۞بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ۞
۞ٱلْسَلآمّ ٍعَلْيّكَمُ وٍرٍحَمُةٌ اللَّــْـْہ ۆبُركَاته۞
۞أَعُوذُ بِاللَّهِ السَّمِيعِ الْعَلِيمِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ من
هَمْزِهِ،
ونَفْثِهِ،
ونَفْخِهِ۞
۞الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ۞
۞أَشْهَدُ أَنّ لَّا إِلَٰهَ إِلَّإ الله
وأَشْهَدُ ان محمداً رسول الله۞
۞تحية من عند الله طيبة مباركة۞
العقيدة من مفهوم القران والسنة - الدرس ( 10) : الأدلة على صدق رسالة محمدرسول الله
من مسلمات هذا الدين :
أيها الأخوة الكرام, مع الدرس الخامس عشر من دروس العقيدة، وقد كان الموضوع السابق: هنالك مسلمات في ديننا لا يمكن نكرانها أو التشكيك بها
مقتضيات الإيمان بأن محمداً رسول الله, ثم تحدثنا عن نواقض شهادة أن محمداً رسول الله, واليوم ننتقل إلى الأدلة البينة على صدق رسالة محمد صلى الله عليه وسلم .
أيها الأخوة الكرام, هناك مسلمات في هذا الدين: المسلمة الأولى: أن الله سبحانه وتعالى واحد في خلقه, واحد في أفعاله, واحد في صفاته، شهادة أن لا إله إلا الله, وقد تحدثنا عنها كثيراً، المسلمة الثانية: أن محمد صلى الله عليه وسلم رسول الله, تحدثنا عن مقتضياتها, وعن نواقضها .
هل تقبل دعوة محمد بن عبد الله على أنه رسول الله من دون دليل؟ :
اليوم ننتقل إلى أدلتها. الله عز وجل يقول:
﴿لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ﴾
[سورة الحديد الآية: 25]
لا يمكن أن يقبل الناس دعوى إنسان, أنه رسول الله, من دون أدلة قطعية جامعة مانعة, فالله عز وجل ما كان له أن يرسل رسولاً بلا بينات, لأن هذه الرسالة مصيرية, تتعلق بها سعادة الإنسان الأبدية, فإنسان يمثل خالق السموات والأرض, مبعوث العناية الإلهية, ما في معه دليل, ما في معه بينة, هذا مستحيل .
من دلائل نبوة محمد عليه الصلاة والسلام :
1-المعجزة القرآنية :
﴿لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ﴾
[سورة الحديد الآية: 25]
القرآن الكريم معجزة رسول الله المستمرة
هذه البينات أولها: المعجزة القرآنية, وأهم شيء في هذه المعجزة: أن الله حفظها من أي تعديل, أو تغيير, أو انتحال, أو تزوير, قال تعالى:
﴿إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ﴾
[سورة الحجر الآية: 9]
يعني النبي عيسى عليه وعلى نبينا أفضل الصلاة والسلام, معجزته شيء, وبيانه شيء آخر, حفظت المعجزة, وقعت ولم تقع مرةً ثانية, معجزة حسية, ليس هناك ارتباط بين المعجزة والبيان, كذلك سيدنا موسى معجزته العصا وبيانه التوراة, إلا أن النبي عليه الصلاة والسلام معجزته تنطبق على بيانه، بيانه القرآن الكريم وحي الله عز وجل, ومعجزته القرآن الكريم, لأن القرآن الكريم معجزة النبي المستمرة، لماذا هي مستمرة؟ لأن النبي خاتم الأنبياء, ولأن رسالته خاتمة الرسالات, إذاً: ينبغي أن تكون معجزته مستمرة, ولم تكن مستمرة إلا إذا كانت علمية بيانية .
وقالوا:
﴿وَقَالُوا لَوْلَا أُنْزِلَ عَلَيْهِ آَيَاتٌ مِنْ رَبِّهِ قُلْ إِنَّمَا الْآَيَاتُ عِنْدَ اللَّهِ وَإِنَّمَا أَنَا نَذِيرٌ مُبِينٌ * أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ أَنَّا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ يُتْلَى عَلَيْهِمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَرَحْمَةً وَذِكْرَى لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ﴾
[سورة العنكبوت الآية: 50-51]
إليكم أدلة الإيمان بالله وبرسوله :
في ثلاثة أشياء مهمة جداً: يمكن أن تؤمن عن طريق العقل إيماناً قطعياً بوجود الله من خلال الكون؛ بوجود الله ووحدانيته وكماله, ويمكن أن تؤمن إيماناً عقلياً قطعياً, بأن القرآن كلام الله عن طريق إعجازه, ويمكن أن تؤمن إيماناً عقلياً قطعياً, أن هذا الإنسان الذي جاء بهذا القرآن, هو رسول الله من خلال القرآن، الإيمان بالله من خلال الكون, والإيمان بالقرآن من خلال المعجزات, والإيمان بالرسول من خلال القرآن .
إذا آمنت بأن الله موجود, وواحد, وكامل, وأن كلامه كلام قديم, وحي أوحاه الله إلى النبي, هذا الذي جاء بهذا الوحي المعجز, هو قطعاً رسول الله، انتهى دور العقل, جاء دور النقل الآن, بعد أن آمنت بخالق الكون الواحد والكامل, وبعد أن آمنت بهذا القرآن أن كلام الله, وبعد أن آمنت بهذا الإنسان, أنه جاء بهذا القرآن, أنه رسول الله, وبعد أن آمنت بأن هذا الإنسان الذي جاء بالقرآن هو رسول الله, الآن هذا الإنسان الذي آمنت به رسولاً, سيتكلم, كلامه وحي, آخر كلامه وحي غير متلو, كلامه بيان لهذا القرآن .
إذاً: نحن عندنا وحي متلو من خالق الأكوان, ومعنا وحي يبين الوحي المتلو من سيد الكائنات رسول الله صلى الله عليه وسلم، انتهى دور العقل, أي شيء أخبرك القرآن به, تؤمن به تبعاً, وأي شيء أخبرك النبي عليه الصلاة والسلام, تؤمن به تبعاً .
ما هما الثابتان اللذان لا يصل إليهما الشك في الدين الإسلامي؟ :
القرآن والسنة ثابتان لا يصل إليهما الشك
فنحن معنا كتاب وسنة, لذلك قال عليه الصلاة والسلام:
((شيئان ما إن تمسكتم بهما فلن تضلوا بعدي أبداً؛ كتاب الله وسنة رسوله))
الكتاب وحي يوحى, والسنة بيان المعصوم، عصم النبي من أن يخطئ في أقواله, وأفعاله, وإقراره, وصفاته .
عندنا ثابتين لا يصل الشك إليهما؛ القرآن والسنة, وعندنا ثابت أول هو الكون، الثابت الأول الذي يخضع له كل الخلق هو الكون, والثابت الثاني القرآن, والثالث السنة, لأن القرآن كلام الله, ولأن القرآن منهج الأمة كلها, ومنهج شعوب الأرض كلهم, يجب أن يكون محفوظاً.
اعلم هذا :
من تمام حفظ القرآن حفظ السنة, لذلك قيض الله لهذه الأمة رجالاً, في مستوى من الإدراك, يفوق حد الخيال, واشتغلوا بعلم الحديث, حتى نقحوا أحاديث رسول الله, وأخذوا الصحيح, وأشاروا على الضعيف والموضوع .
لذلك القرآن قطعي الثبوت, بعضه قطعي الدلالة, وبعضه ظني الدلالة, والسنة ظنية الثبوت, لأن بعضها صحيح متواتر, صحيح حسن, وبعضها ضعيف وموضوع, والسنة ظنية الثبوت, وظنية الدلالة .
إليكم هذا الدليل أيضاً من الكتاب يؤكد فيه على أن محمد رسول من عند الله :
آية ثانية الأولى: أي شيء عجز العقل عن إدراكه أخبرنا الوحي به
﴿أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ أَنَّا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ يُتْلَى عَلَيْهِمْ﴾
[سورة العنكبوت الآية: 51]
يعني أولم يكفهم دليلاً على أنك رسولي .
الدليل العقلي على أن سيدنا محمداً صلى الله عليه وسلم هو رسول الله القرآن, والدليل العقلي على أن هذا القرآن كلام الله هو الإعجاز, والدليل العقلي على أن الله عز وجل خالق الأكوان الكون, هذه الثوابت, الوحي يكمل الثوابت, أي شيء أخبرك الله به تؤمن به لا تحقيقاً ولكن تصديقاً, أخبرك أن هناك يوماً آخر, أخبرك أن هناك حوضاً, وصراطاً, وميزاناً, أخبرك أن هناك جنةً وناراً, أخبرك أن البشرية بدأت بآدم, فأي شيء عجز العقل عن إدراكه, أخبرك الوحي به .
من معاني الميزان في هذه الآية :
قال تعالى: ينتهي دور العقل بالإيمان بالله ورسوله وكتابه
﴿وَالسَّمَاءَ رَفَعَهَا وَوَضَعَ الْمِيزَانَ﴾
[سورة الرحمن الآية: 7]
يعني من معاني كلمة ميزان: أنه العقل، أعطاك ميزان, لكن هذا الميزان استعماله محدود, شاءت حكمة الله أن يكون استعمال هذا الميزان محدوداً, يعني ميزان, في بقالية مكتوب عليه من خمسة غرامات إلى ثلاثة آلاف غرام, ما دمت تستخدمه ضمن هذين الحدين, أعطاك نتائج دقيقة جداً, لكن هذا الميزان محدود الاستعمال, لا تستطيع أن تزن به مركبتك تحطمه, إذاً: المركبة يعجز هذا الميزان عن وزنها, المركبة عليها لوحة, كتب وزنها كذا, فكل شيء عجز العقل عن إدراكه, أخبرك الله به, صار الوحي يتكامل مع العقل، بالعقل آمنت بالله موجوداً وواحداً وكاملاً, بالعقل آمنت بهذا القرآن كلام الله عز وجل, بالعقل آمنت بأن هذا الإنسان هو رسول الله, انتهى العقل .
هذا دور العقل :
مريض يبحث بعقله عن طبيب, يحمل أعلى شهادة, يتمتع بقدرات عالية, له سمعة طيبة, له اتجاه ديني, يخاف الله, يخشى الله, بحثت بحثت إلى أن وصلت إلى هذا الطبيب, وصلت إليه بعقلك, دخلت على عنده, قال لك: ممنوع استعمال الملح, لماذا هنا؟ ما في عقل, عقلك قادك إلى أنه أعلم الأطباء, الآن يتعطل العقل, تتلقى من تلقي, بعد أن آمنت بالله خالقاً, مربياً, مسيراً, واحداً, موجوداً, كاملاً من خلال هذا الكون وعن طريق العقل, بعد أن آمنت بأن هذا القرآن كلامه من خلال إعجازه وعن طريق العقل, بعد أن آمنت بأن هذا الإنسان رسوله من خلال قرآنه, وعن طريق العقل, انتهى دور العقل .
إليك دور النقل :
صدق المصدر دليل قطعي على صدق ما ورد عنه
قال لك: في جن, أين؟ ما في, أين؟ هذا دليل, اسمه دليل إخباري, له اسم ثان: دليل سمعي, دليل نقلي, أو سمعي, أو إخباري, هذا دليل قطعي, لأنه بقدر ثقتك بالمتكلم, ثقتك بكلامه, هذا أخبرك الله به, أخبرك أن هذه البشرية بدأت من آدم، آدم انتهى, قال دارون: قرد أصله، أنا معي دليل نقلي قطعي, أخبرك الله أن الله لا يظلم, إذاً لا يظلم, لو رأيت حرباً أهلية, لو رأيت اجتياحاً, لو رأيت مجاعات في العالم, لو رأيت شعوباً ينكل بها, هناك حكمة لا أعلمها, لكن الله أخبرني, وهو الصادق, أنه لا يظلم أحداً .
ما تميز به النبي عن أخوانه من الأنبياء :
يقول عليه الصلاة والسلام فيما ورد في الصحيحين: حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ, حَدَّثَنَا لَيْثٌ, عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي سَعِيدٍ, عَنْ أَبِيهِ, عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ, أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:
((مَا مِنْ الْأَنْبِيَاءِ مِنْ نَبِيٍّ, إِلَّا قَدْ أُعْطِيَ مِنْ الْآيَاتِ مَا مِثْلُهُ, آمَنَ عَلَيْهِ الْبَشَرُ, وَإِنَّمَا كَانَ الَّذِي أُوتِيتُ وَحْيًا أَوْحَى اللَّهُ إِلَيَّ, فَأَرْجُو أَنْ أَكُونَ أَكْثَرَهُمْ تَابِعًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ))
يعني ما في نبي إلا معه أدلة قطعية بينات معجزات, تكون أدلةً كافيةً للناس, ليصدقوا أنهم نبي, وإنما كان الذي أوتي به سيدنا موسى العصا, سيدنا عيسى إكماه الأبره والأبرص, وسيدنا إبراهيم ألقي في النار .
((وَإِنَّمَا كَانَ الَّذِي أُوتِيتُ وَحْيًا أَوْحَى اللَّهُ إِلَيَّ, فَأَرْجُو أَنْ أَكُونَ أَكْثَرَهُمْ تَابِعًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ))
يعني بنص حديث رسول الله بتصريح النبي, أنا معجزتي الوحي, والوحي بين أيدينا, وهذه نعمة لا تعدلها نعمة .
2-تحدي العرب أن يأتوا بمثل هذا القرآن :
لو اجتمع العرب جميعاً لن يأتوا بآية كآيات القرآن الكريم
أول شيء في هذا القرآن فصاحته, كما تعلمنا في الجامعة: أفصح كلام في اللغة العربية على الإطلاق, وأفصح كلام بعده كلام سيدنا محمد, هذا الكلام المعجز الفصيح, من حروف بين أيدينا, ألف لام ميم, حروف بين أيدينا, الحروف العربية, ثمانية وعشرين بين أيدي كل العرب, هل يستطيع العرب ولو اجتمعوا أن يأتوا بآية كآيات القرآن الكريم؟ الجواب: لا, ولو كان الوقت يسمح, لقرأت لكم الذين ادعوا النبوة, وكيف نظموا كلاماً يبعث على الضحك ليس غير, ككلام مسيلمة وما إلى ذلك ......
3- كلما قرأته وجدت فيه معاني جديدة لم تكن من قبل :
شيء آخر: هذا بالحقيقة بين أيديكم, تسمع خطبة مرة مرتين ثلاثة حفظتها كلما قرأت القرآن ازددت قرباً من الله عز وجل
تسمع نشيد للمرة الخامسة, طلعت من جلدك منه تسمع, محاضرة تسمع ... لكن تسمع السورة مئة ألف مرة في حياتك لا ترتوي منها, جرب, اسمع قرآن بسيارتك, اقرأ قرآن في بيتك, كل ما تقرأه, تحس أن هناك شيئاً جديداً, أحياناً كلمة لا تنتبه لها, أحياناً حرف أحياناً, وقف معين لا تنتبه له, ينطوي على معنى كبير, لذلك: فضل كلام الله على كلام خلقه, كفضل الله على خلقه لا يبلى على كثرة الرد, لو قرأته ليلاً ونهاراً, وصباحاً ومساءً, كلما قرأته, ازددت قرباً من الله عز وجل .
أول بينة قرآنية: أنه أفصح كلام في هذه اللغة, وثانياً: كلما قرأته وجدت فيه معاني جديدة لم تكن من قبل :
﴿وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ وَادْعُوا شُهَدَاءَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ * فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا وَلَنْ تَفْعَلُوا فَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ﴾
[سورة البقرة الآية: 23-24]
فصاحته وجدته .
4- إخبار القرآن بالغيب :
الآن: القرآن أخبرك بالغيب, الغيب لا يعلمه إلا الله, قال تعالى:
﴿غُلِبَتِ الرُّومُ * فِي أَدْنَى الْأَرْضِ﴾
[سورة الروم الآية: 2-3]
وقد أجمع المؤرخون على هذه المعركة تمت في غور فلسطين .
ما اكتشف أخيراً :
اكتشف أخيراً: أن أدنى نقطة في الأرض إطلاقاً غور فلسطين, قبل أن تحتل الضفة الغربية .
زرتها, اتجهنا من أريحا إلى البحر الميت, في منتصف الطريق لوحة, كتب عليها مستوى سطح البحر، تابعنا إلى ستمئة متر تحت سطح البحر, هذه أعمق نقطة في الأرض, أعمق نقطة يابسة, أما أعمق نقطة تحت البحر, خليج مريانة في المحيط الهادي, اثنا عشر ألف متر تحت سطح البحر, وأعلى نقطة جبال هيمالايا, اثنا عشر ألف متر .
جاؤوا بكرة قطرها متر, مثلوا أعلى نقطة عليها, وأخفض نقطة عليها, فكانت سنتيمتر بسنتيمتر, يعني أعلى نقطة في الأرض جبال هيمالايا, وأخفض نقطة في الأرض خليج مريانة, مثلت على كرة قطرها متر سنتيمتر نحو الأعلى, وسنتيمتر نحو الأسفل .
من الغيبيات :
فالله عز وجل يقول:
﴿غُلِبَتِ الرُّومُ * فِي أَدْنَى الْأَرْضِ وَهُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ﴾
[سورة الروم الآية: 2-3]
وقصة طويلة جرت بين سيدنا الصديق وبين كفار قريش, وتحدى كل منهم الطرف الآخر, وفي العام السابع انتصر الروم على الفرس, هذا اسمه غيب المستقبل .
في القرآن غيب الماضي, وغيب الحاضر, وغيب المستقبل, غيب الماضي بعده زمن, وغيب المستقبل بعده زماني, وغيب الحاضر بعده مكاني .
هذا ما أخبرنا به النبي :
القرآن أخبرنا بالغيب
أنا حينما تقول لي: جرى في حلب الساعة الثامنة مساءً كذا وكذا, أنا في دمشق، حلب بالنسبة إلي غيب, هذا غيب الحاضر البعد مكاني, أما غيب المستقبل: وهم من بعد غلبهم سيغلبون، غيب الماضي :
﴿وَمَا كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يُلْقُونَ أَقْلَامَهُمْ أَيُّهُمْ يَكْفُلُ مَرْيَمَ وَمَا كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يَخْتَصِمُونَ﴾
[سورة آل عمران الآية: 44]
فالنبي عليه الصلاة والسلام أخبرنا عن غيب الماضي, وعن غيب الحاضر, وعن غيب المستقبل, إذاً: الدليل الثاني: إخبار القرآن بالغيب .
انظر إلى ثقة النبي بربه :
إنسان يدعي النبوة, يتورط مع الخلق جميعاً, أن الروم سيغلبون, وهو فرد مضطهد ملاحق, وضعت مئة ناقة لمن يأتي به حياً أو ميتاً, لولا أنه واثق أن الله جل جلاله لا يخيبه :
﴿فِي أَدْنَى الْأَرْضِ وَهُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ * فِي بِضْعِ سِنِينَ لِلَّهِ الْأَمْرُ مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ﴾
[سورة الروم الآية: 3-4]
5-حماية الله لنبيه من أن يقتل :
الآن: حماية الله لنبيه من أن يقتل, قال تعالى:
﴿وَإِذْ قُلْنَا لَكَ إِنَّ رَبَّكَ أَحَاطَ بِالنَّاسِ﴾
[سورة الإسراء الآية: 60]
﴿يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ﴾
[سورة المائدة الآية: 67]
لأن النبي عليه الصلاة والسلام واثق أشد الثقة أن الله لا يخزيه, صرف حراسه, واعتمد على الله, استثناءً هنا, ما في اعقل وتوكل, هنا معه وحي, والوحي زوال الكون أهون على الله من أن لا يحقق وعده لنبيه, صرف حراسه, والله يعصمك من الناس, يعني يعصمك من أن تقتل، نبي معه رسالة إذا قتل, أين الله؟ .
سؤال :
قد يقول أحدكم: ماذا نفعل بقوله تعالى:
﴿وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ﴾
[سورة آل عمران الآية: 144]
دخل احتمال قتله, كيف نوفق بين هذه الآية وبين هذه الآية؟ :
﴿يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ﴾
[سورة المائدة الآية: 67]
في أثناء التبليغ لا يمكن أن يقتل, إذا انتهى التبليغ موضوع ثان، الآية الثانية: لو أن التبليغ قد انتهى:
﴿أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ﴾
[سورة آل عمران الآية: 144]
كان النبي عليه الصلاة والسلام يحرس حتى نزلت هذه الآية, والله يعصمك من الناس, فأخرج النبي عليه الصلاة والسلام رأسه من القبة, فقال لهم: يا أيها الناس انصرفوا فقد عصمني الله .
6-أن الرسل تعاقبوا قبل مجيئه لكن بعد مجيئه لا رسول بعد رسول الله ولا نبي
أيضاً من أدلة نبوة النبي عليه الصلاة والسلام: أن الرسل تعاقبوا قبل مجيئه, لكن بعد مجيئه لا رسول بعد رسول الله, ولا نبي بعد نبي الله :
﴿مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِنْ رِجَالِكُمْ وَلَكِنْ رَسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ وَكَانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيماً﴾
[سورة الأحزاب الآية: 40]
7-الإعجاز العلمي :
أيها الأخوة, ومن أدلة القرآن الكريم على أن هذا القرآن كلام الله, وعلى أن النبي عليه الصلاة والسلام هو رسوله: الإعجاز العلمي, هذا الموضوع موضوع واسع جداً, وأرجو الله سبحانه وتعالى, أن يكون كتب موسوعة العلمي عن قريب بين أيديكم, كتاب واسع جداً, أكثر من ثمانمئة صفحة, إن شاء الله سوف تكون بين أيدي الأخوة بعد حين, يعني:
﴿سَنُرِيهِمْ آَيَاتِنَا فِي الْآَفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ﴾
[سورة فصلت الآية: 53]
أولم يكف بربك أنه على كل شيء شهيد؟ .
ما توصل إليه العلماء من الاكتشافات العلمية :
الإعجاز العلمي بالقرآن والسنة أكثر أن يحصى, بأدنى الأرض واحدة, لم يكن يعرف قبل اكتشاف أشعة الليزر, أن غور فلسطين أخفض مكان في الأرض:
﴿مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ يَلْتَقِيَانِ * بَيْنَهُمَا بَرْزَخٌ لَا يَبْغِيَانِ * فَبِأَيِّ آَلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ﴾
[سورة الرحمن الآية: 19-21]
الإعجاز العلمي في القرآن دليل على مصداقيته
بعد أن اكتشفت سفن الفضاء, أن بين كل بحرين حاجزاً برزخاً, وحجراً محجورا, فسرت هذه الآية .
بعد أن اكتشفت مجرة تبعد عنا ثلاثة آلاف سنة ضوئية وشكلها كالوردة, قال تعالى:
﴿فَإِذَا انْشَقَّتِ السَّمَاءُ فَكَانَتْ وَرْدَةً كَالدِّهَانِ * فَبِأَيِّ آَلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ﴾
[سورة الرحمن الآية: 37-38]
عرف أن هذا مما يؤكد كلام الله .
بعد أن قال الله عز وجل:
﴿وَمَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقاً حَرَجاً كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي السَّمَاءِ﴾
[سورة الأنعام الآية: 125]
بعد أن ركب الإنسان الطائرة ونقص الأوكسجين, شعر بضيق لا يوصف .
بعد أن اكتشف أن الذكر والأنثى لا علاقة للبويضة بهما, وقد قال الله عز وجل:
﴿وَأَنَّهُ خَلَقَ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى * مِنْ نُطْفَةٍ إِذَا تُمْنَى﴾
[سورة النجم الآية: 45-46]
تبين أن العامل الحاسم في كون المولود ذكراً أو أنثى, هو النطفة وليس البويضة .
بعد أن قال الله عز وجل:
﴿وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ﴾
[سورة يس الآية: 40]
اكتشف أن كل شيء يدور حول نواة من الذرة وإلى المجرة .
بعد أن ثبت أن الأرض تسير حول الشمس بسرعة ثلاثين كيلو متر في الثانية, الآن لنا نصف ساعة تقريباً, ثلاثين بالثانية بالدقيقة ألف, وثمانمئة بعشر دقائق ثمانية عشر ألف, بالعشرين دقيقة ستة وثلاثين ألف, بثلاثين دقيقة ثمانية وأربعين ألف كيلو متر ماشين من أول الدرس وإلى الآن، قال تعالى:
﴿وَتَرَى الْجِبَالَ تَحْسَبُهَا جَامِدَةً وَهِيَ تَمُرُّ مَرَّ السَّحَابِ صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ﴾
[سورة النمل الآية: 88]
بعد أن اكتشف أن كل نجم في الكون, يدور حول نجم آخر في مسار مغلق, قال تعالى:
﴿وَالسَّمَاءِ ذَاتِ الرَّجْعِ﴾
[سورة الطارق الآية: 11]
من المستحيل :
حديث طويل، آيات الله في المجرات, وفي الشمس والقمر, وفي الليل والنهار, وفي الجبال وفي السهول, وفي الصحارى وفي الوديان, وفي البحار وفي الأنهار, وفي الأسماك, وفي الأطيار, وفي الحيوانات، وفي خلق الإنسان, وفي خلق الطعام والشراب:
﴿سَنُرِيهِمْ آَيَاتِنَا فِي الْآَفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ﴾
[سورة فصلت الآية: 53]
أي مستحيل, وألف ألف مستحيل أن يأتي النبي بحقائق لم تكن معروفة, ولا إلى مئة عام ألف وثلاثمائة عام لم تكن معروفة، الآن عرفت .
إذاً: إعجاز القرآن الكريم أكبر دليل قطعي على أنه كلام الله، هذا موضوع واسع جداً جداً، أنا من فضل الله عز وجل, أي من خمس وعشرين سنة, في كل خطبة القسم الثاني موضوع في الإعجاز العلمي، فهذا موضوع إن شاء الله, سوف ترون تفاصيله في القريب العاجل .
8-الإسراء والمعراج :
الإسراء والمعراج أيضاً مما يؤكد نبوة النبي عليه الصلاة والسلام الإسراء والمعراج يؤكدان نبوة النبي عليه الصلاة والسلام
ذلك أن النبي عليه الصلاة والسلام انتقل من مكة إلى بيت المقدس, ثم عرج من بيت المقدس إلى السماء, إلى سدرة المنتهى, وعاد إلى بيته في مكة, وكأن الله طوى له المكان والزمان، وحينما قال الله:
﴿سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ﴾
[سورة الإسراء الآية: 1]
أي أن هذه القصة, أو أن هذا الإسراء والمعراج, لا يخضع لقوانين الكون, إنما هو استثناء, لأن الذي خلق المكان والزمان, اختصر المكان واختصر الزمان لسيد الأنام، لأن النبي عليه الصلاة والسلام أكرمه الله بالإسراء والمعراج, وأعلمه أنه سيد الأنبياء والمرسلين ، عقب وقوفه بالطائف, حينما قال: إن لم يكن بك غضب عليّ فلا أبالي, ولك العتبى حتى ترضى, لكن عافيتك أوسع لي .
ما معنى الإعجاز؟ :
أيها الأخوة المؤمنون, ولا زلنا في أدلة أن محمد رسول الله.
تحدثنا في درس سابق عن الإعجاز العلمي في القرآن والسنة, واليوم ننتقل إلى الإعجاز العملي, ومعنى الإعجاز أن يأتي النبي بشيء لا يستطيع البشر جميعاً أن يأتوا به, إلا أن يكون هذا عن طريق الله عز وجل.
من المعجزات العملية :
1-معجزة الإسراء والمعراج :
لعل من أبرز معجزات النبي صلى الله عليه وسلم العملية: الإسراء والمعراج, فأنت حينما تقرأ سورة الإسراء وسورة النجم، في الأولى حديث عن الإسراء, وفي الثانية حديث عن المعراج.
أنت في هاتين السورتين, تطالع أحداث خارقة للعادة, لا ينبغي أن تحللها وفق قوانين الأرض، إن أردت أن تحللها وفق قوانين الأرض, لن تصل إلى نتيجة, لأن الله سبحانه وتعالى يقول:
﴿سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آَيَاتِنَا إِنَّه هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ﴾
[سورة الإسراء الآية: 1]
فهذه الآيات له، لم يقل: ليريكم من آياتنا، قال: لنريه من آياتنا, إذاً: هذا خرق لقوانين الأرض, أن ينتقل النبي صلى الله عليه وسلم من مكة إلى بيت المقدس، ثم يعرج إلى السماء إلى سدرة المنتهى, ويعود إلى الأرض, ثم يعود إلى مكة, دون أن يكون للزمن حساب في هذه الرحلة.
سؤال دقيق :
أيها الأخوة, هناك سؤال دقيق: لو أن النبي صلى الله عليه وسلم عرج إلى السماء من مكة, هذا ممكن, ما الذي يحصل؟ لا يستطيع أحد أن يعرف المكان الذي عرج إليه النبي عليه الصلاة والسلام, يبقى هذا العروج في إدراك النبي وحده، أما حينما أسري به إلى بيت المقدس، وسئل: صف لنا بيت المقدس، وهو في علم قريش لم يسافر إليه قبل هذا التاريخ, فجاء وصفه مطابقاً تماماً لوصف بيت المقدس، ثم قيل له: هل رأيت من قوافل في الطريق؟ فوصف قافلة أو عدة قوافل, وجاء وصفه مطابقاً تماماً لما حدث, فاستطاع النبي من خلال الإسراء: أن يثبت لهم أنه وصل إلى بيت المقدس، وأنه رأى قافلة حينما عادت إلى مكة المكرمة, وسألوها, جاء وصف النبي صلى الله عليه وسلم مطابقاً لها تماماً.
إذاً: الإسراء في إدراك النبي, وفي إدراك من حول النبي من المشركين والمؤمنين، فصار يقين الإسراء دليلاً إلى يقين المعراج، إذاً: هذه حكمة أن النبي صلى الله عليه وسلم أسري به من مكة إلى بيت المقدس, وهناك أدلة قطعية جاء بها من وصف دقيق لبيت المقدس, ولمن كان في الطريق, أما العروج إلى السماء فيبنى على الإسراء.
ما حكم من كذب بالإسراء والمعراج؟ :
من كذب بالإسراء فقد كفر، لكن من كذب بالمعراج فقد فسق وعصى، الدليل القطعي في الإسراء، أما ليس في طاقة البشر, أن يتأكدوا من عروجه صلى الله عليه وسلم إلى السماء, إلا بالدليل الإخباري الذي أخبرنا الله به, وهذا دليل عند المؤمنين قطعي الدلالة.
هناك دليل حسي، وهناك دليل عقلي، وهناك دليل إخباري، فالدليل العقلي للإسراء قائم، بينما الدليل العقلي للمعراج غير قائم, إلا أن الدليل القطعي للمعراج إخبار الله لنا, أنه عرج به إلى السماء:
﴿وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَى * مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى * وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى * عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَى * ذُو مِرَّةٍ فَاسْتَوَى * وَهُوَ بِالْأُفُقِ الْأَعْلَى * ثُمَّ دَنَا فَتَدَلَّى * فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَى * فَأَوْحَى إِلَى عَبْدِهِ مَا أَوْحَى * مَا كَذَبَ الْفُؤَادُ مَا رَأَى * أَفَتُمَارُونَهُ عَلَى مَا يَرَى * وَلَقَدْ رَآَهُ نَزْلَةً أُخْرَى * عِنْدَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهَى * عِنْدَهَا جَنَّةُ الْمَأْوَى * إِذْ يَغْشَى السِّدْرَةَ مَا يَغْشَى * مَا زَاغَ الْبَصَرُ وَمَا طَغَى * لَقَدْ رَأَى مِنْ آَيَاتِ رَبِّهِ الْكُبْرَى﴾
[سورة النجم الآية: 1-18]
إليك الدليل القرآني الذي يبين فيه بأن الإسراء والمعراج تمت بالروح والجسد :
أيها الأخوة, ينبغي في موضوع الإسراء والمعراج: أن ننفي روايات ضعيفة لا تقوم على حال، أن الإسراء كان مرة أو مرتين هذه روايات غير صحيحة، أو أنه كان في المنام، فإذا كان في المنام لا يمكن أن يكون خرقاً للعادات, لأن أي إنسان يرى في المنام ما يشاء، فليس بالمنام، وليس مرات عديدة، إنه مرة واحدة بالجسم وبالروح، والدليل بالجسم أن الله سبحانه وتعالى قال:
﴿سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ﴾
والعبد جسم والعبد روح:
﴿ثُمَّ دَنَا فَتَدَلَّى فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَى، فَأَوْحَى إِلَى عَبْدِهِ مَا أَوْحَى﴾
وهو في السماء أوحى إلى عبده, فالدليل القرآني على أن العروج, تم بالروح وبالجسد، أنه أوحى إلى عبده, والعبد يشمل الجسم ويشمل الروح.
إليكم هذه الحقائق التي تتحدث عن تفاصيل الإسراء والمعراج :
أيها الأخوة, هناك أحاديث صحيحة تتحدث عن تفاصيل الإسراء والمعراج, ولكن الذي يعنينا من هذه الأحاديث الحقائق التالية:
أن النبي صلى الله عليه وسلم في أصح الروايات, لم ير ربه, لأن الله سبحانه وتعالى أنبأنا أننا في الجنة, سوف نرى الله عز وجل:
﴿وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ * إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ﴾
[سورة القيامة الآية: 22-23]
أما في الدنيا يقول الله عز وجل:
﴿لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصَارَ﴾
[سورة الأنعام الآية: 103]
أما الرؤية التي وردت في المعراج:
﴿مَا كَذَبَ الْفُؤَادُ مَا رَأَى، أَفَتُمَارُونَهُ عَلَى مَا يَرَى، وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَى، عِنْدَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهَى﴾
وفي قوله تعالى:
﴿عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَى﴾
هذه كلها تعني جبريل عليه السلام.
أيها الأخوة, يقول عليه الصلاة والسلام مما أخرجه مسلم في صحيحه, أنه قال:
((لقد رأيتني في الحجر, وقريش تسألني عن مسراي, فسألتني عن أشياء من بيت المقدس لم أثبتها, فكربت كربة ما كربت مثله قط, قال: فرفعه الله لي أنظر إليه, ما يسألوني عن شيء إلا أنبأتهم به))
أيها الأخوة, في المعراج نزلت خواتيم سورة البقرة أيضاً في الإسراء والمعراج، وفي المعراج فرضت الصلاة على المسلمين خمس صلوات على حديث طويل يصف هذه التفاصيل.
إيمان النبي بالجنة والنار إيمان شهودي :
الشيء الدقيق: أن كل أهل الأرض من دون استثناء إيمانهم بالجنة والنار إيمان تصديقي, لأن الله أخبرنا أن هناك جنة وأن هناك ناراً، إلا النبي عليه الصلاة والسلام فإيمانه بالجنة والنار إيمان شهودي، النبي وحده إذا حدثنا عن الجنة أو عن النار حديث المشاهد، حديث اليقين، نحن نؤمن بأشياء نراها إيماناًً حسياًًَ، ونؤمن بأشياء لا نراها, لكن نرى آثارها إيمان عقلياً، ونؤمن بأشياء لا نراها ولا نرى آثارها, إلا أن الله أخبرنا بها فهذا إيمان إخباري ، إلا أن النبي وحده صلى الله عليه وسلم في المعراج, أطلعه الله على أهل الجنة, وأطلعه الله على أهل النار، فإيمانه بالجنة والنار إيمان شهودي.
من تكريم الله لنبيه :
أخرج البخاري في صحيحه, عن أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم, قال:
((بَيْنَمَا أَنَا أَسِيرُ فِي الْجَنَّةِ, إِذَا أَنَا بِنَهَرٍ, حَافَتَاهُ قِبَابُ الدُّرِّ الْمُجَوَّفِ, قُلْتُ: مَا هَذَا يَا جِبْرِيلُ؟ قَالَ: الْكَوْثَرُ الَّذِي أَعْطَاكَ رَبُّكَ, فَإِذَا طِيبُهُ -أو طينه- مِسْكٌ أَذْفَرُ))
[أخرجه البخاري ومسلم في الصحيح, وأبو داود والترمذي والنسائي في سننهم]
هذا حديث صحيح يبين: أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل إلى الجنة, ورآها رأي العين, وهذا تكريم عظيم له.
ما سبب حادثة الإسراء والمعراج؟ :
أيها الأخوة, أنه يوم كان في الطائف, وقد بالغ أهل الطائف في الإساءة إليه تكذيباً, وسخرية, ورشقاً بالحجارة، فالتجأ إلى حائط, وقال: اللهم إني أشكو إليك ضعف قوتي, وقلة حيلتي, وهواني على الناس، يا رب المستضعفين إلى من تكلني، إلى صديق يتجهمني, أو إلى عدو ملكته أمري، اللهم إن لم يكن بك غضب علي فلا أبالي, ولك العتبى حتى ترضى, لكن عافيتك أوسع لي.
يعني إذا كان للدعوة خط بياني, وصل هذا الخط إلى النهاية الصغرى, في أصعب أوقات النبي تكذيب, وسخرية, وإساءة بالغة، فقال: يا رب, إن كانت هذه الشدة التي لحقت بي تعبيراً عن غضبك علي, لك العتبى حتى ترضى، وإن كنت راضياً عني فلا أبالي، لك العتبى حتى ترضى, وكان أديباً من الله عز وجل إذا قال: لكن عافيتك أوسع لي.
أيها الأخوة, تأكدوا: أنه ما من محنة إلا بعدها منحة، وما من شِدة إلا بعدها شَدة إلى الله عز وجل، رد الإلهي العظيم, الكريم, الشكور, على هذا الموقف الصعب, الذي وقفه النبي صلى الله عليه وسلم في الطائف, هو قوله تعالى:
﴿سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ ءَايَاتِنَا إِنَّه هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ﴾
يعني رد الإله على صبر النبي في سبيل هداية قومه, أنه أسري به إلى بيت المقدس, وعرج به إلى السماء, أنه سيد الأنبياء والمرسلين, وأنه سيد ولد آدم.
تعقيب :
من قرأ الآيات الأولى في سورة الإسراء, ولم يكن متقناً لحفظها, فإذا قال:
﴿سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ ءَايَاتِنَا إِنَّه -لو لم يكن حفظه دقيقاً, التعقيب المناسب لهذه الآيات, إنه على كل شيء قدير، لا!- إِنَّه هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ﴾
يعني يا محمد لقد سمعناك بالطائف، سمعنا دعاءك، ورأينا تحملك، ورأينا صبرك، ورأينا جهادك في سبيل نشر هذا الحق، فهذه المكافأة، أنك سيد الأنبياء والمرسلين، وأن الذي أُطلعت عليه لم يتح لأحد من العالمين، لقد رأى من آيات ربه الكبرى: أن الذي أطلعت عليه لم يتح لأحد من العالمين.
﴿مَا زَاغَ الْبَصَرُ وَمَا طَغَى، لَقَدْ رَأَى مِنْ ءَايَاتِ رَبِّهِ الْكُبْرَى﴾
أيها الأخوة, إذاً: الإسراء والمعراج مكافأة بعد محنة، وشَدة إلى الله بعد شِدة، وإعلام لنبيه الصابر أنه سيد ولد آدم.
هذا ما رآه النبي يوم المعراج :
في المعراج: رأى النبي صلى الله عليه وسلم عذاب الذين يغتابون الناس, ويقعون في أعراضهم.
فقد قال عليه الصلاة والسلام:
((لما عرج بي ربي عز وجل, مررت بقوم لهم أظفار من نحاس, يخمشون وجوههم وصدورهم, فقلت: من هؤلاء يا جبريل؟ قال: هؤلاء الذين يأكلون لحوم الناس, ويقعون في أعراضهم))
وفي المعراج: رأى النبي صلى الله عليه وسلم الذين يتكلمون كلاماً صحيحاً, لكن لا يطبقون كلامهم, رآهم في النار.
فقال:
((أتيت ليلة أسري بي على قوم, تقرض شفاههم بمقاريض من نار, كلما قرضت وفت -أي نمت- فقلت: يا جبريل, من هؤلاء؟ قال: خطباء أمتك الذين يقولون ما لا يفعلون, ويقرؤون كتاب الله ولا يعملون به))
وسيدنا رسول الله وهو في الجنة، طبعاً: هذا موضوع في العقيدة, لا يمكن إلا أن يكون مأخوذاً من آية قطعية الدلالة, ومن حديث صحيح، قضية عقيدة خطيرة جداً.
فقد أخرج البخاري في صحيحه, من حديث أنس:
((فلما علونا السماء الدنيا, فإذا رجل عن يمينه أسودة -يعني سواد كثيف- وعن يساره أسودة, فإذا نظر قبل يمينه ضحك, وإذا نظر قبل شماله بكى، فقال: مرحبا بالنبي الصالح والابن الصالح, قلت: يا جبريل من هذا؟ قال: هذا آدم, وهذه الأسودة عن يمينه, وعن شماله نسم بنيه -يعني ذريته- فأهل اليمين أهل الجنة، والأسودة التي عن شماله أهل النار، فإذا نظر قبل يمينه ضحك، وإذا نظر قبل شماله بكى))
[أخرجه البخاري ومسلم في الصحيح]
تعقيب آخر :
أيها الأخوة الكرام, أريد أن أعقب على حديث الإسراء والمعراج: أنه ما من مؤمن, وهذه قاعدة أصيلة, ما من مؤمن مستقيم على أمر الله, صابر على قضائه وقدره, تصيبه محنة, إلا ينبغي أن يعلم علم اليقين, إنه إذا استقبلها بالرضا وبالصبر, جاء بعدها منحة، وما من مؤمن مستقيم على أمر الله, حافظ لعهوده ومواثيقه, تصيبه شدة, إلا ينبغي أن يعلم علم اليقين أن بعدها شَدةً إليه، هذه حقيقة, لأن النبي صلى الله عليه وسلم قدوة، والله عز وجل يمتحننا ثم يفرج عنا، ففي الامتحان دليل على قوة إيمان الممتحن, وفي الفرج الذي يعقب هذه الشدة, دليل على كرم الله عز وجل.
المعجزة لا تخضع لقوانين الأرض ولا لمقاييس العقل وإنما هي خرق لنواميس الأرض
أيها الأخوة, لا شك أن المعجزات العملية التي هي خرق لقوانين الأرض ونواميس الكون، والتي لا تخضع لقواعد الحياة التي نحياها, هي معجزة, وهي دليل على أن الذي جاء بها نبي مرسل، ومن أولى المعجزات العملية الإسراء والمعراج.
طبعاً: بسذاجة ما بعدها سذاجة, لو قلت: كيف يصعد النبي إلى السماء، أو إلى أعلى طبقات السماء، أو إلى سدرة المنتهى؟ بالقوانين الأرضية هذا مستحيل، لكن كما أنك تؤمن أن الله سبحانه وتعالى, جعل إبراهيم في النار, والنار لم تحرقه، وكما تؤمن أن الأرض أصبح طريقاً يبساً، وكما تؤمن أن الجبل خرج منه ناقة لسيدنا صالح، وكما تؤمن أن العصا أصبحت ثعباناً مبيناً، هذه كلها معجزات لا يمكن أن تخضعها لقوانين الأرض ولا لمقاييس العقل، إنها خرق لنواميس الأرض وقوانين الكون، أول هذه المعجزات العملية كما قلت الإسراء والمعراج.
2-نصرته الرياح يوم الخندق :
من هذه المعجزات العملية: أن العرب حينما أحدقت بالمسلمين في معركة الخندق, وأرادوا استئصالهم, وإبادتهم, وجمعوا جمعاً لم يجمع مثله في تاريخ الجزيرة، جاءت كل القبائل لتحارب النبي عليه الصلاة والسلام, فحينما قال الله عز وجل:
﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جَاءَتْكُمْ جُنُودٌ فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحاً وَجُنُوداً لَمْ تَرَوْهَا وَكَانَ اللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيراً﴾
[سورة الأحزاب الآية: 9]
أيها الأخوة, هذه الرياح الشديدة أطفأت نيرانهم، وكفأت قدورهم، وهدمت أبنيتهم، واقتلعت خيامهم، وشردت خيلهم وجمالهم، وعاد المشركون من حيث أتوا، فهذه الرياح أيضاً إحدى معجزات النبي صلى الله عليه وسلم، لذلك من أدعية النبي عقب هذه الغزوة:
لا إله إلا الله وحده, نصر عبده, وأعز جنده, وهزم الأحزاب وحده, لا شيء قبله ولا شيء بعده.