القرآن الكريم والسُنَّة النبوية والاعجاز
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

القرآن الكريم والسُنَّة النبوية والاعجاز

القرآن الكريم والسُنَّة النبوية والاعجاز كنز ورسالة لمنهج حياة للعالم الإسلامي اجمع
 
الرئيسيةالرئيسية  البوابةالبوابة  أحدث الصورأحدث الصور  التسجيلالتسجيل  دخول  

 

  تفسير سورة النَّحْلُ صفحة 275 من القرآن الكريم للشيخ الشعراوي

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
Admin
Admin
Admin


المساهمات : 4240
تاريخ التسجيل : 20/01/2018

  تفسير سورة النَّحْلُ صفحة 275 من القرآن الكريم للشيخ الشعراوي	 Empty
مُساهمةموضوع: تفسير سورة النَّحْلُ صفحة 275 من القرآن الكريم للشيخ الشعراوي      تفسير سورة النَّحْلُ صفحة 275 من القرآن الكريم للشيخ الشعراوي	 Emptyالجمعة مارس 02, 2018 5:10 am

۞بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ۞
۞ٱلْسَلآمّ ٍعَلْيّكَمُ وٍرٍحَمُةٌ اللَّــْـْہ ۆبُركَاته۞
۞أَعُوذُ بِاللَّهِ السَّمِيعِ الْعَلِيمِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ من ♥️هَمْزِهِ، ♥️ونَفْثِهِ،♥️ونَفْخِهِ۞
۞الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ۞
۞أَشْهَدُ أَنّ لَّا إِلَٰهَ إِلَّإ الله ♥️وأَشْهَدُ ان محمداً رسول الله۞
۞تحية من عند الله طيبة مباركة۞

  تفسير سورة النَّحْلُ صفحة 275 من القرآن الكريم للشيخ الشعراوي	 910
  تفسير سورة النَّحْلُ صفحة 275 من القرآن الكريم للشيخ الشعراوي	 275

سورة النَّحْلُ ِ :

.تفسير الآية رقم (73):

{وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَمْلِكُ لَهُمْ رِزْقًا مِنَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ شَيْئًا وَلَا يَسْتَطِيعُونَ (73)}
والعبادة أن يطيع العابد معبوده، وهذه الطاعة تقتضي تنفيذ الأمر واجتناب النهي.. فهل العبادة تنفيذ الأمر واجتناب النهي فقط؟ نقول: لا بل كل حركة في الحياة تُعين على عبادة فهي عبادة، وما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب، ولتوضيح هذه القضية نضرب هذا المثل: إذا أردتَ أن تُؤدّي فرض الله في الصلاة مثلاً، فأنت تحتاج إلى قوة لتؤدي هذه الفريضة، ولن تجد هذه القوة إلا بالطعام والشراب، ولنأخذ أبسط ما يمكن تصوّره من الطعام.. رغيف العيش.. فانظر كم يّدٌ شاركتْ فيه منذ كان حبةَ قمح تلقى في الأرض إلى أنْ أصبح رغيفاً شهياً.
إن هؤلاء جمعياً الذين أداروا دولاب هذه العملية يُؤدّون حركة إيجابية في الحياة هي في حَدِّ ذاتها عبادة لأنها أعانتْك على عبادة.
أيضاً إذا أردت أنْ تُصلّي، فواجب عليك أنْ تستر عورتك.. انظر إلى هذا القماش الذي لا تتم الصلاة إلا به.. كُلّ مَنْ أسهم في زراعته وصناعته حتى وصل إليك.. جميعهم يؤدون عبادة بحركتهم في صناعة هذا القماش.
إذن: كل شيء يُعينك على عبادة الله فهو عبادة، وكل حركة في الكون تؤدي إلى شيء من هذا فهي عبادة.
والحق سبحانه وتعالى حينما استدعى المؤمنين لصلاة الجمعة، قال سبحانه: {ياأيها الذين آمنوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلاَةِ مِن يَوْمِ الجمعة فاسعوا إلى ذِكْرِ الله وَذَرُواْ البيع...} [الجمعة: 9].
لم يأخذهم من فراغ، بل من عمل، ولكن لماذا قال سبحانهSadوَذَرُوا البَيْعَ).. لماذا البيع بالذات؟
قالوا: لأن البيع هو غاية كل حركات الحياة، فهو واسطة بين مُنتج ومُسْتهلك.. ولم يَقُل القرآن: اتركوا المصانع أو الحقول، لأن هناك أشياء لا تأتي ثمرتها في ساعتها.. فمَنْ يزرع ينتظر شهوراً ليحصد ما زرع، والصانع ينتظر إلى أن يبيعَ صناعته.. لكن البيع صفقة حاضرة، فهي محلّ الاهتمام.. وكذلك لم يَقُلْ: ذروا الشراء، قالوا: لأن البائع يحب أن يبيعَ، ولكن المشتري قد يشتري وهو كاره.. فأتى القرآن بأدقِّ شيء يمكن أن يربطك بالزمن، وهو البيع.
فإذا ما انقضتْ الصلاة أمرنا بالعودة إلى العمل والسعي في مناكب الأرض: {فَإِذَا قُضِيَتِ الصلاة فانتشروا فِي الأرض وابتغوا مِن فَضْلِ الله...} [الجمعة: 10].
فقوله تعالى: {وَيَعْبُدُونَ مِن دُونِ الله..} [النحل: 73].
أراد الحق سبحانه أن يتكلم عن الجهة التي يُؤثِرونها على الله.. وهي الأصنام.. فالله سبحانه الذي خلقهم ورزقهم من الطيبات، وجعل لهم من أنفسهم أزواجاً، وجعل لهم بنين وحفدة.. كان يجب أن يعبدوه لنعمته وفَضْله.. فالذي لا يعبد الله لذاته سبحانه يعبده لنعمه وحاجته إليه.. فعندنا عبادة للذات لأنه سبحانه يستحق العبادة لذاته، وعبادة لصفات الذات في معطياتها، فمَنْ لم يعبده لذاته عبده لنعمته.
وطالما أن العبادة تقتضي تنفيذ الأوامر واجتناب النواهي.. فكيف تكون العبادة إذن في حق هذه الأصنام التي اتخذوها؟! كيف تعبدونها وهي لم تأمركم بشيء ولم تنهكُمْ عن شيء؟!.
وهذا أول نَقْد لعبادة غير الله من شمس أو قمر أو صنم أو شجر.
وكذلك.. ماذا تعطي الأصنام أو غيرها من معبوداتكم لمن عبدها، وماذا أعدَّتْ لهم من ثواب؟! وبماذا تعاقب مَنْ كفر بها؟.. إذن: فهو إله بلا منهج.
والتديّن غريزة في النفس يلجأ إليها الإنسان في وقت ضعفه وحاجته.. والله سبحانه هو الذي يحب أن نلجأ إليه وندعو ونطلب منه قضاء الحاجات.. وله منهج يقتضي مطلوبات تدكُّ السيادة والطغيان في النفوس ويقتضي تكليفات شاقة على النفس.
إذن: لجأ الكفار إلى عبادة الأصنام والأوثان لأنها آلهة بلا تكليف، ومعبودات بلا مطلوبات.
ما أسهل أن يتمحّك إنسان في إله ويقول: أنا أعبده دون أن يأمر بشيء أو ينهى عن شيء! ما أسهل أن يُرضي في نفسه غريزة التدين بعبادة مثل هذا الإله.
لكن يجب ألاّ تنسوا أن هذا الإله الذي ليس له تكليف لن تستطيعوا أنْ تطلبوا منه شيئاً، أو تلجأوا إليه في شدة.. فهذا غير معقول فكما أنهم لا يطلبوا منكم شيئاً، كذلك لا يملكون لكم نَفْعاً ولا ضراً.
لذلك وجدنا الذين يدَّعُون النبوة.. هؤلاء الكذابون يُيسِّرون على الناس سُبُل العبادة، ويُبيحون لهم ما حرَّمه الدين مثل اختلاط الرجال والنساء وغيره؛ ذلك لاستقطاب اكبر عدد ممكن من الأتباع.
فجاء مسيلمة الكذاب وأراد أن يُسهِّل على الناس التكليف فقال بإسقاط الصلاة، وجاء الآخر فقال بإسقاط الزكاة.. وقد جذب هذا التسهيل كثيراً من المغفلين الذين يَضِيقون بالتكليف، ويميلون لدين سَهْل يناسب هِمَمهم الدَّنية.
وهكذا وجدنا لهؤلاء الكذابين أنصاراً يُؤيّدونهم ويُناصرونهم.. ولكن سرعان ما تتكشف الحقائق، ويقف هؤلاء المخدوعون على حقيقة أنبيائهم.
وقوله تعالى: {وَيَعْبُدُونَ مِن دُونِ الله مَا لاَ يَمْلِكُ لَهُمْ رِزْقاً..} [النحل: 73].
نلاحظ في هذه الآية نَوْعاً من الارتقاء في الاستدلال على بطلان عبادة الأصنام؛ ذلك لأن الحق تبارك وتعالى قال عنهم في آية أخرى: {لاَ يَخْلُقُونَ شَيْئاً وَهُمْ يُخْلَقُونَ} [النحل: 20].
فنفى عنهم القدرة على الخَلْق، بل إنهم هم المخلوقون.. يذهب الواحد منهم فيُعجبه حجر، فيأخذه ويُعمل فيه مِعْوله حتى يُصوِّره على صورة ما، ثم يتخذه إلهاً يعبده من دون الله.
فلما نفى عنهم القدرة على الخَلْق أراد هنا أنْ يترقّى في الاستدلال، فنفى عنهم مجرد أنْ يملكوا، فقد يملك الواحد ما لا يخلقه، فتُقرّر الآية هنا أنهم لا يملكون.. مجرد الملك.
وقوله تعالى: {مِّنَ السماوات والأرض شَيْئاً..} [النحل: 73].
فالرزق من السماء بالمطر، ومن الأرض بالنبات، ومن المصدرين يأتي رزق الله، وبذلك يضمن لنا الحق تبارك وتعالى مُقوِّمات الحياة وضرورياتها من ماء السماء ونبات الأرض.
فإنْ أردتُمْ ترفَ الحياة فاجتهدوا فيما أعطاكم الله من مُقوِّمات الحياة لِتصلوا إلى هذا الترف.
فالرزق الحقيقي المباشر ما أنزله الله لنا من مطر السماء فأنبت لنا نبات الأرض.
ونُوضِّح ذلك فنقول: هَبْ أن عندك جبلاً من ذهب، أو جبلاً من فضة، وقد عضَّك الجوع في يوم من الأيام.. هل تستطيع أنْ تأكلَ من الذهب أو الفضة؟
إنك الآن في حاجة لرغيف عيش، لا لجبل من ذهب أو فضة.. رغيف العيش الذي يحفظ لك حياتك في هذا الموقف افضل من هذا كله.
وهذا هو الرزق المباشر الذي رزقه الله لعباده، أما المال فهو رِزْق غير مباشر، لا تستطيع أن تأكل منه أو تعيش عليه.
وكلمةSadشَيْئَاً) أي: أقلّ ما يُقَال له شيء، فالأصنام والأوثان لا تملك لهم رزقاً مهما قَلَّ؛ لأنه قد يقول قائل: لا يملكون رِزْقاً يكفيهم.. لا.. بل لا يملكون شيئاً.
ثم يعطينا الحق سبحانه لمحة أخرى في قوله تعالى: {وَلاَ يَسْتَطِيعُونَ} [النحل: 73].
أي: لا يملكون لهم رِزْقاً في الحاضر، ولن يملكوا في المستقبل، وهذا يقطع الأمل عندهم، فهُمْ لا يملكون اليوم، ولن يملكوا غداً؛ ذلك لأن هناك أشياء ينقطع الحكم فيها وَقْتاً.. وأشياء مُعلّقة يمكن أن تُسْتأنفَ فيما بعد، فهذه الكلمة: {وَلاَ يَسْتَطِيعُونَ} [النحل: 73].
حُكْم قاطع لا استئناف له فيما بَعْد.
ولذلك؛ نجد هؤلاء الذين يُحِبّون أنْ يجدوا في القرآن مَأْخذاً يجادلون في قوله تعالى: {قُلْ ياأيها الكافرون لاَ أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ وَلاَ أَنتُمْ عَابِدُونَ ما أَعْبُدُ وَلاَ أَنَآ عَابِدٌ مَّا عَبَدتُّمْ وَلاَ أَنتُمْ عَابِدُونَ ما أَعْبُدُ} [الكافرون: 1-5].
فهؤلاء يروْن في السورة تكراراً يتنافى وبلاغةَ القرآن الكريم.. نقول: ليس في السورة تكرار لو تأملتُم.. ففي السورة قَطْع علاقات على سبيل التأبيد والاستمرار، فالحق سبحانه يقول: {لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ} [الكافرون: 6].
في الحاضر، وفي المستقبل، وإلى يوم القيامة.
فقوله: {لاَ أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ وَلاَ أَنتُمْ عَابِدُونَ ما أَعْبُدُ} [الكافرون: 2-3].
وهذا قَطْع علاقات في الوقت الحاضر.. ولكن مَنْ يُدرِينا لعلَّنا نستأنف علاقات أخرى فيما بعد.. فجاء قوله تعالى: {وَلاَ أَنَآ عَابِدٌ مَّا عَبَدتُّمْ وَلاَ أَنتُمْ عَابِدُونَ ما أَعْبُدُ} [الكافرون: 4-5].
لا للتكرار، ولكن لقطع الأمل في إعادة العلاقات في المستقبل، فالقضية إذن منتهية من الآن على سبيل القَطْع.
كذلك المعنى في قوله تعالى: {وَلاَ يَسْتَطِيعُونَ...} [النحل: 73].
أي: لا يستطيعون الآن، ولا في المستقبل.
ثم يقول الحق سبحانه: {فَلاَ تَضْرِبُواْ لِلَّهِ...}.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://el-quran.ahlamontada.com
Admin
Admin
Admin


المساهمات : 4240
تاريخ التسجيل : 20/01/2018

  تفسير سورة النَّحْلُ صفحة 275 من القرآن الكريم للشيخ الشعراوي	 Empty
مُساهمةموضوع: رد: تفسير سورة النَّحْلُ صفحة 275 من القرآن الكريم للشيخ الشعراوي      تفسير سورة النَّحْلُ صفحة 275 من القرآن الكريم للشيخ الشعراوي	 Emptyالجمعة مارس 02, 2018 5:10 am


.تفسير الآية رقم (74):

{فَلَا تَضْرِبُوا لِلَّهِ الْأَمْثَالَ إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ (74)}
الأمثال: جمع مِثْل، وهو النِّد والنظير.
وفي الآية نَهْي عن أن نُشبِّه الله سبحانه بشيء آخر؛ لأن الحق تبارك وتعالى واحدٌ في ذاته، واحد في صفاته، واحد في أفعاله.. إياك أن تقول عن ذات: إنها تشبه ذاته سبحانه، أو صفات تشبه صفاته سبحانه، فإنْ وجدت صفة لله تعالى يُوجد مثلها في البشر فاعلم أنها على مقياس. {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ} [الشورى: 11].
فالحق سبحانه ينهانا أنْ نضرب له الأمثال، إنما هو سبحانه يضرب الأمثال؛ لأنه حكيم يضرب المثَل في محلّه لِيُوضّح القضية الغامضة بالقضية المشاهدة؛ ولذلك يقول تعالى: {وَلِلَّهِ المثل الأعلى..} [النحل: 60].
أي: الصفة العليا في كل شيء، فإذا وجدتَ صفات مشتركة بينكم وبين الحق سبحانه فنزِّه الله عن الشبيه والنظير والنِّد والمثيل وقلSadليس كمثله شيء).
فأنت موجود والله موجود، ولكن وجودك مسبوقٌ بعدم ويلحقه العدم، ووجوده سبحانه لا يسبقه عدم ولا يلحقه العدم.
وقد ضرب الله لنا مثلاً لنفسه سبحانه لِيُوضِّح لنا تنويره سبحانه للكون، وليس مثَلاً لنوره كما نظنّ.. بل هو مثَل لتنويره لا لنوره.
يقول تعالى في سورة النور: {الله نُورُ السماوات والأرض مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ المصباح فِي زُجَاجَةٍ الزجاجة كَأَنَّهَا كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ يُوقَدُ مِن شَجَرَةٍ مُّبَارَكَةٍ زَيْتُونَةٍ لاَّ شَرْقِيَّةٍ وَلاَ غَرْبِيَّةٍ يَكَادُ زَيْتُهَا يضياء وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نَارٌ نُّورٌ على نُورٍ يَهْدِي الله لِنُورِهِ مَن يَشَآءُ وَيَضْرِبُ الله الأمثال لِلنَّاسِ والله بِكُلِّ شَيْءٍ عَلَيِمٌ} [النور: 35].
نور السموات والأرض؛ لأنه بالنور تكون الهداية حِسّية أو معنوية.. فالنور الحسِّيُّ مثل نور الشمس والقمر وغيرهما من مصادر الضوء.. هذا النور الحسي هو الذي يُبيّن لنا الأشياء لتسير في الكون على بصيرة وهدى.. فلو حاولتَ السَّيْر ليلاً دون ضَوْء يهديك فسوف تصطدم بالأشياء من حولك: إما أقوى منك يُحطّمك ويُؤذيك، وإما تكون أنت أقوى منه فتُحطِّمه أنت.. فالذي يهدي خُطَاك هو النور الحسيُّ.
وقد يكون النور معنوياً، وهو نور القيَم والأخلاق، وهذا النور يجعلك أيضاً تسير في الحياة على بصيرة وهُدًى، ويحميك من التخبّط في مجاهل الأفكار والنظريات، هذا هو النور القِيَمي الذي أنزله الله لنا في كتابه الكريم، وقال عنه: {قَدْ جَآءَكُمْ رَسُولُنَا يُبَيِّنُ لَكُمْ كَثِيراً مِّمَّا كُنْتُمْ تُخْفُونَ مِنَ الكتاب وَيَعْفُواْ عَن كَثِيرٍ قَدْ جَآءَكُمْ مِّنَ الله نُورٌ وَكِتَابٌ مُّبِينٌ يَهْدِي بِهِ الله مَنِ اتبع رِضْوَانَهُ سُبُلَ السلام وَيُخْرِجُهُمْ مِّنِ الظلمات إِلَى النور بِإِذْنِهِ وَيَهْدِيهِمْ إلى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ} [المائدة: 15-16].
فهو نور لكن معنوي.. بالقيم والأخلاق والفضائل.. ولا تقُلْ في هذا المثل: إنه مَثَلٌ لنور الله.. بل مَثَلٌ لسلطان تنويره للكون، ولو تأمَّلنا بقية الآية لأدركنا ذلك.
{مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ...} [النور: 35].
البعض يقولون: المشكاة هي المصباح.. لا.. المشكاة هي الكُوّة أو الطاقة المسدودة في الجدار يعرفها أهل الريف في بِنَاياتهم القديمة، وهي تجويف غير نافذ في الجدار يُوضَع فيه المصباح. {المصباح فِي زُجَاجَةٍ} [النور: 35].
أي: ليس مصباحاً عادياً بل في زجاجة، وهي تحمي ضَوْء المصباح أنْ يبعثره الهواء من كل ناحية، وفي نفس الوقت تسمح له بالقدر الكافي من الهواء لاستمرار الاشتعال، وبذلك يكون الضوء ثابتاً صافياً لا يصدر عنه دُخان يُعكِّر صَفْو الزجاجة.
وأهل الريف يعرفون شعلة الجاز التي ليس لها زجاجة، وما يصدر عنها من دُخان أسود ضارّ.. إذن: المصباح هنا في غاية الصفاء والقوة؛ لأن الزجاجة أيضاً ليستْ زجاجة عادية، بل زجاجة كأنها كوكب دُريٌّ، وكَوْنها كالكوكب الدريّ يعني أنها تُضِيء بنفسها. {الزجاجة كَأَنَّهَا كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ يُوقَدُ مِن شَجَرَةٍ مُّبَارَكَةٍ...} [النور: 35].
هذا المصباح يُوقد بزيت ليس عادياً، بل هو زيت من زيتونه.. شجرة زيتون معتدلة المناخ. {لاَّ شَرْقِيَّةٍ وَلاَ غَرْبِيَّةٍ...} [النور: 35].
هذا الزيت وصل من الصفاء والنقاء أنه يُضيء، ولو لم تمسسه نار؛ ولذلك أعطانا منتهى القوة: {يَكَادُ زَيْتُهَا يضياء وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نَارٌ..} [النور: 35].
ولذلك قال تعالى في وصف هذا المصباح: {نُّورٌ على نُورٍ..} [النور: 35].
وبعد أنْ وقفتَ على أوصاف هذا المصباح، وأنه يُوضَع في كُوَّة صغيرة، بالله عليك هل يمكن وجود نقطة مظلمة في هذه الكُوّة؟
إذن: فهذا مَثَلٌ ليس لنوره سبحانه.. فنُوره لا يُدرَكُ، وإنما هو مثَلٌ لتنويره للكون، الذي هو كالكُوّة والطاقة في هذا المثل.. فمعنى قوله تعالى: {الله نُورُ السماوات والأرض..} [النور: 35].
أي: مُنِّورهما، فكما أنه لا يُعقل وجود نقطة مظلمة في هذه الكُوّة، فكذلك نوره سبحانه وتنويره للكون.. وهذا هو النور الحسيّ الذي أمدَّ الله به الكون.
ثم تحدَّث القرآن بعد ذلك عن النور المعنوي الذي يُنزِل على عباد الله الصالحين تجليّاتٍ نورانية، وفيُوضاتٍ ربانية نتلقّاها في بيوت الله: {فِي بُيُوتٍ أَذِنَ الله أَن تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسمه يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بالغدو والآصال رِجَالٌ...} [النور: 36-37].
وهكذا نجمع بين النور الحسيّ والنور المعنوي صلى الله عليه وسلم.
ولذلك، فأبو تمام حينما أراد أن يمدح الخليفة شبَّهه بمشاهير العرب في الشجاعة والكرم والحِلْم والذكاء، فقال:
إقْدام عَمْروٍ في سَمَاحَةِ حَاتِم ** فِي حِلْم أَحْنَفَ في ذَكَاءِ إِيَاسِ

فاعترض على هذا التشبيه أحد حُسَّاد أبي تمام، وقال له: كيف تُشبّه الخليفة بأجلاف العرب؟ ففي جيشه ألف واحد كعمرو، ومن خَزَنته ألف واحد كحاتم.. ولكن يخرج أبو تمام من هذا المأزق، ويُفلِت من هذا الفخ الذي نصبه له حاسده، قال على البديهة:
لاَ تُنكِرُوا ضَرْبي لَهُ مَنْ دُونَهُ ** مَثَلاً شَرُوداً في النَّدى والبَاسِ

فَاللهُ قَدْ ضربَ الأقَلَّ لِنُورِه ** مثَلاً مِنَ المشْكَاةِ وَالنِّبْراسِ

والحق سبحانه وتعالى وإنْ نهانا نحن أن نضربَ له مثلاً لِقلَّة عِلْمنا، فهو سبحانه القادر على ضَرْب الأمثال حتى بأقلّ المخلوقات، وأتفهها في نظرنا.
فيقول تعالى: {إِنَّ الله لاَ يَسْتَحْى أَن يَضْرِبَ مَثَلاً مَّا بَعُوضَةً فَمَا فَوْقَهَا...} [البقرة: 26].
فلا تستقلّ أمر هذه البعوضة، ولا تستحقر أنْ يجعلها الله مثَلاً؛ لأنه سبحانه لا يستحي أن يضرب بها المثل؛ لأن في هذه البعوضة كل أجهزة تكوين الحياة التي فيك، وفي أضخم الحيوانات مثل الفيل والجمل؛ ولأن هذه البعوضة التي تستحقرها قد تكون أقوى منك، وقد تُعجِزك أنت على قوتك وحيلتك وجبروتك.
يقول تعالى: {وَإِن يَسْلُبْهُمُ الذباب شَيْئاً لاَّ يَسْتَنقِذُوهُ مِنْهُ ضَعُفَ الطالب والمطلوب} [الحج: 73].
بالله عليك، هل تستطيع على قوتك وإمكاناتك أنْ تستردَ من الذبابة ما أخذتْه من طعامك؟ هل تقدر على هذه العملية؟
إذن: حينما يضرب الله لك مَثَلاً يجب أن تحترم ضَرْب الله للمثل، وأنْ تبحثَ فيما وراء المثل من الحكمة.. وأنه سبحانه جاء بهذا المثَل لهذا المخلوق الحقير في نظرك لِيُوضِّح لك قضية غامضة يُنبِّهك إليها.
ولأهمية ضَرْب المثَل في توضيح الغامض يلجأ إليه الشعراء ليُقرِّبوا المعنى من الأفهام، فقد يقف الشاعر أمام قضية معقدة لا يدركها إلا العقلاء، ويريد الشاعر الوصول بها إلى أفهام العامة.. مثل قضية الحاسد الذي يُظهر بحسده مزايا محسوده ومكارمه، فقد يتهم البريء بتهمة ظلماً، فتكون سبباً في رِفْعته بين قومه.
أخذ الشاعر العربي هذا المعنى، وصاغه شعراً، وضرب له مثلاً توضيحياً، فقال:
وَإِذَا أَرَادَ اللهُ نَشْرَ فَضِيلةٍ طُويَتْ ** أَتَاحَ لَهَا لِسَانَ حَسُودِ

لَوْلاَ اشْتِعالُ النَّارِ فِيمَا جَاورَتْ ** مَا كانَ يُعرَفُ طِيبُ عَرْفِ العُودِ

فانظر كيف وصل بالقضية المعنوية إلى قضية عامة يعرفها الرجل العادي، فقد يكون لديك فضيلة مكتومة مغمورة لا يعرفها أحد، حتى تتعرض لحاسد يتهمك ويُشوِّه صورتك، فإذا بالحقيقة تتكشف للجميع ويُظهر ما عندك من مواهب، وما لديك من فضائل.. وما أشبه ذلك بالعود طيب الرائحة الذي لا نشمُّ رائحته إلا إذا حرقناه.
وقد كان سبب هذا المثَل الشِّعريّ أن أحد أهل الخير كان يتردد من حين لآخر على أحد بُيوت البلدة وبها عجوز مُقْعدة في حاجة إلى مساعدة، فكان يساعدها بما يستطيع، وكان بجوارها منزل إحدى الجميلات التي قد تكون مطمعاً.. فاستغل أحد الحُسَّاد هذه الجيرة، واتهم الرجل الصالح بأنه يذهب إلى هذه الحسناء.. وفعلاً تتبعه الناس، فإذا به يذهب لبيت العجوز المقعدة.. ومن هنا عرف الناس عنه فضيلةً لم يكن يعرفها أحد.
وقد رأينا على مَرَّ التاريخ مَنِ اتهِمُوا ظلماً، وقيل في حقهم ما يندي له الجبين.. ثم أنصفهم القضاء العادل، وأظهر أنهم أبطال يستحقون التكريم، ولولا ما تعرضوا له من اتهام ما عرفنا مزاياهم ومكارمهم.
وقوله تعالى: {إِنَّ الله يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ} [النحل: 74].
وهذه عِلّة النهي عن ضَرْب الأمثال لأننا لا نعلم، أما الحق سبحانه وتعالى فيضرب لنا الأمثال؛ لأنه سبحانه يعلم، ويأتي بالمثَل في محلّه.
وبعد أنْ هيّأنا ربنا سبحانه لتلقِّي الأمثال، وأعدَّ أذهاننا لاستقبال الأمثال منه سبحانه.. أتى بهذا المثل.
فيقول الحق سبحانه: {ضَرَبَ الله مَثَلاً...}.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://el-quran.ahlamontada.com
Admin
Admin
Admin


المساهمات : 4240
تاريخ التسجيل : 20/01/2018

  تفسير سورة النَّحْلُ صفحة 275 من القرآن الكريم للشيخ الشعراوي	 Empty
مُساهمةموضوع: رد: تفسير سورة النَّحْلُ صفحة 275 من القرآن الكريم للشيخ الشعراوي      تفسير سورة النَّحْلُ صفحة 275 من القرآن الكريم للشيخ الشعراوي	 Emptyالجمعة مارس 02, 2018 5:11 am


.تفسير الآية رقم (75):

{ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا عَبْدًا مَمْلُوكًا لَا يَقْدِرُ عَلَى شَيْءٍ وَمَنْ رَزَقْنَاهُ مِنَّا رِزْقًا حَسَنًا فَهُوَ يُنْفِقُ مِنْهُ سِرًّا وَجَهْرًا هَلْ يَسْتَوُونَ الْحَمْدُ لِلَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ (75)}
الحق سبحانه وتعالى يضرب لنا مثلاً له طرفان:
الطرف الأول: عبد: أي مَوْلى، وصفه بأنه مملوك التصرّف، وأنه لا يقدر على شيء من العمل؛ ذلك لأن العبد قد يكون عَبْداً ولكنه يعمل، كمَنْ تسمح له بالعمل في التجارة مثلاً وهو عبد، وهناك العبد المكاتب الذي يتفق مع سيده على مال يُؤدّيه إليه لينال حريته، فيتركه سيده يعمل بحريته حتى يجمعَ المال المتفق عليه.. فهذا عَبْد، ومملوك، ولا يقدر على شيء من السَّعْي والعمل.
والطرف الثاني: سيد حُرٌّ، رزقه الله وأعطاه رِزْقاً حَسناً أي: حلالاً طيّباً.. ثم وفّقه الله للإنفاق منه بشتى أنواع الإنفاق: سِراً وجَهْراً.. وهذه منزلة عالية: رِزْق من الله وصفه بأنه حلال طَيب لا شُبْهة فيه، بعد ذلك وفّقه الله للإنفاق منه.. كُلٌّ حَسْب ما يناسبه، فمن الإنفاق ما يناسبه السِّرّ، ومنه ما يُناسبه الجَهْر: {إِن تُبْدُواْ الصدقات فَنِعِمَّا هِيَ وَإِن تُخْفُوهَا وَتُؤْتُوهَا الفقرآء فَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ} [البقرة: 271].
هذان هما طَرَفا المثَل المضروب لَنَا.. ويترك لنا السياق القرآني الحكْم بينهما.. وكأن الحق سبحانه يقول: أنا أرتضي حكمكم أنتم: هل يستوون؟
والحق سبحانه لا يترك لنا الجواب، إلا إذا كان الجواب سيأتي على وَفْق ما يريد.. ولا جوابَ يُعقل لهذا السؤال إلا أن نقولَ: لا يستوون.. وكأن الحق سبحانه جعلنا ننطق نحن بهذا الحكم.
وقد ضرب الله هذا المثل لعبدة الأصنام، الذين أكلوا رزق الله وعبدوا غيره، فمثَّل الحق سبحانه الأصنامَ بالعبد المملوك الذي لا يقدر على شيء.
وضرب المثل الآخر للسيد الذي رزقه الله رزقاً حسناً، فهو ينفق منه سِرّاً وجَهْراً، ألم تَرَ إلى قوله تعالى في آية أخرى: {وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظَاهِرَةً وَبَاطِنَةً...} [لقمان: 20].
ليُبين لهم خطأهم في الانصراف عن عبادة الله مع ما أعطاهم من رزق إلى عبادة الأصنام التي لا تعطيهم شيئاً.
ومن هنا تتضح الحكمة في أن الله تعالى ترك الحكم بنفسه في هذا المثَل، وأتى به على صورة سؤال ليأخذ الحكم من أفواههم ويشهدوا هم على أنفسهم؛ ليقطع عليهم سبيل الإنكار والجدال. ولنا هنا وَقْفة مع قوله تعالى: {هَلْ يَسْتَوُونَ...} [النحل: 75].
فالحديث عن مُثّنى، وكان القياس أن يقول: هل يستويان، فلماذا عدل عن المثنى إلى الجمع؟
نقول: لأن المثل وإنْ ضُرِب بمفرد مقابل مفرد إلا أنه ينطبق على عديدين.. مفرد شائع في عديد مملوكين، وفي عديد من السادة أصحاب الرزق الحسن، ذلك لِيُعمّم ضَرْب المثل.
إذن: ليس في اختلاف الضمير هنا ما يتعارض وبلاغة القرآن الكريم، بل هي دِقّة أداء؛ لأن المتكلّم هو الحق سبحانه وتعالى.
وكذلك في قوله تعالى: {وَإِن طَآئِفَتَانِ مِنَ المؤمنين اقتتلوا فَأَصْلِحُواْ بَيْنَهُمَا..} [الحجرات: 9].
بعضهم يرى في الآية مَأخذاً، حيث تتحدث عن المثنى، ثم بضمير الجمع في(اقْتَتَلُوا)، ثم تعود للمثنى في(بَيْنَهُمَا).
نقول لهؤلاء: لو تدبرتُم المعنى لَعرفتم أن ما تتخذونه مأخذاً، وتعتبرونه اختلافاً في الأسلوب هو منتهى الدقة في التعبير القرآني.. ذلك أن الحديث عن طائفتين: مُثنّى.. نعم.. فلو تقاتلا، هل ستمسك كل طائفة سَيْفاً لتقاتل الأخرى؟
لا.. بل سيُمسِك كُلُّ جندي منها سَيْفاً.. فالقتال هناك بالمجموع.. مجموع كل طائفة لمجموع الطائفة الأخرى، فناسب أن يقول: اقتتلوا؛ لأن القتال حركة ذاتية من كُلّ فرد في الطائفتين.
فإذا ما جاء وقت الصُلّح، هل نصالح كل جندي من هذه على كل جندي من هذه؟ لا.. بل الصُّلْح شأْنُ السادة والزعماء والقادة لكل طائفة، ففي الصُّلْح نعود للمثنى، حيث ينوب هؤلاء عن طائفة، وهؤلاء عن طائفة، ويتم الصُّلْح بينهما.
إذن: اختلاف الضمير هنا آية من آيات الإعجاز البياني؛ لأن المتكلم هو الحق سبحانه وتعالى.
وقوله: {الحمد لِلَّهِ...} [النحل: 75].
كأن الحق سبحانه يقول: الحمد لله أنْ وافقَ حُكْمكم ما أريد، فقد نطقتُم أنتم وحكمتُمْ.
{بَلْ أَكْثَرُهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ} [النحل: 75].
قوله: أكثرهم لا يعلمون يدل على أن الأقلية تعلم، وهذا ما يُسمُّونه (صيانة الاحتمال)؛ لأنه لما نزلَ القرآن الكريم كان هناك جماعة من الكفار ومن أهل الكتاب يُفكّرون في الإيمان واعتناق هذا الدين، فلو نفى القرآن العلم عن الجميع فسوف يُصدَم هؤلاء، وربما صرفهم عَمّا يُفكِّرون فيه من أمر الإيمان، فالقرآن يصون الاحتمال في أن أُنَاساً منهم عندهم عِلْم، ويرغبون في الإيمان.
ثم يقول الحق سبحانه: {وَضَرَبَ الله مَثَلاً...}.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://el-quran.ahlamontada.com
Admin
Admin
Admin


المساهمات : 4240
تاريخ التسجيل : 20/01/2018

  تفسير سورة النَّحْلُ صفحة 275 من القرآن الكريم للشيخ الشعراوي	 Empty
مُساهمةموضوع: رد: تفسير سورة النَّحْلُ صفحة 275 من القرآن الكريم للشيخ الشعراوي      تفسير سورة النَّحْلُ صفحة 275 من القرآن الكريم للشيخ الشعراوي	 Emptyالجمعة مارس 02, 2018 5:11 am


.تفسير الآية رقم (76):

{وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا رَجُلَيْنِ أَحَدُهُمَا أَبْكَمُ لَا يَقْدِرُ عَلَى شَيْءٍ وَهُوَ كَلٌّ عَلَى مَوْلَاهُ أَيْنَمَا يُوَجِّهْهُ لَا يَأْتِ بِخَيْرٍ هَلْ يَسْتَوِي هُوَ وَمَنْ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَهُوَ عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (76)}
وهذا مَثَلٌ آخر لرجلين أحدهما أبكم، والأبكم هو الذي لا يتكلم.. ولابد أن يسبق البكم صَمَمٌ؛ لأن الكلام وليد السَّمْع، فإذا أخذنا طفلاً عربياً وربَّيناه في بيئة إنجليزية نجده يتكلم الإنجليزية، والعكس صحيح؛ ذلك لأن الكلام ليس جنساً أو دماً أو لحماً، بل هو وليد البيئة، وما تسمعه الأذن ينطق به اللسان.. فإذا لم يسمع شيئاً فكيف يتكلم؟
لذلك، فربنا سبحانه تعالى يقول عن الكفار: {صُمٌّ بُكْمٌ..} [البقرة: 18].
هذا الأبكم لا يقدر على شيء من العمل والنفع لك، يقول تعالى: {وَهُوَ كَلٌّ على مَوْلاهُ..} [النحل: 76].
أي: عَالَة على سيده، لا ينفع حتى نفسه، ومع ذلك قد يكون عنده حكمة يقضي بها شيئاً لسيده، حتى هذه ليست عنده.
{أَيْنَمَا يُوَجِّههُّ لاَ يَأْتِ بِخَيْرٍ..} [النحل: 76].
إذن: لا خيرَ فيه، ولا منفعةَ ألبتة، لا له ولا لغيره، هذه صفات الرجل الأول.
فماذا عن مقابله؟
{هَلْ يَسْتَوِي هُوَ وَمَن يَأْمُرُ بالعدل...} [النحل: 76].
وهذه أول صفات الرجل الآخر، أنه يأمر بالعدل، وصفة الأمر بالعدل تقتضي أنه سمح منهجاً، ووعتْهُ أذنه، وانطلق به لسانه آمراً بالعدل، وهذه الصفة تقابل: الأبكم الذي لا يقدر على شيء.
{وَهُوَ على صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ} [النحل: 76].
أي: أنه يذهب إلى الهدف مباشرة، ومن أقصر الطرق، وهذه تقابل: أينما يوجهه لا يَأْتِ بخير.
والسؤال هنا أيضاً: هل يستويان؟ والإجابة التي يقول بها العقل: لا.
وهذا مثَلٌ آخر للأصنام.. فهي لا تسمع، ولا تتكلم، ولا تُفصح، وهي لا تقدر على شيء لا لَها ولا لعابديها.. بل هي عَالَة عليهم، فهم الذين يأتون بها من حجارة الجبال، وينحتونها وينصبونها، ويُصلِحون كَسْرها، وهكذا هم الذين يخدمونها ولا ينتفعون منها بشيء.
فإذا كنتم لا تُسوُّون بين الرجل الأول والرجل الآخر الذي يأمر بالعدل وهو على صراط مستقيم، فكيف تسوون بين إله له صفة الكمال المطلق، وأصنام لا تملك لكم نفعاً ولا ضراً؟!
أو نقول: إن هذا مثَلٌ للمؤمن والكافر، بدليل أن الحق سبحانه في المثل السابق قال: {ضَرَبَ الله مَثَلاً عَبْداً مَّمْلُوكاً...} [النحل: 75].
وفي مقابله قال: {وَمَن رَّزَقْنَاهُ مِنَّا رِزْقاً حَسَناً...} [النحل: 75].
ولم يقُلْ عبد أو رجل.
إنما هنا قال: {رَّجُلَيْنِ...} [النحل: 76].
فيمكن أن نفهم منه أنه مَثَلٌ للرجل الكافر الذي يمثله الأبكم، وللرجل المؤمن الذي يمثله مَنْ يأمر بالعدل، وهو على صراط مستقيم.
والحق سبحانه يقول: {وَلِلَّهِ غَيْبُ السماوات والأرض...}.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://el-quran.ahlamontada.com
Admin
Admin
Admin


المساهمات : 4240
تاريخ التسجيل : 20/01/2018

  تفسير سورة النَّحْلُ صفحة 275 من القرآن الكريم للشيخ الشعراوي	 Empty
مُساهمةموضوع: رد: تفسير سورة النَّحْلُ صفحة 275 من القرآن الكريم للشيخ الشعراوي      تفسير سورة النَّحْلُ صفحة 275 من القرآن الكريم للشيخ الشعراوي	 Emptyالجمعة مارس 02, 2018 5:12 am


.تفسير الآية رقم (77):

{وَلِلَّهِ غَيْبُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا أَمْرُ السَّاعَةِ إِلَّا كَلَمْحِ الْبَصَرِ أَوْ هُوَ أَقْرَبُ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (77)}
أراد الحق سبحانه أنْ يُعلمنا منه عالم المُلْك، ومنه عالم الملكوت.. عالم المُلْك هو العالم المحسّ لنا، وعالم الملكوت المخفي عنَّا فلا نراه.
ولذلك، فربنا سبحانه وتعالى لما تكرّم على سيدنا إبراهيم عليه السلام قال: {وَكَذَلِكَ نري إِبْرَاهِيمَ مَلَكُوتَ السماوات والأرض وَلِيَكُونَ مِنَ الموقنين} [الأنعام: 75].
إذن: لله تعالى في كونه ظاهر وغَيْب.. الظاهر له نواميس كونية يراها كل الناس، وله أشياء غيبيّة لا يراها أحد، ولا يطّلع عليها.. حتى في ذاتك أنت أشياء غَيْب لا يعلمها أحد من الناس، وكذلك عند الناس أشياء غَيْب لا تعرفها أنت.. وهذا الغيب نُسميّه: غَيْب الإنسان.

إذن: فأنا غائب عنّي أشياء، وغيري غائب عنه أشياء.. هذا الغيب الذي لا نعرفه يَعُدّه بعض الناس نَقْصاً فينا، وهو في الحقيقة نوع من الكمال في النفس البشرية؛ لأنك إنْ أردتَ أنْ تعلمَ غيْبَ الناس فاسمح لهم أنْ يعلموا غَيْبك.
ولو خُيّرت في هذه القضية لاخترتَ أنْ يحتفظ كلٌّ منكم بغَيْبه لا يطلع عليه أحد.. لا أعرف غَيْب الناس، ولا يعرفون غَيْبي؛ ولذلك يقولون: (المغطى مليح).
فسَتْر الغيب كمال في الكون؛ لأنه يُربِّي ويُثري الفائدة فيه.. كيف؟
هَبْ أنك تعرف رجلاً مستقيماً كثير الحسنات، ثم اطلعتَ على سيئة واحدة عنده كانت مستورة، فسو فترى هذه السيئة كفيلة بأن تُزهِّدك في كل حسناته وتُكرِّهك فيه، وتدعوك إلى النُّفْرة منه، فلا تستفيد منه بشيء، في حين لو سُترتْ عنك هذه السيئةُ لاستطعت الانتفاع بحسناته.. وهكذا يُنمي الغيبُ الفائدةَ في الكون.
وفي بعض الآثار الواردة يقول الحق سبحانه: (يا ابْنَ آدمَ سترْتُ عنك وسترْتُ مِنك، فإنْ شئتَ فضحْنَا لك وفضحناك، وإنْ شئت أسبلنَا عليك سِبالَ السِّتر إلى يوم القيامة) فاجعل نفسك الآن المخاطب بهذا الحديث، فماذا تختار؟
أعتقد أن الجميع سيختار الستْر.. فما دُمْتَ تحب الستر وتكره أنْ يطلعَ الناس على غَيْبك فإياك أنْ تتطاول لتعرفَ غَيْب الآخرين.
والغيب: هو ما غاب عن المدركات المحسَّة من السمع والبصر والشَّمِّ والذَّوْق، وما غاب عن العقول من الإدراكات المعنوية.
وهناك غيْب وضع الله في كونه مقدمات تُوصِّل إليه وأسباباً لئلا يكونَ غَيْباً.. كالكهرباء والجاذبية وغيرها.. كانت غَيْباً قبل أنْ تُكتشفَ.. وهكذا كل الاكتشافات والأسرار التي يكشفها لنا العلم، كانت غَيْباً عنّا في وقت، ثم صارت مُشَاهدة في وقت آخر.
ذلك، لأن الحق سبحانه لا ينثر لنا كُلَّ أسرار كَوْنه مرة واحدة، بل يُنزِله بقَدرٍ ويكشفه لنا بحساب، فيقول سبحانه: {وَإِن مِّن شَيْءٍ إِلاَّ عِندَنَا خَزَائِنُهُ وَمَا نُنَزِّلُهُ إِلاَّ بِقَدَرٍ مَّعْلُومٍ} [الحجر: 21].
فالذي كان غَيْباً في الماضي أصبح ظاهراً مُشَاهداً اليوم؛ لأن الله سبحانه كشف لنا أسبابه فتوصَّلْنا إليه.. فهذا غَيْب جعل الله له مُقدَّمات يصل إليها مَنْ يبحث في الكون، فإذا ما أذن الله به، وحان وقت ميلاده وَفَّق الله أحد الباحثين إلى اكتشافه، إما عن طريق البحث، أو حتى الخطأ في المحاولة، أو عن طريق المصادفة.
ولذلك إذا بحثتَ في كل المخترعات والمكتشفات لوجدت 90% منها جاءت مصادفة، لم يكونوا بصدد البحث عنها أو التوصل إليها، وهذا ما نسميه (غيب الأكوان).
ومثال هذا الغيب: إذا كلفتَ ولدك بِحلِّ تمرين هندسيٍّ.. ومعنى حَلِّ التمرين أنْ يصلَ الولدُ إلى نقطة تريد أنت أنْ يصلَ إليها.. ماذا يفعل الولد؟ يأخذ ما تعطيه من مُعْطيات، ثم يستخدم ما لديْه من نظريات، وما يملكه من ذكاء ويستخرج منها المطلوب.
فالولد هنا لم يَأْتِ بجديد، بل استخدم المعطيات، وهكذا الأشياء الموجودة في الكون هي المعطيات مَنْ بحثَ فيها توصَّل إلى غيبيَّات الكون وأسراره.
وهذا النوع من الغيب يقول عنه الحق سبحانه: {الله لاَ إله إِلاَّ هُوَ الحي القيوم لاَ تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلاَ نَوْمٌ لَّهُ مَا فِي السماوات وَمَا فِي الأرض مَن ذَا الذي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلاَّ بِإِذْنِهِ يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلاَ يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِّنْ عِلْمِهِ إِلاَّ بِمَا شَآءَ وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السماوات والأرض وَلاَ يَؤُودُهُ حِفْظُهُمَا وَهُوَ العلي العظيم} [البقرة: 255].
فإذا أذنَ الله لهم تكشفتْ لهم الأسرار: إما بالبحث، وإما بالخطأ، أو حتى بالمصادفة.. فطالما حان وقت ميلاد هذا الغيْب واكتشافه؛ فإن صادف بَحْثاً من البشر التقيا، وإلاَّ أظهره الله لنَا دون بَحْث ودون سَعْي مِنَّا.
وهناك نوع آخر من الغيب، وهو الغَيْب المطلق، وهو غَيْب عن كل البشر استأثر الله به، وليس له مُقدِّمات وأسباب تُوصَّل إليه، كما في النوع الأول.. هذا الغَيْب، قال تعالى في شأنه: {عَالِمُ الغيب فَلاَ يُظْهِرُ على غَيْبِهِ أَحَداً إِلاَّ مَنِ ارتضى مِن رَّسُولٍ...} [الجن: 26-27].
فإذا ما أعلمنا الرسول غَيْباً من الغيبيات فلا نقول: إنه يعلم الغيب.. لأنه لا يعلم إلا ما أعلمه الله من الغيب.. إذن: هذا غَيْب لا يدركه أحد بذاته أبداً.
ومن هذا الغَيْب المطلق غَيْبٌ استأثر الله به، ولا يُطلع عليه أحداً حتى الرسل.. ولما سُئِل الرسول صلى الله عليه وسلم عن الساعة، قال: (ما المسئول عنها بأعلم من السائل).
وفي الإسراء والمعراج يحدثنا صلى الله عليه وسلم أن الله قد أعطاه ثلاثة أوعية: وعاء أمره بتبليغه وهو وعاء الرسالة، ووعاء خَيَّره فيه فلا يعطيه إلا لأهل الاستعداد السلوكي الذين يتقبلون أسرار الله ولا تنكرها عقولهم، ووعاء منعه فهو خصوصية لرسول الله صلى الله عليه وسلم.
ولذلك يقول راوي الحديث: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم أعطاني وعاءين، أما أحدهما فقد بثثْتُه أي رويْته وقُلْته للناس، وأما الآخر فلو بُحْت به لَقُطِع حلقومي هذا، فهذا من الأسرار التي يختار الرسول صلى الله عليه وسلم لها مَنْ يحفظها.
قوله تعالى: {وَلِلَّهِ غَيْبُ السماوات والأرض..} [النحل: 77].
هذا يُسمُّونه أسلوب قَصْر بتقديم الجار والمجرور، أي قصر غيب السموات والأرض عليه سبحانه، فلو قلنا مثلاً: غيب السموات والأرض لله، فيحتمل أن يقول قائل: ولغير الله، أما: {وَلِلَّهِ غَيْبُ السماوات والأرض..} [النحل: 77].
أي: له وحده لا شريك له.
ومعنى السموات والأرض، أي: وما بينهما وما وراءهما، ولكن المشهور من مخلوقات الله: السماء، والأرض.
ثم يقول تعالى: {وَمَآ أَمْرُ الساعة إِلاَّ كَلَمْحِ البصر أَوْ هُوَ أَقْرَبُ...} [النحل: 77].
جاءت الآية بهذا الغَيْب الوحيد؛ لأنه الغيب الذي استأثر الله به.. ولا يُجلّيها لوقتها إلا هو.. فناسب الحديث عن الغيب أنْ يأتيَ بهذا الغَيْب المطلق الذي لا يعلمه إلا الله.
وما هو لَمْح البصر؟
عندنا أفعال متعددة تدلّ كلّها على الرؤية العامة، وإنْ كان لكل منها معنًى خاصٌّ بها نقول: رأى ونظر ورَمق ولحظ ولمح.. فرأى مثلاً أي بجُمع عينه، ورمق بأعلى، ولحظَ بجانب، فكلُّها مرتبطة بحركة الحدقة، هذه الحركة ما نسميه باللمح.
إذن: لمح البصر هو تحرُّك حَدقة العين إلى ناحية الشيء المرئي.. فإنْ أردتَ أن ترى ما فوقك تحركتْ الحدقة إلى أعلى، وإنْ أردتَ أن ترى ما هو أسفل تحركتْ الحدقة إلى أسفل وهكذا.
هذه الحركة هي لَمْح البصر، انتقال الحدقة من وضع إلى وضع.
إذن: شبَّه الحق تبارك وتعالى أمر الساعة عنده سبحانه بلمح البصر، ولكن اللمح حدث، والأحداث تحتاج إلى أزمان، وقد تطول الأزمان في ذاتها ولكنها تقصر عند الرائي.
وقد قرَّب إلينا العلم الحديث هذه القضية بما توصَّل إليه من إعادة المشاهد المصوَّرة على البطيء ليعطيك فرصة متابعتها بدقة، فنراهم مثلاً يُعيدون لك مَشْهداً كروياً لترى كل تفاصيله، فتجد المشهد الذي مَرّ كلمح البصر يُعرَض أمامك بطيئاً في زمن أطول، في حين أن الزمن في السرعة يتجمع تجمّعاً لا تدركه أنت بأيّ معيار، لا بالدقيقة ولا بالثانية.
إذن: فهي جزئيات حركة في جزئيات زمان، فلَمْح البصر الذي هو تحرُّك حَدقة العين تحتاج لوقت ولزمن متداخل، وليس هكذا أمْر الساعة، بل هذا أقرب ما يعرفه الإنسان، وأقرب تشبيه لِفَهْم أمْر الساعة بالنسبة له سبحانه.
إذا قيل لك: ما أمر فلان؟ وما شأنه؟. تأخذ في سَرْد الأحداث.. حدث كيت وكيت.. فإذا قلنا: ما أمْر الساعة؟ ما شأنها ساعةَ تقوم، حيث يموت الأحياء أولاً، ثم يحيا الجميع من لَدُنْ آدم عليه السلام ثم حَشْر وحساب وثواب وعقاب.
أحداث كثيرة وعظيمة لخلْق متعددين من الإنس والجن.. يحدث هذا كله كلمح البصر بالنسبة لنا، ولكن إياك أنْ تتصوّر أن هذا يحتاج إلى وقت بالنسبة لله سبحانه.
فالأشياء بالنسبة له سبحانه لا تعالج، وإنما هي كُنْ فيكون، حتى كُنْ مكوّنة من حرفين: الكاف لفظ وله زمن، والنون لفظ وله زمن، إنما أَمْر الساعة أقرب من الكاف والنون، ولكن ليس هناك أقلّ من هذا في فَهْمنا.
والحق سبحانه وتعالى حينما تكلَّم عن أهل القبور، قال: {كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَهَا لَمْ يلبثوا إِلاَّ عَشِيَّةً أَوْ ضُحَاهَا} [النازعات: 46].
في حين أننا نرى أنهم غابوا كثيراً في قبورهم.. إذن: كيف يُقَاسُ الزمن؟.. يُقاس بتتبُّعك للأحداث، فحينما لا يُوجد حَدَث لا يُوجَد زمن.. وهذا ما نراه في حال النائم الذي لا يستطيع تحديد الزمن الذي نامه إلا على غالب ما يكون في البشر.
ولذلك، في قصة أهل الكهف الذين ناموا ثلاث مائة عام وتسعة أعوام قالوا: {لَبِثْنَا يَوْماً أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ...} [المؤمنون: 113].
فهذا هو الغالب في عُرْف الناس؛ ذلك لأنهم استيقظوا فلم يجدوا شيئاً حولهم يدل على زمن طويل.. الحال كما هو لم يتغيَّر فيهم شيء.. فلو استيقظوا فوجدوا أنفسهم شيوخاً بعد أن كانوا فتية لَعلِموا بمرور الزمن.. إذن: الزمن بالنسبة لعدم الحدث زمن مَلْغيّ.
أو نقول: إن أَمْر الساعة في أن الحق سبحانه يجعلها جامعة للناس إلا كلمْح البصر، فكلّ ما يحدث فيها لا تقيسه بزمن، لأن الذي يُقاسُ بالزمن إنما هي الأحداث الناشئة من فاعل له قدرة وقوة تتوزع على الزمن.
فلو أردْتَ نَقْل هذا الشيء من هنا إلى هنا فسوف يحتاج منك وقتاً ومجهوداً، أما لو كلفتَ طفلاً بنقل هذا الشيء فسوف يأخذ وقتاً أكثر ويحتاج مجهوداً أكثر.. إذن: فالزمن يتناسب مع قدرة الفاعل تناسباً عكسياً.
ولذلك فالرسول صلى الله عليه وسلم حينما حدَّث الناس بالإسراء والمعراج قالوا: أتدَّعي أنك أتيتها في ليلة، ونحن نضرب إليها أكباد الإبل شهراً.. هذا لأن انتقالهم يحتاج لعلاج ومُزَاولة، تأخذ وَقْتاً يتناسب وقدراتهم في الانتقال بالإبل من مكة إلى بيت المقدس.. ومحمد صلى الله عليه وسلم لم يقل: أسريْتُ، بل قال: أُسْرِي بي، الذي أَسْرى به هو الله سبحانه، فالزمن يُقاس بالنسبة للحق سبحانه وتعالى.
وكذلك إذا قِيسَ زَمن أَمْر الساعة بالنسبة لقدرته سبحانه فإنه يكون كلمح البصر، أو هو أقرب من ذلك.. إنما هو تشبيه لِنُقرِّب لكم الفهم.
وقوله: {إِنَّ الله على كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} [النحل: 77].
أي: يكون أمر الساعة كذلك؛ لأن الله قادر على كل شيء، وما دامت الأحداث تختلف باختلاف القدرات، فقدرة الله هي القدرة العُلْيا التي لا تحتاج لزمن لفعل الأحداث.
ثم يقول الحق سبحانه: {والله أَخْرَجَكُم مِّن بُطُونِ...}.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://el-quran.ahlamontada.com
Admin
Admin
Admin


المساهمات : 4240
تاريخ التسجيل : 20/01/2018

  تفسير سورة النَّحْلُ صفحة 275 من القرآن الكريم للشيخ الشعراوي	 Empty
مُساهمةموضوع: رد: تفسير سورة النَّحْلُ صفحة 275 من القرآن الكريم للشيخ الشعراوي      تفسير سورة النَّحْلُ صفحة 275 من القرآن الكريم للشيخ الشعراوي	 Emptyالجمعة مارس 02, 2018 5:12 am



.تفسير الآية رقم (78):

{وَاللَّهُ أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لَا تَعْلَمُونَ شَيْئًا وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (78)}
(مِنْ بُطُونِ أُمهَاتِكُم) المراد الأرحام؛ لأنها في البطون، والمظروف في مظروف يعتبر مظروفاً، كما لو قلت: في جيبي كذا من النقود أو في حافظتي كذا من النقود.. العبارتان معناهما واحد.
وأمهاتكم: جمع أم، والقياس يقتضي أن نقول في جمع أُم: أُمَّات ولكنه قال: {والله أَخْرَجَكُم مِّن بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ} [النحل: 78].
بزيادة الهاء.
وساعةَ يكون الجنين في بطن أمه تكون حياته حياة تبعية، فكل أجهزته تابعة لأمه.. فإذا شاء الله أن يولد جعل له حياة ذاتية مستقلة.. وعند الولادة نرى أطباء التوليد يقولون: الجنين في الوضع الطبيعي أو في غير الوضع الطبيعي.. فما معنى الوضع الطبيعي للجنين عند الولادة؟
الوضع الطبيعي أن يكون رأس الجنين عند الولادة إلى أسفل، هذا هو الوضع الطبيعي؛ لأن الحق سبحانه أراد أن يُخرجه خَلْقاً آخر: {ثُمَّ أَنشَأْنَاهُ خَلْقاً آخَرَ} [المؤمنون: 14].
كأنه كان خلقاً لكنه كان تابعاً لأمه فيُخرجه الله خَلْقاً آخر مُسْتقلاً بذاته.. فتكون الرأس إلى أسفل، وهي أول ما ينزل من المولود، وبمجرد نزوله تبدأ عملية التنفس.
ومن هذه اللحظة ينفصل الجنين عن أمه، وبالتنفس تكون له ذاتية، فإذا ما تعسَّر خروج باقي جسمه فتكون له فرصة التنفس وهذا من لُطْف الله سبحانه؛ لأن الجنين في هذه الحالة لا يختنق أثناء معالجة باقي جسمه.
أما إذا حدث العكس فكان الرأس إلى أعلى، ونزل الجنين بقدميْه، فبمجرد نزول الرِّجْليْن ينفصل عن أمه، ويحتاج إلى حياة ذاتية ويحتاج إلى تنفس، فإذا ما تعسَّرت الولادة حدث اختناق، ربما يؤدي إلى موت الجنين.
العلم أَخْذ قضية من قضايا الكون مجزوم بها وعليها دليل؛ وقوله تعالى: {لاَ تَعْلَمُونَ شَيْئاً...} [النحل: 78].
ذلك لأن وسائل العلم والإدراك لم تعمل بَعْد، فإذا أراد الله له أنْ يعلم يخلق له وسائل العلم، وهي الحواس الخمس: السمع والبصر والشَّم واللمس والتذوّق، هذه هي الحواس الظاهرة التي بها يكتسب الإنسان العلوم والمعارف، وبها يُدرِك ما حوله.
وإنْ كان العلم الحديث قد أظهر لنا بعض الحواسّ الأخرى، ففي علم وظائف الأعضاء يقولون: إنك إذا حملتَ قطعتين من الحديد مثلاً فبأيّ حاسة تُميّز بينهما من حيث الثقل؟
هذه لا تُعرف باللمس أو السمع أو البصر أو التذوّق أو الشّم.. إذن: هناك حاسة جديدة تُميّز الثقَل هي حاسة العضَل.
وكذلك تُوجَد حاسة البَيْن، التي تتمكن بها من معرفة سُمْك القماش مثلا وأنت في محل الأقمشة، حيث تفركُ القماش بين أصابعك، وتستطيع أن تُميّز بين الرقيق والسَّميك.
فالطفل المولود إذن لا يعلم شيئاً، فهذا أمر طبيعي لأن وسائل العلم والإدراك لديه لم تُؤدِّ مهمتها بَعْد.
وقوله تعالى: {وَجَعَلَ لَكُمُ السمع والأبصار والأفئدة...} [النحل: 78].
وقد بيَّن لنا علماء وظائف الأعضاء أن هذا الترتيب القرآني للأعضاء هو الترتيب الطبيعي، فالطفل بعد الولادة يسمع أولاً، ثم بعد حوالي عشرة أيام يُبصر.. وتستطيع تجربة ذلك، فترى الطفل يفزع من الصوت العالي بعد أيام من ولادته، ولكن إذا وضعت أصبعك أمام عينيه لا يطرف؛ لأنه لم يَرَ بعد.
ومن السمع والبصر وهما السادة على جميع الحواس تتكون المعلومات التي في الأفئدة، هذا الترتيب القرآني الوجودي، وهو الترتيب الطبيعي الذي وافق العلمَ الحديث.
ونلاحظ في الآية إفراد السمع، وجمع الأبصار والأفئدة: {وَجَعَلَ لَكُمُ السمع والأبصار والأفئدة...} [النحل: 78].
فلماذا لم يأْتِ السمع جَمْعاً؟
المتحدث هنا هو الحق سبحانه؛ لذلك تأتي الألفاظ دقيقة معجزة.. ولننظر لماذا السمع هنا مفرد؟
فَرٌْق بين السمع وغيره من الحواس، فحين يوجد صوت في هذا المكان يسمعه الجميع، فليس في الأذن ما يمنع السمع، وليس عليها قفل نقفله إذا أردنا ألاَّ نسمع، فكأن السمع واحد عند الجميع، أما المرئي فمختلف؛ لأننا لا ننظر جميعاً إلى شيء واحد.. بل المرائي عندنا مختلفة فهذا ينظر للسقف، وهذا ينظر للأعمدة.. إلى آخره.
إذن: المرائي لدينا مختلفة.. كما أن للعين قفلاً طبيعياً يمكن إسْداله على العين فلا ترى، فكأن الأبصار لدينا مختلفة متعددة.
وكذلك الحال في الأفئدة، جاءت جَمْعاً؛ لأنها متعددة مختلفة، فواحد يَعِي ويُدرك، وآخر لا يعي ولا يدرك، وقد يعي واحد أكثر من الآخر.
إذن: إفراد السمع هنا آيةٌ من آيات الدقة في التعبير القرآني المعجز؛ لأن المتكلمَ هو ربّ العزة سبحانه.
ونلاحظ أيضاً تقديم السمع على باقي الحواس؛ لأنه أول الإدراكات ويصاحب الإنسان منذ أنْ يُولدَ إلى أنْ يفارق الحياة، ولا يغيب عنه حتى لو كان نائماً؛ لأن بالسمع يتم الاستدعاء من النوم.
وقد قُلْنا في قصة أهل الكهف أنهم ما كان لهم أن يناموا في سُبات عميق ثلاثمائة وتسع سنين إلا إذا حجب الله عنهم هذه الحاسة، فلا تزعجهم الأصوات. فقال تعالى: {فَضَرَبْنَا على آذَانِهِمْ فِي الكهف سِنِينَ عَدَداً} [الكهف: 11].
أي: قُلْنا للأذن تعطّلي هذه المدة حتى لا تزعجهم أصوات الصحراء، وتقلق مضاجعهم، والله تعالى يريد لهم السُّبات والنوم العميق.
وفي قوله تعالى: {وَجَعَلَ لَكُمُ السمع..} [النحل: 78].
هل توجد هذه الإدراكات بعد الإخراج(الميلاد) أم هي موجودة قبله؟.. يجب أنْ نُفرّق بين السمع وآلته، فقبل الإخراج تتكون للجنين آلات البصر والسمع والتذوّق وغيرها.. لكنها آلات لا تعمل، فالجنين في بطن أمه تابع لها، وليست له حياة ذاتية، فإذا ما نزل إلى الدنيا واستقلّ بحياته يجعل الله له هذه الآلات تعمل عملها.
إذن: فمعنى: {وَجَعَلَ لَكُمُ السمع...} [النحل: 78].
أي: جعل لكم الاستماع، لا آلة السمع.
وقوله: {لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} [النحل: 78].
تُوحي الآية بأن السمع والأبصار والأفئدة ستعطي لنا كثيراً من المعلومات الجديدة والإدراكات التي تنفعنا في حياتنا وفي مُقوّمات وجودنا، وننفع بها غيرنا، وهذه النعم تستحقّ منا الشكر.
فكلما سمعتَ صَوْتاً أو حكمة تحمد الله أن جعل لك أُذناً تسمع، وكلما أبصرتَ منظراً بديعاً تحمد الله أنْ جعلَ لك عيناً ترى، وكلما شممتَ رائحة زكية تحمد الله أنْ جعل لك أنفاً تشمُّ.. وهكذا تستوجب النعم شُكْر المنعم سبحانه.
ولكي تقف على نِعَم الله عليك انظر إلى مَنْ حُرِموا منها، وتأمّل حالك وحالهم، وما أنتَ فيه من نعم الحياة ولذّاتها، وما هُمْ فيه من حِرْمَان.
ثم ينقلنا الحق سبحانه نقلة أخرى في قوله تعالى: {أَلَمْ يَرَوْاْ إلى الطير...}.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://el-quran.ahlamontada.com
Admin
Admin
Admin


المساهمات : 4240
تاريخ التسجيل : 20/01/2018

  تفسير سورة النَّحْلُ صفحة 275 من القرآن الكريم للشيخ الشعراوي	 Empty
مُساهمةموضوع: رد: تفسير سورة النَّحْلُ صفحة 275 من القرآن الكريم للشيخ الشعراوي      تفسير سورة النَّحْلُ صفحة 275 من القرآن الكريم للشيخ الشعراوي	 Emptyالجمعة مارس 02, 2018 5:12 am


.تفسير الآية رقم (79):

{أَلَمْ يَرَوْا إِلَى الطَّيْرِ مُسَخَّرَاتٍ فِي جَوِّ السَّمَاءِ مَا يُمْسِكُهُنَّ إِلَّا اللَّهُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (79)}
فالحق سبحانه ينقلنا هنا إلى صورة أخرى من صُوَر الكون.. بعد أن حدّثنا عن الإنسان وما حوله.. فالإنسان قبل أنْ يخلقه الله في هذا الوجود أعدَّ له مُقوِّمات حياته، فالشمس والقمر والنجوم والأرض والسماء والمياه والهواء، كل هذه أشياء وُجِدتْ قبل الإنسان، لِتُهيئ له الوجود في هذا الكون.
والله سبحانه يريد منّا بعد أنْ كفلَ لنا استبقاء الحياة بالرزق، واستبقاء النوع بالزواج والتكاثر، يريد منّا إثراء عقائدنا بالنظر في ملكوت الله وما فيه من العجائب؛ لنستدل على أنه سبحانه هندسَ كَوْنه هندسة بديعة متداخلة، وأحكمه إحكاماً لا تصادم فيه. {لاَ الشمس يَنبَغِي لَهَآ أَن تدْرِكَ القمر وَلاَ الليل سَابِقُ النهار وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ} [يس: 40].
فالنظر إلى كَوْن الله الفسيح، كم فيه من كواكب ونجوم وأجرام. كم هو مليء بالحركة والسكون والاستدارة. ومع ذلك لم يحدث فيه تصادم، ولم تحدث منه مضرة أبداً في يوم من الأيام.. الكون كله يسير بنظام دقيق وتناسق عجيب؛ ولكي تتجلى لك هذه الحقيقة انظر إلى صَنْعة الإنسان، كم فيها من تصادم وحوادث يروح ضحيتها الآلاف.
هذا مَثلٌ مُشَاهَد للجميع، الطير في السماء.. ما الذي يُمسكها أنْ تقعَ على الأرض؟ وكأن الحق سبحانه يجب أنْ يُلفتنا إلى قضية اكبر: {إِنَّ الله يُمْسِكُ السماوات والأرض أَن تَزُولاَ وَلَئِن زَالَتَآ إِنْ أَمْسَكَهُمَا مِنْ أَحَدٍ مِّن بَعْدِهِ..} [فاطر: 41].

فعلينا أن نُصدِّق هذه القضية.. فنحن لا ندرك بأعيننا جرْم الأرض، ولا جرْم الشمس والنجوم والكواكب.. نحن لا نقرر على معرفة كل مَا في الكون.. إذن: يجب علينا أن نُصدّق قوْل ربنا ولا نجادل فيه.
وإليكم هذا المثل الذي تشاهدونه كل يوم: {أَلَمْ يَرَوْاْ إلى الطير مُسَخَّرَاتٍ فِي جَوِّ السمآء مَا يُمْسِكُهُنَّ إِلاَّ الله...} [النحل: 79].
إياك أنْ تقول إنها رَفْرفة الأجنحة، فنحن نرى الطائر يُثبّت أجنحته في الهواء، ومع ذلك لا يقع إلى الأرض، فهناك إذن ما يمسكه من الوقوع؛ لذلك قال تعالى في آية أخرى: {أَوَلَمْ يَرَوْا إِلَى الطير فَوْقَهُمْ صَافَّاتٍ وَيَقْبِضْنَ...} [الملك: 19].
أي: أنها في حالة بَسْط الأجنحة، وفي حالة قبْضِها تظل مُعلّقة لا تسقط.
وكذلك نجد من الطيور ما له أجنحة طويلة، لكنه لا يطير مثل الأوز وغيره من الطيور.
إذن: ليست المسألة مسألة أجنحة، بل هي آية من آيات الله تمسك هذا الطير في جَوِّ السماء.. فتراه حُراً طليقاً لا يجذبه شيء إلى الأرض، ولا يجذبه شيء إلى السماء، بل هو حُرٌّ يرتفع إنْ أراد الارتفاع، وينزل إنْ أراد النزول.
فهذه آية مُحسَّة لنستدلّ بها على قدرة الله غير المحسَّة إلا بإخبار الله عنها، فإذا ما قال سبحانه: {إِنَّ الله يُمْسِكُ السماوات والأرض أَن تَزُولاَ وَلَئِن زَالَتَآ إِنْ أَمْسَكَهُمَا مِنْ أَحَدٍ مِّن بَعْدِهِ...} [فاطر: 41].
آمنا وصَدّقنا.
وقوله تعالى: {فِي جَوِّ السمآء...} [النحل: 79].
أي: في الهواء المحيط بالأرض، والمتأمل في الكون يجد أن الهواء هو العامل الأساسي في ثبات الأشياء في الكون، فالجبال والعمارات وغيرها.. ما الذي يمسكها أنْ تقع؟
إياك أن تظن أنه الأسمنت والحديد وهندسة البناء.. لا.. بل يمسكها الهواء الذي يحيط بها من كل جانب، بدليل أنك لو فَرَّغتَ جانباً منها من الهواء لانهارتْ فوراً نحو هذا الجانب؛ لأن للهواء ضغطاً، فإذا ما فرَّغْتَ جانباً منها قَلَّ فيه الضغط فانهارتْ.
فالهواء إذن هو الضابط لهذه المسألة، وبالهواء يتوازن الطير في السماء، ويسير كما يهوى، ويتحرك كما يحب.
ثم يقول تعالى: {إِنَّ فِي ذلك لآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ} [النحل: 79].
أي: أن الطير الذي يطير في السماء فيه آيات أي عجائب، عجائب صَنْعة وعجائب خَلْق، يجب أنْ تتفكَّرُوا فيها وتعتبروا بها.
ولكي نقف على هذه الآية في الطير نرى ما حدث لأول إنسان حاول الطيران.. إنه العربي عباس بن فرناس، أول مَنْ حاول الطيران في الأندلس، فعمل لنفسه جناحين، وألقى بنفسه من مكان مرتفع.. فماذا حدث لأول طائر بشرى؟
طار مسافة قصيرة، ثم هبط على مُؤخرته فكُسرت؛ لأنه نسي أن المسألة ليست مجرد الطيران، فهناك الهبوط الذي نسي الاستعداد له، وفاته أن يعمل له(زِمكّي)، وهو الذيل الذي يحفظ التوازن عند الهبوط.
وكذلك الذين يصنعون الطائرات كم تتكلف؟ وكم فيها من أجهزة ومُعدِات قياس وانضباط؟ وبعد ذلك تحتاج لقائد يقودها أو مُوجّه يُوجّهها، وحينما أرادوا صناعة الطائرة جعلوها على شكل الطير في السماء له جناحان ومقدمة وذيل، ومع ذلك ماذا يحدث لو تعطلّ محركها.. أو اختلّ توازنها؟!
إذن: الطير في السماء آية تستحق النظر والتدبُّر؛ لنعلمَ منها قدرة الخالق سبحانه.
ويقول تعالى: {لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ} [النحل: 79].
يؤمنون بوجود واجب الوجود، يؤمنون بحكمته ودقَّة صنعه، وأنها لا مثيلَ لها من صنعة البشر مهما بلغتْ من الدقة والإحكام.
ثم يقول الحق سبحانه: {والله جَعَلَ لَكُمْ مِّن..}.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://el-quran.ahlamontada.com
Admin
Admin
Admin


المساهمات : 4240
تاريخ التسجيل : 20/01/2018

  تفسير سورة النَّحْلُ صفحة 275 من القرآن الكريم للشيخ الشعراوي	 Empty
مُساهمةموضوع: رد: تفسير سورة النَّحْلُ صفحة 275 من القرآن الكريم للشيخ الشعراوي      تفسير سورة النَّحْلُ صفحة 275 من القرآن الكريم للشيخ الشعراوي	 Emptyالجمعة مارس 02, 2018 5:13 am



♥️••♥️••♥️••♥️••♥️••♥️••♥️••♥️••♥️••♥️••♥️••♥️••♥️••♥️••♥️••♥️
لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ♥️لَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ العَلِيِّ العَظِيمِ ♥️سُبْحَانَ اللَّهِ ♥️وَالْحَمْدُ لِلَّهِ ♥️وَلَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ ♥️وَاللهُ أَكْبَرُ
اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ، ♥️وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ، ♥️كَمَا صَلَّيْتَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ، ♥️وَعَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ، ♥️إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ، ♥️وَبَارِكْ عَلَى مُحَمَّدٍ، ♥️وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ، ♥️كَمَا بَارَكْتَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ، ♥️وَعَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ،♥️فِي الْعَالَمِينَ ♥️إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ ♥️صَلَّ اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
أسْتَغْفِرُ اللهَ العَظِيمَ ♥️الَّذِي لاَ إلَهَ إلاَّ هُوَ، ♥️الحَيُّ القَيُّومُ، ♥️وَأتُوبُ إلَيهِ
حَسْبِيَ اللَّهُ لا إِلَـهَ إِلاَّ هُوَ ♥️عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ ♥️وَهُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ
حسبنا الله ♥️♥️ونعم الوكيل ♥️نعم المولى ♥️ونعم النصير
اللَّهُمَّ انصر واعز الاسلام والمسلمين ♥️واعلي بفضلك كلمتي الحق والدين

*۞ اللَّهُمَّ إجعل ما كتبناهُ وما قلناهُ وما نقلناه ♥️حُجة ً لنا لا علينا ♥️يوم ان نلقاك *

وأنا مُلْتَمِسٌ من قارئ حازَ من هذا السِّفر نَفْعَاً ألا ينساني بدعوة صالحة خالصة في السَّحَر ، وليعلم أن ما في هذا الكتاب مِن غُنْم فحلال زُلال له ولغيره ، وما كان مِن غرم فهو عَلَى كاهلي وظهري ، وأبرأ إلى الله من كل خطأ مقصود ، وأستعيذه من كل مأثم ومغرم ‏.‏
فدونك أيها القارئ هذا الكتاب ، اقرأه واعمل بما فيه ، فإن عجزت فَأَقْرِأْهُ غيرَك وادْعُه أن يعمل بما فيه ، فإن عجزتَ – وما إِخَالُكَ بِعَاجِزٍ – فبطْن الأرض حينئذ خيرٌ لك من ظاهرها ‏.‏
ومن سويداء قلبي أسأل الله تبارك وتعالى أن ينفعك بما فيه وأن يقوّيَك على العمل بما انتفعت به ، وأن يرزقك الصبر على ما قد يلحقك من عَنَتٍ وأذى ، وأن يتقبل منك سعيك في خدمة الدين ، وعند الله اللقاء ، وعند الله الجزاء
ونقله لكم الْأَمَةُ الْفَقِيرَةَ الى عفو الله ومرضاته . غفر الله لها ولوالديها ولاخواتها وذرياتها ولاهلها ولأُمّة نبينا محمد صَلَّ اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اجمعين ويجعلنا من عباده الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَالْقَانِتِينَ وَالْقَانِتَاتِ وَالصَّادِقِينَ وَالصَّادِقَاتِ وَالصَّابِرِينَ وَالصَّابِرَاتِ وَالْخَاشِعِينَ وَالْخَاشِعَاتِ وَالْمُتَصَدِّقِينَ وَالْمُتَصَدِّقَاتِ وَالصَّائِمِينَ وَالصَّائِمَاتِ وَالْحَافِظِينَ فُرُوجَهُمْ وَالْحَافِظَاتِ وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتِ وَالْمُنفِقِينَ وَالْمُسْتَغْفِرِينَ بِالأَسْحَارِوَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنْ النَّاسِ وَالْمُحْسِنِينَ والْمُتَّقِينَ الأَحيَاءِ مِنهُم وَالأَموَاتِ اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِحَيِّنَا وَمَيِّتِنَا وَصَغِيرِنَا وَكَبِيرِنَا وَذَكَرِنَا وَأُنْثَانَا وَشَاهِدِنَا وَغَائِبِنَا ، اللَّهُمَّ مَنْ أَحْيَيْتَهُ مِنَّا فَأَحْيِهِ عَلَى الْإِيمَانِ ، وَمَنْ تَوَفَّيْتَهُ مِنَّا فَتَوَفَّهُ عَلَى الْإِسْلَامِ ويجمعنا اجمعين فى اعلى درجات الجنة مع نبينا محمد وجميع النَّبِيِّينَ والْمُرْسَلِينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا
تحققت الآمال و توفر لهم كل شئ فلم يبق إلا الثناء
وأخيرًا أسأل الله أن يتقبلني انا وذريتى ووالداى واخواتى واهلى والمسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات وامة محمد اجمعين صَلَّ اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الاحياء منهم والاموات شهيدًا في سبيله وأن يلحقناويسكنا الفردوس الاعلى من الجنة مع النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا أسألكم أن تسامحوني وتغفروا لي زلاتي وأخطــائي وأن يرضى الله عنا وترضــوا عنــا وتهتمــوا وأسال الله العظيم ان ينفع بمانقلت للمسلمين والمسلمات
سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وبِحَمْدِكَ، أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلاَّ أَنْتَ أَسْتَغْفِرُكَ وَأَتُوبُ إِلَيْكَ
دَعْوَاهُمْ فِيهَا سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَتَحِيَّتُهُمْ فِيهَا سَلَامٌ ۚ وَآخِرُ دَعْوَاهُمْ أَنِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ
آميــٍـِـِـٍـٍـٍنْ يـــآرّبْ العآلميــــن
♥️♥️♥️۞ وَاللَّهُ تَعَالَى أَعْلَىَ وأَعْلَمُ وأَحكَمُ، ورَدُّ العلمِ إليه أَسلَمُ ♥️♥️♥️
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://el-quran.ahlamontada.com
 
تفسير سورة النَّحْلُ صفحة 275 من القرآن الكريم للشيخ الشعراوي
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
»  تفسير سورة النَّحْلُ صفحة 279 من القرآن الكريم للشيخ الشعراوي
»  تفسير سورة النَّحْلُ صفحة 280 من القرآن الكريم للشيخ الشعراوي
»  تفسير سورة النَّحْلُ صفحة 281 من القرآن الكريم للشيخ الشعراوي
»  تفسير سورة النَّحْلُ صفحة 267 من القرآن الكريم للشيخ الشعراوي
» تفسير سورة النَّحْلُ صفحة 268 من القرآن الكريم للشيخ الشعراوي

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
القرآن الكريم والسُنَّة النبوية والاعجاز :: ♥(( اقسام القرآن الكريم ))♥ :: القرآن الكريم وعلم التفسير-
انتقل الى: