القرآن الكريم والسُنَّة النبوية والاعجاز
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

القرآن الكريم والسُنَّة النبوية والاعجاز

القرآن الكريم والسُنَّة النبوية والاعجاز كنز ورسالة لمنهج حياة للعالم الإسلامي اجمع
 
الرئيسيةالرئيسية  البوابةالبوابة  أحدث الصورأحدث الصور  التسجيلالتسجيل  دخول  

 

  تفسير سورة الإسراء صفحة 283 من القرآن الكريم للشيخ الشعراوي

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
Admin
Admin
Admin


المساهمات : 4240
تاريخ التسجيل : 20/01/2018

  تفسير سورة الإسراء صفحة 283 من القرآن الكريم للشيخ الشعراوي	 Empty
مُساهمةموضوع: تفسير سورة الإسراء صفحة 283 من القرآن الكريم للشيخ الشعراوي      تفسير سورة الإسراء صفحة 283 من القرآن الكريم للشيخ الشعراوي	 Emptyالجمعة مارس 02, 2018 5:47 am

۞بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ۞
۞ٱلْسَلآمّ ٍعَلْيّكَمُ وٍرٍحَمُةٌ اللَّــْـْہ ۆبُركَاته۞
۞أَعُوذُ بِاللَّهِ السَّمِيعِ الْعَلِيمِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ من ♥️هَمْزِهِ، ♥️ونَفْثِهِ،♥️ونَفْخِهِ۞
۞الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ۞
۞أَشْهَدُ أَنّ لَّا إِلَٰهَ إِلَّإ الله ♥️وأَشْهَدُ ان محمداً رسول الله۞
۞تحية من عند الله طيبة مباركة۞

  تفسير سورة الإسراء صفحة 283 من القرآن الكريم للشيخ الشعراوي	 %D8%AA%D8%B9%D8%B1%D9%8A%D9%81_%D8%B3%D9%88%D8%B1%D8%A9_%D8%A7%D9%84%D8%A7%D8%B3%D8%B1%D8%A7%D8%A1
  تفسير سورة الإسراء صفحة 283 من القرآن الكريم للشيخ الشعراوي	 283

.سورة الإسراء:

.تفسير الآية رقم (Cool:

{عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يَرْحَمَكُمْ وَإِنْ عُدْتُمْ عُدْنَا وَجَعَلْنَا جَهَنَّمَ لِلْكَافِرِينَ حَصِيرًا (Cool}
و(عَسَى) حَرْف يدلّ على الرجاء، وكأن في الآية إشارةً إلى أنهم سيظلون في مذلّة ومَسْكنة، ولن ترتفع لهم رأس إلا في ظِلِّ حبل من الله وعَهْد منه، وحبل من الناس الذين يُعاهدونهم على النُّصْرة والتأييد والحماية.
وقوله: {رَبُّكُمْ..} [الإسراء: 8].
انظر فيه إلى العظمة الإلهية، ورحمة الرب سبحانه الذي ما يزال يخاطب الكافرين الملحدين المعاندين لرسوله، وهو آخر رسول يأتي من السماء، ومع ذلك كله يخاطبهم بقوله: {رَبُّكُمْ..} [الإسراء: 8].
لأن الربّ هو المتولّي للتربية والمتكفّل بضمان مُقومات الحياة، لا يضنّ بها حتى وإنْ كان العبد كافراً، فالكلُّ أمام عطاء الربوبية سواء: المؤمن والكافر، والطائع والعاصي.
الجميع يتمتع بِنعَم الله: الشمس والهواء والطعام والشراب، فهو سبحانه لا يزال ربهم مع كل ما حدث منهم.
وقوله تعالى: {أَن يَرْحَمَكُمْ..} [الإسراء: 8].
والرحمة تكون للإنسان إذا كان في موقف يستحق فيه الرحمة، واليهود لن تكون لهم دولة، ولن يكون لهم كيان، بل يعيشون في حِضْن الرحمة الإيمانية الإسلامية التي تُعطي لهم فرصة التعايش مع الإسلام معايشة، كالتي كانت لهم في مدينة رسول الله، يوم أن أكرمهم وتعاهد معهم.
وقد وصلتْ هذه المعايشة لدرجة أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا أراد أنْ يقترضَ لا يقترض من مسلم، بل كان يقترض من اليهود، وفي هذا حكمة يجب أنْ نعيهَا، وهي أن المسلم قد يستحي أن يطالب رسول الله إذا نسى مثلاً، أما اليهودي فسوف يُلِحّ في طلب حقِّه وإذا نسى رسول الله سَيُذكّره.
لذلك كان اليهود كثيراً ما يجادلون رسول الله صلى الله عليه وسلم ويُغالطونه مِرَاراً، وقد حدث أن وفَّى رسول الله لأحدهم دَيْنه، لكنه أنكره وأتى يطالب به من جديد، وأخذ يراجع رسول الله ويغالطه وينكر ويقول: ابْغِني شاهداً.
ولم يكن لرسول الله شاهد وقت السداد، وهكذا تأزّم الموقف في حضور أحد الصحابة، واسمه خزيمة، فهَبَّ خزيمة قائلاً: أنا يا رسول الله كنت شاهداً، وقد أخذ هذا اليهودي دَيْنه، فسكت اليهودي ولم يرد ولم يجادل، فَدل ذلك على كذبه. ويكاد المريب أن يقول: خذوني.
لكن رسول الله صلى الله عليه وسلم عندما اختلى بخزيمة بعد أن انصرف الدائن قال: يا خزيمة ما حملك على هذا القول، ولم يكن أحد معنا، وأنا أقضي لليهودي دَيْنه؟ فضحك خزيمة وقال: يا رسول الله أَأُصدِّقُك في خبر السماء، وأُكذِّبك في عِدّة دراهم؟
فَسُرَّ رسول الله من اجتهاد الرجل، وقال: (مَنْ شهد له خزيمة فحَسْبه).
ثم يُهدِّد الحق سبحانه بني إسرائيل، فيقول: {وَإِنْ عُدتُّمْ عُدْنَا..} [الإسراء: 8].
إنْ عُدتُّم للفساد، عُدْنا، وهذا جزاء الدنيا، وهو لا ينجيكم من جزاء الآخرة، فهذه مسألة وتلك أخرى حتى لا يفهموا أن العقاب على الذنوب في الدنيا يُبرّئهم من عذاب الآخرة.
فالعقوبة على الذنب التي تُبرّئ المذنب من عذاب الآخرة ما كان في حِضْن الإسلام، وإلاَّ لاَسْتوى مَنْ أقيم عليه الحدّ مع مَنْ لم يُقمْ عليه الحد.
فلو سرق إنسان وقُطِعَتْ يده، وسرق آخر ولم تُقطع يده، فلو استَووْا في عقوبة الآخرة، فقد زاد أحدهما عن الآخر في العقوبة، وكيف يستوي الذي قُطِعَتْ يده. وعاش بِذلّتها طوال عمره مع مَنْ أفلت من العقوبة؟
هذا إنْ كان المذنب مؤمناً.
أما إذا كان المذنب غير مؤمن فالأصل الذي بنينا عليه هذا الحكم ضائع لا وجودَ له، وعقوبة الدنيا هنا لا تُعفي صاحبها من عقوبة الآخرة؛ لذلك يقول تعالى بعدها: {وَجَعَلْنَا جَهَنَّمَ لِلْكَافِرِينَ حَصِيراً} [الإسراء: 8].
{جَعَلْنَا} فِعْل يفيد التحويل، كأن تقول: جعلت العجين خبزاً، وجعلت القطن ثوباً، أي: صيَّرْتُه وحوَّلْتُه. فماذا كانت جهنم أولاً فيُحوّلها الحق سبحانه حصيراً؟
قوله تعالى: {جَعَلْنَا} في هذه الآية لا تفيد التحويل، إنما هي بمعنى خَلَقْنا، أي: خلقناها هكذا، كما نقول: سبحان الذي جعل اللبن أبيض، فاللبن لم يكن له لون آخر فحوَّله الله تعالى إلى البياض، بل خلقه هكذا بداية.
ومعنى: {حَصِيراً..} [الإسراء: 8].
الحصير فراش معروف يُصنع من القَشِّ أو من نبات يُسمى السَّمُر، والآن يصنعونه من خيوط البلاستيك، وسُمِّي حصيراً، لأن كلمة حصير مأخوذة من الحَصْر، وهو التضييق في المكان للمكين، وفي صناعة الحصير يضمُّون الأعواد بعضها إلى بعض إلى أنْ تتماسكَ، ولا توجد مسافة بين العود والآخر.
لكن لماذا نفرش الحصير؟ نفرش الحصير؛ لأنه يحبس عَنّا القذَر والأوساخ، فلا تصيب ثيابنا. إذن: الحصر معناه المنع والحبس والتضييق.
والمتتبع لمادة(حصر) في القرآن الكريم يجدها بهذه المعاني، يقول تعالى: {فَإِذَا انسلخ الأشهر الحرم فاقتلوا المشركين حَيْثُ وَجَدتُّمُوهُمْ وَخُذُوهُمْ واحصروهم..} [التوبة: 5].
أي: ضَيِّقوا عليهم.
وقال تعالى في فريضة الحج: {فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا استيسر مِنَ الهدي..} [البقرة: 196] أي: حُبِسْتم ومَنعْتم من أداء الفريضة.
إذن: فقوله تعالى: {وَجَعَلْنَا جَهَنَّمَ لِلْكَافِرِينَ حَصِيراً} [الإسراء: 8].
أي: تحبسهم فيها وتحصرهم، وتمنعهم الخروج منها، فهي لهم سجن لا يستطيعون الفرار منه؛ لأنها تحيط بهم من كل ناحية، كما قال تعالى: {إِنَّا أَعْتَدْنَا لِلظَّالِمِينَ نَاراً أَحَاطَ بِهِمْ سُرَادِقُهَا..} [الكهف: 29].
فلا يستطيعون الخروج، فإنْ حاولوا الخروج رُدُّوا إليها، كما قال تعالى: {كُلَّمَآ أرادوا أَن يَخْرُجُواُ مِنْهَآ أُعِيدُواْ فِيهَا..} [السجدة: 20].
وفي قوله تعالى: {وَجَعَلْنَا جَهَنَّمَ لِلْكَافِرِينَ حَصِيراً} [الإسراء: 8].
إشارة إلى أنهم كانوا إذا أجرموا في الدنيا يحتمُون في أنصارهم وأتباعهم من الأقوياء، ويدخلون في حضانة أهل الباطل، أما في الآخرة فلن يجدوا ناصراً أو مدافعاً.
يقول تعالى: {مَا لَكُمْ لاَ تَنَاصَرُونَ بَلْ هُمُ اليوم مُسْتَسْلِمُونَ} [الصافات: 25-26].
وبعد أن تكلّم الحق سبحانه عن الإسراء بالرسول الخاتم الرحمة، وجَعْله آيةً يمكن إقامة الدليل عليها، حيث خرق له الناموس في أمور يعلمها قومه، فإذا جاءت آية المعراج وخرَق له الناموس فيها لا يعلمه القوم كان أَدْعى إلى تصديقه.
ثم أوضح الحق سبحانه أن عبودية محمد صلى الله عليه وسلم لربه هي التي أعطتْه هذه المنزلة، وكذلك كان نوح عليه السلام عبداً شكوراً، فهناك فَرْق بين عبودية الخَلْق للخالق، وعبودية الخَلْق للخَلْق؛ لأن العبودية للخَلْق مذمومة، حيث يأخذ السيد خيْر عبده، أما العبودية لله فالعبد يأخذ خَيْر سيده.
ثم تحدَّث الحق سبحانه عن بني إسرائيل، وما وقعوا فيه من إفساد في الأرض، فأعطانا بذلك نماذج للأعمال لمن أحسن ولمن أساء، وكُلٌّ له عمله دون ظُلْم أو جَوْر.
لذلك ينقلنا السياق القرآني إلى بيان المنهج الإلهي المنزّل من السماء ليوضح عبودية الإنسان لربه، وكيف يكون عبداً مُخْلِصاً لله تعالى، فيقول الحق سبحانه: {إِنَّ هذا القرآن يَِهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ وَيُبَشِّرُ المؤمنين..}.

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://el-quran.ahlamontada.com
Admin
Admin
Admin


المساهمات : 4240
تاريخ التسجيل : 20/01/2018

  تفسير سورة الإسراء صفحة 283 من القرآن الكريم للشيخ الشعراوي	 Empty
مُساهمةموضوع: رد: تفسير سورة الإسراء صفحة 283 من القرآن الكريم للشيخ الشعراوي      تفسير سورة الإسراء صفحة 283 من القرآن الكريم للشيخ الشعراوي	 Emptyالجمعة مارس 02, 2018 5:48 am


.تفسير الآية رقم (9):

{إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ وَيُبَشِّرُ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْرًا كَبِيرًا (9)}
فمَنْ كان يريد الأُسْوة الطيبة في عبودية الرسول لربه، هذه العبودية التي جعلتْه يسري به إلى بيت المقدس، ثم يصعد به إلى السماء، ومَنْ كان يريد أن يكون مثل نوح في عبوديته لربه فأكرم ذريته من أجله، فعليه أنْ يسيرَ على دَرْبهم، وأنْ يقتديَ بهم في عبوديتهم لله تعالى، وليحذر أن يكون مثل اليهود الذين أفسدوا في الأرض مرتين.
والذي يرسم لنا الطريق ويُوضِّح لنا الحق من الباطل هو القرآن الكريم: {إِنَّ هذا القرآن يَِهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ..} [الإسراء: 9].
قول الحق تبارك وتعالى: {إِنَّ هذا القرآن..} [الإسراء: 9].
هل عند نزول هذه الآية كان القرآن كله قد نزل، ليقول: إن هذا القرآن؟
نقول: لم يكن القرآن كله قد نزل، ولكن كل آية في القرآن تُسمّى قرآناً، كما قال تعالى: {فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فاتبع قُرْآنَهُ} [القيامة: 18].
فليس المراد القرآن كله، بل الآية من القرآن قرآن. ثم لما اكتمل نزول القرآن، واكتملتْ كل المسائل التي تضمن لنا استقامة الحياة، قال تعالى: {اليوم أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإسلام دِيناً..} [المائدة: 3].
فإن استشرف مُسْتشرف أنْ يستزيد على كتاب الله، أو يأتي بجديد فليعلم أن منهج الله مُنزَّه عن النقص، وفي غِنىً عن زيادتك، وما عليك إلا أن تبحث في كتاب الله، وسوف تجد فيه ما تصبو إليه من الخير.
قوله: {يَِهْدِي..} [الإسراء: 9].
الهداية هي الطريق الموصِّل للغاية من أقرب وَجْه، وبأقل تكلفة وهي الطريق المستقيم الذي لا التواءَ فيه، وقلنا: إن الحق سبحانه يهدي الجميع ويرسم لهم الطريق، فمن اهتدى زاده هُدى، كما قال سبحانه: {والذين اهتدوا زَادَهُمْ هُدًى وَآتَاهُمْ تَقُوَاهُمْ} [محمد: 17].
ومعنى: {أَقْوَمُ..} [الإسراء: 9].
أي: أكثر استقامة وسلاماً. هذه الصيغة تُسمّى أفعل التفضيل، إذن: فعندنا(أقوم) وعندنا أقل منه منزلة(قَيّم) كأن نقول: عالم وأعلم.
فقوله سبحانه: {إِنَّ هذا القرآن يَِهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ..} [الإسراء: 9].
يدل على وجود(القيّم) في نُظم الناس وقوانينهم الوضعية، فالحق سبحانه لا يحرم البشر من أن يكون لهم قوانين وشرائع حينما تعضُّهم المظالم ويشْقُون بها، فيُقنّنون تقنيات تمنع هذا الظلم.
ولا مانع من ذلك إذا لم ينزل لهم منهج من السماء، فما وضعوه وإنْ كان قَيّماً فما وضعه الله أقوم، وأنت لا تضع القيم إلا بعد أن تُعضَّ بشيء مُعوج غير قيّم، وإلا فماذا يلفتُك للقيم؟
أما منهج السماء فإنه يضع الوقاية، ويمنع المرض من أساسه، فهناك فَرْق بين الوقاية من المرض وبين العلاج للمرض، فأصحاب القوانين الوضعية يُعدّلون نُظمهم لعلاج الأمراض التي يَشْقَون بها.
أما الإسلام فيضع لنا الوقاية، فإن حَدثْت غفلة من المسلمين، وأصابتهم بعض الداءات نتيجة انصرافهم عن منهج ربهم نقول لهم: عودوا إلى المنهج: {إِنَّ هذا القرآن يَِهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ..} [الإسراء: 9].
ولتوضيح أن منهج الحق سبحانه أقوم نرى ما حدث معنا في مدينة (سان فرانسيسكو) فقد سألنا أحدُ المستشرقين عن قول الحق تبارك وتعالى: {يُرِيدُونَ أَن يُطْفِئُواْ نُورَ الله بِأَفْوَاهِهِمْ ويأبى الله إِلاَّ أَن يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الكافرون} [التوبة: 32]

وفي آية أخرى يقول: {هُوَ الذي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بالهدى وَدِينِ الحق لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدين كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ المشركون} [التوبة: 33].
فكيف يقول القرآن: {لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدين كُلِّهِ..} [التوبة: 33].
في حين أن الإسلام محصور، وتظهر عليه الديانات الأخرى؟ فقلتُ له: لو تأملتَ الآية لوجدت فيها الردّ على سؤالك، فالحق سبحانه يقول: {وَلَوْ كَرِهَ الكافرون} [التوبة: 32].
ويقول: {وَلَوْ كَرِهَ المشركون} [التوبة: 33].
إذن: فالكافرون والمشركون موجودون، فالظهور هنا ليس ظهور اتّباع، ولم يقُل القرآن: إن الناس جميعاً سيؤمنون.
ومعنى الظهور هنا ظهور حُجّة وظهور حاجة، ظهور نظم وقوانين، ستضرهم أحداث الحياة ومشاكلها إلى التخلّي عن قوانينهم والأخذ بقوانين الإسلام؛ لأنهم وجدوا فيها ضَالّتهم.
فنظام الطلاق في الإسلام الذي كثيراً ما هاجموه وانتقدوه، ورأوا فيه ما لا يليق بالعلاقة الزوجية، ولكن بمرور الزمن تكشفت لهم حقائق مؤلمة، وشقي الكثيرون منهم لعدم وجود هذا الحل في قوانينهم، وهكذا ألجاتهم مشاكل الحياة الزوجية لأنْ يُقنِّنوا للطلاق.
ومعلوم أن تقنينهم للطلاق ليس حُباً في الإسلام أو اقتناعاً به، بل لأن لديهم مشاكل لا حََّل لها إلا بالطلاق، وهذا هو الظهور المراد في الآيتين الكريمتين، وهو ظهور بشهادتكم أنتم؛ لأنكم ستلجأون في حل قضاياكم لقوانين الإسلام، أو قريباً منها.
ومن هذه القضايا أيضاً قضية تحريم الربا في الإسلام، فعارضوه وأنكروا هذا التحريم، إلى أن جاء (كِنز) وهو زعيم اقتصادي عندهم، يقول لهم: انتبهوا، لأن المال لا يؤدي وظيفته كاملة في الحياة إلا إذا انخفضتْ الفائدة إلى صفر.
سبحان الله، ما أعجب لجَجَ هؤلاء في خصومتهم مع الإسلام، وهل تحريم الربا يعني أكثر من أن تنخفض الفائدة إلى صفر؟ إنهم يعودون لمنهج الله تعالى رَغْماً عنهم، ومع ذلك لا يعترفون به.
ولا يخفي ما في التعامل الربوي من سلبيات، وهل رأينا دولة اقترضت من أخرى، واستطاعت على مَرّ الزمن أنْ تُسدد حتى أقساط الفائدة؟ ثم نراهم يغالطوننا يقولون: ألمانيا واليابان أخذت قروضاً بعد الحروب العالمية الثانية، ومع ذلك تقدمت ونهضت.
نقول لهم: كفاكم خداعاً، فألمانيا واليابان لم تأخذ قروضاً، وإنما أخذت معونة لا فائدة عليها، تسمى معونة(مارشال).
وأيضاً من هذه القضايا التي ألجأتهم إليها مشاكل الحياة قضية ميراث المرأة، فلما عَضَّتهم قَنَّنُوا لها.
فظهور دين الله هنا يعني ظهورَ نُظم وقوانين ستضطرهم ظروف الحياة إلى الأخذ بها، وليس المقصود به ظهور اتّباع.
إذن: فمنهج الله أقوم، وقانون الحق سبحانه أعظم من قوانين البشر وأَهْدى، وفي القرآن الكريم ما يُوضّح أن حكم الله وقانونه أقوم حتى من حكم رسوله صلى الله عليه وسلم.
وهذا في قصة مولاه (زيد بن حارثة)، وزيد لم يكن عبداً إلى أن خطفه بعض تجار الرقيق وباعوه، وانتهى به المطاف إلى السيدة خديجة رضي الله عنها التي وهبتْه بدورها لخدمة رسول الله صلى الله عليه وسلم.
فكان زيد في خدمة رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أن علم أهله بوجوده في مكة فأتوا ليأخذوه، فما كان من رسول الله صلى الله عليه وسلم، إلا أن خَيَّره بين البقاء معه وبين الذهاب إلى أهله، فاختار زيد البقاء في خدمة رسول الله وآثره على أهله. فقال صلى الله عليه وسلم: «فما كنت لأختار على مَنِ اختارني شيئاً».
وفي هذه القصة دليل على أن الرقَّ كان مباحاً في هذا العصر، وكان الرقّ حضانةَ حنانٍ ورحمة، يعيش فيها العبد كما يعيش سيده، يأكل من طعامه، ويشرب من شرابه، يكسوه إذا اكتسى، ولا يُكلّفه ما لا يطيق، وإنْ كلّفه أعانه، فكانت يده بيده.
وهكذا كانت العلاقة بين محمد صلى الله عليه وسلم وبين زيد؛ لذلك آثره على أهله، وأحب البقاء في خدمته، فرأى رسول الله أن يُكافئ زيداً على إخلاصه له وتفضيله له على أهله، فقال: (لا تقولوا زيد بن حارثة، قولوا زيد بن محمد).
وكان التبني شائعاً في ذلك الوقت. فلما أراد الحق سبحانه أنْ يُحرِّم التبني، وأنْ يُحرِّم نسبة الولد إلى غير أبيه بدأ برسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: {ادعوهم لآبَآئِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِندَ الله فَإِن لَّمْ تعلموا آبَاءَهُمْ فَإِخوَانُكُمْ فِي الدين وَمَوَالِيكُمْ} [الأحزاب: 5].
والشاهد هنا: {هُوَ أَقْسَطُ عِندَ الله} [الأحزاب: 5].
فكأن الحكم الذي أنهى التبني، وأعاد زيداً إلى زيد بن حارثة هو الأقسط والأعدل، إذن: حكم الرسول صلى الله عليه وسلم لم يكن جَوْراً، بل كان قِسْطاً وعدلاً، لكنه قسط بشري يَفْضُله ما كان من عند الحق سبحانه وتعالى.
وهكذا عاد زيد إلى نسبة الأصلي، وأصبح الناس يقولون (زيد ابن حارثة)، فحزن لذلك زيد، لأنه حُرِم من شرف الانتساب لرسول الله صلى الله عليه وسلم فعوَّضه الله تعالى عن ذلك وساماً لم يَنَلْه صحابي غيره، هذا الوسام هو أن ذُكِر اسمه في القرآن الكريم، وجعل الناس يتلونه، ويتعبدون به في قوله تعالى: {فَلَمَّا قضى زَيْدٌ مِّنْهَا وَطَراً زَوَّجْنَاكَهَا..} [الأحزاب: 37].
إذن: عمل الرسول قسط، وعمل الله أقسط.
قوله تعالى: {يَِهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ..} [الإسراء: 9].
لأن المتتبع للمنهج القرآني يجده يُقدّم لنا الأقوم والأعدل والأوسط في كل شيء.
في العقائد، وفي الأحكام، وفي القصص.
ففي العقائد مثلاً، جاء الإسلام ليجابه مجتمعاً متناقضاً بين مَنْ ينكر وجود إله في الكون، وبين مَنْ يقول بتعدُّد الآلهة، فجاء الإسلام وَسَطاً بين الطرفين، جاء بالأقوم في هذه المسألة، جاء ليقول بإله واحد لا شريك له.
فإذا ما تحدّث عن صفات هذا الإله سبحانه اختار أيضاً ما هو أقوم وأوسط، فللحق سبحانه صفات تشبه صفات البشر، فَلَه يَدٌ وسمع وبصر، لكن ليست يده كيدنا، وليس سمعه كسمعنا، وليس بصره كبصرنا: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السميع البصير..} [الشورى: 11].
وبهذا المنهج الحكيم خرجنا مما وقع فيه المشبِّهة الذين شبّهوا صفات الله بصفات البشر، وخرجنا مما وقع فيه المعطّلة الذين أنكروا أن يكون لله تعالى هذه الصفات وأوّلوها على غير حقيقتها.
وكذلك في الخلق الاجتماعي العام، يلفتنا المنهج القرآني في قوله تعالى: {وَكَأَيِّن مِّن آيَةٍ فِي السماوات والأرض يَمُرُّونَ عَلَيْهَا وَهُمْ عَنْهَا مُعْرِضُونَ} [يوسف: 105] يلفتنا إلى ما في الكون من عجائب نغفل عنها، ونُعرِض عن تدبُّرها والانتفاع بها، ولو نظرنا إلى هذه الآيات بعين المتأمل لوجدنا فيها منافع شتى منها: أنها تُذّكرنا بعظمة الخالق سبحانه، ثم هي بعد ذلك ستفتح لنا الباب الذي يُثري حياتنا، ويُوفّر لنا ترف الحياة ومتعتها.
فالحق سبحانه أعطانا مُقوّمات الحياة، وضمن لنا برحمته ضروريات البقاء، فمَنْ أراد الكماليات فعليه أنْ يُعمِل عقله فيما أعطاه الله ليصل إلى ما يريد.
والأمثلة كثيرة على مشاهدات متأملة في ظواهر الكون، اهتدى بها أصحاب إلى اكتشافات واختراعات خدمت البشرية، وسَهَّلَتْ عليها كثيراً من المعاناة.
فالذي اخترع العجلة في نقل الأثقال بنى فكرتها على ثِقل وجده يتحرك بسهولة إذا وُضع تحته شيء قابل للدوران، فتوصل إلى استخدام العجلات التي مكَّنَتْهُ من نقل أضعاف ما كان يحمله.
والذي أدخل العالم عصر البخار استنبط فكرة البخار، وأنه يمكن أن يكون قوةً مُحرِّكة عندما شاهد القِدْر وهو يغلي، ولاحظ أن غطاءه يرتفع إلى أعلى، فاهتدى إلى استخدام البخار في تسيير القطارات والعربات.
والعالِم الذي اكتشف دواء (البنسلين) اهتدى إليه عندما شاهد طبقة خضراء نسميها (الريم) تتكون في أماكن استخدام الماء، وكان يشتكي عينه، فعندما وصلت هذه المادة إلى عينه ربما مصادفة، لاحظ أن عينه قد برئت، فبحث في هذه المسألة حتى توصّل إلى هذا الدواء.
إلى غير ذلك من الآيات والعجائب في كون الله، التي يغفل عنها الخَلْق، ويمرُّون عليها وهم معرضون.
أما هؤلاء العلماء الذين أثروا حياة البشرية بنظرتهم الثاقبة، فقد استخدموا عقولهم في المادة التي خلقها الله، ولم يأتوا بشيء من عند أنفسهم؛ لأن الحق سبحانه حينما استخلف الإنسان في الأرض أعدَّ له كُلَّ متطلبات حياته، وضمن له في الكون جنوداً إن أعمل عقله وطاقته يستطيع أن يستفيد منها، وبعد ذلك طلب منه أن يعمر الأرض: {هُوَ أَنشَأَكُمْ مِّنَ الأرض واستعمركم فِيهَا} [هود: 61].
والاستعمار أنْ تجعلها عامرة، وهذا الإعمار يحتاج إلى مجهود، وإلى مواهب متعددة تتكاتف، فلا تستقيم الأمور إنْ كان هذا يبني وهذا يهدم، إذن: لابد أنْ تُنظم حركة الحياة تنظيماً يجعل المواهب في الكون تتساند ولا تتعاند، وتتعاضد ولا تتعارض.
ولا يضمن لنا هذا التنظيم إلا منهج من السماء ينزل بالتي هي أقوم، وأحكم، وأعدل، كما قال تعالى في آية أخرى: {الله الذي أَنزَلَ الكتاب بالحق والميزان} [الشورى: 17].
وإنْ كان الحق سبحانه وتعالى قد دعانا إلى النظر في ظواهر الكون، والتدبُّر في آيات الله في كونه، والبحث فيها لنصل إلى أسرار ما غُيّب عنا، فإنه سبحانه نهانا أن نفعل هذا مع بعضنا البعض، فقد حرَّم علينا التجسُّس وتتبُّع العورات، والبحث في أسرار الآخرين وغَيْبهم.
وفي هذا الأدب الإلهي رحمة بالخلق جميعاً؛ لأن الله تعالى يريد أن يُثري حياة الناس في الكون، وهَبْ أن إنساناً له حسنات كثيرة، وعنده مواهب متعددة، ولكن له سيئة واحدة لا يستطيع التخلّي عنها، فلو تتبعتَ هذه السيئة الواحد فربما أزهدتْك في كل حسناته، حرمتْك الانتفاع به، والاستفادة من مواهبه، أما لو تغاضيت عن هذه السيئة فيه لأمكنك الانتفاع به.
وهَبْ أن صانعاً بارعاً في صنعته وقد احتجْتَه ليؤديَ لك عملاً، فإذا عرفت عنه ارتكاب معصية ما، أو اشتهر عنه سيئة ما لأزهدك هذا في صَنْعته ومهارته، ولرغبت عنه إلى غيره، وإنْ كان أقلّ منه مهارة.
وهذا قانون عام للحق سبحانه وتعالى، فالذي نهاك عن تتبُّع غيب الناس، والبحث عن أسرارهم نهاهم أيضاً عن تتبُّع غَيْبك والبحث عن أسرارك؛ ولذلك ما أنعم الله على عبيده نعمة أعظمَ من حِفْظ الغيب عنده هو؛ لأنه ربّ، أما البشر فليس فيهم ربوبية، أمر البشر قائم على العبودية، فإذا انكشف لأحدهم غَيْبُ أخيه أو عيبٌ من عيوبه أذاعه وفضحه به.
إذن: فالحق تبارك وتعالى يدعونا إلى أن نكون طُلَعة في استنباط أسرار الكون والبحث عن غيبه، وفي الوقت نفسه ينهانا أن نكون طُلَعة في تتبّع أسرار الناس والبحث عن غيبهم؛ لأنك إنْ تتبعتَ غيب الناس والتمسْتَ عيوبهم حرمْتَ نفسك من مصادر يمكن أنْ تنتفع بها.
فالحق سبحانه يريد في الكون حركة متبادلة، وهذه الحركة المتبادلة لا تنشأ إلا بوجود نوع من التنافس الشريف البنّاء، التنافس الذي يُثري الحياة، ولا يثير شراسة الاحتكاك، كما قال تعالى: {وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ المتنافسون..} [المطففين: 26].
كما يتنافس طالب العلم مع زميله المجدّ ليكون مِثْله أو أفضل منه، وكأن الحق سبحانه يعطينا حافزاً للعمل والرُّقي، فالتنافس المقصود ليس تنافس الغِلِّ والحقد والكراهية، بل تنافس مَنْ يحب للناس ما يحب لنفسه، تنافس مَنْ لا يشمت لفشل الآخرين.
وقد يجد الإنسان هذا الحافز للمنافسة حتى في عدوه، ونحن نرى الكثير منا يغضب وتُثَار حفيظته إنْ كان له عدو، ويراه مصدر شرٍّ وأذى، ويتوقع منه المكروه باستمرار.
وهو مع ذلك لو استغل حكمة الله في إيجاد هذا العدو لا تنفع به انتفاعاً لا يجده في الصديق، لأن صديقك قد يُنافقك أو يُداهنك أو يخدعك.
أما عدوك فهو لك بالمرصاد، يتتبع سقطاتك، ويبحث عن عيوبك، وينتظر منك كَبْوة ليذيعها ويُسمّع بك، فيحملك هذا من عدوك على الاستقامة والبعد عما يشين.
ومن ناحية أخرى تخاف أن يسبقك إلى الخير، فتجتهد أنت في الخير حتى لا يسبقك إليه.
وما أجمل ما قاله الشاعر في هذا المعنى:
عِدَايَ لَهُمْ فَضْلٌ عليَّ ومِنَّةٌ ** فَلاَ أبعَدَ الرحْمَنُ عَنّي الأعَادِياَ

هُمُو بحثُوا عَنْ زَلّتي فَاجْتنبْتُها ** وهُمْ نَافَسُوني فاكْتَسبْتُ المعَالِيا

وهكذا نجد لكل شيء في منهج الله فائدة، حتى في الأعداء، ونجد في هذا التنافس المثمر الذي يُثري حركة الحياة دليلاً على أن منهج السماء هو الأقوم والأنسب لتنظيم حركة الحياة.
أيضاً لكي يعيش المجتمع آمناً سالماً لابد له من قانون يحفظ توازنه، قانون يحمي الضعيف من بطش القوي، فجاء منهج الله تعالى لِيُقنّن لكل جريمة عقوبتها، ويضمن لصاحب الحق حَقّه، وبعد ذلك ترك الباب مفتوحاً للعفو والتسامح بين الناس.
ثم حذَّر القوي أنْ تُطغيه قوته، وتدعوه إلى ظلم الضعيف، وذكّره أن قوته ليست ذاتية فيه، بل هي عَرَضٌ سوف يزول وسوف تتبدل قوته في يوم ما إلى ضَعْف يحتاج معه إلى العون والمساعدة والحماية.
وكأن الحق تبارك وتعالى يقول لنا: أنا أحمي الضعيف من قوتك الآن، لأحمي ضعفك من قوة غيرك غداً.
أليس في هذا كله ما هو أقوم؟
ونقف على جانب آخر من جوانب هذه القوامة لمنهج الله في مجال الإنفاق، وتصرُّف المرء في ماله، والمتأمل في هذا المنهج الأقوم يجده يختار لنا طريقاً وسطاً قاصداً لا تبذيرَ فيه ولا تقتير.
ولاشك أن الإنسان بطبعه يُحب أن يُثري حياته، وأن يرتقي بها، ويتمتع بترفها، ولا يُتاح له ذلك إنْ كان مُبذّراً لا يُبقي من دخله على شيء، بل لابد له من الاعتدال في الإنفاق حتى يجد في جعبته ما يمكنه أن يُثري حياته ويرتقي بها ويُوفّر لأسرته كماليات الحياة، فضلاً عن ضرورياتها.
جاء هذا المنهج الأقوم في قول الحق تبارك وتعالى: {والذين إِذَآ أَنفَقُواْ لَمْ يُسْرِفُواْ وَلَمْ يَقْتُرُواْ وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَاماً} [الفرقان: 67].
وفي قوله تعالى: {وَلاَ تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إلى عُنُقِكَ وَلاَ تَبْسُطْهَا كُلَّ البسط فَتَقْعُدَ مَلُوماً مَّحْسُوراً} [الإسراء: 29].
فللإنسان في حياته طموحات تتتابع ولا تنتهي، خاصة في عصر كثُرت فيه المغريات، فإنْ وصل إلى هدف تطلع لما هو أكبر منه، فعليه إذن ألاّ يُبدّد كل طاقته، وينفق جميع دَخْله.
وكما نهى الإسلام عن التبذير نهى أيضاً عن البُخْل والإمساك؛ لأن البُخْل مذموم، والبخيل مكروه من أهله وأولاده، كما أن البُخْل سبب من أسباب الركود والبطالة والكساد التي تصيب المجتمع، فالممسك لا يتعامل مع المجتمع في حركة البيع والشراء، فيسهم ببُخْله في تفاقم هذه المشاكل، ويكون عنصراً خاملاً يَشْقى به مجتمعه.
إذنْ: فالتبذير والإمساك كلاهما طرف مذموم، والخير في أوسط الأمور، وهذا هو الأقوم الذي ارتضاته لنا المنهج الإلهي.
وكذلك في مجال المأكل والمشرب، يرسم لنا الطريق المعتدل الذي يحفظ للمرء سلامته وصحته، ويحميه من أمراض الطعام والتُّخْمة، قال تعالى: {وكُلُواْ واشربوا وَلاَ تسرفوا إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ المسرفين} [الأعراف: 31].
فقد علَّمنا الإسلام أن الإنسان إذا أكل وشرب على قَدْر طاقة الوقود الذي يحتاجه جسمه لا يشتكي ما يشتكيه أصحاب الإسراف في المأكل والمشرب.
والمتأمل في حال هؤلاء الذين يأكلون كلّ مَا لَذَّل وطاب، ولا يَحْرمون أنفسهم مما تشتهيه، حتى وإن كان ضاراً، نرى هؤلاء عند كِبَرهم وتقدُّم السِّنِّ بهم يُحْرمون بأمر الطبيب من تناول هذه الملذّات، فترى في بيوت الأعيان الخادم يأكل أطيب الطعام ويتمتع بخير سيده، في حين يأكل سيده أنواعاً محددة لا يتجاوزها، ونقول له: لأنك أكلتها وأسرفتَ فيها في بداية الأمر، فلابد أنْ تُحرَم منها الآن.
وصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم حين قال: (كُلُوا واشربوا وتصدقوا، والبسوا في غير إسراف ولا مخيلة).
وأيضاً من أسباب السلامة التي رسمها لنا المنهج القرآني، ألاَّ يأكل الإنسان إلا على جوع، فالطعام على الطعام يرهق المعدة، ويجرُّ على صاحبه العطب والأمراض، ونلاحظ أن الإنسان يجد لذة الطعام وحلاوته إذا أكل بعد جوع، فمع الجوع يستطيب كل شيء ولو كان الخبز الجاف.
وهكذا نجد المنهج الإلهي يرسم لنا الطريق الأقوم الذي يضمن لنا سلامة الحياة واستقامتها، فلو تدبرْتَ هذا المنهج لوجدته في أيِّ جانب من جوانب الحياة هو الأقوم والأنسب.
في العقائد، في العبادات، في الأخلاق الاجتماعية العامة، في العادات والمعاملات، إنه منهج ينتظم الحياة كلها، كما قال الحق سبحانه: {مَّا فَرَّطْنَا فِي الكتاب مِن شَيْءٍ} [الأنعام: 38].
هذا المنهج الإلهي هو أَقْوم المناهج وأصلحها؛ لأنه منهج الخالق سبحانه الذي يعلم مَنْ خلق، ويعلم مَا يصلحهم، كما قلنا سابقاً: إن الصانع من البشر يعلم صَنْعته، ويضع لها من تعليمات التشغيل والصيانة ما يضمن لها سلامة الأداء وأمن الاستعمال.
فإذا ما استعملْتَ الآلة حَسبْ قانون صانعها أدَّتْ مهمتها بدقة، وسلَمتْ من الأعطال، فالذي خلق الإنسان أعلم بقانون صيانته، فيقول له: افعل كذا ولا تفعل كذا: {أَلاَ يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللطيف الخبير} [الملك: 14].
فآفة الناس في الدنيا أنهم وهم صَنْعة الحق سبحانه يتركون قانونه، ويأخذون قانون صيانتهم من أمثالهم، وهي قوانين وضعية قاصرة لا تسمو بحال من الأحوال إلى قانون الحق سبحانه، بل لا وَجْهَ للمقارنة بينهما. إذن: لا تستقيم الحياة إلا بمنهج الله عز وجل.
ثم يقول تعالى: {وَيُبَشِّرُ المؤمنين الذين يَعْمَلُونَ الصالحات أَنَّ لَهُمْ أَجْراً كَبِيراً} [الإسراء: 9].
فالمنفذ لهذا المنهج الإلهي يتمتع باستقامة الحياة وسلامتها، وينعم بالأمن الإيماني، وهذه نعمة في الدنيا، وإن كانت وحدها لكانت كافية، لكن الحق سبحانه وتعالى يُبشِّرنا بما هو أعظم منها، وبما ينتظرنا من نعيم الآخرة وجزائها، فجمع لنا ربنا تبارك وتعالى نَعيمَيْ الدنيا والآخرة.
نعيم الدنيا لأنك سِرْتَ فيها على منهج معتدل ونظام دقيق، يضمن لك فيها الاستقامة والسلام والتعايش الآمن مع الخَلْق.
ومن ذلك قول الحق سبحانه: {فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُم مِّنِّي هُدًى فَمَن تَبِعَ هُدَايَ فَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ} [البقرة: 38].
وقوله تعالى في آية أخرى: {فَمَنِ اتبع هُدَايَ فَلاَ يَضِلُّ وَلاَ يشقى} [طه: 123].
ويقول تعالى: {مَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِّن ذَكَرٍ أَوْ أنثى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ} [النحل: 97].
وفي الجانب المقابل يقول الحق سبحانه: {وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكاً وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ القيامة أعمى قَالَ رَبِّ لِمَ حشرتني أعمى وَقَدْ كُنتُ بَصِيراً قَالَ كذلك أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وكذلك اليوم تنسى} [طه: 124-126].
فكما أن الحق تبارك وتعالى جمع لعباده الصالحين السائرين على منهجه خيري الدنيا والآخرة، ففي المقابل جمع لأعدائه المعرضين عن منهجه عذاب الدنيا وعذاب الآخرة، لا ظُلْماً منه، فهو سبحانه مُنَزَّه عن الظلم والجَوْر، بل عَدْلاً وقِسطاً بما نَسُوا آيات الله وانصرفوا عنها.
ومعنى: {يَعْمَلُونَ الصالحات} [الإسراء: 9].
وعمل الصالحات يكون بأن تزيد الصالح صلاحاً، أو على الأقل تبقي الصالح على صلاحه، ولا تتدخل فيه بما يُفسده.
وقوله: {أَنَّ لَهُمْ أَجْراً كَبِيراً} [الإسراء: 9].
نلاحظ هنا أن الحق سبحانه وصف الأجر بأنه كبير، ولم يَأْتِ بصيغة أفعل التفضيل منها(أكبر)، فنقول: لأن كبير هنا أبلغ من أكبر، فكبير مقابلها صغير، فَوَصْف الأجر بأنه كبير يدل على أن غيره أصغر منه، وفي هذا دلالة على عِظَم الأجر من الله تعالى.
أما لو قال: أكبر فغيره كبير، إذن: فاختيار القرآن أبلغ وأحكم.
كما قلنا سابقاً: إن من أسماء الحق تبارك وتعالى(الكبير)، وليس من أسمائه أكبر، إنما هي وصف له سبحانه. ذلك لأن(الكبير) كل ما عداه صغير، أما(أكبر) فيقابلها كبير.
ومن هنا كان نداء الصلاة(الله أكبر) معناه أن الصلاة وفَرْض الله علينا أكبر من أي عمل دنيويّ، وهذا يعني أن من أعمال الدنيا ما هو كبير، كبير من حيث هو مُعين على الآخرة.
فعبادة الله تحتاج إلى طعام وشراب وإلى مَلْبس، والمتأمل في هذه القضية يجد أن حركة الحياة كلها تخدم عمل الآخرة، ومن هنا كان عمل الدنيا كبيراً، لكن فَرْض الله أكبر من كل كبير.
ولأهمية العمل الدنيوي في حياة المسلم يقول تعالى عن صلاة الجمعة: {ياأيها الذين آمنوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلاَةِ مِن يَوْمِ الجمعة فاسعوا إلى ذِكْرِ الله وَذَرُواْ البيع ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ فَإِذَا قُضِيَتِ الصلاة فانتشروا فِي الأرض وابتغوا مِن فَضْلِ الله واذكروا الله كَثِيراً لَّعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} [الجمعة: 9-10].
والمتأمل في هذه الآيات يجد الحق تبارك وتعالى أمرنا قبل الجمعة أن نترك البيع، واختار البيع دون غيره من الأعمال؛ لأنه الصفقة السريعة الربح، وهي أيضاً الصورة النهائية لمعظم الأعمال، كما أن البائع يحب دائماً البيع، ويحرص عليه، بخلاف المشتري الذي ربما يشتري وهو كاره، فتجده غير حريص على الشراء؛ لأنه إذا لم يشْتَرِ اليوم سيشتري غداً.
إذن: فالحق سبحانه حينما يأمرنا بترك البيع، فتَرْك غيره من الأعمال أَوْلَى.
فإن ما قُضِيَت الصلاة أمرنا بالعودة إلى العمل والسعي في مناكب الأرض، فأخرجنا للقائه سبحانه في بيته من عمل، وأمرنا بعد الصلاة بالعمل.
إذن: فالعمل وحركة الحياة(كبير)، ولكن نداء ربك(أكبر) من حركة الحياة؛ لأن نداء ربك هو الذي سيمنحك القوة والطاقة، ويعطيك الشحنة الإيمانية، فتُقبِل على عملك بهِمّة وإخلاص.
ثم يقول الحق سبحانه: {وأَنَّ الذين لاَ يُؤْمِنُونَ بالآخرة أَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَاباً أَلِيماً}.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://el-quran.ahlamontada.com
Admin
Admin
Admin


المساهمات : 4240
تاريخ التسجيل : 20/01/2018

  تفسير سورة الإسراء صفحة 283 من القرآن الكريم للشيخ الشعراوي	 Empty
مُساهمةموضوع: رد: تفسير سورة الإسراء صفحة 283 من القرآن الكريم للشيخ الشعراوي      تفسير سورة الإسراء صفحة 283 من القرآن الكريم للشيخ الشعراوي	 Emptyالجمعة مارس 02, 2018 5:48 am



.تفسير الآية رقم (10):

{وَأَنَّ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ أَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا (10)}
وهذه الآية امتداد للآية السابقة، ومعطوفة عليها؛ لأن الله تعالى ذكر فعلاً واحداً: {وَيُبَشِّرُ المؤمنين..} [الإسراء: 9].
ثم عطف عليه: {وأَنَّ الذين لاَ يُؤْمِنُونَ بالآخرة..} [الإسراء: 10].
إذن: فالآية داخلة في البشارة السابقة، ولكن كيف ذلك، والبشارة السابقة تُبشّر المؤمنين بأن لهم أجراً كبيراً، والبشارة إخبار بخيْر يأتي في المستقبل، فكيف تكون البشارة بالعذاب؟
قالوا: نعم، هذه بشارة على سبيل التهكُّم والاستهزاء بهم، كما قال تعالى في آية أخرى: {فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ} [التوبة: 34].
وكما قال الحق سبحانه متهكماً: {ذُقْ إِنَّكَ أَنتَ العزيز الكريم} [الدخان: 49].
وكما تقول للولد الذي أهمل فأخفق في الامتحان: مبروك عليك الفشل، أو تقول: بشِّر فلاناً بالرسوب.
وقد تكون البشارة للمؤمن بالجنة، وللكافر بالعذاب، كلاهما بشارة للمؤمن، فبشارة المؤمن بالجنة تسرُّه وتُسعده، وتجعله يستشرف ما ينتظره من نعيم الله في الآخرة.
وبشارة الكافر بالعذاب تسُرُّ المؤمن؛ لأنه لم يقع في مصيدة الكفر، وتزجر مَنْ لم يقع فيه وتُخيفه، وهذا رحمة به وإحسان إليه.
وهذا المعنى واضح في قول الحق سبحانه في سورة الرحمن: {رَبُّ المشرقين وَرَبُّ المغربين فَبِأَيِّ آلاء رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ مَرَجَ البحرين يَلْتَقِيَانِ بَيْنَهُمَا بَرْزَخٌ لاَّ يَبْغِيَانِ فَبِأَيِّ آلاء رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ يَخْرُجُ مِنْهُمَا اللُّؤْلُؤُ وَالمَرْجَانُ فَبِأَيِّ آلاَءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ وَلَهُ الجوار المنشئات فِي البحر كالأعلام فَبِأَيِّ آلاء رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ} [الرحمن: 17-25].
فهذه كلها نِعَم من نعَم الله تعالى علينا، فناسب أن تُذيَّل بقوله تعالى: {فَبِأَيِّ آلاء رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ} [الرحمن: 18].
أما قوله تعالى: {يُرْسَلُ عَلَيْكُمَا شُوَاظٌ مِّن نَّارٍ وَنُحَاسٌ فَلاَ تَنتَصِرَانِ فَبِأَيِّ آلاء رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ} [الرحمن: 35-36].
فأيُّ نعمة في أنْ يُرسل الله عليهما شواظ من نار ونحاس فلا ينتصران؟
نعم، المتأمل في هذه الآية يجد فيها نعمة من أعظم نِعَم الله، ألا وهي زَجْر العاصي عن المعصية، ومسرّة للطائع.
ثم يقول الحق سبحانه عن طبيعة الإنسان البشرية: {وَيَدْعُ الإنسان بالشر دُعَآءَهُ بالخير وَكَانَ الإنسان عَجُولاً}.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://el-quran.ahlamontada.com
Admin
Admin
Admin


المساهمات : 4240
تاريخ التسجيل : 20/01/2018

  تفسير سورة الإسراء صفحة 283 من القرآن الكريم للشيخ الشعراوي	 Empty
مُساهمةموضوع: رد: تفسير سورة الإسراء صفحة 283 من القرآن الكريم للشيخ الشعراوي      تفسير سورة الإسراء صفحة 283 من القرآن الكريم للشيخ الشعراوي	 Emptyالجمعة مارس 02, 2018 5:49 am


.تفسير الآية رقم (11):

{وَيَدْعُ الْإِنْسَانُ بِالشَّرِّ دُعَاءَهُ بِالْخَيْرِ وَكَانَ الْإِنْسَانُ عَجُولًا (11)}
(يَدْعُ) الدعاء: طلَب ما تعجز عنه من قادر عليه.
وأهل النحو يقولون. إن الفعل: ماضٍ ومضارع وأمر. فالأمر: طَلَبٌ من الأعلى إلى الأدنى، فكلّ طلب من الله لخلْقه فهو أمر، أو من الأعلى من البشر للأدنى. أما إنْ كان الطلب من مُسَاوٍ لك فهو التماس أو رجاء. فإنْ كان الطلب من الأدنى للأعلى، كطلب العبد من ربه فهو دعاء.
لذلك نجد التدقيق في الإعراب يحفظ لله تعالى مكانته ويُعظّمه، فنقول للطالب: أعرب: رب اغفر لي، فيقول: اغفر، فِعْل دالّ على الدعاء، لأنه لا يجوز في حَقِّ الموْلَى تبارك وتعالى أن نقول: فعل أمر، فالله لا يأمره أحد.
فأوَّل ما يُفهم من الدعاء أنه دَلَّ على صفة العجز والضعف في العبد، وأنه قد اندكتْ فيه ثورة الغرور، فعَلِم أنه لا يقدر على هذا إلا الله فتوجه إليه بالدعاء.
(بِالشَّرِّ) بالمكروه، والإنسان لا يدعو على نفسه، أو على ولده، أو على ماله بالشر إلا في حالة الحنَق والغضب وضيق الأخلاق، الذي يُخرِج الإنسان عن طبيعته، ويُفقِده التمييز، فيتسرّع في الدعاء بالشر، ويتمنى أن يُنّفذ الله له مَا دعا به.
ومن رحمة الله تعالى بعباده ألاَّ يستجيب لهم هذا الدعاء الذي إنْ دلَّ فإنما يدل على حُمْق وغباء من العبد.
وكثيراً ما نسمع أماً تدعو على ولدها بما لو استجاب الله له لكانت قاصمة الظهر لها، أو نسمع أباً يدعو على ولده أو على ماله، إذن: فمن رحمة الله بنا أنْ يفوت لنا هذا الحمق، ولا يُنفّذ لنا ما تعجّلناه من دُعاءٍ بالشر. قال تعالى: {وَلَوْ يُعَجِّلُ الله لِلنَّاسِ الشر استعجالهم بالخير لَقُضِيَ إِلَيْهِمْ أَجَلُهُمْ} [يونس: 11].
أي: لو استجاب الله لهم في دعائهم بالشر لكانت نهايتهم.
وإن كنت تُُسَرّ وتسعد بأن ربك سبحانه وتعالى فوّتَ لك دعوة بالشر فلم يَسْتجب لها، وأن لعدم استجابته سبحانه حكمةً بالغةً.
فاعلم أن لله حكمة أيضاً حينما لا يستجيب لك في دعوة الخير، فلا تقُلْ: دعوتُ فلم يستجِبْ لي، واعلم أن لله حكمة في أن يمنعك خيراً تُريده، ولعله لو أعطاك هذا الخير لكان وبالاً عليك.
إذن: عليك أن تقيسَ الأمريْن بمقياس واحد، وترضى بأمر الله في دعائك بالخير، كما رضيت بأمره حين صرف عنك دعاء الشر، ولم يستجب لك فيه. فكما أن له سبحانه حكمة في الأولى، فلَه حكمة في الثانية.
وقد دعا الكفار على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم على أنفسهم، فقالوا: {اللهم إِن كَانَ هذا هُوَ الحق مِنْ عِندِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنَا حِجَارَةً مِّنَ السمآء..} [الأنفال: 32].
وقالوا: {أَوْ تُسْقِطَ السمآء كَمَا زَعَمْتَ عَلَيْنَا كِسَفاً..} [الإسراء: 92].
ولو استجاب الله لهم هذا الدعاء لَقَضى عليهم، وقطع دابرهم، لكن لله تعالى حكمة في تفويت هذا الدعاء لهؤلاء الحَمْقى، وها هم الكفار باقون حتى اليوم، وإلى أن تقوم الساعة.
وكان المنتظر منهم أن يقولوا: اللهم إنْ كان هذا هو الحقّ من عندك فاهْدنا إليه، لكن المسألة عندهم ليست مسألة كفر وإيمان، بل مسألة كراهية لمحمد صلى الله عليه وسلم، ولما جاء به، بدليل أنهم قَبلوا الموت في سبيل الكفر وعدم الإيمان برسالة محمد صلى الله عليه وسلم.
ومن طبيعة الإنسان العجلة والتسرُّع، كما قال تعالى: {خُلِقَ الإنسان مِنْ عَجَلٍ سَأُوْرِيكُمْ ءاياتي فَلاَ تَسْتَعْجِلُونِ} [الأنبياء: 37].
فكثيراً ما يدعو الإنسان بالخير لنفسه أو بما يراه خيراً، فلا يجد وراءه إلا الشر والتعب والشقاء، وفي المقابل قد يُنزل الله بك ما تظنه شراً، ويسوق الله الخير من خلاله.
إذن: أنت لا تعلم وَجْه الخير على حقيقته، فدع الأمر لربك عز وجل، واجعل حظك من دعائك لا أنْ تُجابَ إلى ما دعوت، ولكن أن تظهر ضراعة عبوديتك لِعزّة ربك سبحانه وتعالى.
ومعنى: {دُعَآءَهُ بالخير..} [الإسراء: 11].
أي: أن الإنسان يدعو بالشر في إلحاح، وكأنه يدعو بخير.
ثم يقول الحق سبحانه: {وَجَعَلْنَا الليل والنهار آيَتَيْنِ فَمَحَوْنَآ آيَةَ الليل وَجَعَلْنَآ آيَةَ النهار مُبْصِرَةً...}.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://el-quran.ahlamontada.com
Admin
Admin
Admin


المساهمات : 4240
تاريخ التسجيل : 20/01/2018

  تفسير سورة الإسراء صفحة 283 من القرآن الكريم للشيخ الشعراوي	 Empty
مُساهمةموضوع: رد: تفسير سورة الإسراء صفحة 283 من القرآن الكريم للشيخ الشعراوي      تفسير سورة الإسراء صفحة 283 من القرآن الكريم للشيخ الشعراوي	 Emptyالجمعة مارس 02, 2018 5:49 am


.تفسير الآية رقم (12):

{وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ آيَتَيْنِ فَمَحَوْنَا آيَةَ اللَّيْلِ وَجَعَلْنَا آيَةَ النَّهَارِ مُبْصِرَةً لِتَبْتَغُوا فَضْلًا مِنْ رَبِّكُمْ وَلِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسَابَ وَكُلَّ شَيْءٍ فَصَّلْنَاهُ تَفْصِيلًا (12)}
الحق سبحانه وتعالى جعل الزمن ليلاً ونهاراً ظرفاً للأحداث، وجعل لكل منهما مهمة لا تتأتّى مع الآخر، فهما متقابلان لا متضادان، فليس الليل ضد النهار أو النهار ضد الليل؛ لأن لكل منهما مهمة، والتقابل يجعلهما متكاملين.
ولذلك أراد الله تعالى أن يُنظِّر بالليل والنهار في جنس الإنسان من الذكورة والأنوثة، فهما أيضاً متكاملان لا متضادان، حتى لا تقوم عداوة بين ذكورة وأنوثة، كما نرى البعض من الجنسين يتعصَّب لجنسه تعصبُّاً أعمى خالياً من فَهْم طبيعة العلاقة بين الذكر والأنثى.
فالليل والنهار كجنس واحد لهما مهمة، أما من حيث النوع فلكل منهما مهمة خاصة به، وإياك أن تخلط بين هذه وهذه.
وتأمل قول الحق سبحانه: {والليل إِذَا يغشى والنهار إِذَا تجلى وَمَا خَلَقَ الذكر والأنثى إِنَّ سَعْيَكُمْ لشتى} [الليل: 1-4].
فلا تجعل الليل ضِداً للنهار، ولا النهار ضداً لليل، وكذلك لا تجعل الذكورة ضِداً للأنوثة، ولا الأنوثة ضداً للذكورة.
قوله تعالى: {وَجَعَلْنَا الليل والنهار آيَتَيْنِ..} [الإسراء: 12].
جعلنا: بمعنى خلقنا، والليل والنهار هما المعروفان لنا بالمعايشة والمشاهدة، ومعرفتنا هذه أوضح من أنْ نعرِّفهما، فنقول مثلاً: الليل هو مَغِيب الشمس عن نصف الكرة الأرضية، والنهار هو شروق الشمس على نصف الكرة الأرضية.
إذن: قد يكون الشي أوضح من تعريفه.
والحق سبحانه خلق لنا الليل والنهار، وجعل لكل منهما حكمة ومهمة، وحينما يتحدّث عنهما، يقول تعالى: {والضحى والليل إِذَا سجى} [الضحى: 1-2].
ويقول: {والليل إِذَا يغشى والنهار إِذَا تجلى} [الليل: 1-2] فبدأ بالليل.
ومرة يتحدث عن اللازم لهما، فيقول: {وَجَعَلَ الظلمات والنور} [الأنعام: 1].
لأن الحكمة من الليل تكمن في ظُلْمته، والحكمة من النهار تكمُن في نوره، فالظُّلْمة سكَنٌ واستقرار وراحة. وفي الليل تهدأ الأعصاب من الأشعة والضوء، ويأخذ البدن راحته؛ لذلك قال صلى الله عليه وسلم: «أطفئوا المصابيح إذا رقدتم».
في حين نرى الكثيرين يظنون أن الأضواء المبهرة التي نراها الآن مظهر حضاري، وهم غافلون عن الحكمة من الليل، وهي ظلمته.
والنور للحركة والعمل والسَّعْي، فمَن ارتاح في الليل يُصبح نشيطاً للعمل، ولا يعمل الإنسان إلا إذا أخذ طاقة جديدة، وارتاحت أعضاؤه، ساعتها تستطيع أن تطلب منه أن يعمل.
لذلك قال الحق سبحانه: {وَمِن رَّحْمَتِهِ جَعَلَ لَكُمُ الليل والنهار..} [القصص: 73].
لماذا؟ {لِتَسْكُنُواْ فِيهِ..} [القصص: 73].
أي: في الليل. {وَلِتَبتَغُواْ مِن فَضْلِهِ..} [القصص: 73] أي: في النهار.
إذن: لليل مهمة، وللنهار مهمة، وإياك أنْ تخلط هذه بهذه، وإذا ما وُجد عمل لا يُؤدِّي إلا بالليل كالحراسة مثلاً، نجد الحق سبحانه يفتح لنا باباً لنخرج من هذه القاعدة العامة.
فيقول تعالى: {وَمِنْ آيَاتِهِ مَنَامُكُم بالليل والنهار..} [الروم: 23].
فجعل النهار أيضاً محلاً للنوم، فأعطانا فُسْحة ورُخْصة، ولكن في أضيق نطاق، فَمَنْ لا يقومون بأعمالهم إلا في الليل، وهي نسبة ضئيلة لا تخرق القاعدة العامة التي ارتضاها الحق سبحانه لتنظيم حركة حياتنا.
فإذا خرج الإنسان عن هذه القاعدة، وتمرَّد على هذا النظام الإلهي، فإن الحق سبحانه يَردعه بما يكبح جماحه، ويحميه من إسرافه على نفسه، وهذا من لُطْفه تعالى ورحمته بخَلْقه.
هذا الردْع إما رَدْع ذاتيّ اختياري، وإما رَدْع قَهْريّ الردع الذاتي يحدث للإنسان حينما يسعى في حركة الحياة ويعمل، فيحتاج إلى طاقة، هذه الطاقة تحتاج إلى دم متدفق يجري في أعضائه، فإنْ زادتْ الحركة عن طاقة الإنسان يلهث وتتلاحق أنفاسه، وتبدو عليه أمارات التعب والإرهاق، لأن الدم المتوارد إلى رئته لا يكفي هذه الحركة.
وهذا نلاحظه مثلاً في صعود السُّلَّم، حيث حركة الصعود مناقضة لجاذبية الأرض لك، فتحتاج إلى قوة أكثر، وإلى دم أكثر وتنفس فوق التنفس العادي.
فكأن الحق سبحانه وتعالى جعل التعب والميل إلى الراحة رادعاً ذاتياً في الإنسان، إذا ما تجاوز حَدّ الطاقة التي جعلها الله فيه.
أما الردْع القهري فهو النوم، يلقيه الله على الإنسان إذا ما كابر وغالط نفسه، وظن أنه قادر على مزيد من العمل دون راحة، فهنا يأتي دور الرادع القَسْري، فينام رغماً عنه ولا يستطيع المقاومة، وكأن الطبيعة التي خلقها الله فيه تقول له: ارحم نفسك، فإنك لم تَعُدْ صالحاً للعمل.
فالحق تبارك وتعالى لا يُسلِم الإنسان لاختياره، بل يُلقي عليه النوم وفقدان الوعي والحركة ليحميه من حماقته وإسرافه على نفسه.
لذلك نرى الواحد مِنّا إذا ما تعرّض لمناسبة اضطرته لعدم النوم لمدة يومين مثلاً، لابد له بعد أن ينتهي من مهمته هذه أنْ ينَام مثل هذه المدة التي سهرها؛ ليأخذ الجسم حَقَّه من الراحة التي حُرم منها.
وقوله تعالى: {آيَتَيْنِ..} [الإسراء: 12].
قلنا: إن الآية هي الشيء العجيب الذي يدعو إلى التأمل، ويُظهِر قدرة الخالق وعظمته سبحانه، والآية تُطلَق على ثلاثة أشياء: تُطلَق على الآيات الكونية التي خلقها الله في كونه وأبدعها، وهذه الآيات الكونية يلتقي بها المؤمن والكافر، ومنها كما قال تعالى: {وَمِنْ آيَاتِهِ الليل والنهار والشمس والقمر} [فصلت: 37].
{وَمِنْ آيَاتِهِ الجوار فِي البحر كالأعلام} [الشورى: 32].
وهذه الآيات تلفتنا إلى قدرة الخالق سبحانه وتعالى.
- وتُطلق الآيات على المعجزات التي تصاحب الرسل، وتكون دليلاً على صدْقهم، فكل رسول يُبعَث ليحمل رسالة الخالق لهداية الخَلْق، لابد أن يأتي بدليل على صِدْقه وأمارة على أنه رسول.
وهذه هي المعجزة، وتكون مما نبغ فيه قومه ومهروا؛ لتكون أوضح في إعجازهم وأدْعَى إلى تصديقهم.
قال تعالى: {وَمَا مَنَعَنَآ أَن نُّرْسِلَ بالآيات إِلاَّ أَن كَذَّبَ بِهَا الأولون..} [الإسراء: 59].
وتُطلق الآيات على آيات القرآن الكريم الحاملة للأحكام.
إذن: هذه أنواع ثلاثة في كل منها عجائب تدعوك للتأمل، ففي الأولى: هندسة الكون ونظامه العجيب البديع الدقيق، وفي الثانية: آيات الإعجاز، حيث أتى بشيء نبغ فيه القوم، ومع ذلك لم يستطيعوا الإتيان بمثله، وفي الثالثة: آيات القرآن وحاملة الأحكام؛ لأنها أقوم نظام لحركة الحياة.
فقول الحق سبحانه: {وَجَعَلْنَا الليل والنهار آيَتَيْنِ..} [الإسراء: 12].
أي: كونيتين، ولا مانع أنْ تفسر الآياتُ الكونية آيات القرآن.
وقوله: {فَمَحَوْنَآ آيَةَ الليل..} [الإسراء: 12].
أي: بعد أنْ كان الضوء غابت الشمس فَحَلَّ الظلام، أو مَحوْناهَا: أي جعلناها هكذا، كما قلنا: سبحان مَنْ بيَّض اللبن.
أي خلقه هكذا، فيكون المراد: خلق الليل هكذا مظلماً.
{وَجَعَلْنَآ آيَةَ النهار مُبْصِرَةً..} [الإسراء: 12].
أي: خلقنا النهار مضيئاً، ومعنى مبصرة أو مضيئة أي: نرى بها الأشياء؛ لأن الأشياء لا تُرى في الظلام، فإذا حَلَّ الضياء والنور رأيناها، وعلى هذا كان ينبغي أن يقول: وجعلنا آية النهار مُبْصَراً فيها، وليست هي مبصرة.
وهذه كما في قوله تعالى في قصة موسى وفرعون: {فَلَمَّا جَآءَتْهُمْ آيَاتُنَا مُبْصِرَةً..} [النمل: 13].
فنسب البصر إلى الآيات، كما نسب البصر هنا إلى النهار.
وهذه مسألة حيَّرتْ الباحثين في فلسفة الكون وظواهره، فكانوا يظنون أنك ترى الأشياء إذا انتقل الشعاع من عينك إلى المرئي فتراه. إلى أن جاء العالم الإسلامي «ابن الهيثم» الذي نَوَّر الله بصيرته، وهداه إلى سِرِّ رؤية الأشياء، فأوضح لهم ما وقعوا فيه من الخطأ، فلو أن الشعاع ينتقل من العين إلى المرئي لأمكنك أن ترى الأشياء في الظُّلمة إذا كنتَ في الضوء.
إذن: الشعاع لا يأتي من العين، بل من الشيء المرئي، ولذلك نرى الأشياء إنْ كانت في الضوء، ولا نراها إن كانت في الظلام.
وعليه يكون الشيء المرئيّ هو الذي يبصرك من حيث هو الذي يتضح لك، ويساعدك على رؤيته، ولذلك نقول: هذا شيء يُلفت النظر أي: يرسل إليك مَا يجعلك تلتفت إليه.
إذن: التعبير القرآني: {وَجَعَلْنَآ آيَةَ النهار مُبْصِرَةً..} [الإسراء: 12].
على مستوى عال من الدقة والإعجاز، وصدق الله تعالى حين قال: {سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الآفاق وفي أَنفُسِهِمْ حتى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الحق} [فصلت: 53].
وقوله تعالى: {لِتَبْتَغُواْ فَضْلاً مِّن رَّبِّكُمْ..} [الإسراء: 12].
وهذه هي العلة الأولى لآية الليل والنهار.
أي: أن السعي وطلب الرزق لا يكون إلا في النهار؛ لذلك أتى طلب فضل الله ورزقه بعد آية النهار، ومعلوم أن الإنسان لا تكون له حركة نشاطية وإقبال على السَّعي والعمل إلا إذا كان مرتاحاً ولا تتوفر له الراحة إلا بنوم الليل.
وبهذا نجد في الآية الكريمة نفس الترتيب الوارد في قوله تعالى: {وَمِن رَّحْمَتِهِ جَعَلَ لَكُمُ الليل والنهار لِتَسْكُنُواْ فِيهِ وَلِتَبتَغُواْ مِن فَضْلِهِ..} [القصص: 73].
فالترتيب في الآية يقتضي أن نقول: {لِتَسْكُنُواْ فِيهِ..} [القصص: 73].
أي: في الليل، {وَلِتَبتَغُواْ مِن فَضْلِهِ..} [القصص: 73] أي: في النهار، وعمل النهار لا يتم إلا براحة الليل، فهما إذن متكاملان.
والحق سبحانه وتعالى جعل النهار مَحلاً للحركة وابتغاء فضل الله؛ لأن الحركة أمرٌ ماديّ وتفاعل ماديّ بين الإنسان ومادة الكون من حوله، كالفلاح وتفاعله مع أرضه، والعامل تفاعله مع آلته.
هذا التفاعل المادي لا يتم إلا في ضوء؛ لأن الظلمة تغطي الأشياء وتُعميها، وهذا يتناسب مع الليل حيث ينام الناس، أما في السعي والحركة فلابد من ضوء أتبين به الفاعل والمنفعل له، ففي الظلمة قد تصطدم بما هو أقوى منك فيحطمك، أو بما هو أضعف منك فتحطمه.
إذن: فأول خطوات ابتغاء فضل الله أن يتبيّن الإنسان المادة التي يتفاعل معها. لذلك، فالحق سبحانه جعل الظلمة سابقة للضياء. فقال تعالى: {وَجَعَلَ الظلمات والنور} [الأنعام: 1].
لأن النور محلٌّ للحركة، ولا يمكن للإنسان أن يعمل إلا بعد راحة، والراحة لا تكون إلا في ظُلْمة الليل.
وقوله تعالى: {وَلِتَعْلَمُواْ عَدَدَ السنين والحساب..} [الإسراء: 12].
وهذه هي العِلَّة الأخرى لليل والنهار، حيث بمرورهما يتمّ حساب السنين.
وكلمة {عَدَدَ} تقتضي شيئاً له وحدات، ونريد أن نعرف كمية هذه الوحدات؛ لأن الشيء إنْ لم تكُنْ له كميات متكررة فهو واحد.
وقوله: {السنين والحساب..} [الإسراء: 12].
لأنها من لوازم حركتنا في الحياة، فعن طريق حساب الأيام نستطيع تحديد وقت الزراعات المختلفة، أو وقت سقوط المطر، أو هبوب الرياح. وفي العبادات نحدد بها أيام الحج، وشهر الصوم، ووقت الصلاة، ويوم الجمعة، هذه وغيرها من لوازم حياتنا لا نعرفها إلا بمرور الليل والنهار.
ولو تأملتَ عظمة الخالق سبحانه لوجدتَ القمر في الليل، والشمس في النهار، ولكل منهما مهمة في حساب الأيام والشهور والسنين، فالشمس لا تعرف بها إلا اليوم الذي أنت فيه، حيث يبدأ اليوم بشروقها وينتهي بغروبها، أما بالقمر فتستطيع حساب الأيام والشهور؛ لأن الخالق سبحانه جعل فيه علامة ذاتية يتم الحساب على أساسها، فهو في أول الشهر هلال، ثم يكبر فيصير إلى تربيع أول، ثم إلى تربيع ثان، ثم إلى بدر، ثم يأخذ في التناقص إلى أن يصل إلى المحاق آخر الشهر.
إذن: نستطيع أن نحدد اليوم بالشمس والشهور بالقمر، ومن هنا تثبت مواقيت العبادة بالليل دون النهار، فتثبت رؤية رمضان ليلاً أولاً، ثم يثبت نهاراً، فنقول: الليلة أول رمضان، لذلك قال تعالى: {هُوَ الذي جَعَلَ الشمس ضِيَآءً والقمر نُوراً وَقَدَّرَهُ مَنَازِلَ لِتَعْلَمُواْ عَدَدَ السنين والحساب} [يونس: 5].
فقوله: {وَقَدَّرَهُ..} [يونس: 5] أي: القمر؛ لأن به تتبين أوائل الشهور، وهو أدقّ نظام حسابي يُعتمد عليه حتى الآن عند علماء الفلك وعلماء البحار وغيرهم.
و{مَنَازِلَ..} [يونس: 5] هي البروج الاثنى عشر للقمر التي أقسم الله بها في قوله تعالى: {والسمآء ذَاتِ البروج واليوم الموعود وَشَاهِدٍ وَمَشْهُودٍ} [البروج: 1-3].
ولأن حياة الخَلْق لا تقوم إلا بحساب الزمن، فقد جعل الخالق سبحانه في كَوْنه ضوابط تضبط لنا الزمن، وهذه الضوابط لا تصلح لضبط الوقت إلا إذا كانت هي في نفسها منضبطة، فمثلاً أنت لا تستطيع أن تضبط مواعيدك على ساعتك إذا كانت غير منضبطة(تُقدّم أو تُأخّر).
لذلك يقول الخالق المبدع سبحانه عن ضوابط الوقت في كَوْنه: {الشَّمْسُ والقمر بِحُسْبَانٍ} [الرحمن: 5].
أي: بحساب دقيق لا يختلّ، وطالما أن الخالق سبحانه خلقها بحساب فاجعلوها ضوابط لحساباتكم.
وقوله تعالى: {وَكُلَّ شَيْءٍ فَصَّلْنَاهُ تَفْصِيلاً..} [الإسراء: 12].
معنى التفصيل أن تجعل بَيْناً بين شيئين، وتقول: فصلْتُ شيئاً عن شيء، فالحق سبحانه فصَّل لنا كل ما يحتاج إلى تفصيل، حتى لا يلتبس علينا الأمر في كل نواحي الحياة.
ومثال ذلك في الوضوء مثلاً يقول سبحانه: {يَا أَيُّهَا الذين آمَنُواْ إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصلاة فاغسلوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى المرافق} [المائدة: 6].
فأطلق غَسْل الوجه؛ لأنه لا يختلف عليه أحد، وحدَّد الأيدي إلى المرافق، لأن الأيدي يُختلف في تحديدها، فاليد قد تكون إلى الرُّسْغ، أو إلى المرفق، أو إلى الكتف، لذلك حددها الله تعالى، لأنه سبحانه يريدها على شكل مخصوص.
وكذلك في قوله تعالى: {وامسحوا بِرُؤُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الكعبين} [المائدة: 6].
فالرأس يناسبها المسْح لا الغَسْل، والرِّجْلاَن كاليد لابد أنْ تُحَدَّد. فإذا لم يوجد الماء أو تعذَّر استعماله شرع لنا سبحانه التيمم، فقال تعالى: {فَلَمْ تَجِدُواْ مَآءً فَتَيَمَّمُواْ صَعِيداً طَيِّباً فامسحوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ..} [النساء: 43].
والتيمم يقوم مقام الوضوء، من حيث هو استعداد للصلاة ولقاء الحق سبحانه وتعالى، وقد يظن البعض أن الحكمة من الوضوء الطهارة والنظافة، وكذلك التيمُّم؛ لذلك يقترح بعضهم أن نُنظّف أنفسنا بالكولونيا مثلاً.
نقول: ليس المقصود بالوضوء أو التيمم الطهارة أو النظافة، بل المراد الاستعداد للصلاة وإظهار الطاعة والانصياع لشرع الله تعالى، وإلا كيف تتم الطهارة أو النظافة بالتراب؟
هذا الاستعداد للصلاة هو الذي جعل سيدنا علي زين العابدين رضي الله عنه يَصْفرّ وجهه عند الوضوء، وعندما سُئِل عن ذلك قال: أتعلمون على مَنْ أنا مُقبل الآن؟
فللقاء الحق سبحانه وتعالى رهبة يجب أن يعمل لها المؤمن حساباً، وأنْ يستعدّ للصلاة بما شرعه له ربه سبحانه وتعالى.
ثم يقول الحق سبحانه: {وَكُلَّ إِنْسَانٍ أَلْزَمْنَاهُ طَآئِرَهُ فِي عُنُقِهِ...}.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://el-quran.ahlamontada.com
Admin
Admin
Admin


المساهمات : 4240
تاريخ التسجيل : 20/01/2018

  تفسير سورة الإسراء صفحة 283 من القرآن الكريم للشيخ الشعراوي	 Empty
مُساهمةموضوع: رد: تفسير سورة الإسراء صفحة 283 من القرآن الكريم للشيخ الشعراوي      تفسير سورة الإسراء صفحة 283 من القرآن الكريم للشيخ الشعراوي	 Emptyالجمعة مارس 02, 2018 5:49 am



.تفسير الآية رقم (13):

{وَكُلَّ إِنْسَانٍ أَلْزَمْنَاهُ طَائِرَهُ فِي عُنُقِهِ وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كِتَابًا يَلْقَاهُ مَنْشُورًا (13)}
كلمة(طائره) أي: عمله وأصلها أن العرب كانوا في الماضي يزجرون الطير، أي: إذا أراد أحدهم أنْ يُمضيَ عملاً يأتي بطائر ثم يطلقه، فإنْ مَرَّ من اليسار إلى اليمين يسمونه (السانح) ويتفاءلون به، وإنْ مَرّ من اليمين إلى اليسار يسمونه (البارح) ويتشاءمون به، ثم يتهمون الطائر وينسبون إليه العمل، ولا ذنب له ولا جريرة.
إذن: كانوا يتفاءلون باليمين، ويتشاءمون باليسار، وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يحب الفأل الحسن، ولا يحب التشاؤم؛ لأن الفَأْل الطيب يُنشّط أجهزة الجسم انبساطاً للحركة، أما التشاؤم فيدعو للتراجع والإحجام، ويقضي على الحركة والتفاعل في الكون.
والحق سبحانه هنا يُوضّح: لا تقوِّلوا الطائر ولا تتهموه، بل طائرك أي: عملك في عنقك يلازمك ولا ينفكّ عنك أبداً، ولا يُسأل عنه غيره، كما أنه لا يُسأل عن عمل الآخرين، كما قال تعالى: {وَلاَ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أخرى..} [الإسراء: 15].
فلا تُلقي بتبعة أفعالك على الحيوان الذي لا ذنب له.
وقوله تعالى: {وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ القيامة كِتَاباً يَلْقَاهُ مَنْشُوراً} [الإسراء: 13].
وهو كتاب أعماله الذي سجَّلتْه عليه الحفظة الكاتبون، والذي قال الله عنه: {وَيَقُولُونَ ياويلتنا مَالِ هذا الكتاب لاَ يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلاَ كَبِيرَةً إِلاَّ أَحْصَاهَا وَوَجَدُواْ مَا عَمِلُواْ حَاضِراً وَلاَ يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَداً} [الكهف: 49].
هذا الكتاب سيلقاه يوم القيامة منشوراً. أي: مفتوحاً مُعدَّاً للقراءة.
ثم يقول الحق سبحانه: {اقرأ كتابك كفى بِنَفْسِكَ اليوم عَلَيْكَ حَسِيباً}.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://el-quran.ahlamontada.com
Admin
Admin
Admin


المساهمات : 4240
تاريخ التسجيل : 20/01/2018

  تفسير سورة الإسراء صفحة 283 من القرآن الكريم للشيخ الشعراوي	 Empty
مُساهمةموضوع: رد: تفسير سورة الإسراء صفحة 283 من القرآن الكريم للشيخ الشعراوي      تفسير سورة الإسراء صفحة 283 من القرآن الكريم للشيخ الشعراوي	 Emptyالجمعة مارس 02, 2018 5:50 am


.تفسير الآية رقم (14):

{اقْرَأْ كِتَابَكَ كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيبًا (14)}
الحق تبارك وتعالى يُصوّر لنا موقفاً من مواقف يوم القيامة، حيث يقف العبد بين يديْ ربه عزَّ وجل، فيدعوه إلى أن يقرأ كتابه بنفسه، ليكون هو حجة على نفسه، ويُقِر بما اقترف، والإقرار سيد الأدلة.
فهذا موقف لا مجالَ فيه للعناد أو المكابرة، ولا مجالَ فيه للجدال أو الإنكار، فإن حدث منه إنكار جعل الله عليه شاهداً من جوارحه، فيُنطقها الحق سبحانه بقدرته.
يقول تعالى: {يَوْمَ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتُهُمْ وَأَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ} [النور: 24].
ويقول سبحانه: {وَقَالُواْ لِجُلُودِهِمْ لِمَ شَهِدتُّمْ عَلَيْنَا قالوا أَنطَقَنَا الله الذي أَنطَقَ كُلَّ شَيْءٍ} [فصلت: 21].
وقد جعل الخالق سبحانه للإنسان سيطرةً على جوارحه في الدنيا، وجعلها خاضعة لإرادته لا تعصيه في خير أو شر، فبيده يضرب ويعتدي، وبيده يُنفق ويقيل عثرة المحتاج، وبرجْله يسعى إلى بيت الله أو يسعى إلى مجلس الخمر والفساد.
وجوارحه في كل هذا مُسخَّرة طائعة لا تتأبى عليه، حتى وإن كانت كارهة للفعل؛ لأنها منقادة لمراداتك، ففِعْلها لك ليس دليلاً على الرضى عنك؛ لأنه قد يكون رضى انقياد.
وقد ضربنا مثلاً لذلك بقائد السرية، فأمره نافذ على جنوده، حتى وإن كان خطئاً، فإذا ما فقد هذا القائد السيطرة وأصبح الجنود أمام القائد الأعلى باحوا له بكل شيء.
كذلك في الدنيا جعل الله للإنسان إرادة على جوارحه، فلا تتخلف عنه أبداً، لكنها قد تفعل وهي كارهة وهي لاعنةٌ له، وهي مُبغِضة له ولِفعْله، فإذا كان القيامة وانحلَّت من إرادته، وخرجتْ من سجن سيطرته، شهدتْ عليه بما كان منه. {كفى بِنَفْسِكَ اليوم عَلَيْكَ حَسِيباً} [الإسراء: 14].
أي: كفانا أن تكون أنت قارئاً وشاهداً على نفسك.
ثم يقول الحق سبحانه: {مَّنِ اهتدى فَإِنَّمَا يَهْتَدي لِنَفْسِهِ..}.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://el-quran.ahlamontada.com
Admin
Admin
Admin


المساهمات : 4240
تاريخ التسجيل : 20/01/2018

  تفسير سورة الإسراء صفحة 283 من القرآن الكريم للشيخ الشعراوي	 Empty
مُساهمةموضوع: رد: تفسير سورة الإسراء صفحة 283 من القرآن الكريم للشيخ الشعراوي      تفسير سورة الإسراء صفحة 283 من القرآن الكريم للشيخ الشعراوي	 Emptyالجمعة مارس 02, 2018 5:50 am


.تفسير الآية رقم (15):

{مَنِ اهْتَدَى فَإِنَّمَا يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ وَمَنْ ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا (15)}
قوله تعالى: {مَّنِ اهتدى فَإِنَّمَا يَهْتَدي لِنَفْسِهِ..} [الإسراء: 15].
لأن الحق سبحانه لا تنفعه طاعة، ولا تضره معصية، وهو سبحانه الغنيّ عن عباده، وبصفات كماله وضع منهج الهداية للإنسان الذي جعله خليفة له في أرضه، وقبل أنْ يخلقه أعدَّ له مُقوّمات الحياة كلها من أرض وسماء، وشمس وقمر، وهواء وجبال ومياه.
فصفات الكمال ثابتة له سبحانه قبل أن يخلق الخَلْق، إذن: فطاعتهم لن تزيده سبحانه شيئاً، كما أن معصيتهم لن تضره سبحانه في شيء.
وهنا قد يسأل سائل: فلماذا التكليفات إذن؟
نقول: إن التكليف من الله لعباده من أجلهم وفي صالحهم، لكي تستمر حركة حياتهم، وتتساند ولا تتعاند؛ لذلك جعل لنا الخالق سبحانه منهجاً نسير عليه، وهو منهج واجب التنفيذ لأنه من الله، من الخالق الذي يعلم من خلق، ويعلم ما يصلحهم ويُنظم حياتهم، فلو كان منهج بشر لبشر لكان لك أنْ تتأبّى عليه، أما منهج الله فلا ينبغي الخروج عليه.
لذلك نسمع في الأمثال الدارجة عند أهل الريف يقولون: الأصبع الذي يقطعه الشرع لا ينزف، والمعنى أن الشرع هو الذي أمر بذلك، فلا اعتراض عليه، ولو كان هذا بأمر البشر لقامت الدنيا ولم تقعُدْ.
ومن كماله سبحانه وغِنَاهُ عن الخَلْق يتحمل عنهم ما يصدر عنهم من أحكام أو تجنٍّ أو تقصير؛ ذلك لأن كل شيء عنده بمقدار، ولا يُقضى أمر في الأرض حتى يُقضى في السماء، فإذا كلَّفْتَ واحداً بقضاء مصلحة لك، فقصّر في قضائها، أو رفض، أو سعى فيها ولم يُوفّق نجدك غاضباً عليه حانقاً.
وهنا يتحمّل الخالق سبحانه عن عباده، ويُعفيهم من هذا الحرج، ويعلمهم أن الحاجات بميعاد وبقضاء عنده سبحانه، فلا تلوموا الناس، فلكل شيء ميلاد، ولا داعيَ لأنْ نسبق الأحداث، ولننتظر الفرج وقضاء الحوائج من الله تعالى أولاً.
ومن هنا يُعلّمنا الإسلام قبل أن نَعِد بعمل شيء لابد أنْ نسبقه بقولنا: إنْ شاء الله لنحمي أنفسنا، ونخرج من دائرة الحرج أو الكذب إذا لم نستطع الوفاء، فأنا إذن في حماية المشيئة الإلهية إنْ وُفِّقْتُ فبها ونِعمت، وإن عجزت فإن الحق سبحانه لم يشأ، وأخرج أنا من أوسع الأبواب.
إذن: تشريعات الله تريد أن تحمي الناس من الناس، تريد أن تجتث أسباب الضِّغن على الآخر، إذا لم تقض حاجتك على يديه، وكأن الحق سبحانه يقول لك: تمهل فكل شيء وقته، ولا تظلم الناس، فإذا ما قضيتَ حاجتك فاعلم أن الذي كلَّفْته بها ما قضاها لك في الحقيقة، ولكن صادف سَعْيُه ميلادَ قضاء هذه الحاجة، فجاءت على يديه، فالخير في الحقيقة من الله، والناس أسباب لا غير.
وتتضح لنا هذه القضية أكثر من مجال الطب وعلاج المرضى، فالطبيب سبب، والشفاء من الله، وإذا أراد الله لأحد الأطباء التوفيق والقبول عند الناس جعل مجيئه على ميعاد الشفاء فيلتقيان.
ومن هنا نجد بعض الأطباء الواعين لحقيقة الأمر يعترفون بهذه الحقيقة، فيقول أحدهم: ليس لنا إلا في(الخضرة).
والخضرة معناها: الحالة الناجحة التي حان وقت شفائها.
وصدق الشاعر حين قال:
والناسُ يلْحون الطَّبيِبَ وإنَّما ** خَطَأُ الطَّبِيبِ إصَابَةُ الأَقْدَارِ

فقول الحق تبارك وتعالى: {مَّنِ اهتدى فَإِنَّمَا يَهْتَدي لِنَفْسِهِ..} [الإسراء: 15] أي: لصالح نفسه.
والاهتداء: يعني الالتزام بمنهج الله، والتزامك عائد عليك، وكذلك التزام الناس بمنهج الله عائد عليك أيضاً، وأنت المنتفع في كل الأحوال بهذا المنهج؛ لذلك حينما ترى شخصاً مستقيماً عليك أن تحمد الله، وأن تفرحَ باستقامته، وإياك أن تهزأ به أو تسخر منه؛ لأن استقامته ستعود بالخير عليك في حركة حياتك.
وفي المقابل يقول الحق سبحانه: {وَمَن ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا..} [الإسراء: 15].
أي: تعود عليه عاقبةُ انصرافه عن منهج الله؛ لأن شرَّ الإنسان في عدم التزامه بمنهج الله يعود عليك ويعود على الناس من حوله، فيشقى هو بشرّه، ويشقى به المجتمع.
ومن العجب أن نرى بعض الحمقى إذا رأى مُنحرفاً أو سيء السلوك ينظر إليه نظرة بُغْض وكراهية، ويدعو الله عليه، وهو لا يدري أنه بهذا العمل يزيد الطين بلة، ويُوسِّع الخُرْق على الراقع كما يقولون.
فهذا المنحرف في حاجة لمَنْ يدعو الله له بالهداية، حتى تستريح أولاً من شرِّه، ثم لتتمتع بخير هدايته ثانياً. أما الدعاء عليه فسوف يزيد من شرِّه، ويزيد من شقاء المجتمع به.
ومن هذا المنطلق علَّمنا الإسلام أن مَنْ كانت لديه قضية علمية تعود بالخير، فعليه أنْ يُعديها إلى الناس؛ لأنك حينما تُعدّي الخير إلى الناس ستنتفع بأثره فيهم، فكما انتفعوا هم بآثار خِلاَلك الحميدة، فيمكنك أنت أيضاً الانتفاع بآثار خلالهم الحميدة إن نقلتها إليهم.
لذلك حرّم الإسلام كَتْم العلم لما يُسبِّبه من أضرار على الشخص نفسه وعلى المجتمع.
يقول صلى الله عليه وسلم: «من كتم علماً ألجمه الله بلجام من نار يوم القيامة».
وكذلك من الكمال الذي يدعونا إليه المنهج الإلهي أن يُتقِن كل صاحب مهنة مهنته، وكل صاحب صَنْعة صَنْعته، فالإنسان في حركة حياته يُتقِن عملاً واحداً، لكن حاجاته في الحياة كثيرة ومتعددة.
فالخياط مثلاً الذي يخيط لنا الثياب لا يتقن غير هذه المهنة، وهو يحتاج في حياته إلى مِهَن وصناعات كثيرة، يحتاج إلى: الطبيب والمعلم والمهندس والحداد والنجار والفلاح.. إلخ.
فلو أتقن عمله وأخلص فيه لَسخّر الله له مَنْ يتقن له حاجته، ولو رَغْماً عنه، أو عن غير قصد، أو حتى بالمصادفة.
إذن: من كمالك أن يكون الناس في كمال، فإنْ أتقنتَ عملك فأنت المستفيد حتى إنْ كان الناس من حولك أشراراً لا يتقنون شيئاً فسوف يُيسِّر الله لهم سبيل إتقان حاجتك، من حيث لا يريدون ولا يشعرون.
وقوله تعالى: {وَلاَ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أخرى..} [الإسراء: 15].
أي: لا يحمل أحدٌ ذنبَ أحدٍ، ولا يُؤاخَذ أحدٌ بجريرة غيره، وكلمة: {تَزِرُ وَازِرَةٌ..} [الإسراء: 15].
من الوزر: وهو الحِمْل الثقيل، ومنها كلمة الوزير: أي الذي يحمل الأعباء الثقيلة عن الرئيس، أو الملك أو الأمير.
فعدْلُ الله يقتضي أنْ يُحاسب الإنسان بعمله، وأنْ يُسأل عن نفسه، فلا يرمي أحد ذنبه على أحد، كما قال تعالى: {لاَّ يَجْزِي وَالِدٌ عَن وَلَدِهِ وَلاَ مَوْلُودٌ هُوَ جَازٍ عَن وَالِدِهِ شَيْئاً..} [لقمان: 33].
وحول هذه القضية تحدَّث كثير من المستشرقين الذين يبحثون في القرآن عن مأخذ، فوقفوا عند هذه الآية: {وَلاَ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أخرى..} [الإسراء: 15].
وقالوا: كيف نُوفِّق بينها وبين قوله: {وَلَيَحْمِلُنَّ أَثْقَالَهُمْ وَأَثْقَالاً مَّعَ أَثْقَالِهِمْ..} [العنكبوت: 13].
وقوله تعالى: {لِيَحْمِلُواْ أَوْزَارَهُمْ كَامِلَةً يَوْمَ القيامة وَمِنْ أَوْزَارِ الذين يُضِلُّونَهُمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ أَلاَ سَآءَ مَا يَزِرُونَ} [النحل: 25].
ونقول: التوفيق بين الآية الأولى والآيتين الأخيرتين هيِّن لو فهموا الفرق بين الوِزْر في الآية الأولى، والوِزْر في الآيتين الأخيرتين.
ففي الأولى وزر ذاتيٌّ خاص بالإنسان نفسه، حيث ضَلَّ هو في نفسه، فيجب أنْ يتحمّل وزْر ضلاله. أما في الآية الثانية فقد أضلَّ غيره، فتحمَّل وِزْره الخاص به، وِتحمَّل وِزْر مَنْ أضلَّهم.
ويُوضِّح لنا هذه القضية الحديث النبوي الشريف: (من سن في الإسلام سنة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها بعده من غير أن ينقص من أجورهم شيء، ومن سن في الإسلام سنة سيئة كان عليه وزرها ووزر من عمل بها من بعده من غير أن ينقص من أوزارهم شيء).
وقوله تعالى: {وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حتى نَبْعَثَ رَسُولاً} [الإسراء: 15].
العذاب: عقوبة على مخالفة، لكن قبل أنْ تُعاقبني عليها لابد أن تُعلِّمني أن هذه مخالفة أو جريمة(وهي العمل الذي يكسر سلامة المجتمع)، فلا جريمة إلا بنصٍّ ينصُّ عليها ويُقنّنها، ويُحدِّد العقاب عليها، ثم بعد ذلك يجب الإعلام بها في الجرائد الرسمية لكي يطلع عليها الناس، وبذلك تُقام عليهم الحجة إنْ خالفوا أو تعرَّضوا لهذه العقوبة.
لذلك حتى في القانون الوضعي نقول: لا عقوبة إلا بتجريم، ولا تجريم إلا بنصٍّ، ولا نصَّ إلا بإعلام.
فإذا ما اتضحت هذه الأركان في أذهان الناس كان للعقوبة معنى، وقامت الحجة على المخالفين، أما أنْ نعاقب شخصاً على جريمة هو لا يعلم بها، فله أن يعترضَ عليك من منطلق هذه الآية.
أما أنْ يُجرَّم هذا العمل، ويُعلَن عنه في الصحف الرسمية، فلا حجة لمَنْ جهله بعد ذلك؛ لأن الجهل به بعد الإعلام عنه لا يُعفِي من العقوبة.
فكأن قول الله تعالى: {وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حتى نَبْعَثَ رَسُولاً} [الإسراء: 15] يجمع هذه الأركان السابقة: الجريمة، والعقوبة، والنص، والإعلام، حيث أرسل الله الرسول يُعلِّم الناس منهج الحق سبحانه، ويُحدّد لهم ما جرمه الشرع والعقوبة عليه.
لذلك يقول تعالى في آية أخرى: {وَإِن مِّنْ أُمَّةٍ إِلاَّ خَلاَ فِيهَا نَذِيرٌ} [فاطر: 24].
ويقول: {يَا أَهْلَ الكتاب قَدْ جَآءَكُمْ رَسُولُنَا يُبَيِّنُ لَكُمْ على فَتْرَةٍ مِّنَ الرسل أَن تَقُولُواْ مَا جَآءَنَا مِن بَشِيرٍ وَلاَ نَذِيرٍ فَقَدْ جَاءَكُمْ بَشِيرٌ وَنَذِيرٌ..} [المائدة: 19].
إذن: قد انقطعت حجتكم برسالة محمد البشير النذير صلى الله عليه وسلم.
وقد وقف العلماء أمام هذه القضية فقالوا: إن كانت الحجة قد قامت على مَن آمن برسالة محمد صلى الله عليه وسلم، فما بال الكافر الذي لم يؤمن ولم يعلم منهج الله؟ وكأنهم يلتمسون له العذر بكفره.
نقول: لقد عرف الإنسان ربه عز وجل أولاً بعقله، وبما ركّبه فيه خالقه سبحانه من ميزان إيماني هو الفطرة، هذه الفطرة هي المسئولة عن الإيمان بقوة قاهرة وراء الوجود، وإنْ لم يأتِ رسول، والأمثلة كثيرة لتوضيح هذه القضية:
هَبْ أنك قد انقطعتْ بك السُّبل في صحراء واسعة شاسعة لا تجد فيها أثراً لحياة، وغلبك النومُ فنمْتَ، وعندما استيقظتَ فوجئت بمائدة منصوبة لك عليها أطايب الطعام والشراب.
بالله أَلاَ تفكِّر في أمرها قبل أن تمتدّ يدُك إليها؟ ألاَ تلفت انتباهك وتثير تساؤلاتك عَمَّنْ أتى بها إليك؟
وهكذا الإنسان بعقله وفطرته لابد أنْ يهتديَ إلى أن للكون خالقاً مُبْدِعاً، ولا يمكن أن يكون هذا النظام العجيب المتقن وليدَ المصادفة، وهل عرف آدم ربه بغير هذه الأدوات التي خلقها الله فينا؟
لقد جئنا إلى الحياة فوجدنا عالماً مستوفياً للمقوِّمات والإمكانيات، وجدنا أمام أعيننا آياتٍ كثيرة دالّة على الخالق سبحانه، كل منها خيط لو تتبعته لأوصلك. خذ مثلاً الشمس التي تنير الكون على بُعْدها تطلع في الصباح وتغرب في المساء، ما تخلَّفتْ يوماً، ولا تأخرت لحظة عن موعدها، أَلاَ تسترعي هذه الآية الكونية انتباهك؟
وقد سبق أنْ ضربنا مثلاً ب (أديسون) الذي اكتشف الكهرباء، وكم أخذ من الاهتمام والدراسة في حين أن الإضاءة بالكهرباء تحتاج إلى أدوات وأجهزة وأموال، وهي عُرْضة للأعطال ومصدر للأخطار، فما بالنا نغفل عن آية الإضاءة الربانية التي لا تحتاج إلى مجهود أو أموال أو صيانة أو خلافه؟
والعربي القُحُّ الذي ما عرف غير الصحراء حينما رأى بَعْر البعير وآثار الأقدام استدلَّ بالأثر على صاحبه، فقال في بساطة العرب: البَعْرة تدلّ على البعير، والقدم تدلّ على المسير، سماء ذات أبراج، وأرض ذات فجاج، ونجوم تزهر، وبحار تزخر، ألا يدل ذلك على وجود اللطيف الخبير؟
إذن: بالفطرة التكوينية التي جعلها الله في الإنسان يمكن له أن يهتدي إلى أن للكون خالقاً، وإنْ لم يعرف مَنْ هو، مجرد أن يعرف القوة الخفية وراء هذا الكون.
وحينما يأتي رسول من عند الله يساعده في الوصول إلى ما يبحث عنه، ويدلّه على ربه وخالقه، وأن هذه القوة الخفية التي حيَّرتْك هي(الله) خالقك وخالق الكون كله بما فيه ومَن فيه.
وهو سبحانه واحد لا شريك له، شهد لنفسه أنه لا إله إلا هو ولم يعارضه أحد ولم يَدَّعِ أحد أنه إله مع الله، وبذلك سَلِمَتْ له سبحانه هذه الدعوى؛ لأن صاحب الدعوة حين يدَّعيها تسلم له إذا لم يوجد معارض لها.
وهذه الفطرة الإيمانية في الإنسان هي التي عنَاهَا الحق سبحانه في قوله تعالى: {وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِن بني ءَادَمَ مِن ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ على أَنفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُواْ بلى..} [الأعراف: 172].
وهذا هو العَهْد الإلهي الذي أخذه الله على خَلْقه وهم في مرحلة الذَّرِّ، حيث كانوا جميعاً في آدم عليه السلام فالأنْسَال كلها تعود إليه، وفي كل إنسان إلى يوم القيامة ذرة من آدم، هذه الذرة هي التي شهدتْ هذا العهد، وأقرَّتْ أنه لا إله إلا الله، ثم ذابتْ هذه الشهادة في فطرة كل إنسان؛ لذلك نسميها الفطرة الإيمانية.
ونقول للكافر الذي أهمل فطرته الإيمانية وغفل عنها، وهي تدعوه إلى معرفة الله: كيف تشعر بالجوع فتطلب الطعام؟ وكيف تشعر بالعطش فتطلب الماء؟ أرأيت الجوع أو لمسْتَه أو شَمَمْته؟ إنها الفطرة والغريزة التي جعلها الله فيك، فلماذا استخدمت هذه، وأغفلت هذه؟
والعجيب أن ينصرف الإنسان العاقل عن ربه وخالقه في حين أن الكون كله من حوله بكل ذراته يُسبِّح بحمد ربّه، فذراتُ الكون وذراتُ التكوين في المؤمن وفي الكافر تُسبِّح بحمد ربها، كما قال تعالى: {وَإِن مِّن شَيْءٍ إِلاَّ يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ ولكن لاَّ تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ..} [الإسراء: 44] فكيف بك يا سيد الكون تغفل عن الله والذرات فيك مُسبّحة، فإن كانت ذرات المؤمن حدث بينه وبين ذرات تكوينه انسجام واتفاق، وتجاوب تسبيحه مع تسبيح ذراته وأعضائه وتوافقت إرادته الإيمانية مع إيمان ذراته، فترى المؤمن مُنْسجماً مع نفسه مع تكوينه المادي.
ويظهر هذا الانسجام بين إرادة الإنسان وبين ذرّاته وأعضائه في ظاهرة النوم، فالمؤمن ذرّاته وأعضائه راضية عنه تُحبه وتُحب البقاء معه لا تفارقه؛ لأن إرادته في طاعة الله، فترى المؤمن لا ينام كثيراً مجرد أن تغفل عينه ساعةً من ليل أو نهار تكفيه ذلك؛ لأن أعضاءه في انسجام مع إرادته، وهؤلاء الذين قال الله فيهم: {كَانُواْ قَلِيلاً مِّن الليل مَا يَهْجَعُونَ..} [الذاريات: 17].
وكان النبي صلى الله عليه وسلم تنام عينه ولا ينام قلبه، لأنه في انسجام تام مع إرادته صلى الله عليه وسلم.
وما أشبه الإنسان في هذه القضية بسيد شرس سيء الخُلق، لديه عبيد كثيرون، يعانون من سُوء معاملته، فيلتمسون الفرصة للابتعاد عنه والخلاص من معاملته السيئة.
على خلاف الكافر، فذراته مؤمنة وإرادته كافرة، فلا انسجام ولا توافق بين الإرادة والتكوين المادي له، لذا ترى طبيعته قلقة، ليس هناك تصالح بينه وبين ذراته، لأنها تبغضه وتلعنه، وتود مفارقته.
ولولا أن الخالق سبحانه جعلها مُنْقادةً له لما طاوعتْه، وإنها لتنتظر يوم القيامة يوم أنْ تفكّ من إرادته، وتخرج من سجنه، لتنطق بلسان مُبين، وتشهد عليه بما اقترف في الدنيا من كفر وجحود؛ لذلك ترى الكافر ينام كثيراً، وكأن أعضاءه تريد أن ترتاح من شره.
ولا بُدّ أن نعلم أن ذرات الكون وذرات الإنسان في تسبيحها للخالق سبحانه، أنه تسبيح فوق مدارك البشر؛ لذلك قال تعالى: {ولكن لاَّ تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ..} [الإسراء: 44].
فلا يفقهه ولا يفهمه إلا مَنْ منحه الله القدرة على هذا، كما منح هذه الميزة لداود عليه السلام فقال: {وَسَخَّرْنَا مَعَ دَاوُودَ الجبال يُسَبِّحْنَ والطير وَكُنَّا فَاعِلِينَ} [الأنبياء: 79].
وهنا قد يقول قائل: ما الميزة هنا، والجبال والطير تُسبّح الله بدون داود؟
والميزة هنا لداود عليه السلام أن الله تعالى أسمعه تسبيح الجبال وتسبيح الطير، وجعلها تتجاوب معه في تسبيحه وكأنه(كورس) أو نشيد جماعي تتوافق فيه الأصوات، وتتناغم بتسبيح الله تعالى، ألم يقل الحق سبحانه في آية أخرى: {ياجبال أَوِّبِي مَعَهُ والطير..} [سبأ: 10].
أي: رَجِّعي معه وردِّدي التسبيح.
ومن ذلك أيضاً ما وهبه الله تعالى لنبيه سليمان عليه السلام من معرفة منطق الطير أي لغته، فكان يسمع النملة وهي تخاطب بني جنسها ويفهم ما تريد، وهذا فضل من الله يهبه لمَنْ يشاء من عباده، لذلك لما فهم سليمان عليه السلام لغة النملة، وفهم ما تريده من تحذير غيرها تبسم ضاحكاً: {وَقَالَ رَبِّ أوزعني أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ التي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وعلى وَالِدَيَّ..} [النمل: 19].
إذن: لكل مخلوق من مخلوقات الله لغة ومنطق، لا يعلمها ولا يفهمها إلا مَنْ يُيسِّر الله له هذا العلم وهذا الفهم.
وحينما نقرأ عن هذه القضية نجد بعض كُتَّاب السيرة مثلاً يقولون: سبَّح الحصى في يد النبي صلى الله عليه وسلم نقول لهم: تعبيركم هذا غير دقيق، لأن الحصى يُسبِّح في يده صلى الله عليه وسلم كما يُسبِّح في يد أبي جهل، لكن الميزة أنه صلى الله عليه وسلم سمع تسبيح الحصى في يده، وهذه من معجزاته صلى الله عليه وسلم.
والحق سبحانه يريد أنْ يلفتنا إلى حقيقة من حقائق الكون، وهي كما أن لك حياة خاصة بك، فاعلم أن لكل شيء دونك حياة أيضاً، لكن ليستْ كحياتك أنت، بدليل قول الحق سبحانه: {كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلاَّ وَجْهَهُ..} [القصص: 88].
فكل ما يُطلق عليه شيء مهما قَلَّ فهو هالك، والهلاك ضد الحياة؛ لأن الله تعالى قال: {لِّيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَن بَيِّنَةٍ ويحيى مَنْ حَيَّ عَن بَيِّنَةٍ..} [الأنفال: 42] فدلَّ على أن له حياة تُناسبه.
ونعود إلى قوله الحق سبحانه: {وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حتى نَبْعَثَ رَسُولاً} [الإسراء: 15].
فإن اهتدى الإنسان بفطرته إلى وجود الخالق سبحانه، فمن الذي يُعْلِمه بمرادات الخالق سبحانه منه، إذن: لابد من رسول يُبلِّغ عن الله، ويُنبِّه الفطرة الغافلة عن وجوده تعالى.
ثم يقول الحق سبحانه: {وَإِذَآ أَرَدْنَآ أَن نُّهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُواْ فِيهَا فَحَقَّ عَلَيْهَا القول فَدَمَّرْنَاهَا تَدْمِيراً}.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://el-quran.ahlamontada.com
Admin
Admin
Admin


المساهمات : 4240
تاريخ التسجيل : 20/01/2018

  تفسير سورة الإسراء صفحة 283 من القرآن الكريم للشيخ الشعراوي	 Empty
مُساهمةموضوع: رد: تفسير سورة الإسراء صفحة 283 من القرآن الكريم للشيخ الشعراوي      تفسير سورة الإسراء صفحة 283 من القرآن الكريم للشيخ الشعراوي	 Emptyالجمعة مارس 02, 2018 5:51 am


.تفسير الآية رقم (16):

{وَإِذَا أَرَدْنَا أَنْ نُهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُوا فِيهَا فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ فَدَمَّرْنَاهَا تَدْمِيرًا (16)}
الحق تبارك وتعالى في هذه الآية يعطينا مثالاً لعاقبة الخروج عن منهج الله تعالى؛ لأنه سبحانه حينما يُرسل رسولاً ليُبلِّغ منهجه إلى خَلْقه، فلا عُذْرَ للخارجين عنه؛ لأنه منهج من الخالق الرازق المنعم، الذي يستحق منا الطاعة والانقياد. وكيف يتقلب الإنسان في نعمة ربه ثم يعصاه؟ إنه رَدٌّ غير لائق للجميل، وإنكار للمعروف الذي يسوقه إليك ليل نهار، بل في كل نَفَسٍ من أنفاسك.
ولو كان هذا المنهج من عند البشر لكان هناك عُذْر لمَنْ خرج عنه، ولذلك يقولون: (من يأكل لقمتي يسمع كلمتي).
كما أن هذا المنعم سبحانه لم يفاجئك بالتكليف، بل كلفك في وقَت مناسب، في وقت استوت فيه ملكاتُكَ وقدراتُكَ، وأصبحتَ بالغاً صالحاً لحمل هذا التكليف، فتركك خمسة عشر عاماً تربع في نعمه وتتمتع بخيره، فكان الأَوْلَى بك أن تستمع إلى منهج ربك، وتُنفِّذه أمراً ونهياً؛ لأنه سبحانه أوجدك من دم وأمدَّك من عُدم.
والمتأمل في قضية التكليف يرى أن الحق سبحانه أمر بعضنا أن يُكلِّف بعضاً، كما قال تعالى: {وَأْمُرْ أَهْلَكَ بالصلاة واصطبر عَلَيْهَا..} [طه: 132].
وقد شرح لنا النبي صلى الله عليه وسلم هذه القضية فقال: (مُرُوا أولادكم بالصلاة لسبع، واضربوهم عليها لعشر).
وهذا التكليف وإنْ كان في ظاهره من الأهل لأولادهم، إلا أنه في حقيقته من الله تعالى فهو الآمر للجميع، ولكن أراد الحق سبحانه أن يكون التكليف الأول في هذه السن من القريب المباشر المحسّ أمام الطفل، فأبوه هو صاحب النعمة المحسّة حيث يوفر لولده الطعام والشراب، وكل متطلبات حياته، فإذا ما كلفه أبوه كان أَدْعَى إلى الانصياع والطاعة؛ لأن الولد في هذه السن المبكرة لا تتسع مداركه لمعرفة المنعم الحقيقي، وهو الله تعالى.
لذلك أمر الأب أن يعوّد ولده على تحمُّل التكليف وأن يعاقبه إنْ قصَّر؛ لأن الآمر بالفعل هو الذي يُعاقب على الإهمال فيه. حتى إذا بلغ الولد سِنًّ التكليف الحقيقي من المنعم الأعلى سبحانه كان عند الولد أُنْس بالتكليف وتعودُّ عليه، وبذَلك يأتي التكليف الإلهي خفيفاً على النفس مألوفاً عندها.
أما إن أخذتَ نِعم الله وانصرفتَ عن منهجه فطغيْتَ بالنعمة وبغيتَ فانتظر الانتقام، انتظر أَخْذه سبحانه وسنته التي لا تتخلف ولا تُردُّ عن القوم الظالمين في الدنيا قبل الآخرة.
واعلم أن هذا الانتقام ضروري لحفظ سلامة الحياة، فالناس إذا رأوا الظالمين والعاصين والمتكبرين يرتعُونَ في نعَم الله في أمن وسلامة، فسوف يُغريهم هذا بأن يكونوا مثلهم، وأنْ يتخذوهم قدوة ومثلاً، فيهم الفساد والظلم وينهار المجتمع من أساسه.
أما إنْ رَأوْا انتقام الحق سبحانه من هؤلاء، وشاهدوهم أذلاّء منكسِرينَ، فسوف يأخذون منهم عبرة وعظة، والعاقل مَنِ اعتبر بغيره، واستفاد من تجارب الآخرين.
فالانتقام من الله تعالى لحكمة أرادها سبحانه وتعالى، وكم رأينا من أشخاص وبلاد حاقَ بهم سوء أعمالهم حتى أصبحوا عِبرةً ومُثْلة ومَنْ لم يعتبر كان عبرة حتى لمَنْ لم يؤمن، وبذلك تعتدل حركة الحياة، حيث يشاهد الجميع ما نزل بالمفسدين من خراب ودمار، وإذا استقرأت البلاد في نواحي العالم المختلفة لتيسَّر لك الوقوف على هذه السُّنة الإلهية في بلاد بعينها، ولاستطعْتَ أن تعزو ما حدث لها إلى أسباب واضحة من الخروج عن منهج الحق سبحانه.
وصدق الله حين قال: {وَضَرَبَ الله مَثَلاً قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُّطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَداً مِّن كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ الله فَأَذَاقَهَا الله لِبَاسَ الجوع والخوف بِمَا كَانُواْ يَصْنَعُونَ} [النحل: 112].
وإياك أن تظن أن الحق سبحانه يمكن أن يهمل الفسقة والخارجين عن منهجه، فلابد أن يأتي اليوم الذي يأخذهم فيه أخْذَ عزيز مُقْتدر، وإلاَّ لكانت أُسْوة سيئة تدعو إلى الإفساد في حركة الحياة.
قال تعالى: {وَإِذَآ أَرَدْنَآ أَن نُّهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُواْ فِيهَا فَحَقَّ عَلَيْهَا القول فَدَمَّرْنَاهَا تَدْمِيراً} [الإسراء: 16].
الآفة أن الذين يستقبلون نصَّ القرآن يفهمون خطأ أن {فَفَسَقُواْ} مترتبة على الأمر الذي قبلها، فيكون المعنى أن الله تعالى هو الذي أمرهم بالفسق، وهذا فهم غريب لمعنى الآية الكريمة، وهذا الأمر صادر من الحق سبحانه إلى المؤمنين، فتعالوا نَرَ أوامر الله في القرآن: {وَمَآ أمروا إِلاَّ لِيَعْبُدُواْ الله مُخْلِصِينَ لَهُ الدين..} [البينة: 5].
{أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ رَبَّ هَذِهِ البلدة..} [النمل: 91].
{وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ المسلمين} [يونس: 72].
فأمْر الله تعالى لا يكون إلا بطاعة وخير، ولا يأمر سبحانه بفسق أو فحشاء، كما ذكر القرآن الكريم، وعلى هذا يكون المراد من الآية: أمرنا مترفيها بطاعتنا وبمنهجنا، ولكنهم خالفوا وعَصَوْا وفسقوا؛ لذلك حَقَّ عليهم العذاب.
والأمر: طَلَب من الأعلى، وهو الله تعالى إلى الأدنى، وهم الخَلْق طلب منهم الطاعة والعبادة، فاستغلُّوا فرصة الاختيار ففسقوا وخالفوا أمر الله.
قوله: {وَإِذَآ أَرَدْنَآ أَن نُّهْلِكَ قَرْيَةً..} [الإسراء: 16].
من الخطأ أن نفهم المعنى على أن الله أراد أولاً هلاكهم ففسقوا؛ لأن الفهم المستقيم للآية أنهم فسقوا فأراد الله إهلاكهم. و{قَرْيَةً} أي أهل القرية.
وقوله: {فَحَقَّ عَلَيْهَا القول..} [الإسراء: 16].
أي: وجب لها العذاب، كما قال تعالى: {كَذَلِكَ حَقَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ عَلَى الذين فسقوا..} [يونس: 33].
وقد أوجب الله لها العذاب لتسلَم حركة الحياة، وليحمي المؤمنين من أذى الذين لا يؤمنون بالآخرة.
وقوله تعالى: {فَدَمَّرْنَاهَا تَدْمِيراً..} [الإسراء: 16].
أي: خربناها، وجعلناها أثراً بعد عَيْن، وليستْ هذه هي الأولى، بل إذا استقرأتَ التاريخ خاصة تاريخ الكفرة والمعاندين فسوف تجد قرى كثيرة أهلكها الله ولم يبقى منها إلا آثاراً شاخصة شاهدة عليهم، كما قال تعالى: {وَكَمْ أَهْلَكْنَا مِنَ القرون مِن بَعْدِ نُوحٍ وكفى بِرَبِّكَ بِذُنُوبِ عِبَادِهِ خَبِيرَاً بَصِيراً}.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://el-quran.ahlamontada.com
Admin
Admin
Admin


المساهمات : 4240
تاريخ التسجيل : 20/01/2018

  تفسير سورة الإسراء صفحة 283 من القرآن الكريم للشيخ الشعراوي	 Empty
مُساهمةموضوع: رد: تفسير سورة الإسراء صفحة 283 من القرآن الكريم للشيخ الشعراوي      تفسير سورة الإسراء صفحة 283 من القرآن الكريم للشيخ الشعراوي	 Emptyالجمعة مارس 02, 2018 5:51 am


.تفسير الآية رقم (17):

{وَكَمْ أَهْلَكْنَا مِنَ الْقُرُونِ مِنْ بَعْدِ نُوحٍ وَكَفَى بِرَبِّكَ بِذُنُوبِ عِبَادِهِ خَبِيرًا بَصِيرًا (17)}
فأيْن عاد وثمود وقوم لوط وقوم صالح؟ إذن: فالآية قضية قولية، لها من الواقع ما يُصدِّقها.
وقوله: {مِن بَعْدِ نُوحٍ..} [الإسراء: 17].
دَلَّ على أن هذا الأخذ وهذا العذاب لم يحدث فيما قبل نوح؛ لأن الناس كانوا قريبي عَهْد بخَلْق الله لآدم عليه السلام كما أنه كان يلقنهم معرفة الله وما يضمن لهم سلامة الحياة، أما بعد نوح فقد ظهر الفساد والكفر والجحود، فنزل بهم العذاب. الذي لم يسبق له مثيل.
قال تعالى: {والفجر وَلَيالٍ عَشْرٍ والشفع والوتر والليل إِذَا يَسْرِ هَلْ فِي ذَلِكَ قَسَمٌ لِّذِى حِجْرٍ أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِعَادٍ إِرَمَ ذَاتِ العماد التي لَمْ يُخْلَقْ مِثْلُهَا فِي البلاد وَثَمُودَ الذين جَابُواْ الصخر بالواد وَفِرْعَوْنَ ذِى الأوتاد الذين طَغَوْاْ فِي البلاد فَأَكْثَرُواْ فِيهَا الفساد فَصَبَّ عَلَيْهِمْ رَبُّكَ سَوْطَ عَذَابٍ إِنَّ رَبَّكَ لبالمرصاد} [الفجر: 1-14].
ولنا وَقْفة سريعة مع هذه الآيات من سورة الفجر، فقد خاطب الحق سبحانه رسوله صلى الله عليه وسلم بقوله: {أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِعَادٍ} [الفجر: 6].
و{أَلَمْ تَرَ} بمعنى: ألم تعلم؛ لأن النبي لم ير ما فعله الله بعاد، فلماذا عدل السياق القرآني عن: تعلم إلى تَرَ؟
قالوا: لأن إعلام الله لرسوله أصدق من عينه ورؤيته، ومثلها قوله تعالى: {أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحَابِ الفيل} [الفيل: 1].
حيث وُلِد رسول الله في عام الفيل، ولم يكن رأى شيئاً.
وفي آيات سورة(الفجر) ما يدلُّنا على أن حضارة عاد التي لا نكاد نعرف عنها شيئاً كانت أعظمَ من حضارة الفراعنة التي لفتتْ أنظار العالم كله؛ ذلك لأن الحق تبارك وتعالى قال عن عاد: {التي لَمْ يُخْلَقْ مِثْلُهَا فِي البلاد} [الفجر: 8].
أي: لا مثيلَ لها في كل حضارات العالم، في حين قال عن حضارة الفراعنة: {وَفِرْعَوْنَ ذِى الأوتاد} [الفجر: 10] مجرد هذا الوصف فقط. وقوله تعالى: {وَكَمْ أَهْلَكْنَا مِنَ القرون..} [الإسراء: 17].
كَمْ: تدل على كثرة العدد.
والقرون: جمع قرن، وهو في الاصطلاح الزمني مائة عام، ويُطلَق على القوم المقترنين معاً في الحياة، ولو على مبدأ من المبادئ، وتوارثه الناس فيما بينهم.
وقد يُطلَق القرن على أكثر من مائة عام كما نقول: قرن نوح، قرن هود، قرن فرعون. أي: الفترة التي عاشها.
وقوله: {وكفى بِرَبِّكَ بِذُنُوبِ عِبَادِهِ خَبِيرَاً بَصِيراً..} [الإسراء: 17].
أي: أنه سبحانه غنيّ عن إخبار أحد بذنوب عباده، فهو أعلم بها، لأنه سبحانه لا تخفى عليه خافية في الأرض ولا في السماء: {يَعْلَمُ خَآئِنَةَ الأعين وَمَا تُخْفِي الصدور} [غافر: 19].
فلا يحتاج لمَنْ يخبره؛ لأنه خبير وبصير، هكذا بصيغة المبالغة.
وهنا قد يقول قائل: طالما أن الله تعالى يعلم كل شيء ولا تخفى عليه خافية، فلماذا يسأل الناس يوم القيامة عن أعمالهم؟
نقول: لأن السؤال يَرِدُ لإحدى فائدتين:
الأولى: كأنْ يسألَ الطالب أستاذه عن شيء لا يعلمه، فالهدف أنْ يعلم ما جهل.
والأخرى: كأن يسأل الأستاذ تلميذه في الامتحان، لا ليعلم منه، ولكن ليقرره بما علم.
وهكذا الحق سبحانه ولله المثل الأعلى يسأل عبده يوم القيامة عن أعماله ليقرره بها، وليجعله شاهداً على نفسه، كما قال: {اقرأ كتابك كفى بِنَفْسِكَ اليوم عَلَيْكَ حَسِيباً} [الإسراء: 14].
وقوله تعالى: {وكفى بِرَبِّكَ..} [الإسراء: 17].
كما تقول: كفى بفلان كذا، أي: أنك ترتضيه وتثقُ به، فالمعنى: يكفيك ربك فلا تحتاج لغيره، وقد سبق أنْ أوضحنا أن الله تعالى في يده كل السلطات حينما يقضي: السلطة التشريعية، والسلطة القضائية، والسلطة التنفيذية، وهو سبحانه غنيّ عن الشهود والبينة والدليل.
إذن: كفى به سبحانه حاكماً وقاضياً وشاهداً. ولأن الحق سبحانه خبير بصير بذنوب عباده، فعقابه عَدْل لا ظلمَ فيه.
ثم يقول الحق سبحانه: {مَّن كَانَ يُرِيدُ العاجلة عَجَّلْنَا لَهُ فِيهَا مَا نَشَآءُ لِمَن نُّرِيدُ ثُمَّ جَعَلْنَا لَهُ جَهَنَّمَ يَصْلاهَا مَذْمُوماً مَّدْحُوراً}.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://el-quran.ahlamontada.com
Admin
Admin
Admin


المساهمات : 4240
تاريخ التسجيل : 20/01/2018

  تفسير سورة الإسراء صفحة 283 من القرآن الكريم للشيخ الشعراوي	 Empty
مُساهمةموضوع: رد: تفسير سورة الإسراء صفحة 283 من القرآن الكريم للشيخ الشعراوي      تفسير سورة الإسراء صفحة 283 من القرآن الكريم للشيخ الشعراوي	 Emptyالجمعة مارس 02, 2018 5:51 am


♥️••♥️••♥️••♥️••♥️••♥️••♥️••♥️••♥️••♥️••♥️••♥️••♥️••♥️••♥️••♥️
لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ♥️لَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ العَلِيِّ العَظِيمِ ♥️سُبْحَانَ اللَّهِ ♥️وَالْحَمْدُ لِلَّهِ ♥️وَلَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ ♥️وَاللهُ أَكْبَرُ
اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ، ♥️وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ، ♥️كَمَا صَلَّيْتَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ، ♥️وَعَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ، ♥️إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ، ♥️وَبَارِكْ عَلَى مُحَمَّدٍ، ♥️وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ، ♥️كَمَا بَارَكْتَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ، ♥️وَعَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ،♥️فِي الْعَالَمِينَ ♥️إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ ♥️صَلَّ اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
أسْتَغْفِرُ اللهَ العَظِيمَ ♥️الَّذِي لاَ إلَهَ إلاَّ هُوَ، ♥️الحَيُّ القَيُّومُ، ♥️وَأتُوبُ إلَيهِ
حَسْبِيَ اللَّهُ لا إِلَـهَ إِلاَّ هُوَ ♥️عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ ♥️وَهُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ
حسبنا الله ♥️♥️ونعم الوكيل ♥️نعم المولى ♥️ونعم النصير
اللَّهُمَّ انصر واعز الاسلام والمسلمين ♥️واعلي بفضلك كلمتي الحق والدين

*۞ اللَّهُمَّ إجعل ما كتبناهُ وما قلناهُ وما نقلناه ♥️حُجة ً لنا لا علينا ♥️يوم ان نلقاك *

وأنا مُلْتَمِسٌ من قارئ حازَ من هذا السِّفر نَفْعَاً ألا ينساني بدعوة صالحة خالصة في السَّحَر ، وليعلم أن ما في هذا الكتاب مِن غُنْم فحلال زُلال له ولغيره ، وما كان مِن غرم فهو عَلَى كاهلي وظهري ، وأبرأ إلى الله من كل خطأ مقصود ، وأستعيذه من كل مأثم ومغرم ‏.‏
فدونك أيها القارئ هذا الكتاب ، اقرأه واعمل بما فيه ، فإن عجزت فَأَقْرِأْهُ غيرَك وادْعُه أن يعمل بما فيه ، فإن عجزتَ – وما إِخَالُكَ بِعَاجِزٍ – فبطْن الأرض حينئذ خيرٌ لك من ظاهرها ‏.‏
ومن سويداء قلبي أسأل الله تبارك وتعالى أن ينفعك بما فيه وأن يقوّيَك على العمل بما انتفعت به ، وأن يرزقك الصبر على ما قد يلحقك من عَنَتٍ وأذى ، وأن يتقبل منك سعيك في خدمة الدين ، وعند الله اللقاء ، وعند الله الجزاء
ونقله لكم الْأَمَةُ الْفَقِيرَةَ الى عفو الله ومرضاته . غفر الله لها ولوالديها ولاخواتها وذرياتها ولاهلها ولأُمّة نبينا محمد صَلَّ اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اجمعين ويجعلنا من عباده الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَالْقَانِتِينَ وَالْقَانِتَاتِ وَالصَّادِقِينَ وَالصَّادِقَاتِ وَالصَّابِرِينَ وَالصَّابِرَاتِ وَالْخَاشِعِينَ وَالْخَاشِعَاتِ وَالْمُتَصَدِّقِينَ وَالْمُتَصَدِّقَاتِ وَالصَّائِمِينَ وَالصَّائِمَاتِ وَالْحَافِظِينَ فُرُوجَهُمْ وَالْحَافِظَاتِ وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتِ وَالْمُنفِقِينَ وَالْمُسْتَغْفِرِينَ بِالأَسْحَارِوَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنْ النَّاسِ وَالْمُحْسِنِينَ والْمُتَّقِينَ الأَحيَاءِ مِنهُم وَالأَموَاتِ اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِحَيِّنَا وَمَيِّتِنَا وَصَغِيرِنَا وَكَبِيرِنَا وَذَكَرِنَا وَأُنْثَانَا وَشَاهِدِنَا وَغَائِبِنَا ، اللَّهُمَّ مَنْ أَحْيَيْتَهُ مِنَّا فَأَحْيِهِ عَلَى الْإِيمَانِ ، وَمَنْ تَوَفَّيْتَهُ مِنَّا فَتَوَفَّهُ عَلَى الْإِسْلَامِ ويجمعنا اجمعين فى اعلى درجات الجنة مع نبينا محمد وجميع النَّبِيِّينَ والْمُرْسَلِينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا
تحققت الآمال و توفر لهم كل شئ فلم يبق إلا الثناء
وأخيرًا أسأل الله أن يتقبلني انا وذريتى ووالداى واخواتى واهلى والمسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات وامة محمد اجمعين صَلَّ اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الاحياء منهم والاموات شهيدًا في سبيله وأن يلحقناويسكنا الفردوس الاعلى من الجنة مع النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا أسألكم أن تسامحوني وتغفروا لي زلاتي وأخطــائي وأن يرضى الله عنا وترضــوا عنــا وتهتمــوا وأسال الله العظيم ان ينفع بمانقلت للمسلمين والمسلمات
سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وبِحَمْدِكَ، أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلاَّ أَنْتَ أَسْتَغْفِرُكَ وَأَتُوبُ إِلَيْكَ
دَعْوَاهُمْ فِيهَا سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَتَحِيَّتُهُمْ فِيهَا سَلَامٌ ۚ وَآخِرُ دَعْوَاهُمْ أَنِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ
آميــٍـِـِـٍـٍـٍنْ يـــآرّبْ العآلميــــن
♥️♥️♥️۞ وَاللَّهُ تَعَالَى أَعْلَىَ وأَعْلَمُ وأَحكَمُ، ورَدُّ العلمِ إليه أَسلَمُ ♥️♥️♥️
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://el-quran.ahlamontada.com
 
تفسير سورة الإسراء صفحة 283 من القرآن الكريم للشيخ الشعراوي
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
»  تفسير سورة الإسراء صفحة 282 من القرآن الكريم للشيخ الشعراوي
»  تفسير سورة الإسراء صفحة 284 من القرآن الكريم للشيخ الشعراوي
»  تفسير سورة الإسراء صفحة 285 من القرآن الكريم للشيخ الشعراوي
»  تفسير سورة الإسراء صفحة 286 من القرآن الكريم للشيخ الشعراوي
»  تفسير سورة الإسراء صفحة 287 من القرآن الكريم للشيخ الشعراوي

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
القرآن الكريم والسُنَّة النبوية والاعجاز :: ♥(( اقسام القرآن الكريم ))♥ :: القرآن الكريم وعلم التفسير-
انتقل الى: