناهم سلفا ومثلا للآخرين} الزخرف-56 ]
وهكذا تجد من ينسى تقدير الخالق سبحانه، يتكبر ويتعالى في الأرض، وينسب ما آتاه الله إلى قدرته هو وعلمه وخبرته، وتكون نهايته هي نهاية فرعون وقار ون وصاحب الجنتين.
الإيمان هو الأساس (دروس في الإيمان) %D8%AE%D9%84%D9%81%D9%8A%D8%A7%D8%AA-%D8%A2%D9%8A%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D9%83%D8%B1%D8%B3%D9%8A-%D9%85%D9%83%D8%AA%D9%88%D8%A8%D8%A9-2
(102)

غرور فاقد الإيمان بقدر الله في هذا العصر
ولقد بلغت الكبرياء والغرور ونسيان الخالق سبحانه في هذا العصر الذروة، ممن ابتلاهم الله تعالى باستعمال عقولهم التي أنعم بها عليهم واستغلال خيرات الأرض والسماء، والاستمتاع بها في الأرض، مسكنا ومركبا، ومأكلا ومشربا، واختراعا ت متنوعة مكنتهم من تقريب الزمان والمكان،انتقالا، وصوتا، ورؤية، وأكسبتهم قدرة على جمع المال، وقوة السلاح، وغير ذلك مما يصعب تعداده، فاغتروا بذلك أيما غرور، وكفروا نعمة الله، قولا واعتقادا وعملا، فتسمع كثيرا منهم يقولون: قهرنا الطبعة وحققنا المعجزات، وأنكر كثير منهم وجود الله، وقدرته، ووصفوا الدين الذي يوجههم إلى صراط الله بأنه أفيون الشعوب، واستكبروا في الأرض فعاثوا فسادا وأهلكوا الحرث والنسل، ونشروا الظلم، وقد حق عليهم عذاب الله في الدنيا فأنزل بهم بأسه ففرق جمعهم وشتت شملهم وجعلهم شيعا وأحزابا ولا يزالون في تشتت وتمزق، كما حصل ذلك فيما كان يسمى الاتحاد السوفييتي، وسينزل الله بأعدائه الظالمين الذين لا يزالون يجاهرون بعلوهم وفسادهم في الأرض، وينصرون الظالم على المظلوم، كنصر اليهود والهندوس والنصارى على المسلين، في فلسطين، والهند، والفليبين والبوسنة والهرسك، وغيرها، ولقد بدأت بوادر نقمة الله تظهر في أقوى دولة مادية، على يد أبنائها، ومن ذلك حادث أوكلاهما، وحوادث العنف في لوس إنجليس، وغيرهما إضافة إلى التفسخ الأخلاقي والتمزق الاجتماعي والتدني الاقتصادي والأمراض النفسية والجسدية، وسنة الله تأبى العلو والفساد في الأرض، ولكن الله يمهل ولا يهمل ولايغترن أحد بالطول النسبي لعمر الدول، فهي تصاب بالأمراض والهرم والشيخوخة والموت كالأفراد {لا يغرنك تقلب الذين كفروا في البلاد متاع قليل ثم مأواهم جهنم وبئس المهاد} آل عمران:196-197]

هذا، ويحسن-هنا- نقل جمل تناسب المقام، لابن القيم ن رحمه الله، في وصف فقر العبد الذاتي المطلق، وحاجته المطلقة إلى الله، وفي غنى الله الذاتي المطلق وتفضله على العبد بكل نعمة، ثم وصف حال من نسي فضل الله عليه، فاغتر بما آتاه الله وتكبر، قال رحمه الله: (فمن عرف ربه بالغنى المطلق، عرف نفسه بالفقر المطلق، ومن عرفه بالقدرة التامة، عرف نفسه بالعجز التام،-إلى أن قال-:بل لم يزل عبدا فقيرا إلى بارئه وفاطره، فلما أسبغ عليه نعمته، و أفاض عليه رحمته، و ساق إليه أسباب كمال وجوده ظاهرا وباطنا، وخلع عليه ملابس إنعامه، وجعل له السمع والبصر والفؤاد، وعلمه وأقدره وصرفه وحركه، مكنه من استخدام بني جنسه، وسخر له الخيل والإبل، وسلطه على دواب الماء، واستنزال الطير من الهواء وقهر الوحش العادية، [و] حفر الأنهار، وغرس الأشجار، وشق الأرض، وتعلية البناء، والتحيل على مصالحه، والتحرز والتحفظ لما يؤذيه، ظن المسكين أن له نصيبا من الملك، وادعى لنفسه ملكا مع الله سبحانه، ورأى نفسه بغير تلك العين الأولى، ونسي ما كان فيه من حالة الإعدام والفقر والحاجة، حتى كأنه لم يكن هو ذلك الفقير المحتاج...). [طريق الهرتين وباب السعادتين (ص:13-14). طبع قطر]
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://el-quran.ahlamontada.com
Admin
Admin
Admin


المساهمات : 4240
تاريخ التسجيل : 20/01/2018

الإيمان هو الأساس (دروس في الإيمان) Empty
مُساهمةموضوع: رد: الإيمان هو الأساس (دروس في الإيمان)   الإيمان هو الأساس (دروس في الإيمان) Emptyالجمعة فبراير 23, 2018 2:59 am

الإيمان هو الأساس (دروس في الإيمان) %D8%AE%D9%84%D9%81%D9%8A%D8%A7%D8%AA-%D8%A2%D9%8A%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D9%83%D8%B1%D8%B3%D9%8A-%D9%85%D9%83%D8%AA%D9%88%D8%A8%D8%A9-2
(103)

دروس في الإيمان- تلخيص
1-الإيمان بالغيب حق مفروض لله على عباده، وبه يفرق بين الإنسان والحيوان.
2-الإيمان أشد ضرورة للإنسان من الطعام والشراب والهواء، لأن غاية الحصول على هذه الأمور الحفاظ على الحياة الحيوانية، وغاية فقدها فقد الحياة الحيوانية، أما حصول الإيمان فغايته نيل رضا الله في الدنيا والآخرة، والحياة الحرة العزيزة الطيبة الرضية في الدنيا والفوز بالنعيم المقيم في الآخرة، وغاية فقد الإيمان الشقاء والفساد والعبودية المذلة لغير الله في الدنيا، وحلول سخط الله، والإقامة الدائمة في نار جهنم في الآخرة.
3-الإيمان في لغة العرب التصديق، ولكنه في اصطلاح الكتاب والسنة وعرف جمهور علماء الأمة، يراد به اعتقاد القلب وعمله، وقول اللسان وعمل الجوارح، على وفق ما بينه الله ورسوله، شأنه في ذلك شأن المصطلحات الشرعية الأخرى، كالصلاة والصيام والحج والجهاد وغيرها، فلا يحكم المدلول اللغوي المدلول الشرعي بل العكس هو الصحيح.
4-إذا اجتمع الإيمان والإسلام أو الإيمان والعمل الصالح في سياق واحد كما في حديث جبريل، وسورة العصر، وغيرهما، فسر الإيمان بتصديق القلب، وبقي ما ذكر معه دالا على ماعداه من قول اللسان وعمل الجوارح.
5-أصول الإيمان بالغيب، هي الأركان التي ذكرت في حديث جبريل، الإيمان بالله، وملائكته، وكتبه، ورسله، واليوم الآخر، والقدر. وكل ما ورد في الكتاب والسنة الصحيحة من أمور الغيب يعد تفصيلا لتلك الأصول، يجب الإيمان به بحسب ما دلت عليه النصوص وفهمه سلف علماء الأمة.
6-الإيمان بأن الله وحده هو خالق الكون ومدبر شئونه، أمر دلت عليه كل المخلوقات الجليلة والدقيقة، بما فيها من إبداع وإتقان وانسجام، واتفقت الأمم على الإقرار به، ولهذا كان الرسل يستدلون به على من أنكر ألوهية الله، ولا عبرة بشذوذ من أنكره جحودا وعنادا، لفساد فطرته واستكباره.
7- يجب على علماء المسلمين ومفكر يهم إقامة الحجة بالأدلة والبراهين التي لا تحصى على من أنكر وجود الخالق وتدبيره للكون، ولا يلتفت لقول من قال: إنه لا حاجة إلى ذلك، بحجة أن الرسل لم يدعوا قومهم إلى الإيمان به، لأنه قياس فاسد، إذ الأمم السابقة كانت تقر بذلك فلا حاجة إلى دعوتها إلى ما تقر به، وهل يقاس من أنكره، كما حصل في هذا العصر على من أقر به!؟، إضافة إلى ذلك فقد أقام نبي الله موسى الحجة على فرعون وجادله عندما أظهر إنكاره، وهو يعلم أن إنكاره إنما هو عناد واستكبار، والقرآن الكريم مليء بالحجج والبراهين على هذا المعنى.
8- والذي يقر بوجود الخالق الواحد المدبر يلزمه أن يقر بأن هذا الخالق، هو وحده الإله المعبود بحق،وللإقرار بهذا المعنى والعمل بمقتضاه أنزل الله كتبه وبعث رسله إلى الخلق، وهو مضمون شهادة أن لا إله إلا الله التي هي قاعدة قواعد الإسلام، فالإقرار بذلك والعمل بمقتضاه هو أساس صلاح العالم،وإنكاره وعدم العمل بمقتضاه هو أساس فساد العالم، لأن من أقر به وعمل بمضمونه يستسلم لطاعة الله ويتبع هداه في كل شيء ومن ذلك تحكيم شريعته وتطبيقها في الحياة، والذي لا يقر به ولا يعمل بمضمونه يتبع هواه، واتباع الهوى هو أساس كل فساد.
9-الخالق المعبود له الأسماء الحسنى والصفات العلا، التي تعرف بها تعالى على خلقه، ليعبدوه بها، وفقه العبد أسماء الله وصفاته ومعرفة معانيها، مع البعد عن التشبيه والتعطيل والتحريف فيها، يحقق له العبودية الكاملة، ويملأ قلبه محبة وودا وشوقا إلى لقائه، وطمعا في رحمته وعفوه وغفرانه، والخلود في دار كرامته، ويجعله يجتهد في طاعة ربه لنيل رضاه، كما يملأ قلبه كذلك خشية وخوفا من الله، ومهابة وإجلالا، ويدفعه إلى البعد عن معصيته، اتقاء لسخطه وعقابه، لذلك يجب أن تدرس أسماء الله وصفاته أساسا لتحقيق هذا المعنى العظيم.
10-أما دراسة مذاهب الفرق في هذا الباب، فهو أمر طارئ يقصد منه بيان الحق من الباطل، يجب أن يتوسع فيه للمتخصصين لرد الشبهات الضالة، ولكن بعد أن يدرسوا الأسماء والصفات ليعبدوا الله بها، امتثالا لقوله عز وجل في كتابه: {ولله الأسماء الحسنى فادعوه بها وذروا الذين يلحدون في أسمائه سيجزون ما كانوا يعملون} الأعراف:180. وبهذا يعلم أن جعل الدراسة الفِرقِيّة للأسماء والصفات هي الأصل، منهج مخالف لأمر الله وللمنهج الذي سار عليه الرسول صلى الله عليه وسلم وأصحابه ومن تبعهم بإحسان.
11- من لم يؤمن بالملائكة أو أحدهم فقد الإيمان بجميع الأركان، وإن ادعى الإيمان ببعضها، والنصوص الدالة على ذلك كثيرة.
12- صلة الملائكة بالإنسان لا تنقطع، منذ خلق الله آدم إلى يوم القيامة بل إن صلتهم به تستمر حتى مع استقراره في دار النعيم، أو في دار العذاب الأليم، وصلتهم به تحقق الولاء بين المؤمنين، وإن تباعد ت أوطانهم، واختلفت طباعهم والبراءة من الكافرين، كما أن هذه الصلة تساعد المؤمن على طاعة الله والبعد عن معصيته.
13- من لم يؤمن بالكتب المنزلة على جميع رسله أو بعضها فقد كفر بجميع أصول الإيمان.
14- كلف الله أهل الكتب السابقة حفظها، فلم يمتثلوا أمره، بل ضيعوها وحرفوها.
15- ومن فوائد الإيمان بالكتب السماوية السابقة، مع تحريفها، وعدم جواز العمل بها بعد نزول القرآن، تصديق إخبار الله بها، ومعرفة أن هدى الله لم ينقطع عن خلقه، وإقامة الحجة بما بقي فيها من الحق على أهلها.
16- دل القرآن والسنة أنه توجد نسخ من التوراة والإنجيل فيها شيء من الحق، ولكن علماء أهل الكتاب كتموه.
17- القرآن الكريم تكفل الله بحفظه بنفسه، ولم يوكل حفظه إلى أحد من خلقه، وإن كان سخر عباده المؤمنين باتخاذ كل الوسائل المتاحة لحفظه، وهو الكتاب السماوي الوحيد المحفوظ فيه كلام الله تعالى
18-القرآن الكريم هو آخر الكتب السماوية،وهو المهيمن عليها، فلا يصدق ما فيها ولا يكذب إلا ما صدقه القرآن أو كذبه، وهو وحده الذي يجب العمل به، ومن لم يؤمن به من أهل الكتاب فقد كفر بالكتاب الذي يزعم أنه يؤمن به.
19- يجب على الأمة الإسلامية الاهتمام بالقرآن الكريم.
20- مفكرو العالم يبحثون عن منهج يحقق له السعادة، ويخرجه مما هو فيه من فساد في كل مجالات حياته، وقد جربوا كل المناهج البشرية، فلم تزدهم إلا ضلالا وفسادا، وإن ما ينشده هذا العالم لا يوجد إلا في المنهج الرباني الذي يخرجه من الظلمات إلى النور، و المنهج الرباني لم يعد له وجود إلا في القرآن الكريم وسنة الرسول صلى الله عليه وسلم، ومع ذلك فقد اجتمع على حرب هذا المنهج أعداؤه من اليهود والنصارى والوثنيين والملحدين، ومن ذرا ري المسلمين الذين تتلمذوا على أولئك الأعداء وتسلموا مقاليد الأمور في الشعوب الإسلامية، ولو طبق المسلمون هذا المنهج في الأرض ورأى العالم ثمار تطبيقه المنشودة فيهم لاتخذوهم قدوة حسنة، ودخل الناس في هذا الدين أفواجا، كما حصل ذلك في عصور الإسلام المفضلة.

21- سبل الاهتمام بالقرآن الكريم (تابع للتلخيص)
وتتلخص سبل الاهتمام بالقرآن الكريم في الأمور الآتية:
1- تلاوة القرآن بتدبر.
2- غرس احترامه الصادق في النفوس.
ولقد قل هذان الأمران عند كثير من المسلمين، فهجروا كتاب الله تلاوة وتدبرا، وأصبح احترام القرآن لدى كثير منهم لا يتعدى تقبيله وإحناء الرأس له إذا وقع في أيديهم في أي مناسبة، أما احترامه الصادق المؤدي إلى الاستسلام الكامل لأوامره ونواهيه، فلا تراه إلا في قلة من المسلمين، وهذا يدل على جفاء مقيت لهذا القرآن، ترتبت عليه نتيجة خاسرة.
3- طلب تفسيره على يد من فقههم الله فيه من العلماء العاملين، الذين أحرزوا أدوات فقهه، وسلكوا في ذلك مسلك أصحاب الرسول الذين تلقوه عنه، وفقهوا من بعدهم به، كما فقههم هو صلى الله عليه وسلم، ففسروا القرآن بالقرآن، وبسنة الرسول صلى الله عليه وسلم، وبالفهم السليم المبني على قواعد أهل العلم.
أما العابثون الذين يسيئون الأدب مع كتاب الله، من صغار طلبة العلم المتعالمين الذين يطيرون فرحا وغرورا ببعض ما فهموه من المسائل العارية عن التقعيد والتأصيل العلمي، كأصول الفقه وعلوم التفسير، واللغة العربية نحوا وصرفا واشتقاقا، وعلوم الحديث، وغيرها من أدوات الفقه في الدين، فيجب عليهم أن يكفوا عن الخوض في تفسير كلام الله على جهل به، وقد كان كبار أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يتحرجون من تفسير كلام الله ما لم يكن عندهم علم به، ويجب على من يريد التفقه في كتاب الله أن ينأى بنفسه عن أخذه عن أمثال هؤلاء الذين قد يضلونه باسم الهدى ويجهلونه باسم العلم.
ومن باب أولى لا يجوز طلب تفسيره على أيدي المستشرقين والمنصرين، وتلاميذهم الذين تلقوا عنهم من أبناء المسلمين الذين يحرفون الكلم عن مواضعه.
ويجب الحذر الشديد من علماء السوء الذين يشترون بآيات الله ثمنا قليل، مشابهة لأهل الكتاب، فيحلون ما حرم الله أو يحرمون ما أحل الله، طلبا لرضا من يحارب شريعة الله وهم أشد خطرا من غيرهم لاغترار الناس بعلمهم، وقدرتهم على لبس الحق بالباطل
4- وضع منهج ميسر لتفسيره، وتأليف كتاب تفسير، يراعى فيه تفسير الألفاظ الغريبة، والتفسير الإجمالي، وأسباب النزول الموضحة للمعنى، والتفسير الموضوعي المختصر، وذكر الأحكام التي تشتمل عليها الآيات، والإشارة إلى الأخلاق والآداب التي تضمنتها الآيات، وربط واقع حياة الناس بالقرآن الكريم.
5- التحاكم إلى ما أنزل الله، ونبذ كل القوانين المخالفة له.
6- التطبيق العملي لما جاء فيه، على مستوى الفرد والأسرة والأمة أي القيام بالعمل الصالح الذي هو الهدف من نزول القرآن، وبه تتحقق للأمة السعادة والعزة والنصر.
7- الدعوة إلى الإيمان بهذا القرآن والعمل به، وبها يكثر أنصار هذا الدين وتقوى الأمة الإسلامية، وبترك الدعوة إلى ذلك يقل المسلمون وينضم بعضهم إلى صفوف عدوهم، فيكثر بذلك أعداؤهم، ويضيعون بذلك دينهم الذي أقام الله عليهم به الحجة، وحملهم أمانة العمل به والدعوة إليه، فحاربه كثير منهم حربا ظالمة، فكانت النتيجة خسارة هذه الأمة وانحطاطها، وخسارة العالم كله.
22- الكفر برسول واحد كفر بكل الرسل، بل كفر بالإيمان بالغيب كله-ومنه الإيمان بالله-ولا يوجد طريق رباني لإثبات الإيمان بالرسل جملة وتفصيلا إلا ما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم، فإيمان البشر كلهم به-وخاصة أهل الكتاب-ضرورة لا غنى عنها، وقد أخذ الله الميثاق على جميع الرسل أن يؤمنوا به لو أدركهم، وبشروا به قومهم. فقد بعث صلى الله عليه وسلم إلى الجن والإنس إلى يوم القيامة.
23- ويترتب على عموم رسالته وجوب حمل الأمة الإسلامية هذا الدين لتكون قدوة للعالم، ووجوب قيا مها بتبليغ هذا الدين إلى كل البشر في كل أنحاء الأرض ما استطاعت إلى ذلك سبيلا.
24- رسالة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم ختمت جميع الرسالات، وكل من ادعى النبوة بعده فهو كذاب دجال، ويترتب على ذلك عظم مسئولية أمته عن هذا الدين
وأن كل ما يحتاجه العالم من هدى لجلب مصالحهم ودفع المفاسد عنهم لابد أن يكون موجودا في منهج الإسلام، وأن باب الاجتهاد مفتوح إلى يوم القيامة، لمن هو أهل له، ووجود المجتهدين الذين تحصل بهم الكفاية فرض كفاية على الأمة الإسلامية.
وأن على جميع الأمم الدخول في هذا الدين، الذي لا يقبل الله من أحد دينا سواه
وأن شريعة الرسول صلى الله عليه وسلم كاملة، لكمال علم واضعها المقتضي إحاطته بكل ما يحتاج إليه البشر، وكمال عدله المقتضي براءته من الهوى والمحاباة والظلم، وكمال قيوميته المقتضي تنزيهه عن الغفلة والنسيان والسنة والنوم، وكمال حكمته المقتضي وضع كل شيء في مكانه المناسب، بحيث لا يقال فيما شرعه: ليته كان كذا، أوليته لم يكن كذا، وكمال رحمته المقتضي أن يشرع لعباده ما يحقق مصالحهم بدون إعنات ولا حرج، وذلك بخلاف قوانين البشر الذين لا يمكن أن يتصفوا بتلك الصفات الإلهية. وقد دل على كمال هذه الشريعة نصوص الكتاب والسنة، وما تضمنته من تفاصيل شاملة للحياة كلها، والتجربة العملية التي لا ينكرها إلا مكابر.
25- ولهذا تميزت الشريعة الإسلامية بالكمال، وبالسمو، والدوام.
26- والأسباب التي دعت إلى سوء الظن بهذه الشريعة، تتلخص فيما يأتي:
1- الجهل بحقائقها.
2- التشويه المتعمد لحقائق هذه الشريعة من أعدائها الكافرين، وبعض المنافقين الذين يدعون الإسلام.
3- إقصاء الطغاة تحكيم هذه الشريعة في حياة المسلمين.
4- جمود غالب العلماء على التقليد الأعمى، تطبيقا عمليا لدعوة غلق باب الاجتهاد.

27- إن طاعة الرسول صلى الله عليه وسلم-كما مضى-فرض على الناس كافة، وبخاصة المسلمين الذين يجب أن يكونوا قدوة حسنة لغيرهم، فكما أن وظيفته صلى الله عليه وسلم البلاغ المبين فإن وظيفة الأمة الطاعة، ويترتب على الإيمان به وعلى طاعته اجتماع كلمة المسلمين على الحق، وسلامتهم من التنازع المؤدي إلى الفشل، لأنهم يردون ما اختلفوا فيه إلى الله ورسوله، وفي ذلك عزتهم وقوتهم، ووضع الله هيبتهم في قلوب أعدائهم ونصرهم عليهم.
28- الإيمان باليوم الآخر قرين الإيمان بالله سلبا وإيجابا، فمن لم يؤمن باليوم الآخر لم يؤمن بالله، وهو يدفع إلى طاعة الله طمعا في نيل رضاه والخلود في دار كرامته،، والبعد عن معصيته، خوفا منه وخشية من عقابه في نار جهنم، وبذلك يثبت الصلاح في الأرض وينعدم أو يقل الفساد في الأرض، بخلاف الكفر باليوم الآخر، فإنه سبب في تثبيت الفساد ونشره، ومحاربة الصلاح وأهله.
29- الزهد في السبب المشروع غير مشروع:
إن من وسائل التربية الربانية التي شرعها الله في كتابه وفي سنة رسوله صلى الله عليه وسلم الترغيب والترهيب، ترغيب الله عباده في نيل رضاه وفي رجاء ثوابه والخلود في جنته التي فيها مالا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر، وأن ذلك كله إنما يحصل بطاعته وترك معصيته. وترهيبهم من سخطه والخوف والخشية منه ومن عقابه، ومن د خول جهنم التي أعدها لمن ترك طاعته وارتكب معاصيه. ووصف عباده المؤمنين من الأنبياء والشهداء والصالحين، وملائكته المقربين، أنهم يرجون رحمته ويخافون عذابه، ورغبهم في الجنة وخوفهم من النار، وأن الذين يخافونه ويرجونه ويؤمنون باليوم الآخر هم الفائزون الذين يصلحون في الأرض وأن الذين لا يرجونه ولا يخافونه ولا يرجون نعيمه ولا يخافون عذابه هم الخاسرون الذين يفسدون في الأرض، ووردت في ذلك آيات وأحاديث كثيرة.
ومع ذلك كله فقد وسوس الشيطان لبعض العباد المهتمين بإخلاص أعمالهم لله وتطهير قلوبهم وتخليصها من الرياء والسمعة، فأظهروا الزهد في الأسباب المشروعة التي تعبد الله بها أنبياءه ورسله وملائكته وعباده المؤمنين، وأطلقوا عبارات ظاهرة المخالفة لما دل عليه القرآن والسنة، ومن تلك العبارات قول بعضهم: (ما عبدت الله خوفا من ناره ولا حبا لجنته...) وقد أحدثوا بذلك أثرين خطيرين: الأول: جعل الناس المقلدين لهم يرددون هذه العبارات المخالفة لنصوص الكتاب والسنة ومسلك الأنبياء والصالحين والملائكة المقربين، ويعتقدون ذلك. والأمر الثاني: افتتان بعض المظهرين للإسلام بتلك العبارات والاستدلال بها على عدم وجود اليوم الآخر، وعدم وجود الجنة والنار...، وقد يكون السبب الأصيل هو الهوى، وإيثار معتقدات إلحادية سابقة عند هؤلاء، لكن هذه العبارات شجعتهم على الإصرار على رأيهم مع إقامة الحجة عليهم.
ولقد شرع الله أسبابا تعين على الإخلاص له، غير ذلك السبب المخالف لما شرع سبحانه:
الأمر الأول: أنه تعالى بين في كتابه وفي سنة رسوله منزلة الإخلاص، وأنه لا يقبل من عبده أي قربة بدون الإخلاص ابتداء بقاعدة قواعد الإسلام (شهادة أن الإله إلا الله)، وانتهاء بإزالة الأذى عن الطريق: {وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين}. البينة: 5.
فهل يليق بمؤمن يطلب رضا الله ويرجو ثوابه أن يلتفت في عمله إلى من يحبط الله عمله بسبب التفاته إليه؟
لأمر الثاني:أنه تعالى بين لعبده أنه هو وحده الذي ينفعه ويضره وأن غير الله لا ينفعه إلا بشيء قد كتبه الله له، ولا يضره إلا بشيء قد كتبه الله عليه، والعاقل المؤمن يربأ بنفسه أن يقصد بعمله من لا يضره ولا ينفعه، ويعرض عمن بيده نفعه وضره، في الدنيا والآخرة.
الأمر الثالث: أن الله تعالى قد أمر عبده بالإكثار من ذ كره المطلق-وهو الذي لا يتقيد بزمان ولا مكان ولا عبادة معينة-ليكون دائما مستحضرا أسماءه وصفاته التي تعبده بها، وفي ذلك ما يعينه على الإخلاص لله في كل حركاته وسكنا ته، ويعصمه عن الالتفات إلى سواه، كما شرع له أذكارا مقيدة بعبادات معينة، كأذكار الصلاة التي تبدأ بالتكبير وتنتهي بالتسليم، وكأذكار الحج التي تبدأ بالتلبية وتنتهي بالتكبير، وهكذا كل عبادة تكون لها أذكار فهل يليق بالمؤمن الذي يبدأ بتكبير الله في صلاته-مثلا-ثم يستمر ذاكرا له بقراءة، وتسبيح وتحميد في كل رفع وخفض وقيام وقعود، أن يرائي غير الله الأكبر!؟ والذي يتأمل ما ورد من الأذكار التي شرعها الله للمسلم يوقن بأن الله أراد من عبده أن يجعل حياته كلها له-وكذلك مماته-: فأذكار دبر الصلوات، وأذكار في الصباح، وأذكار في المساء، وأذكار عند النوم، وأذكار مند القيام من النوم-وأذكار عند الطعام، بدأ وانتهاء-وأذكار عند دخول المسجد وعند الخروج منه، وهكذا عند السفر وعند الرجوع منه، وعند اعتلاء مركوب، وعند دخول المرحاض وعند الخروج منه،لا بل أمر بذكره تعالى عند التقاء الزوجين.
فذكر الله تعالى واستحضار أسمائه وصفاته، هو الذي يعين على الإخلاص له، ويعين كذلك على طاعته وعدم معصيته، وهذه هي الأسباب المشروعة للاستعانة بها على الإخلاص، أما الزهد في السبب المشروع للتوصل به إلى الأمر المشروع، فهو غير مشروع.

30- دلت نصوص الكتاب والسنة على أن الله على كل شيء قدير، وأن الله تعالى علم كل ما هو كائن، وكتبه في اللوح المحفوظ، وأنه يوجد كل شيء على ما هو عليه حسب مقتضى علمه، وعلى هذا مضى أصحاب الرسول صلى الله عليه وسلم ومن تبعهم بإحسان، ولا عبرة بخلاف أهل البدع، ويجب أن يعلم أن القدر سر الله في خلقه، فلا علم لأحد غير الله بما يقدره الله إلا بعد وجوده، وظهوره، فالسعادة والشقاوة، والغنى والفقر، وطول العمر وقصره، وغير ذلك من الغيب الذي لا يعلمه أجد، إلا ما أطلع الله عليه من ارتضى من رسله وملائكته.
31- وقد منح الله الإنسان العقل الذي يفرق به بين الخير والشر، ويزن به ما فيه مصلحة وما فيه مفسدة، مما اتفق عليه بنو البشر، كالصدق والكذب والعدل والظلم، في الجملة، ومنحه حرية الاختيار بين الأشياء، والقدرة على فعل ما يختاره، وجعله مسئولا عن تصرفاته، وزاده من فضله أن بعث إليه رسله وأنزل كتبه فبين له ما ينفعه وما يضره، وأمره ونهاه، ووعده بالإعانة إذا استعان به، وأمره بفعل الأسباب التي رتب الله عليها مسبباتها، فلا يجوز ترك الأسباب، اتكالا على القدر الذي هو غيب عن الإنسان.
32- وقد دلت نصوص القرآن والسنة وواقع المسلمين عندما تمسكوا بدينهم أن إيمانهم بالقدر يدفعهم إلى الجد والعمل، وليس إلى العجز والكسل، وأن الاحتجاج بالقدر على فعل الشر أو ترك الخير من سنن المشركين، وليس من صفات المؤمنين
33- وشرع الله للمؤمن أن يرضى بما قدره الله عليه من المصائب التي لا تدخل تحت قدرته واختياره، أما ترك الطاعات وفعل المعاصي فلا يجوز أن يرضى بها بل يجب أن يبذل جهده في فعل الطاعة وترك المعصية، فإذا ترك طاعة واجبة، أو فعل معصية، وجب أن يتوب إلى الله، ومن شروط التوبة الندم على ما فعل، وليس الرضا بذلك.
34- من آثار الإيمان بالقدر: الجد في العمل الذي يرضي الله، والتواضع والبعد عن التكبر، وزعم استقلال الأسباب في إيجاد المسببات، والرضا والاطمئنان والصبر والثبات، وعدم التسخط والقلق في الحياة، بخلاف من لم يؤمن بالقدر، فإنه يصاب بالكبرياء، ويزعم أن ما أتاه الله من ملك وجاه وغيره، إنما أوتيه بعمله المستقل عن الله وبعلمه وخبرته، فإذا أصيب في شيء من ذلك قلق واضطربت حياته، وقد يصل به الأمر إلى إزهاق روحه لعدم صبره وشدة تسخطه، كما هو حاصل كثيرا اليوم، وبخاصة في العالم الذي بلغ مبلغا عظيما من الرقي المادي.
الإيمان هو الأساس (دروس في الإيمان) %D8%AE%D9%84%D9%81%D9%8A%D8%A7%D8%AA-%D8%A2%D9%8A%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D9%83%D8%B1%D8%B3%D9%8A-%D9%85%D9%83%D8%AA%D9%88%D8%A8%D8%A9-2
(107)

دروس في الإيمان- النتائج :
1-الإيمان شرط في صحة العبادة وقبولها والإثابة عليها:
إن ما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم، فيه إخبار للناس بأمور الغيب، وهي إما ماضية، كقصص الأنبياء وأممهم، وإما مستقبلة، كأشراط الساعة، وما يحصل في اليوم الآخر، من حشر وحساب وجزاء، وثواب وعقاب، ومن الغيب إخباره الناس عن الله وعن صفاته، وكونه أرسل رسوله إليهم ليخرجهم من الظلمات إلى النور، وأن القرآن الكريم وحي أنزله الله إليه، وأن سنته وحي كذلك وان طاعته واجبة ومعصيته محرمة، فمن صدق الرسول صلى الله عليه وسلم في ما أخبر به عن ربه، فهو مؤمن وهو الذي تكون عبادته صحيحة مقبولة عند الله ويستحق عليها الثواب، لأن الإيمان شرط في صحة العبادة، كما قال تعالى {ومن يعمل من الصالحات من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فألئك يدخلون الجنة ولا يظلمون نقيرا}. النساء: 124.
وقال تعالى: {من عمل صالحا من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فلنحيينه حياة طيبة ولنجزينهم أجرهم بأحسن ما كانوا يعملون}. النحل: 97.
وقال تعالى:{ومن يعمل من الصالحات وهو مؤمن فلا يخاف ظلما ولا هضما}. طـه: 112
وقال تعالى: {ومن يأته مؤمنا قد عمل الصالحات فأولئك لهم الدرجات العلى}. طـه: 75.
وقال تعالى: {ومن عمل صالحا من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فأولئك يدخلون الجنة يرزقون فيها بغير حساب} غافر40.
ومن كذبه في شيء من ذلك، فقد كفر، والكافر لا يقبل الله منه عملا، ولو كان ظاهره الصلاح كالصدقة وصلة الرحم، ونصر المظلوم وغير ذلك، ولا يثيبه عليه في الآخرة، وليس الله تعالى بظالم له بعدم قبوله تلك الأعمال منه وعدم إثابته عليها في الآخرة، لأنه هو لم يرد بعمله الصالح في الظاهر الآخرة، إذ لم يؤمن بها كما أراد الله منه، وإنما أراد الدنيا وقد أعطاه الله منها مالا قدرة له على شكره عليها لو كان مؤمنا، فكيف وقد كفر كفر الاعتقاد وكفر العمل وكفر النعمة!؟ قال تعالى: {ومن يرد ثواب الدنيا نؤته منها ومن يرد ثواب الآخرة نؤته منها وسنجزي الشاكرين}. آل عمران: 145.
وقال تعالى: {فمن الناس من يقول ربنا آتنا في الدنيا وما له في الآخرة من خلاق}. البقرة: 200.
والآيات الدالة على حبوط عمل الكافر كثيرة في القرآن الكريم، منها قوله تعالى: {ومن يكفر بالإيمان فقد حبط عمله وهو في الآخرة من الخاسرين}. المائدة: 5.
وقوله تعالى: {ومن يرتدد منكم عن دينه فيمت وهو كافر فأولئك حبطت أعمالهم في الدنيا والآخرة وأولئك أصحاب النار هم فيها خالدون}. البقرة: 217.
وقال تعالى:{والذين كذبوا بآياتنا ولقاء الآخرة حبطت أعمالهم هل يجزون إلا ما كانوا يعملون}. الأعراف: 147.
وقال تعالى: {مثل الذين كفروا أعمالهم كرماد اشتدت به الريح في يوم عاصف لا يقدرون مما كسبوا على شيء ذلك هو الضلال البعيد}. إبراهيم: 18.
وقد سألت عائشة، رضي الله عنها، الرسول صلى الله عليه وسلم عن أعمال الكفار التي ظاهرها الصلاح فقالت: يا رسول الله، ابن جدعان كان في الجاهلية يصل الرحم، ويطعم المسكين، فهل ذلك نافعه؟ قال: (لا ينفعه، إنه لم يقل يوما: رب اغفر لي خطيئتي يوم الدين). [صحيح مسلم 0 3/86) بشرح النووي]


2-المبادىء لا يحملها ويطبقها إلا من آمن بها:
إن المبادئ لا يحملها ويعمل بها إلا من آمن بها، واعتقد أنها تنفعه وتعود عليه بالفائدة والمصلحة، أما الذي يشك فيها ويكذب بها، فإنه يحاربها ويقف ضد العمل بها، علنا إن كان قادرا قويا، كما فعل المشركون، وكما يفعل أعداء الإسلام الأقوياء في كل زمان، وسرا إن كان ضعيفا، كحال المنافقين في المدينة بعد هجرة الرسول صلى الله عليه وسلم، وانتصاره على الكفار في غزوة بدر الكبرى.

ولهذا يكثر توجيه الخطاب في القرآن الكريم إلى المؤمنين، مع أنه نزل لكل الناس، سواء كان الخطاب يتعلق بالشعائر التعبدية، كالطهارة والصلاة والصيام والحج والزكاة، أو في العلاقات الأسرية أو في الأطعمة والأشربة، أو في العدل والقصاص وتحكيم شرع الله أو في الوفاء بالعقود وترك الخيانة، أوفي الأموال، أو في اجتماع كلمتهم واعتصامهم بحبل الله، أو في الأمر بطاعة الله وطاعة رسوله عموما، أو في النهي عن طاعة الشيطان، أو في أداء أي حق من الحقوق: حقوق الله وحقوق عباده، وكذلك خاطب المؤمنين بفعل الخير عموما وحماية الحق وقيادة البشرية به والشهادة عليهم، هذه الأمور وغيرها من شريعة الله مطلوبة الأداء من كل الناس، ولكن الله تعالى خاطب بها عباده المؤمنين خاصة، لأن المؤمنين هم الذين يرجى منهم طاعة الله في امتثالها.
قال تعالى في شأن الطهارة والصلاة: {يا أيها الذين آمنوا إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا وجوهكم}. الآية.المائدة:6
وقال في شأن، صلاة الجمعة: {يا أيها الذين آمنوا إذا نودي للصلاة من يوم الجمعة فاسعوا إلى ذكر الله وذروا البيع ذلكم خير لكم إن كنتم تعلمون}.الجمعة: 9
وقال في شأن الصيام: {يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون}. البقرة:183
وقال تعالى في شأن الحج آمرا المؤمنين-كما هو واضح من الخطابات قبله وبعده-: {وأتموا الحج والعمرة لله}. البقرة: 196
وقال في شأن الزكاة: {قد أفلح المؤمنون-إلى قوله-والذين هم للزكاة فاعلون}. المؤمنون: 1-4 وهم الذين أمر رسوله صلى الله عليه وسلم أن يأخذ منهم الصدقة في قوله تعالى: {خذ من أموالهم صدقة..}. التوبة: 103.
أما غير المؤمنين فقد شرع الله أخذ الجزية منهم، لأنها ليست عبادة.
وقال تعالى في العلاقات الأسرية: {يا أيها الذين آمنوا ليستأذنكم الذين ملكت أيمانكم والذين لم يبلغوا الحلم منكم ثلاث مرات قبل صلاة الفجر وحين تضعون ثيابكم من الظهيرة ومن بعد صلاة العشاء ثلاث عورات لكم ليس عليكم ولا عليهم جناح بعدهن طوافون عليكم بعضكم على بعض كذلك يبين الله لكم الآيات والله عليم حكيم}. النور : 58
وقال تعالى في شأن الأطعمة: {يا أيها الذين آمنوا كلوا من طيبات ما رزقناكم واشكروا لله إن كنتم إياه تعبدون إنما حرم عليكم الميتة والدم ولحم الخنزير وما أهل به لغير الله فمن اضطر غير باغ ولاعاد فلا إثم عليه إن الله غفور رحيم}. البقرة: 172
وقال في الأشربة: {يا أيها الذين آمنوا إنما الخمر والميسر والأنصاب والأزلام رجس-إلى قوله-فاجتنبوه لعلكم تفلحون}. المائدة:90
وقال تعالى في العدل: {يا أيها الذين آمنوا كونوا قوامين بالقسط شهداء لله ولو على أنفسكم}. الآية النساء: 135
وقال تعالى في القصاص: {يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم القصاص في القتلى الحر بالحر} . الآية، البقرة: 178
وقال تعالى في شأن تحكيم الشريعة: {إنما كان قول المؤمنين إذا دعوا إلى الله ورسوله ليحكم بينهم أن يقولوا سمعنا وأطعنا وأولئك هم المفلحون}. النور:51
وقال تعالى في شأن الوفاء بجميع العقود: {يا أيها الذين آمنوا أوفوا بالعقود}. المائدة: 1
وقال تعالى في شأن الخيانة: {يا أيها الذين آمنوا لا تخونوا الله والرسول وتخونوا أماناتكم وأنتم تعلمون}. الأنفال: 27
وقال تعالى في شأن الأموال: {يا أيها الذين آمنوا لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل إلا أن تكون تجارة عن تراض منكم}. النساء: 29
وقال: {يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وذروا ما بقي من الربا إن كنتم مؤمنين}. البقرة: 228
وقال تعالى في شأن اجتماع الكلمة على الحق والاعتصام بحبل الله: {يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا..} . الآية آل عمران:101-102
وقال تعالى في شأن طاعة الله وطاعة رسوله عموما: {يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولى الأمر منكم فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله ورسوله إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر ذلك خير وأحسن تأويلا}. النساء:59
وقال تعالى في النهي عن اتباع الشيطان {يا أيها الذين آمنوا لاتتبعوا خطوات الشيطان ومن يتبع خطوات الشيطان فإنه يأمر بالفحشاء والمنكر}. النور: 21
وقال تعالى في أداء الحقوق-حقوق الله وحقوق عباده-: {قد أفلح المؤمنون الذين هم في صلاتهم خاشعون والذين هم عن اللغو معرضون والذين هم للزكاة فاعلون والذين هم لفروجهم حافظون إلا على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم فإنهم غير ملومين فمن ابتغى وراء ذلك فأولئك هم العادون والذين هم لأماناتهم وعهدهم راعون والذين هم على صلواتهم يحافظون أولئك هم الوارثون الذين يرثون الفردوس هم فيها خالدون}. المؤمنون: 1-11
وقال تعالى في شأن فعل الخير وحمايته، وقيادة البشرية به والشهادة به على الناس كلهم، مع بيان مؤهلاتهم في هذه الشهادة: {يا أيها الذين آمنوا اركعوا واسجدوا واعبدوا ربكم وافعلوا الخير لعلكم تفلحون وجاهدوا في الله حق جهاده هو سماكم المسلمين من قبل وفي هذا ليكون الرسول شهيدا عليكم وتكونوا شهداء على الناس فأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة واعتصموا بالله هو مولاكم فنعم المولى ونعم النصير}. الحج: 77-78

فالأمة الإسلامية وحدها هي التي تطبق شريعة الله في أرضه عندما تكون أمة إسلامية حقا، وتقود الأمم وتهديها بها، وتشهد عليها بالحق والعدل: {كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله..}. آل عمران: 110
وكذلك كان الرسول صلى الله عليه وسلم، يخص المؤمنين بالأمر والنهي، مع أنه رسول الله إلى الثقلين.
من ذلك: ما رواه أبو هريرة، رضي الله عنه، قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: {من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يؤذ جاره، ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم ضيفه، ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيرا أو ليصمت} [اللؤلؤ والمرجان فيما اتفق عليه الشيخان (رقم: 29، ص: 10)] وغيره كثير.


3-الأصل فيمن يؤمن بضد المبدأ أن يحاربه :
أما غير المؤمنين فإن موقفهم من شريعة الله هو الصد عنها وحربها وحرب أهلها في كل زمان ومكان، قال تعالى: {إن الذين كفروا سواء عليهم ءأنذرتهم أم لم تنذرهم لا يؤمنون ختم الله على قلوبهم وعلى سمعهم وعل أبصارهم غشاوة ولهم عذاب عظيم} البقرة: 6-7
وقال تعالى: {وإذ يمكر بك الذين كفروا ليثبتوك أو يقتلوك أو يخرجوك ويمكرون ويمكر الله والله خير الماكرين} الأنفال: 30
وقال تعالى: {إن الذين كفروا ينفقون أموالهم ليصدوا عن سبيل الله فسينفقونها ثم تكون عليهم حسرة ثم يغلبون والذين كفروا إلى جهنم يحشرون} الأنفال:36
وكل قصص الرسل-مع قومهم الذين كفروا بهم من نوح عليه السلام إلى نبينا محمد صلى الله عليه وسلم-واضحة الدلالة على هذا المعنى، ويكفي دلالة على ذلك ما نشاهده اليوم من الحرب المستعرة من أعداء الإسلام لهذا الدين وأهله، سواء أكانوا هم اليهود والنصارى والملحدين أم هم تلاميذهم من ذرا ري المسلمين الذين حاربوا الإسلام أشد من حرب أسيادهم له.
وقد يكون أعداء هذه الشريعة ضعفاء، لا يقدرون على محاربتها علنا، لعلمهم بأن محاربتهم السافرة ستعود عليهم بالضرر، لقوة المسلمين، وعندئذ يحاربون هذه الشريعة في الخفاء، ويحيكون ضدها وضد أهلها المؤامرات، ويظهرون غير ما يبطنون، ويبثون الإشاعات الكاذبة لتشويه سمعة الصالحين من المؤمنين والمؤمنات، ويتهمون الإسلام بما ينفر الناس منه، ويتعاونون سرا مع اليهود والنصاري وغيرهم من أعداء الإسلام، وهؤلاء هم المنافقون-ومثلهم كثير ممن يسمون بالعلمانيين في بلدان المسلمين-وقد كشفهم القرآن الكريم، مصدر هذه الشريعة التي حاربوها ولا زالوا.
كما قال تعالى: {ومن الناس من يقول آمنا بالله وباليوم الآخر وما هم بمؤمنين يخادعون الله والذين آمنوا وما يخدعون إلا أنفسهم وما يشعرون-إلى قوله-وإذا لقوا الذين آمنوا قالوا آمنا وإذا خلوا إلى شياطينهم قالوا إنا معكم إنما نحن مستهزئون} البقرة: 8-14
وقال تعالى: {ألم تر إلى الذين نافقوا يقولون لإخوانهم الذين كفروا من أهل الكتاب لئن أخرجتم لنخرجن معكم ولا نطيع فيكم أحدا أبد وإن قوتلتم لننصرنكم والله يشهد إنهم لكاذبون-إلى قوله تعالى-لأنتم أشد رهبة في صدورهم من الله ذلك بأنهم قوم لا يفقهون}.الحشر: 12-13


4- قوة المؤمنين الصادقين وعزتهم:
إن المؤمنين الصادقين الأقوياء في إُيمانهم، لا بد أن يكونوا أقوياء في الحياة، لا يرضون بالضعف، ولا بد أن يكونوا أعزة، لا يرضون بالذلة والهوان، لأنهم أهل كلمة الله التي يجب أن تكون هي العليا، ولا تعلو كلمة الله في الكون إلا إذا حملها رجال أقوياء في إيمانهم، وفي عبادتهم، وفي سلوكهم، وفي اقتصادهم ومالهم، وفي علمهم، وفي صناعاتهم، وفي فروسيتهم وجنديتهم، وفي سياستهم، بحيث يبذلون كل طاقاتهم في نيل تلك القوة، ويفوقون أعداءهم في ذلك كله، ذلك ما يقتضيه صدق الإيمان الذي قال الله فيه: {إنما المؤمنون الذين آمنوا بالله ورسوله ثم لم يرتابوا وجاهدوا بأموالهم في سبيل الله أولئك هم الصادقون} الحجرات: 15
وأمر تعالى عباده المؤمنين بإعداد القوة الشاملة التي ترهب عدوهم، فلا يجرؤ على الاعتداء عليهم، ولاعلى ظلم الضعفاء في الأرض لأنه يعلم أنهم سيئود بونه الأدب الذي يكسر شوكته ويخضعونه لما شرعه الله من العدل والمساواة بين بني البشر، بحيث يكونون كلهم عبيدا لله وحده، لا لسواه، قال تعالى: {وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل ترهبون به عدو الله وعدوكم وآخرين من دونهم لا تعلمونهم الله يعلمهم وما تنفقوا من شيء في سبيل الله يوف إليكم وأنتم لا تظلمون}. الأنفال: 60

وعندما زعم رأس النفاق-زعيم العلمانيين في عهده-أنه هو وزمرته الأعزة، والرسول صلى الله عليه وسلم وأصحابه هم الأذلة وأن الأعزة سيسيطرون على المدينة، ويخرجون الأذلة منها، كان رد الله عليه أن العزة للعزيز الغالب القوي القادر ولأوليائه، وهم الرسول صلى الله عليه وسلم والمؤمنون، فقال تعالى: {يقولون لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجن الأعز منها الأذل ولله العزة ولرسوله وللمؤمنين ولكن المنافقين لا يعلمون} المنافقون: 8

هذا وعد من الله لأوليائه المؤمنين الصادقين بأن ينالوا أثر اسمه {العزيز} وأثر صفته{العزة} وأن تكون العزة مقصورة عليهم، كما هو واضح من تقديم الجار والمجرور {ولله} الذي هو الخبر، على المبتدأ {العزة}، فإذا ما أصبح المنتسبون مدعو الإيمان أذلة في الأرض، وأعداؤهم أعزة-عزتهم هي الكبر والعلو في الأرض، ولا تحصل لهم إلا بذلة المسلمين- فيها، فقد فقدوا-أي مدعو الإيمان-إيمان العزة الصادق، واتصفوا بإيمان ضعيف لا يستحقون عليه وعد الله تعالى بالعزة، وهو صاحبها وحده، كما قال تعالى:{سبحان ربك رب العزة عما يصفون} الصافات:180 وهو تعالى مانحها وقد وعدبها من يستحقها فإذا تخلفت عمن يدعي الإيمان فذلك دليل على أن إيمانه ليس هو الإيمان الموعود صاحبه بها، وهذا ما نشاهده اليوم في كل أنحاء الأرض، حيث يذل المسلمين أذل خلق الله في عقر دارهم ويدنسون مسجدهم الأقصى الذي يحيط به المسلمون من جميع الجهات، وهكذا تسفك دماؤهم وتزهق أرواحهم وتنتهك أعراضهم،في آسيا من الفليبين الشيشان، وفي أفريقيا من الحبشة وإريتريا إلى أوغندا وبور ندي وليبريا وفي أوربا في البوسنة والهرسك، ويحرمون من حقوقهم الدينية والمدنية والقانونية والتعليمية في كثير من بلدان أوربا، وبخاصة في بلاد الحرية والمساواة وحقوق الإنسان،فرنسا، ومع ذلك فإن قادة الشعوب الإسلامية يلجئون في طلب العزة والنصر إلى أعداء الله، حيث يستعينون باليهود والنصارى على اليهود والنصارى! أي إنهم يطلبون العزة من أعداء صاحب العزة، كما قال تعالى: {الذين يتخذون الكافرين أولياء من دون المؤمنين أيبتغون عندهم العزة فإن العزة لله جميعا}. النساء: 139


5- مقومات القوة والعزة:
و للقوة والعزة مقوماتهما التي لا توجدان بدونها:
المقوم الأول: الأخوة في الله، وهي الأخوة القائمة على الرابطة الإيمانية، التي هي أقوى الروابط وأوثقها، ولأهمية الأخوة الإيمانية وكونها الرابطة التي تعلو على كل رابطة لا تكون على أساسها، حُصِر المؤمنون فيها فلا وجود لهم بدونها كما قال تعالى: {إنما المؤمنون أخوة فأصلحوا بين أخويكم واتقوا الله لعلكم ترحمون} الحجرات: 10
وإنما كانت الأخوة الإيمانية مقوما من مقومات العزة والقوة، لما يترتب عليها من الترابط والتعاون والموالاة والبعد عن كل أسباب الخلاف والقطيعة والعدوان، وعدم خذلان المؤمن أخاه المؤمن، كما في حديث أبي هريرة، رضي الله عنه، قال قال رسول الله، صلى الله عليه وسلم: (لا تحاسدوا، ولا تناجشوا، ولا تباغضوا، ولا تدابروا، ولا يبع بعضكم على بيع بعض، وكونوا عباد الله إخوانا المسلم أخو المسلم، لا يظلمه، ولا يخذله، ولا يحقره، التقوى هاهنا) ويشير إلى صدره، ثلاث مرات (بحسب امرئ من الشر أن يحقر أخاه المسلم، كل المسلم على المسلم حرام، دمه وماله وعرضه). [صحيح مسلم: (4/1986، رقم: 2564)].
وقد تحققت الأخوة الإيمانية في أعلى صورها بين أصحاب رسول الله، صلى الله عليه وسلم، عندما آخى بين المهاجرين والأنصار، فأثمرت من الولاء والمحبة والإيثار ما تفتقده الأمة الإسلامية اليوم [لقد جمع المسلمون اليوم كل الصفات المنافية للأخوة الإيمانية مما نهى عنه الرسول صلى الله عليه وسلم، من التحاسد , والتباغض والتدابر، والتحقير، و استباحة الدماء والأموال والأعراض، وغيرها، بل والى بعضهم اليهود والنصارى ضد بعض، فكيف ينالون العزة وهم يتخذون وسائل الذل لهم سبيلا!؟]، حيث بلغ الأمر ببعض الأنصار أن يعرض على أخيه المهاجر نصف ماله، وأن يطلق إحدى زوجتيه ليتزوجها بعد عدتها [روى ذلك الإمام البخاري في صحيحه 0 (7/112) بشرح فتح الباري).، وقد تضمن كتابنا (أثر التربية الإسلامية في صلاح المجتمع) الأسباب المحققة للأخوة الإسلامية، والأسباب التي تنافيها أو تضعفها، فليرجع إليه من شاء].
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://el-quran.ahlamontada.com
Admin
Admin
Admin


المساهمات : 4240
تاريخ التسجيل : 20/01/2018

الإيمان هو الأساس (دروس في الإيمان) Empty
مُساهمةموضوع: رد: الإيمان هو الأساس (دروس في الإيمان)   الإيمان هو الأساس (دروس في الإيمان) Emptyالجمعة فبراير 23, 2018 3:05 am

الإيمان هو الأساس (دروس في الإيمان) %D8%AE%D9%84%D9%81%D9%8A%D8%A7%D8%AA-%D8%A2%D9%8A%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D9%83%D8%B1%D8%B3%D9%8A-%D9%85%D9%83%D8%AA%D9%88%D8%A8%D8%A9-2
(112)

تابع لـ(لنتائج)
المقوم الثاني: النصح: وهو كما قال الخطابي، رحمه الله: (إرادة الخير للمنصوح له) [جامع العلوم والحكم (1/148) بتحقيق وهبة الزحيلي)].
والنصح إحدى وظائف الأنبياء والرسل، ومن تبعهم من عباد الله الصالحين، كما قال تعالى عن نبيه نوح عليه السلام: {أبلغكم رسالات ربي وأنصح لكم} الأعراف:62.
وقال عن نبه صالح عليه السلام:{لقد أبلغتكم رسالة ربي ونصحت لكم ولكن لا تحبون الناصحين} الأعراف: 79.
وقال تعالى عن نبيه شعيب عليه السلام: {لقد أبلغتكم رسالات ربي ونصحت لكم فكيف آسى على قوم كافرين} الأعراف: 93.
وقال تعالى عن مؤمن آل فرعون الناصح لنبي الله موسى عليه السلام: {وجاء رجل من أقصى المدينة يسعى قال يا موسى إن الملأ يأتمرون بك ليقتلوك فاخرج إني لك من الناصحين} القصص: 20
ويدخل في النصح، الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر الذي لا يستقيم أمر الأمة الإسلامية-بل أمر العالم كله-إلا به، وبدونه يفقد الخير أو يقل، ويكثر الشر في الأرض، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، من أهم وظائف المسلمين الذين يعرفون كل معروف وكل منكر، لأن لديهم منهاج الله الذي دلهم على كل خير وبينه لهم، ودلهم على كل شر ووضحه لهم، فهم الذين يعلمون المعروف ولا يأمرون إلا به كما يعلمون المنكر ولا ينهون إلا عنه وبذلك كانوا خير أمة كما قال تعالى: {كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله}. آل عمران: 110.
وقال تعالى:{ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر وأولئك هم المفلحون}. آل عمران: 104.
وقال تعالى: {والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ويقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة ويطيعون الله ورسوله أولئك سيرحمهم الله إن الله عزيز حكيم} التوبة: 71. [تأمل كيف ختم الله هذه الآية باسميه الكريمين: {العزيز الحكيم) في سياق الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، لينبه عباده المؤمنين أن مقتضى حكمته تعالى أن لا ينال عزته إلا من أمر بالمعروف ونهى عن المنكر.!]

بخلاف غيرهم من الناس، الذين اختلت لديهم موازين الخير والشر، لعدم التزامهم بمنهج الله الذي هو الميزان الحق، فيصبح الحق عندهم باطلا، والباطل حقا، والمعروف منكرا والمنكر معروفا، فيأمرون بالمنكر وينهون عن المعروف، كما قال تعالى عنهم: {والمنافقون والمنافقات بعضهم أولياء بعض يأمرون بالمنكر وينهون عن المعروف}. التوبة: 67.

والنصح في الشرع شامل للأمة كلها صغيرها وكبيرها، ورجالها ونسائها، وشر يفها ووضيعها، وسادتها وعبيدها، وحاكمها ومحكومها، وهو كذلك شامل لكل خير يراد للمنصوح نيله، وكل شر يراد له السلامة منه، ولهذا حصر الرسول صلى الله عليه وسلم الدين كله في النصيحة، كما في حديث تميم الداري، رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (الدين النصيحة-ثلاثا-) قلنا لمن يا رسول الله؟ قالSadلله ولكتابه ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم). [صحيح مسلم: (1/74، رقم: 95)]

وفي حديث جرير، رضي الله عنه، قال: (بايعت رسول الله، صلى الله عليه وسلم على إقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، والنصح لكل مسلم) [صحيح مسلم (1/75، رقم: 97). (5/294)].

وقد خص الرسول، صلى الله عليه وسلم ولاة أمور المسلمين الذين لا ينصحون لرعيتهم بوعيد شديد على ذلك، كما في حديث معقل بن يسار، رضي الله عنه الذي حدث به في مرضه الذي مات فيه، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم، يقول: (ما من عبد يسترعيه الله رعية، فلم يحطها بنصيحة إلا لم يجد رائحة الجنة) [اللؤلؤ والمرجان: (ص: 478، رقم الحديث: 1200)].

والراعي يشمل كل من له ولاية على غيره، كالوالدين مع الأولاد، والزوج مع الزوج، والسادة مع العبيد، والمستأجرين مع الأجراء، والعلماء مع الأمة، والأمراء والملوك مع الرعية.

والنصح لله ولرسوله والمؤمنين، يقتضي بذل الجهد وعمل الأسباب المشروعة لتحقيق مصالح الأمة، والقاعد عن ذلك وهو قادر على فعله-مع حاجة الأمة إليه-لا يعد ناصحا لأمته، وإذا كان غير قادر على العمل فالواجب عليه أن ينصح بالقول والمشورة والتوجيه،وبإنفاق المال فيما تحتاجه الأمة، وإذا عجز عن ذلك كله، فالنصح المطلوب منه هو محبة الخير والفلاح والعزة والنصر للمسلمين، كما قال تعالى: {ليس على الضعفاء ولا على المرضى ولا على الذين لا يجدون ما ينفقون حرج إذا نصحوا لله ورسوله ما على المحسنين من سبيل والله غفور رحيم}. التوبة: 91.

ومع أن الأصل في الأمة الإسلامية النصح والتنا صح، فإن ذلك يكاد يكون اليوم مفقودا بينها، وبخاصة في ضرورات حياتها، من حفظ الدين والنسل والنفس والعقل والمال، حيث يقع الإهدار و الاعتداء على هذه الضرورات من المسلمين أنفسهم، بعضهم على بعض بوسائل متعددة، دون أن يوجد الناصحون الذين يكفون لحماية الحق وأهله بردع المعتدي وعدوانه، وإذا وجد قليل من الناصحين كان المعتدون الظالمون الأقوياء لهم بالمرصاد، يكممون أفواههم، ويستحلون دماءهم وأموالهم وأعراضهم فيقل الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وبذلك فقد المسلمون-أفرادا وشعوبا ودولا-العزة، بفقد أهم مقوماتها، وتسلط عليهم أعداؤهم بالاعتداء على تلك الضرورات كذلك فأذلوهم جميعا، جزاء وفاقا.


المقوم الثالث- من مقومات العزة-: اجتماع كلمة الأمة على الحق:
لقد أمر الله تعالى المؤمنين أن يعتصموا بحبله، ونهاهم عن التفرق والتنازع، لما في اجتماع كلمتهم على الحق من قوة وعز وسؤدد، وتعاون على البر والتقوى، وإعلاء لراية الإسلام، وهيبة في نفوس الأعداء، ونصر من الله عليهم، ولما في التفرق والتنازع من الضعف والخور والفشل والعدوات والإحن، ومن إطماع الأعداء في العدوان على أرض المسلمين وعرضهم، وأموالهم، ومساجدهم، كما قال تعالى: {واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا واذكروا نعمة الله عليكم إذ كنتم أعداء فألف بين قلوبكم} الآية: آل عمران: 103.
وقال تعالى: {وأطيعوا الله ورسوله ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم واصبروا إن الله مع الصابرين} الأنفال: 46.
وقال تعالى: {ولقد صدقكم الله وعده إذتحسونهم بإذنه حتى إذا فشلتم وتنازعتم في الأمر وعصيتم من بعد ما أراكم ما تحبون منكم من يريد الدنيا ومنكم من يريدالآخرة}. آل عمران: 151.

وقد أمر الرسول صلى الله عليه وسلم-كما أمر الله تعالى-بلزوم الجماعة والاعتصام بحبل الله، كما في حديث حذيفة، رضي الله عنه يقولSadكان الناس يسألون رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الخير، وكنت أسأله عن الشر، مخافة أن يدركني-إلى أن قال-: فما تأمرني إن أدر كني ذلك؟-أي زمن الدعاة إلى أبواب جهنم-قال: (تلزم جماعة المسلمين وإمامهم) [اللؤلؤ والمرجان فيما اتفق عليه الشيخان (ص: 485، رقم: 1211)]


أسباب الاجتماع والائتلاف التي منحها الله عباده المؤمنين :
وقد خص الله هذه الأمة بأسباب الاجتماع والائتلاف التي تفتقدها كل الأمم سواها:
من ذلك:حفظ الله لها مصدر منهاج حياتها الذي يوجهها دائما إلى الحق و يجمع كلمتها عليه، وهو كتاب الله الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه-وكذا سنة رسوله، صلى الله عليه وسلم [سبق الكلام على ذلك في الفصل الثالث: الإيمان بالكتب السماوية]
فهي تأخذ توجيهها منه، وكله حق وما سواه باطل، فإذا تنازعت في شيء رجعت إليه فقضى بينها بالحق وأزال التنازع وردها إلى الاجتماع والائتلاف، كما قال تعالى:{يأيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولى الأمر منكم فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر ذلك خير وأحسن تأويلا}. النساء: 59

أما الأمم الأخرى التي حرمت نفسها من الإيمان بهذا المنهج الإلهي-بعد أن حرفت وبدلت ما أنزل الله إليها من هداه، كما هو شأن اليهود والنصارى، أو آثرت ابتداء عبادة غير الله على عبادته فلم تستجب لتوجيه وحيه، كما هو شأن الملحدين والوثنيين-فإن مناهجها كلها تفقد هذه الميزة الربانية، لأنها من صنع البشر الذين لا قدرة لهم على الإحاطة بما فيه صلاحهم في الدنيا والآخرة، بل لا يزالون يتخبطون في قوانينهم التي يُسِّيرون بها حياتهم، فما يرونه اليوم حسنا، يلزمون أنفسهم بتعاطيه والعمل به ويعاقبون من خالفه يصبح عندهم غدا سيئا محظورا يعاقبون من تعاطاه، بل إنهم ليختلفون في الأمر في وقت واحد فيرى بعضهم حسنه ويرى الآخرون قبحه، لذلك تجدهم مختلفين في كل شيء متباغضين متعادين ولا حاكم بينهم إلا أهواؤهم، وأي هوى أحق بالا تباع من غيره!؟

قال تعالى-مبينا نعمته على هذه الأمة، وحرمان الأمم الأخرى أنفسها من تلك النعمة-: {كان الناس أمة واحدة فبعث الله النبيين مبشرين ومنذرين وأنزل معهم الكتاب بالحق ليحكم بين الناس فيما اختلفوا فيه وما اختلف فيه إلا الذين أو توه من بعد ما جاءتهم البينات بغيا بينهم فهدى الله الذين آمنوا لما اختلفوا فيه من الحق بإذنه والله يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم}. البقرة: 213.

وقال تعالى: {ومن الذين قالوا إنا نصارى أخذنا ميثاقهم فنسوا حظا مما ذكروا به فأغرينا بينهم العداوة والبغضاء إلى يوم القيامة وسوف ينبئهم الله بما كانوا يصنعون} المائدة: 14.

ومن ذلك: أن الله تعالى تفضل على هذه الأمة بالتشريع الحاسم الذي لا يقبل الاختلاف والاجتهاد في أصول الدين، وأسس الفرائض، وأمهات المحرمات، وعقوبات الجرائم الكبرى، والقواعد العامة للسياسة الشرعية، والأحكام الأسرية، لعلم الله تعالى أن عقول خلقه غير قادرة على ضبط مصالحهم فيها، وأنه لا بد من تشريع ثابت لها وترك تعالى لعلماء الأمة وعقلائها وذوي الخبرة فيها الاجتهاد فيما لا يضر الاختلاف فيه، بحسب الأزمنة والأمكنة واختلاف الأحوال والأشخاص، مما يندرج في نصوص عامة، أو قياس معتبر صحيح.
ومن ذلك: ما شرعه الله من العبادات الجماعية-وإن كان كل فرد مسئولا مسئولية مباشرة عنها-كصلاة الجماعة والجمعة في المساجد، وصلاة العيدين، وصلاة الاستسقاء، وصلاة الكسوف، وقيام الليل في شهر رمضان، والحج الذي يؤديه المسلمون من كل أنحاء الأرض في وقت واحد ومكان واحد، والعمرة.
ومن ذلك : الجهاد في سبيل الله، الذي شرعه الله لإعلاء كلمته، وهو لا يكون إلا جماعيا يتكاتف فيه المسلمون ويتعاونون بالمال والنفس والرأي، لإحقاق الحق وإبطال الباطل في الأرض.[ للمؤلف كتاب كبير بعنوان: (الجهاد في سبيل الله، حقيقته وغايته)]
ومن ذلك : ما شرعه الله لعباده المؤمنين من التواصل كإفشاء السلام، ورد التحية بمثلها أو أحسن منها، وزيارة بعضهم لبعض، وعيادة المرضى وتشييع الجنائز، ومواساة المحتاجين، وتفقد أحوالهم، وغير ذلك.
ومن ذلك : ما شرعه الله تعالى من الصلح بالعدل بين المتنازعين، سواء كان ذلك بين الأفراد أم بين الأسر أم بين الدول، ونصر المظلوم على ظالمه.


أسباب الفرقة والتنازع التي نهى الله عباده المؤمنين عنها :
وهناك أسباب تفرق بين الناس، شرع الله لعباده المؤمنين تجنبها والابتعاد عنها:
من ذلك : النهي عن الغيبة والنميمة والتجسس.
ومن ذلك: النهي عن التنافس في أمور الدنيا [بخلاف أمور الدين، فالتنافس الصادق فيها مطلوب] المفضي إلى الضغائن والأحقاد، كبيع المسلم على بيع أخيه، وخطبته على خطبته وطلب الإمارة والحرص عليها.
ومن ذلك: الغش، والخيانة، وخلف الوعد، والكذب، والغدر، والظلم، وشهادة الزور، والفجور عند المخاصمة.
ولقد حرص أصحاب الرسول صلى الله عليه وسلم، ومن تبعهم بإحسان على تعاطي أسباب الاعتصام بحبل الله واجتماع كلمتهم على الحق، وعلى تجنب أسباب التنازع والشقاق، لقوة إيمانهم وحرصهم على طاعة الله ورسوله، واتجهوا بنشاطهم وأعمالهم إلى ما يرضي ربهم ويعز دينهم فحقق الله لهم بذلك العزة والقوة وألقي بذلك المهابة في قلوب أعدائهم ونصرهم عليهم، وكانوا يختلفون في مسائل الاجتهاد اختلاف مَن ينشد الوصول إلى الحق،لا اختلاف ذوي الأهواء والأطماع الذين لا يستقر لهم قرار إلا بصدع صف المسلمين وتفريق كلمتهم.
ولقد أعلن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه للناس شدة كراهيته للخلاف المؤدي إلى النزاع وآثر موافقته لمن سبقه من الخلفاء في بعض المسائل الاجتهادية، وإن خالفت رأيه، حرصا منه رضي الله عنه على اجتماع الكلمة، ووقاية للأمة من النزاع المؤدي إلى الفشل، كما روى ذلك عَبِيدة بن عمرو السلماني، عنه رضي الله عنه، أنه قال: (اقضوا كما كنتم تقضون، فإني أكره الاختلاف، حتى يكون الناس جماعة، أو أموت كما مات أصحابي.) [صحيح البخاري:(7/71 رقم: 3707) بشرح فتح الباري].


نصيب المسلمين اليوم من القوة و العزة :
للعزة المقصودة-هنا- معنيان:
المعنى الأول: أن يتحرر قلب المؤمن من عبودية كل ما سوى الله بعبوديته تعالى وحده، فيعتز-أي يتقوى-به تعالى وبدينه وشريعته، فيتوكل على الله ويعتمد عليه، ويخافه، ولا يخاف-خوف عبادة-سواه من المخلوقين، ويطلب العزة والنصر من الله، لا من غيره، ويوقن بأن الله تعالى-وحده-هو المعز المذل وأن من سواه لا ينفع ولا يضر إلا بما قدره الله تعالى.
وهذا المعنى لابد أن يلازم المؤمن الصادق الإيمانِ في حياته كلها، سواء أكان حاكما أم محكوما، سيدا أم مسودا، قويا أم ضعيفا، غنيا أم فقيرا، غالبا أم مغلوبا، آسرا أم مأسورا، فردا أم جماعة، طليقا أم سجينا، فإذا كمل هذا المعنى في نفس المؤمن، فهو دليل كمال إيمانه، وهذا هو العزيز الحق الذي قال الله تعالى فيه: {ولله العزة ولرسوله وللمؤمنين} المنافقون: 8 .
وإن فقد هذا المعنى في من يدعي الإيمان فذلك دليل على أن دعواه كاذبة، وأنه ليس من أهل العزة، وإن بدا في ظاهر أمره عزيزا بمال أو جاه أو ملك، أو غير ذلك، فهو ذليل في حقيقة الأمر لكل ذليل، كما سيأتي.
المعنى الثاني : امتلاك الأسباب المادية التي تكون عونا للمؤمنين على الحياة الكريمة، من وسائل القوة، كالمال والصناعة، والتجارة والزراعة، والعلم الشامل لشئون الدنيا والآخرة، بحيث يستغنون في ضرورات حياتهم عن غيرهم، فلا يكونون تحت رحمة أعدائهم في مأكلهم ومشربهم، وملبسهم ومركبهم ومسكنهم، وفي سلاحهم، وبيعهم وشرائهم ونقدهم، وصناعاتهم...
وهذا المعنى قد يضعف عند المؤمنين أحيانا-والضعف يتفاوت-، لأي سبب من الأسباب، التي غالبا ما تكون من أنفسهم. وهذا الضعف يجعل أعداءهم الذين يتربصون بهم، يطمعون فيهم، فيحتلون أرضهم، وينهبون أموالهم، ويستبيحون حرما تهم، ويأسرون رجالهم ويسبون نساءهم، ويهدمون مساجدهم، كما حصل في فترات من تاريخ الأمة الإسلامية، وتلك ذلة لايرضاها الله لعباده المؤمنين.
فإذا بقي في الأمة الإسلامية رجال فيهم المعنى الأول من معنيي العزة، فإن أولئك الرجال يَنتَدِبون [انتدب القوم لكذا أسرعوا إليه، لسان العرب] للسعي في إزالة أسباب الذلة عن الأمة، وللأخذ بأسباب العزة التي فقدت أو ضعفت، فلا يزالون ينفخون روح العزة في الأمة، ويحضونها على الأخذ بأسباب القوة، ويذكرونها بأمجاد أسلافها، ويهونون عليها ما يصيبها من ابتلاء ومحن وخسائر في النفوس والأموال والذرية، في سبيل استعادة عزتها وكرامتها وحريتها، بل وحرية العالم كله، إذا تحررت الأمة الإسلامية من الذل لغير الله.
وعندئذ تهون عند المؤمن الحق الذي تحرر قلبه من عبودية غير الله كل المصائب، فلا يبالي بالجوع ولا العطش، ولا البرد ولا الحر، ولا السجن ولا الأسر، ولا التشريد ولا الطرد، ولا الجراح ولا القتل حتى ينال عزته التي أرادها الله له.
وفي التاريخ الإسلامي نماذج لهؤلاء الرجال، تبدأ بالخليفة الأول، أبي بكر الصديق الذي أنفذ جيش أسامة، وجاهد المرتدين في وقت كان غالب الصحابة يرون في ذلك مغامرة قد تعصف بالمسلمين بعد وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم مباشرة!!
ولنطو التاريخ لنرى كيف أعاد صلاح الدين الأيوبي إلى الأمة الإسلامية عزتها بعد أن فقدتها في الحروب الصليبية، ثم لنختصر الزمن بذكر حدثين لا يزال المسلمون يرونهما:
الحدث الأول: تحرير أفغانستان من أعظم غزو كافر في هذا العصر لشعب أعزل إلا من إيمانه [ستأتي الإشارة إلى محنة هذا الشعب، بقادته الذين حرموه من قطف ثمار انتصاره بما قدمه من شهداء وتضحيات].
والحدث الثاني: الجهاد في سبيل الله في فلسطين التي سلمها الصليبيون المعاصرون لليهود، واستسلم لذلك التسليم قادة العرب من (المحيط الهادر إلى الخليج الثائر!!) [عبارة كان يرددها رائد القومية العربية الذي هدد بإلقاء اليهود في البحر، فلم يمت حتى احتل اليهود أرض الكنانة، وبيت المقدس، وكادوا يحتلون دمشق، وكان ذلك سببا في فتح باب السعي إلى الاستسلام السياسي والاقتصادي لليهود!!] واقتدى بقادة العرب غيرهم من قادة المسلمين، من لاغوس [عاصمة نيجيريا] إلى جاكرتا [عاصمة إندونيسيا]. فإذا أطفال المسلمين في فلسطين الذين ولد آباؤهم في ظل الاغتصاب اليهودي- ذكورا وإناثا- يزلزلون الأرض من تحت أقدام اليهود بالحجارة، ويأتجرون بالمتفجرات التي تمزق أجسامهم ليمزقوا أجسام أعدائهم، حتى أدهش ذلك يهود الذين كانوا يظنون أن الشعب الفلسطيني وبخاصة الشباب الذي ولد في ظل جبروتهم قد ألف الذل واستسلم للهزيمة وسلم بالأمر الواقع وإذا الشيوخ والنساء يتسابقون إلى ميدان التحدي، يستقبلون رصاص العدو بصدورهم، ويقول من نجا منهم: السجن أحب إلينا من العبودية لغير الله. [قدوة الجميع الشيخ أحمد يس قواه الله ونصره] وهكذا يكون أهل العزة الربانية لا يهنون ولا يذلون، وهم تحت مطارق العذاب، وفي غياهب السجون، أحرار القلوب، وإن استعبدت أجسامهم، أعزة النفوس، وإن وطئت أقدام أعدائهم على رقابهم. [وقد اضطر اليهود استقدام بعض الفلسطينيين ليسلموهم بعض المرافق الخدمية في قطاع غزة وفي الضفة الغربية، ليضربوا بهم المجاهدين، وينجوا هم من العمليات الجهادية التي أنزلت بهم خسائر مادية وبشرية فادحة، ولكن الأبطال لا زالوا يواصلون الكفاح، بل نقلوه إلى قلب تل أبيب العاصمة اليهودية.] {ولله العزة ولرسوله وللمؤمنين ولكن المنافقين لا يعلمون} المنافقون: 8.

والعزة بالمعنى الأول هي الحرية الحقة التي إذا فقدها الإنسان صار رقيقا للمخلوقين الذين يحتاج إليهم، ولو كان ملكا مطاعا في ظاهر الأمر، ومن اتصف بها صار حرا، ولو كان رقيقا أو أسيرا، وقد عبر عن ذلك ابن تيمية أصدق تعبير فقال: (.. فإن أسر القلب أعظم من أسر البدن، واستعباد القلب أعظم من استعباد البدن، فإن من استُعبِد بدنه واستُرِق، لا يبالي إذا كان قلبه مستريحا من ذلك مطمئنا بل يمكنه الاحتيال في الخلاص، وأما إذا كان القلب-الذي هو الملك-رقيقا مستعبدا لغير الله، فهذا هو الذل والأسر المحض.. فالحرية حرية القلب، والعبودية عبودية القلب.....-إلى أن قال-: وكذلك طالب الرئاسة والعلو في الأرض، قلبه رقيق لمن يعينه عليها، ولو كان في الظاهر مقدمهم والمطاع فيهم ... فهو في الظاهر رئيس مطاع، وفي الحقيقة عبد مطيع لهم..) [مجموع الفتاوى: (10/186-189)]


فَقْد غالب المسلمين العزة لتفريطهم في الأخذ بمقوماتها.
وبهذا يعلم أن غالب المسلمين اليوم يفقدون العزة بهذا المعنى - ولا أقول كل المسلمين، لأنه يوجد في المسلمين من يبذل نفسه وماله وجاهه وكل ما يملك في سبيل عودة العزة والكرامة والحرية للأمة الإسلامية، ولكن أعداء العزة والكرامة الذين ابتليت الأمة بوجودهم في مراكز قيادتها، يحاربون من يحدو الأمة إلى استعادة العزة والكرامة، لأنهم يعلمون أن مؤهل بقائهم في تلك المراكز هو ذلهم لأعداء الإسلام، وإذلالهم هم للأمة التي ابتليت بهم- وسبب فقدهم العزةالأمور الآتية:
الأمر الأول: تفريطهم الشنيع في مقومات العزة التي مضى الكلام عنها.
فالأخوة الإيمانية التي تثمر المحبة والإيثار، والتعاون والتنا صر والرحمة، والعزة كادت تفقد بين المسلمين باتخاذ الأسباب المنافية لها وترك الأسباب المؤدية إلى تحقيقها، حتى أصبح المسلم يمر بأخيه المسلم دون أن يحييه بتحية الإسلام، ويمرض جاره فلا يعوده، بل قد يموت ولا يدري عنه، أو يدري عنه فلا يتبع جنازته ولا يواسي أهله، ويحتاج إلى ما يسد حاجته من طعام أو شراب أو ملبس أو دواء، فلا يلتفت إليه أحد، ويُعتَدى عليه ويُظلَم فلا يجد من ينصره، بل كثيرا ما يعين بعض الظالمين الأقوياء بعضا على المظلوم الضعيف وأصبحت الغيبة والنميمة فاكهة المتسامرين، وأصبح الشقيق-في كثير من بلدان المسلمين-يخاف من تجسس شقيقه عليه، وأصبح كثير من المسلمين-على مستوى الأفراد والأسر والجماعات والشعوب والدول-يحبون لغيرهم ما يكرهونه لأنفسهم، ويحبون لأنفسهم ما يكرهونه لغيرهم، على عكس القاعدة الأخوية الإيمانية (لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه) [اللؤلؤ والمرجان فيما اتفق عليه الشيخان (ص: 10 رقم: 28)]، حلت الأثرة عندهم محل الإيثار، والبغضاء والحسد محل المحبة والغبطة، وإذا فقدت الأخوة الإيمانية أو ضعفت، وهي من أهم مقومات العزة فمن أين تأتي العزة لمن فقدت فيهم معاني الأخوة الإسلامية؟. [راجع لأسباب تحقيق الأخوة الإسلامية، والأسباب المنافية لها كتاب: أثر التربية الإسلامية في صلاح المجتمع. للمؤلف]
والنصح سبق أن المراد به إرادة الخير للمنصوح، وهو شامل لكل ما يحقق المصالح المعتبرة شرعا للمسلمين، أو يدفع عنهم المفاسد المعتبرة كذلك، كما أنه شامل للأفراد والأسر والجماعات والحكام والمحكومين.

وإذا ما دققنا النظر في حال المسلمين اليوم وجدناهم-كذلك-قد ابتعدوا عن بذل بعضهم النصح لبعض، فتجد كثيرا من أفراد المسلين يحبون لأنفسهم الغنى، والمسكن المريح، والمركب الفاخر، والتجارة الرابحة ويحسد أخاه على ذلك، ويحب أحدهم أن يحظى بالجاه والسلطان والمنصب، ويحسد أخاه على ذلك، ولو قدر على زحزحته عن ذلك لفعل واتخذ كل سبب يحقق له مراده، ولو لم يطمع هو في الحصول على تلك الأمور، وهو أسوأ أنواع الحسد، ويسعى المرء للوصول إلى الشهرة والسمعة والاحترام والذكر الحسن، ويحاول بشتى الوسائل أن يكون أخاه خامل الذكر مغمورا غير معروف، وإذا جاوز أخوه القنطرة فبرز بين الناس واشتهر لسبب ما، وذكر بخير سعى في تشويه سمعته وألصق به التهم الكبيرة والصغيرة زورا وبهتانا.

وإذا تعامل المسلم مع أخيه المسلم في أي أمر من الأمور-تجارة أو صناعة أو مصاهرة أو غيرها-لا يتورع عن غشه وخداعه والكذب عليه ونكث عهده وعقده في سبيل حصوله هو على منفعة عاجلة، ولو حطم حياة أخيه وتسبب في فقره والحط من قدره.

وإذا استنصح المسلم أخاه المسلم واستشاره في أمر من الأمور، لم ينصح له كما ينصح لنفسه، بل إما أن يشير إليه بعجلة وبدون تأمل أو تفكير، وقد يكون في مشورته العطب والخطل، وإما أن يشير إليه بما ليس فيه مصلحته، ليقتنص الأمر الذي فيه مصلحة لنفسه ويحرم منه من استشاره فيه، وقد يفعل ذلك ولو لم يطمع هو فيه كما مضى.
وهكذا-بل أشد- تفعل الجماعات الإسلامية فيما بينها، ومثلها الأحزاب-أيا كانت مبادئها- وكذا الدول مع الدول، وقد تنصح بعض الدول المدعية للإسلام لدول غير إسلامية ضد دول مثلها تدعي أنها إسلامية.
وهكذا قل الآمرون بالمعروف والنا هون عن المنكر على كل المستويات-أفرادا وجماعات، وأحزابا ودولا -.
بل كثر بين المسلمين التشجيع على فعل المنكر والأمر به والتشجيع على ترك المعروف والنهي عنه، في كل مناهج حياة المسلمين. [هذا الأمر لا يحتاج إلى تدليل، ويكفي تعاون المحاربين لتحكيم شريعة الله مع اليهود والنصارى والملحدين على كل من يدعو إلى العمل بهذه الشريعة، وكل بلاء إنما يأتي من محاربة شريعة الله-وهي كتابه وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم-] وهذه إحدى خصال أعداء الله، كما قال تعالى عنهم: {والمنافقون والمنافقات بعض يأمرون بالمنكر وينهون عن المعروف} التوبة: 67.

فإذا وجد الناصح الأمين الذي يحب لأخيه المسلم ما يحب لنفسه، فبادر بنصحه له نصحا صادقا، يعود عليه بالخير في الدنيا والآخرة، وجد من المنصوح نفورا واستكبارا واستهزاء، اتباعا لهواه، واعتزازا بكبريائه، وإصرارا على إفساده، كما قال الله تعالى: {ومن الناس من يعجبك قوله في الحياة الدنيا ويشهد الله على ما في قلبه وهو ألد الخصام وإذا تولى سعى في الأرض ليفسد فيها ويهلك الحرث والنسل والله لا يحب الفساد وإذا قيل له اتق الله أخذته العزة بالإثم فحسبه جهنم وبئس المهاد} البقرة: 204-206.
فهل يرجى للمسلمين-وهذا شأنهم- أن ينالوا العزة والكرامة ‍؟


أما اجتماع كلمة المسلمين على الحق
فهنا تأتي طامة طوام المسلمين التي أفقدتهم عزتهم وكرامتهم، وجعلتهم أذلة لأذل خلق الله في الأرض، وهي طامة التفرق المردي والاختلاف المهلك والتنازع القاتل وهذه الطامة لم تدع بلدا، ولا دولة ولا شعبا، ولا منظمة، ولا جماعة، ولا حزبا، ولا أسرة، ولا بيتا إلا رمته بقوسها إلا ما شاء ربك وقليل ما هم .

تأمل قليلا في كل دولة وكل بلد من بلدان المسلمين، هل تجد كلمة المسلمين فيه مجتمعة على الحق؟ كلا، سترى فيه تنازعا عنيفا وصراعا مخيفا بين حكومته وشعبه، وستجد فيه تناحرا بين جماعاته و أحزابه الكثيرة، وستجد تصدعا في صفوف كل حزب وكل جماعة، وستجد كل أسره منقسمة فيما بينها، كل فرد يتبع حزبا أو جماعة، وستجد الشعب غارقا في الصراعات مبددا طاقاته في القيل والقال والشجار والاقتتال، وقد يمنعه من الاقتتال الضبط العسكري، وليس الرغبة عنه، بدليل أن هذا الضبط إذا ضعف في بلد من بلدان المسلمين، نشبت بين أبنائه المعارك الدامية، راميا مصالحه وراء ظهره.

أما الجماعات والأحزاب الإسلامية الشعبية فإن الحديث عن تفرقها وتنازعها مما يحزن النفوس ويدمي القلوب، ففي كل بلد جماعات وأحزاب إسلامية، كثير منها لا تختلف أهدافها وقد لا تختلف-أيضا-وسائل عملها إلا قليلا، فقد تجد جماعتين أو أكثر، هدفها التعليم، ومذهبها الفقهي واحد، وعقيدتها واحدة وطريقتها واحدة: حنفية أو مالكية أو شافعية أو حنبلية سلفية أوأشعرية..... مجتهدة (1) في زعمها، أو مقلدة، ومع ذلك تجد تلك الجماعات أو الأحزاب تتصارع فيما بينها وتشتغل كل جماعة منها بالخصام مع الجماعة الأخرى، ومن السهل على كل منها أن تجد المسوغات التي تؤيد بها موقفها، والأسباب التي تعادي بها الجماعة الأخرى، وإذا كان النزاع والصراع يحصل بين الجماعات والأحزاب المتفقة-في الجملة-في الهدف والوسيلة، والمذهب الفقهي والطريقة، فما بالك بجماعتين تختلفان في ذلك كله أو بعضه، وما بالك بجماعتين أو جماعات تتنافس سياسيا!؟

هل تريد أدلة على هذا التنازع والتناحر بين الجماعات والأحزاب الإسلامية السياسية أو غير السياسية في البلدان الإسلامية أو غير الإسلامية؟
ضع الخريطة السياسية أمامك وابدأ باستعراض شعوب تلك الجماعات من الشرق إلى الغرب أو العكس، في الفليبين جماعتان سياسيتان رئيستان، وهما في نزاع مستمر منذ ما يزيد على ثلاثة عقود، والنصارى يعتدون على كل ضرورات حياتهم وفيها-أي الفليبين-جماعات صغيرة لا يهدأ لها بال إلا بالقدح في غيرها من الجماعات الأخرى.!

وتوجد كذلك جماعات وأحزاب في دول جنوب شرق آسيا في إندونيسيا وماليزيا وفي تايلاند تبدد طاقاتها وجهودها في النزاع بينها وأفضل الجماعات -في الواقع وليس في الحكم-هي التي لا تتعاون مع الجماعات الأخرى على ما فيه مصلحة الجميع، ولكنها تمنع نفسها من التصادم مع غيرها، هذا مع وجود جهود جبارة ومؤامرات مستمرة من قبل النصارى والوثنيين والعلمانيين للقضاء على الإسلام والمسلمين في المنطقة.

وفي الهند يدمر الهندوس مساجد المسلمين، ويقتلون عشرات الآلاف من رجالهم ويحرمونهم من غالب حقوقهم التي يمنحهم إياها القانون الهندي، ومع ذلك تجد مئات الجماعات المتنازعة التي يقدح بعضها في بعض بالحق وبالباطل، ومثل الهند بنغلادش وباكستان. (2)

وأفغانستان وما أدراك ما أفغانستان! قامت فيه جماعات إسلامية، غزا بلادها جيش عرمرم ملحد، وحملت ما تيسر من سلاح، وما كان أحد يظن أن هذه الجماعات ستنجو من الهلاك إلا بالهرب من بلادها، ولكن الله وفقها فصمدت، ونصرها بجنده المؤمنين وأموالهم، وبملائكته المقربين، فإذا هي تهزم أكبر دولة مادية بعد أن سقط في المعركة أكثر من مليون شهيد، غير المعوقين، ودمر العدو البلاد، واستبشر الناس خيرا بإقامة المجاهدين دولة الإسلام في هذا البلد، فإذا هم يرجعون كما قال الرسول صلى الله عليه وسلم يضرب بعضهم بعضا، ليس لشيء إلا اتباعا للهوى وحرصا على حظوظ النفس المادية التي يتنزه عنها المجاهد في سبيل الله، هذا مع العلم أن الأحزاب المتصارعة من المجاهدين اليوم متفقون في غالب الأمور الدينية، ماعدا الأحزاب الشيعية، ومع ذلك تجد هذا الحزب يتحالف مع حزب يخالفه دينا كبعض الأحزاب الشيوعية أو معتقدا كبعض الأحزاب الشيعية، ضد حزب أو أحزاب توافقه دينا ومعتقدا ومذهبا، ولا يتورعون من سفك دماء بعضهم بعضا، وبخاصة دماء الأطفال والنساء والشيوخ، وإذا كان المجاهدون بهذه الدرجة من النزاع فكيف بمن سواهم؟!

وهكذا توجد في الدول العربية مئات الجماعات (3) بلغ الأمر ببعضها أن تستحل دماء بعض، كما يحصل في الجزائر، و تنقسم الجماعة الواحدة على نفسها، مع ما ينزل بها من الهجمات الشرسة من أعداء تطبيق الشريعة الإسلامية.
ولا تخلو دولة عربية-إلا ما شاء الله-من وجود جماعات يكيد بعضها لبعض.
وهكذا تجد جماعات وأحزابا إسلامية متناحرة أو غير متعاونة في أفريقيا، كإريتريا والحبشة والصومال والسودان وأوغندا وتشاد والجزائر وليبيا والمغرب وتونس وموريتانيا والسنغال ونيجيريا، وغيرها.
وهكذا تجد الجماعات الإسلامية في الغرب-أوربا وأمريكا-يطعن بعضها في بعض، ويرفض بعضهم التعاون مع بعض، مع ما يعانون من مشقات الغربة الدينية والدنيوية.
ومما يؤسف له أن يقاتل بعض المسلمين في البوسنة والهرسك في صفوف أعداء الله من النصارى، إخوانهم المسمين المجاهدين.!
وهكذا المنظمات الإسلامية -لا نريد التعرض للمنظمات التي قامت على أساس القوميات، كجامعة الدول العربية، فهي لم تقم على أساس الإسلام، وإنما قامت، بإيعاز من بعض الدول الغربية، ضد الدعوة إلى جامعة إسلامية، بعد سقوط آخر رمز للخلافة الإسلامية، بعد الحرب الكمالية لدين الإسلام، اقتداء بالقوميات التي قامت في أوربا، ومع ذلك نتمنى أن تخفف هذه الجامعة من العدوات والصراعات التي أنهكت الشعوب الإسلامية ومزقتها شر ممزق وتصل إلى بعض ما وصلت إليه الدول الأوربية من التقارب الذي كاد يصل إلى الوحدة السياسية الكاملة. وراجع كتاب الاتجاهات الوطنية في الأدب المعاصر(2/99-198) للدكتور محمد محمد حسين- التي قامت-في ظاهر-أمرها للم شعث المسلمين في الأرض وقد زادت دولها على خمسين دولة أو قاربت، تجتمع هذه الدول باسم الإسلام، ولكن ثمانيا وتسعين في المائة منها-إن أحسنا بها الظن- تصرح بأنها علمانية، أي تلتزم الفصل بين الدين والدولة، فالدين صلة خاصة بين الفرد و ربه [وبعض تلك الدول لا تترك الفرد المتدين وشأنه، بل تضايقه وتلاحقه، وتستجوبه شرطها وتحقق معه في تردده على المساجد، وبخاصة تردده لصلاة الفجر]، والدولة تحكمها قوانين اليهود والنصارى والملحدين، ولهذا تجتمع دول تلك المنظمة باسم الإسلام، ولكن غالبها يحارب الإسلام بنبذه تحكيم الكتاب والسنة ومحاربة كل من يدعو إلى تحكيمهما في حياة المسلمين، ويقف من قضايا المسلمين الخطيرة المواقف التي ترضي أعداء الإسلام من اليهود والنصارى والملحدين(4) أو لا تغضبهم على الأقل -ويقابل مندوب هذه الدولة مندوب دولة أخرى، وكل منهما يعلم أنه عدو لدود لصاحبه، ثم يصدرون قرارات عامة فضفاضة تُراعى في صياغتها رغبات الدول الكبرى وهي معروفة! والدليل على تصدع هذه الدول وعدم اجتماعها على كلمة الحق اعتداء الدولة القوية منها على الدول الضعيفة-إلا إذا خافت الدولة القوية من دولة حليفة أجنبية للدولة الضعيفة من دول الغرب-وإذا اعتدت دولة على أخرى من هذه الدول، وقفت الدول الأخرى موقفا سلبيا-في الغالب-لاتنصر الدولة المظلومة، ولا تصلح بين الدولتين بالعدل، ولا تقاتل التي تبغي حتى تفيء إلى أمر الله! ولا تجد دولة مجاورة لدولة إلا وهما متنازعان على أميال من الأرض تنازعا قد يفجر بينهما معارك تأكل الأخضر واليابس، ويجر النزاع والعدوات بين حكام تلك الدول إيجاد عدا وات بين الشعوب، بما تحدثه وسائل الإعلام في كل دولة ضد الدولة الأخرى من دعاوى صادقة أو كاذبة، وتهم صحيحة أو مختلقة، مع شدة التحريض المثير للنعرات والمورية للأحقاد.(5)


ويأتي-بعد ذلك-دور العلماء.وأقصد بالعلماء-هنا-من انتسب إليهم، أو عده قومه منهم، وقد يكون عالما، وقد يكون طويلب علم متعالم.
وسأحصر الكلام عن العلماء في مسألتين:
المسألة الأولى: في اجتماعهم أو اختلافهم فيما بينهم.
العلماء حقا هم ورثة الأنبياء الذين ينشرون العلم ويربون الناس على العمل به، ويسعون في جمع كلمة الأمة على الحق، ويكونون قدوة حسنة للناس.
والأصل عندهم عدم الاختلاف فيما بينهم فيما ثبت لهم دليله، وظهر لهم معناه، فإذا التبس الحق واحتاج إلى اجتهاد، واختلفت فيه وجهات النظر، فقد يختلفون، ولكنهم جميعا لا يقصدون إلا الحق، فإذا ظهر لأحدهم الصواب مع غيره اتبعه وعمل به، وإلا أخذ كل منهم بما ظهر له، معتقدا أن ما عنده صواب يحتمل الخطأ، وما عند غيره خطأ يحتمل الصواب، وبذلك يعذر بعضهم بعضا في مسائل الاجتهاد، ولا يفسد اختلافهم في ذلك ما بينهم من ود واحترام، ولا يفسق بعضهم بعضا ولا يبدعه ولا يكفره، بل يثبت له ما أثبته الرسول صلى الله عليه وسلم، وهو الأجر الواحد فيما اجتهد فيه وأخطأ، والأجران فيما اجتهد فيه وأصاب، وقد جرى على ذلك أصحاب الرسول صلى الله عليه وسلم والتا بعون غيرهم من علماء الإسلام الصادقين.

وقد بين هذه القاعدة الإمام الشافعي رحمه الله، فقال: (كل ما أقام الله به الحجة في كتابه أو على لسان نبيه، منصوصا، بينا، لم يحل الاختلاف فيه، لمن علمه، وما كان من ذلك يحتمل التأويل، ويدرك قياسا، فذهب المتأول أو القايس إلى معنى يحتمله الخبر أو القياس، وإن خالفه فيه غيره، لم أقل إنه يُضيَّق عليه ضِيقَ الخلاف في المنصوص) [الرسالة: (ص: 560، م: 1674،1675) وراجع (ص: 494، م: 1406-1409). وقد ذكر الإمام الشافعي رحمه الله أربعة قيود فيما لا يجوز الخلاف فيه الأول: أن يوجد دليل من الكتاب والسنة في المسألة، الثاني: أن يكون حكم المسألة منصوصا، الثالث: أن يكون بينا، الرابع: أن يطلع العالم على ذلك الدليل]

وقال ابن تيمية رحمه الله: (ومن علم منه الاجتهاد السائغ فلا يجوز أن يذكر على وجه الذم والتأثيم له، فإن الله غفر له خطأه، بل يجب لما فيه من الإيمان والتقوى موالاته ومحبته، والقيام بما أوجب الله من حقوقه، من ثناء ودعاء وغيره). [مجموع الفتاوى (8/234)]

وقال في موضع آخر: (وقد اتفق الصحابة -في مسائل تنازعوا فيها-على إقرار كل فريق للفريق الآخر على العمل باجتهادهم، كمسائل في العبادات، والمناكح، والمواريث، والسياسة .... وتنازعوا في مسائل علمية اعتقا دية، كسماع الميت صوت الحي، وتعذيب الميت ببكاء أهله، ورؤية محمد صلى الله عليه وسلم ربه قبل الموت مع بقاء الجماعة والألفة). [مجموع الفتاوى (19/122-123). تأمل قوله رحمه الله: {وتنازعوا في مسائل علمية اعتقا دية... مع بقاء الجماعة والألفة..} مع ما ينشره من ضاقت صدورهم باختلاف العلماء في الفقه، في بعض جزئيات في العقيدة، كالذي ذكره ابن تيمية هنا، فأخرجوا أولئك العلماء المجتهدين من زمرة أهل السنة والجماعة، كالحافظ ابن حجر، والإمام النووي، وأمثالهما من رواد العلم، ويرددون عبارة: لا يجوز الخلاف في الأصول، لأن السلف لم يختلفوا في الأصول، وهي عبارة صحيحة في أصول الاعتقاد، كأركان الإيمان، وليست على إطلاقها في كل الجزئيات العقدية، كما هو واضح في الأمثلة التي ذكرها ابن تيمية، وكاختلافهم في فناء الجنة والنار]
فللعلماء حالتان:
الحالة الأولى: أن يثبت عندهم الدليل، ويظهر المعنى لهم جميعا على وجه واحد لا يحتمل غيره، وفي هذه الحال لا يسعهم الخلاف، لعدم وجود المسوغ له.
الحالة الثانية: أن يثبت عندهم الدليل، ويكون لمعناه احتمالان أو أكثر، وتختلف فيه وجهة نظرهم، فيرى هذا مالا يراه الآخر، وهنا لا يلزم أحدَ هم ما فهمه الآخر، بل يقر كل فريق على العمل باجتهاده كما قال ابن تيمية، مع بقاء الجماعة والألفة بينهم، وقيام كل منهم بما أوجب الله لصاحبه من حقوق، وعدم جواز ذكره بذم أو تأثيم.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://el-quran.ahlamontada.com
Admin
Admin
Admin


المساهمات : 4240
تاريخ التسجيل : 20/01/2018

الإيمان هو الأساس (دروس في الإيمان) Empty
مُساهمةموضوع: رد: الإيمان هو الأساس (دروس في الإيمان)   الإيمان هو الأساس (دروس في الإيمان) Emptyالجمعة فبراير 23, 2018 3:05 am

الإيمان هو الأساس (دروس في الإيمان) %D8%AE%D9%84%D9%81%D9%8A%D8%A7%D8%AA-%D8%A2%D9%8A%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D9%83%D8%B1%D8%B3%D9%8A-%D9%85%D9%83%D8%AA%D9%88%D8%A8%D8%A9-2

فما نصيب علماء المسلمين اليوم من هذه القاعدة التي تجمع، ولا تفرق؟
بادئ ذي بدء نقول: إنه يوجد في الأقطار الإسلامية-وفي غير الأقطار الإسلامية-علماء ذوو بصيرة وتقوى وورع، يسعون جادين في تطبيق هذه القاعدة، ويحزنهم ما يرون من تفرق علماء المسلمين وتمزقهم ويهيبون بإخوانهم العلماء أن يسيروا على نهج هذه القاعدة، ولكن هذا الصنف من العلماء قليل، سنة الله في عباده الصالحين: (إنما الناس كالإبل المائة لا تكاد تجد فيها راحلة) [متفق عليه، وهو في اللؤلؤ والمرجان (ص 691، رقم: 1651)].

فإذا استثنيت هؤلاء وحزمت حقائبك وجلت في الأرض- في بلدان المسلمين أو غيرها-وجدت عجبا من الكثرة الكاثرة من المنتسبين إلى العلم، سواء أكانوا من جماعة واحدة أو من جماعات، وكثيرا ما تجد السبب في تنازعهم اتباع الهوى والجري وراء مصالح مادية [وقد يكون سبب الخلاف دينيا، ولكنه لا يرقى إلى جواز المفاصلة والتنازع المؤدي إلى الفشل]، ولكنهم قد يسوغون مواقفهم بأسباب دينية، إذا سبرتها وجدتها أوهى من بيت العنكبوت.

إنك تجد بلدا إسلاميا يكاد عدد المسلمين فيه يتساوى مع عددغيرالمسلمين، وتجد فيه أحزابا كثيرة للمسلمين، وأحزابا أخرى لغير المسلمين، فإذا فتشت عن علماء ذلك البلد وجدتهم قد تفرقوا في تلك الأحزاب كلها، فتجد بعضهم في حزب إسلامي وتجد بعضهم في حزب علماني [الكلام هنا لا يقصد منه نقد وجود عالم في حكومة علمانية أو غيرها، وإنما المراد وصف حال العلماء في التفرق والتنازع. وقد اشترك بعض الشباب الصالحين في حكومة علمانية في بعض الدول في جنوب شرق آسيا، فكان لهم أثر واضح في الإصلاح]، وتجد آخرين في حزب نصراني، فإذا جاءت جولة جديدة، ظن العالِم أن النصر الانتخابي فيها سيكون لحزب آخر انتقل إليه وترك الحزب الذي كان فيه، وكال المديح لحزبه الجديد ولو كان علمانيا، وكال الشتائم لحزبه القديم ولو كان إسلاميا!

وتجد بلدا آخر من بلدان المسلمين يتنافس فيه على زعامته رجل وامرأة، وتصدر فتاوى من غالب علماء المسلمين، في ذلك البلد وفي غيره، بعدم جواز تولي المرأة الولاية العظمى، ولكن علماء ذلك البلد ينقسمون قسمين: قسم يؤيد اختيار الرجل، وآخر يؤيد اختيار المرأة، ووراء كل عالم أتباعه، والمسوغات جاهزة لدى الجميع!

وتجد في بلدان كثيرة جماعة واحدة، لا خلاف بين أفرادها في عقيدة ولا في مذهب فقهي، ولا في اتجاه فكري، ينشق منها أحد أعضائها-العلماء!-ويكون جماعة أخرى صغيرة، فإذا بحثت عن سبب الانشقاق وجدته الاستقلال بتلقي المساعدات المالية، ليس إلا.

وإذا تتبعت المواقف السياسية في البلدان الإسلامية، وجدت كثيرا من العلماء يتناقضون في فتاواهم في قضية واحدة كانت منكرا قبل سنين ولكنها اليوم أصبحت معروفا، والمفتون هم المفتون والمسوغات جاهزة!

وإذا بحث أعداء تطبيق الشريعة الإسلامية عن مفت يحل ما حرم الله وأجمعت على تحريمه الأمة، كتحريم الربا، وجدوا من يفتي في ذلك ممن يشترون بآيات الله ثمنا قليلا، ووُجد من يؤيد ذلك المفتي من أمثاله، بل قد يجد محاربو الإسلام من يفتيهم بشرعية قطع رقاب الآمرين بالمعروف والنا هين عن المنكر، وقد يقبل أن يكون عضوا في صف الجواسيس على العلماء العاملين!

وتجد علماء السنة [السنة-هنا-يقابلها (الشيعة)] في بلد السنة متفقين على مذهب أهل السنة فينتدِب من بينهم أحد أدعياء العلم، لنشر مذهب الرافضة ويبني المدارس والمعاهد، ويجتذب الطلاب والمدرسين، ويحدث شقا جديدا في صف المسلمين، والسبب الحصول على المال والسعي وراء الظهور.

وتجد بلدا تنتشر فيه السنة، وتتقلص البدعة، فيستاء من ذلك علماء البدع والخرافات، فيسعون في إيجاد مراكز وأوكار لبدعهم وخرافاتهم، فيجمعون لذلك المال، ويعمرون المدارس والمساجد، ويدرسون الطلاب ويدربونهم على تلك البدع والخرافات ويعدونهم لتدريسها ونشرها، ثم يسلطونهم على ذلك البلد لإحداث فتنة بين أهله!


وتجد آخرين لا هم لهم إلا الطعن في دعاة الإسلام الذين جاهدوا في الله حق جهاده ينسبون إليهم زورا وبهتانا ما هم منه براء، أو يتتبعون بعض الهفوات الصغيرة التي لا يسلم منها إلا المعصوم صلى الله عليه وسلم، ويضخمونها ليخرجوهم بها من دائرة الإسلام.

وتجد طائفة من العلماء اتجهت في نشاطها إلى بعض أبواب الإسلام وقل نشاطها في سواه-والإسلام منهج شامل لكل حياة المسلمين-فإذا رأت جماعات أخرى اهتمت بأبواب الإسلام الأخرى جن جنونها، وفَسَّقتْ وبدَّعتْ واتهمت، وزعمت أنها وحدها حاملة الإسلام، لأنها تريد الجماعات كلها تنضوي تحت لوائها وتلتزم بمنهجها، مع أنها لو تأملت قليلا لوجدت أن الجماعات الأخر تسقط عنها فرض الكفاية الذي لو لم يقم به أحد لكانت هي من الآثمين. [ولقد انتقل هذا النزاع والصراع الموجود في بلدان المسلمين إلى المسلمين الذين نزحوا إلى البلدان غير الإسلامية، كدول أوربا وأمريكا، فوجد من التنافس على الزعامات في بعض المراكز الإسلامية ما وصل إلى درجة تدخل الشرطة في فض النزاعات، ووجدت صراعات الأحزاب والجماعات والدول بكاملها في تلك البلدان، مما أعطى لمن يتعمدون تشويه الإسلام دليلا يدعمون به دعاواهم الماكرة، وقد بينت ذلك في رحلاتي إلى أوربا، وأشرت إليه في محاضرة ألقيتها في القاعة الكبرى في الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة وقد طبعت]

وتجد من هؤلاء من يناصبون العداء للعلماء الذين ترجح عندهم الدخول في المعترك السياسي بعد دراسة هذا الأمر والتشاور فيه والمقارنة بين المصالح والمفاسد المترتبة على الدخول في هذا العمل أو عدم الدخول فيه، والقصد من ذلك محاولة التقليل من الشر والظلم، والإكثار من الخير والعدل، وتقوية الدعوة إلى الله ونشرها والدفاع عن الدعاة، حسب الاستطاعة، كالدخول في الانتخابات البرلمانية وتولي بعض الوظائف، كالوزارات، فيسارع أولئك في اتهام هؤلاء بأنهم يقرون الطواغيت على الحكم بغير ما أنزل الله، ويشاركونهم في الإثم، وهذه المسألة من المسائل الاجتهادية التي تختلف فيها وجهات النظر، وقد يختلف حكمها في بلد عن بلد آخر، كما يختلف باختلاف الأشخاص، وعلماء كل بلد أولى بالحكم فيها من غيرهم، لأنهم أعلم بواقع بلدهم من غيرهم، والذي يطلع على معركة علماء اليمن فيما يتعلق بالدستور، ويقارن بين الدستور الدائم للجمهورية العربية اليمنية [وكان لبعض العلماء جهود عظيمة في إثبات بعض مواده التي صبغت بالصبغة الإسلامية، في وقت لا يجرؤ فيه على التقدم باقتراح مواد إسلامية في الدستور إلا عظماء الرجال، إذ كان في عهد سيطرة عبد الناصر على اليمن، وكان الداعية المسلم يعد رجعيا يستحق القتل، وقد اغتيل الأستاذ الزبيري، رحمه الله، وكان شجاعا في قول كلمة الحق، لا تأخذه في الله لومة لائم] والميثاق الوطني الذي يعد منطلق المؤتمر الشعبي [وكان لعلماء اليمن-أيضا-جهود موفقة في إدخال كثير من القواعد والأفكار الإسلامية]، ومشروع الدستور الذي أُرِيدَ إقراره بعد قيام الوحدة-وقد وضع بعناية لزحزحة الحكم بالإسلام في اليمن، أقول الذي يقارن بين هذه الثلاثة من جهة، وبين دستور الجمهورية اليمنية الذي أقره الشعب اليمني بعد هزيمة الحزب الاشتراكي-يعرف قدر هؤلاء العلماء وجهادهم المتواصل لتسديد حكامهم والحفاظ على إيمان الشعب اليمني الذي هو من أهم سماته بشهادة الرسول صلى الله عليه وسلم.

هؤلاء العلماء هم الذين نشروا الدعوة في اليمن، ونشروا السنة في أماكن ما كان أحد يجرؤ على المجاهرة بالعمل بها-فضلا عن الدعوة إليها-وغالبهم [نعم غالبهم، وإلا فمنهم علماء مجاهدون كبار لم يأخذوا العلم في خارج اليمن، ومنهم القاضي يحيا بن لطف الفسيل رحمه الله، الذي أنشأ أول معهد علمي في اليمن بعد الثورة] من علماء الأزهر والجامعة الإسلامية في المدينة المنورة، وجامعة أم القرى، وجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية [الجامعات الثلاث الأخيرة كلها في المملكة العربية السعودية].

وهم الذين وفقهم الله فمكنوا بعض الدعاة من نشر الدعوة السلفية في معقل الجار ودية.
وهم الذين تسببوا في إقامة مئات المعاهد العلمية في كل نواحي اليمن، وهم الذين جاهدوا في سبيل وضع مناهج المدارس الحكومية والكتب الدينية التي نفع الله بها وقضى على الإلحاد الذي كاد يتغلغل إلى كل بيت في اليمن عن طريق المدرسين اليساريين الذين درسوا في البلدان الشيوعية من اليمنيين وغيرهم، وعن طريق الطلاب الذين كانوا يتلقون الشبه الإلحادية وينقلونها إلى أسرهم.
وكانوا مع جهادهم هذا يطاردون ليزج بهم في السجون فيتركون منازلهم ويفرون إلى الجبال والوديان لينشروا الدعوة والوعي المطلوب بين القبائل.
وهم الذين قضوا-بالحكمة والموعظة الحسنة والحجة-على كثير من الخرافات التي كانت منتشرة في اليمن.
وهم الذين جعلوا بعض زعماء قبائل اليمن يناصرون الدعوة إلى الله وتحكيم شرع الله في اليمن.
وهم الذين كافحوا ولا زالوا يكافحون في كل ميدان في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، في مجلس النواب، وفي مجلس الوزراء، وفي المؤسسات الشعبية، وفي المساجد، وفي المؤسسات التعليمية، والمؤسسات الإعلامية، في حدود طاقتهم، وكل وزير منهم يسعى جهده في وزارته لتحقيق المصالح ودفع المفاسد والأمر ليس كله بيدهم، حتى يطبقوا كل ما يريدون من الخير.
وقبل ذلك هم الذين كسروا شوكة الشيوعيين الذين أرعبوا الناس في شمال اليمن في الثمانينات، حتى أصبحوا يسيطرون على كثير من المناطق يسفكون الدماء ويحتلون الأعراض وينهبون الأموال، فاختل الأمن واستسلم الناس لهم.
وهم الذين شاركوا في إزالة قوة كابوس الشيوعية والإلحاد في الحرب الأخيرة.
أهؤلاء-وأمثالهم-يجزون بالتأثيم والتفسيق ودعوة الناس إلى مقاطعتهم واتهامهم بممالأة تحكيم القوانين المخالفة للإسلام، وهم يبذلون كل جهد في كل مادة في الدستور أو القوانين لتكون متفقة مع شرع الله!؟


ذلك من حيث الواقع، فما حكم تَقَلُّد أعمال حكومية لا يستطيع الموظف فيها أن يقوم بكل ما يجب عليه أو يستحب القيام به من حيث الشرع؟
هنا تجيب المصالح التي جاء الشرع لجلبها، والمفاسد التي جاء الشرع لدفعها.
وسأدع الجواب للعلامة الفقيه الداعية المجاهد، الذي فقهه الله في دينه، وهو يتحرك بالدعوة، يتفقه في النصوص ويعمل بها، ويتعرف على الواقع وينزل النصوص عليه، كما كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يفعلون. وليس من الذين يحفظون بعض النصوص، ويجهلون الواقع الذي تنزل عليه فيصدرون الفتاوى المتسرعة بناء على هذا الجهل!

فقد قال: (إذا كان المتولي للسلطان العام، أو بعض فروعه، كالإمارة والولاية والقضاء ونحو ذلك، إذا كان لا يمكنه أداء واجباته وترك محرماته، ولكن يتعمد ذلك ما لا يفعله غيره قصدا وقدرة جازت له الولاية، وربما وجبت... وهذا باب يختلف باختلاف النيات والمقاصد، فمن طلب منه ظالم قادر وألزمه مالا، فتوسط رجل بينهما، ليدفع عن المظلوم كثرة الظلم، وأخذ منه وأعطى الظالم، مع اختياره أن لا يظلم، ودفعه ذلك لو أمكن، كان محسنا، ولو توسط إعانة للظالم كان مسيئا... ومن هذا الباب تولي يوسف الصديق على خزائن الأرض لملك مصر، بل ومسألته أن يجعله على خزائن الأرض، وكان هو وقومه كفارا... ومعلوم أنه مع كفرهم لا بد أن يكون لهم عادة وسنة في قبض الأموال وصرفها على حاشية الملك وأهل بيته ورعيته، ولا تكون تلك جارية على سنة الأنبياء وعدلهم، ولم يكن يوسف يمكنه أن يفعل كل ما يريد، وهو ما يراه من دين الله، فإن القوم لم يستجيبوا له، لكن فعل الممكن من العدل والإحسان، ونال بالسلطان من إكرام المؤمنين من أهل بيته ما لم يكن يمكن أن يناله بدون ذلك، وهذا كله داخل في قوله: {فاتقوا الله ما استطعتم}) التغابن: 16. [مجموع الفتاوى (20/55-57)]

وقال في موضع آخر: (والنجاشي ما كان يمكنه أن يحكم بالقرآن، فإن قومه لا يقرونه على ذلك، وكثيرا ما يتولى الرجل بين المسلمين والتتار قاضيا، بل وإماما وفي نفسه أمور من العدل يريد أن يعمل بها فلا يمكنه ذلك، بل هناك من يمنعه ذلك، ولا يكلف الله نفسا إلا وسعها..) [مجموع الفتاوى (19/218)].

ولا شك أن التخفيف من الشر خير من تركه يكثر، إذا لم يُستَطَعْ إزالته كله، وتكثير الخير خير من تركه يقل إذا لم يُستَطَعْ جلبه كله، ونور في ظلمة خير من ظلمة لا نور فيها، كما قال ابن تيمية في موضع ثالث: (فإذا لم يحصل النور الصافي، بأن لم يوجد إلا النور الذي ليس بصاف، وإلا بقي الإنسان في الظلمة، فلا ينبغي أن يعيب الرجل وينهى عن نور فيه ظلمة، إلا إذا حصل على نور لا ظلمة فيه، وإلا فكم ممن عدل عن ذلك، يخرج من النور بالكلية). [مجموع الفتاوى (10/364). هذا مع العلم أن بعض حكام المسلمين يقرون بشرع الله، ويطبقونه مع نقص، ووجود العلماء في بعض المناصب يساعدهم عل تكميل شيء من ذلك النقص، فليسوا كملك مصر، وقد عمل يوسف عليه السلام واليا عنده]
فالواجب على العلماء أن يتدبروا المسائل الاجتهادية النازلة ويتدارسوها حتى يتبين لهم وجه الحق فيها، ولا يتسرعوا في حكم بعضهم على بعض، فإن تبين لهم جميعا وجه الحق، عملوا به، وإلا أقر كل فريق صاحبه على ما أداه إليه اجتهاده الذي سيثيبه الله عليه أخطأ أم أصاب، كما مضى.



ويجب التنبيه-هنا-على قاعدة مهمة، كثيرا ما ينساها-أو يتناساها-بعض المنتسبين إلى العلم، وهي أنه قد يحصل من بعض العلماء ما يخالف شرع الله مخالفة صريحة-مما لا يبلغ حد الكفر-كالمعاصي وبعض البدع، والواجب في هذه الحال نصحه، وأمره ونهيه، ولا مانع من هجره [راجع في موضوع الهجر,وأنه يتبع المصلحة: مجموع الفتاوى (28/203-210)]، إذا أدى إلى صلاحه أو إلى تحذير الناس من الاغترار به، ولكن ذلك لا يقضي على ما له من حق الموالاة بقدر ما عنده من الخير، ومعاداته بقدر ما عنده من الشر، فالولاء والبراء يتجزآن، كما يتجزأ الإيمان، فما يراه بعض من ينسى هذه القاعدة من أن الولاء لا يتجزأ وكذلك البراء، ويبنون على ذلك المعاداة المطلقة للعلماء أو الدعاة الذين يدخلون في هذا الصنف، هو مذهب الخوارج الذين يرون أن الشخص الواحد، إما أن يكون مستحقا للثواب فقط أو مستحقا للعقاب فقط، وقد رد شيخ الإسلام ابن تيمية، رحمه الله على من يعتقد هذا الاعتقاد، فقال:
(وإذا اجتمع في الرجل الواحد خير وشر، وفجور وطاعة، وسنة وبدعة، استحق من الموالاة والثواب بقدر ما فيه من الخير، واستحق من المعاداة والعقاب بحسب ما فيه من الشر، فيجتمع في الشخص الواحد موجبات الإكرام والإهانة... هذا هو الأصل الذي اتفق عليه أهل السنة والجماعة، وخالفهم الخوارج والمعتزلة...) [مجموع الفتاوى (28/209)]
هذه هي المسألة الأولى، وهي اجتماع العلماء أو اختلافهم فيما بينهم، وإذا كانت هذه هي حال العلماء في التنازع والتفرق والتدابر والتقاطع فكيف ينال المسلمون العزة التي من أهم مقوماتها اجتماع الكلمة على الحق، والعلماء هم قدوة الأمة، والناس لهم تبع؟ [قلت في إحدى قصائدي:
وتفـرق العلمـاء كـل يدعـي ======= أن الهدى تحت العمامة والرداء
والأرض يغمرها الضلال وتصطلي ======== فيها الخلائق كلها نار الشـقاء
هتاف العزة والجهاد (ص: 88)]



المسألة الثانية: في اتفاق العلماء والأمراء، أو اختلافهم:
لقد كان أمير المؤمنين في العصور المفضلة، يجمع بين العلم والإمارة، وكان يستشير العلماء فيما يشكل عليه، وكان هو إمام المسجد وقائد الجيش، وقد يجمع مع ذلك القضاء، وقد كان الرسول صلى الله عليه وسلم يجمع بين سياسة الأمة وقيادتها، وبين إمامتها وتبليغ دين الله إليها.

قال ابن تيمية، رحمه الله: (وقد كانت السنة أن الذي يصلي بالمسلمين الجمعة والجماعة ويخطب بهم، هم أمراء الحرب الذين هم نواب ذي السلطان على الأجناد ولهذا لما قدم النبي صلى الله عليه وسلم أبا بكر في الصلاة قدمه المسلمون في إمارة الحرب وغيرها..). [مجموع الفتاوى (28/260)]

ثم تغير الحال، فاختص الأمراء بالسياسة وقوة السلطان، مع عدم إهمال العلم، واختص العلماء بالتعليم والإفتاء والتربية والدعوة وإمامة المساجد، وكان العلماء والأمراء يتعاونون على إقامة دين الله، فريق العلماء يفتي ويبين الحق وينصح، وفريق الأمراء ينفذ-غالبا-أي إنه يجتمع لإقامة الدين سلطان العلم والحجة، وسلطان القوة والقدرة والسيف، ولا يقوم الدين ويحفظ إلا باجتماع هذين الأمرين.

قال ابن تيمية، رحمه الله: يوضح ذلك أن السلطان نوعان: سلطان الحجة والعلم، وهو أكثر ما سمي في القرآن سلطانا... والثاني: سلطان القدرة. والعمل الصالح لا يقوم إلا بالسلطانين، فإذا ضعف سلطان الحجة كان الأمر بقدره وإذا ضعف سلطان القدرة كان الأمر بحسبه...). [مجموع الفتاوى (19/125)]

وقال في موضع آخر: (ودين الإسلام أن يكون السيف تابعا للكتاب، فإذا ظهر العلم بالكتاب والسنة، وكان السيف تابعا لذلك، كان أمر الإسلام قائما...). [مجموع الفتاوى (20/393)]

وبين في موضع آخر أن انفراد الدين عن سلطان القوة، و انفراد سلطان القوة عن سلطان الدين فيهما فساد العالم، قال: (وإن انفرد السلطان عن الدين، أو الدين عن السلطان، فسدت أحوال الناس). [مجموع الفتاوى (28/394)]

وبين الغزالي، رحمه الله، أن الدين هو الأصل، وأن السلطان حارس، فقال: (فالفقيه هو العالم بقانون السياسة وطريق التوسط بين الخلق إذا تنازعوا بحكم الشهوات، فكان الفقيه معلم السلطان ومرشده إلى طريق سياسة الخلق وضبطهم، لينتظم باستقامتهم أمورهم في الدنيا.... والملك والدين توأمان، فالدين أصل والسلطان حارس، وما لا أصل له فمهدوم، وما لا حارس له فضائع، ولا يتم الملك والضبط إلا بالسلطان، وطريق الضبط في فصل الحكومات بالفقه). [إحياء علوم الدين (1/17)]
هكذا كان الدين يقوم بسلطان الحجة والفقه عند العلماء، وسلطان القوة والسيف عند والأمراء، وكان يحصل بين بعض العلماء وبعض الأمراء-أحيانا-اختلاف وجفاء، ولكن الخلاف ما كان يصل إلى درجة الفصل بين الدين والدولة.
فما نصيب علماء المسلمين وحكامهم اليوم من الاتفاق والنزاع؟
لقد التزم غالب حكام الشعوب الإسلامية في هذا العصر بفصل الدين عن الدولة، ولم يبقوا من أحكام الدين الإسلامي إلا بعض أحكام الأسرة [نقول: بعض، لأن قوانين بعض الدول بها مواد تخالف أحكام الإسلام، وتوجد قوانين مقترحة للأحوال الشخصية في بعض البلدان الإسلامية، بها مواد تخالف أحكام الإسلام] -الأحوال الشخصية-وبعض المعاملات التي قد يلجئون إليها إذا رأوا المصلحة تقتضي ذلك، ولكنها غير ملزمة لهم، واستبدلوا بأحكام الإسلام قوانين أجنبية. [اقتدوا في فصل الدين عن الدولة بالنصارى الذين ذاقوا الأمرين من سلطة الكنيسة التي كانت تحكمه بأهواء القساوسة الذين يزعمون بأنهم يحكمون باسم الله، ولم يكن عندهم في الإنجيل ما يمكن به الفصل بالعدل في أحكامهم، بخلاف الإسلام الذي فيه تبيان لكل شيء، كما مضى] وبذلك سَيَّروا حياة الناس بحسب أحكام القوانين الوضعية، بل إنهم يصدرون مايشاؤن من قوانين وأحكام تحقق لهم ما يهوون، ولو خالفت تلك القوانين، لأنهم يرون أنفسهم فوق القانون ولهم حججهم ومسوغا تهم في التغيير التبديل.


وإزاء هذا التغيير انقسم العلماء ثلاثة أقسام:
القسم الأول: يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر، ويبين الحق من الباطل، بحسب قدرته، ولا يقر هذا المنهج المحارب لشريعة الله.
وموقف الحكام-النابذين لتحكيم الشريعة-من هذا القسم من العلماء، يختلف من حاكم لآخر، فبعض الحكام يهملون هؤلاء العلماء وآراءهم، ويحاصرون أفكارهم، وقد يأذنون بنشرها في مطبوعات لا تؤثر على الرأي العام، ويبعدونهم عن مراكز التوجيه. وهؤلاء الحكام أحسن حالا من غيرهم، وقد يكونون يميلون بفطرتهم إلى ما ينادي به أولئك العلماء، ولكن ضعف إيمانهم وضغوط أعداء الإسلام عليهم وخوفهم على مناصبهم، يحول بينهم وبين تنفيذ ما يعتقدون أنه الحق.
وبعض الحكام يُضَيِّقون الخناق على هؤلاء العلماء ويؤذونهم بالاعتقال والسجن والتعذيب والتشريد، وانتهاك لأعراض والقتل، ويتهمونهم بالتشدد والتطرف والأصولية [الأصولية نسبة إلى الأصول، والأصولي في الشريعة الإسلامية هو الذي يعتقد أصول الإيمان والإسلام ويفقههما فقها صحيحا، وهو العالم بموازين الحكم الصحيح في الشريعة الإسلامية عن طريق تضلعه في علم أصول الفقه وقواعده، وقواعد الأحكام، وأصول التفسير وأصول الحديث... ولكنه عند الغربيين يطلق على فرقة من فرق النصارى البروتستانت، تتمسك بنصوص محرفة تمسكا جامدا، ويحكمون على كل من يخالف ظواهر تلك النصوص عند الفئات الأخرى من النصارى، بأنها على باطل، وهي ترجمة لمعنى كلمة:
(ESSENTIALISM) في اللغة الإنجليزية، هذا مع العلم أن كلمة أصولي تطلق في اللغة الإنجليزية على ما يشبه إطلاقها في الشريعة في الجملة، وهو الضليع في القانون، والمحامي، والقاضي والكلمة الدالة على هذا المعنى في اللغة الإنجليزية هي (JURIST). فأطلق أعداء الإسلام على المسلم المتمسك بدين الإسلام كلمة الذم الأولى، وتركوا كلمة المدح الثانية، مع أن المسلم في غنى عن مدحهم، ولكن ببغاوات المسلمين من الإعلاميين وغيرهم تلقفوا الكلمة وأطلقوها على من هو بضدها، وهذا مصداق لقول الرسول صلى الله عليه وسلم {حتى لو دخلوا جحر ضب لدخلتموه}. راجع كتابنا (السباق إلى العقول: ص 369). تحت الطبع ]

وهم صابرون صامدون-صمود بلال رضي الله عنه-يقيم الله بهم الحجة ويبين بهم للناس الحق [يحدوهم إلى احتمال الأذى والصبر على المحن ثلاثة أمور الأمر الأول: إقامة الحجة على الزعماء ببيان الحق من الباطل. والأمر الثاني: تنبيه الأمة على الخطر المحدق بها، بسبب عدم تحكيم شريعة الله والسبب الثالث: طمعهم في الفوز بأفضل الجهاد، الذي رواه أبو سعيد، رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: {أفضل الجهاد كلمة عدل عند سلطان جائر}، وهو حديث صحيح، راجع كتاب جامع العلوم والحكم لا بن رجب بتحقيق وهبة الزحيلى (2/151)]، وكلما زاد التشديد عليهم زاد إقبال الناس على دعوتهم وكتبهم والتشبع والتمسك بأفكارهم ‍لما يرون في نهجهم من الحق، وهو قصد رد المسلمين إلى دينهم، ولما أصاب المسلمين من الذل والهوان، ولفشل كل المناهج التي أجرى حكامهم تجاربها عليهم، كما تُجرى تجارب العقاقير على الفئران [كما قال الشاعر:
لولا اشتعال النار فيما جاورت === ما كان يعرف طيب عرف العود].
ولقد تأثر بدعوة هؤلاء العلماء والدعاة كثير من الشباب في العالم الإسلامي وغيره، فعمت الصحوة الإسلامية أرجاء الأرض، وهي في حاجة إلى ترشيد وتفقيه في دين الله حتى تسير بخطى ثابتة على منهج الله.
ذلك هو القسم الأول من العلماء.


القسم الثاني: من يؤثر السلامة، ويخاف أن يصاب بمكروه إذا أمر أو نهى، ويبغض المنكر بقلبه، ويلتزم الصمت، وقد يقول كلمة الحق لدى من يأمنه ولا يخاف منه.
ولنا على هذا الموقف ثلاث ملحوظات:
الملحوظة الأولى:أن الخوف من الإصابة بالمكروه والذي يسقط به الأمر والنهي هو الخوف الذي يغلب على الظن حصوله، وليس الخوف المتوهم.
الملحوظة الثانية: أنه ليس كل مكروه يصيب الآمر والناهي مسقطا لذلك عنه، فالذي يخاف على نفسه المكروه، من قتل أو ضرب أو حبس، أو نفي، أو أخذ مال، أو على أسرته بالاعتداء عليهم بذلك أو غيره، يُسقِط عنه هذا الخوف-إذا غلب على ظنه وقوعه-القيامَ بالأمر والنهي، وإن كان يستحب له إذا قدر على الصبر، كما مضى في حديث أبي سعيد. [راجع كتاب جامع العلوم والحكم (2/151)]
الملحوظة الثالثة: أن الحكام الذين لم يحكموا الشريعة، ليسوا سواء فبعضهم يتغاضون عن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، في حدود، وبخاصة إذا لم يُتَعَرَّض لهم بالتجريح، ولم يذكروا بأسمائهم، ويجب أن يكون العالم حكيما يأمر وينهى بما يقدر عليه، وبالأسلوب الممكن بدلا من السكوت المطلق.
ذلك هو القسم الثاني من العلماء.


القسم الثالث: هم علماء السوء، وهم الذين يشترون بآيات الله ثمنا قليلا، مثل علماء بني إسرائيل، الذين يكتمون الحق، أو يلبسونه بالباطل، بتحريف الكتاب والسنة، والتأويلات الفاسدة، فيحلون ما حرم الله ورسوله، ويحرمون ما أحل الله ورسوله، طاعة لطواغيت الحكام الذين يحاربون الحكم بالكتاب والسنة، من أجل الحظوة عندهم والقرب منهم، والحصول على المال والجاه وغيره، وهم أشد خطرا على الإسلام والمسلمين من طواغيت الحكام الذين يعلم المسلمون أنهم يحاربون كتاب الله وسنة رسوله، بخلاف علماء الضلال فإن جهال المسلمين، وهم أكثر من غيرهم، يغترون بهم ويُضَلُّون بتحريفهم وتأويلاتهم، ويقف هؤلاء العلماء بالمرصاد للعلماء العاملين، يشوهون سمعتهم، ويفتون بضلالهم، وقد يدعون الحكام إلى إيذائهم، بل قد يستحلون دماءهم بإصدار الأحكام الجائرة عليهم [وهذا الابتلاء الذي يحصل للعلماء العامين الصادقين، من الحكام الظالمين، وعلماء السوء المتزلفين، لا يخلو منه زمان، لكنه في هذا العصر أصبح سمة بارزة في كل بلدان المسلمين التي يحارب حكامها تحكيم الكتاب والسنة، وللبلدان العربية من ذلك النصيب الأوفر، لا يخفى على من عاش في هذه الحقبة من الزمن، وبخاصة بعد انسحاب جيوش ما يسمى بالاستعمار من بلدان المسلمين، وتقلد أبناء المسلمين، من تلاميذ أعداء المسلمين مقاليد الحكم في بلدانهم، وقد بدأت المحنة في تركيا الكمالية، ثم بمصر الناصية، وانتشرت فالبلدان الأخرى، وبخاصة تلك التي حكمتها الأحزاب الشيوعية والاشتراكية].
ذلك هو القسم الثالث من العلماء


فئة الشباب الذين تتلمذوا على الكتب.
وهناك فئة رابعة أفرزتها هذه الأوضاع المحزنة من اختلافات العلماء فيما بينهم، واختلافهم مع الحكام، واختلاف الجماعات والأحزاب، هذه الفئة هي فئة شبابية نظرت في أوضاع أمتها، فوجدتها أوضاع ذلة ومهانة، يسيطر أعداؤها على كل مقومات بقائها، وضرورات حياتها، ورأت فشل كل التجارب السياسية والاقتصادية والاجتماعية التي طبقها حكامها في بلدانها، وتلفتت يمنة ويسرة لعلها تجد راية أخرى غير هذه الرايات التي أذلت الأمة الإسلامية، فلم تجد شيئا يمكنه أن ينقذ هذه الأمة إلا مصدر عزها السابق الذي جعل لأسلافها من الأمجاد ما لم تحلم به أمة من الأمم، وسبرت فئات العلماء الذين هم المؤهلون لقيادة هذه الأمة إلى العودة إلى ذلك المصدر الإلهي العظيم، فرأوا تلك الأقسام الثلاثة من العلماء:
* علماء الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر المغلوب على أمرهم، الذين غصت بهم السجون والمعتقلات، واستضافتهم حبال وأخشاب المشانق، وعانقت رقابهم السيوف، لا في ساح جهاد أعداء الأمة الإسلامية الذين احتلوا أرضها ودنسوا مقدساتها وانتهكوا أعراضها، ولكن في ساحات عواصم هذه الأمة التي بناها أجدادهم المجاهدون، والذي لم تنله يد الإثم بالقتل أو التعذيب، ناله التشريد فحرمه من التمتع بالسكن في بلده وبيته، ولم يجد كثير منهم مأوى إلا في بلاد الكفر.
* وعلماء إيثار السلامة والسكوت الذين يقبعون في منازلهم على وجل من بطش الطواغيت الذين لا يرضون بالسكوت، بل يريدون كل العلماء يؤيدونهم على باطلهم.!
* وعلماء السوء الذين باعوا الدنيا بالدين فأصبحوا شرا على الدين وأهله من طغاة الحكام.

هذه الفئة الرابعة ساءها ما رأت من مآسي أمتها، فاتجهت إلى دراسة الإسلام لتفهمه وتسعى في تطبيقه في نفسها، ثم في الأمة، فمنهم من أخذ علمه من الكتب-وبخاصة كتب الدعاة المغلوب على أمرهم-وغالب تلك الكتب تشتمل على معان فكريه وحهاديه، تولد في النفوس الحماس للإسلام وتقوي العاطفة نحوه، وتظهر خطر البعد عن هذا الدين، وكابوس سيطرة أعداء الأمة الإسلامية عليها، وغالب هذه الفئة ذات ثقافة غير شرعية، فكثير منهم أطباء ومهندسون...

وقد يوجد فيهم من درس الشريعة دراسة أولية تؤهله للاستمرار في طلب العلم الشرعي، ولكنه لم يكمل الدراسة التي تضبط له ميزان تصرفاته ضبطا شرعيا.

ولم يستيطعوا أخذ التوجيه على يد علماء الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، للحظر المفروض عليهم، ولم تطمئن نفوسهم لأخذ العلم على يد العلماء الساكتين لأنهم في نظرهم مقصرون بذلك السكوت [عدم الأخذ عن هؤلاء غلط، لأن التفقه عليهم في كتاب الله وسنة رسوله، يعصم من زلل الجهل والاجتهادات المبنية عليه، وسكوتهم لخوف من أذى معتبر في سقوط الإثم عنهم يغلب على الظن وقوعه هم به معذورون، وإذا كان سكوتهم لا يعذرون به في نظر هؤلاء الشباب، فذلك بينهم وبين ربهم، وهو لا يمنع أخذ العلم عنهم، بل الذي لا يأخذ العلم عنهم ويتصرف تصرفا جاهلا، يكون آثما على ذلك].
أما علماء السوء فالأمر واضح في أنهم لا يرضون أن يكونوا تلاميذ لهم، بل موقفهم منهم كموقفهم من طغاة الحكام أو أشد.
ورأى كثير من أفراد هذه الفئة أن الجهاد العسكري هو خير وسيلة لإعادة الأمة إلى دين الإسلام، وذلك بمحاربة الحكام الذين أقصوا منهج الإسلام عن حياة هذه الأمة، ومحاربة كل القوى التي تسند أولئك الحكام، من الشرطة، والجواسيس وأفراد الجيش، وكبار موظفي الدولة، كالوزراء، ورجال الإعلام، وبعض المحامين والقضاة، وكل من يرون في عمله مخالفة للأحكام الإسلام، وكذلك الأجانب الذين يَقْوَى اقتصاد الحكام بزيارتهم للبلدان الإسلامية، بل وبعض العلماء والدعاة الذين لا يتفقون معهم في هذا العنف.

فَهِم هؤلاء الشباب مشروعية تصرفهم هذا من نصوص عامة في القرآن والسنة، كالأمر بالجهاد، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وأن يتقي المؤمن ربه حسب استطاعته، ورأوا أن أحكام تلك النصوص تنطبق عليهم وعلى المسؤلين عن محاربة تحكيم الشريعة وكل من أعانهم، وكان كثير منهم قد تدربوا على المعارك الحربية في الجهاد الأفغاني، ووجدوا من يمدهم بالسلاح-ولا ندري أهؤلاء المُمِدون، ممن يفهمون هذا الفهم فيرون أنهم ممن يجهزون الغزاة، أم هم ممن يدبرون الفتن بين المسلمين-، وقد ترتب على هذا الفهم ما يحصل اليوم من قلاقل واضطرابات في بلدان المسلمين، ومن إزهاق لنفوس كثيرة بغير حق [حتى بلغ الأمر بهذه الفئة أن تقتل بعض دعاة الإسلام من الجماعات الأخرى التي لا توافقها على تصرفاتها!!]، ومن الفوضى التي لم يعد من السهل السيطرة عليها، ومما زاد في استعارها وقوف أعداء تطبيق الشريعة من داخل البلدان الإسلامية ومن خارجها، ضد وصول الأحزاب الإسلامية إلى الحكم بالطرق المشروعة فيما يعرف بالديموقراطية والتعددية الحزبية والانتخابات العامة، كما حصل في الجزائر.
بل إن كثيرا من طواغيت الحكام يعتبرون مجرد الدعوة إلى تحكيم الشريعة الإسلامية جريمة يستحق صاحبها الحرمان من كل الحقوق السياسية التي يتمتع بها اليهود والنصارى والملحدون في البلدان الإسلامية، وهذا من أهم الأسباب التي دفعت هذا الشباب إلى حمل السلاح وتسديده إلى المذنب والبريء.



نتيجة مرة
وبهذا يعلم أن غالب المسلمين اليوم، وبخاصة من بيدهم أمر الأمة، قد ابتعدوا عن الأخذ بمقومات العزة التي أمرهم الله بها، وتعاطوا أسباب الذلة التي نهاهم الله عنها-ومنها الفرقة والتنازع-، والأدهى من ذلك أنهم يتسابقون للتقرب من أعدائهم وموالاتهم وهم الذين اغتصبوا أرضهم واتخذوا-ولا زالوا يتخذون-كل وسائل الكيد لهم للقضاء عليهم وعلى كل الأسباب التي تعيد لهم عزتهم ومجدهم، ويؤججون نار التنازع فيما بينهم، حتى أصبح علماء الأمة ومفكروها يندبون حظ هذه الأمة العاثر [فقد قال شيخ الجامع الأزهر: (نحن أمة قد تمزقت داخليا، وكل شعب من شعوبها يحيا مأساة خاصة، ونحن نطالب المسلمين شعوبا وحكاما في كل مكان وكل بلد قائلين: إذا كنا قد فشلنا في أداء حقوق الأخوة، فإننا نطالب بأداء حقوق الجوار، حتى حال شافية من هذا التقاطع والتدابر الذي ينهش جسد الأمة الإسلامية ..) مجلة المجتمع الكويتية. عدد 1155. 29 محرم-5 صفر. صفحة: 20]

كما أهملوا المصدر الذي لا يمكن أن تجتمع كلمتهم على الحق إلا به-وهو الكتاب والسنة- ولولا بقاء هذا المصدر المحارَب محفوظا بحفظ الله له، يرجع إليه من يحرص على طاعة الله بالعمل بما يرضيه، مما تضمنه من تشريع، ولولا ما بقي من عبادات جماعية تربط بين المسلمين، لم يستطع أعداء الإسلام القضاء عليها-مع محاولتهم الجادة للتقليل من شأنها وتقليص وظائفها-كالحج وصلوات الجماعة والجمع والأعياد، ونحوها مما أبقى على الصِّلات الاجتماعية والأسرية، ولولا أولو بقية من دعاة الحق لازالوا يحدون الأمة إلى المحبة والإخاء، لولا ذلك كله وهو من فضل الله وتوفيقه، ومن محاسن هذا الدين وفضائله، لولا ذلك لانحلت البقية الباقية من الروابط الخيرة التي لا زال المسلمون يتمتعون بها كما انحلت روابط الأمم الأخرى.

وحاربوا التشريع الحاسم بالقوانين الوضعية التي تقر الكفر والارتداد والفسوق والعصيان، فارتُكِبَت بذلك كبائر الذنوب، كالزنا وشرب الخمر والميسر، وأهملت أمهات فرائض الإسلام، وحورب فاضل الأخلاق، وأصبح من يتصف بها أهلا للازدراء والنبذ والحرمان فكسدت بذلك سوقها، ومكن لفا سدها، وأصبحت من مؤهلات الاحترام والتكريم، فنفقت بذلك سوقها.

وأقصوا حدود الله التي تحفظ بها الضرورات ومكملاتها، من دين ونسل ونفس وعقل ومال، ففسدت بذلك حياة المسلمين في الأرض ونكسوا رايات الجهاد وأهملوا وسائله التي لا عزة للأمة الإسلامية إلا بها، فاحتل أعداؤها ديارها وأرضها ونهبوا خيراتها ودمروا مساجدها وانتهكوا أعراضها، وسفكوا دماء شعوبها ورملوا نساءها ويتموا أطفالها، والسبب في ذلك كله هو فقدها للإيمان الذي الشرعي الذي يؤهل أهله للعزة ويجعلهم في صف العزيز: {ولله العزة ولرسوله وللمؤمنين ولكن المنافقين لا يعلمون}. المنافقون 8
وسبحان ربك رب العزة عما يصفون وسلام على المرسلين والحمد لله رب العالمين.
وسبحانك اللهم وبحمدك،لا إله إلا أنت، نستغفرك ونتوب إليك.

======
(1) وقد سبق الكلام عن الاجتهاد وأهله، وعن أدعيائه، فلا داعي لتكراره.
(2) يكفي أن تعلم أن أهم سبب لفوز امرأة مرتين، هو النزاع بين الجماعات والأحزاب الإسلامية، حتى إن جماعة واحدة انقسمت قسمين قسم منهما أيد اختيار المرأة.
(3) ) يقال إن الجماعات الموجودة في مصر وحدها تزيد عن سبعين جماعة.
(4) كما كانت تقف الدولة الماركسية في عدن وكذلك رئيس منظمة التحرير الفلسطينية من الجهاد الأفغاني!
(5) وتتقلب مواقف الشعوب بتقلب مواقف حكامها التي تمدح اليوم دولة كانت تكيل لها الذم والشتائم أمس، وتصبح تلك الدولة اليوم صديقة بعد أن كانت بالأمس عدوا دون ميزان أو ضابط شرعي.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://el-quran.ahlamontada.com
Admin
Admin
Admin


المساهمات : 4240
تاريخ التسجيل : 20/01/2018

الإيمان هو الأساس (دروس في الإيمان) Empty
مُساهمةموضوع: رد: الإيمان هو الأساس (دروس في الإيمان)   الإيمان هو الأساس (دروس في الإيمان) Emptyالجمعة فبراير 23, 2018 3:06 am

الإيمان هو الأساس (دروس في الإيمان) %D8%AE%D9%84%D9%81%D9%8A%D8%A7%D8%AA-%D8%A2%D9%8A%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D9%83%D8%B1%D8%B3%D9%8A-%D9%85%D9%83%D8%AA%D9%88%D8%A8%D8%A9-2
تعريف بفضيلة الشيخ الدكتور عبد الله قادري الأهدل


أولا : السيرة ذاتية :
1) من مواليد منطقة(عبس)، شمال غرب اليمن، سنة 1356هـ تقريبا.
2) تعلم القرآن، والكتابة على يد بعض المعلمين المحليين في الكتاب وكان أحسنهم في تلاوة القرآن أحد أقاربه .
3) رغب في طلب العلم- بدافع رباني-حيث لم يكن في بيئته-وهي غير بيئة أجداده المشهور كثير منهم بالعلم- التي نشأ فيها أي سبب يشجع على ذلك، فنصحه قريبه المذكور بالسفر إلى (سامطة) بالسعودية، حيث اشتهرت المدارس التي أنشأها فضيلة الشيخ (عبد الله بن محمد القرعاوي) رحمه الله، فسافر وواصل دراسته في المدرسة السلفية، ثم في المعهد العلمي إلى أن تخرج من المرحلة الثانوية.
4) التحق بالجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة سنة 1382هـ وتخرجه من كلية الشريعة-وكان من طلاب الدفعة الثانية في الجامعة-سنة 1385هـ.
5) عين مدرسا في المعهد المتوسط التابع للجامعة، ثم انتقل للتدريس في المعهد الثانوي التابع للجامعة أيضا.
6) كلفه سماحة شيخه (عبد العزيز بن عبد الله بن باز) القيام بأعمال الإشراف الاجتماعي في الجامعة، إضافة إلى قيامه بالتدريس، واستمر في هذا العمل ما يقارب عشر سنوات، وهو الذي أنشأ إدارة الإشراف (نواة عمادة شئون الطلاب في الجامعة فيما بعد).
كان يقوم بتنظيم رحلات ومعسكرات طلابية في داخل المدينة وخارجها، وبخاصة رحلات الحج التي استمرت سبع سنوات أو أكثر عندما كان مسئولا عن الطلاب كما كان يعقد للطلاب ندوات أسبوعية للتعارف فيما بينهم، ولتلقي التوجيهات من أساتذة الجامعة، وعلى رأسهم سماحة رئيسها الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز.
7) ثم قام بتدريس مادة العقيدة في كلية القرآن الكريم عندما أنشئت
سنة 1395هـ.
Cool وفي سنة 1396هـ كلف القيام بعمادة كلية اللغة العربية (كانت تسمى كلية اللغة العربية والآداب)،ثم عين عميدا لها واستمر عمله في هذه الكلية سبع سنوات، قدم بعها استقالته ليتفرغ للتدريس والبحث.
9) نال شهادة الماجستير من كلية الشريعة والقانون سنة 1394هـ ثم شهادة الدكتوراة من كلية الشريعة في جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية في الرياض،
سنة 1402هـ
10) تتلمذ على سماحة الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز في المسجد النبوي حيث قرأ عليه عددا من أجزاء فتح الباري، وسمع كتبا أخرى قرأها على الشيخ بعض طلابه ، منها صحيح مسلم وشرحه للنووي، وتفسير ابن كثير، ونزهة النظر في المصطلح، للحافظ ابن حجر، وفتح المجيد، وقد منحه سماحة الشيخ شهادة بذلك وهي محفوظة لديه.
11) ومن أساتذته في الجامعة الإسلامية، صاحبا الفضيلة: الشيخ المفسر محمد الأمين الشنقيطي، صاحب أضواء البيان، والشيخ المحدث محمد ناصر الدين الألباني.
12) كان بحكم وظيفته في عمادة الكلية عضوا في مجلس الجامعة، واشترك في عدد من اللجان المنبثقة عنه، منها: اللجنة الإدارية والمالية، ومنها:لجنة المناهج، ومنها: لجنة تنظيم مؤتمر الدعوة وإعداد الدعاة، وغيرها، كما عين عضوا في المجلس الأعلى للجامعة قبل استقالته من العمادة.
13) ثم قام بالتدريس في قسم الدراسات العليا بالجامعة الإسلامي، مع الإشراف على الرسائل العلمية التي كان غالبها رسائل دكتوراه، وكذلك مناقشاتها.
14) كلف رئاسة شعبة الفقه في الدراسات العليا ما يقارب ست سنوات، ورئاسة لشعبة الدعوة لمدة سنتين، ثم طلب إعفاءه من ذلك ليتفرغ للتدريس.
ثانيا: آثاره العلمية:
أنجز عددا من المؤلفات في موضوعات متنوعة بعضها قد طبع وبعضها لم يطبع، كما أن لديه موضوعات أخرى يريد الكتابة فيها، بعضها قد جمع مادتها، لعل الله يسهل له إنجازها جميعا.

(أ) الكتب المطبوعة:
1) الجهاد في سبيل الله - حقيقته وغايته (رسالة دكتوراه) طبع مرتين، ويقع في مجلدين كبيرين.
2)الكفاءة الإدارية في السياسة الشرعية - نفد.
3) الشورى. نفد
4) دور المسجد في التربية، طبع مرتين.
‎5) أثر التربية الإسلامية في أمن المجتمع الإسلامي.
6) الحدود والسلطان.
7) طل الربوة، طبع مرارا.
Cool الدعوة إلى الإسلام في أوربا.
9) حوارات مع مسلمين أوربيين.
10) حوارات مع أوربيين غير مسلمين.
11) جوهرة الإسلام (في التربية، نظم 1300أكثر من بيت تقريبا).
12) المسئولية في الإسلام، طبع مرارا.
13) الردة عن الإسلام وخطرها على العالم الإسلامي، كذلك.
14) الإسلام وضرورات الحياة، طبع مرتين.
15) حكم زواج المسلم بالكتابية.
16) هتاف العزة والجهاد (شعر)
17) وقاية المجتمع من تعاطي المسكرات والمخدرات.
18) معارج الصعود إلى تفسير سورة هود (كتبته عن شيخي محمد الأمين الشنقيطي، رحمه الله في قاعة الدرس بكلية الشريعة، ثم رتبه وطبعه، وقد قدم له أحد أبناء الشيخ رحمه الله).
19) تفسير سورة النور (كسابقه).

(ب) الكتب التي لم تطبع:
1) السباق إلى العقول.
2) سلسلة أثر تطبيق الشريعة الإسلامية في صلاح الأمة، (طبع منها المقدمة: الإيمان هو الأساس.)
3) سلسلة في المشارق والمغرب ،(وهي المذكرات التي دونها في رحلاته لبلدان العالم) وقد بلغ ما كتب منها إلى الآن عشرين مجلدا.
الإيمان هو الأساس (دروس في الإيمان) %D8%AE%D9%84%D9%81%D9%8A%D8%A7%D8%AA-%D8%A2%D9%8A%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D9%83%D8%B1%D8%B3%D9%8A-%D9%85%D9%83%D8%AA%D9%88%D8%A8%D8%A9-2


♥️••♥️••♥️••♥️••♥️••♥️••♥️••♥️••♥️••♥️••♥️••♥️••♥️••♥️••♥️••♥️
لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ♥️لَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ العَلِيِّ العَظِيمِ ♥️سُبْحَانَ اللَّهِ ♥️وَالْحَمْدُ لِلَّهِ ♥️وَلَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ ♥️وَاللهُ أَكْبَرُ
اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ، ♥️وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ، ♥️كَمَا صَلَّيْتَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ، ♥️وَعَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ، ♥️إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ، ♥️وَبَارِكْ عَلَى مُحَمَّدٍ، ♥️وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ، ♥️كَمَا بَارَكْتَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ، ♥️وَعَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ،♥️فِي الْعَالَمِينَ ♥️إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ ♥️صَلَّ اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
أسْتَغْفِرُ اللهَ العَظِيمَ ♥️الَّذِي لاَ إلَهَ إلاَّ هُوَ، ♥️الحَيُّ القَيُّومُ، ♥️وَأتُوبُ إلَيهِ
حَسْبِيَ اللَّهُ لا إِلَـهَ إِلاَّ هُوَ ♥️عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ ♥️وَهُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ
حسبنا الله ♥️♥️ونعم الوكيل ♥️نعم المولى ♥️ونعم النصير
اللَّهُمَّ انصر واعز الاسلام والمسلمين ♥️واعلي بفضلك كلمتي الحق والدين

*۞ اللَّهُمَّ إجعل ما كتبناهُ وما قلناهُ وما نقلناه ♥️حُجة ً لنا لا علينا ♥️يوم ان نلقاك *

وأنا مُلْتَمِسٌ من قارئ حازَ من هذا السِّفر نَفْعَاً ألا ينساني بدعوة صالحة خالصة في السَّحَر ، وليعلم أن ما في هذا الكتاب مِن غُنْم فحلال زُلال له ولغيره ، وما كان مِن غرم فهو عَلَى كاهلي وظهري ، وأبرأ إلى الله من كل خطأ مقصود ، وأستعيذه من كل مأثم ومغرم ‏.‏
فدونك أيها القارئ هذا الكتاب ، اقرأه واعمل بما فيه ، فإن عجزت فَأَقْرِأْهُ غيرَك وادْعُه أن يعمل بما فيه ، فإن عجزتَ – وما إِخَالُكَ بِعَاجِزٍ – فبطْن الأرض حينئذ خيرٌ لك من ظاهرها ‏.‏
ومن سويداء قلبي أسأل الله تبارك وتعالى أن ينفعك بما فيه وأن يقوّيَك على العمل بما انتفعت به ، وأن يرزقك الصبر على ما قد يلحقك من عَنَتٍ وأذى ، وأن يتقبل منك سعيك في خدمة الدين ، وعند الله اللقاء ، وعند الله الجزاء
ونقله لكم الْأَمَةُ الْفَقِيرَةَ الى عفو الله ومرضاته . غفر الله لها ولوالديها ولاخواتها وذرياتها ولاهلها ولأُمّة نبينا محمد صَلَّ اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اجمعين ويجعلنا من عباده الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَالْقَانِتِينَ وَالْقَانِتَاتِ وَالصَّادِقِينَ وَالصَّادِقَاتِ وَالصَّابِرِينَ وَالصَّابِرَاتِ وَالْخَاشِعِينَ وَالْخَاشِعَاتِ وَالْمُتَصَدِّقِينَ وَالْمُتَصَدِّقَاتِ وَالصَّائِمِينَ وَالصَّائِمَاتِ وَالْحَافِظِينَ فُرُوجَهُمْ وَالْحَافِظَاتِ وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتِ وَالْمُنفِقِينَ وَالْمُسْتَغْفِرِينَ بِالأَسْحَارِوَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنْ النَّاسِ وَالْمُحْسِنِينَ والْمُتَّقِينَ الأَحيَاءِ مِنهُم وَالأَموَاتِ اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِحَيِّنَا وَمَيِّتِنَا وَصَغِيرِنَا وَكَبِيرِنَا وَذَكَرِنَا وَأُنْثَانَا وَشَاهِدِنَا وَغَائِبِنَا ، اللَّهُمَّ مَنْ أَحْيَيْتَهُ مِنَّا فَأَحْيِهِ عَلَى الْإِيمَانِ ، وَمَنْ تَوَفَّيْتَهُ مِنَّا فَتَوَفَّهُ عَلَى الْإِسْلَامِ ويجمعنا اجمعين فى اعلى درجات الجنة مع نبينا محمد وجميع النَّبِيِّينَ والْمُرْسَلِينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا
تحققت الآمال و توفر لهم كل شئ فلم يبق إلا الثناء
وأخيرًا أسأل الله أن يتقبلني انا وذريتى ووالداى واخواتى واهلى والمسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات وامة محمد اجمعين صَلَّ اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الاحياء منهم والاموات شهيدًا في سبيله وأن يلحقناويسكنا الفردوس الاعلى من الجنة مع النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا أسألكم أن تسامحوني وتغفروا لي زلاتي وأخطــائي وأن يرضى الله عنا وترضــوا عنــا وتهتمــوا وأسال الله العظيم ان ينفع بمانقلت للمسلمين والمسلمات
سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وبِحَمْدِكَ، أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلاَّ أَنْتَ أَسْتَغْفِرُكَ وَأَتُوبُ إِلَيْكَ
دَعْوَاهُمْ فِيهَا سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَتَحِيَّتُهُمْ فِيهَا سَلَامٌ ۚ وَآخِرُ دَعْوَاهُمْ أَنِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ
آميــٍـِـِـٍـٍـٍنْ يـــآرّبْ العآلميــــن
♥️♥️♥️۞ وَاللَّهُ تَعَالَى أَعْلَىَ وأَعْلَمُ وأَحكَمُ، ورَدُّ العلمِ إليه أَسلَمُ ♥️♥️♥️
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://el-quran.ahlamontada.com
 
الإيمان هو الأساس (دروس في الإيمان)
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» العقيدة من مفهوم القران والسنة -مقتضيات الإيمان
» العقيدة من مفهوم القران والسنة -الإيمان باليوم الآخر
» العقيدة من مفهوم القران والسنة - مفهوم الإيمان

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
القرآن الكريم والسُنَّة النبوية والاعجاز :: ♥(( اقسام الفقه والعقيدة الإسلامي ))♥ :: فقه العبادات-
انتقل الى: