القرآن الكريم والسُنَّة النبوية والاعجاز
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

القرآن الكريم والسُنَّة النبوية والاعجاز

القرآن الكريم والسُنَّة النبوية والاعجاز كنز ورسالة لمنهج حياة للعالم الإسلامي اجمع
 
الرئيسيةالرئيسية  البوابةالبوابة  أحدث الصورأحدث الصور  التسجيلالتسجيل  دخول  

 

  تفسير سورة النَّحْلُ صفحة 277 من القرآن الكريم للشيخ الشعراوي

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
Admin
Admin
Admin


المساهمات : 4240
تاريخ التسجيل : 20/01/2018

  تفسير سورة النَّحْلُ صفحة 277 من القرآن الكريم للشيخ الشعراوي	 Empty
مُساهمةموضوع: تفسير سورة النَّحْلُ صفحة 277 من القرآن الكريم للشيخ الشعراوي      تفسير سورة النَّحْلُ صفحة 277 من القرآن الكريم للشيخ الشعراوي	 Emptyالجمعة مارس 02, 2018 5:18 am

۞بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ۞
۞ٱلْسَلآمّ ٍعَلْيّكَمُ وٍرٍحَمُةٌ اللَّــْـْہ ۆبُركَاته۞
۞أَعُوذُ بِاللَّهِ السَّمِيعِ الْعَلِيمِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ من ♥️هَمْزِهِ، ♥️ونَفْثِهِ،♥️ونَفْخِهِ۞
۞الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ۞
۞أَشْهَدُ أَنّ لَّا إِلَٰهَ إِلَّإ الله ♥️وأَشْهَدُ ان محمداً رسول الله۞
۞تحية من عند الله طيبة مباركة۞

  تفسير سورة النَّحْلُ صفحة 277 من القرآن الكريم للشيخ الشعراوي	 910
  تفسير سورة النَّحْلُ صفحة 277 من القرآن الكريم للشيخ الشعراوي	 277

سورة النَّحْلُ ِ :

.تفسير الآية رقم (88):

{الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ زِدْنَاهُمْ عَذَابًا فَوْقَ الْعَذَابِ بِمَا كَانُوا يُفْسِدُونَ (88)}
هنا فرْق بين الكفر والصَّدِّ عن سبيل الله، فالكفر ذنب ذاتيّ يتعلق بالإنسان نفسه، لا يتعدّاه إلى غيره.. فَاكفُرْ كما شئت والعياذ بالله أنت حر!!
أما الصدُّ عن سبيل الله فذنبٌ مُتعدٍّ، يتعدَّى الإنسان إلى غيره، حيث يدعو غيره إلى الكفر، ويحمله عليه ويُزيّنه له.. فالذنب هنا مضاعف، ذنب لكفره في ذاته، وذنب لصدّه غيره عن الإيمان، لذلك يقول تعالى في آية أخرى: {وَلَيَحْمِلُنَّ أَثْقَالَهُمْ وَأَثْقَالاً مَّعَ أَثْقَالِهِمْ..} [العنكبوت: 13].
فإنْ قال قائل: كيف وقد قال تعالى: {وَلاَ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أخرى..} [الأنعام: 164].
نقول: لا تعارضَ بين الآيتين، فكل واحد سيحمل وزْره، فالذي صَدَّ عن سبيل الله يحمل وِزْرَيْن، أما مَنْ صدَّه عن سبيل الله فيحمل وِزْر كفره هو.
وقوله: {زِدْنَاهُمْ عَذَاباً فَوْقَ العذاب..} [النحل: 88].
العذاب الأول على كفرهم، وزِدْناهم عذاباً على كفر غيرهم مِمَّنْ صدُّوهم عن سبيل الله.
ولذلك فالنبي صلى الله عليه وسلم يقول: «مَنْ سَنَّ سُنة حسنة فله أجرها وأجر مَنْ عمل بها إلى يوم القيامة، ومَنْ سَنَّ سنة سيئة فعليه وزرها ووزر مَنْ عمل بها إلى يوم القيامة».
فإياك أنْ تقعَ عليك عيْن المجتمع أو أُذنه وأنت في حال مخالفة لمنهج الله؛ لأن هذه المخالفة ستؤثر في الآخرين، وستكون سبباً في مخالفة أخرى بل مخالفات، وسوف تحمل أنتَ قِسْطاً من هذا.. فأنت مسكين تحمل سيئاتك وسيئات الآخرين.
وقوله: {بِمَا كَانُواْ يُفْسِدُونَ} [النحل: 88].
والإفساد: أنْ تعمدَ إلى شيء صالح أو قريب من الصلاح فتُفسده، ولو تركتَه وشأنه لربما يهتدي إلى منهج الله.. إذن: أنت أفسدتَ الصالح ومنعت القابل للصلاح أن يُصلح.
ثم يقول الحق تبارك وتعالى: {وَيَوْمَ نَبْعَثُ فِي...}.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://el-quran.ahlamontada.com
Admin
Admin
Admin


المساهمات : 4240
تاريخ التسجيل : 20/01/2018

  تفسير سورة النَّحْلُ صفحة 277 من القرآن الكريم للشيخ الشعراوي	 Empty
مُساهمةموضوع: رد: تفسير سورة النَّحْلُ صفحة 277 من القرآن الكريم للشيخ الشعراوي      تفسير سورة النَّحْلُ صفحة 277 من القرآن الكريم للشيخ الشعراوي	 Emptyالجمعة مارس 02, 2018 5:18 am


.تفسير الآية رقم (89):

{وَيَوْمَ نَبْعَثُ فِي كُلِّ أُمَّةٍ شَهِيدًا عَلَيْهِمْ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَجِئْنَا بِكَ شَهِيدًا عَلَى هَؤُلَاءِ وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ (89)}
قوله: {مِّنْ أَنْفُسِهِمْ..} [النحل: 89].
يعني من جنسهم. والمراد: أهل الدعوة إلى الله من الدُّعَاة والوعاظ والأئمة الذين بلّغوا الناس منهج الله، هؤلاء سوف يشهدون أمام الله سبحانه على مَنْ قصّر في منهج الله.
وقد يكون معنى: {مِّنْ أَنْفُسِهِمْ..} [النحل: 89].
أي: جزء من أجزائهم وعضواً من أعضائهم، كما قال تعالى: {يَوْمَ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتُهُمْ وَأَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ} [النور: 24].
وقوله: {وَقَالُواْ لِجُلُودِهِمْ لِمَ شَهِدتُّمْ عَلَيْنَا...} [فصلت: 21].
والشهيد إذا كان من ذات الإنسان وبعض من أبعاضه فلا شكَّ أن حجته قوية وبيّنته واضحة.
وقوله: {وَجِئْنَا بِكَ شَهِيداً على هؤلاءآء} [النحل: 89].
أي: شهيداً على أمتك كأنه صلى الله عليه وسلم شهيد على الشهداء.
{وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الكتاب تِبْيَاناً لِّكُلِّ شَيْءٍ..} [النحل: 89].
الكتاب: القرآن الكريم.. تبياناً: أي بياناً تاماً لكل ما يحتاجه الإنسان، وكلمة(شيء) تُسمّى جنس الأجناس. أي: كل ما يُسمّى (شيء) فبيانُه في كتاب الله تعالى.
فإنْ قال قائل: إنْ كان الأمر كذلك، فلماذا نطلب من العلماء أن يجتهدوا لِيُخرجوا لنا حُكْماً مُعيّناً؟
نقول: القرآن جاء معجزة، وجاء منهجاً في الأصول، وقد أعطى الحق تبارك وتعالى لرسوله صلى الله عليه وسلم حق التشريع، فقال تعالى: {وَمَآ آتَاكُمُ الرسول فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فانتهوا..} [الحشر: 7].
إذن: فسُنة الرسول صلى الله عليه وسلم قَوْلاً أو فِعْلاً أو تقريراً ثابتة بالكتاب، وهي شارحة له ومُوضّحة، فصلاة المغرب مثلاً ثلاث ركعات، فأين هذا في كتاب الله؟ نقول في قوله تعالى: {وَمَآ آتَاكُمُ الرسول فَخُذُوهُ...} [الحشر: 7]. وقد بيَّن الرسول صلى الله عليه وسلم هذه القضية حينما أرسل معاذ بن جبل رضي الله عنه قاضياً لأهل اليمن، وأراد أن يستوثق من إمكانياته في القضاء. فسأله: (بِمَ تقضي؟ قال: بكتاب الله، قال: فإنْ لم تجد؟ قال: فبُسنة رسول الله، قال: فإنْ لم تجد؟ قال: أجتهد رأيي ولا آلو أي لا أُقصّر في الاجتهاد. فقال صلى الله عليه وسلم: الحمد لله الذي وفَّق رسولَ رسولِ الله لما يُرضي الله ورسوله).
إذن: فالاجتهاد مأخوذ من كتاب الله، وكل ما يستجد أمامنا من قضايا لا نصّ فيها، لا في الكتاب ولا في السنة، فقد أبيح لنا الاجتهادُ فيها.
ونذكر هنا أن الإمام محمد عبده رحمه الله حُدِّث عنه وهو في باريس أن أحد المستشرقين قال له: أليس في آيات القرآن: {مَّا فَرَّطْنَا فِي الكتاب مِن شَيْءٍ..} [الأنعام: 38].
قال: بلى، قال له: فهات لي من القرآن: كم رغيفاً يوجد في أردب القمح؟
فقال الشيخ: نسأل الخباز فعنده إجابة هذا السؤال.. فقال المستشرق: أريد الجواب من القرآن الذي ما فرط في شيء، فقال الشيخ: هذا القرآن هو الذي علَّمنا فيما لا نعلم أن نسأل أهل الذكر فقال: {فاسئلوا أَهْلَ الذكر إِن كُنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ} [الأنبياء: 7].
إذن: القرآن أعطاني الحجة، وأعطاني ما أستند إليه حينما لا أجد نصاً في كتاب الله، فالقرآن ذكر القواعد والأصول، وأعطاني حَقَّ الاجتهاد فيما يعِنّ لي من الفروع، وما يستجدّ من قضايا، وإذا وُجِد في القرآن حكم عام وجب أن يُؤخذ في طيّه ما يُؤخذ منه من أحكام صدرت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ لأن الله وكله.
فقال: {وَمَآ آتَاكُمُ الرسول فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فانتهوا..} [الحشر: 7].
وكذلك الإجماع من الأمة؛ لأن الله تعالى قال: {وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ المؤمنين نُوَلِّهِ مَا تولى..} [النساء: 115].
وكل اجتهاد يُرَدُّ إلى أهل الاجتهاد: {وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرسول وإلى أُوْلِي الأمر مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الذين يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ..} [النساء: 83].
إذن: فكلّ ما صدر عن الرسول صلى الله عليه وسلم وعن الإجماع وعن الأئمة المجتهدين موجود في القرآن، فهو إذن صادق.
ويجب هنا أن نُفرّق بين الأشياء والقضايا فهي كثيرة، فما الذي يتعرّض له القرآن؟ يتعرض القرآن للأحكام التكليفية المطلوبة من العبد الذي آمن بالله، وهناك أمور كونية لا يتأثر انتفاع الإنسان بها بأنْ يعلمها، فهو ينتفع بها سواء علمها أو جهلها، فكوْنُ الأرض كُروية الشكل، وكَوْنها تدور حول الشمس، وغير هذه الأمور من الكونيات إنْ علمها فبها ونعمتْ، وإنْ جهلها لا يمنعه جهله من الانتفاع بها.
فالأُميّ الذي يعيش في الريف مثلاً ينتفع بالكهرباء، وهو لا يعلم شيئاً عن طبيعتها وكيفية عملها، ومع ذلك ينتفع بها، مجرد أن يضع أصبعه على زِرّ الكهرباء تُضيء له.
فلو أن الحق تبارك وتعالى أبان الآيات الكونية إبانةً واضحة ربما صَدَّ العرب الذين لا يعرفون شيئاً عن حركة الكون، وليس لديهم من الثقافة ما يفهمون به مقاصد القرآن حول الآيات الكونية؛ ولذلك سألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الأهِلّة، كما حكى القرآن الكريم: {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الأهلة..} [البقرة: 189].
والأهلة: جمع هلال، وهو ما يظهر من القمر في بداية الشهر حيث يبدو مثل قلامة الظفر، ثم يزداد تدريجياً إلى أنْ يصل إلى مرحلة البدر عند تمام استدارته، ثم يتناقص تدريجياً أيضاً إلى أنْ يعودَ إلى ما كان عليه، هذه عجيبة يرونها بأعينهم، ويسألون عنها.
ولكن، كيف رَدَّ عليهم القرآن؟ لم يُوضح لهم القرآن الكريم كيف يحدث الهلال، وأن الأرض إذا حالتْ بين الشمس والقمر وحجبت عنه ضوء الشمس نتج عن ذلك وجود الهلال ومراحله المختلفة.
فهذا التفصيل لا تستوعبه عقولهم، وليس لديهم من الثقافة ما يفهمون به مثل هذه القضايا الكونية؛ لذلك يقول لهم: اصرفوا نظركم عن هذه، وانظروا إلى حكمة الخالق سبحانه في الأهلة: {قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ والحج..} [البقرة: 189].
فردّهم إلى أمر يتعلق بدينهم التقليدي، فاهتمّ ببيان الحكمة منها، وفي نفس الوقت ترك هذه المسألة للزمن يشرحها لهم، حيث سيجدون في القرآن ما يُعينهم على فَهْم هذا الموضوع.
إذن: قوله تعالى: {مِن شَيْءٍ..} [الأنعام: 38].
أي: من كل شيء تكليفيّ، إنْ فعله المؤمن أثيب، وإنْ لم يفعله يُعاقب، أما الأمور الكونية فيعطيهم منها على قدر وَعْيهم لها، ويترك للزمن مهمة الإبانة بما يحدث فيه من فكر جديد.
لذلك نرى القرآن الكريم لم يفرغ عطاءه كله في القرآن الذي نزل فيه، فلو فعل ذلك لاستقبل القرون الأخرى بغير عطاء، فالعقول تتفتّح على مَرِّ العصور وتتفتّق عن فكر جديد، ولا يصح أنْ يظلَّ العطاء الأول هو نفسه لا يتجدد، لابد أن يكون لكل قرن عطاء جديد يناسب ارتقاءات البشر في علومه الكونية. والرسول صلى الله عليه وسلم حينما رأى الناس يُؤبّرون النخل، أي: يُلقّحونه. وهو ما يُعرف بعملية الإخصاب، حيث يأخذون من الذكر ويضعون في الأنثى، فماذا قال لهم؟ قال: لو لم تفعلوا لأثمر، ففي الموسم القادم تركوا هذه العملية فلم يُثمر النخل، فلما سئل صلى الله عليه وسلم قال: «أنتم أعلم بشئون دنياكم».
فهذا أمر دنيوي خاضع للتجربة ووليد بَحْث معمليّ، وليس من مهمة الرسول صلى الله عليه وسلم توضيح هذه الأمور التي يتفق فيها الناس وتتفق فيها الأهواء، إنما الأحكام التكليفية التي تختلف فيها الأهواء فحسمها الحق بالحكم.
فمثلاً في العالم موجاتٌ مادية تهتم بالاكتشافات والاختراعات والاستنباطات التي تُسخر أسرار الكون لخدمة الإنسان، فهل يختلف الناس حول مُعْطيات هذه الموجة المادية؟ هل نقول مثلاً: هذه كهرباء أمريكاني، وهذه كهرباء روسي؟ هل نقول: هذه كيمياء إنجليزي، وهذه كيمياء ألماني؟
فهذه مسألة وليدة المعمل والتجربة يتفق فيها كل الناس، في حين نجدهم يختلفون في أشياء نظرية ويتحاربون من أجلها، فهذه اشتراكية، وهذه رأسمالية، وهذه وجودية، وتلك علمانية.. إلخ، فجاء الدين ليحسمَ ما تختلف فيه الأهواء.
لذلك نرى كل معسكر يحاول أنْ يسرقَ ما توصَّل إليه المعسكر الآخر من اكتشافات واختراعات، ويرسل جواسيسه ليتابعوا أحداث ما توصّل إليه غيرهم، فهل يسرقون الأمور النظرية أيضاً؟ لا.. بل على العكس تجدهم يضعون الحواجز والاحتياطات لكي لا تنتقل هذه المبادئ إلى بلادهم وإلى أفكار مواطنيهم.
وقد جعل الرسول صلى الله عليه وسلم من نفسه مثالاً ونموذجاً لتوضيح هذه المسألة، مع أنه قد يقول قائل: لا يصح في حَقّ رسول الله أن يُشير على الناس بشيء ويتضح خطأ مشورته، إنما الرسول هنا يريد أنْ يُؤصّل قاعدة في نفوس المتكلمين في شئون الدين: إياكم أنْ تُقحِموا أنفسكم في الأمور المادية المعملية التطبيقية، فهذه أمور يستوي فيها المؤمن والكافر.
ولذلك عندما اكتشف العلماء كُروية الأرض، وأنها تدور حول الشمس اعترض على ذلك بعض رجال الدين ووضعوا أنوفهم في قضية لا دَخْل للدين فيها، وقد حذرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم من ذلك.
وما قولكم بعد أن صعد العلماء إلى كواكب أخرى، وصوروا الأرض، وجاءت صورتها كُروية فعلاً؟ فلا تفتحوا على أنفسكم باسم الدين باباً لا تستطيعون غَلْقه.
وقوله تعالى: {وَهُدًى وَرَحْمَةً وبشرى لِلْمُسْلِمِينَ} [النحل: 89].
الحق تبارك وتعالى وصف القرآن هنا بأنه(هُدىً)، فإذا كان القرآن قد نزل تبياناً فكان التوافق يقتضي أن يقول: وهادياً، لكن لم يَصف القرآن بأنه هادٍ، بل هُدىً، وكأنه نفس الهدى؛ لأن هادياً ذاتٌ ثبت لها الهداية، إنما هُدى: يعني هو جوهر الهدى، كما نقول: فلان عادل. وفي المبالغة نقول: فلان عَدْل. كأن العَدْل مجسّم فيه، وليس مجرد واحد ثبتت له صفة العدل.
وكذلك مثل قولنا عالم وعليم، وقد قال تعالى: {وَفَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ} [يوسف: 76].
فما معنى الهدى؟ هو الدلالة على الطريق الموصّل للغاية من أقرب الطرق.
{وَرَحْمَةً} مرّة يُوصَف القرآن بأنه رحمة، ومرة بأنه: {شِفَآءٌ وَرَحْمَةٌ} [الإسراء: 82].
والشفاء: أن يُوجد داء يعالجه القرآن، والرحمة: هي الوقاية التي تمنع وجود الداء، وما دام القرآن كذلك فمَنْ عمل بمنهجه فقد بُشِّر بالثواب العظيم من الله تعالى، الثواب الخالد في نعيم دائم.
ثم يقول الحق تبارك وتعالى: {إِنَّ الله يَأْمُرُ...}.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://el-quran.ahlamontada.com
Admin
Admin
Admin


المساهمات : 4240
تاريخ التسجيل : 20/01/2018

  تفسير سورة النَّحْلُ صفحة 277 من القرآن الكريم للشيخ الشعراوي	 Empty
مُساهمةموضوع: رد: تفسير سورة النَّحْلُ صفحة 277 من القرآن الكريم للشيخ الشعراوي      تفسير سورة النَّحْلُ صفحة 277 من القرآن الكريم للشيخ الشعراوي	 Emptyالجمعة مارس 02, 2018 5:18 am


.تفسير الآية رقم (90):

{إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ (90)}
للحق تبارك وتعالى في هذه الآية ثلاثة أوامر: العدل، والإحسان، وإيتاء ذي القُرْبى. وثلاثة نَواهٍ: عن الفحشاء والمنكر والبغي. ولما نزلت هذه الآية قال ابن مسعود: أجمعُ آيات القرآن للخير هذه الآية لأنها جمعتْ كل الفضائل التي يمكن أن تكون في القرآن الكريم.
(ولذلك سيدنا عثمان بن مظعون كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يحب له أن يُسلِم، وكان يعرض عليه الإسلام دائماً، ورسول الله صلى الله عليه وسلم لا يحب عَرْض الإسلام على أحد إلا إذا كان يرى فيه مخايل وشِيَماً تحسن في الإسلام.
وكأنه صلى الله عليه وسلم ضَنَّ بهذه المخايل أن تكون في غير مسلم، لذلك كان حريصاً على إسلامه وكثيراً ما يعرضه عليه، إلا أن سيدنا عثمان بن مظعون تريَّث في الأمر، إلى أن جلس مع الرسول صلى الله عليه وسلم في مجلس، فرآه رفع بصره إلى السماء ثم تنبه، فقال له ابن مظعون: ما حدث يا رسول الله؟ فقال: إن جبريل عليه السلام قد نزل عليَّ الساعة بقول الله تعالى: {إِنَّ الله يَأْمُرُ بالعدل والإحسان وَإِيتَآءِ ذِي القربى وينهى عَنِ الفحشاء والمنكر والبغي يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ} [النحل: 90].
قال ابن مظعون رضي الله عنه: فاستقر حبُّ الإيمان في قلبي بهذه الآية الجامعة لكل خصال الخير.
ثم ذهب فأخبر أبا طالب، فلما سمع أبو طالب ما قاله ابن مظعون في هذه الآية قال: يا معشر قريش آمِنُوا بالذي جاء به محمد، فإنه قد جاءكم بأحسن الأخلاق).
(ويُروى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يعرض نفسه على قبائل العرب، وكان معه أبو بكر وعلي، قال علي: فإذا بمجلس عليه وقار ومَهَابة، فأقبل عليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ودعاهم إلى شهادة ألا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، فقام إليه مقرون بن عمرو وكان من شيبان ابن ثعلبة فقال: إلى أي شيء تدعونا يا أخا قريش؟ فقال صلى الله عليه وسلم: {إِنَّ الله يَأْمُرُ بالعدل والإحسان وَإِيتَآءِ ذِي القربى وينهى عَنِ الفحشاء والمنكر والبغي يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ} [النحل: 90].
فقال مقرون: إنك دعوت إلى مكارم الأخلاق وأحسن الأعمال، أفِكتْ قريش إن خاصمتْك وظاهرتْ عليك).
أخذ عثمان بن مظعون هذه الآية ونقلها إلى عكرمة بن أبي جهل، فأخذها عكرمة ونقلها إلى الوليد بن المغيرة، وقال له: إن آية نزلت على محمد تقول كذا وكذا، فأفكر الوليد بن المغيرة أي: فكَّر فيما سمع وقال: والله إن له لحلاوةً، وإن عليه لطلاوة، وإن أعلاه لمثمر، وإن أسفله لمغدق، وأنه يعلو ولا يُعْلَى عليه، وما هو بقول بشر.
ومع شهادته هذه إلا أنه لم يؤمن، فقالوا: حَسْبُه أنه شهد للقرآن وهو كافر.
وهكذا دخلتْ هذه الآيةُ قلوبَ هؤلاء القوم، واستقرتْ في أفئدتهم؛ لأنها آيةٌ جامعةٌ مانعةٌ، دعَتْ لكل خير، ونَهتْ عن كل شر.
قوله: {إِنَّ الله يَأْمُرُ بالعدل..} [النحل: 90].
ما العدل؟ العدل هو الإنصاف والمساواة وعدم الميْل؛ لأنه لا يكون إلا بين شيئين متناقضين، لذلك سُمِّي الحاكم العادل مُنْصِفاً؛ لأنه إذا مَثَلَ الخصمان أمامه جعل لكل منهما نصفَ تكوينه، وكأنه قسَم نفسه نصفين لا يميل لأحدهما ولا قَيْد شعرة، هذا هو الإنصاف.
ومن أجل الإنصاف جُعِل الميزان، والميزان تختلف دِقّته حَسْب الموزون، فحساسية ميزان البُرّ غير حساسية ميزان الجواهر مثلاً، وتتناهى دقّة الميزان عند أصحاب صناعة العقاقير الطبية، حيث أقلّ زيادة في الميزان يمكن أن تحوّل الدواء إلى سُمٍّ، وقد شاهدنا تطوراً كبيراً في الموازين، حتى أصبحنا نزن أقلّ ما يمكن تصوّره.
والعدل دائر في كل أقضية الحياة من القمة في شهادة ألا إله إلا الله إلى إماطة الأذى عن الطريق، فالعدل مطلوب في أمور التكليف كلها، في الأمور العقدية التي هي عمل القلب، وكذلك مطلوب في الأمور العملية التي هي أعمال الجوارح في حركة الحياة.
فكيف يكون العدل في الأمور العقدية؟
لو نظرنا إلى معتقدات الكفار لوجدنا بعضهم يقول بعدم وجود إله في الكون، فأنكروا وجوده سبحانه مطلقاً، وآخرون يقولون بتعدُّد الآلهة، هكذا تناقضتْ الأقوال وتباعدتْ الآراء، فجاء العدل في الإسلام، فالإله واحد لا شريك له، مُنزّه عَمّا يُشبه الحوادث، كما وقف موقفَ العدل في صفاته سبحانه وتعالى.
فلله سَمْع، ولكن ليس كأسماع المحدثات، لا ننفي عنه سبحانه مثل هذه الصفات فنكون من المعطّلة، ولا نُشبّهه سبحانه بغيره فنكون من المشبِّهة، بل نقول: ليس كمثله شيء، ونقف موقف العَدْل والوسطية.
كذلك من الأمور العقدية التي تجلَّى فيها عدل الإسلام قضية الجبر والاختيار، حيث اختار موقفاً وسطاً بين مَنْ يقول إن الإنسان يفعل أفعاله باختياره دون دَخْل لله سبحانه في أعمال العبد؛ ولذلك رتَّبَ عليها ثواباً وعقاباً. ومن يقول: لا؛ بل كل الأعمال من الله والعبد مُجْبَر عليها.
فيأتي الإسلام بالعدالة والوسطية في هذه القضية فيقول: بل الإنسان يعمل أعماله الاختيارية بالقوة التي خلقها الله فيه للاختيار.
وفي التشريع والأحكام حدث تبايُن كبير بين شريعة موسى عليه السلام وبين شريعة عيسى عليه السلام في القصاص مثلاً: في شريعة موسى حيث طغتْ المادية على بني إسرائيل حتى قالوا لموسى عليه السلام: {أَرِنَا الله جَهْرَةً..} [النساء: 153].
فهم لا يفهمون الغيب ولا يقتنعون به، فكان المناسب لهم القِصَاص ولا بُدَّ، ولو تركهم الحق سبحانه لَكَثُر فيهم القتل، فهم لا ينتهون إلا بهذا الحُكْم الرادع: مَنْ قتَل يُقتلُ، والقتل أنْفى للقتل.
وقد تعدّى بنو إسرائيل في طلبهم رؤية الله، فكوْنُك ترى الإله تناقض في الألوهية؛ لأنك حين تراه عينُك فقد حددّتَه في حيّز.
إذن: كونه لا يرى عَيْن الكمال فيه سبحانه وتعالى. وكيف نطمع في رؤيته جَلَّ وعلاَ، ونحن لا نستطيع رؤية حتى بعض مخلوقاته، فالروح التي بين جَنْبي كل مِنّا ماذا نعرف عن طبيعتها وعن مكانها في الجسم، وبها نتحرك ونزاول أعمالنا، وبها نفكّر، وبها نعيش، أين هي؟!
فإذا ما فارقتْ الروح الجسم وأخذ الله سره تحول إلى جيفة يسارع الناس في مواراتها التراب. هل رأيت هذه الروح؟ هل سمعتها؟ هل أدركتها بأي حاسّة من حواسِّك؟!
فإذا كانت الروح وهي مخلوقة لله يعجز العقل عن إدراكها، فكيف بمَنْ خلق هذه الروح؟ فمن عظمته سبحانه أنه لا تُدركه الأبصار، وهو يدرك الأبصار.
كذلك هناك أشياء مما يتطلبها الدين كالحق مثلاً، وهو معنًى من المعاني التي يدّعيها كل الناس، ويطلبون العمل بها، هذا الحق ما شَكْله؟ ما لونه؟ طويل أم قصير؟! فإذا كُنّا لا نستطيع أن نتصوّر الحق وهو مخلوق لله سبحانه، فكيف نتصور الله ونطمع في رؤيته؟!
ومن إسراف بني إسرائيل في المادية أن جعلوا لله تعالى في التلمود جماعة من النقباء، وجعلوه سبحانه قاعداً على صخرة يُدلي رِجْليْه في قصعة من المرمر، ثم أتى حوت.. إلخ.. سبحان الله؛ ألهذا الحدِّ وصلتْ بهم المادية؟
ومن هنا كان الكون في حاجة إلى طاقة روحية، تكون هي أيضاً مُسرفة في الروحانية ليحدث نوع من التوازن في الكون، فجاءت شريعة عيسى عليه السلام بعد مادية مُفْرطة وإسراف في الموسَوية، فكيف يكون حُكْم القصاص فيها وهي تهدف إلى أنْ تسموَ بروحانيات الناس؟
جاءت شريعة عيسى عليه السلام تُهدّيء الموقف إذا حدث قتل، فيكفي أن قُتِل واحد ولنستبقي الآخر ولا نثير ضجّة، ونهيج الأحقاد والترة بين الناس، فدَعَتْ هذه الشريعة إلى العفو عن القاتل.
ثم جاء الإسلام ووقف موقف العدل والوسطية في هذا الحكم، فأقرّ القصاص ودعا إلى العفو، فأعطى وليَّ المقتول حَقّ القصاص، ودعاه في نفس الوقت إلى العفو في قوله تعالى: {فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فاتباع بالمعروف وَأَدَآءٌ إِلَيْهِ بِإِحْسَانٍ..} [البقرة: 178].
ونلاحظ هنا أن القرآن جعلهم إخوة لِيُرقّق القلوب ويُزيل الضغائن.
وللقصاص في الإسلام حكَم عالية، فليس الهدف منه أن يُضخّم هذه الجريمة، بل يهدف إلى حفظ حياة الناس كما قال تعالى: {وَلَكُمْ فِي القصاص حَيَاةٌ ياأولي الألباب} [البقرة: 179].
فمن أراد أنْ يحافظَ على حياته فلا يُهدد حياة الآخرين.
وحينما يُعطي ربُّنا تبارك وتعالى حقَّ القصاص لوليّ المقتول ويُمكِّنه منه تبردُ ناره، وتهدأ ثورته، فيفكر في العفو وهو قادر على الانتقام، وهكذا ينزع هذا الحكمُ الغِلَّ من الصدور ويُطفِيء نار الثأر بين الناس.
ولذلك نرى في بعض البلاد التي تنتشر فيها عملية الثأر يأتي القاتل حاملاً كفنه على يده إلى وليّ المقتول، ويضع نفسه بين يديه مُعترفاً بجريمته: هاأنا بين يديْك اقتلني وهذا كفنِي.
ما حدث ذلك أبداً إلا وعفا صاحب الحق ووليّ الدم، وهذا هو العدل الذي جاء به الإسلام، دين الوسطية والاعتدال.
هذا العفو من وليّ الدم أداةُ بِنَاء، ووسيلة محبة، فحين نعطيه حَقّ القصاص، ثم هو يعفو، فقد أصبحت حياة القاتل هبةً من وليّ الدم، فكأنه استأثره واستبقاه بعفوه عنه، وهذا جميل يحفظه أهل القاتل، ويقولون: هذا حَقَن دم ابننا.
موقف آخر لعدالة الإسلام ووسطيته نراها في حُكْم الحيض مثلاً، ففي شريعة موسى عليه السلام يُخرج الزوج زوجته من البيت طوال مدة الحيض لا يجمعهما بيت واحد.
وفي شريعة عيسى عليه السلام لا مانع من وجودها في البيت، ولا مانع من معاشرتها والاستمتاع بها.
فجاء الإسلام بالعدل في هذه القضية فقال: تبقى المرأة الحائض في بيتها لا تخرج منه، ولكن لا يقربها الزوج طوال مدة الحيض، فقال تعالى: {وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ المحيض قُلْ هُوَ أَذًى فاعتزلوا النسآء فِي المحيض وَلاَ تَقْرَبُوهُنَّ حتى يَطْهُرْنَ فَإِذَا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ الله إِنَّ الله يُحِبُّ التوابين وَيُحِبُّ المتطهرين} [البقرة: 222].
وكذلك لو أخذنا الناحية الاقتصادية في حياتنا، والتي هي عصب الحياة، والتي بها يتم استبقاء الحياة بالطعام والشراب والملْبس وغيره، وبها يتم استبقاء النوع بالزواج، وكُل هذا يحتاج إلى حركة إنتاج، وإلى حركة استهلاك، وبالإنتاج والاستهلاك تستمر الحياة، ولو توقف أحدهما لحدث في المجتمع بطالة وفساد.
وبناء عليه وزّع الحق سبحانه وتعالى المواهب بين العباد، فما أعرفه أنا أخدم به الكل، وما يعرفه الكل يَخدمني به، وهكذا تستمر حركة الحياة.
والكون الذي تعيش فيه أنت لك فيه مصالح وتُراودك فيه آمال، فإنْ شاركتَ في حركة الحياة واكتسبتَ المال الذي هو عصبُ الحياة فعليك أن تُوازنَ بين متطلباتك العاجلة وآمالك في المستقبل.
فلو أنفقتَ جميع ما اكتسبت في نفقاتك الحاضرة فقد ضيَّعتَ على نفسك تحقيق الآمال في المستقبل، فلن تجد ما تبني به بيتاً مثلاً أو تشتري به سيارة، أو ترتقي بمستواك ببعض كماليات الحياة. وهذا ما نسميه الإسراف.
وفي المقابل، كما لا يليق بك الإسراف حتى لا يبقى عندك شيء، وكذلك لا يليق بك التقتير والبخل والإمساك فتكنز كل ما تكتسب، ولا تنفق إلا ما يُمسِك الرمَق؛ لأنك في هذه الحالة لن تساهم في عملية الاستهلاك، فتكون سبباً في بطالة المجتمع وفساد حاله.
وقد عالج القرآن هذه القضية علاجاً دقيقاً في قوله تعالى: {وَلاَ تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إلى عُنُقِكَ وَلاَ تَبْسُطْهَا كُلَّ البسط فَتَقْعُدَ مَلُوماً مَّحْسُوراً} [الإسراء: 29].
أي: لا تُمسك يدك بُخْلاً وتقتيراً، فتكون ملُوماً من أهلك وأولادك، ومن الدنيا من حولك، فيكرهك الجميع، وكذلك لا تبسط يدك بالإنفاق بَسْطاً يصل إلى حَدّ الإسراف والتبذير، فيفوتك تحقيق الآمال وتتحسَّر حينما ترى المقتصد قد حقَّق ما لم تستطع أنت تحقيقه من آمال الحياة، وترقّى هو في حياته وأنت مُعْدم لا تملك شيئاً، فكان عليك أن تدّخر جُزْءاً من كَسْبك يمكنك أن ترتقي به حينما تريد.
ولذلك قال تعالى: {إِنَّ المبذرين كانوا إِخْوَانَ الشياطين} [الإسراء: 27].
وقال: {والذين إِذَآ أَنفَقُواْ لَمْ يُسْرِفُواْ وَلَمْ يَقْتُرُواْ وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَاماً} [الفرقان: 67].
إذن: فالعَدْل أمر دائر في كل حركات التكليف، سواء كان تكليفاً عَقَدياً، أو تكليفاً بواسطة الأعمال في حركة الحياة، فالأمر قائم على الوسطية والاعتدال، ومن هنا قالوا: خَيْر الأمور الوسط.
وقوله: {والإحسان..} [النحل: 90].
ما الإحسان؟
إذا كان العدل أن تأخذ حقَّك، وأنْ تُعاقب بمثل ما عُوقبت به كما قال تعالى: {فَمَنِ اعتدى عَلَيْكُمْ فاعتدوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعتدى عَلَيْكُمْ..} [البقرة: 194].
وقوله: {وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُواْ بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ..} [النحل: 126].
فالإحسان أنْ تتركَ هذا الحق، وأنْ تتنازلَ عنه ابتغاءَ وجه الله، عملاً بقوله تعالى: {والكاظمين الغيظ والعافين عَنِ الناس والله يُحِبُّ المحسنين} [آل عمران: 134].
والناس في الإحسان على مراتب مختلفة حسب قدرة الإنسان واستِعداده الخُلقي.
وأول هذه المراتب كظم الغيظ، من كَظْم القِرْبة المملوءة، فالإنسان يكظم غَيْظه في نفسه، ويحتمل ما يَعتلج بداخله على المذنب دون أن يتعدَّى ذلك إلى الانفعال والردّ بالمثل، ولكنه يظل يعاني ألم الغيظ بداخله وتتأجج ناره في قلبه.
لذلك يحسُن الترقي إلى المرتبة الأعلى، وهي مرتبة العفو، فيأتي الإنسان ويقول: لماذا أدَعْ نفسي فريسة لهذا الغيظ؟ لماذا أشغل به نفسي، وأُقَاسي ألمه ومرارته؟ فيميل إلى أنْ يُريح نفسه ويقتلع جذور الغيظ من قلبه، فيعفو عمَّنْ أساء إليه، ويُخرِج المسألة كلها من قلبه.
فإنِ ارتقى الإنسان في العفو، سعى المرتبة الثالثة، وهي مرتبة أن تُحسن إلى مَنْ أساء إليك، وتزيد عما فرضَ لك حيث تنازلتَ عن الردِّ بالمثل، وارتقيتَ إلى درجة العارفين بالله، فالذي اعتدى اعتدى بقدرته، وانتقم بما يناسبه، والذي ترقّى في درجات الإحسان ترك الأمر لقدرة الله تعالى، وأيْن قدرتُك من قدرة ربك سبحانه وتعالى؟
إذن: فالإحسان اجمل بالمؤمن، وأفضل من الانتقام.
لكن كيف يصل الأمر إلى أنْ تعفوَ عمَّنْ أساء، بل إلى أنْ تُحسِن إليه؟
نقول: هَبْ أن لك ولديْن اعتدى أحدهما على الآخر وأساء إليه، فماذا يكون موقفك منهما؟ وإلى أيّهما يميل قلبك؟
لا شكَّ أن القلب هنا يميل إلى المعتدى عليه، وقد يتعدَّى الأمر إلى أنْ تُرضيه بهدية وتُريه من حنانك وألطافك ما يُذهِب عنه ما يُعاني، والسبب في ذلك إساءة أخيه له فهي التي عطفَتْ قلبك إليه، وعادتْ عليه بالهدايا والألطاف.
إذن: من الطبيعي أنْ يُحسِنَ المعتَدى عليه إلى المعتدِي، وأنْ يشكرَ له أنْ تسبَّب له في هذه النعم؛ ولذلك يقول الحسن البصري رحمه الله: أفلا أُحسِن لمن جعل الله في جانبي؟
فالإحسان: أنْ تصنع فوق ما فرض الله عليك، بشرط أن يكونَ من جنس ما فرض الله عليك، ومن جنس ما تعبَّدنا الله به، فمثلاً تعبدنا الله بخمس صلوات في اليوم والليلة فلا مانعَ من الزيادة عليها من جنسها، وكذلك الأمر في الزكاة والصيام والحج. والإحسان هنا يكون بزيادة ما فرضه الله علينا.
وقد يكون الإحسان في الكيفية دون زيادة في العمل، فلا أزيد مثلاً عن خمس صلوات، ولكن أُحسِن ما أنا بصدده من الفرْض، وأُتقِن ما أنا فيه من العمل، وأُخلِص في ذلك عملاً بحديث جبريل عليه السلام حينما سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الإحسان، فقال: (الإحسان أن تعبد الله كأنك تراه، فإن لم تكُنْ تراه فإنه يراك).
فعليك أن تستحضر في عبادتك ربك عز وجل بجلاله وجماله وكماله، فإنْ لم تصل إلى هذه المرتبة فلا أقلّ من أن تؤمن أنه يراك ويطلع عليك، وهذه كافية لأنْ تُعطي العبادة حقّها ولا تسرق منها، فاللصُّ لا يجرؤ على سرقة البيت وهو يعلم أن صاحبه يراه، فإذا كنا نفعل ذلك مع بعضنا البعض فيخشى أحدنا نظر الآخرين، أيليق بنا أنْ نتجرأ على الله ونحن نعلم نظره إلينا؟!
ولذلك يقول الحق تبارك وتعالى في الحديث القدسي: (يا عبادي، إنْ كنتم تعتقدون أَنِّي لا أراكم فالخلَل في إيمانكم، وإنْ كنتم تعتقدون أني أراكم، فَلِمَ جعلتموني أهونَ الناظرين إليكم؟).
وقال بعضهم في معنى العدل والإحسان:
العدل: أن تستوي السريرة مع العلانية.
والإحسان: أن تعلو السريرة وتكون افضل من العلانية.
والمنكر: إنْ علَتْ العلانية على السريرة.
وقوله تعالى: {وَإِيتَآءِ ذِي القربى} [النحل: 90].
إيتاء: أي إعطاء.
قالوا: لأن العالم حَلَقات مقترنة، فكل قادر حوله أقرباء ضُعفَاء محتاجون، فلو أعطاهم من خيْره، وأفاض عليهم مِمّا أفاض الله عليه لَعَمَّ الخير كل المجتمع، وما وجدنا مُعْوزاً محتاجاً؛ ذلك لأن هذه الدوائر ستشمل المجتمع كله، كل قادر يُعطي مَنْ حوله.
وقد تتداخل هذه الدوائر فتلتحم العطاءات وتتكامل، فلا نرى في مجتمعنا فقيراً، وقد حثتْ الآية على القريب، وحنَّنَتْ عليه القلوب؛ لأن البعيد عنك قريب لغيرك، وداخل في دائرة عطاء أخرى.
وقد يكون الفقير قريباً لعدة أطراف يأخذ من هذا ويأخذ من هذا، وبذلك تتكامل الحياة وتستطرق موارد العيش لكل الناس.
وقالوا: المراد هنا قرابة النبي صلى الله عليه وسلم؛ لأن قرابة النبي صلى الله عليه وسلم حرَّمتْ عليهم الزكاة التي أُحِلَّت لغيرهم من الفقراء، وأصبح لهم مَيْزة يمتازون بها عن قرابة الرسول، ولا يليق بنا أن نجعل قرابة رسول الله صلى الله عليه وسلم في حاجة إلى الزكاة، وإنْ كان أقرباؤكم أصحابَ رحم، فلا تنسوا أن قرابة رسول الله صلى الله عليه وسلم أَوْلى من أرحامكم، كما قال تعالى: {النبي أولى بالمؤمنين مِنْ أَنْفُسِهِمْ..} [الأحزاب: 6].
هذه هي مجموعة الأوامر الواردة في هذه الآية، وإنَّ مجتمعاً يُنفِّذ مثل هذه الأوامر ويتحلَّى بها أفراده، مجتمع ترتقي فيه الاستعدادات الخُلقية، إلى أن يترك الإنسان العقوبة والانتقام ويتعالى عن الاعتداء إلى العفو، بل إلى الإحسان، مجتمع تعمُّ فيه النعمة، ويستطرق فيه الخير إلى كل إنسان.
إن مجتمعاً فيه هذه الصفات لَمجتمعٌ سعيد آمِنٌ يسوده الحب والإيمان والإحسان، إنه لجدير بالصدارة بين أمم الأرض كلها.
وقوله: {وينهى عَنِ الفحشاء والمنكر والبغي..} [النحل: 90].
وهذه مجموعة من النواهي تمثل مع الأوامر السابقة منهجاً قرآنياً قويماً يضمن سلامة المجتمع، وأُولى هذه النواهي النهي عن الفحشاء أو الفاحشة، والمتتبع لآيات القرآن الكريم سيجد أن الزنا هو الذنب الوحيد الذي سماه القرآن فاحشة، فهي إذن الزنا، أو كل شيء يخدش حُكْماً من أحكام الله تعالى، ولكن لماذا الزنا بالذات؟
نقول: لأن كل الذنوب الأخرى غير الزنا إنما تتعلق بمحيطات النفس الإنسانية، أما الزنا فيتعلَّق بالنفس الإنسانية ذاتها، ويترتب عليه اختلاط الأنساب وبه تدنَسُ الأعراض، وبه يشكُّ الرجل في أهله وأولاده، ويحدث بسبب هذا من الفساد ما لا يعلمه إلا الله؛ لذلك نصَّ عليه القرآن صراحة في قوله تعالى: {وَلاَ تَقْرَبُواْ الزنى إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَآءَ سَبِيلاً} [الإسراء: 32].
ومن أقوال العلماء في الفاحشة: أنها الذنب العظيم الذي يخجل صاحبه منه ويستره عن الناس، فلا يستطيع أنْ يُجاهر به، كأنه هو نفسه حينما يقع فيه يعلم أنه لا يصحّ، ولا ينبغي لأحد أن يطلع عليه.
(والمنكر) هو الذنب يتجرّأ عليه صاحبه، ويُجاهر به، ويستنكره الناس.
إذن: لدينا هنا مرتبتان من الذنب:
الأولى: أن صاحبه يتحرَّج أن يعرفه المجتمع فيستره في نفسه، وهذا هو الفحشاء.
والثانية: ما تعالم به صاحبه وأنكره المجتمع، وهذا هو المنكر.
(والبغْي) هو الظلم في أيِّ لَوْنٍ من ألوانه، وهو داخل في أشياء كثيرة أعظمها ما يقع في العقيدة من الشرك بالله، كما قال تعالى: {إِنَّ الشرك لَظُلْمٌ عَظِيمٌ} [لقمان: 13].
والظلم هنا أنْ تسلبَ الحق تبارك وتعالى صِفة من صفاته، وتشرك معه غيره وهو خلقك ورزقك، ومنه ظلم الرسول صلى الله عليه وسلم حيث لم يُجرَّب عليه في يوم من الأيام أنْ قال خطبة أو ألقى قصيدة، كما لم يُجرِّب عليه الكذب أو غيره من الصفات الذميمة، ومع هذا كله قالوا عنه حينما نزل عليه القرآن كذاب وساحر ومجنون، وأيُّ ظلم أعظم من هذا؟
ومن الظلم ظُلْم الإنسان لنفسه حينما يُحقِّق لها شهوة عاجلة ومُتعةً زائفة، تُورثه ندماً وحَسْرة وألماً آجلاً، وبذلك يكون قد ظلم نفسه ظلماً كبيراً وجَرَّ عليها ما لا تطيق، ذلك فَضْلاً عن ظلم الإنسان لغيره بشتى أنواع الظلم وأشكاله.
إذن: الآية انتظمتْ مجموعة من الأوامر والنواهي التي تضمن سلامة المجتمع بما جمعتْ من مكارم الأخلاق، والأخلاق أعمُّ من أن تكون في الاعتقادات، وأعمُّ من أن تكون في المعجزة إيماناً بها، وأعمُّ من أن تكون في التكاليف، وأعمُّ من أن تكون في أمر لا حَدَّ فيه ولا حُكْمَ ولا إثم.
وقوله: {يَعِظُكُمْ..} [النحل: 90].
الوعظ: تذكير بالحكم، فعندنا أولاً إعلام بالحكم لكي نعرفه، ولكنه عُرْضة لأنْ نغفلَ عنه، فيكون الوعظ والتذكير به، ونحتاج إلى تكرار ذلك حتى لا نغفل.
وعادة لا تكون العِظَة إلا فيما له قيمة، وما دام الشيء له قيمة فلا تصطفي له إلا مَنْ تحب، كذلك الحق تبارك وتعالى يحب خَلْقه وصَنْعته؛ لذلك يَعِظهم ويُذكِّرهم باستمرار لكي يكونوا دائماً على الجادة ليتمتعوا بنعم المسبِّب في الآخرة، كما تمتعوا بنعمة الأسباب في الدنيا.
ثم يقول الحق سبحانه: {وَأَوْفُواْ بِعَهْدِ الله...}.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://el-quran.ahlamontada.com
Admin
Admin
Admin


المساهمات : 4240
تاريخ التسجيل : 20/01/2018

  تفسير سورة النَّحْلُ صفحة 277 من القرآن الكريم للشيخ الشعراوي	 Empty
مُساهمةموضوع: رد: تفسير سورة النَّحْلُ صفحة 277 من القرآن الكريم للشيخ الشعراوي      تفسير سورة النَّحْلُ صفحة 277 من القرآن الكريم للشيخ الشعراوي	 Emptyالجمعة مارس 02, 2018 5:19 am


.تفسير الآية رقم (91):

{وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللَّهِ إِذَا عَاهَدْتُمْ وَلَا تَنْقُضُوا الْأَيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا وَقَدْ جَعَلْتُمُ اللَّهَ عَلَيْكُمْ كَفِيلًا إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ (91)}
الوفاء: أنْ تفِيَ بما تعاهدتَ عليه، والعهود لا تكون في المفروض عليك، إنما تكون في المباحات، فأنت حُرٌّ أن تلقاني غداً وأنا كذلك، لكن إذا اتفقنا وتعاهدنا على اللقاء غداً في الساعة كذا ومكان كذا فقد تحوَّل الأمر من المباح إلى المفروض، وأصبح كُلٌ مِنَّا ملزماً بأن يفي بعهده؛ لأن كل واحد مِنّا عطَّل مصالحه ورتَّب أموره على هذا اللقاء، فلا يصح أنْ يفيَ أحدنا ويُخلِف الآخر، لأن ذلك يتسبب في عدم تكافؤ الفُرص، ومعلوم أن مصالح العبادِ في الدنيا قائمة على الوفاء بالعهد.
وقد ينظر البعض إلى الوفاء بالعهد على أنه مُلْزَمٌ به وحده، أو أنه عِبْءٌ عليه دون غيره، لكنه في الحقيقة عليك وعلى غيرك، فكما طلب منك الوفاء طلبه كذلك من الآخرين، فكلّ تكليف لك لا تنظر إليه هذه النظرة، بل تنظر إليه على أنه لصالحك.
فمن أخذ التكليف وأحكام الله من جانبه فقط يتعب، فالحق تبارك وتعالى كما كلفك لصالح الناس فقد كلَّف الناس جميعاً لصالحك، فحين نهاك عن السرقة مثلاً إياك أنْ تظنَّ أنه قيّد حريتك أمام الآخرين؛ لأنه سبحانه نهى جميع الناس أن يسرقوا منك، فمَنِ الفائز إذن؟ أنا قيَّدت حريتك بالحكم، وأنت فرْد واحد، ولكني قيّدتُ جميع الخلق من أجلك.
كذلك حين أمرك الشرع بغضِّ بصرك على محارم الناس، أمر الناس جميعاً بغضِّ أبصارهم عن محارمك. إذن: لا تأخذ التكليف على أنه عليك، بل هو لك، وفي صالحك أنت.
كثيرون من الأغنياء يتبرّمون من الإنفاق، ويضيقون بالبذْل، ومنهم مَنْ يَعُد ذلك مَغْرماً لأنه لا يدري الحكمة من تكليف الأغنياء بمساعدة الفقراء، لا يدري أننا نُؤمِّن له حياته.
وها نحن نرى الدنيا دُوَلاً وأغياراً، فكم من غنيٍّ صار فقيراً، وكم من قوي صار ضعيفاً.
إذن: فحينما يأخذ منك وأنت غنيّ نُطمئنك: لا تخَفْ إذا ضاقتْ بك الحال، وإذا تبدّل غِنَاك فقراً، فكما أخذنا منك في حال الغنى سنُعطيك في حال الفقر، وهكذا يجب أن تكون نظرتنا إلى الأمور التكليفية.
وقوله تعالى: {بِعَهْدِ الله...} [النحل: 91].
عهد الله: هو الشيء الذي تعاهد الله عليه، وأول عَهْد لك مع الله تعالى هو الإيمان به، وما دُمْتَ قد آمنتَ بالله فانظر إلى ما طلبه منك وما كلّفك به، وإياك أن تُخِلّ بأمر من أموره؛ لأن الاختلال في أي أمر تكليفي من الله يُعَدُّ نَقْصاً في إيمانك؛ لأنك حينما آمنت بالله شهدتَ بما شهد الله به لنفسه سبحانه في قوله تعالى: {شَهِدَ الله أَنَّهُ لاَ إله إِلاَّ هُوَ..} [آل عمران: 18].
فأوّل مَنْ شهد الله سبحانه لنفسه، وهذه شهادة الذات للذات(والملاَئِكة) أي: شهادة المشاهدة(وَأُولُوا العِلْم) أي: بالدليل والحجة.
إذن: فأوّل عَهْد بينك وبين الله تعالى أنك آمنتَ به إلهاً حكيماً قادراً خالقاً مُربِّياً، فاستمع إلى ما يطلبه منك، فإنْ لم تستمع وتُنفّذ فاعلم أن العهد الإيماني الأول قد اختلَّ.
ولذلك، فالحق تبارك وتعالى لم يُكلِّف الكافر، لأنه ليس بينه وبينه عهد، إنما يُكلِّف مَنْ آمن، فتجد كل آية من آيات الأحكام تبدأ بهذا النداء الإيماني: {ياأيها الذين آمَنُواْ...} [البقرة: 183].
كما في قوله تعالى: {ياأيها الذين آمَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصيام...} [البقرة: 183].
فيا مَنْ آمن بي رَباً، ورضيتني إلهاً اسمع مِنِّي؛ لأني سأعطيك قانون الصيانة لحياتك، هذا القانون الذي يُسعدك بالمسبِّب في الآخرة بعد أن أسعدك بالأسباب في الدنيا.
وقوله: {وَلاَ تَنقُضُواْ الأيمان بَعْدَ تَوْكِيدِهَا..} [النحل: 91].
الأَيْمان: جمع يمين، وهو الحلف الذي نحلفه ونُؤكِّد عليه فنقول: والله، وعهد الله.. إلخ. إذن: فلا يليق بك أنْ تنقضَ ما أكَّدته من الأَيْمان، بل يلزمك أنْ تُوفِّي بها؛ لأنك إنْ وفَّيت بها وُفِّي لك بها أيضاً، فلا تأخذ الأمر من جانبك وحدك، ولكن انظر إلى المقابل.
وكذلك العهد بين الناس بعضهم البعض مأخوذ من باطن العهد الإيماني بالله تعالى؛ لأننا حينما نتعاهد نُشهد الله على هذا العهد، فنقول: بيني وبينك عَهْد الله، فنُدخل بيننا الحق سبحانه وتعالى لِنُوثِّق ما تعاهدنا عليه، وربنا سبحانه وتعالى يقول: {وَقَدْ جَعَلْتُمُ الله عَلَيْكُمْ كَفِيلاً...} [النحل: 91].
أي: شاهداً ورقيباً وضامناً.
وقوله: {إِنَّ الله يَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ} [النحل: 91].
أي: اعلم أن الله مُطَّلع عليك، يعلم خفايا الضمائر وما تُكِنّه الصدور، فاحذر حينما تعطي العهد أن تعطيه وأنت تنوي أن تخالفه، إياك أنْ تُعطي العهد خِدَاعاً، فربُّك سبحانه وتعالى يعلم ما تفعل.
ثم يُعقِّب الحق سبحانه: {وَلاَ تَكُونُواْ كالتي...}.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://el-quran.ahlamontada.com
Admin
Admin
Admin


المساهمات : 4240
تاريخ التسجيل : 20/01/2018

  تفسير سورة النَّحْلُ صفحة 277 من القرآن الكريم للشيخ الشعراوي	 Empty
مُساهمةموضوع: رد: تفسير سورة النَّحْلُ صفحة 277 من القرآن الكريم للشيخ الشعراوي      تفسير سورة النَّحْلُ صفحة 277 من القرآن الكريم للشيخ الشعراوي	 Emptyالجمعة مارس 02, 2018 5:19 am


.تفسير الآية رقم (92):

{وَلَا تَكُونُوا كَالَّتِي نَقَضَتْ غَزْلَهَا مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ أَنْكَاثًا تَتَّخِذُونَ أَيْمَانَكُمْ دَخَلًا بَيْنَكُمْ أَنْ تَكُونَ أُمَّةٌ هِيَ أَرْبَى مِنْ أُمَّةٍ إِنَّمَا يَبْلُوكُمُ اللَّهُ بِهِ وَلَيُبَيِّنَنَّ لَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مَا كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ (92)}
الحق تبارك وتعالى يضرب لنا في هذه الآية مثلاً توضيحياً للذين ينقضون العهد والأَيْمان، ولا يُوفون بها، بهذه المرأة القرشية الحمقاء ريْطة بنت عامر، وكانت تأمر جواريها بغزل الصوف من الصبح إلى الظهر، ثم تأمرهُنَّ بنقض ما غزلنه من الظهر حتى العصر، والمتأمل في هذا المثل يجد فيه دروساً متعددة.
أولاً: ما الغزل؟
الغَزْل عملية كان يقوم بها النساء قديماً، فكُنَّ يُحضِرْن المادة التي تصلح للغزل مثل الصوف أو الوبر ومثل القطن الآن، وهذه الأشياء عبارة عن شعيرات دقيقة تختلف في طولها من نوع لآخر يُسمُّونها التيلة، فيقولون (هذه تيلة قصيرة وهذه طويلة).
والغَزْل هو أن نُكوِّن من هذه الشعيرات خَيْطاً طويلاً ممتداً وانسيابياً دون عُقَد فيه لكي يصلح للنسجْ بعد ذلك، وتتم هذه العملية بآلة بدائية تسمى المغزل. تقوم المرأة بخلط هذه الشعيرات الدقيقة ثم بَرْمِها بالمغزل، ليخرج في النهاية خيطٌ طويل مُنْسابٌ متناسق لا عُقَد فيه.
والآية هنا ذكرتْ المرأة في هذا العمل؛ لأنه عمل خاص بالنساء في هذا الوقت دون الرجال، فكانت المرأة تكنّ في بيتها وتمارس مثل هذه الصناعات البسيطة التي تكوِّن منها أثاث بيتها من فَرْش وملابس وغيره.
وإلى الآن نرى المرأة التي تحافظ على كرامتها من زحمة الحياة ومُعْترك الاختلاط، نراها تقوم بمثل هذا العمل النسائي.
وقد تطور المغزل الآن إلى ماكينة تريكو أو ماكينة خياطة، مما يُيسِّر للنساء هذه الأعمال، ويحفظهُنَّ في بيوتهن، وينشر في البيت جَواً من التعاون بين الأم وأولادها، وأمامنا مثلاً مشروع الأسر المنتجة حيث تشارك المرأة بجزء كبير في رُقِّي المجتمع، فلا مانع إذن من عمل المرأة إذا كان عملاً شريفاً يحفظ عليها كرامتها ويصُون حرمتها.
فالقرآن ضرب لنا مثلاً بعمل المرأة الجاهلية، هذا العمل الذي يحتاج إلى جَهْد ووقت في الغزل، ويحتاج إلى أكثر منه في نَقْضه وفكِّه، فهذه عملية شاقة جداً، وربما أمرت الجواري بفكِّ الغزل والنسيج أيضاً؛ ولذلك أطلقوا عليها حمقاء قريش.
وقوله: {مِن بَعْدِ قُوَّةٍ...} [النحل: 92].
كلمة قوة هنا تدلُّنا على المراحل التي تمرُّ بها عملية الغَزْل، وكم هي شاقة، بداية من جَزِّ الصوف من الغنم أو الوبر من الجمال، ثم خَلْط أطراف كل تيلة من هذه الشعيرات، بحيث تكون طرف كل تيلة منها في وسط الأخرى لكي يتم التلاحم بينها بهذا المزج، ثم تدير المرأة المغزل بين أصابعها لتخرج لنا في النهاية بضعة سنتيمترات من الخيط، ولو قارنَّا بين هذه العملية اليدوية، وبين ما توصلتْ إليه صناعة الغزل الآن لَتبيَّن لنا كم كانت شاقة عليهم.
فكأن القرآن الكريم شبَّه الذي يُعطِي العهد ويُوثِّقه بالأيْمان المؤكدة، ويجعل الله وكيلاً وشاهداً على ما يقول بالتي غزلتْ هذا الغزل، وتحملت مشقته، ثم راحتْ فنقضت ما أنجزته، وفكَّتْ ما غزلته.
وكذلك كلمة(قوة) تدلُّناَ على أن كل عمل يحتاج إلى قوة، هذه القوة إما أنْ تُحرِّك الساكن أو تُسكِّن المتحرِّك؛ لذلك قال تعالى في آية أخرى: {خُذُواْ ما ءاتيناكم بِقُوَّةٍ..} [البقرة: 63].
لأن ساكن الخير نريد أن نحركك إليه، ومتحرك الشر نريد أن نكفك عنه.
وهذه يسمونها في عالم الحركة(قانون العطالة) المتحرك يظل مُتحرِّكاً إلى أنْ يعرضَ له شيء يُسكنه، والساكن يظل ساكناً إلى أنْ يعرِضَ له شيء يُحرِّكه.
ومن هنا يتعجَّب الكثيرون من الأقمار الصناعية التي تدور أعواماً عدة في الفضاء: ما الوقود الذي يُحرِّك هذه الأقمار طوال هذه الأعوام؟
والواقع أنه لا يوجد وقود يحركها، الوقود في مرحلة الانطلاق فقط، إلى أن يخرج من منطقة الهواء والجذْب، فإذا ما استقرّ القمر أو السفينة الفضائية في منطقة عدم الجذب تدور وتتحرك بنفسها دون وقود، فهناك الشيء المتحرك يظل متحركاً، والساكن يظل ساكناً.
والحق تبارك وتعالى بهذا المثَل المشَاهد يُحذرنا من إخلاف العهد ونقْضه؛ لأنه سبحانه يريد أن يصونَ مصالح الخلق؛ لأنها قائمة على التعاقد والتعاهد والأيْمان التي تبرم بينهم، فمَنْ خان العهد أو نقضَ الأيْمان لا يُوثق فيه، ولا يُطْمأنُ إلى حركته في الحياة، ويُسقطه المجتمع من نظره، ويعزله عن حركة التعامل التي تقوم على الثقة المتبادلة بين الناس.
وقوله: {أَنكَاثاً..} [النحل: 92].
جمع نِكْث، وهو ما نُقِض وحُلَّ فَتْله من الغزل.
وقوله: {تَتَّخِذُونَ أَيْمَانَكُمْ دَخَلاً بَيْنَكُمْ..} [النحل: 92].
الدَّخَل: أنْ تدخل في الشيء شيئاً أدنى منه من جنسه على سبيل الغِشِّ والخداع، كأن تدخل في الذهب عيار 24 قيراطاً مثلاً ذهباً من عيار 18 قيراطاً، أو كأن تُدخِلَ في اللوز مثلاً نَوى المشمش على أنه منه. فكأن الأَيْمان القائمة على الصدق والوفاء يعطيها صاحبها وهو ينوي بها الخداع والغش، فيحلف لصاحبه وهو يقصد تنويمه والتغرير به.
وقوله: {أَن تَكُونَ أُمَّةٌ هِيَ أَرْبَى مِنْ أُمَّةٍ...} [النحل: 92].
هذه هي العلة في أنْ نتخذَ الأَيْمان دَخَلاً فيما بيننا، الأَيْمان الزائفة الخادعة؛ ذلك لأن الذي باع نوى المشمش مثلاً على أنه لوز، فقد أَرْبى أي: أخذ أزيْد من حقه ونقص حَقَّ الآخرين، فالعلة إذن في الخداع بالأَيْمان الطمع وطلب الزيادة على حساب الآخرين.
وقد تأتي الزيادة بصورة أخرى، كأن تُعاهِد شخصاً على شيء ما، وأدَّيْتَ له بالعهود والأيْمان والمواثيق، ثم عنَّ لك مَنْ هو أقوى منه سواء كان بالقهر والسلطان أو بالإغراء، فنقضت العهد الأول لأن الثاني أرْبى منه وأزيد.
وفي مثل هذه المواقف يجب أن يأخذ الإنسان حِذْره، فمَنْ يُدريك لعله يُفعل بك كما فعلت، ويُكال لك بنفس المكيال الذي كِلْتَ به لغيرك، فاحذر إذا تجرأتَ على خَلْق الله أن يُجَرِّيء الله عليك مَنْ يسقيك من نفس الكأس.
وإذا كنت صاحب حرفة أو صناعة، فإياك أنْ تغُشَّ الناس، وتذكَّر أن لك عندهم مصالح، وفي أيديهم لك حرف وصناعات، فإذا تجرأْتَ عليهم جرَّأهم الله عليك؛ لأنه سبحانه يقول: أنا القيُّوم، أي: القائم على أمركم، فناموا أنتم فأنا لا أنام، فهذه مسألة يجب أن نلحظها جيداً.
مَنْ تَجرّأ على الناس جرَّأهم الله عليه، ومَنْ أخلص عمله وأتقنه قذف الله في قلوب الخلق أنْ يُتقنوا له حاجته.
وقوله: {إِنَّمَا يَبْلُوكُمُ الله بِهِ...} [النحل: 92].
أي: يختبركم الله تعالى بهذا العهد، فهو سبحانه يعلم ما أنتم عليه ساعة أنْ عقدتم العهد، أَفِي نيتكم الوفاء، أم في نيتكم الغدر والخداع؟
وهَبْ أنك تنوي الوفاء ثم عرضَ لك ما حال بينك وبينه، فالله سبحانه يعلم حقائق الأمور ولا يخفَى عليه شيء.
إذن: الابتلاء هنا لا يعني النكبة والبلاء، بل يعني مجرد الاختبار والنكبة والبلاء على الذي يفشل في الاختبار، فالعبرة هنا بالنتيجة.
وقوله: {وَلَيُبَيِّنَنَّ لَكُمْ يَوْمَ القيامة مَا كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ} [النحل: 92].
فيوم القيامة تجتمع الخصوم، وتتكشَّف الحقائق، ويأتي القضاء فيما اختلفنا فيه في الدنيا، وهَبْ أن إنساناً عمَّى على قضاء الأرض في أشياء، نقول له: إن عَمَّيْتَ على قضاء الأرض فلن تُعمىَ على قضاء السماء، وانتظر يوماً نجتمع فيه ونحكم هذه المسائل.
ثم يقول الحق سبحانه: {وَلَوْ شَآءَ الله...}.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://el-quran.ahlamontada.com
Admin
Admin
Admin


المساهمات : 4240
تاريخ التسجيل : 20/01/2018

  تفسير سورة النَّحْلُ صفحة 277 من القرآن الكريم للشيخ الشعراوي	 Empty
مُساهمةموضوع: رد: تفسير سورة النَّحْلُ صفحة 277 من القرآن الكريم للشيخ الشعراوي      تفسير سورة النَّحْلُ صفحة 277 من القرآن الكريم للشيخ الشعراوي	 Emptyالجمعة مارس 02, 2018 5:19 am


.تفسير الآية رقم (93):

{وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَكِنْ يُضِلُّ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ وَلَتُسْأَلُنَّ عَمَّا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (93)}
لو حرف امتناع لامتناع. أي: امتناع وجود الجواب لامتناع وجود الشرط، كما في قوله تعالى: {لَوْ كَانَ فِيهِمَآ آلِهَةٌ إِلاَّ الله لَفَسَدَتَا} [الأنبياء: 22].
فقد امتنع الفساد لامتناع تعدّد الآلهة.
فلو شاء الله لجعلَ العالم كله أمةً واحدة على الحق، لا على الضلال، أمة واحدة في الإيمان والهداية، كما جعل الأجناس الأخرى أمةً واحدة في الانصياع لمرادات الله منها.
ذلك لأن كل أجناس الوجود المخلوقة للإنسان قبل أن يفِدَ إلى الحياة مخلوقة بالحق خَلْقاً تسخيرياً، فلا يوجد جنس من الأجناس تأَبَّى عما قصد منه، لا الجماد ولا النبات ولا الحيوان.
كل هذه الأكوان تسير سَيْراً سليماً كما أراد الله منها، والعجيب أن يكون الإنسان هو المخلوق الوحيد المختلّ في الكون، ذلك لما له من حرية الاختيار، يفعل أو لا يفعل.
لذلك يقول الحق تبارك وتعالى: {أَلَمْ تَرَ أَنَّ الله يَسْجُدُ لَهُ مَن فِي السماوات وَمَن فِي الأرض والشمس والقمر والنجوم والجبال والشجر والدوآب وَكَثِيرٌ مِّنَ الناس وَكَثِيرٌ حَقَّ عَلَيْهِ العذاب..} [الحج: 18].
هكذا تسجد كل هذه المخلوقات لله دون استثناء، إلا في الإنسان فقال تعالى: {وَكَثِيرٌ مِّنَ الناس وَكَثِيرٌ حَقَّ عَلَيْهِ العذاب..} [الحج: 18].
فلماذا حدث هذا الاختلاف عند الناس؟ لأنهم أصحاب الاختيار، فيستطيع الواحد منهم أن يفعلَ أو لا يفعل، هل هذه المسألة خرجت عن إرادة الله، أم أرادها الله سبحانه وتعالى؟
قالوا بأن الله زاول قدرته المطلقة في خَلْق الأشياء المُسخرة، بحيث لا يخرج شيء عما أريد منه، وكان من الممكن أنْ يأتيَ الإنسان على هذه الصورة من التسخير، لكنه في هذه الحالة لن يزيد شيئاً، ولن يضيف جديداً في الكون، أليستْ الملائكة قائمة على التسخير؟
فالتسخير يُثبِت القدرة لله تعالى، فلا يخرج عن قدرته ولا عن مراده شيء، لكن الاختيار يثبت المحبوبية لله تعالى، وهذا فَرْقٌ يجب أنْ نتدبّره.
فمثلاً لو كان عندك عبدان أو خادمان أحدهما سعيد، والآخر مسعود، فأخذت سعيداً وقيَّدته إليك في حبل، في حين تركت مسعوداً حراً طليقاً، وحين أمرت كلاً منهما لَبَّى وأطاع، فأيّ طاعة ستكون أحبّ إليك: طاعة القهر والتسخير، أم الطاعة بالاختيار؟
فكأن الحق تبارك وتعالى خلق الإنسان وكرَّمه بأنْ جعلَه مختاراً في أنْ يطيعَ أو أنْ يعصيَ، فإذا ما أتى طائعاً مختاراً، وهو قادر على المعصية، فقد أثبتَ المحبوبية لربه سبحانه وتعالى.
ولا بُدَّ أنْ تتوافرَ للاختيار شروطٌ. أولها العقل، فهو آلة الاختيار، كذلك لا يُكلّف المجنون، فإذا توفّر العقل فلابد له من النُّضْج والبلوغ، ويتمّ ذلك حينما يكون الإنسان قادراً على إنجاب مِثْله، وأصبحتْ له ذاتية مولده.
وهذه سِمَة اكتمال الذات؛ فهو قبل هذا الاكتمال ناقص التكوين، وليس أَهْلاً للتكليف، فإذا كان عاقلاً ناضجاً بالبلوغ واكتمال الذات، فلابد له أن يكون مختاراً غَيْرَ مُكْرهٍ، فإنْ أُكْرِه على الشيء فلن يسأل عنه، فإنِ اختلَّ شَرْط من هذه الثلاثة فلا معنى للاختيار، وبذلك يضمن الحق تبارك وتعالى للإنسان السلامة في الاختيار.
والحق تبارك وتعالى وإن كرَّم الإنسان بالاختيار، فمن رحمته به أنْ يجعلَ فيه بعض الأعضاء اضطرارية مُسخّرة لا دَخْلَ له فيها.
ولو تأملنا هذه الأعضاء لوجدناها جوهرية، وتتوقف عليها حياة الإنسان، فكان من رحمة الله بنا أنْ جعل هذه الأعضاء تعمل وتُؤدِّي وظيفتها دون أنْ نشعرَ.
فالقلب مثلاً يعمل بانتظام في اليقظة والمنام دون أن نشعرَ به، وكذلك التنفس والكُلَى والكبد والأمعاء وغيرها تعمل بقدرته سبحانه مُسخّرة، كالجماد والنبات والحيوان.
ومن لُطْفِ الله بخَلْقه أنْ جعلَ هذه الأعضاء مُسخّرة، لأنه بالله لو أنت مختار في عمل هذه الأعضاء، كيف تتنفس مثلاً وأنت نائم؟!
إذن: من رحمة الله أنْ جعلكَ مختاراً في الأعمال التي تعرِضُ لك، وتحتاج فيها إلى النظر في البدائل؛ ولذلك يقولون: الإنسان أبو البدائل. فالحيوان مثلاً وهو أقرب الأجناس إلى الإنسان ليس لديْه هذه البدائل ولا يعرفها، فإذا آذيتَ حيواناً فإنه يُؤذيك، وليس لديه بديل آخر.
ولكن إذا آذيْت إنساناً، فيحتمل أن يردّ عليك بالمثل، أو بأكثر مما فعلتَ، أو أقلّ، أو يعفو ويصفح، والعقل هو الذي يُرجِّح أحد هذه البدائل.
إذن: لو شاء الحق سبحانه وتعالى أن يجعل الناس أمة واحدة لجعلها، كما قال تعالى: {أَن لَّوْ يَشَآءُ الله لَهَدَى الناس} [الرعد: 31].
ولكنه سبحانه وتعالى لم يشَأْ ذلك، بدليل قوله: {ولكن يُضِلُّ مَن يَشَآءُ وَيَهْدِي مَن يَشَآءُ...} [النحل: 93].
وهذه الآية يقف عندها المتمحِّكون، والذين قَصُرَتْ أنظارهم في فهْم كتاب الله، فيقولون: طالما أن الله هو الذي يضِلّ الناس، فلماذا يُعذِّبهم؟ ونتعجَّب من هذا الفهم لكتاب الله ونقول لهؤلاء: لماذا أخذتُمْ جانب الضلال وتركتُم جانب الهدى؟ لماذا لم تقولوا: طالما أن الله بيده الهداية، وهو الذي يهدي، فلماذا يُدخِلنا الجنة؟ إذن: هذه كلمة يقولها المسرفون؛ لأن معنى: {يُضِلُّ مَن يَشَآءُ وَيَهْدِي مَن يَشَآءُ..} [النحل: 93].
أي: يحكم على هذا من خلال عمله بالضلال، ويحكم على هذا من خلال عمله بالهداية، مثل ما يحدث عندنا في لجان الامتحان، فلا نقول: اللجنة أنجحت فلاناً وأرسبت فلاناً، فليست هذه مهمتها، بل مهمتها أن تنظر أوراق الإجابة، ومن خلالها تحكم اللجنة بنجاح هذا وإخفاق ذاك.
وكذلك الحق تبارك وتعالى لا يجعل العبد ضالاً، بل يحكم على عمله أنه ضلال وأنه ضَالّ؛ فالمعنى إذن: يحكم بضلال مَنْ يشاء، ويحكم بهُدَى مَنْ يشاء، وليس لأحد أن ينقلَ الأمر إلى عكس هذا الفهم، بدليل قوله تعالى بعدها: {وَلَتُسْأَلُنَّ عَمَّا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ} [النحل: 93].
فالعبد لا يُسأل إلا عَمَّا عملتْ يداه، والسؤال هنا معناه حرية الاختيار في العمل، وكيف تسأل عن شيء لا دَخْل لك فيه؟ فلنفهم إذن عن الحق تبارك وتعالى مُرَادَهُ من الآية.
ثم يقول الحق سبحانه: {وَلاَ تتخذوا...}.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://el-quran.ahlamontada.com
Admin
Admin
Admin


المساهمات : 4240
تاريخ التسجيل : 20/01/2018

  تفسير سورة النَّحْلُ صفحة 277 من القرآن الكريم للشيخ الشعراوي	 Empty
مُساهمةموضوع: رد: تفسير سورة النَّحْلُ صفحة 277 من القرآن الكريم للشيخ الشعراوي      تفسير سورة النَّحْلُ صفحة 277 من القرآن الكريم للشيخ الشعراوي	 Emptyالجمعة مارس 02, 2018 5:20 am


♥️••♥️••♥️••♥️••♥️••♥️••♥️••♥️••♥️••♥️••♥️••♥️••♥️••♥️••♥️••♥️
لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ♥️لَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ العَلِيِّ العَظِيمِ ♥️سُبْحَانَ اللَّهِ ♥️وَالْحَمْدُ لِلَّهِ ♥️وَلَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ ♥️وَاللهُ أَكْبَرُ
اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ، ♥️وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ، ♥️كَمَا صَلَّيْتَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ، ♥️وَعَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ، ♥️إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ، ♥️وَبَارِكْ عَلَى مُحَمَّدٍ، ♥️وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ، ♥️كَمَا بَارَكْتَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ، ♥️وَعَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ،♥️فِي الْعَالَمِينَ ♥️إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ ♥️صَلَّ اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
أسْتَغْفِرُ اللهَ العَظِيمَ ♥️الَّذِي لاَ إلَهَ إلاَّ هُوَ، ♥️الحَيُّ القَيُّومُ، ♥️وَأتُوبُ إلَيهِ
حَسْبِيَ اللَّهُ لا إِلَـهَ إِلاَّ هُوَ ♥️عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ ♥️وَهُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ
حسبنا الله ♥️♥️ونعم الوكيل ♥️نعم المولى ♥️ونعم النصير
اللَّهُمَّ انصر واعز الاسلام والمسلمين ♥️واعلي بفضلك كلمتي الحق والدين

*۞ اللَّهُمَّ إجعل ما كتبناهُ وما قلناهُ وما نقلناه ♥️حُجة ً لنا لا علينا ♥️يوم ان نلقاك *

وأنا مُلْتَمِسٌ من قارئ حازَ من هذا السِّفر نَفْعَاً ألا ينساني بدعوة صالحة خالصة في السَّحَر ، وليعلم أن ما في هذا الكتاب مِن غُنْم فحلال زُلال له ولغيره ، وما كان مِن غرم فهو عَلَى كاهلي وظهري ، وأبرأ إلى الله من كل خطأ مقصود ، وأستعيذه من كل مأثم ومغرم ‏.‏
فدونك أيها القارئ هذا الكتاب ، اقرأه واعمل بما فيه ، فإن عجزت فَأَقْرِأْهُ غيرَك وادْعُه أن يعمل بما فيه ، فإن عجزتَ – وما إِخَالُكَ بِعَاجِزٍ – فبطْن الأرض حينئذ خيرٌ لك من ظاهرها ‏.‏
ومن سويداء قلبي أسأل الله تبارك وتعالى أن ينفعك بما فيه وأن يقوّيَك على العمل بما انتفعت به ، وأن يرزقك الصبر على ما قد يلحقك من عَنَتٍ وأذى ، وأن يتقبل منك سعيك في خدمة الدين ، وعند الله اللقاء ، وعند الله الجزاء
ونقله لكم الْأَمَةُ الْفَقِيرَةَ الى عفو الله ومرضاته . غفر الله لها ولوالديها ولاخواتها وذرياتها ولاهلها ولأُمّة نبينا محمد صَلَّ اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اجمعين ويجعلنا من عباده الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَالْقَانِتِينَ وَالْقَانِتَاتِ وَالصَّادِقِينَ وَالصَّادِقَاتِ وَالصَّابِرِينَ وَالصَّابِرَاتِ وَالْخَاشِعِينَ وَالْخَاشِعَاتِ وَالْمُتَصَدِّقِينَ وَالْمُتَصَدِّقَاتِ وَالصَّائِمِينَ وَالصَّائِمَاتِ وَالْحَافِظِينَ فُرُوجَهُمْ وَالْحَافِظَاتِ وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتِ وَالْمُنفِقِينَ وَالْمُسْتَغْفِرِينَ بِالأَسْحَارِوَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنْ النَّاسِ وَالْمُحْسِنِينَ والْمُتَّقِينَ الأَحيَاءِ مِنهُم وَالأَموَاتِ اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِحَيِّنَا وَمَيِّتِنَا وَصَغِيرِنَا وَكَبِيرِنَا وَذَكَرِنَا وَأُنْثَانَا وَشَاهِدِنَا وَغَائِبِنَا ، اللَّهُمَّ مَنْ أَحْيَيْتَهُ مِنَّا فَأَحْيِهِ عَلَى الْإِيمَانِ ، وَمَنْ تَوَفَّيْتَهُ مِنَّا فَتَوَفَّهُ عَلَى الْإِسْلَامِ ويجمعنا اجمعين فى اعلى درجات الجنة مع نبينا محمد وجميع النَّبِيِّينَ والْمُرْسَلِينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا
تحققت الآمال و توفر لهم كل شئ فلم يبق إلا الثناء
وأخيرًا أسأل الله أن يتقبلني انا وذريتى ووالداى واخواتى واهلى والمسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات وامة محمد اجمعين صَلَّ اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الاحياء منهم والاموات شهيدًا في سبيله وأن يلحقناويسكنا الفردوس الاعلى من الجنة مع النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا أسألكم أن تسامحوني وتغفروا لي زلاتي وأخطــائي وأن يرضى الله عنا وترضــوا عنــا وتهتمــوا وأسال الله العظيم ان ينفع بمانقلت للمسلمين والمسلمات
سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وبِحَمْدِكَ، أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلاَّ أَنْتَ أَسْتَغْفِرُكَ وَأَتُوبُ إِلَيْكَ
دَعْوَاهُمْ فِيهَا سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَتَحِيَّتُهُمْ فِيهَا سَلَامٌ ۚ وَآخِرُ دَعْوَاهُمْ أَنِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ
آميــٍـِـِـٍـٍـٍنْ يـــآرّبْ العآلميــــن
♥️♥️♥️۞ وَاللَّهُ تَعَالَى أَعْلَىَ وأَعْلَمُ وأَحكَمُ، ورَدُّ العلمِ إليه أَسلَمُ ♥️♥️♥️
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://el-quran.ahlamontada.com
 
تفسير سورة النَّحْلُ صفحة 277 من القرآن الكريم للشيخ الشعراوي
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
»  تفسير سورة النَّحْلُ صفحة 279 من القرآن الكريم للشيخ الشعراوي
»  تفسير سورة النَّحْلُ صفحة 280 من القرآن الكريم للشيخ الشعراوي
»  تفسير سورة النَّحْلُ صفحة 281 من القرآن الكريم للشيخ الشعراوي
»  تفسير سورة النَّحْلُ صفحة 267 من القرآن الكريم للشيخ الشعراوي
» تفسير سورة النَّحْلُ صفحة 268 من القرآن الكريم للشيخ الشعراوي

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
القرآن الكريم والسُنَّة النبوية والاعجاز :: ♥(( اقسام القرآن الكريم ))♥ :: القرآن الكريم وعلم التفسير-
انتقل الى: