|
| عقيدة من مفهوم القران والسنة -مستلزمات التوحيد | |
| | كاتب الموضوع | رسالة |
---|
Admin Admin
المساهمات : 4240 تاريخ التسجيل : 20/01/2018
| موضوع: عقيدة من مفهوم القران والسنة -مستلزمات التوحيد الجمعة مارس 02, 2018 7:55 am | |
| ۞بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ۞ ۞ٱلْسَلآمّ ٍعَلْيّكَمُ وٍرٍحَمُةٌ اللَّــْـْہ ۆبُركَاته۞ ۞أَعُوذُ بِاللَّهِ السَّمِيعِ الْعَلِيمِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ من هَمْزِهِ، ونَفْثِهِ، ونَفْخِهِ۞ ۞الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ۞ ۞أَشْهَدُ أَنّ لَّا إِلَٰهَ إِلَّإ الله وأَشْهَدُ ان محمداً رسول الله۞ ۞تحية من عند الله طيبة مباركة۞ عقيدة من مفهوم القران والسنة - الدرس ( 14) : مستلزمات التوحيد -1
الإخلاص لله تعالى ما علة وجودنا على وجه الأرض؟ : أيها الأخوة المؤمنون, مع درس من دروس العقيدة، كما هو معلوم لديكم: العبادة علة وجودنا على وجه الأرض: ﴿وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ﴾ [سورة البينة الآية: 5] واللام لام التعليل، بل إن العبادة هي غاية الطاعة مع غاية الحب، من نتائجها سعادة يتميز بها المؤمن، لو وزعت على أهل بلد لكفتهم. من لوازم العبودية لله : 1-الإخلاص لله : هذه العبودية ما لوازمها؟ لوازم الغني: أنه معه ثمن الحاجة التي يشتريها، لأنه غني، فإذا قال لك: أنا غني، ولا أملك درهماً, فهذا الكلام فيه تناقض, إذا كنت غنياً, فهذا يعني أنك تملك ثمن هذه الحاجة، فالحقيقة: أن العبودية لله عز وجل من لوازمها الإخلاص لله، والحقيقة: أن الإخلاص ليس نصف الدين، ولكنه الدين كله، الدليل: ﴿وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ﴾ [سورة البينة الآية: 5] الجوارح تعبد الله، العين تغض البصر، الأذن لا تستمع إلا للحق، اليد لا تبطش إلا بالحق، الرجل لا تمشي إلا إلى خير، فالجوارح محل العبادة الظاهرة، والقلب محل العبادة الباطنة، فإذا لم تصح العبادة الباطنة حبطت العبادة الظاهرة، فهل الإخلاص هو نصف الدين أم الدين كله؟ لك ظاهر ولك باطن، عبادة الظاهر الخضوع لله، عبادة الباطن الإخلاص له. ما فحوى هذه الآية؟ : اليوم كنت ألقي درسًا, فذكرت تقسيمات العلوم الإسلامية، قلت: هناك علم العقيدة، ويعني علم العقيدة: الإيمان بالله, والملائكة, والكتب, والرسل، وأنه واحد، وكامل، وموجود، وله أسماء حسنى, وصفات فضلى، والإيمان باليوم الآخر، والقدر خيره وشره من الله تعالى، علم العقيدة، الآن علوم القرآن، وتفسير القرآن ثانياً، علوم الحديث، ومتن الحديث ثالثاً، أصول الفقه، الأحكام الفقهية، السيرة، تاريخ العقيدة، علوم الآلة، لو أن هناك مليون مليونَ كتاب في العلوم الإسلامية، كلها في كفة، والتطبيق في كفة ثانية، تماماً كأن تنطق بكلمة ألف مليون دولار، فرق كبير بين أن تنطق بها، وبين أن تملكها، كالفرق تماماً بين أن تتكلم عن أمور الدين، وبين أن تطبق الدين، أن تعلم، ثم أن تعمل بما تعلم، ثم أن تدعو لما تعلم، ثم أن تخلص في تعلمك، وفي عملك، ودعوتك، أربعة أركان للدين. هذا فحوى قوله تعالى: ﴿وَالْعَصْرِ * إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ * إِلَّا الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ﴾ [سورة العصر الآية: 1-3] آمنوا وعملوا الصالحات، عملوا بما علموا، وتواصوا بالحق، دعوا لما عملوا، وتواصوا بالصبر، صبروا على مجاهدة النفس والهوى كي يتحقق الإخلاص، لأن الإخلاص سر العبادة ، والإخلاص ينفع معه كثر العمل وقليله، بينما عبادة من دون إخلاص لا قيمة لها، لا إن كانت كثيرة، ولا إن كانت قليلة. ما موضوع درسنا اليوم؟ : الدرس اليوم عن الإخلاص، لكن من وجهة نظر نصية قطعية، قال تعالى: ﴿وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ﴾ [سورة البينة الآية: 5] وما أمروا إلا ليعبدوا الله، يخضعون له مخلصين، عبادة الظاهر الخضوع، وعبادة الباطن الإخلاص. آية ثانية: ﴿قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ﴾ [سورة الكهف الآية: 110] هذه الآية لخصت القرآن كله. ما قيمة العمل الصالح؟ : ﴿فَمَنْ كَانَ يَرْجُوا لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صَالِحاً﴾ [سورة الكهف الآية: 110] قيمة هذا العمل ألا يخالطه شرك، أن تبتغي بعملك غير الله، إنسان داوم على صلاة الفجر في المسجد أربعين عاماً، وفي أحد الأيام غلبته نفسه فلم يستيقظ، فانتبه مذعوراً، وقال: ماذا يقول الناس عني هذا اليوم؟ شيء خطير, والله لولا أنه خطير لما خصصت هذا الدرس عن الإخلاص، هناك أعمال رائعة يجعلها الله هباء منثوراً، لولا أن هذا الموضوع يمس كل إنسان، ويشارك كل عمل, لما كان هذا الدرس حول الإخلاص. لن ينال الله لحومها ولا دمائها, ولكن يناله التقوى منكم. يناله أن يراكم مخلصين في هذه الطاعة. من بنود هذه الآية : ﴿قُلْ إِنْ تُخْفُوا مَا فِي صُدُورِكُمْ أَوْ تُبْدُوهُ يَعْلَمْهُ اللَّهُ وَيَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ﴾ [سورة آل عمران الآية: 29] إن أخفيت، أو لم تخف, فأنت مكشوف أمام الله، لا تخفى على الله خافية، فهو وحده يعلم، لك أن تقول كل شيء، وتبرر، وتعلل، وتفسر، ولكن تأكد أن كل شيء تفعله لا يخفى على الله عز وجل. قف عند هذين الحديثين : الحديث الصحيح المتواتر الشهير, الذي يعد أصلاً من أصول الدين، عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رَضِي اللَّه عَنْه قَالَ: ((سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: إِنَّمَا الْأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ, وَإِنَّمَا لِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى, فَمَنْ كَانَتْ هِجْرَتُهُ إِلَى دُنْيَا يُصِيبُهَا, أَوْ إِلَى امْرَأَةٍ يتزوجها, فَهِجْرَتُهُ إِلَى مَا هَاجَرَ إِلَيْهِ)) [أخرجه البخاري ومسلم في الصحيح, وأبو داود والترمذي والنسائي في سننهم] حديث آخر: عَنْ أَبِي كَبْشَةَ الْأَنَّمَارِيِّ, أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: ((ثَلَاثَةٌ أُقْسِمُ عَلَيْهِنَّ, وَأُحَدِّثُكُمْ حَدِيثًا فَاحْفَظُوهُ, قَالَ: مَا نَقَصَ مَالُ عَبْدٍ مِنْ صَدَقَةٍ, وَلَا ظُلِمَ عَبْدٌ مَظْلَمَةً فَصَبَرَ عَلَيْهَا, إِلَّا زَادَهُ اللَّهُ عِزًّا, وَلَا فَتَحَ عَبْدٌ بَابَ مَسْأَلَةٍ, إِلَّا فَتَحَ اللَّهُ عَلَيْهِ بَابَ فَقْرٍ, أَوْ كَلِمَةً نَحْوَهَا, وَأُحَدِّثُكُمْ حَدِيثًا فَاحْفَظُوهُ, قَالَ: إِنَّمَا الدُّنْيَا لِأَرْبَعَةِ نَفَرٍ؛ عَبْدٍ رَزَقَهُ اللَّهُ مَالًا وَعِلْمًا, فَهُوَ يَتَّقِي فِيهِ رَبَّهُ, وَيَصِلُ فِيهِ رَحِمَهُ, وَيَعْلَمُ لِلَّهِ فِيهِ حَقًّا, فَهَذَا بِأَفْضَلِ الْمَنَازِلِ, وَعَبْدٍ رَزَقَهُ اللَّهُ عِلْمًا, وَلَمْ يَرْزُقْهُ مَالًا, فَهُوَ صَادِقُ النِّيَّةِ, يَقُولُ: لَوْ أَنَّ لِي مَالًا لَعَمِلْتُ بِعَمَلِ فُلَانٍ, فَهُوَ بِنِيَّتِهِ, فَأَجْرُهُمَا سَوَاءٌ, وَعَبْدٍ رَزَقَهُ اللَّهُ مَالًا, وَلَمْ يَرْزُقْهُ عِلْمًا, فَهُوَ يَخْبِطُ فِي مَالِهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ, لَا يَتَّقِي فِيهِ رَبَّهُ, وَلَا يَصِلُ فِيهِ رَحِمَهُ, وَلَا يَعْلَمُ لِلَّهِ فِيهِ حَقًّا, فَهَذَا بِأَخْبَثِ الْمَنَازِلِ, وَعَبْدٍ لَمْ يَرْزُقْهُ اللَّهُ مَالًا وَلَا عِلْمًا, فَهُوَ يَقُولُ: لَوْ أَنَّ لِي مَالًا, لَعَمِلْتُ فِيهِ بِعَمَلِ فُلَانٍ, فَهُوَ بِنِيَّتِهِ, فَوِزْرُهُمَا سَوَاءٌ)) علام يدور محور هذه الفقرة؟ : أيها الأخوة، لو أن إنسان نوى نية طيبة، ولم يتح له أن يفعل هذا الذي نواه, كتب له عند الله هذا العمل كاملاً مكملاً، رزقه الله مالاً، لم يرزقه علماً, يخبط في ماله بغير علم، ولا يتقي فيه ربه، ولا يصل فيه رحمه، ولا يعلم لله حقاً, فهذا بأخبث المنازل، إنسان رزق مالاً، فعل به الخيرات، وإنسان آخر رزق المال, ففعل به السيئات، الذي آتاه الله علماً، ولم يؤته مالاً, قال: لو أنني أملك مالاً لفعلت كذا وكذا، فهو والذي أنفق ماله في سبيل الله سواء في الأجر، أما الرابع فعبد لم يرزقه الله مالاً ولا علماً, فهو يقول: لو أن لي مالاً لعملت فيه بعمل فلان، فهو بنيته, فوزرهما سواء، لو معي أموال لسافرت للبلد الفلاني، وفعلت كذا، وانغمست بالملذة الفلانية, وسهرت حتى الفجر في الحانة الفلانية، لكن لا أملك, وكأنه فعل, كل هذه المعاصي. فلذلك: من شهد معصية فأنكرها, كان كمن غاب عنها، ومن غاب عن معصية فلم ينكرها، بل أرادها, كان كمن شهدها. ((إِنَّمَا الْأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ, وَإِنَّمَا لِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى)) هل يوجد فرق بين من هم بالسيئة فلم يعملها خوفاً من الله وبين من هم بالسيئة فلم يعملها لأنه لم يستطع؟ : الله يضاعف الحسنات لمن هم بحسنة فعملها إن الله كتب الحسنات والسيئات، ثم بيّن ذلك في كتابه، فمن همّ بحسنة فلم يعملها, كتبها الله عنده حسنة كاملة. نيته طيبة، فإن هم بها فعملها, كتب الله عنده عشر حسنات إلى سبعمائة ضعف إلى أضعاف كثيرة، ومن هم بسيئة فلم يعملها, كتبها الله عند حسنة كاملة، لكن لم يعملها، لأنه خشي الله، لا لأنه لم يستطع، فرق كبير بين من همّ بسيئة فلم يعملها خوفاً من الله، وبين من همّ بسيئة فلم يعملها، لأنه لم يستطع، ومن هم بسيئة فلم يعملها, كتبها الله عنده حسنة كاملة، وإن هو هم بها فعملها, كتبها الله سيئة واحدة. أيها الأخوة، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ, أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: ((يَقُولُ اللَّهُ: إِذَا أَرَادَ عَبْدِي أَنْ يَعْمَلَ سَيِّئَةً, فَلَا تَكْتُبُوهَا عَلَيْهِ حَتَّى يَعْمَلَهَا, فَإِنْ عَمِلَهَا فَاكْتُبُوهَا بِمِثْلِهَا, وَإِنْ تَرَكَهَا مِنْ أَجْلِي, فَاكْتُبُوهَا لَهُ حَسَنَةً, وَإِذَا أَرَادَ أَنْ يَعْمَلَ حَسَنَةً فَلَمْ يَعْمَلْهَا, فَاكْتُبُوهَا لَهُ حَسَنَةً, فَإِنْ عَمِلَهَا فَاكْتُبُوهَا بِعَشْرِ أَمْثَالِهَا إِلَى سَبْعِمِائَةِ)) [أخرجه البخاري ومسلم في الصحيح, والترمذي في سننه] ما هو العامل الحاسم في كل هذه الأحاديث؟ النية, ماذا تنوي؟ ماذا تريد؟. قد يأتي إنسان إلى مسجد، يقول: أنا لي عمل، فإذا التحقت بهذا المسجد, يأتي أناس كثيرون, ليشتروا من عندي، حبط العمل، يجب أن تتجه إلى الله من دون قصد آخر: ﴿وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ﴾ [سورة البينة الآية: 5] حديث خطير : حرر عملك من الشوائب واجعله خالصا لله في حديث طويل: عن أبي هريرة َقَالَ: ((حَدَّثَنِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى, إِذَا كَانَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ, يَنْزِلُ إِلَى الْعِبَادِ لِيَقْضِيَ بَيْنَهُمْ, وَكُلُّ أُمَّةٍ جَاثِيَةٌ, فَأَوَّلُ مَنْ يَدْعُو بِهِ, رَجُلٌ جَمَعَ الْقُرْآنَ, وَرَجُلٌ يَقْتَتِلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ, وَرَجُلٌ كَثِيرُ الْمَالِ, فَيَقُولُ اللَّهُ لِلْقَارِئِ: أَلَمْ أُعَلِّمْكَ مَا أَنْزَلْتُ عَلَى رَسُولِي؟ قَالَ: بَلَى يَا رَبِّ, قَالَ: فَمَاذَا عَمِلْتَ فِيمَا عُلِّمْتَ؟ قَالَ: كُنْتُ أَقُومُ بِهِ آنَاءَ اللَّيْلِ وَآنَاءَ النَّهَارِ, فَيَقُولُ اللَّهُ لَهُ: كَذَبْتَ, وَتَقُولُ لَهُ الْمَلَائِكَةُ: كَذَبْتَ, وَيَقُولُ اللَّهُ: بَلْ أَرَدْتَ أَنْ يُقَالَ: إِنَّ فُلَانًا قَارِئٌ, فَقَدْ قِيلَ ذَاكَ, وَيُؤْتَى بِصَاحِبِ الْمَالِ, فَيَقُولُ اللَّهُ لَهُ: أَلَمْ أُوَسِّعْ عَلَيْكَ حَتَّى لَمْ أَدَعْكَ تَحْتَاجُ إِلَى أَحَدٍ؟ قَالَ: بَلَى يَا رَبِّ, قَالَ: فَمَاذَا عَمِلْتَ فِيمَا آتَيْتُكَ؟ قَالَ: كُنْتُ أَصِلُ الرَّحِمَ وَأَتَصَدَّقُ, فَيَقُولُ اللَّهُ لَهُ: كَذَبْتَ, وَتَقُولُ لَهُ الْمَلَائِكَةُ: كَذَبْتَ, وَيَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى: بَلْ أَرَدْتَ أَنْ يُقَالَ: فُلَانٌ جَوَادٌ, فَقَدْ قِيلَ ذَاكَ, وَيُؤْتَى بِالَّذِي قُتِلَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ, فَيَقُولُ اللَّهُ لَهُ: فِي مَاذَا قُتِلْتَ؟ فَيَقُولُ: أُمِرْتُ بِالْجِهَادِ فِي سَبِيلِكَ, فَقَاتَلْتُ حَتَّى قُتِلْتُ, فَيَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى لَهُ: كَذَبْتَ, وَتَقُولُ لَهُ الْمَلَائِكَةُ: كَذَبْتَ, وَيَقُولُ اللَّهُ: بَلْ أَرَدْتَ أَنْ يُقَالَ: فُلَانٌ جَرِيءٌ, فَقَدْ قِيلَ ذَاكَ, ثُمَّ ضَرَبَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى رُكْبَتِي, فَقَالَ: يَا أَبَا هُرَيْرَةَ, أُولَئِكَ الثَّلَاثَةُ أَوَّلُ خَلْقِ اللَّهِ تُسَعَّرُ بِهِمُ النَّارُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ)) هل هناك حديث أخطر من هذا الحديث؟ صاحب أموال طائلة أنفقها في سبيل الله، وإنسان قتل في سبيل الله، والأول قرأ القرآن في سبيل الله, وهم أول من تسعر بهم النار يوم القيامة، هذا حديث خطير, لا يدعو على اليأس, ولكن يدعو إلى اليقظة، حرر عملك من الشوائب. ما موقف معاوية بن أبي سفيان حينما أخبره الرجل بهذا الحديث الذي سبق ذكره؟ : دخل رجل على معاوية بن أبي سفيان, فخبره بهذا الحديث، فقال معاوية: قد فعل بهؤلاء هذا, فكيف بمن بقي من الناس؟. -لا يوجد عنده أجهزة لهو, يسهر بعد الفجر، غارق بالملذات، لا يوجد في دخله حرام، لا يوجد مال ربا، ولا انحراف خلقي، ولا اعتداء على أموال الناس، هؤلاء أحدهم قتل في سبيل الله، والثاني قرأ القرآن، والثالث كان محسناً، لأنهم أرادوا لهذا السمعة والدنيا, كان هذا مصيرهم، في هذا الدرس وفي درس آخر كلها في الصحاح: ﴿وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى﴾ [سورة النجم الآية: 3-4] قال: فكيف بمن بقي من الناس؟ قال: فبكى معاوية بكاء شديداً, حتى ظننا أنه هالك، وكنا قد جاءنا هذا الرجل بشر، ثم أفاق معاوية، ومسح عن وجهه, وقال: صدق الله ورسوله: ﴿مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا وَهُمْ فِيهَا لَا يُبْخَسُونَ * أُولَئِكَ الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ فِي الْآَخِرَةِ إِلَّا النَّارُ وَحَبِطَ مَا صَنَعُوا فِيهَا وَبَاطِلٌ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ﴾ [سورة هود الآية: 15-16] ما مطلب هذه الأحاديث؟ : الصلاة حيث لا يراك الناس تفضل صلاة العلن لا زلنا في السنّة الصحيحة، عَنْ عَائِشَةَ رَضِي اللَّه عَنْهَا, أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: ((مَا مِنِ امْرِئٍ تَكُونُ لَهُ صَلَاةٌ بِلَيْلٍ, فَغَلَبَهُ عَلَيْهَا نَوْمٌ, إِلَّا كَتَبَ اللَّهُ لَهُ أَجْرَ صَلَاتِهِ, وَكَانَ نَوْمُهُ عليه صَدَقَةً)) [أخرجه أبو داود والنسائي في سننهما, ومالك في الموطأ] لأنه وضع رأسه على الوسادة، ونوى أن يصلي الليل فلم يستيقظ، غلبته عينه، كتبت له, وكأنه قام الليل. ((إِنَّمَا الْأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ, وَإِنَّمَا لِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى)) وقد قال عليه الصلاة والسلام: ((صلاة الرجل تطوعاً حيث لا يراه الناس, تعدل صلاته على أعين الناس خمساً وعشرين درجة)) ماذا يعلمنا هذا الحديث؟ : أيها الأخوة الكرام, الذي تعرفونه جميعاً, حديث عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رَضِي اللَّه عَنْهمَا قَالَ: ((سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: انْطَلَقَ ثَلَاثَةُ رَهْطٍ مِمَّنْ كَانَ قَبْلَكُمْ, حَتَّى أَوَوُا الْمَبِيتَ إِلَى غَارٍ فَدَخَلُوهُ, فَانْحَدَرَتْ صَخْرَةٌ مِنَ الْجَبَلِ, فَسَدَّتْ عَلَيْهِمُ الْغَارَ, فَقَالُوا: إِنَّهُ لَا يُنْجِيكُمْ مِنْ هَذِهِ الصَّخْرَةِ, إِلَّا أَنْ تَدْعُوا اللَّهَ بِصَالِحِ أَعْمَالِكُمْ, فَقَالَ رَجُلٌ مِنْهُمُ: اللَّهُمَّ كَانَ لِي أَبَوَانِ شَيْخَانِ كَبِيرَانِ, وَكُنْتُ لَا أَغْبِقُ قَبْلَهُمَا أَهْلًا وَلَا مَالًا, فَنَأَى بِي فِي طَلَبِ شَيْءٍ يَوْمًا, فَلَمْ أُرِحْ عَلَيْهِمَا حَتَّى نَامَا, فَحَلَبْتُ لَهُمَا غَبُوقَهُمَا, فَوَجَدْتُهُمَا نَائِمَيْنِ, وَكَرِهْتُ أَنْ أَغْبِقَ قَبْلَهُمَا أَهْلًا أَوْ مَالًا, فَلَبِثْتُ وَالْقَدَحُ عَلَى يَدَيَّ أَنْتَظِرُ اسْتِيقَاظَهُمَا, حَتَّى بَرَقَ الْفَجْرُ, فَاسْتَيْقَظَا فَشَرِبَا غَبُوقَهُمَا, اللَّهُمَّ إِنْ كُنْتُ فَعَلْتُ ذَلِكَ ابْتِغَاءَ وَجْهِكَ, فَفَرِّجْ عَنَّا مَا نَحْنُ فِيهِ مِنْ هَذِهِ الصَّخْرَةِ, فَانْفَرَجَتْ شَيْئًا, لَا يَسْتَطِيعُونَ الْخُرُوجَ, قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: وَقَالَ الْآخَرُ: اللَّهُمَّ كَانَتْ لِي بِنْتُ عَمٍّ, كَانَتْ أَحَبَّ النَّاسِ إِلَيَّ, فَأَرَدْتُهَا عَنْ نَفْسِهَا, فَامْتَنَعَتْ مِنِّي, حَتَّى أَلَمَّتْ بِهَا سَنَةٌ مِنَ السِّنِينَ, فَجَاءَتْنِي, فَأَعْطَيْتُهَا عِشْرِينَ وَمِائَةَ دِينَارٍ عَلَى أَنْ تُخَلِّيَ بَيْنِي وَبَيْنَ نَفْسِهَا فَفَعَلَتْ, حَتَّى إِذَا قَدَرْتُ عَلَيْهَا, قَالَتْ: لَا أُحِلُّ لَكَ أَنْ تَفُضَّ الْخَاتَمَ إِلَّا بِحَقِّهِ, فَتَحَرَّجْتُ مِنَ الْوُقُوعِ عَلَيْهَا, فَانْصَرَفْتُ عَنْهَا, وَهِيَ أَحَبُّ النَّاسِ إِلَيَّ, وَتَرَكْتُ الذَّهَبَ الَّذِي أَعْطَيْتُهَا, اللَّهُمَّ إِنْ كُنْتُ فَعَلْتُ ابْتِغَاءَ وَجْهِكَ, فَافْرُجْ عَنَّا مَا نَحْنُ فِيهِ, فَانْفَرَجَتِ الصَّخْرَةُ, غَيْرَ أَنَّهُمْ لَا يَسْتَطِيعُونَ الْخُرُوجَ مِنْهَا, قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: وَقَالَ الثَّالِثُ: اللَّهُمَّ إِنِّي اسْتَأْجَرْتُ أُجَرَاءَ, فَأَعْطَيْتُهُمْ أَجْرَهُمْ غَيْرَ رَجُلٍ وَاحِدٍ, تَرَكَ الَّذِي لَهُ وَذَهَبَ, فَثَمَّرْتُ أَجْرَهُ حَتَّى كَثُرَتْ مِنْهُ الْأَمْوَالُ, فَجَاءَنِي بَعْدَ حِينٍ, فَقَالَ: يَا عَبْدَ اللَّهِ, أَدِّ إِلَيَّ أَجْرِي, فَقُلْتُ لَهُ: كُلُّ مَا تَرَى مِنْ أَجْرِكَ مِنَ الْإِبِلِ وَالْبَقَرِ وَالْغَنَمِ وَالرَّقِيقِ, فَقَالَ: يَا عَبْدَ اللَّهِ, لَا تَسْتَهْزِئُ بِي, فَقُلْتُ: إِنِّي لَا أَسْتَهْزِئُ بِكَ, فَأَخَذَهُ كُلَّهُ فَاسْتَاقَهُ, فَلَمْ يَتْرُكْ مِنْهُ شَيْئًا, اللَّهُمَّ فَإِنْ كُنْتُ فَعَلْتُ ذَلِكَ ابْتِغَاءَ وَجْهِكَ, فَافْرُجْ عَنَّا مَا نَحْنُ فِيهِ, فَانْفَرَجَتِ الصَّخْرَةُ, فَخَرَجُوا يَمْشُونَ)) هذا الحديث الرائع يعلمنا أنك إذا كنت في ضائقة، وفي شدة، وفي أزمة، وفي خطر, فادع الله بصالح عملك، وينبغي أن يكون لكل واحد منا عمل صالح, يبتغي به وجه الله الكريم. اسمع قصة هذا التاجر : لما أوشك على الهلاك مع قطيعه دعا بصالح عمله فنجاه الله حدثني تاجر كبير من تجار الغنم, أنه ضل في الصحراء هو والغنم التي اشتراها، وكاد هو والغنم يموتون عطشاً، فصلى ركعتين، وذكر أن له عملاً صالحاً قبل سنوات، أنه كان في البادية، وجاءت امرأة تريده فدفعها، وقال: يا رب إن كنت دفعتها خوفاً منك ففرج عنا، وقد ساق الله لهم أناساً يعرفون مكان الماء، ودلوهم على الماء، وأنقذ الله حياتهم من الموت المحقق, فهذا من السنة, إذا كنت في شدة, أو ضائقة, أو محنة, أو مصيبة, أو خطر, فادع الله بصالح عملك كما علمنا النبي صلى الله عليه وسلم. أيها الأخوة, هذه الآيات والأحاديث، ما تكلمت إلا بآية, أو آيات, وأحاديث شريفة صحيحة، وهذا توجيه الله، وتوجيه النبي عليه الصلاة والسلام، والموضوع خطير، الإخلاص هو صلب الدين، بل هو الدين كله، فحينما يشك الإنسان في إخلاصه, بإمكانه أن يفعل شيئاً دون أن تعلم شماله ما أنفقت يمينه، هل يستطيع الشيطان أن يأتيه, ليقول له: أنك لست مخلصاً ! الإخلاص هو لب العبادات لو أنك صمت يوماً في سبيل الله، ولم تقل هذا لأحد، أحياناً يصوم الإنسان يوم نفل يطبق الدنيا، كلما التقى بإنسان: ألست صائم اليوم؟ يريد أن يقول لكل من يلتقي بهم: إنه صائم، نعوذ بالله من النفاق والرياء، لك أن تصوم، ولا تذكر كلمة أنك صائم، ولك أن تنفق، ولا تذكر كلمة أنك منفق، ولك أن تغض البصر, من يعلم هذه العبادة إلا الله؟. أنت حينما تجلس في غرفتك, تفتح نافذة جارتك، وتطل من النافذة, فإذا غضضت عنها البصر, هل في الأرض كلها إنسان, يمكن أن يحاسبك, أو يعلم ماذا فعلت؟ هذا هو الإخلاص، إذا كنت في البيت في أيام رمضان الحارة، والصنبور أمامك، وليس في البيت أحد ، ولك أن تشرب وتشرب حتى ترتوي، ولا أحد يعلم، لا كبير ولا صغير، ما الذي يمنعك أن تشرب؟ خوف الله عز وجل، فكلما أكثرت من العبادات, التي تؤكد أنك مخلص, تشعر مع حين أنك مخلص، أنفق ولا تتكلم كلمة واحدة، صم ولا تتكلم، صلِّ الليل ولا تتكلم، وافعل ما تريد تقرباً لله عز وجل ولا تتكلم، ومع ذلك: فالله عز وجل يلقي في روعك أنك مخلص. ((إِنَّمَا الْأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ, وَإِنَّمَا لِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى, فَمَنْ كَانَتْ هِجْرَتُهُ إِلَى دُنْيَا يُصِيبُهَا, أَوْ إِلَى امْرَأَةٍ يَنْكِحُهَا, فَهِجْرَتُهُ إِلَى مَا هَاجَرَ إِلَيْهِ)) واقعة : أحد ملاك الأراضي الكبار, بلغه أنه إذا تبرع بمساحة كافية لمسجد, لا بد من أن تنظم هذه الأراضي من قبل البلديات، وإذا نظمت على محاضر, ارتفع ثمنها أضعافاً مضاعفة، فجاء هذا الإنسان، وتبرع بخمسة دونمات, لينشئ عليها مسجدًا، والناس يتحدثون عن إحسانه, وفضله, ومحبته لله، ومحبته للمساجد، وكيف أن له مقعد صدق عند مليك مقتدر؟ وكيف أن له مكانًا في الفردوس الأعلى؟ لأنه قدم لله أرضاً لتكون مسجداً، وهو حينما قدم هذه الأرض, ما خطر في باله لحظة, أن يتقرب فيها إلى الله، لكن الذي خطر في باله: أن ترتفع أسعار الأراضي التي يملكها في هذا المكان، هل تريد من الله أن يعطيه مكانًا في الجنة, لأنه أراد أن يعطيه هذه الأرض؟ عمله قيمته هذه النية، النية المادية. لو قد مت لإنسان شرابًا سائغاً، وتعلم أن له قرحة في المعدة، وأن هذا الشراب الحامض, ربما يؤذي معدته فيتفاقم مرضه، فلما قدمت له هذا الكأس، ورحبت به، وأردت أن تكرمه في الظاهر، واشرب فهو شراب طيب، تحاسب على أنك مسيء، ولو أنك قدمت لإنسان شيئًا فأودى بحياته، وفي نيتك أن تتقرب إلى الله بخدمته، لكن أجله قد انتهى, قد ترقى عند الله بعمل لم يكن كما تتمنى، أليس كذلك؟. خاتمة القول : ((إِنَّمَا الْأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ, وَإِنَّمَا لِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى)) فعلينا أن نحرر نوايانا، وأن ندقق فيما نفعل، لأن الله سبحانه وتعالى لا تخفى عليه خافية: ﴿إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصَادِ﴾ [سورة الفجر الآية: 14] ﴿يَعْلَمُ خَائِنَةَ الْأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ﴾ [سورة غافر الآية: 19] والله يعلم ما تعلن وما تخفي، ويعلم سرك وما خفي عنك، فقد تخفي وقد يخفى عنك أشياء كثيرة، هو الذي يعلمها، أنت مكشوف أمام الله عز وجل، تكلم ما شئت، لكن الله سيحاسبك على نواياك. لا بد من تحليل النية، ولابد من مراقبة الله عز وجل، وأن يكون العمل إن شاء الله خالصاً لوجه الله، === تعظيم حرمات الله وتعظيم شعائره متى يستقيم العبد على أمر ربه؟ : أيها الأخوة,قد بدأنا في الدرس الماضي بموضوع لوازم العبودية لله عز وجل، وتحدثنا عن أبرز هذه اللوازم، ألا وهي الإخلاص لله عز وجل، وسلامة الطوية، واليوم ننتقل إلى تعظيم حرمات الله عز وجل, وتعظيم شعائره، فيه آية تعد أصلاً في هذا الباب، ألا وهي قوله تعالى: ﴿مَا لَكُمْ لَا تَرْجُونَ لِلَّهِ وَقَاراً * وَقَدْ خَلَقَكُمْ أَطْوَاراً﴾ [سورة نوح الآية: 13-14] شدة القرب حجاب : فالإيمان بالله شيء، وتوقيره شيء آخر، حينما قال الله عز وجل: ﴿إِنَّهُ كَانَ لاَ يُؤْمِنُ بِاللهِ الْعَظِيمِ﴾ فالتركيز والإضاءة والخط تحت كلمة عظيم، لأن معظم الكائنات من دون استثناء يؤمنون بالله، حتى إن إبليس قال: ﴿قَالَ أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ﴾ [سورة ص الآية: 76] ﴿قَالَ رَبِّ فَأَنْظِرْنِي إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ﴾ [سورة ص الآية: 78-79] الكون معجزة وأية معجزة فالإيمان بوجود الله قاسم مشترك بين معظم الخلق، ولا يعد هذا الإيمان إيمان منجياً، لكن الإيمان بالله العظيم حينما تعظمه، وتوقره، وتراه عظيماً، عندئذ تستقيم على أمره، ويبدو أن الطاعة مرتبطة بالتعظيم : ﴿مَا لَكُمْ لَا تَرْجُونَ لِلَّهِ وَقَاراً * وَقَدْ خَلَقَكُمْ أَطْوَاراً﴾ [سورة نوح الآية: 13-14] الشيء مألوف جداً، وكما قالوا: شدة القرب حجاب، أما أن ترى ابنك بين يديك يضحك، ويلعب، ويتكلم، ويبكي، ويأكل، ويتنفس، ودماغه فيه مئة وأربعون مليار خلية استنادية، وأربع عشرة خلية قشرية، ورئتان، ومعدة، وأمعاء، وعينان، وأذنان، ولسان، ومريء، وتنفس، وإفراز، وكليتان، لا أعتقد أن في الكون أعقد من الإنسان، إنه تعقيد إعجاز، لا تعقيد عجز، وأنت تعلم علم اليقين: أن هذا الابن, كان خلية من أربعمئة مليون خلية, خرجت منك في اللقاء الزوجي، تشكل هذا الطفل الذي أمامك من حوين واحد, من أربعمئة مليون حوين، يفكر, ويسأل، ويعترض، ويناقش، ويفرح، ويحزن، ويرى، ويسمع، ويتكلم، وينطق ..... ﴿مَا لَكُمْ لَا تَرْجُونَ لِلَّهِ وَقَاراً * وَقَدْ خَلَقَكُمْ أَطْوَاراً﴾ [سورة نوح الآية: 13-14] شاءت حكمة الله أن ترى خلقك من ابنك، تراه رأي العين، لكن كما قالوا: شدة القرب حجاب، هذا الكون من دون خرق لنواميسه، ومن دون تعطيل لأنظمته, هو معجزة، وأية معجزة . من لوازم العبودية لله : 1-طاعته وتعظيمه كي تطيعه : تطيع الله بقدر ما تعظمه وتعصيه بقدر ما يقل تعظيمك له قال الإمام مجاهد: ما لكم لا تبالون لله عظمة، وقال ابن عباس: ما لكم لا تعلمون لله عظمة، وفي رواية: ما لكم لا تعظمون الله حق تعظيم، وقال ابن زيــد: ما لكم لا ترجون لله وقاراً، الوقار هو الطاعة، ما لكم لا تخافون عظمة الله عز وجل . أيها الأخوة, دائماً الطاعة مقترنة بالتعظيم، أنت في الخدمة الإلزامية، ويوجد رتب تبدأ من سبعة، هذه أقل رتبة، ويوجد سبعتان، وثمانية، وثمانيتان، يوجد ثمانية ونجمة، أو ثمانيتان ونجمتان، أو ثمانيتان وثلاث نجمات، بعد هذا نجمة على الكتف، ثم اثنتان، ثم ثلاث، ثم تاج، ثم تاج ونجمة، وتاج ونجمتان، وتاج وثلاث، ثم سيفان, إذا كنت في الخدمة الإلزامية، وقال لك عريف: ازحف, يمكن ألا تزحف، أما إذا كان اللواء موجودًا تصير على الأرض، لأنك تعرف ما معنى الاستعصاء؟ إنه السجن . مثل بين أيديكم : ﴿مَا لَكُمْ لَا تَرْجُونَ لِلَّهِ وَقَاراً * وَقَدْ خَلَقَكُمْ أَطْوَاراً﴾ [سورة نوح الآية: 13-14] أنت تطيعه بقدر ما تعظمه، وتعصيه بقدر ما يقلّ تعظيمك له، فمن لوازم العبودية لله عز وجل: طاعته وتعظيمه كي تطيعه . ما موقفك من النعمة التي أكرمك الله بها؟ : يقول عليه الصلاة والسلام: ((إن لله تعالى أقواماً, يختصهم بالنعم لمنافع العباد، ويقرها فيهم ما بذلوها، فإذا منعوها نزعها منهم، فحولها إلى غيرهم)) الآن: هذه النعمة التي أكرمك الله بها, ينبغي أن تراها من فضل الله عليك، فإذا رأيتها هكذا بذلتها، وإن رأيتها بجهدك كما قالها قارون: ﴿قَالَ إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ عِنْدِي﴾ [سورة القصص الآية: 78] بخلت بها . قد يقول لك التاجر: خبرات متراكمة، سهر، عمل دؤوب، حتى حصلت هذه الثروة، يوجد أذكى منه بمئات المرات، ولا يملك درهماً واحداً، فعطاء الله لا علاقة له بذلك، بل الذكاء، ولكن له علاقة بالاستقامة : ولو كانت الأرزاق تجري مع الحجى هلكن إذاً من جـهلـهن البهائم من لوازم تعظيم الله : 1-تعظيم نعمه : أن تكون معافى في جسدك نعمة تستوجب الشكر فيا أيها الأخوة, من لوازم تعظيم الله عز وجل: تعظيم نعمه، الزوجة نعمة، فمن كفر بها حرم منها، والزوج نعمة، فإذا كفرت الزوجة, حرمت هذه النعمة، وأن تكون معافى في جسمك هذه نعمة . كان عليه الصلاة والسلام إذا استيقظ يقول: ((الحمد لله الذي عافاني في بدني)) أن تتمتع بسمعك، وبصرك، وحركتك، وذاكرتك، وقوتك، وتخدم نفسك بنفسك، هذه نعمة لا تعدلها نعمة . ((إن لله تعالى أقواماً, يختصهم بالنعم لمنافع العباد، ويقرها فيهم ما بذلوها، فإذا منعوها نزعها منهم، فحولها إلى غيرهم)) 2- تعظيم ما حباك الله به : إذا أراد الله بعبد خيرا استعمله من لوازم تعظيم الله عز وجل: تعظيم ما حباك الله به، ومن نتائج تعظيم ما حباك الله به: أن تبذله للناس، لا أن تستأثر به، وتنفرد به . عَنْ عَمْرِو ابْنِ الْحَمِقِ الْخُزَاعِيِّ, أَنَّهُ سَمِعَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: ((إِذَا أَرَادَ اللَّهُ بِعَبْدٍ خَيْرًا اسْتَعْمَلَهُ, قِيلَ: وَمَا اسْتَعْمَلَهُ؟ قَالَ: يُفْتَحُ لَهُ عَمَلاً صَالِحاً بَيْنَ يَدَيْ مَوْتِهِ, حَتَّى يَرْضَى عَنْهُ مَنْ حَوْلَهُ)) [أخرجه الطبراني في المعجم الكبير, والطبراني في المعجم الأوسط, والبزار في مسنده, والإمام أحمد في مسنده] إذا أردت أن تعرف مقامك فانظر فيما استعملك : أقول: إذا أردت أن تعرف مقامك فانظر فيما استعملك، إذا أحب الله عبداً استعمله في خير، وجعل حوائج الناس إليه، وفتح على يديه باب الأعمال الصالحة، واستعمله، أي جعله أداة خير للناس، فكلما رأيت إنسانًا منّ الله عليه بعمل صالح، بدعوة، بتعليم، ببناء مستشفى، أو ميتم، أو مسجد، أو بإدارة دعوة ناجحة لله عز وجل . أنا لا أجد كلمة أهنئه بها كهذه الكلمة : إذا أردت أن تعرف مقامك فانظر فيما استعملك . تطبيق عملي لهذا الحديث : في حديث آخر من طريق آخر: ((إذا أراد الله بعبد خيراً استعمله، قيل: كيف يستعمله؟ قال: يوفقه لعمل صالح قبل الموت، ثم يقبضه عليه)) أخ من أخواننا, يقيم في بلدة في أمريكا، لما سافرت إليها من عدة سنوات, حضر الدروس، ثم اقتنى الأشرطة، يقول لأحد أصحابه: هذه الأشرطة مضمونها أن أعود لبلادي، وأن أخدم أمتي، نوّر الله قلبه، قال: هذا كلام دقيق، وعليه أدلة، أقسم لي صديقه, توفي رحمه الله، شاب في مقتبل العمر، أنه في أوج نجاحه, أنهى عمله، وباع أثاث البيت، واستقال من وظيفته، وتنفيذاً لوصية رسول الله حيث يقول: ((من أقام مع المشركين برئت منه ذمة الله)) عاد إلى الشام، وخلال أيام ثلاثة توفي بحادث، على أي نية مات؟ على أعلى نية، إذا أراد الله بعبد خيراً استعمله، هذا لمجرد أنه أراد أن يعود لبلد مسلم, حيث المشكلات لا تعد ولا تحصى، وأن يتبرأ من بلد آخر, ترتكب فيه المعاصي على عارضة الطريق، أراد أن يعود لبلد مسلم، وأن يكون جهده في خدمة المسلمين، ومات على هذه النية . هذا الصحابي يحبه الله : سيدنا زيد الخيل, كان من أجمل العرب, فلما زار مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم, رآه النبي, قال له: ((من الرجل؟ قال: أنا زيد الخيل، قال: بل زيد الخير -لكرم النبي وأخلاقه العلية, دعاه إلى داره- قال له: يا زيد, ما وصف لي رجل فرأيته, إلا رأيته دون ما وصف, إلا أنت يا زيد، لله درك، أعطاه وسادة ليتكئ عليها، قال: يا رسول الله! لا أتكئ بحضرتك -ما هذا الأدب؟!- قال: يا رسول الله! أعطني ثلاثمئة فارس لأغزو بلدهم الروم - أعجب به النبي عليه الصلاة والسلام- قال: لله درك يا زيد، واستأذن النبي، وغادر إلى بلده, وفي الطريق توفاه الله)) وهو من كبار الصحابة، وبين إسلامه وموته ثلاثة أيام فقط . إذا أحب الله عبداً استعمله، قيل: كيف يستعمله؟ قال: يوفقه لعمل صالح قبل الموت، ثم يقبضه عليه . كيف يكون طهور العبد قبل موته؟ : وفي حديث آخر: ((إذا أراد الله لعبد خيراً, طهره قبل موته، قالوا: وما طهور العبد؟ قال: عمل صالح يلهمه إياه حتى يقبضه عليه)) أناس صالحون كثر يموتون، وهم يصلون، يموت في ليلة القدر، وهو يقرأ القرآن، يموت في المسجد، وإنسان آخر يموت وهو يعالج الصحن، لأن محطة إباحية لا تأتي عنده، فصعد فوق السطح, ليعدل اتجاه الصحن, لعله يراها واضحة, فمات، موت الإنسان يلخص حياته كلها، وإنسان ادعى النبوة في شرق آسيا، وادعى أنه نبي بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وجدوه ميتاً في بيت الخلاء، فيبدو أن طريقة موت الإنسان تترجم حياته في الدنيا . لذلك ورد في بعض الأحاديث الشريفة: ((صنائع المعروف تقي مصارع السوء)) الغنى الحقيقي غنى العمل الصالح، وأن الفقر الحقيقي فقر العمل الصالح : مفاد كلامي: أن المؤمن يعظم النعمة، لأنها من الله، يشكرها ويبذلها، المؤمن يعظم العمل الصالح، يقبل عليه, لأنه قربة إلى الله، يعظم الله، ويعظم نعمه وأوامره, ويعظم الأعمال التي تقرب منه، بعد أن سقى سيدنا موسى للفتاتين, قال: ﴿فَقَالَ رَبِّ إِنِّي لِمَا أَنْزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ﴾ [سورة القصص الآية: 24] لذلك العلماء استنتجوا: أن الغنى الحقيقي غنى العمل الصالح، وأن الفقر الحقيقي فقر العمل الصالح . الله عز وجل هدى على يد إنسان مئات الأشخاص، هذا أكبر غني في الأرض، والذي يملك ألوف الملايين، ولم يقدم لله عملاً صالحاً واحداً, هذا أفقر خلق الله . 3-التفكر في خلق السموات والأرض : فمن وسائل التعظيم كما يقول الله عز و جل: ﴿قُلْ إِنَّمَا أَعِظُكُمْ بِوَاحِدَةٍ أَنْ تَقُومُوا لِلَّهِ مَثْنَى وَفُرَادَى ثُمَّ تَتَفَكَّرُوا مَا بِصَاحِبِكُمْ مِنْ جِنَّةٍ﴾ [سورة سبأ الآية: 46] التفكر في خلق السموات والأرض . 4-التفكر في آياته : ﴿إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآَيَاتٍ لِأُولِي الْأَلْبَابِ * الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَاماً وَقُعُوداً وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلاً سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ﴾ [سورة آل عمران الآية: 190-191] من باب تعظيم الله عز وجل وتوقيره: التفكر في آياته . ما وراء هذا البحث : قرأت بحثاً عن النملة والنحلة والمجرات, شيء لا يصدق، خلق الله يملأ ساحة نفسي ، الإنسان الآخر يقول: هل رأيت سيارة ب إم؟ ماركات السيارات، والأجهزة، والشركات العملاقة، والعطور، والمصانع الكبيرة في العالم التي تقدم للجسد ما يحتاج، هذه تملأ ساحة نفسه، ما الذي تهتم له؟ يهمك صنع الله أم صنع البشر؟ لذلك الأنبياء والصديقون والعلماء الكبار, ملأت نفوسهم عظمة الله عز وجل، بينما الأشخاص التافهون تملأ نفوسهم مصانع, تقدم سلعًا, وخدمات, ومركبات، وما شابه ذلك . تعليق : لي تعليق: لو أنك ركبت طائرة عملاقة، وهي تقلّ أربعمائة راكب، وكل شيء ميسر لك في الجو، وتقطع المحيط الأطلسي، أو تطير ساعات طويلة بلا توقف، يمكن من تعظيم هذه الطائرة, أن تنتقل لتعظيم الله عز وجل، كيف؟ . هذا الإنسان أعطاه الله عقلاً، لولا هذا العقل لما اخترع هذه الطائرة، هل رأيت في مجتمع القرود من يصنع طائرة؟ الحيوانات هيَ هي، أما الإنسان فصنع طائرات، ونقل صورة عبر المسافات الشاسعة، وصارت الاتصالات سريعة جداً، هذا كله بفضل الجهاز الذي كرم الله به الإنسان . قال تعالى: ﴿وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ﴾ | |
| | | Admin Admin
المساهمات : 4240 تاريخ التسجيل : 20/01/2018
| موضوع: رد: عقيدة من مفهوم القران والسنة -مستلزمات التوحيد الجمعة مارس 02, 2018 7:56 am | |
| الخوف والخشية والخشوع لله تعالى أيها الأخوة, النبي عليه الصلاة والسلام حينما يصف المؤمن هذا الوصف, له هدف مزدوج، هو الهدف، وهو المقياس، فهو مقياس لك تقيس به إيمانك، وهدف ينبغي أن تسعى إليه، فمن لوازم الإيمان الشعورية، هناك لوازم سلوكية أن تكون مستقيماً، ملتزماً عند الأمر وعند النهي، أن يراك حيث أمرك، ويفتقدك حيث نهاك، لكن من اللوازم الشعورية أن تشعر بالخوف من الله، وأن تشعر بالحب له، وأن تشعر بالتعظيم. ما المراد من هذا الحديث؟ : ورد في بعض الآثار القدسية: ((أن يا رب, أي عبادك أحب إليك حتى أحبه بحبك؟ قال: أحب عبادي إلي؛ تقي القلب, نقي اليدين, لا يأتي إلى أحد بسوء، أحبني وأحب من أحبني, وحببني إلى خلقي، قال: يا رب, إنك تعلم أني أحبك, وأحب من يحبك, فكيف أحببك إلى خلقك؟ قال: ذكرهم بآلائي ونعمائي وبلائي)) كأن شرح الحديث: ذكرهم بآلائي كي يعظموني، وذكرهم بنعمائي كي يحبوني، وذكرهم ببلائي كي يخافوني، فمن علامة الإيمان: أن تشعر بالخوف من الله، لأن الله عز وجل يقول: ﴿إِنَّ بَطْشَ رَبِّكَ لَشَدِيدٌ﴾ [سورة البروج الآية: 12] إذا أخذ أدهش!: ﴿وَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ﴾ [سورة البقرة الآية: 40] وحينما يتقدم المفعول على الفعل فهو صيغة قصر، أي ارهبوني وحدي، وإياي فارهبون، وفي آية ثالثة: ﴿فَلَا تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ﴾ [سورة آل عمران الآية: 175] علامة الغافل: أنه يخاف مما سوى الله، وعلامة اليقظ المؤمن: أنه لا يخشى إلا الله. بماذا وصف الله المؤمنين من خلال هذه الآيات؟ : وحينما يصف الله المؤمنين فيقول: ﴿إِنَّ الَّذِينَ هُمْ مِنْ خَشْيَةِ رَبِّهِمْ مُشْفِقُونَ﴾ [سورة المؤمنون الآية: 57] وفي آية أخرى: ﴿وَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ يَتَسَاءَلُونَ﴾ [سورة الصافات الآية: 27] ﴿قَالُوا إِنَّا كُنَّا قَبْلُ فِي أَهْلِنَا مُشْفِقِينَ﴾ [سورة الطور الآية: 26] علامة المؤمن الذي يستحق الجنة: أنه خائف في الدنيا: ﴿فَمَنَّ اللَّهُ عَلَيْنَا وَوَقَانَا عَذَابَ السَّمُومِ * إِنَّا كُنَّا مِنْ قَبْلُ نَدْعُوهُ إِنَّهُ هُوَ الْبَرُّ الرَّحِيمُ﴾ [سورة الطور الآية: 27-28] رأس الحكمة مخافة الله : وفي آية أخيرة: ﴿فَلَا تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِي﴾ [سورة البقرة الآية: 150] ينبغي أن تشعر إذا كنت مؤمناً حقاً: أن تخاف من الله، بل إن رأس الحكمة مخافة الله. انظر إلى هذا القول للحسن البصري : والإمام الحسن البصري يقول: إن المؤمن جمع إحساناً وشفقة، وإن المنافق جمع إساءة وأمناً، المستقيم المحسن خائف، والمسيء المتفلت مطمئن، لكنها طمأنينة الجهل والغباء والسذاجة، حينما وصف الله عباده المؤمنين: ﴿وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آَتَوْا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ﴾ [سورة المؤمنون الآية: 60] آتوا أي أعطوا، أتوا بمعصية أو بذنب: ﴿وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آَتَوْا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ﴾ [سورة المؤمنون الآية: 60] من علامة المؤمن : أخرج الإمام أحمد في المسند, عَنْ عَائِشَةَ أَنَّهَا قَالَتْ: ((يَا رَسُولَ اللَّهِ! فِي هَذِهِ الْآيَةِ ﴿ الَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوْا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلَى رَبِّهِمْ رَاجِعُونَ﴾ يَا رَسُولَ اللَّهِ! هُوَ الَّذِي يَسْرِقُ, وَيَزْنِي, وَيَشْرَبُ الْخَمْرَ, وَهُوَ يَخَافُ اللَّهَ؟ قَالَ: لَا يَا بِنْتَ أَبِي بَكْرٍ, يَا بِنْتَ الصِّدِّيقِ, وَلَكِنَّهُ الَّذِي يُصَلِّي, وَيَصُومُ, وَيَتَصَدَّقُ, وَهُوَ يُخَافُ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ)) علامة المؤمن، وأنت في طاعتك، وفي استقامتك، وأنت تعطي، وتضحي، وتلتزم, وتنفق، أنت خائف لعلو مقام الألوهية عندك، خائف ألا يقبل منك ذلك، هذا المعنى قاله النبي عليه الصلاة والسلام، والوجل والخوف والخشية والرهبة ألفاظاً منتقاة، وليس مترادفة، ونحن في صدد بيان الفروق الدقيقة بين هذه الألفاظ. هذا ما قاله العلماء حول موضوع الخوف من الله : قال بعض العلماء: الخوف اضطراب القلب، وحركته من تذكر المخوف الذي تخاف منه. كيف سيدنا عمر, حينما كان في المدينة يتفقد أحوال رعيته, رأى قافلة في ظاهر المدينة، ومعه عبد الرحمن بن عوف، قال: تعال يا عبد الرحمن نحرس هذه القافلة، سمع سيدنا عمر بكاء طفل، وقال لأمه: أرضعيه, أرضعته، ثم بكى، قال: أرضعيه، أرضعته، ثم بكى، فغضب، قال: أرضعيه، لعله قالها بقسوة، عندئذ غضبت الأم، وقالت له: وما شأنك بنا إنني أفطمه؟ فقال عمر: ولم؟ قالت له: لأن عمر - ولا تعلم أنه عمر- لا يعطينا العطاء إلا بعد الفطام، فيقال: إنه ضرب جبهته، وقال: ويلك يا بن الخطاب, كم قتلت من أطفال المؤمنين؟ وقيل: إنه ذهب إلى صلاة الفجر من شدة بكائه وخوفه من الله عز وجل, لم يفهم الصحابة وقد صلوا وراءه صوته، وكان يقول: يا رب هل قبلت توبتي فأهنئها, أم رددتها فأعزيها؟ لأنه اجتهد أن التعويض يعطى للمولود بعد الفطام، ثم أمر أن كل مولود يستحق عطاءه عند الولادة، إذا لم يكن في بالقلب خوف إطلاقاً, واللهِ هناك خلل كبير في الإيمان، وهناك مشكلة. متى يفسد قلب المؤمن؟ : ما دمت خائفا فأنت على طريق الله أيها الأخوة, يقول بعض العلماء: الناس على الطريق ما لم يزل عنهم الخوف، ما دمت خائفًا فأنت على طريق الله, على صراط مستقيم، كأن الخوف يحميك من أن تزل قدمك عن الطريق المستقيم، وقال بعض العلماء: ما فارق الخوف قلوبنا إلا كربت قلوبنا، وينبغي للقلب أن يغلب عليه الخوف، فإن غلب عليه الرجاء فسد. شخص يغلب عليه الرجاء، لا تدقق، الله غفور رحيم، الله لن يحاسبنا، هو علي قدير، نحن ضعفاء، هذا يغلب عليه الرجاء، لكن رجاء السذاجة، والغباء، والتقصير، لكن بعض العلماء يقول: إن المؤمن يغلب عليه الخوف.
ما وظيفة الخوف من الله؟ : الخوف المحمود وسيلتك للبعد عن الحرام بالمناسبة: لا يمكن أن يكون الخوف مقصوداً لذاته، الخوف وسيلة للبعد عن الحرام، ليس العبرة أن تخاف, بل أن يحملك على طاعة الله فقط، أن يحجزك خوفك عن أن تعصي الله، هذا الخوف المحمود، ليس الخوف هدفاً بذاته، بل هو وسيلة لذلك، فما دام ليس هدفاً بذاته, بالجنة, فلا يوجد خوف: ﴿إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ﴾ [سورة فصلت الآية: 30] فالخوف في الدنيا وسيلة وليس هدفاً، وظيفة الخوف أن يحجزك عن محارم الله فقط. اللهم اقسم لنا من خشيتك ما تحول به بيننا وبين معصيتك، اللهم اجعلنا نخشاك حتى كأن نراك وأسعدنا بلقياك، اللهم بارك لنا في قضائك وفي قدرك، حتى لا نحب تعجيل ما أخرت وتأخير ما عجلت. دعاء في أعلى درجة من الدقة, إذا آمنت بالقدر خيره وشره من الله تعالى، وأن كل شيء وقع أراده الله، وأن كل شيء أراده الله وقع، وأن إرادة الله متعلقة بالحكمة المطلقة، وأن حكمته المطلقة متعلقة بالخير المطلق، لا تستعجل شيئاً أخره الله, ولا تستبطئ شيئاً يعجل الله به. قد يقول قائل: لمَ سمح الله لهؤلاء أن يفعلوا ما فعلوا في الحادي عشر من أيلول؟ كنا في خير, الآن يوجد ضغط لا يعلمه إلا الله، لكل شيء حقيقة، وما بلغ عبد حقيقة الإيمان حتى يعلم أن ما أصابه لم يكن ليخطئه، وما أخطأه لم يكن ليصيبه، أنت حينما تؤمن بعلم الله المطلق، وبحكمته المطلقة، وبرحمته المطلقة, لا تتمنى تأخير ما عجل، ولا تعجيل ما أخر، هذا هو الإيمان الصحيح. ما الفرق بين العابد وبين العالم؟ : العلماء يخشون الله أخواننا الكرام, الخوف للمؤمنين، والخشية للعلماء، وأي واحد عرف الله على علم بالله ، أنا لا أقصد العلماء الذين يعملون في الدعوة، لكن يوجد عابد، ويوجد عالم، العابد يخاف الله ، لكن العالم الذي بنى إيمانه على بحث، ودرس، وتدقيق، وتمحيص، ودقة، وأدلة، فهذا الذي انتقل من العبادة إلى العلم, هذا مرتبته أعلى من مرتبة الخوف، هذا في خشية الله، العابد يخاف الله, لكن العالم الذي طلب العلم الشرعي، ومعه الأدلة القوية، ومعه علم بالله, هو يخشاه ، الدليل: ﴿إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ﴾ [سورة فاطر الآية: 28] دليل آخر: عَنْ عُمَرَ بْنِ أَبِي سَلَمَةَ, أَنَّهُ سَأَلَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((أَيُقَبِّلُ الصَّائِمُ؟ فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: سَلْ هَذِهِ لِأُمِّ سَلَمَةَ, فَأَخْبَرَتْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يفعل ذَلِكَ, فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ! قَدْ غَفَرَ اللَّهُ لَكَ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ؟ فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَمَا وَاللَّهِ إِنِّي لَأَتْقَاكُمْ لِلَّهِ وَأَخْشَاكُمْ لَهُ)) [أخرجه مسلم في الصحيح, ومالك في الموطأ] هناك حديث يقسم الظهر: عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: ((قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مَنْ تَعَلَّمَ عِلْمًا مِمَّا يُبْتَغَى بِهِ وَجْهُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ, لَا يَتَعَلَّمُهُ إِلَّا لِيُصِيبَ بِهِ عَرَضًا مِنَ الدُّنْيَا, لَمْ يَجِدْ عَرْفَ الْجَنَّةِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يَعْنِي رِيحَهَا)) تعلم علم الفيزياء هذا نوع من الحرف، فيزياء، كيمياء، رياضيات، فلك، طب، هندسة، علم نفس، أو اجتماع، هذه حرف، لكن تعلم العلم بالله طلب العلم الشرعي، تعلم علماً في الأصل يبتغى وجه الله، اختار علماً في الأصل يختاره الطالب لوجه الله، لكنه بعد أن اختار هذا العلم فيما يبدو لوجه الله استخدمه للدنيا. يقول الإمام الشافعي: لأن أرتزق بالرقص, أفضل من أن أرتزق بالدين. وفي توجيه نبوي كريم: عَنْ جَابِرِ ابْنِ عَبْدِ اللَّهِ, أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: ((لَا تَعَلَّمُوا الْعِلْمَ لِتُبَاهُوا بِهِ الْعُلَمَاءَ, وَلَا ِتُمَارُوا بِهِ السُّفَهَاءَ, وَلَا تَجيزوا بِهِ الْمَجَالِسَ, فَمَنْ فَعَلَ ذَلِكَ فَالنَّارُ النَّارُ)) [أخرجه ابن ماجه في سننه, وابن حبان في صحيحه, والحاكم في مستدركه] احذروا النار النار . عَنْ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: ((كَيْفَ أَنْتُمْ إِذَا لَبِسَتْكُمْ فِتْنَةٌ, يَهْرَمُ فِيهَا الْكَبِيرُ, وَيَرْبُو فِيهَا الصَّغِيرُ, إِذَا تُرِكَ مِنْهَا شَيْءٌ, قِيلَ: تُرِكَتِ السُّنَّةُ, قَالُوا: وَمَتَى ذَاكَ؟ قَالَ: إِذَا ذَهَبَتْ عُلَمَاؤُكُمْ, وَكَثُرَتْ جُهَلَاؤُكُمْ, وَكَثُرَتْ قُرَّاؤُكُمْ, وَقَلَّتْ فُقَهَاؤُكُمْ, وَكَثُرَتْ أُمَرَاؤُكُمْ, وَقَلَّتْ أُمَنَاؤُكُمْ, وَالْتُمِسَتِ الدُّنْيَا بِعَمَلِ الْآخِرَةِ, وَتُفُقِّهَ لِغَيْرِ الدِّينِ)) [أخرجه الدارمي في سننه]
هذه حالة صعبة جداً: أن تلتمس الدنيا بعمل الآخرة. وفي حديث آخر: عَنْ شَقِيقٍ, قَالَ عَبْدُ اللَّهِ: ((كَيْفَ أَنْتُمْ إِذَا لَبِسَتْكُمْ فِتْنَةٌ, يَهْرَمُ فِيهَا الْكَبِيرُ, وَيَرْبُو فِيهَا الصَّغِيرُ, وَيَتَّخِذُهَا النَّاسُ سُنَّةً, فَإِذَا غُيِّرَتْ قَالُوا: غُيِّرَتِ السُّنَّةُ, قَالُوا: وَمَتَى ذَلِكَ يَا أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ؟ قَالَ: إِذَا كَثُرَتْ قُرَّاؤُكُمْ, وَقَلَّتْ فُقَهَاؤُكُمْ, وَكَثُرَتْ أُمَرَاؤُكُمْ, وَقَلَّتْ أُمَنَاؤُكُمْ, وَالْتُمِسَتِ الدُّنْيَا بِعَمَلِ الْآخِرَةِ)) [أخرجه الدارمي في سننه] من علامات آخر الزمان : الآن المؤمنون في خوف مستمر من الله العظيم, أن تزل أقدامهم في هذه الدنيا، من وقوع في معصية، أو اجتراح إثم، أو فاحشة، أو كسب حرام, لكن في آخر الزمان: عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: ((قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: يَأْتِي عَلَى النَّاسِ زَمَانٌ, مَا يُبَالِي الرَّجُلُ مِنْ أَيْنَ أَصَابَ الْمَالَ: مِنْ حَلَالٍ أَوْ حَرَامٍ؟)) عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ, عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: ((إِنَّ الدُّنْيَا حُلْوَةٌ خَضِرَةٌ, وَإِنَّ اللَّهَ مُسْتَخْلِفُكُمْ فِيهَا, فناظر كَيْفَ تَعْمَلُونَ, فَاتَّقُوا الدُّنْيَا وَاتَّقُوا النِّسَاءَ)) زاد في رواية: ((فَإِنَّ أَوَّلَ فِتْنَةِ بَنِي إِسْرَائِيلَ كَانَتْ فِي النِّسَاءِ)) [أخرجه مسلم في الصحيح, والنسائي في سننه] وصفة نبوية : أكثروا ذكر الموت الإنسان أحياناً حينما تصعب عليه قيادة نفسه وتغلبه نفسه, هناك وصفة نبوية: عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: ((قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَكْثِرُوا ذِكْرَ هَاذِمِ اللَّذَّاتِ الْمَوْتَ)) [أخرجه الترمذي والنسائي وابن ماجه في سننهم, والإمام أحمد في مسنده] بالموت فإنه لم يذكره أحد في ضيق من العيش إلا وسعه الله عليه، ولا ذكره أحد في سعة إلا ضيقها عليه. الحقيقة مفارقة رائعة: المحروم إذا تذكر الموت تذكر الجنة، والغني المنحرف إذا تذكر الموت تذكر الفقر، لأن العملة المتداولة يوم القيامة هي العمل الصالح، فالفقر يوم القيامة فقر العمل الصالح، والغنى غنى العمل الصالح. انظر إلى هذا الخوف عند عمر : مما يدل على أن الصحابة الكرام كانوا في أعلى درجات الخوف: سيدنا عمر حينما قرأ قوله تعالى: إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ لَوَاقِعٌ, بكى، واشتد بكاؤه, حتى مرض، وعاده أصحابه، وقال لابنه: ويحك يا بني، ضع خدي على الأرض, عسى الله أن يرحمني، ثم قال: ويل أمي إن لم يغفر الله لي، ثلاثاً، ثم قضى، ثم أسلم روحه لله عز وجل، قال له ابن عباس وهو في هذه الحالة: يا أمير المؤمنين، لقد نصّر الله بك الأنصار، فتحت البلاد، وفتح بك الفتوح، وفعل، وفعل معك، فقال: وددت أني أنجو لا أجر ولا وزر. هل هذا الخوف مصطنع للاستهلاك أم هو خوف حقيقي؟ نحن هل نخاف هذا الخوف؟ ما لنا عمل، ولا واحد بالمليار من أعمال عمر، ولا نخاف هذا الخوف، العلة فينا أم فيه؟ العلة فينا، عندنا خلل، علامة صحة إيمانك خوفك من الله عز وجل. ما محور هذا الحديث؟ : عَنْ أَبِي ذَرٍّ قَالَ: ((قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِنِّي أَرَى مَا لَا تَرَوْنَ, وَأَسْمَعُ مَا لَا تَسْمَعُونَ, أَطَّتِ السَّمَاءُ وَحُقَّ لَهَا أَنْ تَئِطَّ, مَا فِيهَا مَوْضِعُ أَرْبَعِ أَصَابِعَ, إِلَّا وَمَلَكٌ وَاضِعٌ جَبْهَتَهُ سَاجِدًا لِلَّهِ, وَاللَّهِ لَوْ تَعْلَمُونَ مَا أَعْلَمُ, لَضَحِكْتُمْ قَلِيلًا وَلَبَكَيْتُمْ كَثِيرًا, وَمَا تَلَذَّذْتُمْ بِالنِّسَاءِ عَلَى الْفُرُشِ, وَلَخَرَجْتُمْ إِلَى الصُّعُدَاتِ تَجْأَرُونَ إِلَى اللَّهِ, لَوَدِدْتُ أَنِّي كُنْتُ شَجَرَةً تُعْضَدُُ)) [أخرجه الترمذي في سننه] وفي رواية: لو تعلمون ما أنتم عليه بعد الموت, ما أكلتم طعاماً عن لذة. رسالة اطمئنان : قال بعض العلماء: صاحب الخوف يهرب إلى الإمساك والزهد، وصاحب الخشية يلتجئ إلى الله بالاعتصام بالعلم. أيها الأخوة, لكنني أطمئنكم: أن الله أجل وأعظم وأكرم من أن يجمع على عبد خوفين أو أمنين، إن خاف الله في الدنيا أمنه يوم القيامة، وإن أمنه في الدنيا أخافه يوم القيامة، فاختر أيهما تريد؟ الهيبة خوف مع التعظيم. قاعدة : ورد أنه: ما من أحد رأى النبي إلا هابه -خوف مع التعظيم- ولا عامله إلا أحبه. الإجلال خوف وتعظيم وحب. قاعدة: إنك قد تحب ولا تعظم، أو تعظم ولا تحب، قد تحب إنساناً بسيطاً ساذجاً، لكنه قد أحسن إليك، وقد تبغض إنساناً عظيماً قوياً، لكنه قد أساء إليك، فقد تعظم ولا تحب، وقد تحب ولا تعظم، لكن الله تحبه وتعظمه، وهذا معنى: ﴿تَبَارَكَ اسْمُ رَبِّكَ ذِي الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ﴾ [سورة الرحمن الآية: 78] بقدر ما تحبه, بقدر ما تعظمه. ما الصفات التي يجب أن يتحلى بها صاحب الدعوة إلى الله؟ : نحن في هذا العصر يوجد مفارقة، قد تعامل مؤمنًا معلوماته بسيطة جداً وساذجًا، لكنه طيب، لا يغش، سليم الصدر، تحبه، لكن ليس في نظرك كبيرًا، وقد تعامل إنسانًا ذكيًا جداً، لكنك لا تحبه، أما الشخص الآن الذي يمكن أن يكون سببًا في هداية الخلق, يجب أن يكون على أعلى درجة من العلم والفهم، وعلى أعلى درجة من الورع والتقى، أن يحبك الناس كما يحترموك، أو أن يحترموك كما يحبونك، هذا من فضل الله عليك، ولا يستطيع إنسان الآن أن يؤثر بالآخرين إلا بهاتين الصفتين مجتمعتين، على علم وعلى خلق، خلق بلا علم لا يكفي، وعلم بلا خلق لا يكفي، الإشفاق خوف معه رقة وحرص. ما تعريف الخشوع؟ : أيها الأخوة, يقول بعض العلماء: الخشوع قيام القلب بين يدي الرب بالخضوع والذل والاجتماع عليه، وفي معنى آخر: الخشوع هو الانقياد. نحن قبل قليل قلنا: الخوف للمؤمنين والخشوع لطلاب العلم، أنت على علم بالله، معك أدلة، تعرف طرفاً من كماله ومنهجه، ينبغي أن تخشاه، والخشية فوق الخوف. الجنيد يقول: الخشوع: تذلل القلوب لعلام الغيوب. الحديث عن الأدب : حسن الأدب الظاهر عنوان أدب باطن بعضهم يقول: حسن أدب الظاهر عنوان أدب الباطن، بالظاهر يوجد أدب, معنى بالداخل يوجد أدب، إذا بالظاهر لا يوجد أدب، بالداخل لا يوجد أدب. دخل على عالم جليل شاب متحزلق يتباهى, قال له: يا بني, نحن على أدبك أحوج منا إلى علمك. والنبي عليه الصلاة والسالم حينما أثنى الله عليه أثنى على خلقه، لذلك حينما كان الصحابة يعجبون من خلقه يقول: أدبني ربي فأحسن تأديبي، وما من موقف يملأ الناس سعادة كأن تكون أخلاقياً.
ما هو خشوع النفاق؟ : سيدنا حذيفة يقول: إياكم وخشوع النفاق, فقيل له: وما خشوع النفاق؟ قال: أن ترى الجسد خاشعاً، والقلب ليس بخاشع. دخل أحدهم للمسجد, وهو يزمع الذهاب للحج, واحد معه مبلغ من الليرات الذهبية، يريد أن يضعها في أمانة إنسان مؤمن يخاف الله، فدخل للمسجد, وتفحص المصلين, أعجبه شاب في صلاته خشوع، لما انتهى قال له: والله أنا أعجبتني صلاتك، ومعي مبلغ من المال أحب أن يبقى عندك أمانة, ريثما أعود من الحج، قال: أنا أيضاً صائم سيدي، قال: والله صيامك ما أعجبني. فخشوع النفاق هدفه أن ينصب، يتمثل بالخشوع، إياكم وخشوع النفاق، فقيل له: وما خشوع النفاق؟ قال: أن ترى الجسد خاشعاً، والقلب ليس بخاشع. أول ما تفقدون من دينكم: الخشوع في الصلاة -أول بدعة ابتدعها المسلمون بعد وفاة رسول الله الشبع, نخل الدقيق, أول شيء فقدوه الخشوع في الصلاة- وآخر شيء تفقدونه الصلاة, -لا يصلي إلا بالمناسبات، أول ما تفقدون من دينكم الخشوع في الصلاة، وآخر شيء تفقدونه الصلاة-, ورب مصلٍّ لا خير فيه، ويوشك أن تدخل مسجد الجماعة, فلا ترى فيهم خاشعاً. حدثني أخ: أن إمامًا صلى خمس ركعات، وخلفه عشرون رجلاً، ولم ينتبه واحد أنه في خامس ركعة، الكل غارق في مشاكله. قيل لأحدهم: صليت المغرب ركعتين, قال: لا، ثلاثًا، لأن أول ركعة حللت مشكلة أول صندوق، الركعة الثانية الصندوق الثاني، الثالثة الصندوق الثالث، ثلاث ركعات، متأكد. لما قال الله عز وجل: ﴿أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آَمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ وَلَا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلُ فَطَالَ عَلَيْهِمُ الْأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فَاسِقُونَ﴾ [سورة الحديد الآية: 16] عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي هِلَالٍ, عَنْ عَوْنِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ, عَنْ أَبِيهِ, أَنَّ ابْنَ مَسْعُودٍ قَالَ: ((مَا كَانَ بَيْنَ إِسْلَامِنَا وَبَيْنَ أَنْ عَاتَبَنَا اللَّهُ تعالى بقوله: ﴿أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ﴾إِلَّا أَرْبَعُ سِنِينَ)) [أخرجه مسلم في الصحيح] نحن مضى على هذه البعثة ألف وأربعمئة عام وزيادة . ﴿أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آَمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ﴾ [سورة الحديد الآية: 16] ينبغي أن تعبد الله رغبة ورهبة، وأن ترجوه وتخافه : ويقول ابن عباس: إن الله استبطأ قلوب المؤمنين, فعاتبهم على رأس ثلاث عشرة سنة من نزول القرآن، وقال الحسن: إن الله استبطأهم وهم أحب خلقه إليه. يقول القرطبي: روي أن المزاح والضحك كثر في أصحاب النبي لما ترفهوا في المدينة. أحياناً الشدة تخلق بطولات, الحزن خلاق، أيام الرخاء والأمن والسلم، تجد هناك ميلا للضحك، الأمور تؤخذ على وجه آخر، فالعبرة أن ترجو الله، وتخافه في وقت واحد، الرجاء المستمر خلل بالإيمان، والخوف المستمر خلل بالإيمان، ينبغي أن تعبده رغبة ورهبة، وأن ترجوه وتخافه. بعضهم يقول كلامًا رائعًا: العارف بالله لا يرى له على أحد حقاً، ولا يشهد له على غيره فضلاً، لذلك لا يعاتب، ولا يضارب، ولا يطالب. تجد شخصًا إذا أكرم شخصًا, لي فضل عليك، لحم أكتافك من خيري، هذا من بُعده عن الله عز وجل, يرى له على الناس فضلاً. لا حظ ما أدق هذا الكلام: الإنسان إذا عرف الله, لا يرى له على أحد حقاً، إذا مكنني الله عز وجل وأكرمت من حولي بفضل الله عز وجل، الله مكنني، وسمح لي، وليس لي فضل على أحد، فكلما تبرأت من حولك وقوتك, كنت أقرب إلى الله، كلما اعتددت بما عندك وبعملك ، وشهدت بعمل لك, كان هذا نوعاً من الشرك الخفي. هذا الافتقار إلى الله : بعضهم يقول: مالي شيء، ولا مني شيء، ولا في شيء، وهذا الافتقار إلى الله، وهذا الحال سماه بعض علماء القلوب: حال الفناء. أنا لا أريد خشوعًا مفتعلاً، سيدنا عمر رأى رجلاً يطأطئ رقبته في الصلاة، تجد شخصًا ينحني انحناء زائدًا، ويغمض عينه، ويعصر جبينه، ويشد على يده, هذا خشوع ظاهر. سيدنا عمر رأى شخصًا عليه خشوع كهذا الخشوع، فقال له: يا صاحب الرقبة ارفع رقبتك, ليس الخشوع في الرقاب، ولكن الخشوع في القلوب. هذا ما ترويه لنا السيدة عائشة عن عمر : السيدة عائشة رضي الله عنها قالت مرة: رحم الله عمر, ما رأيت أكثر خشوعاً منه، قالت: كان عمر إذا قال أسمع، وإذا أطعم أشبع، وإذا سار أسرع، وإذا ضرب أوجع، وكان أخشع الناس في الصلاة. مؤمن خنوع، ضعيف، متواكل، لا دخل لنا، كله شغل سيدك، قاعد في البيت، هذا النموذج السلبي، تحرك، خطط، اسع، حسن وضعك. وكان سيدنا عمر يكره في الرجل, أن يري من نفسه الخشوع, أكثر مما في قلبه، أحياناً الإنسان يعمل مظاهر أكبر مما في قلبه. يا بن آدم, لا تدري أي النعمتين عليك أفضل؛ نعمته فيما أعطاك، أو نعمته فيما زوى عنك. قصة : أعرف أخًا, اختار اختصاصًا في الطب نادرًا جداً في بلاد بعيدة، وهذا الاختصاص ولا أبالغ يدر عليه دخلاً, يكاد يكون فلكيًا، العملية بعشرة آلاف دولار، عنده في اليوم خمس عمليات، اختصاص نادر جداً، عنده دخل فلكي، وبيت، وحياة مرفهة لدرجة غير معقولة، فجأة خثرة بالدماغ فقد حركته، يقول لي هذا الرجل، أخ كريم، وصديق حميم: أخذ للمستشفى، وقد فقد حركته، والنطق، وعرف أن مصيره هذا الكرسي المتحرك، جلس في المستشفى، ونظر للنافذة، رأى من خلالها القمر فناجى الله عز وجل، يقول هذا الرجل: والله ناجيت الله بكل قطرة في دمي، وبكل خلية في جسمي، ملخص المناجاة أنه قال: يا رب, إن كان هذا مصيري, فأرجوك أن تأخذني إليك، وإن أردت أن تبقي لي بقية في الحياة, أرجوك أن تشفيني، والقصة غريبة جداً, مضت ساعة، واستعاد نشاطه، لم يصدق من حوله, أحد أقرب الناس إليه قال له: لا يوجد شيء، لكنه قال: يا رب أعاهدك على أن أقدم كل شيء في سبيلك، وقف في طريق الدنيا، واتجه نحو الآخرة. ادرس، تعلم، استمع لأشرطة، وزع، هناك الآن داعية في أمريكا داعية كبير يقول: هذا المريض سبب اتجاهه مئة وثمانين درجة نحو الحق. معظم من في المساجد أتوا بعد معالجة حكيمة من الله لهم ﴿وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئاً وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ﴾ [سورة البقرة الآية: 216] كملاحظة عابرة: تدخل إلى مسجد, تجد فيه خمسة آلاف، عشرة آلاف، اعلم علم اليقين: التسعة آلاف من عشرة آلاف, عادوا إلى الله على أثر معالجة حكيمة، لولا معالجات الله لنا: ﴿وَلَنُذِيقَنَّهُمْ مِنَ الْعَذَابِ الْأَدْنَى دُونَ الْعَذَابِ الْأَكْبَرِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ﴾ [سورة السجدة الآية: 21] لولا معالجات الله الحكيم لعباده المؤمنين, لكانوا شردوا عن الله شرود البعير، فلذلك الله عز وجل رب العالمين. هذه مهمة المصائب : ذكرت في خطبة يوم الجمعة: أن هذه المركبة لم صنعت؟ علتها أن تمشي, أليس كذلك؟ هذه الطائرة التي بدوّار المطار هذه واقفة، وليست طائرة، لأنها لا تطير، شكلها طائرة ، داخلها مطعم، السيارة علة صنعها من أجل أن تسير، لكن فيها مكبح، ما حقيقة المكبح؟ وجوده متناقض مع علة صنعها، المكبح يوقفها، وهو ضروري جداً لسلامتها، ولأداء مهمتها، فكما أن الإنسان مخلوق للسعادة، لكن المصائب أحياناً من أجل سعادته. لذلك علماء العقيدة يرفضون أن يقول الإنسان: الله ضار، هو ضار, والضار من أسماء الله الحسنى، لكن يرفضون أن تقول: الله ضار، الله ضار نافع، مانع معطي، مذل معز، خافض رافع، قابض باسط، يضر لينفع، ويخفض ليرفع، ويذل ليعز، ويقبض ليبسط. من خطب النبي عليه الصلاة والسلام : ومن أبلغ خطب للنبي عليه الصلاة والسلام: ((الدنيا دار التواء لا دار استواء، ومنزل ترح لا منزل فرح، فمن عرفها لم يفرح لرخاء، ولم يحزن لشقاء، قد جعلها الله دار بلوى، وجعل الآخرة دار عقبى، فجعل بلاء الدنيا لعطاء الآخرة سبباً، وجعل عطاء الآخرة من بلوى الدنيا عوضاً، فيأخذ ليعطي ويبتلي ليجزي)) والحمد لله رب العالمين
| |
| | | Admin Admin
المساهمات : 4240 تاريخ التسجيل : 20/01/2018
| موضوع: رد: عقيدة من مفهوم القران والسنة -مستلزمات التوحيد الجمعة مارس 02, 2018 7:57 am | |
| العقيدة من مفهوم القران والسنة - الدرس ( 15) : مستلزمات التوحيد -2 - الرجاء والدعاء مقدمة : أيها الأخوة الكرام, مع الدرس الرابع والعشرين من دروس العقيدة، والموضوع اليوم من لوازم العقيدة؛ الرجاء, والدعاء, والاستعانة, والتوسل, والتوكل، وسوف نشرح بفضل الله عز وجل وتوفيقه بعض هذه الخصائص التي هي من لوازم الإيمان، ولا بد من مقدمة . العقيدة الكاملة اعتقاد ووجهة إلى الله الحقيقة: أن علم العقيدة، وقد ذكرت قبل قليل, أننا في الدرس الرابع والعشرين من دروس العقيدة، الحقيقة: أن علم العقيدة لا يعني فقط أن تعرف ماذا ينبغي أن تعتقد؟ هذا شطر من علم العقيدة، العقيدة الكاملة أن تعرف ماذا ينبغي أن تعتقد، وماذا ينبغي أن يكون موقفك مما تعتقد؟ العقيدة الكاملة اعتقاد ووجهة إلى الله، اعتقاد وسلوك وموقف، فحينما نفهم أن العقيدة تعني أن تعتقد أنه لا إله إلا الله، ماذا كان موقفك من علم التوحيد؟ هل رجوت غير الله؟ هل استعنت بغير الله؟ هل توكلت على غير الله؟ هل عقدت الأمل على غير الله؟ هل خفت من غير الله؟ ما قيمة أن تعتقد أنه لا إله إلا الله, والتطبيقات العملية لهذا الاعتقاد لم تكن موجودة؟ فلذلك أن تعرف ماذا ينبغي أن تعتقد شطر العقيدة؟ . العقيدة الكاملة أن تعرف ماذا ينبغي أن تعتقد، وأن تعرف أيضاً ماذا ينبغي أن تقف مما تعتقد؟ . هذه العقيدة الإبليسية : أوضح مثل: أنه إذا اعتقد أن هذا المرض الجلدي لا يشفى إلا بالتعرض لأشعة الشمس، فمهما حدثتنا عن أشعة الشمس, وعن فوائدها العظيمة في شفاء هذا المرض، ولم تتعرض أنت لأشعة الشمس، فإن هذه العقيدة لا قيمة لها إطلاقاً، ويمكن أن أسميها عقيدة إبليسية، آمن بالله رباً, وعزيزاً, وخالقاً, وآخر، ولكن عمله وسلوكه لا ينتمي إطلاقاً إلى هذه العقيدة . لا يخافن العبد إلا ذنبه، ولا يرجون إلا ربه : أيها الأخوة الكرام, نجتمع مع أناس كثيرين, تجده يعلق رجاءه على غير الله، إما على دولة كبرى، أو على جهة غنية, أو جهة قوية، ويرى أن في تدخلها الحل الناجح، وأن في عطائها الخلاص من الفقر، وأن في دعمها العز بعد الذل، هذا فاقد الإيمان كلياً, يجب أن تعقد الرجاء على الله عز وجل . لا يخافن العبد إلا ذنبه، ولا يرجون إلا ربه . ينبغي أن تخاف من شيء واحد هو ذنبك، وينبغي أن ترجو جهة واحدة هي ربك، لأن كل شيء بيد الله : ﴿اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ﴾ [سورة الزمر الآية: 62] وأن الأمر كله بيد الله : ﴿وَإِلَيْهِ يُرْجَعُ الْأَمْرُ كُلُّهُ﴾ [سورة هود الآية: 123] ﴿فَعَّالٌ لِمَا يُرِيدُ﴾ [سورة البروج الآية: 16] فلا ينبغي أن تخاف من غيره . ما معنى هذه الآية؟ : أدق معنى ورد في هذه الآية الكريمة: ﴿وَلَا أَخَافُ مَا تُشْرِكُونَ بِهِ﴾ [سورة الأنعام الآية: 80] هناك قوى مخيفة في الأرض تبني مجدها على البشرية في قوى الآن بالأرض مخيفة؛ طواغيت، جبابرة، ظالمون، عتاة، يتمنون أن يبنوا أمجادهم على البشرية كلها، على الشعوب بأكملها، على حريتها، على ثقافتها وكرامتها، على فقرها، لكن الله عز وجل يقول: ﴿وَلَا أَخَافُ مَا تُشْرِكُونَ بِهِ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ رَبِّي شَيْئاً﴾ [سورة الأنعام الآية: 80] هؤلاء الطغاة الكبار أخافهم ولا أخافهم، أخافهم إذا سمح الله لهم أن يصلوا إليه، ولا أخافهم إذا لم يسمح الله لهم أن يصلوا إليه، بالضبط كمجموعة وحوش كاسرة, أزمتهم بجهة قوية حكيمة عادلة، علاقتي مع هذه الجهة وليس مع الوحوش، فإن أرخى زمامها وصلت إلي ، وإن أبعدها عني نجوت منها : ﴿فَكِيدُونِي جَمِيعاً ثُمَّ لَا تُنْظِرُونِ * إِنِّي تَوَكَّلْتُ عَلَى اللَّهِ رَبِّي وَرَبِّكُمْ مَا مِنْ دَابَّةٍ إِلَّا هُوَ آَخِذٌ بِنَاصِيَتِهَا إِنَّ رَبِّي عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ﴾ [سورة هود الآية: 55-56] من لوازم معرفة الله عز وجل : أيها الأخوة, المفهوم التقليدي لعلم العقيدة, أنه يجب أن تعتقد بكذا وكذا وكذا، وانتهى الأمر, لا, وأن يكون حالك كذا وكذا وكذا، لذلك: كان هذا الدرس من دروس العقيدة المتكاملة, من لوازم معرفة الله عز وجل؛ أن ترجوه، وألا ترجو أحداً سواه، أن تعلق عليه الآمال، أن يكون الله عز وجل محط الرحال عندك، أن ترجو ما عنده، أن ترجو الدار الآخرة، وكل ما قرب إليها من قول أو عمل . أمر غير معقول : آية دقيقة جداً, يقول الله عز وجل: ﴿أُولَئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ وَيَخَافُونَ عَذَابَهُ إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ كَانَ مَحْذُوراً﴾ [سورة الإسراء الآية: 57] هؤلاء المشركون الذين عبدوا أصناماً، وكانت هذه الأصنام رموزاً لأناس صالحين، هؤلاء الأناس الصالحون كانوا يرجون رحمة الله، ويخشون عذابه، أنتم لما تعبدون من دون الله, شيء غير معقول، هذا الذي تعبده من دون الله, يخشى رحمة الله وعذابه، ويبتغي إلى ربه الوسيلة، أية وسيلة أقرب يسلكها إليه، يرجو رحمته، ويخشى عذابه . لو أردت أن أسقط معنى هذه الآية على واقع المسلمين: لو أن طالب علم بالتعريف الشرعي، أو مريداً بالتعريف القلبي, علق أمله على الشيخ، وظن أنه يرفعه أو يخفضه، يعطيه أو يمنعه، يقربه، ونسي الله عز وجل، والشيخ نفسه يفتقر إلى الله أشد الافتقار، ويرجو ما عند الله أشد مما ترجو أنت من الشيخ . هذا التوحيد : مرة دخل أحد كبار الأئمة, فرأى تلاميذه، وقد التفوا حوله، واجتمعوا عليه، ووقروه, وعظموه، فدعا هذا الدعاء فقال: يا رب لا تحجبني عنك بهم، ولا تحجبهم عنك بي، هذا التوحيد . ماذا تفهم من هذا الموقف لأبي بكر؟ : أنا أتصور -والله أعلم- أنه ما من رجلين على وجه الأرض, من آدم إلى يوم القيامة, أحبا بعضهما بعضاً, كسيدنا الصديق ورسول الله عليه الصلاة والسلام، أما حينما توفي النبي ماذا قال الصديق؟ قال: من كان يعبد محمداً -من دون أي لقب, من دون رسول الله, قل: من كان يعبد النبي محمداً، من كان يعبد الرسول محمداً، من كان يعبد هذا الرسول -من كان يعبد محمداً فإن محمداً قد مات، ومن كان يعبد الله فإن الله حي لا يموت. أنا أتصور أن قلبه كاد يتمزق من الأدب، ولكنه خشي على المسلمين أن يشركوا، خشي عليهم أن ينسوا ربهم، لذلك ما تعلمت العبيد أفضل من التوحيد . احذر أن تزل قدمك إلى هذا المستوى : هذا الذي تظنه يقدم لك شيئاً ثميناً, هو يرجو رحمة الله مثلك، ويخشى عذابه مثلك، فينبغي أن تتجه إلى الله، فيمكن أن أقول: ضمن هؤلاء الصالحين، وصحبة الصالحين من وسائل الوصول إلى الله عز وجل، لا أن تعبدهم من دون الله؟ ألم يقل الله عز وجل: ﴿اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَاباً مِنْ دُونِ اللَّهِ﴾ [سورة التوبة الآية: 31] هذا شيء واقع : ﴿اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَاباً مِنْ دُونِ اللَّهِ﴾ [سورة التوبة الآية: 31] والمسلمون أحياناً تزل أقدامهم فيصلوا إلى هذا المستوى . المطلوب منك : أيها الأخوة الكرام, يجب أن ترجو الله، وتعقد الأمل عليه، وتضع كل الثقة به، وألا تعلق أملاً على غيره، إذا كان الله معك فمن عليك، وإذا كان عليك فمن معك؟ أولئك الذين يدعون، أي أولئك الذين يدعون من دون الله، ويقدسونهم، ويعظمونهم، ويعبدونهم من دون الله, هؤلاء صالحون يبتغون إلى ربهم الوسيلة، وأقربهم إلى الله عز وجل, من جعل وسيلته طاعته لله عز وجل : ﴿وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ وَيَخَافُونَ عَذَابَهُ﴾ [سورة الإسراء الآية: 57] ما هي مقامات الإيمان؟ : مقامات الإيمان: الحب والخوف والرجاء قال بعض العلماء: ابتغاء الوسيلة, طلب القرب منه بالعبودية والمحبة، ومقامات الإيمان الثلاثة: الحب والخوف والرجاء . يا رب إنك تعلم أني أحبك، وأحب من يحبك، فكيف أحببك إلى خلقك؟ قال: ذكرهم بآلائي، ونعمائي، وبلائي، ذكرهم بنعمائي كي يحبوني، وببلائي كي يخافوني، وبآلائي كي يعظموني . ينبغي أن يمتلئ قلبك محبة وخوفاً وتعظيماً لله عز وجل . عَنْ جَابِرٍ قَالَ: ((سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَبْلَ وَفَاتِهِ بِثَلَاثٍ يَقُولُ: لَا يَمُوتَنَّ أَحَدُكُمْ إِلَّا وَهُوَ يُحْسِنُ بِاللَّهِ الظَّنَّ)) وفي الحديث القدسي: ((أنا عند حسن ظن عبدي بي, فليظن بي ما يشاء)) حديث : أيها الأخوة, عَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ أَنَّهُ قَالَ: ((دَخَلْتُ عَلَيْهِ, وَهُوَ فِي الْمَوْتِ, فَبَكَيْتُ, فَقَالَ: مَهْلًا لِمَ تَبْكِ؟ فَوَ اللَّهِ لَئِنِ اسْتُشْهِدْتُ لَأَشْهَدَنَّ لَكَ, وَلَئِنْ شُفِّعْتُ لَأَشْفَعَنَّ لَكَ, وَلَئِنِ اسْتَطَعْتُ لَأَنْفَعَنَّكَ, ثُمَّ قَالَ: وَاللَّهِ مَا مِنْ حَدِيثٍ سَمِعْتُهُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَكُمْ فِيهِ خَيْرٌ, إِلَّا حَدَّثْتُكُمُوهُ إِلَّا حَدِيثًا وَاحِدًا, وَسَوْفَ أُحَدِّثُكُمُوهُ الْيَوْمَ, وَقَدْ أُحِيطَ بِنَفْسِي, سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: مَنْ شَهِدَ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ, وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ, حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ النَّارَ)) ما هو التمني؟ : التمني بضاعة الحمقى أيها الأخوة, الحديث عن الرجاء ينقلنا إلى علاقة الرجاء بالتمني، التمني أن تتمنى شيئاً كبيراً عظيماً دون أن تفكر في دفع الثمن، أن تتمنى الجنة دون أن تعمل لها، أن تتمنى النجاة من النار دون أن تتقيها، وفي الدنيا هل يكفي أن تكون غنياً وتقعد في البيت؟ هل يكفي أن تتمنى أن تكون عالماً من علماء الدنيا وتقعد في البيت؟ مستحيل, لذلك ربط الله عز وجل رجاء ما عنده بالعمل : ﴿وَمَنْ أَرَادَ الْآَخِرَةَ وَسَعَى لَهَا سَعْيَهَا﴾ [سورة الإسراء الآية: 19] ﴿فَمَنْ كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صَالِحاً﴾ [سورة الكهف الآية: 110] من هنا قيل: طلب الجنة من غير عمل ذنب من الذنوب . ((يا بن آدم, إنك ما دعوتني ورجوتني, غفرت لك على ما كان منك ولا أبالي، يا بن آدم, لو بلغت ذنوبك عنان السماء ثم استغفرتني غفرت لك، يا بن آدم, إنك لو أتيتني بقراب الأرض خطايا, ثم لقيتني لا تشرك بي شيئاً, أتيتك بقرابها مغفرة)) [أخرجه الترمذي في سننه] ما علامة الرجاء؟ : سئل بعض العلماء: ما علامة الرجاء؟ قال: أن يكون إذا أحاط بالإنسان الإحسان ألهم الشكر، راجياً بتمام النعمة من الله عليه في الدنيا والآخرة، وراجياً تمام عفوه في الآخرة. جاءتك النعم ينبغي أن تشكر, جاءك البلاء ينبغي أن تصبر، هذا من علامات الإيمان . ما مغزى هذه القصة؟ : مرة أحد علماء دمشق الأجلاء, له ابن درس الطب، ثم نال البورد، ثم دخل كلية الشريعة، ثم حفظ القرآن، ثم أدى الخدمة الإلزامية، ثم خطب له وعرسه, بعد أيام وافته المنية بحادث سير، ذهبنا على مدينة بالشمال لتعزيته، والله ما كنت أصدق عيني أني أرى إنساناً باشاً عنده دعابة، قلت: يا رب إنسان فقد أثمن شيء له في الدنيا، وبهذا المرح، وبهذا الترحيب بالضيوف، كيف استقبل قضاء الله عز وجل؟ هذا من علامات الإيمان أن تستقبل قضاء الله بالرضا . هذه علامة الإيمان : هذه المرأة التي مات ابنها، فلما جاء زوجها, سألها عن الابن, قالت: هو في أهدأ حال، هيأت له الطعام, وتزينت له, وناما ليلة واستيقظا, فقالت له: لو أن الجيران أودعوا عندنا وديعة, ثم طلبوها, قال: هذا من حقهم، قالت: هكذا فعل الله عز وجل، فلما قص على النبي ما حدث له من زوجته أم سليم, قال له النبي الكريم: بارك الله لكم في ليلتكما . مر معي في السيرة, أن بعض الصحابة, إذا توفي لهم ابن, كانوا يتزينون ليعبروا عن رضاهم بقضاء الله وقدره، هذه علامة الإيمان . بالمقابل: أعرف رجلا ميسور الحال، وعنده معمل، وله ابن في الصف التاسع، توفي, فترك الصلاة نهائياً، لماذا قبضه الله؟ . هذا الدين : يجب أن تكون مع الله في السراء والضراء الرسول عليه الصلاة والسلام أولاده جميعاً توفوا، زوجته الحبيبة الوفية توفيت، عمه توفي، ترك مكة، وهاجر إلى المدينة، أوذي في الله، وما أوذي أحد مثله، وخاف في الله، وما خاف أحد مثله، ومضى عليه ثلاثون يوماً لم يدخل جوفه إلا ما يواريه إبط بلال .... هذا الدين, الدين أنت مع الله في السراء والضراء، في الغنى والفقر، في الصحة والمرض، بإقبال الدنيا وإدبارها، وإلا ما قيمة هذا الدين الذي يزول بمصيبة صغيرة؟ . ﴿مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلاً﴾ [سورة الأحزاب الآية: 23] ما معنى هذا الحديث؟ : عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ, عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: ((قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: أَنَا عِنْدَ ظَنِّ عَبْدِي بِي, وَأَنَا مَعَهُ حَيْثُ يَذْكُرُنِي, وَاللَّهِ لَلَّهُ أَفْرَحُ بِتَوْبَةِ عَبْدِهِ مِنْ أَحَدِكُمْ, يَجِدُ ضَالَّتَهُ بِالْفَلَاةِ, وَمَنْ تَقَرَّبَ إِلَيَّ شِبْرًا تَقَرَّبْتُ إِلَيْهِ ذِرَاعًا, وَمَنْ تَقَرَّبَ إِلَيَّ ذِرَاعًا تَقَرَّبْتُ إِلَيْهِ بَاعًا, وَإِذَا أَقْبَلَ إِلَيَّ يَمْشِي, أَقْبَلْتُ إِلَيْهِ أُهَرْوِلُ)) معنى هذا الحديث: لمجرد أن تتوجه إلى الله، وتخطب وده، وتتقرب إليه بطاعة، بصيام، بصدقة، بقيام، بغض بصر، بشيء يرضيه, رأيت الله عز وجل يقبل عليك، ويملأ قلبك غنى، ويتجلى عليك بالسكينة، لمجرد أن تتحرك نحوه, أقبل الله عليك . لو يعلم المعرضون انتظاري لهم, وشوقي إلى ترك معاصيهم, لتقطعت أوصالهم من حبي، ولماتوا شوقاً إلي، هذه إرادتي بالمعرضين, فكيف بالمقبلين؟ . ما نقل عن العلماء : يوجد قول عن أحد العلماء: القرآن والسنة حق مئة في المئة، لكن ما سوى الكتاب والسنة, كلام له وجه مقبول، ووجه آخر قد يكون غير مقبول . أحد العلماء يقول: إلهي أحيا العطايا في قلبي رجاؤك، وأعذب الكلام على لساني ثناؤك، وأحب الساعات إلي ساعة يكون فيها لقاؤك . روي عنه أيضاً أنه قال: يكاد رجائي لك مع الذنوب يغلب رجائي لك مع الأعمال، لأني أجدني أعتمد في الأعمال على الإخلاص، وكيف أصفيها، وأحرزها، وأنا بالآفات معروف؟ وأجدني في الذنوب أعتمد على عفوك، وكيف لا تغفرها، وأنت بالجود موصوف؟ إذا اعتمدت على عملك, ربما كان العمل غير مخلص . منعطف خطير : احذر من أن تصبح أعمالك هباء منثورا ﴿وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُوراً﴾ [سورة الفرقان الآية: 23] وقد يكون لك أعمال كالجبال، وكجبال تهامة، فيجعلها الله هباء منثوراً، من هؤلاء؟. عَنْ ثَوْبَانَ, عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: ((لَأَعْلَمَنَّ أَقْوَامًا مِنْ أُمَّتِي, يَأْتُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِحَسَنَاتٍ, أَمْثَالِ جِبَالِ تِهَامَةَ بِيضًا, فَيَجْعَلُهَا اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ هَبَاءً مَنْثُورًا, قَالَ ثَوْبَانُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ! صِفْهُمْ لَنَا, جَلِّهِمْ لَنَا, أَنْ لَا نَكُونَ مِنْهُمْ, وَنَحْنُ لَا نَعْلَمُ, قَالَ: أَمَا إِنَّهُمْ إِخْوَانُكُمْ, وَمِنْ جِلْدَتِكُمْ, وَيَأْخُذُونَ مِنَ اللَّيْلِ كَمَا تَأْخُذُونَ, وَلَكِنَّهُمْ أَقْوَامٌ إِذَا خَلَوْا بِمَحَارِمِ اللَّهِ انْتَهَكُوهَا)) [أخرجه ابن ماجه في سننه] فهذا كلام عميق، لكن ينبغي أن يفسر الرجاء مع الذنب، يوجد فيه افتقار إلى الله، وقلق، واعتماد على عفو الله فقط، أما الرجاء مع العمل قد يكون الاعتماد على العمل، والعمل منوط بالإخلاص، والإخلاص ليس من السهل أن تكون مخلصاً، لأنه ضمن الحقل الديني في دنياك . عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: ((قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مَنْ تَعَلَّمَ الْعِلْمَ لِيُبَاهِيَ بِهِ الْعُلَمَاءَ, وَيُجَارِيَ بِهِ السُّفَهَاءَ, وَيَصْرِفَ بِهِ وُجُوهَ النَّاسِ إِلَيْهِ, أَدْخَلَهُ اللَّهُ جَهَنَّمَ)) ماذا يرافق التمني وماذا يرافق الرجاء؟ : أيها الأخوة, الرجاء شيء، والتمني شيء آخر، التمني بضاعة الحمقى، الأحمق يتمنى دائماً، أما الذي يريد الوصول لمرتبة معينة, هذا لا يتمنى بل يرجو، الرجاء يرافقه السعي : ﴿وَمَنْ أَرَادَ الْآَخِرَةَ وَسَعَى لَهَا سَعْيَهَا﴾ [سورة الإسراء الآية: 19] ﴿فَمَنْ كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صَالِحاً﴾ [سورة الكهف الآية: 110] أما التمني فمقرون بالكسل والقعود . من لوازم الإيمان : من لوازم الإيمان، ونحن في الحديث عن علم العقيدة عن شطرها الثاني، ماذا ينبغي أن تكون عليه؟ ينبغي أن تكون العقيدة هكذا، وينبغي أن تكون أنت هكذا، شطران؛ ماذا ينبغي أن تعتقد، وماذا ينبغي أن تكون عليه؟ . ممكن لإنسان مجند غر, يساق على الخدمة الإلزامية، وقائده منضبط، وهو والده، ويأتي عنصر مجند، ويهدده فيبكي وينهار، هذا أحمق، هو منضبط، والذي على رأس الجيش كله والده وتقلق؟ إذا كان الله معك فمن عليك؟ وإذا كان الله عليك فمن معك؟ جزء من الثقة بالله من لوازم الإيمان، بهذه المحن التي ألمت بالمسلمين, بهذا الإحباط الذي ألم بهم يئسوا، تطلعوا إلى القوي فقط، يرحمون أو لا يرحمون، ونسوا الله فنسيهم : ﴿الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَاناً وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ﴾ [سورة آل عمران الآية: 173] اعلم هذه الحقيقة : المؤمن بينه وبين الله متذلل الدعاء, يوجد حقيقة, أتمنى على الله أن تكون واضحة عندكم، عد الله ترك الدعاء كبراً, والكبر من لوازمه الحجاب، الدليل: ﴿وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ﴾ [سورة غافر الآية: 60] أخواننا الكرام, المؤمن فيما بينه وبين الله متذلل، يدعوه دائماً، يمرغ جبهته على أعتاب الله عز وجل، قد يكون له شأن كبير في الحياة، لكنه مع الله في أدق الدرجات من التذلل والخضوع له . مثلاً: أحد كبار القادة الإسلاميين الذين انتصروا، وردوا التتار، والتتار اجتاحوا العالم ، سجد وقال: يا رب, من هو الكلب نور الدين حتى تنصره؟ انصر دينك يا رب، هو لا شيء ، فكلما تذللت إلى الله رفعك الله ..... ما روي عن التاريخ : يوجد طاغية في أوروبا الشرقية قال: إذا حمل هذا الصفصاف الإجاص, أتنحى عن منصبي، فلما نحي عن منصبه بالقوة, وضع الشعب حبات الإجاص على الصفصاف، ربطوها ربط . روى التاريخ, ما من قائداً فتح بلداً, إلا واستكبر، وتغطرس، واستعلى، وتعجرف, إلا أن النبي عليه الصلاة والسلام حين فتح مكة, دخلها متواضعاً لله, مطأطئ الرأس، حتى كادت ذؤابة عمامته, تلامس عنق بعيره, من تواضعه لله عز وجل . اسأل ربك حاجتك كلها : ترك الدعاء كبر، اسأل ربك حاجتك كلها، اسأله ملح طعامك، وشسع نعلك إذا انقطع. إن الله يحب الملحين في الدعاء . تذلل بين يديه، لك مكانة كبيرة، والله عز وجل يرفع لك ذكرك، لأنك بينه وبينك في منتهى الخضوع، لكن أهل الدنيا يستكبرون عن أن يدعو الله، فإذا جاءه من هو أقوى منه, أصبح ذليلاً أمامه كالقط, أليس كذلك؟ المؤمن ذليل أمام الله، لكنه على أهل الدنيا معتز بالله عز وجل . من صفات المؤمنين : التواضع من صفات المؤمنين من صفات المؤمنين: ﴿أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ﴾ [سورة المائدة الآية: 54] مشى أحد الصحابة، وتبختر أمام الأعداء، فقال عليه الصلاة والسلام: ((إن الله يكره هذه المشية إلا في هذا الموطن)) وقد قال الشافعي: التكبر على المتكبر صدقة، شيء مخيف والله : ﴿وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ﴾ [سورة غافر الآية: 60] أما المؤمنون: تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفاً وَطَمَعاً وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ [سورة السجدة الآية: 16] اقرأ : في جامع الترمذي بإسناد صحيح, عَنْ زُرَارَةَ بْنِ أَوْفَى, عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَلَامٍ, قَالَ: ((لَمَّا قَدِمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَدِينَةَ, انْجَفَلَ النَّاسُ إِلَيْهِ, وَقِيلَ: قَدِمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ, قَدِمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ, قَدِمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ, فَجِئْتُ فِي النَّاسِ لِأَنْظُرَ إِلَيْهِ, فَلَمَّا اسْتَثْبَتُّ وَجْهَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ, عَرَفْتُ أَنَّ وَجْهَهُ لَيْسَ بِوَجْهِ كَذَّابٍ, وَكَانَ أَوَّلُ شَيْءٍ تَكَلَّمَ بِهِ, أَنْ قَالَ: أَيُّهَا النَّاسُ, أَفْشُوا السَّلَامَ, وَأَطْعِمُوا الطَّعَامَ, وَصَلُّوا وَالنَّاسُ نِيَامٌ, تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ بِسَلَامٍ)) عَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ قَالَ: ((أَخَذَ بِيَدِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: إِنِّي لَأُحِبُّكَ يَا مُعَاذُ, فَقُلْتُ: وَأَنَا أُحِبُّكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ, فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: فَلَا تَدَعْ أَنْ تَقُولَ فِي كُلِّ صَلَاةٍ: رَبِّ أَعِنِّي عَلَى ذِكْرِكَ وَشُكْرِكَ وَحُسْنِ عِبَادَتِكَ)) عَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ قَالَ: ((كُنْتُ مَعَ رسول الله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي سَفَرٍ, فَأَصْبَحْتُ يَوْمًا قَرِيبًا مِنْهُ, وَنَحْنُ نَسِيرُ, فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ, أَخْبِرْنِي بِعَمَلٍ يُدْخِلُنِي الْجَنَّةَ, وَيُبَاعِدُنِي عَنِ النَّارِ, قَالَ: لَقَدْ سَأَلْتَنِي عَنْ عَظِيمٍ, وَإِنَّهُ لَيَسِيرٌ عَلَى مَنْ يَسَّرَهُ اللَّهُ عَلَيْهِ, تَعْبُدُ اللَّهَ وَلَا تُشْرِكْ بِهِ شَيْئًا, وَتُقِيمُ الصَّلَاةَ, وَتُؤْتِي الزَّكَاةَ, وَتَصُومُ رَمَضَانَ, وَتَحُجُّ الْبَيْتَ, ثُمَّ قَالَ: أَلَا أَدُلُّكَ عَلَى أَبْوَابِ الْخَيْرِ؟ قلت: بلى يا رسول الله! الصَّوْمُ جُنَّةٌ, وَالصَّدَقَةُ تُطْفِئُ الْخَطِيئَةَ كَمَا يُطْفِئُ الْمَاءُ النَّارَ, وَصَلَاةُ الرَّجُلِ مِنْ جَوْفِ اللَّيْلِ شعار الصالحين, ثُمَّ تَلَا قوله تعالى: ﴿ تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ { تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفاً وَطَمَعاً﴾ الآية [السجدة: الآية 16] ثُمَّ قَالَ: أَلَا أُخْبِرُكَ بِرَأْسِ الْأَمْرِ كُلِّهِ وَعَمُودِهِ وَذِرْوَةِ سَنَامِهِ؟ قُلْتُ: بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ, قَالَ: رَأْسُ الْأَمْرِ الْإِسْلَامُ, وَعَمُودُهُ الصَّلَاةُ, وَذِرْوَةُ سَنَامِهِ الْجِهَادُ, ثُمَّ قَالَ: أَلَا أُخْبِرُكَ بِمَلَاكِ ذَلِكَ كُلِّهِ؟ قُلْتُ: بَلَى يَا نَبِيَّ اللَّهِ, قَالَ: كُفَّ عَلَيْكَ هَذَا, فَقُلْتُ: يَا نَبِيَّ اللَّهِ, وَإِنَّا لَمُؤَاخَذُونَ بِمَا نَتَكَلَّمُ بِهِ؟ فَقَالَ: ثَكِلَتْكَ أُمُّكَ يَا مُعَاذُ, وَهَلْ يَكُبُّ النَّاسَ فِي النَّارِ عَلَى وُجُوهِهِمْ -أَوْ قال: عَلَى مَنَاخِرِهِمْ- إِلَّا حَصَائِدُ أَلْسِنَتِهِمْ)) [أخرجه الترمذي في سننه] ما المقصود بهذا الحديث؟ : عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: ((حَكَيْتُ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَجُلًا فَقَالَ: مَا يَسُرُّنِي أَنِّي حَكَيْتُ رَجُلًا, وَأَنَّ لِي كَذَا وَكَذَا, قَالَتْ: فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ, إِنَّ صَفِيَّةَ امْرَأَةٌ, وَقَالَتْ بِيَدِهَا: هَكَذَا, كَأَنَّهَا تَعْنِي قَصِيرَةً, فَقَالَ: لَقَدْ مَزَجْتِ بِكَلِمَةٍ لَوْ مَزَجْتِ بِهَا مَاءَ الْبَحْرِ لَمُزِجَ)) المياه المالحة لمدينة كبرى لا تنجس البحر، بينما كلمة قصيرة عن أختها . هل أدركت قيمة الدعاء؟ : لايغني حذر من قدر أقوى حديث في الدعاء, لا يغني حذر من قدر، لأن الذي يستحق تأديب الله عز وجل, يؤتى من مأمنه، يأخذ كل الاحتياطات, فيأتيه الله من حيث لا يحتسب، يؤتى الحذر من مأمنه . عَنْ مُعَاذٍ, عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((لَنْ يَنْفَعَ حَذَرٌ مِنْ قَدَرٍ, وَلَكِنَّ الدُّعَاءَ يَنْفَعُ مِمَّا نَزَلَ وَمِمَّا لَمْ يَنْزِلْ, فَعَلَيْكُمْ عِبَادَ اللَّهِ بالدعاء)) [أخرجه الطبراني في المعجم الكبير, والإمام أحمد في مسنده] وإن البلاء لينزل فيتلقاه الدعاء, فيعتلجان إلى يوم القيامة . ما وظيفة هذه الأحاديث التي سمعناها اليوم؟ : أيها الأخوة, مرة قلت لكم: إن هذه الأحاديث لها وظيفتان: الوظيفة الأولى أن تكون هدفاً لك في سعيك إلى الله، هكذا ينبغي أن تكون، والوظيفة الثانية أن تكون هذه الأحاديث مقياساً لك, أين أنت؟ هل أنت متمثل بهذه الصفات؟ هل ترجو الله عز وجل؟ هل تعقد الرجاء عليه؟ هل تيأس مما سواه؟ هل تطلب منه الرحمة والحفظ؟ قصص لا تعد ولا تحصى، أنه من أخذ بالأسباب، ولم يتوكل على الله، وتوكل عليها, يؤتى من مأمنه، من مكان أمنه، أما من أخذ بالأسباب، واعتمد على الله عز وجل, يحفظه الله عز وجل . الدعاء من دون عمل استهزاء بالله عز وجل : الحديث عن هذا الدرس إن شاء الله, من لوازم الإيمان الرجاء والدعاء، والرجاء شيء والتمني شيء آخر، التمني بضاعة الحمقى . وقد قال الله عز وجل: ﴿لَيْسَ بِأَمَانِيِّكُمْ وَلَا أَمَانِيِّ أَهْلِ الْكِتَابِ مَنْ يَعْمَلْ سُوءاً يُجْزَ بِه﴾ [سورة النساء الآية: 123] بربكم في الأزمة الأخيرة, التي احتلت بها العراق, هل تصدقون أنه ما من مسجد في العالم الإسلامي, إلا وجأر إلى الله في الدعاء، وفي الصلوات الخمس، يذكرون ذلك شهرين وثلاثة، دعاء القنوت في كل الصلوات، هل استجاب الله لنا؟ لا, أدعو لليأس, معاذ الله، لكن الله عز وجل لا يعبأ بدعائنا من دون عمل . واحد راكب سيارة، توقفت فنزل، فقال: يا رب ليس هناك غيرك، يا رب يسر، لم يستفد شيئا، لو تدعو عشر ساعات تبقى بمكانك، افتح الغطاء، وابحث عن الخلل، قل: يا رب يسر لي اكتشاف الخلل، يسر لي إصلاحها, لذلك قيل: الدعاء من دون عمل استهزاء بالله عز وجل . طالب قال: يا رب وفقني، وأريد المرتبة الأولى، وأريد الطب، وهو لا يدرس، كلام فارغ، ادرس وادع أن يوفقك الله، يا رب ألهمني الصواب، وأعني على إجابة جيدة، وتطلق لساني, فأنا لا أصدق واحدًا يدعو من دون عمل . سيدنا عمر رأى رجلا ناقته مصابة بالجرب، قال: يا أخا العرب ماذا تفعل مع ناقتك؟ قال له: أدعو الله أن يشفيها، قال: هلا جعلت مع الدعاء قَطِرانًا؟ هذا عملاق الإسلام . مشكلة المسلمين اليوم : في العالم الآن: اللهم دمر الأعداء، وشتت شملهم، واجعل الدائرة تدور عليهم، واجعل تدميرهم في تدبيرهم، اللهم أرنا قدرتك بهم، وهم قاعدون، لا حركة، ولا سكنة، ولا تعاون، ولا تعديل، ولا تغير، ولا تفكير، وخمول، وانغماس في الدنيا، وعليك بهم، فإنهم لا يعجزونك ، ما هذا الكلام؟ قم واسعَ : ﴿وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ﴾ [سورة التوبة الآية: 105] الدعاء من دون عمل استهزاء، لا يوجد إنسان وصل إلى شيء دون تعب، هذه الدنيا دعك من الآخرة، ما من إنسان وصل إلى شيء ثمين في الدنيا إلا بالسعي . قصة : مرة زرت معملاً, أنبأني صديق لي, أن صاحب المعمل من خمس وعشرين سنة ، شيء لا يصدق، الساعة الخامسة يأتي، ويخرج آخر رجل، ضابط لكل شيء، التصنيع, والشحن، والتسليم، والحسابات، اشترى بيتًا بمئة وستين مليونًا، هذا البيت بسبب الخامسة صباحًا إلى الثامنة ليلاً، ضبط أموره، هكذا الدنيا لها قوانين، والآخرة لها قوانين، ليس لنا غير الدعاء، الدعاء أخطر شيء تفعله، وعليك بالسعي أولاً . نهاية المطاف : ما دمت تغش أخيك فلن ينصرنا الله لماذا زهد الناس في الدعاء؟ مهما دعوت لا يستجيب الله لك، لأننا لم نطبق شيئا : ﴿ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعاً وَخُفْيَةً إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ﴾ [سورة الأعراف الآية: 55] ما دام يوجد اعتداء على أخيك، اعتداء أدبي، مالي، تغشه، تحتال عليه، تبيعه بضاعة مصدرها تايواني فرضاً، على أنه من مستوى أرقى، ما دام هناك تدليس، وكذب، وغش، واحتيال, واحتكار، ومهما دعوت وصليت كل يوم في أول صف، إن الله نظر إلى أعمالنا وقلوبنا وسلامة نفوسنا . فيا أخواننا الكرام, الدعاء أخطر سلاح بيد المسلم، لكنه لا يفلح إلا إذا رافقه عمل وسعي : ﴿ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعاً وَخُفْيَةً إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ﴾ [سورة الأعراف الآية: 55] | |
| | | Admin Admin
المساهمات : 4240 تاريخ التسجيل : 20/01/2018
| موضوع: رد: عقيدة من مفهوم القران والسنة -مستلزمات التوحيد الجمعة مارس 02, 2018 7:58 am | |
| الاستعانة - الوسيلة - التوسل - التوكل من لوازم الإيمان : 1-أن يكون قلبك على هذا الحال؛ حال التوكل والاستعانة والدعاء أيها الأخوة المؤمنون, مع درس من دروس العقيدة الإسلامية، بينت لكم في الدرس السابق: أن حقيقة الإيمان ليست ما ينبغي أن تعتقد، بل يضاف إلى ذلك ما ينبغي أن تكون عليه، الإيمان كل لا يتجزأ، ينبغي أن تعتقد كذا، وكذا، وكذا، وينبغي أن تكون على هذا الحال؛ حال التوكل, والاستعانة، والدعاء، وما إلى ذلك. إذاً: من مقتضيات الإيمان: أن يكون قلبك بهذا الحال، وأن يكون إدراكك بهذا الاعتقاد، فالإيمان اعتقاد وسلوك, واعتقاد وحال. من المحرمات : المؤمن مكلف أن يعاون أخاه وينصره أيها الأخوة, حينما قال الله عز وجل: ﴿وَإِنِ اسْتَنْصَرُوكُمْ فِي الدِّينِ فَعَلَيْكُمُ النَّصْرُ﴾ [سورة الأنفال الآية: 72] المؤمن ينبغي أن ينصر أخاه المؤمن: ﴿فَاسْتَغَاثَهُ الَّذِي مِنْ شِيعَتِهِ عَلَى الَّذِي مِنْ عَدُوِّهِ﴾ [سورة القصص الآية: 15] ﴿وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى﴾ [سورة المائدة الآية: 2] فالتعاون أمر إلهي، فالمؤمن مكلف أن يعاون أخاه، وأن ينصره، وأن يغيثه، ولكن في حدود ما يستطيعه البشر، أما فيما لا يستطيعه البشر, فمحرم أشد التحريم أن تستغيث بعبد بما لا يستطيع العباد أن يفعلوه. من الشرك : لا تتوسلوا بأصحاب القبور امرأة تقف أمام مقام، وتقول: يا سيدي، يا فلان أريد ولداً، فلان المتوفى في قبره, قد يكون صالحاً، وعالماً كبيراً، وقد يكون، وقد يكون، ولكنه لا يستطيع أن يهب المرأة ولداً، هذا من فعل الله عز وجل، فمع أن الإنسان مكلف أن ينصر أخاه، ويعينه، ويغيثه، ولكن حينما تسأل مخلوقاً بحاجة لا يستطيعها إلا الخالق, فهذا خطأ كبير، وشرك عظيم. هناك حديث شريف يؤكد هذا المعنى: عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ, عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: ((لَا يَتَمَنَّى أَحَدُكُمُ الْمَوْتَ, وَلَا يَدْعُ بِهِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَهُ, إِنَّهُ إِذَا مَاتَ أَحَدُكُمُ انْقَطَعَ عَمَلُهُ, وَإِنَّهُ لَا يَزِيدُ الْمُؤْمِنَ عُمْرُهُ إِلَّا خَيْرًا)) الميت يحتاج لرحمة الله ومغفرته. من الخطأ الجليل : عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رَضِي اللَّه عَنْه, أَنَّهُ قَالَ: ((سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: يَخْرُجُ فِيكُمْ قَوْمٌ, تَحْقِرُونَ صَلَاتَكُمْ مَعَ صَلَاتِهِمْ, وَصِيَامَكُمْ مَعَ صِيَامِهِمْ, وَعَمَلَكُمْ مَعَ عَمَلِهِمْ, وَيَقْرَؤونَ الْقُرْآنَ لَا يُجَاوِزُ حَنَاجِرَهُمْ, يَمْرُقُونَ مِنَ …)) من في القبر مفتقر لرحمة الله، وإلى حفظ الله وعطائه، أن تستعين بالله فيما لا يستطيعه إلا الله. من لوازم الإيمان؛ أن تستعين، أو تستنصر، أو أن تستغيث بمخلوقات الله, فيما لا يستطيعه إلا الله، هذا شرك كبير، وهذا خطأ جليل. 2-أن تبتغي إليه الوسيلة : الوسيلة هو فقط رسول الله وهو مقام رفيع أيها الأخوة, من لوازم الإيمان: أن تبتغي إليه الوسيلة. عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو, أَنَّهُ سَمِعَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: ((إِذَا سَمِعْتُمُ الْمُؤَذِّنَ, فَقُولُوا مِثْلَ مَا يَقُولُ, ثُمَّ صَلُّوا عَلَيَّ, فَإِنَّهُ مَنْ صَلَّى عَلَيَّ صَلَاةً, صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ بِهَا عَشْرًا, ثُمَّ سَلُوا لِيَ الْوَسِيلَةَ, فَإِنَّهَا مَنْزِلَةٌ فِي الْجَنَّةِ, لَا تَنْبَغِي إِلَّا لِعَبْدٍ مِنْ عِبَادِ اللَّهِ, وَأَرْجُو أَنْ أَكُونَ أَنَا هُوَ, وَمَنْ سَأَلَ لِيَ الْوَسِيلَةَ, حَلَّتْ عَلَيْهِ الشَّفَاعَةُ)) [أخرجه مسلم في الصحيح, وأبو داود والترمذي والنسائي في سننهم] فالوسيلة هو رسول الله صلى الله عليه وسلم, مقام رفيع جداً, لا ينبغي إلا لواحد من خلقه، هو باب الخلق إلى الله، مقام رسول الله أعلى مقام في البشرية، وصل إلى سدرة المنتهى ، هو سيد ولد آدم ولا فخر، وقد منح مقام الوسيلة، وهو مقام لا ينبغي إلا لواحد من خلقه. ((سَلُوا لِيَ الْوَسِيلَةَ, فَإِنَّهَا مَنْزِلَةٌ فِي الْجَنَّةِ, لَا تَنْبَغِي إِلَّا لِعَبْدٍ مِنْ عِبَادِ اللَّهِ, وَأَرْجُو أَنْ أَكُونَ أَنَا)) من وسائل التقرب إلى الله عز وجل : 1-أن تتقرب إلى الله بكمالات مشتقة من أسماء الله الحسنى رحمتك وسليتك إلى الله أخواننا الكرام, يمكن أن تتوسل إلى الله بكمالاته، هو رحيم، فإذا رحمت خلقه, كانت هذه الرحمة وسيلتك إلى الله، هو عليم, فإذا كنت منصفاً, كان إنصافك بالتقرب إلى العدل، هو لطيف، إذا كنت مع الخلق لطيفاً, هذا اللطف وسيلة إلى التقرب إلى الله عز وجل. عَنْ شَدَّادِ بْنِ أَوْسٍ رَضِي اللَّه عَنْه, عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: ((سَيِّدُ الِاسْتِغْفَارِ أَنْ يقول العبد: اللَّهُمَّ أَنْتَ رَبِّي لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ, خَلَقْتَنِي وَأَنَا عَبْدُكَ, وَأَنَا عَلَى عَهْدِكَ وَوَعْدِكَ مَا اسْتَطَعْتُ, أَعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّ مَا صَنَعْتُ, أَبُوءُ لَكَ بِنِعْمَتِكَ عَلَيَّ, وَأَبُوءُ لَكَ بِذَنْبِي, فَاغْفِرْ لِي ذنوبي, فَإِنَّهُ لَا يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا أَنْتَ, مَنْ قَالَهَا مِنَ النَّهَارِ مُوقِنًا بِهَا, فَمَاتَ مِنْ يَوْمِهِ قَبْلَ أَنْ يُمْسِيَ, فَهُوَ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ, وَمَنْ قَالَهَا مِنَ اللَّيْلِ, وَهُوَ مُوقِنٌ بِهَا, فَمَاتَ قَبْلَ أَنْ يُصْبِحَ, فَهُوَ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ)) [أخرجه البخاري في الصحيح, والترمذي والنسائي في سننهما] بشكل أو بآخر: الله عز وجل صاحب الأسماء الحسنى، والصفات الفضلى، فإذا تقربت إليه بكمالاته, فهذه وسيلة من الله عز وجل، إذا أردتم رحمتي فارحموا خلقي، إذا أردتم عدلي فاعدلوا بين خلقي، إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى خلقه، وإذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل، يمكن أن تتقرب إلى الله بكمالات الله، وهذا مما يفهم من قوله تعالى: ﴿وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا﴾ [سورة الأعراف الآية: 180] لا يمكن أن تكون قريبا من الله وأنت قاسي مع خلقه لا يمكن أن تقبل على الله، وأن تقسو مع الخلق، وتظلمهم، ولا ترحمهم، أحد أكبر وسائل القرب من الله: أن تتقرب إلى الله بكمالات مشتقة من أسماء الله الحسنى، وصفاته الفضلى. عَنْ عَبْدِ اللَّهِ قَال: ((قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مَا أَصَابَ أَحَدًا هَمٌّ وَلَا حَزَنٌ قط فَقَالَ: اللَّهُمَّ إِنِّي عَبْدُكَ, وَابْنُ عَبْدِكَ, ابْنُ أَمَتِكَ, نَاصِيَتِي بِيَدِكَ, مَاضٍ فِيَّ حُكْمُكَ, عَدْلٌ فِيَّ قَضَاؤُكَ, أَسْأَلُكَ بِكُلِّ اسْمٍ هُوَ لَكَ, سَمَّيْتَ بِهِ نَفْسَكَ, أَوْ أَنْزَلْتَهُ فِي كِتَابِكَ, أو علمته أحداً من خلقك, أَوِ اسْتَأْثَرْتَ بِهِ فِي عِلْمِ الْغَيْبِ عِنْدَكَ, أَنْ تَجْعَلَ الْقُرْآنَ رَبِيعَ قَلْبِي, وَنُورَ صَدْرِي, وَجِلَاءَ حُزْنِي, وَذَهَابَ هَمِّي, إِلَّا أَذْهَبَ اللَّهُ عز وجل هَمَّهُ, وَأَبْدَلَهُ مَكَانَه حزنه فَرَحًا)) [أخرجه الطبراني في المعجم الكبير, والبزار في مسنده, والإمام أحمد في مسنده] انظر في هذه الأدلة : لا أدري إن كانت هذه الحقيقة واضحة عندكم: أول وسيلة إلى الله: أن تتقرب إليه بكمالاته، بكمالات مشتقة من أسمائه الحسنى، وصفاته الفضلى، والدليل القوي: ﴿وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا﴾ [سورة الأعراف الآية: 180] دليل آخر: إذا أردتم رحمتي فارحموا خلقي. فأنت كلما تخلقت بخلق كريم, مشتق من أسماء الله الحسنى، وصفاته الفضلى، فهو وسيلة إلى القرب من الله عز وجل. 2-أن يتوسل الإنسان بدعاء الرجل الصالح : لو قال المسلم: اللهم بإيماني بك، وحبي لرسولك, فرج عني، لو قال مسلم آخر: اللهم بحبي لأصحاب نبيك، والتماسي مناهجهم, اكشف مصيبتي، أو قال أحدهم: اللهم إني أسألك بالتعلق قلبي بالقرآن، وحب تلاوته, نور بصيرتي، وارفع محنتي, تقرب إلى الله بكمالاته. ومن أنواع التوسل لله عز وجل: أن يتوسل الإنسان بدعاء الرجل الصالح. الدليل : كان عليه الصلاة والسلام يخطب يوم الجمعة، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ: أَنَّ رَجُلًا دَخَلَ الْمَسْجِدَ يَوْمَ جُمُعَةٍ مِنْ بَابٍ كَانَ نَحْوَ دَارِ الْقَضَاءِ, وَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَائِمٌ يَخْطُبُ, فَاسْتَقْبَلَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَائِمًا, ثُمَّ قَالَ: ((يَا رَسُولَ اللَّهِ! هَلَكَتِ الْأَمْوَالُ, وَانْقَطَعْتِ السُّبُلُ, فَادْعُ اللَّهَ يُغِيثُنَا, فَرَفَعَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَدَيْهِ, ثُمَّ قَالَ: اللَّهُمَّ أَغِثْنَا, اللَّهُمَّ أَغِثْنَا, اللَّهُمَّ أَغِثْنَا, قَالَ أَنَسٌ: وَلَا وَاللَّهِ مَا نَرَى فِي السَّمَاءِ, مِنْ سَحَابٍ وَلَا قَزَعَةً, وَمَا بَيْنَنَا وَبَيْنَ سَلْعٍ, مِنْ بَيْتٍ وَلَا دَارٍ, قَالَ: وطَلَعَتْ مِنْ وَرَائِهِ سَحَابَةٌ مِثْلُ التُّرْسِ, فَلَمَّا تَوَسَّطَتِ السَّمَاءَ انْتَشَرَتْ, ثُمَّ أَمْطَرَتْ, فَلَا وَاللَّهِ مَا رَأَيْنَا الشَّمْسَ سِتًّا, ثُمَّ دَخَلَ رَجُلٌ مِنْ ذَلِكَ الْبَابِ فِي الْجُمُعَةِ, وَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَائِمٌ يَخْطُبُ, فَاسْتَقْبَلَهُ قَائِمًا, فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ! هَلَكَتِ الْأَمْوَالُ, وَانْقَطَعَتِ السُّبُلُ, فَادْعُ اللَّهَ يُمْسِكْهَا عَنَّا, قَالَ: فَرَفَعَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَدَيْهِ, ثُمَّ قَالَ: اللَّهُمَّ حَوَالَيْنَا وَلَا عَلَيْنَا, اللَّهُمَّ عَلَى الْآكَامِ, وَالظِّرَابِ, وَبُطُونِ الْأَوْدِيَةِ, وَمَنَابِتِ الشَّجَرِ, قَالَ: فَأَقْلَعَتْ وَخَرَجْنَا نَمْشِي فِي الشَّمْسِ)) [أخرجه البخاري ومسلم في الصحيح, وأبو داود والنسائي في سننهما, ومالك في الموطأ] فمن الوسائل التي أمرنا أن نتخذها سبباً للقرب من الله عز وجل ولطلب رحمته: أن نتوسل بدعاء رجل صالح. 3-أن تتوسل إلى الله بأداء الفرائض التي فرضها عليك، والابتعاد عن المحرمات تتوسل إلى الله بأداء الفرائض يضاف إلى ما ذكرته البارحة, من أن من أدق معاني الوسيلة: أن تتوسل إلى الله بأداء الفرائض التي فرضها عليك، والابتعاد عن المحرمات التي حرمها عليك، وأن تطيعه في كل ما أمر، وأن تنتهي عن كل ما نهى عنه وزجر، وأن تتوسل إليه بالعمل الصالح، بدءاً من إماطة الأذى عن الطريق، وانتهاء بالدعوة إلى الله، هذه أيضاً من وسائل القرب من الله عز وجل, فهذا يعني قوله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَابْتَغُوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ﴾ [سورة المائدة الآية: 35]
3-من لوازم الإيمان: التوكل على الله : من لوازم الإيمان: التوكل على الله، لأن الله عز وجل يقول: ﴿وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُتَوَكِّلُونَ﴾ [سورة إبراهيم الآية: 12] ويقول أيضاً: ﴿فَتَوَكَّلُوا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ﴾ [سورة المائدة الآية: 23] ويقول أيضاً: ﴿وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْراً﴾ [سورة الطلاق الآية: 3] ﴿رَبَّنَا عَلَيْكَ تَوَكَّلْنَا وَإِلَيْكَ أَنَبْنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ﴾ [سورة الممتحنة الآية: 4] ﴿إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آَيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَاناً وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ﴾ [سورة الأنفال الآية: 2] آيات التوكل كثيرة جداً . أيها الأخوة, عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ قَالَهَا إِبْرَاهِيمُ عَلَيْهِ السَّلَام حِينَ أُلْقِيَ فِي النَّارِ, وَقَالَهَا مُحَمَّدٌ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ قَالُوا: إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ. خلاصة ما سبق ذكره : التوكل على الله من لوازم الإيمان، أن تستنصر وتستعين، وتلتجئ في شيء لا يستطيعه إلا الله وحده، وأن لا تلتفت إلى ما سواه, هذا من لوازم الإيمان، وتبتغي إلى الله الوسيلة، بدءاً من التقرب إلى الله بكمالات مشتقة من أسمائه الحسنى، وصفاته الفضلى، هذا من لوازم الإيمان، وأن تتقرب إلى الله بطلب العلم، وبأداء الفرائض، وترك المحرمات، وطاعته في كل تفاصيل الشريعة، ثم بالعمل الصالح، هذا من لوازم الإيمان بالله، ثم أن تتقرب إلى الله بدعاء الصالحين، هذا أيضاً ورد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في موضوع السقيا. هذه بعض المعاني التي تنطوي عليها الوسيلة. ما الدليل على أن التوكل من لوازم الإيمان؟ : آيات القرآن الكريم التي تتحدث عن التوكل كثرتها وتنوعها, يؤكد أن التوكل من لوازم الإيمان: ﴿وَعَلَى اللَّهِ فَتَوَكَّلُوا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ﴾ [سورة المائدة الآية: 23] فإن لم تتوكلوا فلستم بمؤمنين، لكن أنت متى تتوكل على الله؟ حينما تكون مستقيماً على أمره، وحينما تعرفه، وتثق بقدرته, وبعلمه, وبرحمته، وبأنه سميع مجيب. من أدعية التوكل : الدعاء مهم عند الخروج من البيت عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ, أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: ((إِذَا خَرَجَ الرَّجُلُ مِنْ بَيْتِهِ فَقَالَ: بِسْمِ اللَّهِ, تَوَكَّلْتُ عَلَى اللَّهِ، لَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ, قَالَ: يُقَالُ: حِينَئِذٍ هُدِيتَ, وَكُفِيتَ, وَوُقِيتَ, فَتَتَنَحَّى لَهُ الشَّيَاطِينُ, فَيَقُولُ لَهُ شَيْطَانٌ آخَرُ: كَيْفَ لَكَ بِرَجُلٍ قَدْ هُدِيَ وَكُفِيَ وَوُقِيَ؟)) عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ قَالَتْ: ((مَا خَرَجَ رسول الله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ بَيْتِه قَطُّ, إِلَّا رَفَعَ طَرْفَهُ إِلَى السَّمَاءِ, فَقَالَ: اللَّهُمَّ أَعُوذُ بِكَ أَنْ أَضِلَّ أَوْ أُضَلَّ, أَوْ أَزِلَّ أَوْ أُزَلَّ, أَوْ أَظْلِمَ أَوْ أُظْلَمَ, أَوْ أَجْهَلَ أَوْ يُجْهَلَ عَلَيَّ)) [أخرجه أبو داود والترمذي والنسائي في سننهم] هذا توكل، إنسان يخرج من بيته, هناك مطبات، وأزمات، ومصائب، وظلمات أحياناً، فإذا دعا الله هذا الدعاء وقاه الله، وكفاه، وهداه. ما قيل عن حقيقة التوكل : بعض العلماء يقول: حقيقة التوكل أنها حال مركبة من مجموعة أمور, لا تتم حقيقة التوكل إلا بها، أول هذه الأمور: معرفة بالله, وبصفاته من قدرته, وكفايته, وقيومته، وانتهاء الأمور إلى علمه، وصدورها عن مشيئته وقدرته. فالتوكل يحتاج إلى علم. وقال هذا العالم الجليل: التوكل من أعم المقامات تعلقاً بالأسماء الحسنى، إن لها تعلقاً خاصاً بعامة أسماء الأفعال والصفات، فله تعلق باسم الغفار, والتواب، والعفو، والرحيم، وتعلق باسم الفتاح، والوهاب، والرزاق، والمعطي، والمحسن, وتعلق باسم المعز والمذل، والخافض والرافع، والمانع، من جهة توكله عليه في إذلال أعدائه، وخفضهم، ومنعهم من أسباب النصر، ولهذا التوكل تعلق بأسباب القدرة والإرادة، لا يوجد عبادة قلبية كالتوكل، فهي متعلقة بعدد كبير من أسماء الله الحسنى كعبادة التوكل: ﴿وَلَمَّا رَأَى الْمُؤْمِنُونَ الْأَحْزَابَ قَالُوا هَذَا مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَصَدَقَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَمَا زَادَهُمْ إِلَّا إِيمَاناً وَتَسْلِيماً﴾ [سورة الأحزاب الآية: 22] إليكم بيان هذه الحقيقة : قال إبراهيم حين ألقي في النار: حسبي الله ونعم الوكيل عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: كَانَ آخِرَ قَوْلِ إِبْرَاهِيمَ حِينَ أُلْقِيَ فِي النَّارِ: حَسْبِيَ اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ. أريد أن أوضح لكم حقيقة ضرورية جداً تتضح بمثل: لو أن طالب لم يدرس, وأدى امتحاناً, فلم ينجح، فلما تلقى النتيجة بالرسوب, قال: حسبي الله ونعم الوكيل, هذا كسل, أما حينما تدرس، وتبذل قصارى جهدك، ويأتي مرض لم يكن في الحسبان, يمنعك من أداء الامتحان، عندئذ قل: حسبي الله ونعم الوكيل، أما كلما قصرت في جهة، وتلقيت نتيجة عملك، فإذا جاءت النتائج لا على ما تحب على غير ما تحب، وتقول: حسبي الله ونعم الوكيل، هذا استهزاء بهذه الكلمة، الله عز وجل قد يسوق للإنسان جزاء التقصير، وجزاء المعصية، أنت ارض أو لا ترض، هذا هو الجزاء، أما حسبي الله ونعم الوكيل فلها معنى آخر، أنت حينما تأخذ بكل الأسباب، وتأتي الأمور على غير ما توقعت, عندئذ قل: حسبي الله ونعم الوكيل. نقطة مهمة : أيها الأخوة, الشدة التي يعانيها الناس في آخر الزمان, من فعل الطغاة والمستعمرين، هذه الشدة التي قد تجعل حياة الناس جحيماً, هي عند المؤمنين قليلة جداً، لتوحيدهم ولتوكلهم على الله عز وجل، فمثلاً قال تعالى: ﴿الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَاناً وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ * فَانْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ وَاتَّبَعُوا رِضْوَانَ اللَّهِ﴾ [سورة آل عمران الآية: 173-174] الله أكبر من كل كبير، ومن كل ظالم، ومن كل طاغية، فأنت حينما تتعلق بالله عز وجل, تخف عليك وطأة الطغاة. من أمثلة التوكل : فيروى أن الحسن البصري رحمه الله تعالى, أدى أمانة العلم, بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، يبدو أنه كان في زمن الحجاج، والحجاج كان طاغية كبيرة وظالماً، فحينما بلغه ما فعله الحسن البصري اشتد غضبه، وقال لمن حوله، وسماهم بالجبناء: والله يا جبناء لأروينكم من دمه، وأمر بقتلهم، وجاء السياف، ومد النطع, واستدعي الحسن البصري ليقتل، فلما دخل، ورأى السياف، ومد النطع, عرف كل شيء، فإذا به يحرك شفتيه، لكن لم يفهم أحد ما قال، المفاجأة التي لا تصدق, أن الحجاج وقف له, وقال: أهلاً بأبي سعيد، وما زال يقربه, حتى أجلسه على سريره, واستفتاه، وأثنى عليه، وقال له: يا أبا سعيد, أنت سيد العلماء، ثم شيعه إلى باب القصر، وهناك رجلان؛ السياف والحاجب، تبعه الحاجب, قال له: يا أبا سعيد, لقد جاء بك لغير ما فعل بك، فماذا قلت لربك؟ فقال: قلت: يا ملاذي عند كربتي، يا مؤنسي في وحشتي, اجعل نقمته علي برداً وسلاماً, كما جعلت النار برداً وسلاماً على إبراهيم، تغير الوضع. قَالَ أَبُو بَكْرٍ رَضِي اللَّه عَنْه: ((كُنْتُ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْغَارِ, فَرَأَيْتُ آثَارَ الْمُشْرِكِينَ, قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ! لَوْ أَنَّ أَحَدَهُمْ رَفَعَ قَدَمَهُ رَآنَا, قَالَ: مَا ظَنُّكَ بِاثْنَيْنِ اللَّهُ ثَالِثُهُمَا؟)) هذا التوكل. من أدعية التوكل أيضاً : وفي بعض أدعية النبي عليه الصلاة والسلام: عن ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِي اللَّه عَنْهمَا قَالَ: ((كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا قَامَ مِنَ اللَّيْلِ يَتَهَجَّدُ, قَالَ: اللَّهُمَّ لَكَ الْحَمْدُ, أَنْتَ قَيِّمُ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَنْ فِيهِنَّ وَلَكَ الْحَمْدُ, لَكَ مُلْكُ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَنْ فِيهِنَّ وَلَكَ الْحَمْدُ, أَنْتَ نُورُ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَنْ فِيهِنَّ وَلَكَ الْحَمْدُ, أَنْتَ مَلِكُ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلَكَ الْحَمْدُ, أَنْتَ الْحَقُّ, وَوَعْدُكَ الْحَقُّ, وَلِقَاؤُكَ حَقٌّ, وَقَوْلُكَ حَقٌّ, وَالْجَنَّةُ حَقٌّ, وَالنَّارُ حَقٌّ, وَالنَّبِيُّونَ حَقٌّ, وَمُحَمَّدٌ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَقٌّ, وَالسَّاعَةُ حَقٌّ, اللَّهُمَّ لَكَ أَسْلَمْتُ, وَبِكَ آمَنْتُ, وَعَلَيْكَ تَوَكَّلْتُ, وَإِلَيْكَ أَنَبْتُ, وَبِكَ خَاصَمْتُ, وَإِلَيْكَ حَاكَمْتُ, فَاغْفِرْ لِي مَا قَدَّمْتُ وَمَا أَخَّرْتُ, وَمَا أَسْرَرْتُ وَمَا أَعْلَنْتُ, أَنْتَ الْمُقَدِّمُ, وَأَنْتَ الْمُؤَخِّرُ, لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ, أَوْ لَا إِلَهَ غَيْرُكَ)) عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ, أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَقُولُ: ((اللَّهُمَّ لَكَ أَسْلَمْتُ, وَبِكَ آمَنْتُ, وَعَلَيْكَ تَوَكَّلْتُ, وَإِلَيْكَ أَنَبْتُ, وَبِكَ خَاصَمْتُ, اللَّهُمَّ أَعُوذُ بِعِزَّتِكَ, لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ, أَنْ تُضِلَّنِي, أَنْتَ الْحَيُّ الَّذِي لَا يَمُوتُ, وَالْجِنُّ وَالْإِنْسُ يَمُوتُونَ)) [أخرجه البخاري ومسلم في الصحيح] قارن بين أصحاب رسول الله وبين المسلمين اليوم : أيها الأخوة, عَنْ أَنَسٍ رَضِي اللَّه عَنْه قَالَ: ((غَابَ عَمِّي أَنَسُ بْنُ النَّضْرِ عَنْ قِتَالِ بَدْرٍ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ! غِبْتُ عَنْ أَوَّلِ قِتَالٍ قَاتَلْتَ الْمُشْرِكِينَ, لَئِنِ اللَّهُ أَشْهَدَنِي قِتَالَ الْمُشْرِكِينَ لَيَرَيَنَّ اللَّهُ مَا أَصْنَعُ, فَلَمَّا كَانَ يَوْمُ أُحُدٍ, وَانْكَشَفَ الْمُسْلِمُونَ, قَالَ: اللَّهُمَّ إِنِّي أَعْتَذِرُ إِلَيْكَ مِمَّا صَنَعَ هَؤُلَاءِ, يَعْنِي أَصْحَابَهُ, وَأَبْرَأُ إِلَيْكَ مِمَّا صَنَعَ هَؤُلَاءِ, يَعْنِي الْمُشْرِكِينَ, ثُمَّ تَقَدَّمَ, فَاسْتَقْبَلَهُ سَعْدُ بْنُ مُعَاذٍ, فَقَالَ: يَا سَعْدُ بْنَ مُعَاذٍ, الْجَنَّةَ وَرَبِّ النَّضْرِ, إِنِّي أَجِدُ رِيحَهَا مِنْ دُونِ أُحُدٍ, قَالَ سَعْدٌ: فَمَا اسْتَطَعْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا صَنَعَ, قَالَ أَنَسٌ: فَوَجَدْنَا بِهِ بِضْعًا وَثَمَانِينَ ضَرْبَةً بِالسَّيْفِ, أَوْ طَعْنَةً بِرُمْحٍ, أَوْ رَمْيَةً بِسَهْمٍ, وَوَجَدْنَاهُ قَدْ قُتِلَ, وَقَدْ مَثَّلَ بِهِ الْمُشْرِكُونَ, فَمَا عَرَفَهُ أَحَدٌ إِلَّا أُخْتُهُ بِبَنَانِهِ, قَالَ أَنَسٌ: كُنَّا نُرَى أَوْ نَظُنُّ أَنَّ هَذِهِ الْآيَةَ نَزَلَتْ فِيهِ وَفِي أَشْبَاهِهِ: ﴿مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ﴾ إِلَى آخِرِ الْآيَةِ, وَقَالَ: إِنَّ أُخْتَهُ, وَهِيَ تُسَمَّى الرُّبَيِّعَ, كَسَرَتْ ثَنِيَّةَ امْرَأَةٍ, فَأَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْقِصَاصِ, فَقَالَ أَنَسٌ: يَا رَسُولَ اللَّهِ! وَالَّذِي بَعَثَكَ بِالْحَقِّ لَا تُكْسَرُ ثَنِيَّتُهَا, فَرَضُوا بِالْأَرْشِ, وَتَرَكُوا الْقِصَاصَ, فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِنَّ مِنْ عِبَادِ اللَّهِ مَنْ لَوْ أَقْسَمَ عَلَى اللَّهِ لَأَبَرَّهُ)) الناس في آخر الزمان, يتطلعون إلى المغانم فقط، لكن أصحاب النبي تطلعوا للوفاء بما عاهدوا الله عليه. بم يتعلق هذا الحديث؟ : مما يتعلق بالتوكل أيضاً: عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ السَّاعِدِيِّ قَالَ: ((أَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَجُلٌ, فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ! دُلَّنِي عَلَى عَمَلٍ إِذَا أَنَا عَمِلْتُهُ, أَحَبَّنِي اللَّهُ وَأَحَبَّنِي النَّاسُ, فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ازْهَدْ فِي الدُّنْيَا يُحِبَّكَ اللَّهُ, وَازْهَدْ فِيمَا فِي أَيْدِي النَّاسِ يُحِبُّوكَ)) [أخرجه ابن ماجة في سننه] لا تسألن بـني آدم حاجـة وســل الذي أبوابه لا تغلق الله يغضب إن تركت سؤاله و بني آدم حين يسأل يغضب من أدعية النبي عليه الصلاة والسلام : من أدعية النبي عليه الصلاة والسلام: عَنِ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ, أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ, أَوْصَى رَجُلًا فَقَالَ: ((إِذَا أَرَدْتَ مَضْجَعَكَ فَقُلِ: اللَّهُمَّ أَسْلَمْتُ نَفْسِي إِلَيْكَ, وَفَوَّضْتُ أَمْرِي إِلَيْكَ, وَوَجَّهْتُ وَجْهِي إِلَيْكَ, وَأَلْجَأْتُ ظَهْرِي إِلَيْكَ, رَغْبَةً وَرَهْبَةً إِلَيْكَ, لَا ملجأ وَلَا مَنْجَا مِنْكَ إِلَّا إِلَيْكَ, آمَنْتُ بِكِتَابِكَ الَّذِي أَنْزَلْتَ, وَبِنَبِيِّكَ الَّذِي أَرْسَلْتَ, فَإِنْ مُتَّ مُتَّ عَلَى الْفِطْرَةِ)) خاتمة القول : أيها الأخوة الكرام, عود على بدء، لا بد من أن تتيقن أن الإيمان ليس أن تعرف ماذا ينبغي؟ أن تعلم ماذا ينبغي أن تكون عليه, من حال الإنابة، وحال الاستنصار بالله، والاعتماد عليه، والتوكل عليه، وطلب الوسيلة إليه؟ هذا بعض ما ينبغي على المؤمن أن يكون عليه. === الإنابة من لوازم التوحيد: الإنابة إلى الله : أيها الأخوة الكرام, مع درس من دروس العقيدة الإسلامية، ومع موضوع الإنابة, على أنها من لوازم التوحيد . الشيء الذي أتمنى أن يكون واضحاً لديكم تماماً: أن في كتب تقليدية, العقيدة أن تؤمن بكذا، وكذا، وكذا, لكن يضاف الآن: أن العقيدة أن تؤمن بكذا، وكذا، وأن يكون لك هذه الأحوال؛ أن تكون متوكلاً، أن تكون منيباً، أن تكون تائباً، أن تكون مخلصاً، فمن لوازم التوحيد: أن تكون منيباً إلى الله . الدليل : والدليل: أن الله عز وجل يقول: ﴿إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لَحَلِيمٌ أَوَّاهٌ مُنِيبٌ﴾ [سورة هود الآية: 75] ﴿أَفَلَمْ يَنْظُرُوا إِلَى السَّمَاءِ فَوْقَهُمْ كَيْفَ بَنَيْنَاهَا وَزَيَّنَّاهَا وَمَا لَهَا مِنْ فُرُوجٍ * وَالْأَرْضَ مَدَدْنَاهَا وَأَلْقَيْنَا فِيهَا رَوَاسِيَ وَأَنْبَتْنَا فِيهَا مِنْ كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ * تَبْصِرَةً وَذِكْرَى لِكُلِّ عَبْدٍ مُنِيبٍ﴾ [سورة ق الآية: 6-8] ﴿هُوَ الَّذِي يُرِيكُمْ آَيَاتِهِ وَيُنَزِّلُ لَكُمْ مِنَ السَّمَاءِ رِزْقاً وَمَا يَتَذَكَّرُ إِلَّا مَنْ يُنِيبُ﴾ [سورة غافر الآية: 13] ﴿وَأَنِيبُوا إِلَى رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ ثُمَّ لَا تُنْصَرُونَ﴾ [سورة الزمر الآية: 54] يصف جل ثناؤه المؤمنين, بأنهم منيبون إليه، قال تعالى: ﴿مُنِيبِينَ إِلَيْهِ وَاتَّقُوهُ وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَلَا تَكُونُوا مِنَ الْمُشْرِكِينَ﴾ [سورة الروم الآية: 31] فالإنابة إلى الله من لوازم التوحيد، الشيء الذي أتمنى أن يكون واضحاً لديكم: شطر العقيدة ما ينبغي أن تعتقد، وشطرها الثاني ما ينبغي أن تكون عليه، فإن كنت تعتقد الصواب، ولم تكن كما ينبغي, فهناك خلل في عقيدتك، لأنك لم تنتفع بهذا الذي اعتقدت به . هذه الإنابة العامة : أهل الأرض جميعا ينوبون إلى الله عند الشدة أيها الأخوة الكرام, الإنابة إنابتان، هؤلاء أهل الأرض, ستة آلاف مليون إنسان, كلهم ينيبون إلى الله عند الشدة، فسّاقهم، وكفّارهم، ملحدوهم, ومؤمنوهم، أيّ إنسان إذا ركب في البحر، وكاد يغرق, يلتجئ إلى الله عز وجل . حدثني أخ, كان في طائرة, تنقلُّه من بلد مسلم إلى بلد كان سابقاً يؤمن بأنه لا إله، وعلى متن هذه الطائرة خبراء ملحدون جميعاً، ودخلت الطائرة في سحابة مكهربة، وأوشكت على السقوط، فإذا بكل هؤلاء الملحدين يرفعون أكفهم إلى الله يستغيثون به، قال تعالى: ﴿وَاللَّهِ رَبِّنَا مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ * انْظُرْ كَيْفَ كَذَبُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ﴾ [سورة الأنعام الآية: 23-24] هذه الإنابة الأولى، أيّ إنسان مؤمن أو كافر، ملحد أو مستقيم، عاص, وفاسق, وفاجر, إذا جاءته الشدة، كأنْ أجرى فحصًا لورم خبيث, يقول: يا رب, لا إله ولا شافي غيرك، هذا الضعيف لا يتذكر ربه إلا عند الشدة، هذه إنابة عامة، هذا شيء يذكرنا بقوله تعالى: ﴿وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ﴾ [سورة الحديد الآية: 4] مع كل عباده، مع مؤمنهم، مع كافرهم، فاسقهم، وعاصيهم، وفاجرهم, وملحدهم، معهم بعلمه . هذه الإنابة الخاصة : المؤمن ينيب إلى الله في الرخاء والشدة أيها الأخوة, لكن الله إذا قال: إن الله مع المؤمنين، مع المتقين، مع الصادقين، مع التائبين، معهم بالحفظ، والتأييد، والنصر، والتوفيق، فالإنابة صفة مشتركة بين كل الخلق عند الشدة، لكن المؤمن ينيب إلى الله في الرخاء، يعود إليه مختاراً، يعود إليه وهو قوي، يعود إليه وهو صحيح، وهو في مقتبل الحياة، وهو في أوجه، يعود إليه محبةً، يعود إليه شوقاً، فلذلك ينبغي أن نفرق بين إنابة عامة وإنابة خاصة، كما نفرق بين معية عامة ومعية خاصة . | |
| | | Admin Admin
المساهمات : 4240 تاريخ التسجيل : 20/01/2018
| موضوع: رد: عقيدة من مفهوم القران والسنة -مستلزمات التوحيد الجمعة مارس 02, 2018 7:59 am | |
| الدليل من الكتاب على الإنابة العامة : الدليل على الإنابة العامة قوله تعالى: ﴿وَإِذَا مَسَّ الْإِنْسَانَ ضُرٌّ دَعَا رَبَّهُ مُنِيباً إِلَيْهِ﴾ [سورة الزمر الآية: 8] حدثني أخ في بلد إسلامي, أصابه زلزال مخيف، أقسم لي أن المساجد في الصلوات الخمس لا تتسع للمصلين، كانوا يصلون في صحن المسجد، بينما في الرخاء لا تجد صفَّين، أما عقب الزلزال, جاءت الإنابة إلى الله عز وجل . أنا أقول لكم: أنت حينما تعود إلى الله وأنت صحيح من دون مصيبة, فهذا شوق، وهذا حب، وهذا اختيار، وهذه بطولة، أما عند الشدة فأيّ إنسان يعود إلى الله، قال تعالى: ﴿وَإِذَا مَسَّ النَّاسَ ضُرٌّ دَعَوْا رَبَّهُمْ مُنِيبِينَ إِلَيْهِ ثُمَّ إِذَا أَذَاقَهُمْ مِنْهُ رَحْمَةً إِذَا فَرِيقٌ مِنْهُمْ بِرَبِّهِمْ يُشْرِكُونَ﴾ [سورة الروم الآية: 33] ثم يقول الله عز وجل: ﴿فَتَمَتَّعُوا فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ﴾ [سورة النحل الآية: 55] إليكم شرح هذا الحديث : نحن في زمن الفتن ظلمات وراء ظلمات أيها الأخوة, عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ, أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: ((بَادِرُوا بِالْأَعْمَالِ فِتَنًا كَقِطَعِ اللَّيْلِ الْمُظْلِمِ، يُصْبِحُ الرَّجُلُ مُؤْمِنًا وَيُمْسِي كَافِرًا، وْيُمْسِي مُؤْمِنًا وَيُصْبِحُ كَافِرًا، يَبِيعُ دِينَهُ بِعَرَضٍ مِنْ الدُّنْيَا)) [أخرجه مسلم في الصحيح، والترمذي في سننه] حينما تؤثر الدنيا على حساب دينك، أحياناً الإنسان يبيع دينه بفتوى، يفتي بخلاف ما يعلم، يقول مثلاً: على المسلمات في البلد الفلاني أن يخلعن الحجاب، يفتي بخلاف ما يعلم، ويقول: الذين منعوا الحجاب معهم الحق، باع دينه، باع كل آخرته بفتوى، أنت حينما تؤثر الدنيا على دينك, فقد بعت دينك بعرض من الدنيا قليل، إذاً: نحن في زمن الفتن، فتن كقطع الليل المظلم، ظلمات وراء ظلمات، ظلمات الضلالات، ظلمات الشبهات، ظلمات المعاصي، ظلمات الانحرافات، يوجد انقباض، وتطرح فكرة تتناقض مع الدين، يروج لها أعداء الدين، كل يوم ينتقص من الدين . هذا زمن الفتن : هناك من يعتقد بأن الأصنام عاشت حياة ديمقراطية صدر كتاب في بلد عربي، هذا الكتاب محوره وعنوانه: مراثي اللات والعزى، الأصنام قبل الإسلام, عاشت حياة ديمقراطية، فكل صنم يؤمن بالصنم الآخر، أي سمح الصنم اللات للعزى أن تكون موجودة, أما صنم محمد فقد ألغى كل الآلهة، قمعي، كتاب لا يصدق، أي إنّ الإله الذي دعا إليه النبي عليه الصلاة والسلام إله قمعي، لم يسمح بإله معه أبداً، أما الآلهة التي كانت قبل البعثة, فعاشت حياة ديمقراطية، وكل صنم اعترف بالصنم الآخر، وتعايشوا، ظلمات بعضها فوق بعض، أقبلت الفتن كقطع الليل المظلم . عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ, أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: ((بَادِرُوا بِالْأَعْمَالِ فِتَنًا كَقِطَعِ اللَّيْلِ الْمُظْلِمِ، يُصْبِحُ الرَّجُلُ مُؤْمِنًا وَيُمْسِي كَافِرًا، أَوْ يُمْسِي مُؤْمِنًا وَيُصْبِحُ كَافِرًا، يَبِيعُ دِينَهُ بِعَرَضٍ مِنْ الدُّنْيَا)) [أخرجه مسلم في الصحيح، والترمذي في سننه] أعرف شخصاً, له ابن, توفاه الله في العاشرة من عمره، فترك الأبُ الصلاة كلياً. أعرف أناساً الآن عقب محن المسلمين، ولاسيما سقوط بغداد, تركوا الصلاة . ((يَبِيعُ دِينَهُ بِعَرَضٍ مِنْ الدُّنْيَا)) طرفة : كطُرفة لعلي ذكرتها كثيراً: رجل بدوي, له أرض شمالي جدة, فلما توسعت جدة, اقتربت من أرض المدينة الواسعة، وارتفعت أسعارها، فأراد أن يبيعها، اشتراها مكتب خبيث جداً بربع ثمنها، وأنشؤوا بها بناء عالياً, يزيد على عشرة طوابق، لكن هم شركاء ثلاثة؛ أول شريك وقع من سطح البناء فنزل ميتاً، وثاني شريك دهسته سيارة، فانتبه الثالث، فبحث عن صاحب الأرض ستة أشهر حتى عثر عليه، ونقده ثلاثة أضعاف حصته ليسامحه، فقال له هذا البدوي: أنت لحقت حالك . ((بَادِرُوا بِالْأَعْمَالِ فِتَنًا كَقِطَعِ اللَّيْلِ الْمُظْلِمِ، يُصْبِحُ الرَّجُلُ مُؤْمِنًا وَيُمْسِي كَافِرًا، أَوْ يُمْسِي مُؤْمِنًا وَيُصْبِحُ كَافِرًا، يَبِيعُ دِينَهُ بِعَرَضٍ مِنْ الدُّنْيَا)) قصة : لاتكن سببا بكفر الناس أنا ذكرت قصة الإمام الذي ركب مركبة في بريطانيا، ودفع للسائق قطعة ورق نقدية كبيرة، ردّ له السائق الباقي، وهذا السائق جلس الإمام في مقعده، عدّ المبلغ الذي رده له, فوجده يزيد على ما يستحق عشرين سنتا، فلما حدث نفسه أنه أنا مسلم, ينبغي أن أردّ الزيادة إلى السائق, جاءه خاطر شيطاني, أنه مبلغ زهيد جداً، والشركة عملاقة، ودخلها فلكي، ولا تتأثر بهذا المبلغ، لعله هبة من الله خصني به، النتيجة: أن كلامه الثاني خطأ، هذا كلام شيطاني، فلما جاء وقت نزوله من المركبة, وقف أمام السائق دون أن يشعر، وأعطاه العشرين سنتاً، قال له: هذه زيادة، فتبسم السائق، وقال له: ألست إمام هذا المسجد؟ قال: بلى، قال له: والله حدثت نفسي أن أزورك في مسجدك, لأتعبد الله عندك، ولكنني أردت أن أمتحنك قبل أن أزورك، فصعق، ووقع على الأرض، فلما استعاد وعيه, قال: يا رب كدت أبيع الإسلام بعشرين سنتاً . واللهِ كل يوم ملايين المسلمين يبيعون دينهم بالسنتات، أو بالدولارات، أو بالليرة السورية، أو بحصة من محل، أو باغتصاب لإرث، أو باغتصاب لشركة، أو باغتصاب لبيت ، هذا الذي يقيم شعائر الله، ويأخذ حقوق الناس، هذا يعمل عملاً معاكساً للدعاة، هذا منفّر، هذا الذي يسبب أن يكفر الناس بالدين، هذا الذي يسبب أن يقول الرجل: أتعامل مع الشيطان، ولا أتعامل مع إنسان متدَيِّن، هذه المشكلة الكبرى الآن . ماذا تنتظر من الدنيا؟ : عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ, أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: ((بَادِرُوا بِالْأَعْمَالِ سَبْعًا؛ هَلْ تَنْتَظِرُونَ إِلَّا فَقْرًا مُنْسِيًا, أَوْ غِنًى مُطْغِيًا, أَوْ مَرَضًا مُفْسِدًا, أَوْ هَرَمًا مُفَنِّدًا, أَوْ مَوْتًا مُجْهِزًا, أو الدَّجَّالَ, والدجال فَشَرُّ غَائِبٍ يُنْتَظَرُ, أوْ السَّاعَةَ, والسَّاعَةُ أَدْهَى وَأَمَرُّ؟)) [أخرجه الترمذي والنسائي في سننهما] هل ينتظر الإنسان من المستقبل في الدنيا إلى أن يخسر بعض تجارته؟ هذا شيء واقع دائماً، أو أن يأتيه المال فيكون طاغياً به، أو يأتيه مرض يفسد عليه حياته، أو خرف وتقدُّم في السن، يصبح مخرّفاً، أو يأتيه الموت مجهزاً، أو الدجال كما تسمعون، يقتلون، ويقصفون، ويبيدون، وينهبون الثروات، وجئنا من أجل حريتكم، وجئنا من أجل أن تستمتعوا بالديمقراطية التي نستمتع بها، كلام يخرجك من جلدك، هذا الدجال .
أنواع الإنابة : 1-إنابة بالاستغفار : أيها الأخوة, أنواع الإنابة: إنابة بالاستغفار، المؤمن لا يفتأ يستغفر الله عز و جل، عن شَدَّادُ بْنُ أَوْسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ, عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((سَيِّدُ الِاسْتِغْفَارِ أَنْ يقُولَ العبد: اللَّهُمَّ أَنْتَ رَبِّي, لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ، خَلَقْتَنِي وَأَنَا عَبْدُكَ، وَأَنَا عَلَى عَهْدِكَ وَوَعْدِكَ مَا اسْتَطَعْتُ، أَعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّ مَا صَنَعْتُ، أَبُوءُ لَكَ بِنِعْمَتِكَ عَلَيَّ، وَأَبُوءُ لَكَ بِذَنْبِي, فَاغْفِرْ لِي، فَإِنَّهُ لَا يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا أَنْتَ، مَنْ قَالَهَا مِنْ النَّهَارِ مُوقِنًا بِهَا, فَمَاتَ مِنْ يَوْمِهِ قَبْلَ أَنْ يُمْسِيَ, فَهُوَ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ، وَمَنْ قَالَهَا مِنْ اللَّيْلِ وَهُوَ مُوقِنٌ بِهَا, فَمَاتَ قَبْلَ أَنْ يُصْبِحَ, فَهُوَ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ)) [أخرجه البخاري في الصحيح] هكذا يقول عليه الصلاة والسلام في الحديث الصحيح، سيد الاستغفار أن تقول هذا الدعاء . بماذا وصف الله المؤمنين في هذه الآية؟ : وقد وصف الله المؤمنين بأنهم يستغفرون: ﴿وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ﴾ [سورة آل عمران الآية: 135] مما يؤكد معنى هذه الآية: حديثُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ, عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ, أَنَّهُ قَالَ وَهُوَ عَلَى الْمِنْبَرِ: ((ارْحَمُوا تُرْحَمُوا، وَاغْفِرُوا يَغْفِرْ لَكُمْ، وَيْلٌ لِأَقْمَاعِ الْقَوْلِ، وَيْلٌ لِلْمُصِرِّينَ الَّذِينَ يُصِرُّونَ عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ)) [أخرجه أحمد في مسنده] يبدو أن أسوأ المذنبين الذي يرتكب الذنب، ويصر عليه، ويفتخر، الله عز وجل يطمئننا ويبشرنا: ﴿وَمَنْ يَعْمَلْ سُوءاً أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ اللَّهَ يَجِدِ اللَّهَ غَفُوراً رَحِيماً﴾ [سورة النساء الآية: 110] من الأحاديث التي وردت بشأن الاستغفار : وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: ((قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِنِّي لَأَسْتَغْفِرُ اللَّهَ فِي الْيَوْمِ مِائَةَ مَرَّةٍ)) [أخرجه البخاري في الصحيح, والترمذي في سننه] ومن أذكار النبي عليه الصلاة والسلام: عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ أَنَّهُ قَالَ: ((كَلِمَاتٌ لَا يَتَكَلَّمُ بِهِنَّ أَحَدٌ فِي مَجْلِسِهِ, عِنْدَ قِيَامِهِ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ إِلَّا كُفِّرَ بِهِنَّ عَنْهُ، وَلَا يَقُولُهُنَّ فِي مَجْلِسِ خَيْرٍ, وَمَجْلِسِ ذِكْرٍ إِلَّا خُتِمَ لَهُ بِهِنَّ عَلَيْهِ، كَمَا يُخْتَمُ بِالْخَاتَمِ عَلَى الصَّحِيفَةِ، سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ, لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ, أَسْتَغْفِرُكَ وَأَتُوبُ إِلَيْكَ)) [أخرجه أبو داود في سننه] ما معنى هذا الحديث؟ : الحديث الذي قد يدعو إلى الحيرة، فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: ((قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ, لَوْ لَمْ تُذْنِبُوا لَذَهَبَ اللَّهُ بِكُمْ، وَلَجَاءَ بِقَوْمٍ يُذْنِبُونَ فَيَسْتَغْفِرُونَ, فَيَغْفِرُ لَهُمْ)) [أخرجه مسلم في الصحيح] المعنى هناك: إن لم تشعروا بذنوبكم فأنتم هالكون، لو لم تذنبوا بمعنى لو لم تشعروا بذنوبكم، فالمؤمن ذنبه كالجبل، بينما المنافق ذنبه كالذباب، لا يعبأ به، هذه الإنابة الأولى، إنابة الاستغفار . 2-إنابة القلب بمعاكسة انشغال الإنسان بأحوال الدنيا ومجاهدة النفس والهوى : أوراق الشيطان كثيرة في اشغالك عن الله الإنابة الثانية: إنابة في القلب بمعاكسة انشغال الإنسان بأحوال الدنيا، أقول دائماً: الشيطان يوسوس للإنسان أن يكفر إن رآه على إيمان، يوسوس له أن يشرك إن رآه على توحيد، يوسوس له أن يبتدع إن رآه على سنة، يوسوس له بكبيرة إن رآه على طاعة، يوسوس له بصغيرة إن رآه على ورع, يوسوس له بالتحريش بين المؤمنين، عي، حوار، مشاكل، فلان يفهم، فلان لا يفهم، فلان ليست هذه نيته، ليس له همّ إلا أن ينتقد من حوله، الورقة قبل الأخيرة بيد الشيطان، أما آخر ورقة فهي المباحات، يغرق في المباحات, إلى أن ينسى الله عز وجل، هذه أوراق الشيطان . الآن إنابة القلب بمعاكسة انشغاله بأحوال الدنيا، ومجاهدة النفس والهوى، وأنا أرى أن هذه المجاهدة هي الأولى، لا تستطيع أن تجاهد أيَّ جهاد آخر قبل أن تجاهد نفسك وهواك ، إن لم تنتصر على نفسك فلا تستطيع أن تواجه نملة، جهاد النفس والهوى، ثم الجهاد الدعوي ، ثم الجهاد البنائي، ثم الجهاد القتالي إن أتيح للمسلمين . قال بعض العلماء: خير القلوب قلب رجاع إلى الله، لهاج بذكره، وذكر نعمائه وفضله، متقلل من دنياه، ومن إعمال النظر في زخارف الدنيا، هذا أفضل قلب عند الله . 3-الإنابة إلى الله بالمال : إنفاق المال في سبيل الله من الإنابة إليه الإنابة الثالثة: الإنابة إلى الله بالمال، تنيب إليه بالاستغفار، وتنيب إليه بمجاهدة النفس والهوى، وتنيب إليه بإنفاق المال: ﴿وَأَنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ﴾ [سورة البقرة الآية: 195] المعنى إن لم تنفقوا، إن لم تنفقوا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة، ويوجد معنى آخر: ﴿وَأَنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ﴾ [سورة البقرة الآية: 195] نسيتم أهلكم وأولادكم، ومن يلوذ بكم، نسيتم أن هناك حاجات أساسية لأولادك، أولادك من لهم غيرك؟ فإنفاق المال كله بشكل عشوائي أيضاً هذا نوع من الهلاك، لكن المؤمنين ينفقون في السراء والضراء، كما قال الله عز وجل . من الأحاديث التي وردت عن النبي بشأن إنفاق المال : أخرج الإمام البخاري في صحيحه, عَنْ عُقْبَةَ قَالَ: ((صَلَّيْتُ وَرَاءَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْمَدِينَةِ الْعَصْرَ, فَسَلَّمَ, ثُمَّ قَامَ مُسْرِعًا, يتَخَطَّى رِقَابَ النَّاسِ إِلَى بَعْضِ حُجَرِ نِسَائِهِ, فَفَزِعَ النَّاسُ مِنْ سُرْعَتِهِ, فَخَرَجَ عَلَيْهِمْ, فَرَأَى أَنَّهُمْ عَجِبُوا مِنْ سُرْعَتِهِ, فَقَالَ: ذَكَرْتُ شَيْئًا مِنْ تِبْرٍ عِنْدَنَا, فَكَرِهْتُ أَنْ يبيت عندنا, فَأَمَرْتُ بِقِسْمَتِهِ)) [أخرجه البخاري في الصحيح، والنسائي في سننه] وعن أَبي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: ((جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ! أَيُّ الصَّدَقَةِ أَعْظَمُ أَجْرًا؟ قَالَ: أَنْ تَصَدَّقَ وَأَنْتَ صَحِيحٌ شَحِيحٌ, تَخْشَى الْفَقْرَ وَتَأْمُلُ الْغِنَى، وَلَا تُمْهِلُ, حَتَّى إِذَا بَلَغَتْ الْحُلْقُومَ قُلْتَ: لِفُلَانٍ كَذَا، وَلِفُلَانٍ كَذَا، وَقَدْ كَانَ لِفُلَانٍ)) البطولة: أن تنفق المال وأنت في أشد الحاجة إليه، أن تنفق المال وأنت صحيح، أن تنفق المال وأنت شحيح . 4-الصبر على المحن : الصبر على المحن من الإنابة الإنابة الرابعة: الصبر على المحن، نحن في محن الآن، فالمؤمن متماسك، المؤمن واثق من حكمة الله، واثق من رحمته، مستسلم لقضائه وقدره، مع أن الأشياء صعبة جداً، لذلك قال تعالى: ﴿وَالَّذِينَ اجْتَنَبُوا الطَّاغُوتَ أَنْ يَعْبُدُوهَا وَأَنَابُوا إِلَى اللَّهِ لَهُمُ الْبُشْرَى فَبَشِّرْ عِبَادِ * الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَاهُمُ اللَّهُ وَأُولَئِكَ هُمْ أُولُو الْأَلْبَابِ﴾ [سورة الزمر الآية: 17-18] وعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: ((قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: حُفَّتْ الْجَنَّةُ بِالْمَكَارِهِ، وَحُفَّتْ النَّارُ بِالشَّهَوَاتِ)) [أخرجه مسلم في الصحيح، والترمذي في سننه] اسلك هذا الطريق : المؤمن يسيء فهمَ المعصية، المعصية محببة، المعصية أن تجلس في البيت، لا أن تأتي إلى مسجد, فيه درس علم، بيتك مريح دافئ، وفيه كل وسائل الراحة، أما في الجامع فلعله يكون أقلَّ، لكنك سلكت طريق العلم . عنْ قَيْسِ بْنِ كَثِيرٍ قَالَ: ((سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: مَنْ سَلَكَ طَرِيقًا يطلب فِيهِ عِلْمًا, سَلَكَ اللَّهُ بِهِ طَرِيقًا من طرق الْجَنَّةِ، وَإِنَّ الْمَلَائِكَةَ لَتَضَعُ أَجْنِحَتَهَا رِضَى لِطَالِبِ الْعِلْمِ)) [أخرجه أبو داود والترمذي في سننهما] لم خصصت التكاليف بالأجر الكبير؟ : أيها الأخوة, هناك تكاليف، والتكاليف تعني أشياء ذات كلفة، غض البصر فيه جهد، أداء الصلوات فيه جهد، ضبط اللسان فيه جهد، الاستيقاظ إلى الصلاة فيه جهد، فالتكاليف تعاكس طبيعة الجسد، وهي ذات كلفة، لذلك لها أجر كبير، يجمعها قوله تعالى: ﴿فَأَمَّا مَنْ طَغَى * وَآَثَرَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا * فَإِنَّ الْجَحِيمَ هِيَ الْمَأْوَى * وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى * فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى﴾ [سورة النازعات الآية: 37-41] من علامة الإيمان : هناك قول لبعض العلماء: لن تفقه كل الفقه, حتى تمقت الناس في ذات الله، ثم ترجع إلى نفسك فتكون أشد لها مقتاً . تجد أناساً يكذبون, ويمزحون مزاحاً ساقطاً، ويختلطون مع نساء لا يحللن لهم، ويحتالون، ويتلطفون، يقيمون حفلات جميلة، فأنت منسجم مع الجماعة، مرتاح تماماً، ما دام منسجمًا مع هذا المستوى, فأنت بعيد عن الإيمان، أما حينما يغضبك كذبهم ونفاقهم، حينما تغضبك شهواتهم المحرمة التي يأتونها، حينما يغضبك احتيالهم، حينما يغضبك كسب أموالهم بالحرام، حينما تشعر بغربة، حينما تمقت العصاة في ذات الله, فأنت مؤمن، أما إذا كنت منسجمًا معهم, الناس كلهم خير وبركة، الحمد لله كل الناس جيدون، يرى بعينيه انحرافهم, وكذبهم, ونفاقهم, وشركهم, وتملقهم، فأنت إن لم تمقتهم, معنى ذلك أنت منهم، علامة إيمانك بآخر الزمان: إحساسك بالغربة، لا تركن إلا لمؤمن صادق، ليس فيه كذب، مؤمن ورع، عفيف، أمين، ترتاح له، أما إذا كنت مرتاحاً لكل الناس على فسقهم, وفجورهم, ونفاقهم, وكذبهم, فهذه علامة خطيرة ليست في صالحك . هناك قول لبعض العلماء: لن تفقه كل الفقه, حتى تمقت الناس في ذات الله، ثم ترجع إلى نفسك فتكون أشد لها مقتاً . نقطة دقيقة : قال بعض العلماء: الخروج من التبعات, والتوجع للعثرات، واستدراك الفائتات، والخلاص من لذة الذنب، وترك الاستهانة بأهل الغفلة تخوفاً عليهم مع الرجاء لنفسك . النقطة دقيقة جداً: أن تخشى على الناس، ولا تخشى على نفسك، قال لي واحد: سوف أعتمر، وأهبها للنبي، قلت له: انفد بريشك أنت، هو مغفور له كل ذنبه، مبشر بالجنة، فسوف يقدم للنبي هدية عمرة، لم ترد هذه في السنة إطلاقاً، يتوجع على الناس، وهو غارق في أخطائه . 5- إنابة إلى الله بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر : الفريضة السادسة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من الإنابة أيضاً: إنابة إلى الله بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، هذه سماها العلماء الفريضة السادسة، وهي في القرآن الكريم من علة خيرية هذه الأمة، فإن لم تأمر بالمعروف ولم تنه عن المنكر فقدت خيريتها، وأصبحت كأيّ أمة خلقها الله، قال تعالى: ﴿كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ﴾ [سورة النساء الآية: 59] فإن لم نأمر بالمعروف ولم ننه عن المنكر فقدنا خيريتنا، لذلك: أهلَك الله بني إسرائيل لأنهم كانوا لا يتناهون عن منكر فعلوه، لا تجامل أحداً، يجب ألاّ تأخذك في الله لومة لائم، من أعان ظالماً سلطه الله عليه، من أعان ظالماً، ولو بشطر كلمة, سلطه الله عليه . قال تعالى: ﴿فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ أَنْجَيْنَا الَّذِينَ يَنْهَوْنَ عَنِ السُّوءِ وَأَخَذْنَا الَّذِينَ ظَلَمُوا بِعَذَابٍ بَئِيسٍ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ﴾ [سورة الأعراف الآية: 165] ﴿وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ﴾ [سورة آل عمران الآية: 104] هذا ما قاله النبي عليه الصلاة والسلام : يقول عليه الصلاة والسلام: ((والذي نفسي بيده, لتأمرن بالمعروف ولتنهون عن المنكر, أو ليوشكن الله أن يبعث عليكم عقاباً منه، ثم تدعونه فلا يستجاب لكم)) [أخرجه الترمذي في سننه] بربكم, هذه الثياب التي تصف أعضاء المرأة، هذه الفتاة أليس لها أب، وعم، وأخ، وخال؟ كلهم مسلمون، لا يوجد أحد ينهاها عما تفعل؟ هذا أقرب شيء إلينا، هؤلاء الفتيات في الطرقات بنات من؟ بنات المسلمين، تكون أمها إلى جنبها محجبة حجاباً كاملاً، كيف رضيت من ابنتها أن تخرج هكذا؟ كيف رضي أبوها؟ كيف رضي أخوها، عمها، خالها؟ . هذا الذي يقول عنه النبي عليه الصلاة والسلام: ((والذي نفسي بيده, لتأمرن بالمعروف ولتنهون عن المنكر, أو ليوشكن الله أن يبعث عليكم عقاباً منه، ثم تدعونه فلا يستجاب لكم)) الآن في حرب العراق, أنا فيما أعلم: أنّ مساجد العالم الإسلامي بأكملها في كل الصلوات قنتت، وقالت: اللهم دمر أعداء المسلمين، اللهم شتت شملهم، اللهم اجعل بأسهم بينهم ، اللهم اجعل تدميرهم في تدبيرهم، الله ما استجاب، لأن المسلمين لم يتناهوا عن منكر فعلوه. حديث دقيق : يقول عليه الصلاة والسلام في حديث دقيق جداً، ونحن في أمس الحاجة إليه: ((يحمل هذا العلم من كل خلف عدوله, ينفون عنه تحريف الغالين، وتأويل الجاهلين, وانتحال المبطلين)) [أخرجه البزار في مسنده] الراوي:إبراهيم بن عبدالرحمن العذري المحدث:الألباني المصدر:تخريج مشكاة المصابيح الجزء أو الصفحة:239 حكم المحدث:مرسل، لكن روي موصولا من طريق جماعة من الصحابة، وصحح بعض طرقه الحافظ العلائي
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ, عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: ((إِنَّ اللَّهَ يَبْعَثُ لِهَذِهِ الْأُمَّةِ عَلَى رَأْسِ كُلِّ مِائَةِ سَنَةٍ مَنْ يُجَدِّدُ لَهَا دِينَهَا)) [أخرجه أبو داود في سننه] من هم القرون الذين شهد النبي لهم بالخيرية؟ : قال عبد الله بن مسعود: من كان مستناً فليستن بمن قد مات، فإن الحي لا تؤمن عليه الفتنة . أولئك أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم, كانوا أفضل هذه الأمة، وأبرّها قلوباً، وأعمقها علماً، وأقلها تكلفاً، اختارهم الله لصحبة نبيه، ولإقامة دينه، فاعرفوا لهم فضلهم، واتبعوهم على آثارهم . لذلك: ((إن الله اختارني, واختار لي أصحابي)) هؤلاء شهد لهم النبي بالخيرية، وهم القرون الثلاثة الأولى . عَنْ عِمْرَان بْنَ حُصَيْنٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ: ((قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: خَيْرُ الناس قَرْنِي، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ، ثم إِنَّ بَعْدَهم قَوْمًا يَشْهَدُونَ وَلَا يُسْتَشْهَدُونَ، وَيَنْذِرُونَ وَلَا يَوفُونَ، وَيَظْهَرُ فِيهِمْ السِّمَنُ)) [أخرجه البخاري ومسلم في الصحيح, وأبو داود والترمذي والنسائي في سننهم] 6- الإنابة إلى الله عند الشعور بدنوِّ الأجل الإنابة عند الشعور بدنو الأجل الإنابة إلى الله عند الشعور بدنوِّ الأجل، فيرضى المؤمن عن الله، وعن قضائه، ويستسلم لأمره. عَنْ أَنَسٍ: أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَخَلَ عَلَى شَابٍّ وَهُوَ فِي الْمَوْتِ, فَقَالَ: ((كَيْفَ تَجِدُكَ؟ قَالَ: وَاللَّهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ إنِّي أَرْجُو اللَّهَ، وَإِنِّي أَخَافُ ذُنُوبِي، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لَا يَجْتَمِعَانِ فِي قَلْبِ عَبْدٍ فِي مِثْلِ هَذَا الْمَوْطِنِ, إِلَّا أَعْطَاهُ اللَّهُ مَا يَرْجُو، وَآمَنَهُ مِمَّا يَخَافُ)) [أخرجه الترمذي في سننه] بماذا ينهانا النبي في هذا الحديث؟ : عَنْ أُمِّ الْفَضْلِ: أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَخَلَ عَلَى الْعَبَّاسِ، وَهُوَ يَشْتَكِي، فَتَمَنَّى الْمَوْتَ، فَقَالَ: ((يَا عَبَّاسُ، يَا عَمَّ رَسُولِ اللَّهِ، لَا تَتَمَنَّ الْمَوْتَ، إِنْ كُنْتَ مُحْسِنًا تَزْدَادُ إِحْسَانًا إِلَى إِحْسَانِكَ خَيْرٌ لَكَ، وَإِنْ كُنْتَ مُسِيئًا فَإِنْ تُؤَخَّرْ تَسْتَعْتِبْ خَيْرٌ لَكَ، فَلَا تَتَمَنَّ الْمَوْتَ)) ينهى النبي عليه الصلاة والسلام عن تمني الموت . خلاصة القول : أيها الأخوة, هذه مرتبة من مراتب التوحيد، أن تنيب إلى الله؛ إما بالاستغفار، وإما بمجاهدة النفس والهوى، وإما بإنفاق المال، وإما بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وإما بالاستعداد للموت، هذه أنواع الإنابة إلى الله عز وجل . أختم هذا الدرس بالفكرة التي أحرص عليها حرصاً شديداً: ليس علم العقيدة أنك تعتقد ما ينبغي أن تعتقد، ينبغي أن تعتقد ما ينبغي أن تعتقد، وأن تكون على ما ينبغي أن تكون، فالإنابة من لوازم التوحيد، والاستغفار من لوازم التوحيد . في درس قادم إن شاء الله, نتحدث عن التوبة لأنها من لوازم التوحيد . والحمد لله رب العالمين
| |
| | | Admin Admin
المساهمات : 4240 تاريخ التسجيل : 20/01/2018
| موضوع: رد: عقيدة من مفهوم القران والسنة -مستلزمات التوحيد الجمعة مارس 02, 2018 8:00 am | |
| العقيدة من مفهوم القران والسنة - الدرس ( 16) : مستلزمات التوحيد -3 - التوبة من لوازم سلامة العقيدة أن تكون تائباً إلى الله : التوبة سبيل الخلاص أيها الأخوة الكرام, مع درس من دروس العقيدة الإسلامية، ولعلكم لاحظتم أن مفهومات العقيدة الصحيحة: أنه ما ينبغي أن تعتقد، وما ينبغي أن تقول، وليس علم العقيدة هو ما ينبغي أن تعتقد، علم العقيدة ما ينبغي أن تعتقد، وما ينبغي أن تقول، فمن لوازم سلامة العقيدة: أن تكون تائباً إلى الله عز وجل . الحقيقة: أن التوبة حبل النجاة، التوبة صمام الأمان، التوبة سبيل الخلاص، التوبة هي علاج الضعف البشري، الإنسان ركب من شهوة وعقل، إن غلبت عليه شهوته, فالعلاج هو التوبة، تصوروا أن ديناً ليس فيه توبة, ما الذي يحصل؟ بأقل ذنب يفجر الإنسان، ما مادام باب التوبة مغلقاً, فلابد من متابعة المعصية . حينما يقول الله عز وجل: ﴿قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً﴾ [سورة الزمر الآية: 53] معنى ذلك: أن التوبة صمام الأمان، والتوبة حبل النجاة، أو قارب النجاة . أيها الأخوة الكرام, لكن الله عز وجل يقول: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَصُوحاً﴾ [سورة التحريم الآية: 8] أجمل ما في هذه الآية: أن التوبة النصوح تنصح بها نفسك، وأعظم نصيحة تقدمها إلى نفسك: أن تتوب من الذنوب قبل فوات الأوان . مراحل التوبة : 1-علم وحال : التوبة تبدأ بمعرفة منهج الله التوبة في الحقيقة: علم وحال وعمل، فيها جانب معرفي، وفيها جانب سلوكي، وفيها جانب نفسي، فأنت مثلاً: لا يمكن أن تعالج نفسك من ضغط مرتفع, إلا إذا علمت أن معك ضغطًا مرتفعًا، لا يمكن أن تتوب من ذنب, لا تعرف أنه ذنب، ربما تتوهمه عملاً صالحاً، إذاً: تبدأ التوبة من طلب العلم، ما لم تطلب العلم فلن تتوب، لأن الغارق في المعاصي إن سألته: ما هذه المعاصي؟ يقول: أيّ معاص؟ إنسان تاب الله عليه، وكان في حقل لا يتناسب مع الدين, التقى بإنسان من أرباب هذا الحقل، قال له: لماذا تبت؟ وماذا فعلت حتى تتوب؟ . فالتوبة لا تبدأ إلا من معرفة الله، ومعرفة منهج الله، فقبل أن تطلب العلم لا تطمع أن تتوب، لأن الأمور عندك مختلطة، القسم الحرام تظنه حلالاً، والفكرة التي تتناقض مع وحي الله, تظنها من الدين . هناك قصص كثيرة جداً, تشير إلى أن الإنسان إن لم يطلب العلم, يتوهم أن أخطاءه أشياء مألوفة، يفعلها كل الناس، وليس فيها معصية، إذاً: التوبة علم، علم يتبعه حال، التوبة ندم. الندم يستوجب علماً، ويعقبه عمل، فكأن ضربة النبي عليه الصلاة والسلام كما يقال: ضربة معلم، التوبة ندم؛ يسبقه علم، ويتبعه عمل . 2-الندم : التوبة ندم على الذنب الآن كي أوضح هذه الحقيقة: أنت أمام إنسان في بستان, رأى أفعى، ما الذي يحصل ؟ أول شيء بحلق بها، فإذا هي أفعى، فاضطرب الحال، فولى هارباً، أو قتلها، وهذا قانون، علاقة الإنسان بالمحيط الخارجي؛ إدراك، انفعال، سلوك، ولا يمكن أن يكون الإدراك من دون انفعال، ولا يمكن أن يكون الانفعال من دون سلوك . تعرف أنك متلبس بمعصية كبيرة، تعرف أن هذه المعصية حجاب بينك وبين الله، تعرف أن هذه المعصية قد تقودك إلى الهلاك، تندم أشد الندم، تتألم، تضطرب، تخاف، تعقد العزم على أن تقلع عن هذا الذنب، وألاّ تعود إليه أبداً، وأن تصلح ما مضى . 3-عمل : التوبة تستوجب أداء حقوق البشر التي عليك المرحلة الثالثة التي هي عمل؛ فيها عزيمة، وفيها إقلاع، وفيها إصلاح، الإقلاع فورًا ، والعزيمة مستقبلاً، والإصلاح إذا كان موضوع التوبة متعلقاً بحق من حقوق البشر، والآية التي عدها العلماء أرجى آية في القرآن الكريم: ﴿قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً﴾ [سورة الزمر الآية: 53] أيها الأخوة الكرام, أحياناً تختلط الأوراق، الله عز وجل غفور رحيم، وقد يغيب عن هذا الذي يقول: إن الله غفور رحيم؛ أنه شديد العقاب، وأرجى آية في القرآن الكريم لو تابعتها: ﴿قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ * وَأَنِيبُوا إِلَى رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ ثُمَّ لَا تُنْصَرُونَ * وَاتَّبِعُوا أَحْسَنَ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ بَغْتَةً وَأَنْتُمْ لَا تَشْعُرُونَ﴾ [سورة الزمر الآية: 53-55] أرجى آية في القرآن الكريم في نهايتها: إن لم تتب, فالعذاب آت لا محالة . الخطير أن تتحول الذنوب إلى عادات مرة قال طبيب لمريض كلمة رائعة, قال له: معك مشكلة في القلب، إن تلافيتها فهي صغيرة، وإن أهملتها فهي كبيرة، كلام جميل، والذنب أحياناً: إن أردت أن تتوب منه, فالقضية سهلة جداً، وإن أهملته, فهذا الذنب قد ينقلب إلى عادة، ومن أصعب الأشياء: أن يتخلى الإنسان عن عاداته، أنت تبدأ بخاطرة، بفكرة، بهمٍّ، بإرادة، بفعل، بعادة، هذا الذي قاله الله عز وجل: ﴿فَطَالَ عَلَيْهِمُ الْأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فَاسِقُونَ﴾ [سورة الحديد الآية: 16] من هنا: أدق معنى نحتاجه في هذا الدرس قوله تعالى: ﴿ثُمَّ يَتُوبُونَ مِنْ قَرِيبٍ﴾ [سورة النساء الآية: 17] لا تجعل مسافة طويلة بين ارتكاب الذنب -لا سمح الله- وبين التوبة منه، هذه المسافة الطويلة تجعلك تألف الذنب، وهذه المسافة الطويلة تجعلك تظن أنه ليس بذنب، لأنك ألفته . حدثني أخ ذهب إلى بلاد بعيدة في الغرب، قال لي: المعاصي والآثام التي نعرفها في بلادنا, أنه معاص وآثام كبيرة جداً, هناك هينة جداً على الناس لكثرة ألفتها . في اللغة أداة توكيد، قال تعالى: ﴿قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً﴾ [سورة الزمر الآية: 53] فما من ذنب لا يغفر، ولكن هناك أسباب للمغفرة، القصة المألوفة: أن الذي قتل تسعة وتسعين رجلاً، ثم جاء ليتوب، سأل راهباً قليل العلم بحقائق النفس، وبأسماء الله، فقال له: هل لي من توبة؟ فقال له: لا، فكمّل به المئة، أما الثاني فقال له: لك توبة، على أن تغادر هذه الأرض . سؤال خطير : الآن سأجيب عن أخطر سؤال يطرح، أنا هذا السؤال تواتر كثيراً علي، أنه يُقترف ذنب، ثم يتوب الإنسان منه، ثم يعود، ثم يتوب، ثم يعود، ثم يتوب، يقول لي: إلى متى؟ لأنك ما دمت تعيش في أجواء تدعوك إلى المعصية, فلا بد من أن تعصي، لأنك تغافلت عن قوله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ﴾ [سورة التوبة الآية: 119] وتغافلت عن قوله تعالى: ﴿وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلَا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا﴾ [سورة الكهف الآية: 28] ابحث عن البيئة التي أنت فيها . الطيور على اشكالها تقع أنا أقول لكم دائماً أيها الأخوة: عش مع المترفين تتمنَّ الترف، عش مع الساقطين تشتهِ السقوط, عش مع أهل الشهوات ترَ أن الشهوات شيء ممتع جداً، عش مع طلاب العلم ترَ أن طلاب العلم حققوا نجاحاً كبيراً، قل لي من تصاحب, أقل لك: من أنت؟ لذلك: موضوع الحمية الاجتماعية, الإسلام ركز عليه كثيراً، قال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَتَوَلَّوْا قَوْماً غَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ﴾ [سورة الممتحنة الآية: 13] ﴿وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ﴾ [سورة المائدة الآية: 51] أنا لا أرى طالب علم تفوق إلا مع حمية اجتماعية، أما أن يصاحب أي إنسان، فأي إنسان يتكلم كما يشتهي، قد ينطق بالمعصية، قد ينطق بالشهوات، قد يزين لك الشهوات، وهذا الذي يزين لك المعصية, يقوم بدور الشيطان تماماً، قال تعالى: ﴿فَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ﴾ [سورة النحل الآية: 63] يمكن أن نلخص موضوع التوبة: أنه قبل كل شيء طلب علم، فما لم تطلب العلم, فلا تستطيع أن تتوب . من عشر سنوات تقريباً, استوقفني بجريدة يومية خبر، أن سائق سيارة استوقفته امرأة، فلما سألها: إلى أين ذاهبة؟ قالت له: إلى حيث تريد، ففهم، وعدّ هذه غنيمةً كبيرة، وبعد أن قضى ما يتمناه منها, أعطته ظرفين؛ الظرف الأول فيه خمسة آلاف دولار، والظرف الثاني فيه رسالة مكتوب فيها: مرحباً بك في نادي الإيدز، والمبلغ مزور، فأودِع في السجن، السجن والرسالة جعلته في نادي الإيدز . تعليقي على هذه القصة: أن هذا الإنسان لو حضر مجلس علم ما كان بهذه الحالة، ولركل هذه المرأة بقدمه حينما قالت له: خذني حيث تريد . أول خطبة خطبتها في هذا المسجد, أذكر في عام أربعة وسبعين، استوقفني أخ كريم ، وقال لي وهو يبكي، عمره في الستين، بكاؤه لفت نظري، قلت: خيرًا؟ قال: زوجتي تخونني من سنتين، ولي منها خمسة أولاد، قلت له: مع من؟ قال: مع الجار، قلت له: كيف عرفها الجار؟ قال: أنا السبب، كنت مرة في سهرة أنا وإياها, فجاء جارنا، فدعوتها أن تكون معنا، قال لها: إنه مثل أخيكِ، فجلست، فقلت له: لو أنك حضرت درس علم واحدًا, لما دعوتها إلى أن تجلس معك, فلذلك: الاختلاط, والغفلة, والبعد الطويل عن البيت, أسباب للانحراف، أنت حينما تطلب العلم تطلب السلامة، تطلب السعادة، الحمد لله, قلما تجد مؤمنًا طالب علم وقع في ورطة كبيرة . إذاً: أن يطلب العلم، وأن يندم، وإذا ما ندم, معنى ذلك: أن طلبه للعلم ليس صحيحاً، حينما ترى ثعباناً مخيفاً ولا تخاف منه, فهناك خلل في إدراكك، ومشكلة كبيرة، المؤمن يخاف من الله . لم يقع الناس في الحرام؟ : الحلال بين والحرام بين يا أيها الأخوة الكرام, أنا متأكد أن الحلال بيّن والحرام بيّن، ولكن السؤال: لمَ يقع الناس في الحرام؟ لأن صحبتهم سيئة، بيئتهم فاسدة، من حولهم ليسوا على ما ينبغي، لذلك في آخر الزمان قال تعالى: ﴿فَأْوُوا إِلَى الْكَهْفِ يَنْشُرْ لَكُمْ رَبُّكُمْ مِنْ رَحْمَتِهِ وَيُهَيِّئْ لَكُمْ مِنْ أَمْرِكُمْ مِرفَقاً﴾ [سورة الكهف الآية: 16] العلماء يقولون: من الوسيلة التي أمرنا بها صحبة الصالحين، قال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَابْتَغُوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ﴾ [سورة المائدة الآية: 35] الوسيلة من معانيها صحبة الصالحين . لا تسوف في التوبة : قال تعالى: ﴿فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّاراً * يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَاراً * وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَاراً * مَا لَكُمْ لَا تَرْجُونَ لِلَّهِ وَقَاراً﴾ [سورة نوح الآية: 10-13] كلما وقرت ربك أكثر, خفت أن تعصيه أكثر، وكأن هناك علاقة بين الخشية والتوبة، والله أعلم هناك مداخل للشيطان لا تعد ولا تحصى، الإنسان إذا استمر في الذنب, يستمرىء متابعة الذنب، وقعت، غداً تتوب، ومن يدري أنك تصل إلى الغد؟ معظم الناس يقول لك: أنا الآن شاب، غداً حينما أتقدم في السن, أتوب إلى الله، وأحج بيت الله الحرام، وأتوب، كم من إنسان لم يستطع أن يصل إلى ما يسمو إليه؟ الموت يأتي بغتةً، والقلب صندوق العمل، من أخطر المشاعر أو من أخطر الأوهام: أن تتوهم أن الوقت طويل، الوقت يمضي سريعاً . أنا حينما كنت أذكر لكم كثيراً, رجلاً جلست معه ساعة, حدثني فيها عن عشرين سنة قادمة عن خططه، وفي المساء قرأت نعيه على الجدران . حينما تعلم أن الله سبحانه وتعالى يحب التائبين، حينما تعلم أن الله سبحانه وتعالى يريد أن يتوب علينا، حينما تعلم أن الله سبحانه وتعالى أشد فرحًا بتوبة عبده من الضال الواجد، والعقيم الوالد، والظمآن الوارد، لا شك أن التوبة تغدو إحدى أهم وسائل النجاة من عذاب الله عز وجل . التوبة تجلب الراحة: سبحانك يا رب، الإنسان إذا تاب, من كرم الله عز وجل: أنه يلقي في روعه أنه قبل توبته، يشعر براحة كبيرة جداً . أيها الأخوة الكرام, إن الراحة التي يشعر بها التائبون من الصعب أن توصف، والله كأن جبالاً أزيحت عن صدره، كأن كابوساً تحرر منه، كأن ضيقاً خرج منه إلى فضاء الله عز وجل، فالتائب يكون الله معه . أنا أقول دائماً: الذي يشدك إلى الدين, ليس لأن الدين قدم لك تصورًا صحيحًا للكون والحياة والإنسان، الفكر في الدين رائع، والدين يعطيك تصورًا متناسبًا منسجمًا، فكل شيء في الدين له تفسير، أما لو جلست مع أهل الدنيا فيوجد تفوق بجانب، لكن يوجد خلل بجانب آخر، ويوجد أحياناً تناقض فيما يتصورونه، لكن منهج الله عز وجل، والعقيدة التي تستشف من كتاب الله وسنة نبيه, تؤكد أن هناك تناسقًا بين مخلوقات الله، أما من دون إيمان بالله ينشأ تناقض، وتتفجر أسئلة ليس لها جواب . الشيء الثاني: أن الله سبحانه وتعالى أشد فرحًا بتوبة عبده من الضال الواجد، أحياناً عندك وصل لخمسمئة ألف ليرة، وقال لك المدين: أين الوصل حتى أعطيك المبلغ؟ فإن لم تأت بالوصل, فلا شيء لك عندي، حينما تعثر عليه, يكون فرحك أشد من الضال الواجد، والعقيم الوالد، والظمآن الوارد . كتوجيه: أنت حينما -لا سمح الله ولا قدر- تقع في الذنب مرة ثانية, تشعر أن التوبة أصعب، لكن ما الذي يسهلها؟ أن تعمل عملاً صالحاً يرمم هذا الذنب، لقوله تعالى: ﴿إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ﴾ [سورة هود الآية: 114] وعَنْ مُعَاذٍ, أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ, قَالَ لَهُ: ((يَا مُعَاذُ، أَتْبِعْ السَّيِّئَةَ بِالْحَسَنَةِ تَمْحُهَا، وَخَالِقْ النَّاسَ بِخُلُقٍ حَسَنٍ)) فلذلك: إذا وقع الإنسان في الذنب مرة ثانية, فعليه أن يضيف إلى التوبة الصدقة، فإن كان لا يملك مالاً, فعليه أن يضيف إلى التوبة الصيام، لا بد من شيء يرمم هذه السقطة الثانية. علامات العزم على ترك الذنب : لابد أن تجد فرقا بعد التوبة أيها الأخوة الكرام, العزيمة الصادقة، أو العزم على ترك الذنب له علامات، من هذه العلامات: الشيء الأول: أن يكون المرء بعد التوبة خيراً مما كان عليه قبلها، أي أن يجد هناك فرقًا واضحًا جداً بين حاله بعد التوبة وحاله قبل التوبة . الشيء الثاني: أن يبقى الخوف مصاحباً للإنسان، الخوف علامة تعظيم الله عز وجل. وقد قال عليه الصلاة والسلام: ((رأس الحكمة مخافة الله)) الراوي:عبدالله بن مسعود المحدث:الألباني المصدر:ضعيف الجامع الجزء أو الصفحة:3066 حكم المحدث:ضعيف
فالخوف يصاحب التائب، لعل الله قبله، أو لعل في التوبة خللاً, يدعو إلى عدم قبوله، فهذا القلق قلق مقدس . الشيء الثالث: أن يظهر أثر هذا العزم بالتواضع بين المؤمنين والانكسار والخشوع . أنا حينما أقول: تواضع، انكسار، خشوع، أعني به بين المؤمنين، لأن المؤمنين يقدِّرون هذه المشاعر، بينما عند أهل الدنيا ينبغي أن تظهر قوة، وأن تظهر عزة . ورد هذا من قول النبي عليه الصلاة والسلام, حينما وجد صحابياً كريماً, يتبختر في مشيته قبيل المعركة، فقال عليه الصلاة والسلام: ((إن هذه المشية يكرهها الله ورسوله إلا في هذا الموطن)) إذا كان هناك ذنوب تعلق بها حقوق العباد, فهذه الذنوب لا تغفر إلا أن تؤدى الحقوق ، وأكبر وهمٍ يتوهمه المسلمون: أنهم إذا حجوا بيت الله الحرام، أو جاء رمضان وصاموه, وقاموا ليله إيماناً واحتساباً, تغفر لهم كل الذنوب، نقول: تغفر لهم كل الذنوب التي كانت بين العبد وربه، أما التي بين العباد: فهذه لا تغفر إلا بالأداء أو المسامحة . كن في مجتمع المؤمنين ولا تكن في غيره : كن مع المؤمنين كي يعينوك على الطاعة حينما قال الله عز وجل: ﴿إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ قَالُوا فِيمَ كُنْتُمْ قَالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الْأَرْضِ قَالُوا أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُوا فِيهَا فَأُولَئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَسَاءَتْ مَصِيراً﴾ [سورة النساء الآية: 97] هذه البيئة، فإذا كان الإنسان في أرض، أو كان في مجتمع، أو كان في بيئة, حالت بينه وبين عبادة الله, فينبغي أن يغادر، فإن لم يغادر, فأولئك مأواهم جهنم وساءت مصيراً، إذاً: لعل في التوبة خللاً، ولعل أخطر شيء في التوبة: أن تكون بين المؤمنين، فمجتمع الإيمان يعينك على الطاعة، بينما مجتمع آخر قد يدعوك إلى الطاعة . من آثار الصحبة الفاسدة : شارب خمر ذهب إلى بيت الله الحرام، وتاب توبةً نصوحًا، وعاد إلى بلده، فتابع السهر مع أصدقائه الشاربين، بعد أسبوعين أو ثلاثة, قال له أحدهم: اشرب، قال: أنا تبت إلى الله، وحججت بيت الله الحرام، قال له: كم كلفتك الحجة؟ قال له: مئة ألف، قال: هذه مئة ألف، فشرب . هناك إنسان آخر عنده مطعم يبيع الخمر، أيضاً حج بيت الله الحرام، وتاب توبة نصوحًا، فلما عاد, وجد الغلة إلى العشُر، أصدقاؤه المتفلتون عنّفوه على توبته، فعاد إلى بيع الخمر، وبعد اثني عشر يوماً توفاه الله، توفاه الله وهو يبيع الخمر، فالصحبة الفاسدة تحول بينك وبين التوبة . ذنب المنافق أهون عليه من قتل ذبابة أيها الإخوة, أمّا حديثُ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: ((قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ, لَوْ لَمْ تُذْنِبُوا لَذَهَبَ اللَّهُ بِكُمْ، وَلَجَاءَ بِقَوْمٍ يُذْنِبُونَ, فَيَسْتَغْفِرُونَ اللَّهَ فَيَغْفِرُ لَهُمْ)) [أخرجه مسلم في الصحيح] فهذا الحديث إذا أخذ على ظاهره فهناك مشكلة كبيرة، كأن الحديث يشير إلى أن المؤمن من صفاته أنه يشعر بذنبه، وذنبه كالجبل الجاثم على صدره، وذنب المنافق كالذبابة، لَوْ لَمْ تُذْنِبُوا؛ أي إن لم تشعروا بذنوبكم لذهب الله بكم، ففي حالة موت القلب لا يشعر الإنسان بالذنب، وعلامة صحوة الإنسان وحياة القلب أنه يشعر بذنبه . خاتمة القول : أيها الأخوة الكرام, لا شك أن موضوع التوبة عولج بشكل مفصل جداً في دروس كثيرة، وفي خطب، وفي دروس مدارج السالكين، لكن هنا يقتضي درس العقيدة: أن نؤكد أن العقيدة الصحيحة ليست فيما ينبغي أن تعتقد، بل يضاف إلى ذلك فيما ينبغي أن تكون، فالذي لا يتوب, ففي عقيدته خلل، والذي لا يراقب نفسه, في عقيدته خلل === المراقبة والاستقامة من لوازم الإيمان بالله وتوحيده : 1-أن تراقبه : أيها الأخوة الكرام, مع درس من دروس العقيدة الإسلامية، والموضوع اليوم: من لوازم الإيمان بالله وتوحيده أن تراقبه، ومقام المراقبة مقام واضح جداً عند المؤمنين، وألح وأكرر: أن دروس العقيدة ليست أن تعلم ما ينبغي أن نعتقد، ولكن أن تعلم ما ينبغي أن نعتقد، وما ينبغي أن تكون عليه بناءً على هذه العقيدة، جانب ينبغي أن تعتقده، وجانب ينبغي أن تكون عليه، وحينما أهمل الجانب الثاني في دروس العقيدة, فإني أهمل بذلك شطر الإيمان، ينبغي أن تقول: الله واحد، وينبغي أن تتجه إليه وحده . المراقبة في الحقيقة مقام كبير، أن تراقب الله، بل إن النبي عليه الصلاة والسلام جعله أعلى مقام، سماه مقام الإحسان . ((أن تعبد الله كأنك تراه، فإن لم تكن تراه فإنه يراك)) [أخرجه مسلم في الصحيح, وأبو داود والترمذي والنسائي في سننهم] ماذا نستنبط من هذا الحديث؟ : أيها الأخوة الكرام, يقول عليه الصلاة والسلام يخاطب أحد أصحابه، وهو عبد الله بن عباس، فعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: ((كُنْتُ خَلْفَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمًا, فَقَالَ: يَا غُلَامُ, إِنِّي أُعَلِّمُكَ كَلِمَاتٍ؛ احْفَظْ اللَّهَ يَحْفَظْكَ، احْفَظْ اللَّهَ تَجِدْهُ تُجَاهَكَ، إِذَا سَأَلْتَ فَاسْأَلْ اللَّهَ، وَإِذَا اسْتَعَنْتَ فَاسْتَعِنْ بِاللَّهِ، وَاعْلَمْ أَنَّ الْأُمَّةَ لَوْ اجْتَمَعَتْ عَلَى أَنْ يَنْفَعُوكَ بِشَيْءٍ, لَمْ يَنْفَعُوكَ إِلَّا بِشَيْءٍ قَدْ كَتَبَهُ اللَّهُ لَكَ، وَلَوْ اجْتَمَعُوا عَلَى أَنْ يَضُرُّوكَ بِشَيْءٍ, لَمْ يَضُرُّوكَ إِلَّا بِشَيْءٍ قَدْ كَتَبَهُ اللَّهُ عَلَيْكَ، رُفِعَتْ الْأَقْلَامُ وَجَفَّتْ الصُّحُفُ)) أي أن الأمر كله بيد الله، وما تعلمت العبيد أفضل من التوحيد . من أنواع المراقبة : 1-مراقبة القلب : راقب قلبك فهو بحاجة لتنظيف دائم الشيء الأول: أن تراقب قلبك، سيدنا عمر قال: تعهد قلبك، القلب بيت الرب . عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ, أن رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: ((إِنَّ اللَّهَ لَا يَنْظُرُ إِلَى صُوَرِكُمْ وَأَمْوَالِكُمْ، وَلَكِنْ يَنْظُرُ إِلَى قُلُوبِكُمْ وَأَعْمَالِكُمْ)) [أخرجه مسلم في الصحيح] البيت منظر الرب، طهرت منظر الخلق سنين، تعتني ببيتك وغرفة الضيوف، تعتني بثيابك، بمركبتك، تعتني بمدخل بيتك، تعتني بمكتبك التجاري، أفلا طهرت منظري ساعة؟ . لذلك: هناك من المقصرين من يكون الله أهون الناظرين إليه، يستحي من صديق، يستحي من أستاذ، يستحي من قريب محتم، ولا يستحي من الله . لذلك المراقبة درجات وأنواع، لكن أبرزها: أن تراقب قلبك، هل يحب غير الله؟ هل يعتمد على غير الله؟ هل يرجو غير الله؟ هل يخاف من غير الله؟ هل يتوكل على غير الله؟ مراقبة القلب . ((احْفَظْ اللَّهَ تَجِدْهُ تُجَاهَكَ، إِذَا سَأَلْتَ فَاسْأَلْ اللَّهَ، وَإِذَا اسْتَعَنْتَ فَاسْتَعِنْ بِاللَّهِ)) 2- مراقبة اللسان : تذوق كلامك قبل النطق به أيها الأخوة الكرام, البند الثاني: مراقبة اللسان، القلب ساكت، هناك خواطر لا ترضي الله، وهناك خواطر فيها معاص، وخواطر فيها حقد، وخواطر فيها حسد، وخواطر بها تشفٍّ، وخواطر فيها قيد، راقب قلبك، إذا أحسنت مراقبة قلبك راقب لسانك، قال: ﴿إِنَّ اللَّهَ لَا يَخْفَى عَلَيْهِ شَيْءٌ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي السَّمَاءِ﴾ [ سورة آل عمران الآية: 5] عَنْ بلالِ بْنِ الْحَارِثِ الْمُزَنِيَّ, صَاحِبَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ, أنه سمع النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: ((إِنَّ أَحَدَكُمْ لَيَتَكَلَّمُ بِالْكَلِمَةِ مِنْ رِضْوَانِ اللَّهِ, ومَا يَظُنُّ أَنْ تَبْلُغَ مَا بَلَغَتْ, فَيَكْتُبُ اللَّهُ لَهُ بِهَا رِضْوَانَهُ إِلَى يَوْمِ يَلْقَاهُ، وَإِنَّ أَحَدَكُمْ لَيَتَكَلَّمُ بِالْكَلِمَةِ مِنْ سَخَطِ اللَّهِ, ومَا يَظُنُّ أَنْ تَبْلُغَ مَا بَلَغَتْ, فَيَكْتُبُ اللَّهُ عَلَيْهِ بِهَا سَخَطَهُ إِلَى يَوْمِ يَلْقَاهُ)) [أخرجه ابن ماجه في سننه, وابن حبان في صحيحه, والحاكم في مستدركه] تعليق : مرة قرأت في مجلة تعليقًا: أنك أنت أخلاقي لأنك ضعيف، وأنت ضعيف لأنك أخلاقي، يعني ما من كلمة تسفه الأخلاق كهذه الكلمة، لماذا أنت أخلاقي؟ لأنك ضعيف، ولماذا أنت ضعيف؟ لأنك أخلاقي، هذه الكلمة الذي كتبها, قد لا يلقي لها بالاً, يهوي بها في جهنم سبعين خريفاً . ما محور هذه الأحاديث؟ : أيها الأخوة الكرام, مراقبة اللسان . عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: ((سمعت رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: إِنَّ الرَّجُلَ لَيَتَكَلَّمُ بِالْكَلِمَةِ, لَا يَرَى بِهَا بَأْسًا, يَهْوِي بِهَا سَبْعِينَ خَرِيفًا فِي النَّارِ)) [أخرجه الترمذي في سننه] وعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو قَالَ: ((قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مَنْ صَمَتَ نَجَا)) [أخرجه الترمذي في سننه] عن شقيق قال: ((لبى عبد الله رضي الله عنه على الصفا, ثم قال: يا لسان قل خيراً تغنم ، اسكت تسلم, من قبل أن تندم، قالوا: يا أبا عبد الرحمن, هذا شيء أنت تقوله أم سمعته؟ قال : لا، سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: أكثر خطايا ابن آدم في لسانه)) أيها الأخوة الكرام, شيء آخر: ورد عن النبي عليه الصلاة والسلام: ((ليس شيء من الجسد إلا يشكو إلى الله اللسان على حدته)) عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: ((الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي وَسِعَ سَمْعُهُ الْأَصْوَاتَ، لَقَدْ جَاءَتْ الْمُجَادِلَةُ: خولة إِلَى رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ, وكلمته فِي جانب الْبَيْتِ, ومَا أَسْمَعُ مَا تَقُولُ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: ﴿قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا, وَتَشْتَكِي إِلَى اللَّهِ, إِلَى آخِرِ الآيَةِ﴾)) [أخرجه البخاري في الصحيح, والنسائي في سننه] قال تعالى: ﴿يَعْلَمُ خَائِنَةَ الْأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ﴾ [سورة غافر الآية: 19] من علامة النفاق : النفاق أن تظهر عكس ما تضمر أيها الأخوة الكرام, المراقبة الأولى: مراقبة القلب، تعاهد قلبك، أخوك أصابه خير، فتألمت، هذا مؤشر خطير، لو أنك تراقب قلبك لقلت: هذه صفات المنافقين، قال تعالى: ﴿إِنْ تُصِبْكَ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ﴾ [سورة التوبة الآية: 50] إذا أصاب أخاك خير فتألمت فهذه علامة النفاق، وإن أصاب أخاك شر ففرحت فهذه علامة النفاق، لو لم تفرح ارتحت، ما تكلمت ولا كلمة، لكنك ارتحت لهذا المصاب الذي ألمّ بأخيك، فهذا علامة النفاق، هذه مراقبة القلب، أن تراقب قلبك، أن تحاسبه في حسد، في غيرة ، في حقد، في تشفٍّ، في شرك، في تعلق بغير الله، في اعتماد على المال فقط، اعتماد على صديق قوي فقط، والصحابة الكرام ومعهم خير الأنام، وفي معركة فاصلة في حنين, قالوا: لن نغلب من قلة، اعتمدوا على عددهم فخذلهم الله عز وجل . ما ينبغي أن تفعله : أيها الأخوة, أما اللسان فينبغي أن تعدّ كلامك من عملك، عَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ قَالَ: ((كُنْتُ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ, فَقَالَ: رَأْسُ الْأَمْرِ وَعَمُودُهُ الصَّلَاةُ, وَذِرْوَةُ سَنَامِهِ الْجِهَادُ، ثُمَّ قَالَ: أَلَا أُخْبِرُكَ بِمِلَاكِ ذَلِكَ كُلِّهِ؟ فَقُلْتُ لَهُ: بَلَى يَا نَبِيَّ اللَّهِ، فَأَخَذَ بِلِسَانِهِ فَقَالَ: كُفَّ عَلَيْكَ هَذَا، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ! وَإِنَّا لَمُؤَاخَذُونَ بِمَا نَتَكَلَّمُ بِهِ؟ فَقَالَ: ثَكِلَتْكَ أُمُّكَ يَا مُعَاذُ، وَهَلْ يَكُبُّ النَّاسَ عَلَى وُجُوهِهِمْ فِي النَّارِ, أَوْ قَالَ: عَلَى مَنَاخِرِهِمْ, إِلَّا حَصَائِدُ أَلْسِنَتِهِمْ؟)) قذف محصنة يهدم عمل مئة سنة، قالت عائشة عن صفية: ((إنها قصيرة يا رسول الله، قال: يا عائشة, لقد قلت كلمة لو مزجت بمياه البحر لأفسدته)) 3- مراقبة الجوارح : ثالثاً: مراقبة الجوارح، مراقبة العين، قال تعالى: ﴿يَعْلَمُ خَائِنَةَ الْأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ﴾ [سورة غافر الآية: 19] قال تعالى: ﴿الَّذِي يَرَاكَ حِينَ تَقُومُ * وَتَقَلُّبَكَ فِي السَّاجِدِينَ﴾ [سورة الشعراء الآية: 218-219] لذلك أفضل إيمان: أن تؤمن أن الله يراقبك، وأنك تحت المراقبة، وإن ربك لبالمرصاد. أيها الأخوة الكرام, عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ, أن رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ, قال: ((إِنَّ اللَّهَ يَغَارُ، وَإِنَّ الْمُؤْمِنَ يَغَارُ، وَإن غَيْرَةُ اللَّهِ: أَنْ يَأْتِيَ الْمُؤْمِنُ مَا حَرَّمَ عَلَيْهِ)) [أخرجه البخاري ومسلم في الصحيح] هذا بند ثالث: مراقبة الجوارح، هل ينطق هذا اللسان بالباطل؟ هل تنظر هذه العين إلى عورة؟ هل تستمع هذه الأذن إلى أغنية؟ مراقبة الجوارح، هل تبطش هذه اليد؟ هل تتحرك بالباطل؟ هل تقودك رجلاك إلى مكان منكر؟ مراقبة القلب أولاً، ثم مراقبة اللسان ثانياً، ثم مراقبة الجوارح ثالثاً . 4- مراقبة الخلق والسلوك والنفوس والمشاعر : اتق الله أينما كنت الآن: مراقبة الخلق والسلوك والنفوس والمشاعر، اتق الله حيثما كنت؛ في إقامتك، وفي سفرك، اتق الله مع الناس، وفي خلوتك، وأنا أبشر أن الذي لا يختلف بين خلوته وجلوته ، ولا بين إقامته وسفره، ولا بين ما يعلن ويسر, فهذه بشارة طيبة جداً، ظاهرك كباطنك، وباطنك كظاهرك، سرك كعلانيتك، وعلانيتك كسرك، خلوتك كجلوتك، وجلوتك كخلوتك، سفرك كإقامتك . كثير من المسلمين أو المسلمات في بعض البلاد, لمجرد ركوب الطائرة, يخلعون كل شيء، وبدت امرأة متفلتة، محجبة فقط في بلدها، لأن هناك مراقبة شديدة، هذا دين جغرافي، دين جغرافي، في بلدك دين, أما إذا سافرت ينتهي كل شيء . عَنْ أَبِي ذَرٍّ قَالَ: ((قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: اتَّقِ اللَّهِ حَيْثُمَا كُنْتَ, وَأَتْبِعْ السَّيِّئَةَ الْحَسَنَةَ تَمْحُهَا، وَخَالِقِ النَّاسَ بِخُلُقٍ حَسَنٍ)) [أخرجه الترمذي في سننه] من التطرف في الدين : أحياناً يكون ثمة تطرف في الدين، يضغط، في الضبط ضبط المشاعر والجوارح مع المرأة جيد، لكن كسب المال فيه كسب حرام، وأحياناً الدين يضبط في الكسب الحلال، وفي التعامل مع الناس، أما مع المرأة ففيه تساهل كبير جداً، أحياناً الضبط فقط في العبادات، لا بد من ضبط شمولي؛ أن تضبط قلبك، أن تراقب قلبك، وأن تراقب لسانك، وأن تراقب جوارحك ، وأن تراقب كسب المال . قال عليه الصلاة والسلام: يأتي على الناس زمان, لا يبالي الرجل من أين أصاب المال من حلال أو حرام؟ وأطيب الكسب عمل الرجل بيده، وكل بيع مبرور، وإن أطيب الكسب كسب التجار, الذين إذا حدثوا لم يكذبوا، وإذا وعدوا لم يخلفوا، وإذا ائتمنوا لم يخونوا، وإذا اشتروا لم يذموا، وإذا باعوا لم يطروا، وإذا كان لهم لم يعسروا، وإذا كان عليهم لم يمطلوا . في بعض الأحاديث, قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((إِنَّ التُّجَّارَ هُمْ الْفُجَّارُ، قالوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ! أَوَلَيْسَ قَدْ أَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ؟ قَالَ: بَلَى, وَلَكِنَّهُمْ يُحَدِّثُونَ فَيَكْذِبُونَ, وَيَحْلِفُونَ, وَيَأْثَمُونَ)) [أخرجه أحمد في مسنده] أضع بين أيديكم المجالات التي ينبغي أن نراقب الله فيها، القلب مجال، اللسان مجال، الجوارح؛ سمع، بصر، يد، رجل مجال، كسب المال مجال، الخلق والسلوك والمشاعر مجال . 5- مراقبة الله في القوة والعافية : الآن: مراقبة الله في القوة والعافية، أنت قوي شاب، كنت في تعزية، الآن رجال ينتظرون المصعد، أما الشاب فهبط إلى الطابق الأرضي بشكل لا يصدق، شاب في مقتبل الحياة، القوة ينبغي أن تكون في طاعة الله . هذه همة الشاب الطائع لله عز وجل : كنت مرةً في الحج، والله ما غبط من الحجاج إلا الشباب، شاب نشأ في طاعة الله, يطوف بهمة عالية، ويسعى، ويخدم الحجاج، يقول الله عز وجل: ﴿رَبِّ إِنِّي لِمَا أَنْزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ﴾ [سورة القصص الآية: 24] سيدنا موسى حينما سقى المرأتين، رأى أن هذا عمل صالح كبير، وهو فقير إليه، لذلك الغنى الحقيقي غنى العمل الصالح، والفقر الحقيقي فقر العلم الصالح . احذر أن تقع في هذه الآفة الخطيرة : اغتنم شبابك قبل هرمك أحياناً مع القوة, والشباب, والوسامة, والجمال, والأناقة, والغنى, ينشأ حالة خطيرة وصفها النبي عليه الصلاة والسلام, فقال: ((لو لم تذنبوا لخفت عليكم ما هو أكبر, ما هو أكبر من الذنب؟ قال: العجبَ العجب)) أن تعتد بحالك، تعتد بشكلك، تعتد بطولك، تعتد بوسامتك، تعتد بأناقتك، تعتد بنسبك، تعتد بوظيفتك، بمركزك، بشهادتك، بمكانتك، تشعر أنك فوق الناس . ((لو لم تذنبوا لخفت عليكم ما هو أكبر, ما هو أكبر من الذنب؟ قال: العجبَ العجب)) انظر إلى أدب هذا العالم مع ربه :
أنا أستمع أحياناً من كبار العلماء, أنني أنا طالب علم، أرى هذه الكلمة فيها أدب جم، أنا طالب علم، نحن معاشر العلماء، ما هذا الكلام؟ قل: أنا طالب علم، أنت طالب علم، قال تعالى: ﴿وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ وَكَانَ فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ عَظِيماً﴾ [سورة النساء الآية: 113] | |
| | | Admin Admin
المساهمات : 4240 تاريخ التسجيل : 20/01/2018
| موضوع: رد: عقيدة من مفهوم القران والسنة -مستلزمات التوحيد الجمعة مارس 02, 2018 8:00 am | |
| 6- مراقبة الله عز وجل في الوقت : لن تستطيع إستعادة الوقت إذا ضاع فحافظ عليه الآن: هناك مراقبة من نوع آخر، مراقبة الله عز وجل في الوقت، أحياناً يضيع من الوقت كمّ كبير لهدف حقير، أنت وقت، رأس مالك الوقت، أثمن شيء تملكه هو الوقت، ينبغي أن ينفق بترشيد، لذلك الآن في إدارة الوقت لا يعقل أن تستهلك استهلاكاً رخيصاً، الآن لاحظ أكثر احتفالاتنا الأكابر يأتون بعد ساعة، ترى الاحتفال ثلاث ساعات، لمَ لا يكون ساعة ونصفًا؟ الكل يحضرون بأول الاحتفال، لا يمتد ثلاث ساعات، ليس ثمة إنسان عنده وقت، يحضر ثلاث ساعات، يأتي إما في الأول، أو في الأخير، أنت اجعل وقتًا محددًا، ساعة ونصفًا، الكل يأتون، كثير من الحالات فيها تضييع وقت . من الوقائع : مرة نزلت إلى طريق الصالحية الساعة العاشرة والنصف، لا يوجد محل فاتح، لا ترى حركة، الحركة في الشام لا تتم قبل الساعة الحادية عشرة أو الثانية عشرة، في غير بلادنا الساعة الخامسة فجرًا، لا تجد مكانا في الطريق، امتداد الوقت يضيع بلا ثمن، أنت وقت ، رأس مالك الوقت، أثمن شيء تملكه هو الوقت، لو ضبطت المواعيد لرشد استهلاك الوقت، لو ضبطت الاحتفالات لرشد استهلاك الوقت، لو ضبط كل شيء بنظام لرشد استهلاك الوقت. اعلم أنك سوف تسأل يوم القيامة عن هذه الأشياء : عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ, عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: ((لَا تَزُولُ قَدَمُ ابْنِ آدَمَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنْ عِنْدِ رَبِّهِ, حَتَّى يُسْأَلَ عَنْ خَمْسٍ؛ عَنْ عُمُرِهِ فِيمَ أَفْنَاهُ, وَعَنْ شَبَابِهِ فِيمَ أَبلاهُ, وَمَالِهِ مِنْ أَيْنَ اكْتَسَبَهُ, وَفِيمَ أَنْفَقَهُ, وَمَاذَا عَمِلَ فِيمَا عَلِمَ؟)) النبي عليه الصلاة والسلام أقسم الله بعمره الثمين, قال تعالى: ﴿لَعَمْرُكَ إِنَّهُمْ لَفِي سَكْرَتِهِمْ يَعْمَهُونَ﴾ [سورة الحجر الآية: 72] العلماء الكبار تركوا مئات المؤلفات، أما الناس بتفاهة ما بعدها تفاهة, لا يعملون ولا يقدمون، إلا أنه يستمع، ويشاهد، ويعلق، وله موقف سلبي دائماً . قف هنا : أنا في الخطبة ذكرت, أنه من أدق معاني الهجرة: أن تكون إيجابياً، السلبية, والتلقي, والانسحاب, وعدم الاهتمام بقضايا المسلمين, هذا سلبية خطيرة . ((حَتَّى يُسْأَلَ عَنْ خَمْسٍ؛ عَنْ عُمُرِهِ فِيمَ أَفْنَاهُ, وَعَنْ شَبَابِهِ فِيمَ أَبلاهُ, وَمَالِهِ مِنْ أَيْنَ اكْتَسَبَهُ وَفِيمَ أَنْفَقَهُ, وَمَاذَا عَمِلَ فِيمَا عَلِمَ؟)) هذه الأسئلة مسربة، تفضلوا، الأسئلة التي سوف تسألون عليها يوم القيامة سربت . قصة تائب : مرة أخ يعمل في أعمال لا ترضي الله أبداً، طبعاً قبل أن يكون أخاً لنا، لكنه تاب عقب مرض، والمرض ألح عليه حتى أماته، لكن يقول لي: والله أشعر أنني أكاد أموت ندماً على هذا العمر المديد الذي أمضيته في المعاصي، أنا لا أغبط إلا شابًا نشأ في طاعة الله، ليس في الإسلام حرمان، فيه تنظيم، فيه سمو، فيه رقي . ((حَتَّى يُسْأَلَ عَنْ خَمْسٍ؛ عَنْ عُمُرِهِ فِيمَ أَفْنَاهُ, وَعَنْ شَبَابِهِ فِيمَ أَبْلَاهُ, وَمَالِهِ مِنْ أَيْنَ اكْتَسَبَهُ وَفِيمَ أَنْفَقَهُ, وَمَاذَا عَمِلَ فِيمَا عَلِم؟))
2- من لوازم الإيمان بالله، ومن لوازم التوحيد الاستقامة : هذه المراقبة، أما الاستقامة أيضاً؛ فمن لوازم الإيمان بالله، ومن لوازم التوحيد الاستقامة . أيها الأخوة الكرام, الاستقامة تشمل صحة فهم الدين . ابن عمر دينكَ دينك، إنه لحمك ودمك، خذ عن الذين استقاموا، خذ عن الذين استقاموا عقيدتهم وتصوراتهم، خذ عن الذين استقاموا عقيدتهم وتصوراتهم، خذ عن الذين استقاموا، ولا تأخذ عن الذين مالوا . سيدنا أبو بكر قال: الاستقامة ألا تشرك بالله شيئاً . سيدنا عمر قال: الاستقامة أن تستقيم على الأمر والنهي، ولا تروغ روغان الثعلب . سيدنا عثمان قال: استقاموا أخلصوا العمل لله . سيدنا علي قال: استقاموا؛ أدوا الفرائض . تعريف الاستقامة : اهدنا الصراط المستقيم الاستقامة كلمة جامعة آخذة بمجامع الدين: هي القيام بين يدي الله على حقيقة الصدق والوفاء، والاستقامة فضلاً عن صحة العقيدة الثبات على الحق، أول مجال أن تأخذ عقيدتك عن الذين استقاموا، أن تصح عقيدتك، والاستقامة أن تثبت على ما أنت عليه . عَنْ سُفْيَانَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الثَّقَفِيِّ قَالَ: ((قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ! قُلْ لِي فِي الْإِسْلَامِ قَوْلًا, لَا أَسْأَلُ عَنْهُ أَحَدًا بَعْدَكَ, وَفِي حَدِيثِ أَبِي أُسَامَةَ غَيْرَكَ, قَالَ: قُلْ: آمَنْتُ بِاللَّهِ فَاسْتَقِمْ)) شيء آخر: أنه مع الاستقامة لا بد من المقاربة، سددوا وقاربوا، هذا رد على الغلو في الدين، ورد على التشدد، ورد على التطرف، ورد على المبالغة، سددوا وقاربوا. من جوانب الاستقامة : ومن جوانب الاستقامة: الاستقامة في القول والعمل، أول استقامة صحة العقيدة، ثاني استقامة الثبات على هذا الدين والاستمرار، وإن الله يحب من الأعمال أدومها وإن قلّ، وكان عمله ديمة . والمعنى الثالث: استقامة في القول والعمل . الآن: الاستقامة يمكن أن تكون في علاقتك مع الله، ويمكن أن تكون في علاقتك مع العباد . ما مضامين هذه الأحاديث؟ : عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ, أن رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: ((لَا تَحَاسَدُوا, وَلَا تَنَاجَشُوا, وَلَا تَبَاغَضُوا, وَلَا تَدَابَرُوا, وَلَا يَبِعْ بَعْضُكُمْ عَلَى بَيْعِ بَعْضٍ, وَكُونُوا عِبَادَ اللَّهِ أخْوَانًا, الْمُسْلِمُ أَخُو الْمُسْلِمِ؛ لَا يَظْلِمُهُ, وَلَا يَخْذُلُهُ, وَلَا يَحْقِرُهُ, التَّقْوَى هَاهُنَا, وَيُشِيرُ إِلَى صَدْرِهِ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ, بِحَسْبِ امْرِئٍ مِنْ الشَّرِّ, أَنْ يَحْقِرَ أَخَاهُ الْمُسْلِمَ, كُلُّ الْمُسْلِمِ عَلَى الْمُسْلِمِ حَرَامٌ؛ دَمُهُ وَمَالُهُ وَعِرْضُهُ)) [أخرجه البخاري ومسلم في الصحيح, وأبو داود والترمذي في سننهما, ومالك في الموطأ] في رواية أخرى: عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ, أن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: ((إِيَّاكُمْ وَالظَّنَّ, فَإِنَّ الظَّنَّ أَكْذَبُ الْحَدِيثِ, وَلَا تَحَسَّسُوا, وَلَا تَجَسَّسُوا, وَلَا تَحَاسَدُوا, وَلَا تَدَابَرُوا, وَلَا تَبَاغَضُوا, وَكُونُوا عِبَادَ اللَّهِ أخْوَانًا)) [أخرجه البخاري ومسلم في الصحيح, وأبو داود والترمذي في سننهما, ومالك في الموطأ] كما أمركم الله . وفي رواية أخرى: عَنْ أَنَسٍ قَالَ: ((قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لَا تَقَاطَعُوا, وَلَا تَدَابَرُوا, وَلَا تَبَاغَضُوا, وَلَا تَحَاسَدُوا, وَكُونُوا عِبَادَ اللَّهِ أخْوَانًا)) ويوجد رواية: عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ, أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: ((لَا تَهَجَّرُوا, وَلَا تَدَابَرُوا, وَلَا تَحَسَّسُوا, وَلَا يَبِعْ بَعْضُكُمْ عَلَى بَيْعِ بَعْضٍ, وَكُونُوا عِبَادَ اللَّهِ أخْوَانًا)) عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ, أن النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: ((لَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ مَنْ كَانَ فِي قَلْبِهِ مِثْقَالُ حبة مِنْ كِبْرٍ, فقَالَ رَجُلٌ: إِنَّ الرَّجُلَ يُحِبُّ أَنْ يَكُونَ ثَوْبُهُ حَسَنًا وَنَعْلُهُ حَسَنَةً, قَالَ: إِنَّ اللَّهَ جَمِيلٌ يُحِبُّ الْجَمَالَ, الْكِبْرُ بَطَرُ الْحَقِّ وَغَمْطُ النَّاس)) [أخرجه مسلم في الصحيح, وأبو داود والترمذي في سننهما] أن ترد الحق، و أن تظلم الناس، هذا هو الكبر . خلاصة القول: أيها الأخوة, المراقبة والاستقامة من لوازم الإيمان، لعلي ألححت أكثر مما يجب: على أن العقيدة الصحيحة ليست أن تعلم ما ينبغي، لكن العقيدة الصحيحة الكاملة أن تعلم ما ينبغي أن تعتقد، وأن تكون على ما ينبغي أن تكون؛ من استقامة، ومن توكل، ومن توحيد، ومن مراقبة، ومن أعمال صالحة، دائماً اسأل نفسك: أين أنا من صفات المؤمن الناجي؟ . أيها الأخوة الكرام, يقول عليه الصلاة والسلام: ((إنما العلم بالتعلم، وإنما الكرم بالتكرم، وإنما الحلم بالتحلم)) وروعة هذا الدرس: أن ينقلب إلى سلوك، إلى سمت حسن، إلى صمت واع، إلى نطق بذكر الله، أمرت أن يكون صمتي فكراً، ونطقي ذكراً، ونظري عبرة, أي لا يكون المسلم مسلماً, إلا إذا كان متميزاً بأخلاقه، وسمته، وهيبته، وسكونه . من أسئلة السائلين : السؤال الأول: ما معنى أن يكون الإنسان لا تختلف جلوته عن خلوته؟ : أخ كريم يسأل: ما معنى أن يكون الإنسان لا تختلف جلوته عن خلوته؟ . الجلوة وأنت بين الناس، والخلوة وأنت وحدك، فإذا إنسان بين الناس أتقن صلاته, وحده لم يتقن صلاته, إذاً: يوجد نفاق، إذا بين الناس غض بصره, وإذا كان وحده بحلق بصره, هذه مشكلة كبيرة, معنى هذا يوجد نفاق، بين الناس بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين دائماً، أما وحده يأكل كالبهائم، الذي تختلف جلوته عن خلوته يوجد علامة نفاق، أما إذا كانت خلوتك كجلوتك, وسرك كعلانيتك, وظاهرك كباطنك, فهذا مظنة صلاح إن شاء الله . السؤال الثاني: هل يحاسب المسلم على خواطره التي تخطر في نفسه؟ : يقول: هل يحاسب المسلم على خواطره التي تخطر في نفسه؟ . أولاً: لا يحاسب، لكن يوجد كلمة قالها مرة طبيب أعجبتني، كنت في أمريكا, قال لي مرة طبيب: هذا العمل كبير صغير؛ صغير إذا لحقته, وكبير إذا أهملته, خاطر كبير صغير إذا تابعته وقصمته, لا يوجد مشكلة أبداً، لا تحاسب إلا على العمل، أما خاطرة، تابعت الخواطر أصبحت فكرة، تابعت الخواطر أصبحت شهوة، تابعت أصبحت همة، تابعت أصبحت إرادة، تابعت أصبحت عملاً، تابعت أدمنت عليه: ﴿فَطَالَ عَلَيْهِمُ الْأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ﴾ [سورة الحديد الآية: 16] الخواطر كبيرة صغيرة؛ إن تابعتها صغيرة، إن أهملتها كبيرة .
=== الحياء بماذا يتعلق موضوع الدرس اليوم؟ : أيها الأخوة الكرام, لا زلنا في موضوعات العقيدة، ومع درس من دروس العقيدة الإسلامية، والشيء الذي ينبغي أن يكون واضحاً جداً, هو أن العقيدة الإسلامية ليس ما ينبغي ما تعتقد فحسب، بل هو ما ينبغي أن تكون عليه في حال مع الله، وقد مرت معنا بعض المقامات التي يمكن أن تكون معياراً لسلامة عقيدتك . واليوم الموضوع متعلق بالحياء، إذا صحت عقيدتك كنت حيياً، إذا دخلت على عظيم, وكنت منضبطاً, ومهذباً, ومستحياً منه, فهذا دليل معرفتك به، أما إذا كنت متطاولاً، ولست مستحياً, فهذا دليل عدم معرفتك به، ففي هذه الدروس إن شاء الله, لا نفرق أبداً بين ما ينبغي أن تعتقد, وما ينبغي أن تكون عليه . الحياء من الله ثمرة يانعة من فهمك : أيها الأخوة الكرام, الحياء ثمرة يانعة من فهمك, لقوله تعالى: ﴿إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً﴾ [سورة النساء الآية: 1] لاحظ نفسك إذا كنت في حضرة إنسان, ممن تجلّه أو تحترمه, فإنك تضبط كلامك، تضبط هندامك، تجلس جلسةً مؤدبة، تنطق بكلام مضبوط، هذا مع إنسان تظنه عظيماً، فكيف مع خالق الأكوان؟ فالحياء ثمرة يانعة لإدراكك الصحيح, لقوله تعالى: ﴿إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً﴾ [سورة النساء الآية: 1] وأفضل إيمان المرء: أن يعلم أن الله معه حيث كان، وثمرة أخرى لمن يفهم حقيقة هذه الآية: ﴿يَعْلَمُ خَائِنَةَ الْأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ﴾ [سورة غافر الآية: 19] لو أن عينك شردت إلى إلقاء نظرة لا ترضي الله، واللهُ يعلمها، فحينما تضبط بصرك إلى درجة تعلم فيها أن الله يراك, إذا اختلست نظرةً لا ترضيه, فهذا دليل حيائك من الله، والحياء ثمرة يانعة بفهمك الدقيق, لقوله تعالى: ﴿أَلَمْ يَعْلَمْ بِأَنَّ اللَّهَ يَرَى﴾ [سورة العلق الآية: 14] أنواع الحياء : 1-حياء الإجلال والتعظيم : أيها الأخوة الكرام, الحياء أنواع، يقع في رأسها حياء الإجلال والتعظيم . ففي الصحيحين: عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ, عَنْ أَبِيهِ, أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَرَّ عَلَى رَجُلٍ مِنْ الْأَنْصَارِ, وَهُوَ يَعِظُ أَخَاهُ فِي الْحَيَاءِ, فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((دَعْهُ فَإِنَّ الْحَيَاءَ مِنْ الْإِيمَانِ)) عالج موضوع الإيمان، لأنه لو آمن لاستحيا، وهذا سر إدخال هذا الموضوع في دروس العقيدة، لو انه آمن بالله حق الإيمان لاستحيا من الله . وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: ((قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: الْإِيمَانُ بِضْعٌ وَسَبْعُونَ, أَوْ بِضْعٌ وَسِتُّونَ شُعْبَةً, فَأَفْضَلُهَا قَوْلُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ, وَأَدْنَاهَا إِمَاطَةُ الْأَذَى عَنْ الطَّرِيقِ, وَالْحَيَاءُ شُعْبَةٌ مِنْ الْإِيمَانِ)) قال بعضهم: من استحيا من الله مطيعاً, استحيا الله منه وهو مذنب، يعني إذا كنت مطيعاً له وأنت في الطاعة تستحي منه، فلو أنه -لا سمح الله- زلت قدمك, فالله سبحانه وتعالى يستحي منك، وأنت مذنب . حياء الإجلال لمقام الله وعظمته، لأنه يراك، لأن قلبك منظره فتستحي منه . 2-حياء التقصير وتعظيم الجناية : وهناك نوع آخر من الحياء، وهو حياء التقصير وتعظيم الجناية . أيها الأخوة الكرام, من صفات المؤمن أنه يلوم نفسه دائماً، قال تعالى: ﴿لَا أُقْسِمُ بِيَوْمِ الْقِيَامَةِ * وَلَا أُقْسِمُ بِالنَّفْسِ اللَّوَّامَةِ﴾ [سورة القيامة الآية: 1-2] المؤمن الصادق دائماً يتهم نفسه، لا يحابيها أبداً، هذا الحياء الثاني، حياء التقصير وتعظيم الجناية . ما قيل حول هذا الجانب من الحياء حياء التقصير : يقول الله عز وجل: ﴿إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُوا فَإِذَا هُمْ مُبْصِرُونَ﴾ [سورة الأعراف الآية: 201] يدرك حقيقة التقصير في جانب عظمة الله عز وجل، يقول الإمام الجنيد رحمه الله تعالى: الحياء رؤية الآلاء، ورؤية التقصير معاً، ترى عظمة الله، وترى عظم الجناية في حق الله، فلا بد من هاتين الرؤيتين معاً، ترى الله، وترى تقصيرك في حقه . الإمام الفضيل رحمه الله تعالى قال: خمس من علامات الشقوة؛ قسوة في القلب، وجمود في العين، وقلة حياء، ورغبة في الدنيا، وطول أمل، هذه كلها من علامات الشقاء في الدنيا والآخرة . هذا الحياء؛ حياء التقصير وتعظيم الجناية, يمثله الملائكة الكرام الذين يسبحون الليل والنهار لا يفترون، حتى إذا كان يوم القيامة، ورأوا من آيات الله ما لم يروا, شعروا بالتقصير ، فقالوا: سبحانك يا رب ما عبدناك حق العبادة . أيها الأخوة الكرام, الحياء الثاني حياء التعظيم مع التقصير معاً، أسميه تجاوزاً حياء التقصير، الأول حياء الإجلال . أمرٌ دقيق: ما لم تشعر بهذه المشاعر، ما لم يكن قلبك مفعماً بهذه الأحوال, فهناك خلل في الإيمان . 3-حياء الكرم والإحسان : نوع آخر من الحياء، هو حياء الكرم والإحسان، الإنسان إذا أعان إنساناً، والذي أعانه خجل، وتطامن أمامه، وتضعضع أمامه، فأنت كإنسان كريم جداً, تستحي منه إذا تضعضع لك، وهذه علامة إيمانك، أما إذا كان الإنسان -والعياذ بالله- لئيمًا, ينتعش حينما يتضعضع أمامه إنسان، وحينما يذل أمامه إنسان، أما الكريم فلا ينتعش، بل يستحي من الله عز وجل، فهناك إنسان بعيد عن الله، متأله، كأنك تطربه إذا تضعضعت أمامه، ينتشي، يزداد استعلاءً، يستمتع بخضوع الناس له، أما المؤمن فبالعكس . بم يخص هذان الدليلان من السنة؟ : دخل على النبي عليه الصلاة والسلام رجل فأصابته رعدة، قال عليه الصلاة والسلام: ((هوّن عليك, إنما أنا ابن امرأة من قريش, كانت تأكل القديد بمكة)) هذا حياء الكرم والإحسان، فهل ترضى أن يخضع الناس لك؟ أن يتذللوا لك؟ لا ترضى، لا والله ، فمما يؤكد إيمانك أنك لا ترضى إلا أن تعاملهم كأخوانك تماماً . دليل آخر: النبي عليه الصلاة والسلام كان مع أصحابه في سفر، فأرادوا أن يعالجوا شاةً، فقال أحدهم: ((علي ذبحها، وقال الثاني: علي سلخها، وقال الثالث: علي طبخها، فقال عليه الصلاة والسلام: وعلي جمع الحطب، فقالوا: نكفيك ذلك يا رسول الله؟ قال: أعلم أنكم تكفونني ، ولكن الله يكره أن يرى عبده متميزاً على أقرانه)) ما يتصف به المؤمن : قال تعالى: ﴿الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ثُمَّ لَا يُتْبِعُونَ مَا أَنْفَقُوا مَنّاً وَلَا أَذًى لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ﴾ [سورة البقرة الآية: 262] لا يتبعون ما أنفقوا مناً ولا أذى، كذلك كان السلف الصالح، ولأن النبي عليه الصلاة والسلام يقول: ((اليد العليا خير من اليد السفلى)) [أخرجه البخاري ومسلم في الصحيح, وأبو داود والنسائي في سننهما, ومالك في الموطأ] كان يدع الصدقة في يد أخيه من تحت, ليجعل يد أخيه هي العليا، هذا من التأدب مع الله عز وجل، قال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تُبْطِلُوا صَدَقَاتِكُمْ بِالْمَنِّ وَالْأَذَى كَالَّذِي يُنْفِقُ مَالَهُ رِئَاءَ النَّاسِ وَلَا يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ﴾ [سورة البقرة الآية: 264] أخواننا الكرام, حتى لو رأيت عاصياً، وأنت في طاعة, فيجب أن تعتقد أنه إذا تاب فقد يسبقك، لا يوجد أبداً استعلاء في الدين، ولا كبر، حتى لو رأى عاصيا، فلعله يتوب، ويسرع الخطى إلى الله فيسبقه . حياء الإحسان أن تعبد الله كأنك تراه، فإن لم تكن تراه فإنه يراك . كان عليه الصلاة والسلام أشد حياءً من العذراء في خدرها، هذا الوقح، سليط اللسان، المتجهم، هذا الإنسان بعيد عن الإيمان، الحياء من الإيمان، المؤمن حيي . 4-حياء الحشمة : نوع آخر من الحياء: حياء الحشمة، وحياء المرء من نفسه، حياء النفوس العزيزة العالية الرفيعة التي حصلت لها من الرقة والشفافية, ما يحملها على الاحتشام والحياء، فالمؤمن في مشيته, في جلسته, في حديثه, في أخذه, في عطائه, في دخول بيته, في ركوب مركبته, في أدب، في تواضع، مقبول، أما الإنسان البعيد عن الله فمتغطرس مستعل، لا يحتمل ، ولو بقي ساكتاً، لذلك هذا الحياء حياء الحشمة يتأتى من صحبة الصالحين، كان ثمة مصطلح فلان ابن طريق، وفلان ابن الطريق، وشتان بين الاثنين، واحد طُرُق الإيمان ربّته على الحياء والأدب . الحقيقة: أن الذي يميز المؤمن عن غير المؤمن ليست عباداته، بل معاملاته، بل أحواله مع الناس . انظر إلى هذا القول لأحد العلماء : وفي الحديث الذي روي مرفوعاً: عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ قَالَ: ((قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: اسْتَحْيُوا مِنْ اللَّهِ حَقَّ الْحَيَاءِ, قَالَ: قُلْنَا: يَا رَسُولَ اللَّهِ! إِنَّا نَسْتَحْيِي وَالْحَمْدُ لِلَّهِ, قَالَ: لَيْسَ ذَاكَ, وَلَكِنَّ الِاسْتِحْيَاءَ مِنْ اللَّهِ حَقَّ الْحَيَاءِ؛ أَنْ تَحْفَظَ الرَّأْسَ وَمَا وَعَى, وَالْبَطْنَ وَمَا حَوَى, وَلْتَذْكُرْ الْمَوْتَ وَالْبِلَى, وَمَنْ أَرَادَ الْآخِرَةَ تَرَكَ زِينَةَ الدُّنْيَا, فَمَنْ فَعَلَ ذَلِكَ, فَقَدْ اسْتَحْيَا مِنْ اللَّهِ حَقَّ الْحَيَاءِ)) أحد العلماء يقول: إن الحياء والأنس يطرقان القلب، فإن وجدا فيه الزهد والورع, وإلا رحلا . يتناسب مع الحياء والأنس أن يكون المرء زاهداً ورعاً، فإذا لم يكن هناك زهد ولا ورع, فربما ذهب الحياء، وأحياناً الإنسان المتزوج, ووالد الزوجة موجود, يحلو له أن يخوض في علاقات زوجية، يحدث عن العلاقات الزوجية، وعن، وعن، ولا ينتبه أن الأب موجود، وأن هذه ابنته، طبعاً كلام مشروع، لا يقول كلامًا غير مشروع . سيدنا علي قال: كنت رجلاً مذاءً، يعني كثير المذي، فأمرت رجلاً أن يسأل النبي عليه الصلاة والسلام لمكان ابنته، فسأل، فقال: ((توضأ واغسل ذكرك)) يعني استحيا أن يسأل النبي عن قضية متعلقة بالزواج وابنته زوجته . ما مصدر الحياء؟ : أيها الأخوة الكرام, الخلاصة: أن الحياء يتولد من علم العبد بنظر الحق إليه، فإن العبد متى علم أن الله عز وجل ناظر إليه, أورثه هذا العلم حياء منه, يحمله على احتمال أعباء الطاعة، ومجاهدة النفس، واستقباح الجناية، هذا طعم من طعوم العبودية لله عز وجل، وثمة مثل يقال دائماً: أين الثرى من الثريا؟ فالمؤمن الحيي له مقام كبير عند الله وبين الناس . ما الفرق بين الحياء والخجل؟ : عَنْ قَتَادَةَ قَالَ: ((سَمِعْتُ أَبَا السَّوَّارِ الْعَدَوِىَّ يُحَدِّثُ, أَنَّهُ سَمِعَ عِمْرَانَ بْنَ حُصَيْنٍ الْخُزَاعِيَّ يُحَدِّثُ, عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: الْحَيَاءُ لَا يَأْتِي إِلَّا بِخَيْرٍ, فَقَالَ بُشَيْرُ بْنُ كَعْبٍ: مَكْتُوبٌ فِي الْحِكْمَةِ: أَنَّ مِنْهُ وَقَارًا وَمِنْهُ سَكِينَةً, فَقَالَ عِمْرَانُ: أُحَدِّثُكَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ, وَتُحَدِّثُنِي عَنْ صُحُفِكَ)) لكن لا بد من التفريق بين الحياء والخجل، الحياء فضيلة، بينما الخجل مذمة، الخجل أن تخجل من الحق، معك الحق تكلم، الخجل أن تخجل أن تطالب بحقك، أن تخجل أن تأمر بالمعروف، أن تنهى عن المنكر، الخجل أن تخجل أن تنطق بكلمة الحق، هذا خجل، والخجل مذمة ومرض، بينما الحياء أن تستحي أن تعصي الله عز وجل، فالحياء لا يأتي إلا بخير . ما المعنيان المتعاكسان لهذا الحديث؟ : عَنْ أَبِي مَسْعُودٍ, أن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ, قال: ((إِنَّ مِمَّا أَدْرَكَ النَّاسُ مِنْ كَلَامِ النُّبُوَّةِ الأولى, إِذَا لَمْ تَسْتَحْ فَافعل مَا شِئْتَ)) [أخرجه البخاري في الصحيح, وأبو داود في سننه] هذا الحديث له معنيان متعاكسان، المعنى الأول: ما دام الحياء غير موجود, فلا قيمة إطلاقاً, لكل أفعالك، لأن أفعالك لا تشف عن إيمان . المعنى الثاني المقبول: أنه إذا لم تستحِ من الله عز وجل فاصنع ما شئت، ولا تعبأ بكلام الناس، أحياناً يكون الإنسان من المصلحة الراجحة أن يتزوج بامرأة ثانية، لكن في معظم المجتمعات مرفوض رفضاً قطعياً الزواج بامرأة ثانية، مرفوض رفضاً اجتماعياً، فهو قد يعصي الله، وقد تزل قدمه, حفاظاً على مكانته الاجتماعية، لا نقول لك: الزوجة الثانية مسموح بها عند تحقيق الشروط الشرعية، فإذا لم تستح من الله في هذا الزواج الثاني فاصنع ما شئت، أما أن تستحي من الناس، وأن تعصي الله فيما بينك وبينه, حفاظاً على مكانتك, فهذا شيء غير مقبول . المعنى الثاني أشار له بعض العلماء حين قال: انظر إلى الفعل الذي تريد أن تفعله، فإن كان مما لا يستحيا منه فافعله . من ثمار الحياء : 1-المعية : أيها الأخوة الكرام, من ثمار الحياء المعية، الذي يستحي من الله, يكافئه الله عز وجل, أنه يجعله في معيته، وهل من معية أعظم من معية الله عز وجل؟ . روى الإمام أحمد, عَنْ سَلْمَانَ الْفَارِسِيِّ قال: ((قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِنَّ ربكم حَيِيٌّ كَرِيمٌ, يَستَحي إِذَا رَفَعَ الرَّجُلُ إِلَيْهِ يَدَيْهِ, أَنْ يَرُدَّهُمَا صِفْرًا خَائِبَتَيْنِ)) [أخرجه أبو داود والترمذي في سننهما] من حياء الله لهذا الإنسان: أن هذا الإنسان إذا رفع يديه إلى الله, يستحي الله جل جلاله أن يردهما صفراً خائبتين، إذاً: جعلك في معيته، وحينما قال الله عز وجل: ﴿وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ﴾ [سورة الحديد الآية: 4] قالوا: هذه معية عامة، يعني معكم بعلمه، لكن المؤمنين لهم معية خاصة، فإذا قال الله عز وجل: ﴿إِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ﴾ [سورة النحل الآية: 128] ﴿إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ﴾ [سورة البقرة الآية: 153] ﴿وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ﴾ [سورة العنكبوت الآية: 69] هذه معية خاصة، والمعية الخاصة هي معية التوفيق، ومعية النصر, والتأييد، والحفظ ، فإذا استحققت توفيق الله, وتأييده، وحفظه, فأنت في المقام الأرفع . أول ثمرة من ثمار الحياء من الله: أنك تكون في معية خاصة؛ معية التأييد والحفظ والنصر والتوفيق . ما معنى أن الله يتردد في هذا الحديث؟ : وفي حديث آخر: عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: ((قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِنَّ اللَّهَ قَالَ: مَنْ عَادَى لِي وَلِيًّا فَقَدْ آذَنْتُهُ بِالْحَرْبِ, وَمَا تَقَرَّبَ إِلَيَّ عَبْدِي بِشَيْءٍ أَحَبَّ إِلَيَّ مِمَّا افْتَرَضْتُ عَلَيْهِ, وَمَا يَزَالُ عَبْدِي يَتَقَرَّبُ إِلَيَّ بِالنَّوَافِلِ, حَتَّى أُحِبَّهُ, فَإِذَا أَحْبَبْتُهُ, كُنْتُ سَمْعَهُ الَّذِي يَسْمَعُ بِهِ, وَبَصَرَهُ الَّذِي يُبْصِرُ بِهِ, وَيَدَهُ الَّتِي يَبْطِشُ بِهَا, وَرِجْلَهُ الَّتِي يَمْشِي بِهَا, وَإِنْ سَأَلَنِي لَأُعْطِيَنَّهُ, وَلَئِنْ اسْتَعَاذَنِي لَأُعِيذَنَّهُ, وَمَا تَرَدَّدْتُ عَنْ شَيْءٍ أَنَا فَاعِلُهُ, تَرَدُّدِي عَنْ نَفْسِ الْمُؤْمِنِ يَكْرَهُ الْمَوْتَ, وَأَنَا أَكْرَهُ مَسَاءَتَهُ)) أرأيتم إلى هذا المعنى، ما معنى أن الله يتردد؟ أي أن هذا العبد المؤمن الذي أمضى حياته يستحي من الله, عبر الله عن محبته لهذا العبد، وعن حرصه على سروره وسعادته, أنه إذا أراد قبضه, يتردد الله عز وجل في قبض نفسه . هذا منظار المؤمن : الحقيقة أيها الأخوة: ((مَا تَقَرَّبَ إِلَيَّ عَبْدِي بِشَيْءٍ أَحَبَّ إِلَيَّ مِمَّا افْتَرَضْتُ عَلَيْهِ, وَمَا يَزَالُ عَبْدِي يَتَقَرَّبُ إِلَيَّ بِالنَّوَافِلِ, حَتَّى أُحِبَّهُ, فَإِذَا أَحْبَبْتُهُ, كُنْتُ سَمْعَهُ الَّذِي يَسْمَعُ بِهِ, وَبَصَرَهُ الَّذِي يُبْصِرُ بِهِ, وَيَدَهُ الَّتِي يَبْطِشُ بِهَا, وَرِجْلَهُ الَّتِي يَمْشِي بِهَا)) يعني لا يسمع إلا وفق منهج الله، ولا يرى الدنيا إلا من منظار المؤمنين، كيف؟ قد يحترم إنساناً دخله محدود جداً، لكنه شريف، ولا يحترم إنساناً غنياً جداً، لكن دخله مشبوه، قد يحترم إنساناً في الدرجة الدنيا من المجتمع، لكنه مؤمن، وقد لا يحترم إنساناً في درجة عليا في المجتمع، لكنه فاسق، فهو ينظر بنور الله، يسمع وفق منهج الله، لا يحرك يديه إلا بالحق، ولا يمشي إلا لخير . أيها الأخوة, هذه ثمرة من ثمار الحياء، أنك في معية الله، وإذا كنت في معيته, فأنت في حرز حريز . 2-القرب من الله : الثمرة الثانية: القرب من الله عز وجل، قال تعالى: ﴿وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ﴾ [سورة البقرة الآية: 186] كما تعلمون: هذه الآية الوحيدة من مجموعة آيات تزيد على عشر آيات، قال تعالى: ﴿يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُمَا أَكْبَرُ مِنْ نَفْعِهِمَا﴾ [سورة البقرة الآية: 219] ﴿وَيَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنْفِقُونَ قُلِ الْعَفْوَ﴾ [سورة البقرة الآية: 219] ﴿وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ﴾ [سورة البقرة الآية: 222] بين كل سؤال وجواب كلمة قل، إلا في هذه الآية، فإنه ليس هناك كلمة قل، إشارةً إلى أن العبد إذا دعا الله عز وجل, ليس هناك جهة تكون بين الله وبين عبده . دقق في معنى هذه الأحاديث : عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: ((قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من بات على طهارة, بات في شعاره ملك, فلا يستيقظ إلا قال الملك: اللهم اغفر لعبدك فلان فإنه بات طاهراً)) [أخرجه الطبراني في المعجم الكبير, والبزار في مسنده, وابن حبان في صحيحه] مؤمن ينام طاهراً، ويستيقظ طاهراً . وفي حديث آخر: ((ما من مسلم يبيت طاهراً, فيتعار من الليل -أي يستيقظ من الليل- فيسأل الله من خير الدنيا والآخرة, إلا أعطاه الله إياه)) وعن ابن مسعود رضي الله عنه موقوفاً: ((إن الله ليضحك إلى رجلين؛ رجل قام في ليلة باردة من فراشه ولحافه ودثاره، فتوضأ، ثم قام إلى الصلاة، فيقول الله عز وجل إلى ملائكته: ما حمل عبدي هذا على ما صنع؟ فيقولون: ربنا رجاء ما عندك، وشفقة مما عندك ، فيقول: إني قد أعطيته ما رجا، وأمنته مما يخاف، ورجل غزا في سبيل الله, وانهزم أصحابه, وعلم ما عليه في الانهزام, فرجع حتى يهرق دمه, فيقول الله لملائكته: انظروا عبدي رجع رجاء فيما عندي, وشفقة فيما عندي, حتى يهرق دمه)) الله عز وجل يضحك لهذين الرجلين؛ الذي قام في الليل، والذي واجه العدو في الجهاد. خلاصة القول : أيها الأخوة الكرام, خلاصة موضوع الحياء أنه ثمرة لمعرفة الله، وخلاصة المعية لله والقرب منه, أنه ثمرة للحياء، وأحب في هذه الدروس: أن أركز تركيزاً شديداً على أن قيمة عقيدة المسلم لا بما ينبغي أن يعتقد، بل يضاف إلى ذلك فيما ينبغي أن يكون عليه من أحوال مع الله عز وجل، وما من إنجاز أعظم من أن تأتي الله بقلب سليم، قال تعالى: ﴿يَوْمَ لَا يَنْفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ * إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ﴾ والحمد لله رب العالمين
| |
| | | Admin Admin
المساهمات : 4240 تاريخ التسجيل : 20/01/2018
| موضوع: رد: عقيدة من مفهوم القران والسنة -مستلزمات التوحيد الجمعة مارس 02, 2018 8:02 am | |
| العقيدة من مفهوم القران والسنة - الدرس ( 17) : مستلزمات التوحيد -4 - الأدب ما ينبغي أن تتمثل به : أيها الأخوة الكرام، مع درس من دروس العقيدة، ولا زلنا في حقيقة أن الاعتقاد ليس ما ينبغي أن تعتقد فحسب، ولكن ما ينبغي أن تتخلق به، فشطر العقيدة حقائق يجب أن تؤمن بها بعد البحث والتدقيق، وشطرها الآخر أخلاق وأحوال ومقامات ينبغي أن تتمثل فيك, من أجل أن تكون سبباً لسعادتك في الدنيا وفي الآخرة، تلك السعادة التي خلقت من أجلها: ﴿إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ﴾ [سورة هود الآية: 119] ما يتميز به المؤمن : المؤمن أديب أيها الأخوة الكرام، إذا ذكرت كلمة مؤمن, فينبغي أن يقفز إلى ذهنك أنه أديب، يا رسول الله ما هذا الأدب؟ قال: ((أدبني ربي فأحسن تأديبي)) لا يمكن أن تقع عينك على مؤمن غير مؤدب، فظ غليظ، وقح متطاول، مستحيل، لا مع الله ، ولا مع أنبيائه، ولا مع كبار المؤمنين، ولا مع عامة الناس . إذا قلت: مؤمن، أي أنه مؤدب، لطيف، يعرف حقه ويعرف حق غيره، يعرف حدوده و يعرف حدود غيره .
أنواع الأدب : 1-الأدب مع الله : أيها الأخوة, موضوع الأدب ينشعب إلى ثلاثة فروع: أولها: الأدب مع الله، فالأدب مع الله جل جلاله أن تصف الله فيما وصف به نفسه من غير تمثيل ولا تعطيل، فهو الله سبحانه وتعالى فوق سماواته، على عرشه، بائن من خلقه، ليس في ذاته شيء من مخلوقاته، ولا في مخلوقاته شيء من ذاته، هو معهم بسمعه وبصره وعلمه، له وجه تبارك اسم ربك ذو الجلال والإكرام: ﴿وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ﴾ [سورة الرحمن الآية: 27] وله نفس: ﴿تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلاَ أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ إِنَّكَ أَنْتَ عَلاَّمُ الْغُيُوبِ﴾ وله يد: ﴿يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ﴾ [سورة الفتح الآية: 10] وله ساق، وله قدم، وله عين، وله سمع، وكل شي ليس كمثله شيء . أوصاف الله عز وجل هكذا وردت في كتابه، نقر بها من دون تمثيل ولا تعطيل، لا نمثل أي ولا نعطل, أي بل نفوض إلى الله المعنى الذي يليق بكماله، أن تصف الله بما وصف به نفسه، وأن تفوض المعاني لهذه الأوصاف إلى الله عز وجل, بحيث تليق بكماله من دون تمثيل ولا تعطيل، من دون زيادة ولا نقصان ولا نفي، هذا نوع من الأدب مع الله عز وجل. ما ينبغي أن تعتقد : يقول عليه الصلاة و السلام: ((ما السموات السبع في الكرسي إلا كحلقة ملقاة في أرض فلاة، وفضل العرش على الكرسي كفضل تلك الفلاة على تلك الحلقة)) أيها الأخوة, يقول الله عز وجل عن ذاته العلية: ﴿سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ * وَسَلَامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ * وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ﴾ [سورة الصافات الآية: 180-182] الأدب مع ذات الله، الأدب مع صفات الله، الأدب مع أسماء الله، أن تصف الله بما وصف به نفسه من دون تعطيل ولا تمثيل، من دون زيادة ولا نقصان، وأن تفوض إلى الله تأويل هذه الصفات بما يليق بكماله، والقضية قضية عدة آيات لا تزيد على أصابع اليد, لا يوجد داع أن أقحم نفسي، وأن أُعمل عقلي في شيء نهيت عن البحث فيه . رُوي عن النبي عليه الصلاة والسلام: ((تفكروا في مخلوقات الله، ولا تفكروا في ذاته فتهلكوا)) من فروع الأدب مع الله : 1-الأدب في التوجه إلى الله : الآن الأدب في التوجه إلى الله: فرع آخر من فروع الأدب مع الله، سيدنا عيسى سئل: ﴿وَإِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ أَأَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَهَيْنِ مِنْ دُونِ اللَّهِ﴾ [سورة المائدة الآية: 116] لا تحكم على الناس ودع ذلك للخالق قد يخطر في بالنا أن هذا النبي الكريم ينفي عن نفسه هذا القول، يقول: والله يا رب ما قلت هذا، قال: ﴿إِنْ كُنْتُ قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلَا أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ إِنَّكَ أَنْتَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ﴾ [سورة المائدة الآية: 116] أرأيت إلى هذا الأدب الجم مع الله عز وجل؟ ثم يقول: ﴿مَا قُلْتُ لَهُمْ إِلَّا مَا أَمَرْتَنِي بِهِ أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ وَكُنْتُ عَلَيْهِمْ شَهِيداً مَا دُمْتُ فِيهِمْ فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي كُنْتَ أَنْتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ وَأَنْتَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ * إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ﴾ [سورة المائدة الآية: 117-118] قد تجد إنساناً تافهاً جداً يقول لك: فلان في النار قطعاً، من أنت؟ أنت ربه؟ لا يمكن أن تحكم على المستقبل بحكم قطعي، هذا يتناقض مع عبوديتك لله عز وجل . تقييم الأشخاص جملة وتفصيلاً ليس من شأن الإنسان : إنسان جاهد مع رسول الله، دخل عليه النبي، وقد مات، سمع امرأة تقول: هنيئاً لك أبا السائب، لقد أكرمك الله، انظر إلى أدب النبي مع الله, قال: ومن أدراك أن الله أكرمه؟ قولي: أرجو الله أن يكرمه، وأنا نبي مرسل, لا أدري ما يفعل بي ولا بكم؟ . الحكم على المستقبل القطعي ليس من شأن الإنسان، تعلموا هذه القاعدة، تقييم الأشخاص جملة وتفصيلاً ليس من شأن الإنسان، لا توزع الألقاب والتهم على الناس، إن رأيت إنساناً جيداً ومحسناً قل: أحسبه صالحاً، ولا أزكي على الله حداً، إن رأيته مسيئاً قل: أسأل الله أن يغفر له، وأن يتوب عليه، هذا الذي تراه مسيئاً, لو أنه تاب وصدق في توبته, لسبق من انتقده. انظر إلى هذا الأدب الجم من خطاب الأنبياء لله عز وجل : سيدنا موسى حينما فعل خيراً، وسقى المرأتين، الإنسان أحياناً يعمل عملاً بسيطاً, يقول لك : أنا فعلت كذا، وفعلت كذا، ولحم كتف فلان من خيري، وفلان أنا عملته رجلاً، أما سيدنا موسى حينما أجرى الله على يديه هذا الخير، قال: ﴿فَسَقَى لَهُمَا ثُمَّ تَوَلَّى إِلَى الظِّلِّ فَقَالَ رَبِّ إِنِّي لِمَا أَنْزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ﴾ [سورة القصص الآية: 24] حتى قال بعض علماء القلوب: إن رؤية العمل نوع من الشرك، سيدنا أيوب يقول: ﴿أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ﴾ [سورة الأنبياء الآية: 83] سيدنا آدم: ﴿قَالَا رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ﴾ [سورة الأعراف الآية: 23] الجن: ﴿وَأَنَّا لَا نَدْرِي أَشَرٌّ أُرِيدَ بِمَنْ فِي الْأَرْضِ أَمْ أَرَادَ بِهِمْ رَبُّهُمْ رَشَداً﴾ [سورة الجن الآية: 10] هل تلاحظون هذا الأدب الجم من خطاب الأنبياء لله عز وجل؟ . ماذا تعني كلمة مؤمن؟ : تأدب حتى مع أقل الناس مرتبة في الأرض إذا قلت: مؤمن أي مؤدّب، مؤدب مع الله، ومؤدب مع أنبيائه، ومؤدب مع كبار العلماء، و مؤدب مع عامة الناس، ماذا أقول لكم؟ إنسانة تقم المسجد، تكنسه، تنظفه، في السلم الاجتماعي لا أعتقد أن إنساناً يقع في مرتبة أدنى من هذه المرتبة، توفيت امرأة، والصحابة الكرام اجتهدوا, أن هذه المرأة من قلة الشأن وضعفه, لا ينبغي أن يبلغ النبي بموتها، من هي؟ فلما سأل عنها قيل له: ماتت، قال: هلا أعلمتموني؟ ذهب إلى قبرها، صلى عليها استثناءً، حكم خاص، من خصوصيات النبي، صلى عليها، وهي في قبرها . سيد الخلق متأدب مع أقل إنسان مرتبة في الأرض، إذا قلت: مؤمن، أي مؤدب مع الله، و مع أنبيائه، ومع الذين ينقلون العلم للناس، ومع المؤمنين، ومع عامة الخلق . من أقوال العلماء حول موضوع الأدب مع الله : قال بعض العلماء: من تأدب بأدب الله, صار من أهل محبة الله، وقال بعضهم: الأدب للعارف كالتوبة للمستأنف، العارف بالله يتأدب مع الله أشد الأدب . وقد ورد في الأثر, أنه قيل لرسول الله صلى الله عليه و سلم: مثل بهم هؤلاء الذين مثلوا بعمك، قال: لا أمثل بهم فيمثل الله بي، ولو كنت رسولا . إنسان متطاول جلس عند عالم, فقال له العالم: يا بني, نحن إلى أدبك أحوج منا إلى علمك. ماذا يعلمنا النبي في هذا الدعاء؟ : انظر إلى هذا الدعاء النبوي الذي يعلمنا الأدب، عَنْ شَدَّادِ بْنِ أَوْسٍ, عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: ((إِنَّ سَيِّدَ الِاسْتِغْفَارِ أَنْ يَقُولَ الْعَبْدُ: اللَّهُمَّ أَنْتَ رَبِّي، لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ، خَلَقْتَنِي وَأَنَا عَبْدُكَ، وَأَنَا عَلَى عَهْدِكَ وَوَعْدِكَ مَا اسْتَطَعْتُ، أَعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّ مَا صَنَعْتُ، أَبُوءُ لَكَ بِذَنْبِي، وَأَبُوءُ لَكَ بِنِعْمَتِكَ عَلَيَّ, فَاغْفِرْ لِي، فَإِنَّهُ لَا يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا أَنْتَ، فَإِنْ قَالَهَا حِينَ يُصْبِحُ مُوقِنًا بِهَا فَمَاتَ دَخَلَ الْجَنَّةَ، وَإِنْ قَالَهَا حِينَ يُمْسِي مُوقِنًا بِهَا دَخَلَ الْجَنَّةَ)) 2- الأدب مع أحكام الله وشرعه : الآن الأدب مع أحكام الله وشرعه، قال تعالى: ﴿وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ﴾ [سورة الحج الآية: 32] تعظيم شعائر الله، تعظيم مناسك الحج، تعظيم أحكام الصيام، تعظيم أحكام الصدقة، تعظيم أحكام الصدقة: ﴿وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ﴾ [سورة الحج الآية: 32] ﴿وَمَنْ يُعَظِّمْ حُرُمَاتِ اللَّهِ فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ عِنْدَ رَبِّهِ﴾ [سورة الحج الآية: 30] ملخص ما يجري في العالم الإسلامي اليوم : وربما لخصت لكم ما يجري في العالم الإسلامي الآن: هان أمر الله عليهم فهانوا على الله، لم يعظموا حرمات الله . قال بعض السلف: من تهاون بالأدب مع الله عوقب بحرمان السنن، ومن تهاون بالسنن عوقب بحرمان الفرائض، ومن تهاون بالفرائض عوقب بحرمان المعرفة، يبدأ الحرمان من سوء الأدب . وقال بعضهم: الزم الأدب ظاهراً وباطناً، فما أساء أحد الأدب في الظاهر إلا عوقب ظاهراً ، وما أساء أحد الأدب باطناً إلا عوقب باطناً .
2-الأدب مع أنبيائه صلوات الله عليهم : البند الثاني في هذا الدرس: الأدب مع أنبيائه صلوات الله عليهم: ﴿وَكَأَيِّنْ مِنْ نَبِيٍّ قَاتَلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ فَمَا وَهَنُوا لِمَا أَصَابَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَمَا ضَعُفُوا وَمَا اسْتَكَانُوا﴾ [سورة آل عمران الآية: 146] أي كانوا في قمة الأدب مع رسول الله، ما تململوا، ولا تبرموا، ولا حوقلوا، بل صبروا، و نصروا، وتواضعوا، وتحملوا: ﴿فَمَا وَهَنُوا لِمَا أَصَابَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَمَا ضَعُفُوا وَمَا اسْتَكَانُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ﴾ [سورة آل عمران الآية: 146] ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ﴾ [سورة الحجرات الآية: 1] معنى لا تقدموا لا تقترحوا، لا تقترح في حياته وأمام حضرته اقتراحات تخالف منهجه، أي إنسان يقول لك: أنا أرى أن هذا لا يصلح لهذا العصر، فهو مشرع، وغاب عن النبي أن هذا الشيء الذي يأمر به لا يصلح لهذا العصر . يقولون هذا عندنا غير جائز ومن أنتم حتى يكون لكم عند؟ لذلك ورد في بعض الأحاديث الصحيحة: إذا رأيت شحاً مطاعاً، مادية مقيتة، يبيع دينه بعرض من الدنيا قليل . واقعة : من قلة الأدب السخرية من شعائر الله وعددها وشكلها حدثني أخ التقى مع محامٍ, له اهتمام كبير بالجرائم الكبيرة التي تقع، قال هذا المحامي: مرة قضية إرث، وقضية حجمها بعشرات الملايين تقترب من ستين مليونًا، ويوجد في القضية شاهد إذا شهد، وأقسم بالله أنه رأى وسمع, عدت شهادته حاسمة، وتغير الوضع كلياً، والشاهد شاهد زور، وهو كاذب، لكن القاضي يعلم الحقيقة، إلا أنه مقيد بالقوانين، هذا الشاهد استدعي ليشهد، فإن وضع يده على كتاب الله, وأقسم بالله العظيم أن يقول الحق، وتكلم بشهادة معينة, فالستين مليونًا تنتقل من الورثة إلى واحد، هذا المحامي رأى ذلك رأي العين، وضع يده على المصحف، ونطق بالقسم، وقال الرواية التي قبض ثمنها مبالغ طائلة، ثم رفع يده عن المصحف، وبقيت يده مرفوعة، قال له القاضي: أنزل يدك، فإذا به قد وقع، بقيت مرفوعة، وافته المنية فجأة، اختل توازنه فوقع، يقول هذا القاضي: رأيت هذا رأي العين: ﴿قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ ثُمَّ انْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ﴾ [سورة الأنعام الآية: 11] الفاء للترتيب على التعقيب، ويوجد آية: ﴿قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ ثُمَّ انْظُرُوا﴾ [سورة الأنعام الآية: 11] وقد يشهد الشاهد شهادة زور، ويحلف يمين غموسًا، ويُغمس بهذه اليمين في النار، ولا يأتي العقاب سريعاً، هذا أدب مع رسول الله، أن تأخذ سنته بكل إكبار، لا أن تنتقض هذه السنة، لماذا الطواف سبعة أشواط؟ يتفلسف، لماذا السعي بين الصفا والمروة؟ ما الفائدة؟ لماذا الصلاة؟ لماذا السنن؟ هذا الذي يسخر من سنة النبي عليه الصلاة والسلام، ليس متأدباً مع رسول الله . علام تحضنا هذه الآيات؟ : قال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ وَلَا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ أَنْ تَحْبَطَ أَعْمَالُكُمْ وَأَنْتُمْ لَا تَشْعُرُونَ﴾ [سورة الحجرات الآية: 2] ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ وَلَا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ أَنْ تَحْبَطَ أَعْمَالُكُمْ وَأَنْتُمْ لَا تَشْعُرُونَ * إِنَّ الَّذِينَ يَغُضُّونَ أَصْوَاتَهُمْ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ أُولَئِكَ الَّذِينَ امْتَحَنَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ لِلتَّقْوَى لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ عَظِيمٌ﴾ [سورة الحجرات الآية:2-3] يقول الله عز وجل: ﴿لَا تَجْعَلُوا دُعَاءَ الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعَاءِ بَعْضِكُمْ بَعْضاً﴾ [سورة النور الآية: 63] لذلك: أقرب الصحابة إلى الله أشدهم أدباً مع رسول الله، وأقرب الناس إلى الله الآن أشدهم أدباً مع رسول الله، وكما أنه يمكن أن تكون مؤدباً مع رسول الله في حياته, يمكن أن تكون مؤدباً مع رسول الله بعد مماته: ﴿فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيماً﴾ [سورة النساء الآية: 65] ما محور هذا الحديث؟ : أيها الأخوة، عَنْ عِرْبَاضِ بْنِ سَارِيَةَ قَالَ: ((صَلَّى لَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْفَجْرَ، ثُمَّ أَقْبَلَ عَلَيْنَا، فَوَعَظَنَا مَوْعِظَةً بَلِيغَةً، ذَرَفَتْ لَهَا الْأَعْيُنُ، وَوَجِلَتْ مِنْهَا الْقُلُوبُ، قُلْنَا: أَوْ قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ! كَأَنَّ هَذِهِ مَوْعِظَةُ مُوَدِّعٍ، فَأَوْصِنَا، قَالَ: أُوصِيكُمْ بِتَقْوَى اللَّهِ، وَالسَّمْعِ وَالطَّاعَةِ، وَإِنْ كَانَ عَبْدًا حَبَشِيًّا ...)) من روائع سيرة النبي عليه الصلاة والسلام : يوجد شيء في السيرة يفوق حد الخيال، شاب في الثامنة عشرة من عمره, يعيّنه النبي قائدًا لجيشه، من جنوده؛ أبو بكر, وعمر, وعثمان, وعلي، سيدنا أسامة بن زيد يمشي أبو بكر، و هو خليفة المسلمين، وسيدنا أسامة راكب على الجمل، وسيدنا أسامة كتلة من الأدب، قال: يا خليفة رسول الله! لتركبن أو لأمشين، قال: والله لا ركبت، ولا نزلت، وما علي أن تغبرّ قدماي ساعة في سبيل الله . سيدنا الصديق حينما دخل المدينة، كان يمشي قبل رسول الله، كان يمشي قبله ليكون دريئة له، وكان يمشي وراءه إذا شعر أن الطلب من ورائه، وكان يمشي عن يمينه إذا خاف القتل من على يمينه، وكان يمشي عن يساره، لما دخل المدينة كان يمشي قبله، وكان أهل المدينة لا يعرفون رسول الله، فظنوا أبا بكر رسول الله، فأقبلوا عليه معظمين، ماذا يقول؟ أمسك رداءه، وظلل به النبي عليه الصلاة والسلام، فعرف الناس أن هذا هو رسول الله . ما الذي يقرب العبد من الله؟ : الأدب يقرب العبد من الرب أحياناً إنسان يتمتع بثقافة عالية جداً، لكن له تصرفات -والعياذ بالله- كإنسان أحمق، أو كإنسان أرعن، أو كإنسان جلف كما يقال، وتجد إنساناً عنده أدب، هذا الأدب هو الذي يجعلك قريباً من الله عز وجل . أيكما أكبر أنت أم رسول الله؟ قال: هو أكبر مني، وأنا ولدت قبله . وما لم نتحلَ بالأدب فيما بيننا، إنسان أكبر منك، إنسان أقدم منك في المسجد، إنسان أكثر منك علماً، تأدب معه، استمع منه، أحياناً يجلس إنسان لا يسمح لإنسان أن يقول كلمة في المجلس، هو وحده يتكلم، والباقون يسكتون، نوع من الأدب، لكن تكلم قليلاً واستمع كثيراً، تكلم وافسح لغيرك أن يتكلم، بقدر ما الصحابة الكرام كانوا يعظمون رسول الله, بقدر ما كان النبي عليه الصلاة والسلام متواضعاً . كان مع أصحابه في سفر، فقال أحدهم: ((علي ذبح الشاة، وقال الثاني: علي سلخها، وقال الثالث: علي طبخها، قال عليه الصلاة والسلام: وعلي جمع الحطب، قالوا: يا رسول الله! نكفيك ذلك، قال: أعلم أنكم تكفونني، ولكن الله يكره أن يرى عبده متميزاً على أقرانه)) بقدر ما الصحابة عظموا رسول الله، بقدر ما كان النبي عليه الصلاة والسلام متواضعاً . ماذا نستنبط من هذين الحديثين؟ : أنا أقول لكم: يمكن أن تستنبطوا من هذين الحديثين مئات النتائج . إن أعرابياً دخل على رسول الله مع أصحابه، قال: ((أيكم محمد؟ -فقط، هل فهمتم كل شيء؟ ليس له كرسي ضخم، ولا هيئة معينة، ولا ثياب معينة، ولا مقام، ولا طراريح- فقال عليه الصلاة والسلام: أنا)) ومرة دخل أعرابي قال: ((أيكم محمد؟ فقال له أحد الصحابة: ذاك الوضيء)) كان يخسف نعله، كان يحلب شاته، كان يضع الإناء للهرة، كان إذا دخل بيته بساماً ضحاكا ، كان إذا دخل بيته واحداً من أهل البيت، كان يمشي على أربع ليركب الحسن والحسين على ظهره، وهو سيد الخلق، وحبيب الحق، كان إذا رأى صبية قال: السلام عليكم يا صبية، وإذا كانوا يتسابقون جرى معهم، وتسابق معهم، شيء لا يصدق . وأحْسَنُ مِنْكَ لم تَرَ قَطُّ عَيْني وَأجْمَلُ مِنْكَ لَمْ تَلِدِ النّسَاءُ خُلِقْتَ مُبَرَّأَ مِنْ كُلّ عَيْــبٍ كَأنّكَ قَدْ خُلِقْتَ كمَا تَشاءُ
3-الأدب مع حملة ميراث النبوة : بقي: الأدب مع حملة ميراث النبوة . عَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ, أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: ((لَيْسَ مِنْ أُمَّتِي مَنْ لَمْ يُجِلَّ كَبِيرَنَا، وَيَرْحَمْ صَغِيرَنَا، وَيَعْرِفْ لِعَالِمِنَا حَقَّهُ)) [أخرجه الطبراني في المعجم الكبير, والإمام أحمد في مسنده] بالمناسبة: ليس من أمتي هذا وعيد خطير جداً، أنت لا تنتمي لهذه الأمة، من لم يجل كبيرنا ويرحم صغيرنا، ويعرف لعالمنا حقه . سائل يسأل : عَنْ قَيْسِ بْنِ كَثِيرٍ قَالَ: ((سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: مَنْ سَلَكَ طَرِيقًا يَبْتَغِي فِيهِ عِلْمًا, سَلَكَ اللَّهُ بِهِ طَرِيقًا إِلَى الْجَنَّةِ، وَإِنَّ الْمَلَائِكَةَ لَتَضَعُ أَجْنِحَتَهَا رِضَاءً لِطَالِبِ الْعِلْمِ، وَإِنَّ الْعَالِمَ لَيَسْتَغْفِرُ لَهُ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ، حَتَّى الْحِيتَانُ فِي الْمَاءِ، وَفَضْلُ الْعَالِمِ عَلَى الْعَابِدِ كَفَضْلِ الْقَمَرِ عَلَى سَائِرِ الْكَوَاكِبِ، إِنَّ الْعُلَمَاءَ وَرَثَةُ الْأَنْبِيَاءِ، إِنَّ الْأَنْبِيَاءَ لَمْ يُوَرِّثُوا دِينَارًا وَلَا دِرْهَمًا، إِنَّمَا وَرَّثُوا الْعِلْمَ، فَمَنْ أَخَذَ بِهِ أَخَذَ بِحَظٍّ وَافِرٍ)) ما تفسير: حتى الحيتان في الماء تستغفر للعالم؟ سألني مرة أحدهم عن هذا الحديث، قلت له : المؤمن إذا اشترى سمكاً، واصطيد أمامه, لا يسمح بتنظيفه مباشرةً حتى تموت، السمك لا تزال حية, يشق بطنها، وتنزع أحشاءها، وقد عذبت مرتين, فالمؤمن يرحم، يرحم حتى السمكة إذا اشتراها، ولم تمت بعد . انظر إلى هذا الفرق بين العالم والعابد : عَنْ أَبِي أُمَامَةَ الْبَاهِلِيِّ قَالَ: ((ذُكِرَ للنبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَجُلَانِ؛ أَحَدُهُمَا عَابِدٌ، وَالْآخَرُ عَالِمٌ، ثم قَالَ النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: فَضْلُ الْعَالِمِ عَلَى الْعَابِدِ كَفَضْلِي عَلَى أَدْنَاكُمْ، ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِنَّ اللَّهَ, وَمَلَائِكَتَهُ, وَأَهْلَ السَّمَوَاتِ وَالْأَرَضِ، حَتَّى النَّمْلَةَ فِي جُحْرِهَا، والحيتان في البحر, لَيُصَلُّونَ عَلَى مُعَلِّمِ النَّاسِ الْخَيْرَ)) [أخرجه الترمذي في سننه] من سمات المؤمن : الأدب حتى مع طلاب العلم إنسان من الدعاة إلى الله، أنا والله أظنه صالحاً، ولا أزكي على الله أحداً، رجل صالح مستقيم، في أثناء قيادة مركبته رجع قليلاً إلى الوراء، فصدم سيارة, وتأثرت تأثراً طفيفاً جداً، فكتب ورقة باسمه وهاتفه, كي يتولى إصلاح المركبة التي آذاها، ثم جاء صاحبها فتكلم كلاماً بذيئاً، تكلم كلاماً وقحاً، تكلم كلاماً لا يسمع مع هذا الإنسان الصالح، ماذا يفعل هذا الإنسان؟ في اليوم الثاني كان هذا الرجل البذيء في مزرعته في ضواحي دمشق، ودعا أصدقاءه، وأحد الأصدقاء لم يعرف طريق المزرعة، فاتصل به على الهاتف المحمول، أن كن في المكان الفلاني، وسآتي إليك، وصل إليه، وسار أمامه، فإذا بمركبة تصدمه، والآن هو مشلول شللا نصفيًا، وهو في مقتبل حياته، الله كبير، لا تتطاول على إنسان ينتفع الناس منه، لا تتواقح عليه ، لذلك الأدب مع الله، ومع رسوله، ومع تشريعه، ومع أهل العلم من سمات المؤمن، حتى الأدب مع طلاب العلم، تواضعوا لمن تعلمون، يجب أن تتواضع لمن تعلم، يجب أن تتواضع لمن تتعلم منه، ويجب أن تتواضع لمن تعلمه، الأدب مع كبار السن . يقول عليه الصلاة والسلام: ((البركة مع أكابركم، وليس منا من لم يرحم صغيرنا, ويعرف حق كبيرنا)) دقق في هذا الحديث : الآن دققوا في هذا الحديث: عَنْ أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ, أن رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ, قال: ((إِنَّ مِنْ إِجْلَالِ اللَّهِ, إِكْرَامَ ذِي الشَّيْبَةِ الْمُسْلِمِ، وَحَامِلِ الْقُرْآنِ غَيْرِ الْغَالِي فِيهِ، وَلا الْجَافِي عَنْهُ، وَإِكْرَامَ ذِي السُّلْطَانِ الْمُقْسِطِ)) [أخرجه أبو داود في سننه] ليس عالماً فقط، بل متقدم في السن، مسلم، صائم، مصلٍّ، مستقيم، محمود السيرة . ((إِنَّ مِنْ إِجْلَالِ اللَّهِ, إِكْرَامَ ذِي الشَّيْبَةِ الْمُسْلِمِ، وَحَامِلِ الْقُرْآنِ غَيْرِ الْغَالِي فِيهِ، وَلا الْجَافِي عَنْهُ، وَإِكْرَامَ ذِي السُّلْطَانِ الْمُقْسِطِ)) واجب في عنقك : مدير ناحية ما سمعنا عنه إلا خيراً، مستقيم، منصف، متواضع, يحترم الناس، يحل مشكلاتهم، دخل الغرفة، لا أقف له، هذا إنسان له منصف، ومستقيم، وما فعل شيئاً يخالف منهج الله عز وجل، ينبغي أن تحترمه، لا مانع أن تحترم إنساناً الله ولاه عليك احترامًا مؤدبًا من دون نفاق، من دون مبالغة، من دون جفاء أيضاً . ((إِنَّ مِنْ إِجْلَالِ اللَّهِ, إِكْرَامَ ذِي الشَّيْبَةِ الْمُسْلِمِ، وَحَامِلِ الْقُرْآنِ غَيْرِ الْغَالِي فِيهِ، وَلا الْجَافِي عَنْهُ، وَإِكْرَامَ ذِي السُّلْطَانِ الْمُقْسِطِ))
4-الأدب مع عامة الناس : الآن: الأدب مع عامة الناس: نكتفي بأدب سيدنا يوسف مع أخوته، قال تعالى: ﴿وَرَفَعَ أَبَوَيْهِ عَلَى الْعَرْشِ وَخَرُّوا لَهُ سُجَّداً وَقَالَ يَا أَبَتِ هَذَا تَأْوِيلُ رُؤْيَايَ مِنْ قَبْلُ قَدْ جَعَلَهَا رَبِّي حَقّاً وَقَدْ أَحْسَنَ بِي إِذْ أَخْرَجَنِي مِنَ السِّجْنِ﴾ [سورة يوسف الآية: 100] أيهما أخطر الجب أم السجن؟ السجن حياته مضمونة، لكن الجب مظنة موت وهلاك، لم يذكر الجب لئلا يذكر أخوته بجريمتهم، ثم قال تعالى: ﴿وَجَاءَ بِكُمْ مِنَ الْبَدْوِ﴾ [سورة يوسف الآية: 100] لم يقل: أنتم فقراء، تموتون من الجوع، فجئتم إلي فأطعمتكم، لا، قال: جاء بكم من البدو، ولم يقل: إن أخوته ظلموا، بل قال: من بعد أن نزغ الشيطان بيني وبين أخوتي، ما جعلهم مسيئين، قال: من بعد أن نزغ الشيطان، تعلموا الأدب من الأنبياء، قال تعالى: ﴿وَقَدْ أَحْسَنَ بِي إِذْ أَخْرَجَنِي مِنَ السِّجْنِ وَجَاءَ بِكُمْ مِنَ الْبَدْوِ مِنْ بَعْدِ أَنْ نَزَغَ الشَّيْطَانُ بَيْنِي وَبَيْنَ إِخْوَتِي﴾ [سورة يوسف الآية: 100] إذا كنت في قوم من عشرين رجلاً، أو أقلّ أو أكثر، فتصفحت وجوههم، فلم تر فيهم رجلاً يهاب في الله عز وجل, فاعلم أن الأمر قد رق، هناك إنسان له هيبة، كل إنسان موصول بالله له هيبة، عشرون رجلاً، ولا إنسان يهاب، فاعلم أن الأمر قد رق، لذلك في آخر الزمان ألف كأف، ومع أصحاب رسول الله واحد كألف . خاتمة القول : أختم هذا الدرس: أن سيدنا الصديق جاءته رسالة من سيدنا خالد, يطلب خمسين ألفاً نجدة لمعركة في نهاوند، يبدو أنهم كانوا ثلاثين ألفاً، وواجهوا ثلاثمئة ألف، فطلب خمسين ألفاً، بعث له الصديق بواحد اسمه القعقاع، قال له: أين النجدة؟ قال: أنا، قال له: أنت؟ معه كتاب، فتح الكتاب، يقول سيدنا الصديق: يا خالد، والذي بعث محمداً بالحق, إن جيشًا فيه القعقاع لا يهزم بإذن الله، وانتصر الجيش بواحد . === الشكر من لوازم التوحيد : أيها الأخوة الكرام، لا زلنا في موضوع أظنه مهم جداً، ألا وهو أن حقيقة العقيدة ليس ما ينبغي أن أعتقد، بل ما ينبغي أن أكون عليه، فهذه المركبة يجب أن تسير، فإن لم تسر, إذاً ليس فيها محرك، تعتقد أن الله غني، وأنه أنعم عليك بنعمة الإيجاد، ونعمة الإمداد، ونعمة الهدى والرشاد، ولا تشكره؟! إذاً هذه الحقائق لا تعرفها، ولم تخطر على بالك، العبرة ما ينبغي أن أكون عليه، لا ما ينبغي أن أعتقده . فالدرس اليوم: من لوازم توحيده أن تشكره، الشكر نصف الإيمان، والشكر من أخص خصائص المؤمن . من تعريفات الشكر : قال بعضهم: الشكر سيلان اللسان بذكر الله ونعمائه، إذا أحببت شيئاً أكثرت من ذكره ، علامة محبتك لله أنك تكثر من ذكره، علامة أنك تعلم ما أنعم الله به عليك من نعم، أنك تشكره، وقالوا: اختلاج القلب وتلهفه وتواضعه لكرمه، وإعمال الجوارح في طاعته، وتعظيم أوامره، هذا هو الشكر، هذا من تعريفات الشكر . من الأولويات عند الإنسان المسلم : أيها الأخوة الكرام، يقول عليه الصلاة والسلام فيما رواه الإمام أحمد في مسنده: ((والذي نفسي بيده, إن دواب الأرض لتسمن وتشكر شكراً)) ﴿وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلاَّ يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَكِنْ لاَ تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ﴾ . فإذا كانت دواب الأرض تسمن وتشكر الله عز وجل, فالأولى أن نكون نحن الذين كلفنا حمل الأمانة، وسخر لنا الكون من أجلنا, أن نشكر الله عز وجل . من تعريفات الشكر أيضاً كما أوردها العلماء في هذا المقام : وقال بعضهم: الشكر ظهور أثر النعمة على لسان العبد ثناءً واعترافاً، وعلى قلبه شهوداً ومحبةً، وعلى جوارحه انقياداً وطاعة . الشكر كما قال بعض العلماء: ألا ترى نفسك أهلاً للنعمة، أن ترى النعمة أعظم من عملك . بعضهم قال: أن ترى النعمة، أن ترى نفسك فيها طفيلياً، لست أهلاً لها، هذا من تواضع الإنسان . الشكر معرفة العجز عن الشكر، والعجز عن الإدراك إدراك، لأن الله عز وجل يقول: ﴿وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا﴾ [سورة النحل الآية: 18] أنتم عاجزون عن إحصائها، فلأن تكونوا عاجزين عن شكرها من باب أولى . وقال بعضهم: الشكر معرفة العجز عن الشكر، والشكر استفراغ الطاقة، أو هو مشاهدة المنة، وحفظ الحرمة، وقيل: هو عكوف القلب على محبة المنعم، والجوارح على طاعته، وجريان اللسان بذكره، والثناء عليه، هذه بعض التعريفات التي أوردها العلماء حول مقام الشكر الذي هو من أخص خصائص المؤمن . تعريف الشكر بشكل مختصر : أيها الأخوة الكرام، بشكل مختصر: الشكر: إدراك بالعقل أن هذه النعمة من الله، وامتنان بالقلب، وعمل صالح لعباده كتعبير صارخ على شكره، لقوله تعالى: ﴿اعْمَلُوا آَلَ دَاوُدَ شُكْراً﴾ [سورة سبأ الآية: 13] فاللسان يشكر، والقلب يمتن، والجوارح تعمل، العقل يدرك، والقلب ممتن، والجوارح تتحرك بنسق واحد، فالعقل يدرك أنه في نعمة عظمى . من دلائل العجز والضعف عند الإنسان : أمسك أحد الخلفاء كأس ماء، فقال له وزيره: يا أمير المؤمنين, كم تشتري هذا الكأس إذا منعت منك؟ قال: بنصف ملكي، قال: فإذا منع إخراجه؟ قال: بنصف ملكي الآخر . أنت مفتقر إلى كأس ماء . مرة قرأت في الأخبار: أن إنساناً أتى من الكويت إلى الشام, قبل أن يكون هناك طريق معبد، ضل الطريق، عثر عليه ميتاً هو وزوجته وأولاده من شدة العطش، وقد جرح وجهه بأظافره من شدة العذاب، الإنسان, ومكانته, وشهاداته, وقيمته, وهيمنته, وسيطرته في كأس ماء، من حكم الصوم حينما تجوع وتعطش تعرف أنك عبد لله، وأنك مفتقر لكأس ماء، إدراك بالعقل، وامتنان بالقلب، وعمل لخدمة العباد هذا الشكر . إليكم هذا الدليل من الكتاب على أن الشكر من أخص خصائص المؤمن : أيها الأخوة الكرام، أؤكد لكم أن الشكر من أخص خصائص المؤمن، من أخص خصائص المؤمن، الدليل: قال تعالى: ﴿مَا يَفْعَلُ اللَّهُ بِعَذَابِكُمْ إِنْ شَكَرْتُمْ وَآَمَنْتُمْ﴾ [سورة النساء الآية: 147] أنت حينما تشكر، وحينما تؤمن, حققت الهدف من وجودك، حققت علة وجودك، حققت غاية وجودك . الدليل الآخر: أن هذا الكون مسخر لك تسخير تعريف وتكريم، أي شيء خلقه الله عز وجل, وظيفته الأولى أن تعرف الله من خلاله، وظيفته الثانية أن تنتفع به . انظر إلى هذا الفرق بين من يعيش في النعمة ومن يعيش مع المنعم : ضربت اليوم مثلاً لطلاب، قلت لهم: لو أن واحداً دخله قليل جداً، حيث لا يستطيع أن يلعق لعقة عسل واحدة لفقره، لكن وقع تحت يده كتاب عن العسل، فبكى تعظيماً لله على هذه الآية الدالة على عظمته، هذا الذي لم يستطع أن يلعق لعقة عسل واحدة, حقق الهدف الأكبر من خلق العسل، مع أنه لم يأكل العسل، وبالتعبير العامي الذي انفزر عسلاً، وما فكر فيه, عطل الهدف الأكبر من خلق العسل، الغرب أتقن الانتفاع بالنعم، والمؤمنون في عصور ازدهارهم, أتقنوا شكر هذه النعم، لذلك هناك من يعيش في النعمة، وهناك من يعيش مع المنعم. ممكن لإنسان أن يدعوك إلى طعام نفيس، ويتفنن في ألوان الطعام، ويتفنن في الترحيب، ويتفنن في وضع الزهور، والعصير مقدماً، ويأتي إنسان عينه على الطعام يجلس، ويلتهم الطعام كالدابة، ثم ينصرف، ولا يسلم على صاحب البيت، ولا يشكره، هذا فعلاً دابة, في إنسان يرتدي ثياباً غالية جداً، وعنده عطر، يقول لك: هذه ثمن القارورة أربعة آلاف وخمسمئة ليرة، أخذتها من باريس، لكن هو دابة, إذا تنعم ولم يشكر، فلذلك الشكر من أخص خصائص المؤمن . من أدعية النبي عليه الصلاة والسلام : كان عليه الصلاة والسلام يقول: ((الحمد لله الذي أذهب عني ما يؤذيني, وأبقى لي ما ينفعني)) ((الحمد لله الذي أذاقني لذته الطعام, أبقى في قوته, وأذهب عني أذاه)) كان إذا رأى وجهه في المرأة: ((اللهم كما حسنت خَلقي حسن فحسن خُلقي)) كان إذا ارتدى ثوباً جديداً له دعاء خاص . كان إذا دخل على بيته, قال: ((الحمد لله الذي آواني، وكم ممن لا مأوى له)) كان إذا استيقظ: ((الحمد لله الذي رد إلي روحي، وعافاني في بدني، وأذن لي بذكره)) لا تغفل عن هذه النعم : أيها الأخوة الكرام, تلبد الحس مصيبة كبيرة، اسأل أخاً اضطر لزرع أسنانه، ثمن زرع الأسنان كلها مليونا ليرة سورية، الذي عنده أسنان طبيعية سليمة، الذي عنده كليتان سليمتان, زرع الواحدة يكلف حوالي مليون، الآن الذي عنده قلب يعمل بانتظام, لا يحتاج إلى زرع شريان، هذه نعمة، الذي عنده الغدد الصماء تعمل بانتظام، هذه نعمة كبيرة، أنت بصحتك التامة غني . تاج النعم العقل : أيها الأخوة الكرام، الشكر من أخص خصائص المؤمن، الشكر لله -دقق- والحمد، الحمد صفة مشتركة بين كل البشر . إنسان ملحد يشتري بيتاً، يزينه، يفرشه، يستقبل الضيوف، بعد أن تنتهي السهرة يقول : تفضلوا وتفقدوا البيت، هذه ستة بسبعة، الغرفة ما شاء الله، هذه الشرفة مطلة على الحديقة، هذا الحمام مستواه كذا، هو مع النعمة، هو يحمد، لكن يحمد من؟ في الفاتحة: )الْحَمْدُ للهِ(، الخلاف لا على الحمد، على من ينبغي أن تحمد . إنسان يحمل شهادة عليا من باريس، دكتوراه في الجيولوجيا، ترقى في المناصب حتى صار معاون وزير، شاب في مقتبل الشباب، زوجته شابة، دخله كبير، بيته بأرقى أحياء دمشق، مركبته فارهة، فقد بصره، جاملوه شهرًا، ثم عزل من منصبه، زاره صديق لي، قال له: والله يا فلان أتمنى أن أتسول على الطريق، ولا أملك إلا ثيابي، وأن يرد لي بصري، هل تعلم قيمة نعمة البصر؟ . إنسان اختل توازنه العقلي، ضغطه ممتاز، لكن لا عقل له، ضغطه جيد، نبضه ثمانون ، أجرى فحوصات، تامة كلها، لكن لا عقل له، تاج النعم العقل . طرفة : طرفة: كنت أقول سابقاً، وسأعود إلى ذلك إن شاء الله، كل طفل جاء مع أبيه, نقدم له أكلة طيبة عقب صلاة الجمعة، مرة أحدهم أطول مني، قال: أين هديتي؟ فهمت أن عقله خفيف، قلت له: تفضل، قلت: سبحان الله! ليس ثمة شيء ثمين في حياته كالعقل، يسكت أحيانا ، أحياناً يبتسم، أحياناً يتكلم، أحياناً يسترحم، لكن لا عقل له، مشكلته مشكلة . من لوازم المؤمن : أيها الأخوة الكرام، قواعد الشكر خمسة؛ الخضوع للمشكور، قبل أن نبدأ بهذه القواعد أقول: المسلم المؤمن الصادق إذا سمع خبراً سار, يسجد سجدة الشكر، نجح, يسجد سجدة الشكر، استلم المحل, يسجد سجدة الشكر، تزوج, يسجد سجدة الشكر, مشكلة انحلت, يسجد سجدة شكر . واقعة : حدثني أخ, قال لي: أعمل بالكمبيوتر خمس ساعات، فضاعت كلها، غلط غلطة، محا العمل كله، تألم ألماً شديداً، ثم هداه الله إلى طريقة, استرجع هذه المعلومات، فصلى ركعتين شكراً لله، فالشكر من لوازم المؤمن، أنت حسنة من الله عز وجل، منحك نعمة الإيجاد، ونعمة الإمداد، ونعمة الهدى والرشاد . من المنسيات عند الإنسان : مرة كنت في المطار, شاهدت طفلاً صغيراً يجمع أن يسافر مع والديه، لكن وسطه كرة كبيرة جداً، يبدو أنهم يخافون أن يحدث شيء في الطائرة، وضعوا فوطًا مضاعفة، قلت: هذا إذا صار في منصب رفيع عندما يكبر, يتذكر نفسه في المطار في وسطه كرة فيها فوط مضاعفة، الإنسان يكون طفلاً، لا يلحظ نفسه، يكبر، ينسى أنه كان طفلاً، خرج من عورة إلى عورة، وخرج من عورة ثلاث مرات، يقول: أنا، من أنت؟ . قواعد الشكر خمسة: الخضوع للمشكور، ومحبته، والاعتراف بنعمته، وثناؤه عليه، وصرفها فيما يحب ويرضى . أنواع الشكر : 1-شكر العامة : الشكر: شكر العامة، وشكر الخاصة, العامة تشكر الله على المال الوفير، يقول لك أحدهم: الله مفضلها، يشكر الله على الصحة فقط، على الزوجة، يشكر الله على كل شيء مادي ، لأن المادة مبلغه من العلم: ﴿وَاللَّهُ أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لَا تَعْلَمُونَ شَيْئاً وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ﴾ [سورة النحل الآية: 78] 2-شكر الخاصة : أيها الأخوة الكرام, الخاصة ما نوع شكرهم؟ يشكر الله على معرفة الله، يشكر الله على طاعة الله، يشكر الله على معرفة القرآن، على معرفة السنة، يشكر الله أن أجرى الله على يديه العمل الصالح: ﴿وَاللَّهُ أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لَا تَعْلَمُونَ شَيْئاً وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ﴾ [سورة النحل الآية: 78] كلما ارتقى مستواك يرتقي مستوى شكرك، لا مستوى الشكر من حيث الدرجة، مستوى مضمون الشكر . إليكم هذا الفرق بين شكر العامة والخاصة : أيها الأخوة الكرام، عامة الناس يشكرون الله على النعم المادية، ولكن خواص المؤمنين يشكرون الله على نعمة المعرفة، ونعمة الطاعة، ونعمة الصلة، ونعمة العمل لصالح ، وأن الله سخر له أناساً يتاح من خلالهم أن يتقرب إلى الله . إذا أحب عبدي لقائي أحببت لقاءه، وإذا كره لقائي كرهت لقاءه، أنا أغنى الأغنياء عن الشرك، من عمل عملاً أشرك فيه معي غيره, تركته وشركه .
| |
| | | Admin Admin
المساهمات : 4240 تاريخ التسجيل : 20/01/2018
| موضوع: رد: عقيدة من مفهوم القران والسنة -مستلزمات التوحيد الجمعة مارس 02, 2018 8:02 am | |
| قواعد الشكر : 1-الخضوع للمشكور : أيها الأخوة الكرام، القاعدة الأولى: الخضوع للمشكور، لا يمكن أن تكون شاكراً إذا كنت عاصياً، من لوازم الشكر الخضوع لله عز وجل: ﴿إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ﴾ [سورة الفاتحة الآية: 5] ﴿الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ﴾ [سورة الحج الآية:35] ﴿الَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِلَّهِ وَالرَّسُولِ مِنْ بَعْدِ مَا أَصَابَهُمُ الْقَرْحُ﴾
[سورة آل عمران الآية: 172] إذاً: القاعدة الأولى: الخضوع لله عز وجل، وما شكر الله من لم يخضع له . 2-محبة المشكور والثناء عليه : الشيء الثاني: محبة المشكور والثناء عليه، فيجب أن يمتلئ القلب محبة لله عز وجل، للتقريب: لا يوجد عندك بيت، وعاقد عقدك على فتاة، ولم تجد بيتاً، ولا تملك ثمن بيت، ولا تملك أجرة بيت، وجاء إنسان، وقدم لك بيتاً بحي جيد، بمواصفات جيدة، قال لك: هذا هدية مني لك، اسكن، واعمل عرسك، وتزوج، يقول لك: لا يذهب من بالي، أقعد، وأقوم، وأدعو له ، بشكل طبيعي إنسان قدم لك شيئاً، الله قدم لك الوجود، قدم لك الهدى، قدم لك عينين، قدم لك لساناً تنطق به، قدم لك أذنين، قدم لك عقلاً، قدم لك أجهزة، قدم لك أعضاء، قدم لك كليتين تعملان بانتظام . قصة : مرة أخ دعانا إلى بستان في الربيع، وقال لي: هذا البستان لعمي، ونحن جالسون, دخل عمه، ولم يسلم علينا، أنا عتبت عليه أشد العتب، هذه جفوة، سألت ابن أخيه، قال لي: دعه بحاله، جاء من غسيل كليتيه, لا يرى في وجهه أحداً، معك كليتان تعملان بانتظام، لك عينان، لك أذنان، لك عقل في رأسك، لك قلب يعمل بانتظام، رئتان، معدة، أمعاء، بنكرياس . هذه مهمة الغدة النخامية : أحد أصدقائي زار ألمانيا، ويوجد معمل له مديرة مبيعات، يعرفها جيداً، فوجئ أن صوتها أصبح خشناً، ونبت الشعر في وجهها، واختلفت معالم وجهها، دهش من هذا التبدل المفاجئ، سألها، قالت له: والله تعطلت الغدة النخامية، أنا أدفع نصف دخلي حتى أبقى بهذه الحال، الأمر يزداد . أيها الأخوة, النخامية وزنها نصف غرام، تفرز هرمون الجنس، وهرمون النمو، و هرمون توازن السوائل، وهرمونات كثيرة جداً، الغدة النخامية تفرز اثني عشر هرموناً، لو تعطل أحد هذه الهرمونات لأصبحت حياة الإنسان جحيماً لا يطاق، هرمون توازن السوائل، لو تعطل هذا الهرمون يجب أن تستقر دائماً بين الصنبور، ودورة المياه، يمكن أن تشرب باليوم عشرة براميل، توازن السوائل، كأس، كأسان، عشر كؤوس في الأربع والعشرين ساعة تكتفي ، لأنه يوجد هرمون يضبط توازن السوائل، يجب أن تنتبه إلى الهرمون التابع للغدة النخامية، والدرقية، والكظر، والبنكرياس، وعمل الكليتين، وعمل القلب، والضغط، وبلازما الدم . من أنشطة الطحال في جسم الإنسان : لي قريب آخر من أسرة غنية، وصحته جيدة، معه فقر دم، لم يدع طبيباً، من طبيب إلى طبيب, إلى طبيب، إلى بريطانيا، بعد التحليل الدقيق, وجد أن مقبرة كريات الدم الحمراء لا تعمل، الطحال هذه مهمتها إذا ماتت كرية أن تدفنها، وأن تحللها إلى عناصرها الأولية هيموغلوبين وحديد، الحديد يرسل إلى معامل كريات الدم الحمراء في نقي العظام, و الهيموغلوبين يرسل في نقي العظام، والهيموغلوبين يرسل إلى الصفراء، فيغدو صفراء مع الكبد، هذا الطحال يقوم بنشاط أكبر مما ينبغي، يأخذ الكرية الحية يقتلها ويحللها، نحن دفن الموتى للموتى، وليس للأحياء نقتله، ونضعه في الموتى، هذه مشكلة الطحال، مات بهذا المرض، ممكن لإنسان يموت بتوقف نشاط الطحال، قام بنشاط أكبر مما يجب، مهمته تحليل الكريات الميتة إلى عناصرها الأساسية, صار يقتل الكرية الحية، ويحللها, صار معه فقر دم, مات بهذا المرض . إنسان آخر مات بمرض اسمه: فقر دم اللامصنع، معامل كريات الدم الحمراء توقفت فجأة عن توليد هذه الكريات بلا سبب، المرض حتى الآن لا يعرف سببه، فقر دم اللامصنع، مات به ملِك . ألا يستحق هذا الإله الحب؟!!! : أيها الأخوة الكرام، أن تحب الله، منحك نعمة الإيجاد، منحك الأعضاء، منحك السلامة ، منحك أجهزة، منحك حواسًّا، منحك قوامًا، منحك عقلاً، الآن منحك زوجة، منحك بيتًا، منحك أولادًا، منحك اختصاصًا، منحك مكانة، منحك محبة الناس، المؤمن من سماته أنه يشكر الله دائماً، الله عز وجل شكور، إذا أحببته, ألقى محبتك في قلوب الخلق . 3-أن تعترف بنعم الله : الآن هناك صفة ثالثة للشكر: أن تعترف بنعم الله، يكون في مرتبة عالية، يقول: أنا تعبت على نفسي، أنا ما نمت الليل ثلاثا وثلاثين سنة، تراني في مكانة عالية، هذه ثمنها، عرق، وسهر، ودراسة، أين الله؟ نسي الله، عمل عملاً طيباًً، هذه تربية بيتية، والدي ربانا لا يذكر الله أبداً، إذا مرض ابنه، وأخذه إلى الطبيب، وشفي، والله هذا الطبيب معه بورد، ممتاز ، نسي أن الله أذن له أن يشفى، البطولة أن تعترف بنعمة الله عز وجل . قال عليه الصلاة والسلام: ((إن الله ليرضى عن العبد, أن يأكل الأكلة فيحمده عليها, ويشرب الشربة فيحمده عليها)) [أخرجه مسلم في الصحيح, والترمذي في سننه] انظر كيف ختم عمر طعامه : أنا لا أنسى لما جاء رسول عامل سيدنا عمر على أذربيجان، كره أن يطرق بيته ليلاً، فذهب إلى المسجد، سمع من يبكي، وينادي ربه: يا رب، هل قبلت توبتي فأهنئ نفسي، أم رددتها فأعزيها؟ قال: من أنت يرحمك الله؟ قال: أنا عمر، قال: يا سبحان الله! ألا تنام الليل؟ قال: إني إن نمت ليلي كله أضعت نفسي أمام ربي، وإن نمت نهاري أضعت رعيتي، أخذه صباحاً إلى بيته، قال: تأكل عندنا أم مع فقراء المسلمين؟ قال: عندك -الثانية ليست واردة أبداً- فإذا في بيت عمر خبز وملح، قال: يا أم كلثوم، ما عندك من طعام؟ قالت: والله ما عندنا إلا خبز وملح، قال: هاته لنا، أكل مع ضيفه خبزاً وملحاً، حمد الله على أن أطعمه فأشبعه، وحمد الله أن سقاه فأرواه . من المعاني التي ابتعد عنها المسلمون في هذا العصر : الآن يبدأ بكأس عصير، ثم ثمانية عشر صحن مقبلات، بعد الشوربة، بعد الفتة، بعد أكلة الطبخ، بعد أكلة اللحم، بعد هذا الفواكه، بعد هذا الحلويات، بعد هذا القهوة، مثل الدابة يأكل ويمشي، أين الله عز وجل؟ على خبز وملح، الحمد لله الذي أطعمني فأشبعني، وأسقاني فأرواني، على خبز وملح، وليس خبزًا أبيض مثل الذي نأكل، ابتعد المسلمون عن هذه المعاني الدقيقة . جلست إلى مائدة يمكن أن يأخذ السيروم، يقول: تبخش بدني، لا طعام، ولا شيء، يجب أن تعترف أن هذا من فضل الله عليك، يقول لك: هذا البيت حتى اشتريته ثلاث سنوات, رأيت مئتي بيت، هذا أنا اخترته، الله عز وجل أكرمك في هذا البيت، ومكنك أن تملك ثمن هذا البيت، ويسر لك شراء هذا البيت . من ضعف إيمان الإنسان : دائماً الإنسان من ضعف إيمانه يعزو النعم إلى جهده، قارون قال تعالى عنه: ﴿قَالَ إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ عِنْدِي﴾ [سورة القصص الآية: 78] ﴿فَخَسَفْنَا بِهِ وَبِدَارِهِ الْأَرْضَ﴾ [سورة القصص الآية: 81] احفظ هذا الدعاء : اللهم أنت ربي لا إله إلا أنت, خلقتني وأنا عبدك، وأنا على عهدك ووعدك ما استطعت، أعوذ بك من شر ما صنعت، أبوء لك بنعمتك علي، وأبوء بذنبي فاغفر لي، فإنه لا يغفر الذنوب إلا أنت، هذا الدعاء النبوي الشريف . 4-الثناء على المشكور : الآن الثناء على المشكور، أول قاعدة: الخضوع، الثانية: المحبة، الثالثة: الاعتراف، الرابعة: الثناء . يقول عليه الصلاة والسلام: ((لئن أقول: سبحان الله, والحمد لله, ولا إله إلا الله, والله أكبر, وأحب إلي مما طلعت عليه الشمس)) وفي حديث آخر: عَنْ أَبِي ذَرٍّ قَالَ: ((قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَلَا أُخْبِرُكَ بِأَحَبِّ الْكَلَامِ إِلَى اللَّهِ؟ قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ! أَخْبِرْنِي بِأَحَبِّ الْكَلَامِ إِلَى اللَّهِ، فَقَالَ: إِنَّ أَحَبَّ الْكَلَامِ إِلَى اللَّهِ سُبْحَانَ اللَّهِ وَبِحَمْدِهِ)) عَنْ مُصْعَبِ بْنِ سَعْدٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: ((جَاءَ أَعْرَابِيٌّ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: عَلِّمْنِي كَلَامًا أَقُولُهُ، قَالَ: قُلْ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، اللَّهُ أَكْبَرُ كَبِيرًا، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ كَثِيرًا، سُبْحَانَ اللَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، لَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ)) هذا مما يؤكد شكرك؛ خضوع، محبة، اعتراف، ثناء . 5-أن تستخدم النعم لطاعة الله : الشيء الخامس: أن تستخدم النعم لطاعة الله، هذه العين ينبغي ألا تستخدمها في النظر إلى عورات المسلمين، هذه الأذن ينبغي ألا تستخدمها في سماع ما نهى الله عن سماعه, من غيبة أو نميمة أو غناء، هذا اللسان ينبغي ألا يغتاب أحداً، أن يكون رطباً بذكر الله، هذه اليد للعمل الصالح، هذه الرجل للمجيء إلى المساجد، إلى الطاعات، إلى صلة الرحم، من لوازم الشكر أن تستخدم هذه النعم فيما شرع الله، لا فيما لم يشرع الله، إذا آتاك الله مالاً فليرَ أثر نعمة الله عليك . أدوات الشكر : 1-اللسان : الآن آلات الشكر: اللسان، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بُسْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ, أَنَّ رَجُلًا قَالَ: ((يَا رَسُولَ اللَّهِ! إِنَّ شَرَائِعَ الْإِسْلَامِ قَدْ كَثُرَتْ عَلَيَّ, فَأَخْبِرْنِي بِشَيْءٍ أَتَشَبَّثُ بِهِ, قَالَ: لَا يَزَالُ لِسَانُكَ رَطْبًا مِنْ ذِكْرِ اللَّهِ)) أول أداة للشكر: اللسان، أن تذكره فلا تنساه، وأن تشكره فلا تكفره، وأن تطيعه فلا تعصيه . عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ, أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ, قال: ((كَلِمَتَانِ خَفِيفَتَانِ عَلَى اللِّسَانِ، ثَقِيلَتَانِ فِي الْمِيزَانِ، حَبِيبَتَانِ إِلَى الرَّحْمَنِ؛ سُبْحَانَ اللَّهِ وَبِحَمْدِهِ، سُبْحَانَ اللَّهِ الْعَظِيمِ)) [أخرجه البخاري ومسلم في الصحيح, والترمذي في سننه] هذا الذكر البرمجة اللغوية العصبية، سموه التكرار الكثيف، أحياناً إذا كررت شيئاً بكثافة تتعلق به، وتقبل عليه . 2-القلب : أيها الأخوة الكرام، الشكر أدواته: اللسان، والقلب، والجوارح، فالقلب شكره بالبعد عن الشبهات، ودفع وساوس الشيطان . فعَنْ وَابِصَةَ بْنِ مَعْبَدٍ الْأَسَدِيِّ, أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لِوَابِصَةَ: ((جِئْتَ تَسْأَلُ عَنْ الْبِرِّ وَالْإِثْمِ؟ قَالَ: قُلْتُ: نَعَمْ، قَالَ: فَجَمَعَ أَصَابِعَهُ فَضَرَبَ بِهَا صَدْرَهُ، وَقَالَ: اسْتَفْتِ نَفْسَكَ، اسْتَفْتِ قَلْبَكَ يَا وَابِصَةُ، ثَلَاثًا، الْبِرُّ مَا اطْمَأَنَّتْ إِلَيْهِ النَّفْسُ، وَاطْمَأَنَّ إِلَيْهِ الْقَلْبُ، وَالْإِثْمُ مَا حَاكَ فِي النَّفْسِ، وَتَرَدَّدَ فِي الصَّدْرِ، وَإِنْ أَفْتَاكَ النَّاسُ وَأَفْتَوْكَ)) البعد عن الشبهات، وعن المخالفات، وعن وساوس النفس، هذا شكر القلب لله عز وجل، من شكر القلب: امتناعه عن الحسد، والغل، والحقد، ومدافعة هذه الأمراض . 3-الجوارح : بقي شكر الجوارح، الجوارح أن تستعملها في طاعة الله، كل جوارحك، بدءاً من العين إلى اللسان، إلى الأذن، إلى اليد، إلى الرجل، إذا استخدمت هذه الجوارح في طاعة الله, فقد شكرت الله عز وجل . أيها الأخوة الكرام، هذه بعض ما في الشكر من آيات وأحاديث وحقائق، والإيمان نصف صبر، ونصف شكر، بل الشكر مع الإيمان هو تحقيق لغاية الإنسان . كلمة الختام : وكلمة أخيرة في قوله تعالى: ﴿مَا يَفْعَلُ اللَّهُ بِعَذَابِكُمْ إِنْ شَكَرْتُمْ وَآَمَنْتُمْ﴾ [سورة النساء الآية: 147] الإيمان مع الشكر تحقيق لكل أهداف الإنسان، أنت في الأساس نعمة من نعم الله، عرفته، وشكرته على هذه النعمة، ما دام الكون مسخرًا تسخير تعريف وتكريم، التعريف يقتضي الإيمان، والتكريم يقتضي الشكران، فإذا آمنت وشكرت, فقد حققت الهدف من وجودك.
=== الرضا من لوازم التوحيد : هل أنت راض إذ جعلك الله إنسانا ومنحك نعمة الوجود؟ أيها الأخوة الكرام, مع درس من دروس العقيدة، ومع موضوع هو من لوازم التوحيد، ولا زلنا في عدد غير قليل من دروس لوازم التوحيد . من لوازم التوحيد اليوم: الرضا، إن آمنت أن الله سبحانه وتعالى صاحب الأسماء الحسنى و الصفات الفضلى، صاحب الكمال المطلق، وأن الأمر كله بيده، وأنه لا معبود بحق إلا هو، و أن كماله كمال مطلق، إذاً يقتضي الإيمان بهذا الكمال, وهذه الأسماء, وتلك الصفات, أن يكون فعله خيراً مطلقاً، تدركه عقولنا أو لا تدركه، ليست العبرة أن ندرك الكمال، كماله مطلق، لكن قد يكون العقل قاصراً عن إدراك الكمال، فهل أنت راض عن الله؟ هل أنت راض أنه منحك نعمة الوجود؟ هل أنت راض عن الله إذ جعلك إنساناً؟ هل أنت راض عن الله إذ جعلك تعرف إليه وتهتدي إليه؟ إن رأيت الأحداث الجسام في الأرض, هل أنت راض عن الله؟ . هذه هي البطولة : البطولة أن ترضى عن الله مع كل ما يحصل من ظلم الذي يجري في الأرض الآن لا يحتمله إلا مؤمن، لو عزلت الإيمان عما يجري لاختل توازن الإنسان، أناس أقوياء يملون إرادتهم على كل البشر، ينتهكون الأعراض، يقتلون الرجال، والله سمح لهم، وأناس مؤمنون بالله عز وجل, ينالهم أذى كبير من هؤلاء الطغاة، هل أنت راض عن الله مع كل هذه الأخبار؟ هنا البطولة . هل أنت مؤمن أن كل شيء يقع بأمر الله, وبقضائه, وقدره, وأن الذي يقع له حكمة؟ أنا قد لا أدركها، ولكن قد تكشف الأيام عن حقيقتها، هل أنت مؤمن أنه كل شيء وقع أراده الله، و كل شيء أراده الله وقع؟ هل أنت مؤمن أنه لكل شيء حقيقة، وما بلغ عبد حقيقة الإيمان حتى يعلم أن ما أصابه لم يكن ليخطئه، وما أخطأه لم يكن ليصيبه؟ هل أنت راض عن الله في معاملته لك؟ أنت إنسان ذو دخل محدود، هل أنت راض عن الله؟ هل إذا رأيت إنساناً معه أموال قارون ترى أن هناك حكمة بالغة، وأن الذي اختاره الله لك هو عين الكمال؟ هل أنت راض عن الله إذا وجد في الجسم مرض؟ يا رب لولا هذا المرض لكنت في حال آخر، كأنك تتهم حكمة الله عز وجل . محصلة إيمانك بالله أنك راض عنه : هذا الدرس مهم جداً، محصلة إيمانك بالله أنك راض عنه: هم الأحبة إن جاروا وإن عدلوا هذا تعبير رمزي: هم الأحبة إن جاروا وإن عدلوا فليس لي عنهم معدل وإن عدلوا والله وإن فتتوا في حبهم كبدي باق على حبـهم راض بما فعلوا *** لو قال تيهاً قف على جمر الغض ا لوقفــــت ممتثلاً ولم أتوقف أو كان من يرضى بخدي موطئاً لوضعتـــه أرضاً ولم أستنكف الرضا بمكروه القضاء أرفع درجات اليقين : هل أنت راض عن الله بمكروه القضاء؟) حالة الرضا حالة مسعدة، راض عن الله أنه أوجدك؟ راض عن الله أنه خلقك في بلد معين؟ من أم معينة؟ من أب معين؟ بخصائص معينة؟ بدخل معين؟ بقدرات معينة؟ يا رب هل أنت راض عني؟ . إنسان يطوف حول الكعبة يقول: يا رب هل أنت راض عني؟ كان وراءه الإمام الشافعي قال: يا هذا, هل أنت راض عن الله حتى يرضى عنك؟ قال له: يا سبحان الله! كيف أرضى عنه وأنا أتمنى رضاه؟ قال له: إذا كان سرورك بالنقمة كسرورك بالنعمة فقد رضيت عن الله ، الرضا بمكروه القضاء أرفع درجات اليقين، أن يمتلئ القلب رضىً عن الله في السراء وفي الضراء، في الغنى وفي الفقر، في الصحة والمرض، في الزواج وفي عدم الزواج، هل أنت راض عن الله؟ . ما هي حقيقة العقيدة الصحيحة؟ : العقيدة الصحيحة تقتضي الاستسلام لقضاء الله أيها الأخوة الكرام, أعود و أذكر: أن حقيقة العقيدة الصحيحة ليست ما ينبغي أن تعتقد فحسب, بل ما ينبغي أن تكون عليه؛ من حب، ومن شكر، ومن صبر، ومن رضا، ومن استسلام، هذا هو الرضا، المؤمن راض عن الله، يا رب لك الحمد في جميع الأحوال . ما من دعاء يناسب هذا المقام كدعاء النبي عليه الصلاة والسلام وهو في الطائف -إن صح التعبير- إن كان هناك خط بياني لدعوة النبي في الطائف كانت في الحضيض، مشى إليهم ثمانين كيلو متراً في جبال وعرة حتى وصل إليهم، دعاهم إلى الله فكذبوه، وسخروا منه، ونالوه بالأذى، أراد الله أن يبين عظمة هذا النبي، أرسل له ملك الجبال، قال: يا محمد, أمرني ربي أن أكون طوع إرادتك, لو شئت لأطبقت عليهم الجبلين, قال: لا يا أخي، اللهم اهد قومي فإنهم لا يعلمون، لعل الله يخرج من أصلابهم من يوحده . لماذا ساق الله للنبي عليه الصلاة والسلام هذه المحنة الشديدة؟ : ماذا دعا؟ قال: ((يا رب, إني أشكو إليك ضعف قوتي، وقلة حيلتي، وهواني على الناس، يا رب المستضعفين, وأنت ربي, إلى من تكلني؟ إلى صديق يتجهمني، أم إلى عدو ملكته أمري؟ اللهم إن لم يكن بك غضب عليّ فلا أبالي، ولك العتبى حتى ترضى، لكن عافيتك أوسع لي)) ألا يحتاج هذا المسلمون اليوم في شتى أقطارهم؟ لأن حرباً عالمية ثالثة كائدة لئيمة غادرة تشن عليهم في كل بقاعهم، لماذا ساق الله للنبي عليه الصلاة والسلام هذه المحنة الشديدة؟ ليكون قدوة لنا، هو مبعوث العناية الإلهية، هو سيد ولد آدم ولا فخر، هو سيد الخلق حبيب الحق، ومع ذلك امتحنه الله امتحاناً, لا أعتقد أن هناك امتحانًا أصعب منه، ونجح في الامتحان. ((يا رب, إني أشكو إليك ضعف قوتي، وقلة حيلتي، وهواني على الناس، يا رب المستضعفين, وأنت ربي, إلى من تكلني؟ إلى صديق يتجهمني، أم إلى عدو ملكته أمري؟ اللهم إن لم يكن بك غضب عليّ فلا أبالي، ولك العتبى حتى ترضى، لكن عافيتك أوسع لي)) أي يا رب, إذا كانت هذه المحنة والشدة, تعبر عن غضبك علي, فأنا أعتذر، وأنا أستغفر، وإن كانت هذه المحنة لا علاقة لها بغضبك, فأنا راض بها، لك العتبى حتى نرضى، لكن أنا بشر يا رب، لكن عافيتك أوسع لي . هذا الدعاء هو دعاء اليوم، أقوياء، أشداء، لؤماء، طغاة، يتلذذون بقتل البشر، يتلذذون بإهانتهم, بتعذيبهم، وهذه الفضيحة التي ظهرت في سجون العراق تعبر عنهم بالضبط، وحوش ، وبيدهم قوة كبيرة جداً، إن لم يكن بك غضب علينا فلا نبالي، ولك العتبى حتى نرضى، هل أنت راض عن الله؟ راض عن الله بمرض؟ . قصة : لي صديق أحسبه صالحاً، ولا أزكي على الله أحداً, أصابه مرض عضال، مرض خبيث في أمعائه، بقي يعاني سنتين من آلام لا تحتمل، تقول زوجته لأبيها: إنه ما سمعت منه كلمة في السنتين, إلا يا رب أنا راض عنك، هل أنت راض عني؟ وتوفاه الله عز وجل . ماذا تستنتج من هذين المشهدين؟ : حدثني أخ طبيب, جاءه مريض معه مرض خبيث في أمعائه، أقسم بالله غيّر وضع المستشفى كله، كلما دخل عليه زائر يقول له: اشهد أنني راض عن الله، يا رب لك الحمد، إذا نادى يتهافت الأطباء على خدمته، إذا دخلوا يأنسون به، كأن في هذه الغرفة أنوارًا، ثم توفاه الله عز وجل بأحلى حال، لحكمة بالغة ساق الله لهذه المستشفى مريضاً آخر بالمرض نفسه بالغرفة نفسها، لا يوجد نبي ما سبّه، إذا دخلت إلى غرفته شعرت بانقباض، سخط، وغضب، وسباب، وتبرم، وضجر، وكفر، إلا أن توفاه الله، أي سبحانك يا رب، مرض واحد في إنسانين مختلفين . مقالة علمية : بوابات الألم في الدماغ تتحكم بها الحالة النفسية أنا قرأت مقالة علمية في موضوع رائع جداً، وهذا الموضوع هو: أن الله سبحانه وتعالى زود الجسم ببوابات للألم، الآلام تنتقل من السطوح الخارجية عبر النخاع الشوكي إلى قشرة الدماغ، عبر هذا الطريق, هناك بوابات تفتح أو تغلق، فإذا أغلقت انخفض الألم إلى العشر، المقالة مترجمة, والذي كتبها يغلب على ظني أنه لا يعرف الله، لكن كتب, هذه البوابات تتحكم بها الحالة النفسية للمريض، إذا كنت مؤمناً أغلقت هذه البوابات، ووصلك من الألم واحد بالمئة أحياناً، إذا كان الشخص ساخطاً عن الله عز وجل, تفتح هذه البوابات على مصارعها, فالألم لا يحتمل . هذا اختيار الله لك : أيها الأخوة الكرام, هذا امتحان كبير، أنت لك وجود بزمن معين، بمكان معين، من أم معينة ، من أب معين, أنت ذكر، ولست أنثى, هذا اختيار الله لك، لك قدرات معينة، لك شكل معين ، وسيم أو غير وسيم، من أب غني أو من أب فقير . مرة كنت ماشياً في حي في دمشق, وجدت طفلاً، ربط علبة سمك مستعملة بخيط، وملأها ترابًا يجرها، وكأنها سيارة، وتجد ابناً عنده ألعاب على الكهرباء، وعنده غرفة فيها ألعاب بمئات الألوف، الله اختار له هذا الأب، وهذا اختار له هذا الأب، لكن والله الذي لا إله إلا هو, يوم القيامة حينما يكشف الغطاء, سأستخدم هذه العبارة: إن لم تذب كالشمعة محبة لله, فهذا الدين باطل: ﴿وَآَخِرُ دَعْوَاهُمْ أَنِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ﴾ [سورة يونس الآية: 10] يا رب لك الحمد . من علامة إيمانك : حينما تأتي المصيبة, ما من وسام شرف تتقلد به, كأن تقول: يا رب لك الحمد، أنا راض عنك في السراء والضراء، في الغنى وفي الفقر، في الصحة وفي المرض، في إقبال الدنيا و في إدبارها، من علامات إيمانك الصحيح أنك راض عن الله، والذي يسخط عن الله ليس فيه إيمان إطلاقاً . عبد غير راض عن الله عز وجل : إنسان له زوجة صالحة, توفاها الله قبل أجله بعشر سنوات تقريباً، لها أخت عمرت خمسًا وتسعين سنة، وزوجها توفي من عهد طويل، قال له: كنت أخذت الثانية، ودع لي هذه، هذا ليس راض عن الله عز وجل، لكل شيء حقيقة، وما بلغ عبد حقيقة الإيمان, حتى يعلم أن ما أصابه لم يكن ليخطئه، وما أخطأه لم يكن ليصيبه . ربما أعطاك فمنعك، وربما منعك فأعطاك : ربما أعطاك الله فمنعك ومنعك فأعطاك ابن عطاء الله السكندري رحمه الله عز وجل, له كلمة, يقول: ربما أعطاك فمنعك، وربما منعك فأعطاك . لو دخلنا في بعض التفاصيل: تجد في بلاد الحياة فيها صعبة جداً، الأسعار غالية جداً، فرص العمل قليلة جداً، البيوت غالية جداً، طرق الزواج شبه مستحيلة، لكن هذه البلاد على ما فيها من صعوبات، وعلى ما فيها من ضآلة دخل، وعلى ما فيها من شدائد, يوجد إقبال على الدين عجيب، تذهب إلى بلاد أخرى, كأنها جنة الله في الأرض، فيها بعد عن الله شديد، يا رب كأن هذه الشدة كي نتقرب إليك، لعل هذه الشدة كي نقبل عليك، لعل هذه الشدة كي تسوقنا إليك . أوحى ربك إلى الدنيا أن تشددي، وتكدري، وتضيقي على أوليائي, حتى يحبوا لقائي . مرة قال لي شاب, في درس من دروس السبت: ما الحكمة أن الزوجة سيئة؟ قلت له: حتى نراك في الدرس، ما كان لك طريق إلى المسجد, لو كانت زوجتك من الدرجة الأولى، تجلس معها، وتنسى كل شيء، يوجد حكمة بالغة، أحياناً الابن المتعب له حكمة، والزوجة المتعبة لها حكمة، الدخل القليل أحياناً يكون لك دخل قليل، وعندك كرم شديد، أحياناً تؤثر أخاك بشيء أنت في أمسّ الحاجة إليه، ألم يقل الله عز وجل: ﴿وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ﴾ [سورة الحشر الآية: 9] الحزن خلاق : أخواننا الكرام, الحزن خلاق، أما النعيم في الدنيا يكسب النفس صفات بغيضة، أما الفقر أحياناً فيعلم التواضع، يقول لك: كن عصامياً، ولا تكن عظامياً، أشخاص الله يوفقهم في الحياة, لهم بداية صعبة جداً، هذه البداية تهذب أخلاقهم . امتحن إيمانك : أيها الأخوة الكرام, يجب أن تمتحن إيمانك، علامة إيمانك أنك راض عن الله، في السراء و في الضراء، أعيدها مرة ثالثة، في الغنى وفي الفقر، في الصحة وفي المرض، في إقبال الدنيا وفي إدبارها، بيتك ملك أم أجرة؟ كبير أم صغير؟ بأعلى مكان أم بأدنى مكان؟ بأدنى حي، أو بحي متواضع؟ راض عن الله، يا رب لك الحمد . عملية مقارنة : مرة قرأت عن سيدنا عمر, جاءه رسول من أذربيجان، وطمع الرسول أن يأكل في بيت الخليفة طعامًا نفيسًا جداً، هو خيّره بين أن تأكل مع فقراء المسلمين، أو أن تأكل عندي؟ فاختار أن يأكل عنده في البيت، فوجئ، قال لها: يا أم كلثوم, ماذا عندك من طعام؟ قالت له: والله ما عندنا إلا خبز وملح، قال لها: هاتيه لنا، هذا جاء من أذربيجان، قطع الفيافي والقفار حتى يأكل ملحاً وخبزاً, بعد أن انتهى عمر قال: الحمد لله الذي أطعمنا فأشبعنا، وسقانا فأروانا. أنا لاحظت أنك تدعى أحياناً إلى طعام كأس عصير، ثم المقبلات، ثم الشوربة، بعد ذلك طبق لحم، ثم طبخ، ثم فواكه، ثم حلويات، ثم مياه غازية، بعد ذلك, فنجان قهوة، ثم ..... ، و هو ساكت لا يتكلم ولا كلمة . أيها الأخوة, هذا الذي يتنعم ولا يشكر كالبهيمة تماماً، يأكلون ويتمتعون كما تأكل الأنعام, والنار مثوى لهم، دابة، فقط يرفس . الرضا لا يعني أن يتوقف طموحك: الرضا أحد مؤشرات الإيمان أنك راض عن الله، ولكن حتى لا تفهموا فهماً أنا ما أردته، أي أنا لا أحسن وضعي، أنا راض، كلا، هذا غير صحيح، يجب أن تسعى لتحسين وضعك المعاشي, والاقتصادي, والعلمي, والوظيفي، وأن تكون طموحاً، أما حينما تبذل كل ما تستطيع ، و ينتهي بك السعي إلى هذا المكان, أنت راض عن الله، طالب لم يدرس، فلم ينجح، قال: أنا راض عنك يا رب، هذا قضاء وقدر، أنا راض، هذا زعبرة، ادرس، أنت حينما تدرس ليلاً نهاراً، ويأتي مرض -لا سمح الله- في أثناء الامتحان، ويحول بينك وبين النجاح, فأنت راض عن الله، لكن الذي لا يدرس، لا أسعى، يوجد تسيب، يوجد تكاسل . أنا كنت أقول دائماً: هناك فقر الكسل، وهناك فقر القدر، وهناك فقر الإنفاق، فقر الإنفاق بطولة، قال له: يا أبا بكر! ماذا أبقيت لنفسك؟ قال: أبقيت الله ورسوله، هذا فقير فقر إنفاق، هذا وسام شرف . متى يستيقظ عندك الوازع الإنساني؟ : رؤية الفقر والفقراء يوقظ عندك الوازع الإنساني ذهبنا إلى جنوب السودان، رأينا مشاهد لا يصدقها العقل، أطفال عراة، لا يوجد ثمن ملابس، لا طعام، ولا شراب، ولا كساء، ولا طب، ولا صحة، ولا مدارس، ولا تعليم، ولا شيء، بيوت من القش، أنت حينما ترى ما يحل ببعض الشعوب, يستيقظ عندك الوازع الإنساني إلى درجة تفوق حد الخيال، نحن في نعم كبيرة . يقول عليه الصلاة والسلام: ((انظر لمن هو أدنى منك, فذلك أحرى ألا تحتقر نعمة الله عليك)) حروب دامت أربعين عاماً هدتهم، نحن كنا أول وفد عربي يزور هذه المنطقة من أربعين عاماً . للتقريب بين بلدنا فرضاً، وبلد متقدم جداً بالميزان الحضاري؛ المستشفيات، الجامعات، المدارس، الطرقات، المطارات، المعامل، المرافئ، أي بهذا المستوى، ليس بميزان إسلامي، ولا بميزان إيماني، بميزان حضاري، قد يوجد بلاد تسبقنا أربعين ضعفاً، خمسين ضعفاً، بين البلاد التي زرتها وبيننا ألف ضعف، أن تجد كأس ماء في البيت قضية سهلة, كأس ماء سهل ، أن تجد لك مأوى، أن تجد كساء تلبسه, تستر به عورتك, قضية سهلة، عندنا هذا شيء بديهي، شيء طبيعي . النبي دخل إلى بيته قال: أعندكم شيء؟ قالوا: لا، قال: فإني صائم، يوجد بيت مهما يكن أهله فقراء, لا يوجد شيء يؤكل . ما هي مقامات الرضا عن الله؟ : 1-أن ترضى بربوبيته، وأن ترضى بألوهيته : أيها الأخوة الكرام, قالوا: الرضا غاية التوكل، ومن ذاق طعم الإيمان، وآمن بأسماء الله و صفاته كما يليق بجلاله سبحانه رضي عن الله . مقامات الرضا ثلاثة: مقامات الرضا عن الله، وأن ترضى بربوبيته، وأن ترضى بألوهيته, بربوبيته خلق وأمد، بألوهيته يسيّر، أي سمح لبلاد قوية أن تحتل بلاداً إسلامية، راض عنه؟ ليس معنى هذا ألا أقاوم -والعياذ بالله- ليس هذا هو المعنى، لكن ألم يسمح الله لهم؟ إذًا رسالة من الله . رسالة شكر : ادعوا الحرية وتبنيها وتصرفوا بغير هذا المبدأ أنا أقول لكم أيها الأخوة: لا يمكن أن تؤمن بالله إلا بعد أن تكفر بالطاغوت، أنا أشكرهم على أنهم أعانونا على أن نكفر بهم، أليس كذلك؟ قبل خمسين سنة, هذه البلاد خطفت أبصار أهل الأرض؛ غنى، و ذكاء، وتفوقًا، وعلمًا، وطرحوا مبادئ رائعة، أن تكون حراً فيما تقول، أن يكون لك حقوق مقدسة، قبل الحادي عشر من أيلول, اتهم إنسان بعمل، وأودع في السجن عدة أيام، ثم تبين أنه بريء، أقام دعوى, أخذ ستة ملايين دولار، فطرحوا الحرية و المساواة، وتكافؤ الفرص، والرفق بالحيوان، وحقوق الإنسان، هذه خطفت أبصار أهل الأرض ، بكلمة أخرى نافسوا الدين، حضارة، الإنسان محترم جداً، له حقوق، بعد هذا التاريخ, بعد الحادي عشر من أيلول, انكشفت الحقيقة، وبعد فضائح سجن أبو غريب تعروا، كما أنهم عروا السجناء تعروا هم، وسقطوا من عين أهل الأرض، وهذا أكبر إنجاز للإسلام، أكبر إنجاز، لم يعد هناك شيء ينافسه، الخلق الأصيل عند المؤمن فقط، أما كل إنسان ذكي, يتكلم كلاماً كما يحلو له، أما عند التنفيذ فهو وحش، الرضا عن الله، عن ربوبيته، وعن ألوهيته . 2-الرضا برسول الله، وتمام الانقياد له : لابد أن ترضى عن منهج رسول الله باتباعه المقام الثاني: الرضا برسول الله، وتمام الانقياد له، المقام الثالث: الرضا بدينه، و التحاكم له، والتسليم لمراده . أي أنت راض عن الله عز وجل أنه أوجدك, راض عن هذا الدين العظيم، لكن تجد فيه حرجاً شديداً، يا أخي الحياة المعاصرة حياة مصارف، وفوائد، وبالدين الفائدة حرام، أيدينا مربوطة بالدين، إذاً أنت لست راضياً، رأيت الدين حجر عثرة أمام النمو الاقتصادي مثلاً، يا أخي المرأة نصف المجتمع، خذ طريق، ويا الله بحسب مقاييس أهل الدنيا هذا الدين عبء، هل أنت راض عن هذا الدين؛ بصلواته الخمس، بحجه، بصيامه، بزكاته؟ صلاة الفجر صعبة جداً ، لو ما زلنا نائمين، لو جعل الله الصلاة الساعة العاشرة أحسن، الساعة العاشرة استيقظ، أكل ، ارتاح، ثم صلى، راضٍ عن الصلوات الخمس؟ عن صيام رمضان؟ عن حج بيت الله الحرام ؟ ثلاثة ملايين بوقت واحد يقفون في عرفات، يا أخي والله غير معقول، اعملوا الحج على خمس دورات، كل شهرين دورة، أحسن، راض أن الحج بيوم واحد؟ الأربع ملايين معاً واقفون، هذا شرع الله عز وجل، يجب أن ترضى عن الله، وعن ربوبيته، وعن ألوهيته، وأن ترضى عن رسوله، وعن منهج رسوله، وأن ترضى عن دينه إجمالاً . قف عند هذه الآيات : قال تعالى: ﴿قُلْ أَغَيْرَ اللَّهِ أَبْغِي رَبّاً وَهُوَ رَبُّ كُلِّ شَيْءٍ﴾ [سورة الأنعام الآية: 164] ﴿أَفَغَيْرَ اللَّهِ أَبْتَغِي حَكَماً وَهُوَ الَّذِي أَنْزَلَ إِلَيْكُمُ الْكِتَابَ مُفَصَّلاً﴾ [سورة الأنعام الآية: 114] ﴿قُلْ أَغَيْرَ اللَّهِ أَتَّخِذُ وَلِيّاً فَاطِرِ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ﴾ [سورة الأنعام الآية: 14] متى يطمئن العبد؟ : عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قال: ((قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ثَلَاثٌ مَنْ كُنَّ فِيهِ وَجَدَ بهن طعم الْإِيمَانِ؛ مَنْ كَانَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِمَّا سِوَاهُمَا، وَمَنْ أَحَبَّ عَبْدًا لَا يُحِبُّهُ إِلَّا لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَمَنْ يَكْرَهُ أَنْ يَعُودَ فِي الْكُفْرِ بَعْدَ إِذْ أَنْقَذَهُ اللَّهُ مِنْهُ, كَمَا يَكْرَهُ أَنْ يُلْقَى فِي النَّارِ)) [أخرجه البخاري ومسلم في الصحيح, والترمذي والنسائي في سننهما] أي أن يكون الله في قرآنه والرسول في سنته أحب إليه مما سواهما، حينما تتعارض نصوص القرآن ونصوص السنة مع مصالحك, هل أنت راض عن الله؟ الإنسان الجاهل يحس الشرع قيودًا، وهي في الحقيقة حدود . أنت تسير بأرض فلاة، وجدت لوحة كتب عليها: ممنوع الاقتراب، حقل ألغام، هل تشعر بحقد على واضع هذه اللوحة؟ لا أبداً، تشعر بامتنان، لأن هذه اللوحة ليست حداً لحريتك ، لكنها ضمان لسلامتك، حينما تفهم أوامر الدين أنها ضمان لسلامتك تطمئن . هدية : مرة قدم لي أحد الأخوة، وهو مدير سجون بالقطر، قدم لي كتاباً من تأليفه، فيه ثلاث وستين جريمة، ولكن أجمل ما في الكتاب, حينما تنتهي الجريمة, يبين لك سبب وقوعها، ومخالفة الشرع في ذلك، تجد أن الشرع ضمان لسلامتك . رسالة جاهل : أذكر أول خطبة خطبتها في هذا المسجد عام أربعة وسبعين, سألني إنسان وصار يبكي، قال لي: زوجتي تخونني، قلت له: مع من؟ قال لي: مع جارنا، قلت له: كيف تعرف إليها؟ قال لي: مرة زارني، وقلت لها: تعالي واجلسي معنا أم فلان، هو مثل أخيك، قلت له: لو كنت تحضر درس علم واحد ما فعلت هذا بنفسك، أنت السبب . احفظ هذا القانون : وراء كل مصيبة معصية يقولون في الأمن الجنائي: وراء كل جريمة امرأة، أنا عدلتها: وراء كل مصيبة معصية، يكاد يكون هذا قانونًا, فتش عن المعصية، خيانة زوجية، اختلاط، مشكلة أسرية، يوجد تسيب ، خيانة تجارية, يوجد عدم توثيق العقود، هذا الشرع ضمان لسلامتنا: ﴿إِنَّ هَذَا الْقُرْآَنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ﴾ [سورة الإسراء الآية: 9] يهديهم سبل السلام، فحينما تفهم الشرع أنه قيد, فأنت لا تفقه شيئاً، وحينما تفهم الشرع ضمان لسلامتنا فأنت فقيه، إذاً أن يكون الله في قرآنه, ورسوله في سنته, عند التعارض مع مصالحك, أن ترضى بهذا، عندئذ تذوق حلاوة الإيمان .
تعريف الرضا : يقول بعض العلماء: الرضا هو صحة العلم الواصل إلى القلب، فإذا باشر القلب حقيقة العلم, أدى به إلى الرضا . حالة الرضا حالة مهمة جداً، أن ترضى عن الله، لكن إذا كان واقعك مؤلمًا، وسببه تقصير منك, فهذا موضوع آخر، كسول، هذا معه فقر الكسل، يوجد عندنا فقر الإنفاق، تحدثت عنه قبل قليل، هذا وسام شرف، يوجد عندنا فقر القدر، عنده عاهة، معذور، فقير لكنه معذور، أما الذي يعد وصمة عار أن تكون فقيراً فقر الكسل . هذا فقر الكسل : فقر الكسل والانسحاب من المسؤولية مبغوضان تلاحظ أحياناً إنسانًا لا يعمل شيئاً، تسويف، وتأجيل، ومماطلة، وانسحاب من المسؤولية، جالس ينظر إلى الناس . شخص يجلس ساعة أمام بابه, يمر شخص ينظر إليه، والثاني ينظر إليه، لا يعمل شيئاً، إما أن يتابع مسلسلات، أو في غيبة ونميمة، أنت ماذا فعلت؟ ماذا قدمت لهذه الأمة؟ لم يقدم شيئاً، يقول لك: فقير، لا يوجد عمل، صحيح، هذا فقر الكسل، فقر الكسل وصمة عار بحق الإنسان، تحرك، بكل عصر يوجد شخص يعمل، الذي يعمل يلقى نتيجة عمله .
متى يكون الإنسان راضياً عن الله؟ : الرضا هو القبول بالعطاء والرضا بالمنع والعبادة في الشدة قال بعض العلماء: متى يكون الإنسان راضياً عن الله؟ إذا أقام نفسه على أربعة أصول؛ يقول: يا رب إن أعطيتني قبلت، وإن منعتني رضيت، وإن تركتني عبدتك، وإن دعوتني أجبتك، دعاك للصلاة أجبت، دعاك للحج أجبت، دعاك لإنفاق مالك أنفقت، شعرت بوحشة, لا يوجد إقبال، إذا لم تلاحظ إقبال بالصلاة, فالصلاة لا تترك، يوجد شخص إذا لم يجد نفسه مرتاحاً يدع العبادات، لا، وإن تركتني -أي حجبتني عن السكينة, وعن تجلياتك- أنا داومت على عبادتك. الآن: أن ترضى عن رسول الله عليه الصلاة والسلام، عَنْ الْعَبَّاسِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ قال: ((إنه سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: ذَاقَ طَعْمَ الْإِيمَانِ مَنْ رَضِيَ بِاللَّهِ رَبًّا، وَبِالْإِسْلَامِ دِينًا، وَبِمُحَمَّدٍ رَسُولًا)) [أخرجه مسلم في الصحيح, والترمذي في سننه] النبي عليه الصلاة والسلام منع المرأة أن تحج مع غير ذي محرم، منع المرأة أن تسافر إلا مع محرم، الآن تشعر المرأة تضجر من هذا الحكم، تقول لك: بالطائرة في ساعتين، من المطار إلى المطار، لا يوجد فتوى، هل أنت راض عن هذا الرسول العظيم؟ هذا التشريع من عنده؟ لا، لا ينطق عن الهوى، إن هو إلا وحي يوحى . قرأت عدة قصص، امرأة ببلد عربي وزوجها ببلد خليجي، خطبها بالإجازة، وتهيئ نفسها للسفر إليه، كان في ذلك الوقت تلكس، استلم التلكس أحد الموظفين عنده، استقبلها بالمطار، وانفرد بها، وانكشفت جريمة كبيرة جداً، قصص كثيرة جداً، المرأة في السفر مطموع بها، فالتي لا ترضى عن رسول الله بهذا التشريع, هذا من عند الله، ما كان لهذا النبي الكريم أن يشرع شيئاً من عنده: ﴿إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا مَا يُوحَى إِلَيَّ﴾ [سورة الأحقاف الآية: 9] من مشاكل أهل الشام : أحياناً التشريع لا يروق للناس، معظم أهل الشام يقول لك: نحن أهل، نجلس جميعاً على طعام واحد، أما أن نصنع طعاماً مرتين فهذا مستحيل، أكثر النساء الموجودين مع الرجال أجنبيات عن الرجال، والإنسان يتمتع بمنظر الحسناوات، ويتمنى أن تكون زوجته كتلك مثلاً، هذه مشكلة طبعاً، لا أحد يتكلم بشيء، كلها خواطر داخلية، لكن هذه مفاسد اجتماعية، فيوجد عندنا عدم اختلاط، أنت راض عن رسول الله بهذا التشريع، بعدم الاختلاط: لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ﴿لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ﴾ [سورة التوبة الآية: 128] عَنْ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ, أن رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: ((مَنْ قَالَ حِينَ يَسْمَعُ الْمُؤَذِّنَ: وأنا أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ, وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، رَضِيتُ بِاللَّهِ رَبًّا، وَبِمُحَمَّدٍ رَسُولًا، وَبِالْإِسْلَامِ دِينًا, غُفِرَ لَهُ ذَنْبُهُ)) [أخرجه مسلم في الصحيح, وأبو داود والترمذي والنسائي في سننهم] الآن: لو كنت في عهد النبي، واختصمت مع إنسان، ورفعت الأمر إليه، يقول الله عز وجل: ﴿فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيماً﴾ [سورة النساء الآية: 65] بماذا يتصف مقام النبوة؟ : يروى أن صحابياً عندما قال النبي لأصحابه: لا تقتلوا عمي العباس -فهمها فهماً آخر- أن أحدنا يقتل أباه وأخاه، و ينهانا عن قتل عمه؟ -فهمها فهماً آخر, لا يليق بالنبي- ثم اكتشف أن هذا الصحابي الجليل كان مسلماً في مكة، وكان عين النبي، و كان كل ما يجري في قريش يوصله للنبي، وكان يكتم إيمانه -لأنه لو قال: عمي مسلم، لا تقتلوه, كشفه، وانتهى دوره، والطريق لا زالت في البداية، لو أن العباس ما شارك في بدر كشف نفسه، هذه الثانية، لو سكت النبي لقتلوه، فيجب أن يقول لهم كلمة واحدة من دون تعليق: لا تقتلوا عمي العباس، فهذا الذي ظن برسول الله غير ما يليق به, اكتشف الحقيقة بعدئذ- يقول: ظللت أتصدق عشر سنين رجاء أن يغفر الله لي سوء ظني برسول الله . أيها الأخوة, مقام النبوة مقام فيه كمال: ﴿فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيماً﴾ [سورة النساء الآية: 65] اقرأ هذا القول : بعض العلماء يقول: إياك أن تستوحش من التفرد، أنت جالس ببيتك، لا يوجد معك ، والرضا به رباً، وبمحمد رسولاً، وبالإسلام ديناً، هو الكمال المطلق، وكلما ذاق الإنسان حلاوة الانفراد، وحلاوة التفرد, رأى الوحشة عين الأنس للناس، والذلة عين العز بهم، و الجهل عين الوقوف على أبوابهم، والانقطاع عين التقيد برسومهم، فلم يؤثر بنصيبه من الله أحداً من الخلق، ولم يبع حظه من الله بموافقتهم فيما لا يجدي عليه إلا الحرمان . أيها الأخوة, الإنسان المؤمن له حياته الخاصة، له مجتمعه الخاص، أما مع الناس في سرائهم وضرائهم، في سخافاتهم وسقوطهم، هذا ليس مؤمناً . 3- أن ترضى بدين الله سبحانه وتعالى، وأن تحتكم إليه : المقام الثالث: أن ترضى بدين الله سبحانه وتعالى، وأن تحتكم إليه, قال: ﴿أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً﴾ [سورة النساء الآية: 59] أي أطيعوا الله في قرآنه، أطيعوا الرسول في سنته، وأولي الأمر منكم، أولي الأمر هم العلماء والأمراء، العلماء يعلمون الأمر، والأمراء ينفذون الأمر، أحدهم مشرع، والآخر منفذ . ما ملمح هذه الآية؟ : قال: فإن تنازعتم، مع من؟ طبعاً ليس من المعقول أن تنازعتم مع الله عز وجل، ولا مع رسوله، فإن تنازعتم في شيء من أمور الدنيا، أو أمور الدين مع علمائكم، أو مع أمرائكم, من هو المرجع؟: ﴿فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ﴾ [سورة النساء الآية: 59] إلى كتاب الله، وإلى سنة النبي عليه الصلاة والسلام . في هذه الآية ملمح دقيق جداً: وهو أنه ما من قضية يعاني منها البشر إلا و لها غطاء تشريعي في القرآن والسنة، وإلا فلا معنى لهذه الآية . أيها الأخوة, هل يعقل أن يقول الله كلاماً لا معنى له؟ لا يعقل أن يقول الله كلاماً لا معنى له، أن يردنا إلى القرآن والسنة, فنأتي إلى القرآن والسنة, فلا نجد جواباً لهذه المشكلة, مستحيل . امتحان صعب : إذا كانت المرأة مقيمة ببلد غربي، وتنازعت مع زوجها، وانتهى الأمر إلى الطلاق، هل ترضى بحكم رسول الله: أن تأخذ مهرها, أم ترفض هذا الحكم, وتطمع أن يكون الحكم حكم القوانين؟ هناك تأخذ نصف ثروة زوجها، هذا امتحان صعب، لذلك قال تعالى: ﴿وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ﴾ [سورة المائدة الآية: 44] اعلم هذه الحقيقة : يقول بعض العلماء، وهذه حقيقة مرة: كثير من الناس يرضى بالله رباً، ولا يبغي رباً سواه ، لكنه لا يرضى به وحده ولياً وناصراً -له شبكة علاقات، يعتمد على زيد، وعلى عبيد، و علاقاته متينة مع فلان، يعتد بما سوى الله، يتوكل على غير الله، هذا الذي لا يرى أن الإيمان وحده يكفي، نحن بهذه المحنة الشديدة يوجد كثير من الطروحات، لا بد من أن نخضع لمشيئتهم حتى نسلم، أما يقول لك: لا بد من أن نخضع لله وحده حتى نسلم، هذا الآن كلام غير مطروح، المطروح شيء آخر-, بل يوالي من دونه أولياء, ظناً منه أنهم يقربونه إلى الله، قال: وهذا عين الشرك، بل التوحيد ألا يتخذ من دون الله أولياء, وكثير من الناس يبغي غيره حكماً يتحاكم إليه ويتخاصم . هذه المقامات الثلاثة: أن ترضى عن الله، وأن ترضى عن رسوله، وأن ترضى عن دينه, هي ثمرة يانعة من ثمرات التوحيد، وما تعلمت العبيد أفضل من التوحيد، لذلك في المحن الشديدة تهتز هذه القيم . هذه وظيفة المحن : المحن تكشف درجات إيمان الناس أنا أقول لكم دائماً: هناك امتحان صعب، أي أن الله يقوي الكافر، ويقويه، ويقويه, حتى يظن أن الله ترك أمر الدنيا لهؤلاء، هذا امتحان صعب نحن فيه الآن، ثم يظهر الله آياته, حتى يقول الكافر: لا إله إلا الله، أي نبتلى بالسراء وبالضراء . يوجد بالإسمنت حقيقة لطيفة: كلما طبخوا طبخة إسمنت, يصبون مكعبات صغيرة، هذا المكعب يوضع على جهاز, يمسك من قسمه الأعلى، وقسمه الأسفل توضع فيه كفة, توضع فيها أوزان بالتسلسل، على أي وزن ينكسر, هذا الإسمنت كانت هذه مقاومته، يوجد إنسان يكسر لسبب تافه، موت إنسان قريب له يفقد توازنه، إنسان إذا فقد ماله كله يفقد توازنه ، إنسان إذا فقد مكانته الاجتماعية يفقد مكانته، فالمؤمن الكامل القوي بإيمانه لا يفقد توازنه أبداً؛ مهما ادلهمت الخطوب، مهما اشتدت المحن، هو راضٍ عن الله عز وجل، هذه تحتاج إلى قوة إيمان، لكن والله أناس كثيرون تركوا الصلاة الآن، أين الله؟ يرى ما سوى الله أنه هو الفعال لما يريد، فهذه المحن تكشف درجات الإيمان . قال تعالى: ﴿أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَعْلَمِ اللَّهُ الَّذِينَ جَاهَدُوا مِنْكُمْ وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ﴾ [سورة آل عمران الآية: 142] ﴿وَإِنْ كُنَّا لَمُبْتَلِينَ﴾ [سورة المؤمنون الآية: 30] ﴿أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آَمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ * وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ﴾ [سورة العنكبوت الآية: 2-3] وطن نفسك أنك مبتلى، وطن نفسك أنك ممتحن، ومستحيل وألف ألف مستحيل أن تستحق عطاء الله من دون امتحان . أيها الأخوة, قل ما شئت، أعطِ نفسك أي مقام، حدث الناس عن نفسك كما تريد، لكن الله متكفل أن يحجمك، أو أن يعيدك إلى حجمك الحقيقي، فالامتحان يكشف حقائق الرجال . خاتمة القول : أيها الأخوة الكرام, أعود وأقول: إن هذه الدروس الكثيرة, تنطلق من محور واحد، ليست عقيدة المسلم هي ما ينبغي أن يعتقد فحسب، بل ما ينبغي أن يكون عليه؛ من خضوع لله ، ومن محبة له، ومن شكر له، ومن صبر على قضائه وقدره، ومن رضا عنه، وعن رسوله, وعن دينه . والحمد لله رب العالمين
| |
| | | Admin Admin
المساهمات : 4240 تاريخ التسجيل : 20/01/2018
| موضوع: رد: عقيدة من مفهوم القران والسنة -مستلزمات التوحيد الجمعة مارس 02, 2018 8:03 am | |
| العقيدة من مفهوم القران والسنة - الدرس ( 18) : مستلزمات التوحيد -5 - المحبة والهمة دقق في معنى هذا الكلام : أيها الأخوة الكرام, مع درس من دروس العقيدة، ولا زلنا في هذه السلسلة من لوازم العقيدة الصحيحة، من لوازم التوحيد الصحيح: أن تحب الله. أيها الأخوة الكرام, دققوا فيما سأقول: يمكن أن تتحدث ساعتين أو أكثر في القرآن، و في السنة، وفي الأحكام الفقهية، وفي الأحكام الشرعية، وفي دقائق الدين، وفي جزئيات الدين ، وفي تفاصيل الدين، ويمكن أن تملك أقوى الأدلة، وأنت لا تعرف الله، ويوجد شواهد من حياتنا المعاصرة تؤكد ذلك؛ إن عرفت الله لا تعصيه، إن عرفت الله تشعر أنه يراقبك، إن عرفت الله تحس أنك في قبضته، إن عرفت الله لا تأخذك في الله لومة لائم، فأن تعرف جزئيات, وتفاصيل, ودقائق, ومعلومات, وأفكار, وأدلة, وأخبار عن الدين شيء، وأن تعرف الله شيء آخر. أنواع العلوم التي تختص بمعرفة الله جل جلاله : 1-علم بخلقه : العلماء قالوا: هناك علم بخلقه؛ جامعات الأرض بكل أقسامها وفروعها, مهمتها أن نعرف خلق الله، الجيولوجيا، الجغرافيا، الفيزياء، الكيمياء، الرياضيات، الفلك، الطب، الهندسة ، علم النفس، علم الاجتماع، العلوم كلها, هذه علوم أدوات المعيشة العلم بخلقه, يمكن أن تدلك على الله, لو أردت أن تقرأها قراءة إيمانية، قد تجد طبيباً يتفوق في الطب، ولا يعرف الله، و تجد طبيباً آخر, كلما قرأ عن عظمة خلق الله في الإنسان, خشع قلبه, وانهمرت دموعه. أي علم في الأرض يمكن أن يوصلك إلى الله، لأن هذه العلوم هي قوانين خلق الله عز وجل، إنك تشعر أن وراء هذا الكون إلهاً عظيماً, وخالقاً حكيماً, ورباً رحيماً، هذا العلم بخلقه. 2-علم بأمره : العلم بأمره؛ كليات الشريعة في العالم الإسلامي متخصصة في معرفة أمر الله، الحلال والحرام، والخير والشر, وأحكام الوكالة, والوديعة, والحوالة، شروط البيع والشراء، أحكام البيع والشراء، وخيار الشرط، وخيار الوقت، أبحاث كأي علم آخر, الإنسان الذي يوجد عنده ذكاء يحفظها، والذي عنده طلاقة لسان يعرضها، لكن أن تعرف الله شيء آخر. إذا كنت تعرف الله لا تستطيع أن تدوس نملة، ولا أن تحبس هرة، أما الذي يحبس ما فوق الهرة، ويموتون في السجن، ويعذبون، وينكل بهم، ويعرون كما تشاهدون كل يوم، هؤلاء لا يعرفون الله، ولو كتبوا على عملتهم ثقتنا بالله، أنا أؤكد على معرفة الله. من لوازم معرفة الله : 1-أن تحبه : أيها الأخوة الكرام, من لوازم معرفة الله أن تحبه، مستحيل وألف ألف مستحيل أن تعرفه ثم لا تحبه، ومستحيل وألف ألف مستحيل أن تحبه ثم لا تطيعه، ومستحيل وألف ألف مستحيل أن تؤثر غيره عليه، وأن تؤثر الدنيا على الآخرة. انظر إلى هذا القول لأحد العلماء الكبار : يقول أحد العلماء الكبار: المحبة سمة المسافرين إلى ربهم، الله عز وجل قال: ﴿فَفِرُّوا إِلَى اللَّهِ﴾ [سورة الذاريات الآية: 50] إنسان يسافر إلى أوربا، إلى أمريكا، إلى منتجع، إلى جزيرة، إلى مشتى في أسوان بالشتاء، إلى موسيه في جبال الألب بالصيف، والمؤمن سافر إلى الله: ﴿فَفِرُّوا إِلَى اللَّهِ﴾ [سورة الذاريات الآية: 50] ﴿إِنِّي ذَاهِبٌ إِلَى رَبِّي سَيَهْدِينِ﴾ [سورة الصافات الآية: 99] قال: هي سمة المسافرين إلى ربهم، الذين ركبوا جناح السفر إليه، ثم لم يفارقوه إلى حين اللقاء، هم الذين قعدوا على الحقائق, وقعد من سواهم على الرسوم. هذا اختيار المؤمن : تجد إنساناً بكل كيانه، بكل قطرة من دمه، بكل خليه بجسمه؛ الكرة، والفريق الفلاني، واللاعب الفلاني، تجد بدمه يتابع المباريات، إنسان همه التحف، إنسان همه الطيور، إنسان همه الصقور، أما المؤمن فهمه الله، التعبير البسيط: المؤمن عرف أن ينقي، انتقى الذي لا يموت، انتقى الذي يعيش معه إلى أبد الآبدين: ﴿كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ﴾ [سورة الرحمن الآية: 26] كل مخلوق يموت، لو أحببت أجمل امرأة على وجه الأرض ونلتها, فلا بد من أن تفارقها، ولا بد من أن تفارقك: كـــــــــل مخـلوق يموت ولا يبقى إلا ذو الـــعزة والجبروت والليل مهما طال فلابد من طلوع الفجر والعمر مهما طال فلابـد من نزول القبر وكل ابن أنثى وإن طـــالت سلامته يوماً على آلــة حــــدباء محمول فإذا حملـــت إلى القــبور جنازة فاعلــم بأنــــك بعــدها محمول عش ما شـــــئت فإنــك ميت أحبب ما شــئت فإنــــك مفارق اعمل ما شئت فإنك مجزي به نظرة وعبرة : دخلنا على قصر كمال أتاتورك في تركيا, قاعة الاستقبال ألف متر، هل يوجد أحد عنده غرفة الضيوف مساحتها ألف متر, مزينة بخمسة أطنان ذهباًَ، كل شيء فيها من أعلى مستوى، الثريات كريستال، الرخام شفاف أونيكس؟ أين صاحب هذا القصر؟ في القبر، عندما تعرف المصير, يهون عليك كل شيء، لذلك في بعض البرامج النفسية, ابدأ من النهاية، النهاية القبر، تسكن منزلا بثمانين مليونًا، سبعين مليونًا، له إطلالة رائعة، أربعمئة متر فرضاً، قبو تحت الأرض، شمالي، كله مؤقت، والدليل على النعي، وسيشيع إلى مثواه الأخير، هذا بالمفهوم الأخير، البيت الذي كان فيه مثوى مؤقت. عملية مقارنة : أيها الأخوة الكرام, هؤلاء المؤمنون عرفوا الحقائق، وسواهم عرف الرسوم الأشباه، سبحانك يا رب, لحكمة أردتها لا يمكن أن تمد الدنيا، الإنسان بلذة مستمرة, بل لذة متناقصة تعقبها كآبة، لاحظ الإنسان, حقق كل أهدافه بالحياة بحالة نفسية, لا بد من أن أعبر عنها باللغة الدارجة؛ يَقرف ويُقرف، ملل، أكل حتى شبع، لم يدع بلداً إلا وسافر له، كل المتع ملّ منها بعد ذلك، والشيء الذي لا يصدق: أن الإنسان أحياناً من دون منهج، من دون قيم، من دون مبادئ، يميل إلى الانحراف، يمل من الشيء الطبيعي الفطري الصحيح، ينحرف نحو أشياء لا ترضي الله عز وجل. ينبغي أن تعلم هذه الحقيقة : أيها الأخوة، حقيقة دقيقة جداً أضعها بين أيديكم: الإنسان قبل أن يحقق أهدافه, أسعد الناس يعيش بالأمل، يعيش بالخيال، يتصور بيتاً معيناً، يتصور زوجة معينة، يتصور دخلاً معيناً، بعد أن يصل إلى بعض أهدافه, تنكشف له الحقيقة المرة: أن الدنيا أقل بكثير مما هي عليه. طرفة : يروون طرفة: أن إنساناً بالعهد العثماني, النساء كلهن محجبات بحجاب كامل، فإنسان منحرف, تبع امرأة من شارع إلى شارع، من طريق إلى طريق، من حارة إلى حارة، من دخلة إلى دخلة، ثم التفتت نحوه، وكشفت عن وجهها, فإذا هي سوداء، فقالوا: وكذلك الدنيا تكشف عن وجهها عند الموت: ﴿يَقُولُ يَا لَيْتَنِي قَدَّمْتُ لِحَيَاتِي * فَيَوْمَئِذٍ لَا يُعَذِّبُ عَذَابَهُ أَحَدٌ * وَلَا يُوثِقُ وَثَاقَهُ أَحَدٌ﴾ [سورة الفجر الآية: 24-26] منعطف هام : أيها الأخوة الكرام, المحبة عنوان طريقة المؤمنين، والمحبة دليل صدق المؤمنين، و المحبة تؤكد أن هذا الإنسان من أهل الطريق إلى الله عز وجل . من لوازم معرفة الله أن تحبه، المحبة أصل كل شيء، خالق كل شيء, رب كل شيء، مصدر كل شيء، كل جمال المخلوقات مسحة من جمال الله . أحياناً تجد طفلاً, تقول: سبحان الله على هذه القسمات التي منحه الله إياها, أجمل وجه في الأرض مسحة من جمال الله، أجمل امرأة مسحة من جمال الله، أجمل جبل أخضر، أجمل ساحل بحر، أجمل نسيم عليل، أجمل فاكهة طيبة، هذه لذائذ الدنيا هي مسحة من جمال الله, فالمؤمن وصل إلى أصل الجمال، وغيره وصل إلى فروع الجمال, فروع الجمال فانية, أما أصل الجمال باق. قف هنا : قال عليه الصلاة و السلام: ((أبيت عند ربي يطعمني ويسقيني)) في الدنيا جنة, من لم يدخلها لم يدخل جنة الآخرة، إنها جنة القرب, والدليل: ﴿وَيُدْخِلُهُمُ الْجَنَّةَ عَرَّفَهَا لَهُمْ﴾ [سورة محمد الآية: 6] في الدنيا: المؤمن ذاق طعم القرب. من أدعية النبي عليه الصلاة والسلام: عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ, أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ, كَانَ يَقُولُ عِنْدَ الْكَرْبِ: ((لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ الْعَظِيمُ الْحَلِيمُ، لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ ، لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ رَبُّ السَّمَوَاتِ وَرَبُّ الْأَرْضِ, لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّه َرَبُّ الْعَرْشِ الْكَرِيمِ)) [أخرجه البخاري ومسلم في الصحيح، والترمذي في سننه] 2-3 أن تحب أمره ونهيه, وأن تحب أنبياءه وكتبه : المرتبة الثانية: إن كنت صادقاً في محبته, تحب أمره ونهيه، لذلك المؤمنون يفرحون بما نزل إليهم، يوجد إنسان يكره أمر الله عز وجل، يكره المنال, يا أخي المؤمن الناس كلهم طلقاء، يذهب إلى أي مكان يشتهيه، يجلس مع من يشتهي، يصافح من يشتهي، يملأ عينيه من محاسن من يشتهي، إلا المؤمن؛ حرام وحلال، وشبهة، ويجوز ولا يجوز، وعند الأحناف كذا، وعند الشافعية كذا. إذاً: من لوازم محبة الله عز وجل: أن تحب أمره ونهيه، ومن لوازم محبة الله عز وجل: أن تحب أنبياءه وأن تحب كتبه. الإيمان قيد الفتك : أيها الأخوة, الإيمان قيد الفتك، عظمة الإنسان أنه عنده منظومة قيم تقيده، سيدنا صلاح الدين فتح القدس, ما تمكن أن يهرق دم إنسان واحد، أما عندما فتح الفرنجة القدس, ذبحوا سبعين ألفًا في يومين، والآن ترون كل يوم يموت أربعون، خمسون، مئة وخمسة و عشرون، موت كعقاص الغنم، لا يدري القاتل لمَ يقتل، ولا المقتول فيم قتل؟ أليس هذا صحيحاً ؟ يوم يذوب قلب المؤمن في جوفه مما يرى، ولا يستطيع أن يغير، إن تكلم قتلوه، وإن سكت استباحوه. ما يتميز به المؤمن عن أهل الدنيا : أهل الدنيا لا يرون إلا كبار أهل الدنيا، دون أن يشعر، إن كان تاجراً يقول لك: بصفقة حقق ثمانية عشر مليونًا، ارفع يدك، أخذ خمسة ملايين، الذي يتكلم هذا الكلام يذوب قلب المسكين, الذي دخله لا يكفيه أربعة أو خمسة أيام، الذين يحبون المال يتغنون بأرباب الأموال، والذين يحبون القوة يتغنون بالأقوياء، والذين يحبون المتع الرخيصة يتغنون بمن لهم مغامرات في ملذات لا ترضي الله عز وجل، أما المؤمن فيتغنى بالله عز وجل، يتغنى بما عند الله، يتغنى بما عند الله من نعيم مقيم، يتغنى بأعماله الصالحة، يتغنى بالطاعات، يتغنى بالصلة بالله عز وجل. بشرى لك : يوجد شاهد قوي جداً يطمئننا إن شاء الله: عَنْ زِرِّ بْنِ حُبَيْشٍ قَالَ: ((كُنَّا مَعَ رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي سَفَرٍ, فَبَيْنَا نَحْنُ عِنْدَهُ, إِذْ نَادَاهُ أَعْرَابِيٌّ بِصَوْتٍ جَهْوَرِيٍّ: يَا مُحَمَّدُ، فَأَجَابَهُ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بنحو مِنْ صَوْتِهِ: هَاؤُمُ, فَقُلْنَا لَهُ: وَيْحَكَ، اغْضُضْ مِنْ صَوْتِكَ, فَإِنَّكَ عِنْدَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَقَدْ نُهِيتَ عَنْ هَذَا, فَقَالَ: وَاللَّهِ لَا أَغْضُضُ, قَالَ الْأَعْرَابِيُّ: الْمَرْءُ يُحِبُّ الْقَوْمَ وَلَمَّا يَلْحَقْ بِهِمْ, قَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: الْمَرْءُ مَعَ مَنْ أَحَبَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ)) [أخرجه الترمذي في سننه] هذه بشارة لمن يحب، وليس في مستوى من يحب، هم القوم لا يشقى بهم جليسهم، كن عالماً, أو متعلماً, أو مستمعاً, أو محباً. يوجد إنسان غير متعلم, إذا دخل طالب علم, يرحب به، يكرمه، يقول لك: هذا إنسان يعرف الله، لكن يجب أن تعلموا: أنك إذا دعوت إلى الله، وكرمك الناس, فهذا التكريم ليس لك, هو لله، لكنك كنت السبب، فإذا كنت وفياً لله, تكون في مستوى هذا التكريم، تكون في مستوى حسن ظنهم بك. 4-أن تحب أولياءه والصالحين من عباده : المرتبة الرابعة: أن تحب أولياء الله والصالحين من عباده، سبحانك يا رب, تجد أحياناً إنساناً يكره المؤمنين ويغتاظ منهم، ويحب المنافقين والمنحرفين لأنه منهم: ﴿مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعاً سُجَّداً يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَاناً سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الْإِنْجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآَزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ﴾ [سورة الفتح الآية: 29] استنبط بعض العلماء: أن الذي يكره أصحاب رسول الله ليس مؤمناً، ليس مؤمناً قطعاً، علامة إيمانك: أنك تحب الله, ورسوله, وأنبياءه, والصحابة الكرام جميعاً، والمؤمنين في كل زمان ومكان. 5-أن تحب لقاءه وأن تسعى إلى جنته والنظر إلى وجهه ورضوانه : المرتبة الخامسة في المحبة: أن تحب لقاءه, وأن تسعى إلى جنته, والنظر إلى وجهه ورضوانه، يوجد عندنا الجنة، فوق الجنة النظر إلى وجه الله الكريم، فوق النظر إلى وجه الله الكريم رضوان من الله أكبر. دخلت إلى بيت, وجدت فيه أثاثًا لا يوصف، وطعامًا نفيسًا، إطلالة رائعة، أما إذا رأيت صاحب البيت، وقد منحه الله جمالاً أخاذاً, هذا مستوى أرقى، فإذا رحب بك، وآنسك، و طيب قلبك، وأكرمك, فهذا مستوى آخر، فبين أن تدخل جنته، أو أن تملأ نظرك بوجهه الكريم: ﴿وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ * إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ﴾ [سورة القيامة الآية: 22-23] ثم أن يرضى الله عنك, فتسعى بقربه إلى أبد الآبدين. المحبة أساسها المعرفة : أيها الأخوة الكرام, هذه المحبة، والمحبة أساسها المعرفة، تعرفه فتحبه، هذا شيء طبيعي. أحياناً الإنسان يذهب إلى بلد, يسر سروراً كبيراً, يشتاق إليه، يذهب إلى العمرة أو إلى الحج, يتجلى الله على قلبه الشيء الكثير, يشتاق أن يعود إلى هذه البلاد، يلتقي بإنسان, يأنس به, يشتاق إليه. فالمحبة أساسها المعرفة, تعرفه فتحبه، ومن أعجب العجب: أن تعرفه ثم لا تحبه، من أجب العجب: أن تحبه ثم لا تطيعه، من أعجب العجب: أن تحبه وأن تطيعه ثم لا تؤثره على غيره. مشكلة : يوجد عندنا مشكلة، تجد إنساناً يقنع بكل شيء، ولكن لا يوجد عنده همة، يعرف كل شيء، يحضر دروس لثلاثين سنة، تتكلم بحديث يتمه لك، تتكلم بآية يتمها، تتكلم بقصة يكملها ، حافظ كل شيء, ولكن لا يوجد همة ليفعل شيئاً، تنقصه الهمة والإرادة. من ثمرات المحبة : ابن القيم يقول: الهمة ثمرة المحبة. أنت لاحظ: إذا إنسان خطب فتاة، وكان معجباً بها, عشر ساعات يفكر كيف سيقدم لها هدية؟ كيف يتلطف معها بالكلام؟ كيف يتصل بها؟ كيف يفاجئها بشيء تسر به؟ تشغل كل ساحته، هذه فتاة, وامرأة يمكن بعد الزواج بسنتين لا تتكلم معها بكلمة، لا يعطس أبداً، كان ست ساعات يكلمها على الهاتف، لماذا؟ لأن كل شيء يمل، إلا أن تكون مع الله, فيوجد شوق مستمر. يروي الأدباء: أن مجنون ليلى لو تزوجها لطلقها، فالهمة ثمرة المحبة, وأعلى منتوجاتها: التعلق بالحق منهجاً وسلوكاً، الهم من مبدأ الإرادة: ﴿وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِهَا﴾ [سورة يوسف الآية: 24] يا الله هذا همّ، أراد أن يفعل شيئاً، الهمة من ثمرات المحبة، والهمة أول درجات الإرادة، تحب فتهم فتريد. حلقة مفقودة في العالم الإسلامي : يوجد حلقة مفقودة بالعالم الإسلامي, كل شيء واضح، دروس، ومحاضرات، و ندوات، أي بكل بيت يقول لك: رأينا الندوة الفلانية، والعالم الفلاني، والدكتور الفلاني، وفلان حجته قوية، وفلان جاء بأدلة رائعة، كلما تجلس مع شخص, عنده اهتمامات إسلامية، يتابع هذه الندوات, صار عنده ثقافة مذهلة، لو طبق واحد بالمليون منها, لكان في أعلى عليين، و لكن همة على تطبيق لا يوجد. أمر فيه حيرة : شخص تركي عنده قط، وعنده وليمة، وجاء بلحم غال وكثير، فهذا القط أكل اللحم، هذا التركي امتلأ منه غيظاً، تمنى أن يمزقه، هذا القط له ورد، أي يخرخر، فنظر إليه بغيظ, قال له: أوراد شوك أمانات يوك. الآن تجد شخصاً يتكلم بالدين ساعة، بالفلسفة، وبالعقيدة، والصوفيين، والسلفيين، والماترديين، والأشاعرة، والدليل الفلاني، والآية الفلانية، والحديث الفلاني، ليس عند الحلال والحرام، هذه مشكلة، يوجد حلقة مفقودة، هي الإرادة، يعرف كل شيء ولا يطبق شيئاً، لا يوجد عنده إرادة، ولا يوجد عنده همة، الهمة أساسها المحبة، والمحبة أساسها المعرفة، ما تعرف إلى الله ولا أحبه, لذلك لا يوجد عنده همة، هذه مشكلة المشكلات، هذه آفة الآفات، هذه معضلة المعضلات. مشكلة المؤمن يعرف, لا ينعم بثمرات الإيمان لأنه مقصر، ولا يعد مع الكفار لأنه مؤمن، الوضع محير؛ لا أخذ من هؤلاء سعادتهم، ولا أخذ من هؤلاء حريتهم، مقيد. ما الذي يحجب المسلم عن الله؟ : أيها الأخوة, معظم المسلمين لا يزنون، ولا يسرقون، ولا يقتلون، ولا يشربون الخمر ، ما الذي يحجبهم عن الله؟ الصغائر فقط، يوجد حجاب ثخين لأسباب وجيهة، إنسان قاتل، إنسان زان، شارب خمر، سارق، طبعاً محجوب بحجب كثيفة جداً، لكن إنسان لم يسرق، ولم يكذب، ولم يشرب الخمر، و لم يزنِ، ولم يقتل، ومحجوب عن الله بالصغائر، لذلك هذه الذنوب الصغيرة التي لا نعبأ بها, تجتمع على الرجل حتى تهلكه. إن الشيطان يئس أن يعبد في أرضكم، ولكن رضي فيما تحقرون من أعمالكم، إن الصغائر تجتمع على الرجل حتى تهلكه. ما فروع الهمة؟ : 1-همة في طلب العلم : الهمة ما فروعها؟ همة في طلب العلم، طلب العلم يحتاج إلى وقت، وإلى جهد، وإلى تواضع، يوجد إنسان أكبر همه أن يطلب العلم، معه دكتوراه من بلد أجنبي، لا ينظر لأحد، أما هو فأمّيٌّ في العلم بالدين، بدليل: أحضر أكبر عالم دين، وأعطيه تخطيط قلب, لا يفهم منه شيئاً، إذاً: هذا العالم الكبير في الدين, أمي في تخطيط القلب، وبالمقابل: ائت بأكبر طبيب قلب, لم يطلب العلم الشرعي, هو أمي في الدين، الإنسان أحياناً يستنكف أن يطلب العلم، يستنكف أن يستمع إلى شريط، يستنكف أن يطالع كتاباً إسلامياً, معه بورد، أي عنده شعور أنه فوق البشر، أكبر خطر بالعلم الكبر. ومن التعريفات الجامعة اللاذعة: أنها مدرسة يدخلها الطالب جاهلاً متواضعاً, يخرج منها جاهلاً متكبراً، بقي جاهلاً، ولكنه أضاف إلى جهله التكبر. علام تؤكد هذه الآيات؟ : الهمة الأولى في طلب العلم, يمكن أن تجلس في مجلس على ركبتيك، لكن: ﴿وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلَا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا﴾ [سورة الكهف الآية: 28] طبعاً لو ذهبت إلى بيت صديق, يوجد كرسي مريح وثير، يوجد ضيافة، في بيت الله لا يوجد إلا الأرض، ولا يوجد ضيافة، وقد يكون الدرس طويلاً أحياناً، وقد يتأخر الشيخ، فهمة في طلب العلم: ﴿قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ﴾ [سورة الزمر الآية: 9] ﴿فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ﴾ [سورة محمد الآية: 19] فضيلة طلب العلم : فضل العلم خير من فضل العبادة، أي شخص يقوم الليل فقط، وآخر يتبحر في العلم، الذي يتبحر في العلم ليعلم الناس، ليهدي الناس إلى صراط الله عز وجل, أفضل عند الله من فضل العبادة. يقول عليه الصلاة والسلام أيضاً: ((وخير دينكم الورع)) ركعتان من ورع, خير من ألف ركعة من مخلط. من لم يكن له ورع يحجزه عن معصية الله إذا خلا, لم يعبأ الله بشيء من عمله. عن عَبْد اللَّهِ بْنَ مَسْعُودٍ, قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((لَا حَسَدَ إِلَّا فِي اثْنَتَيْنِ: رَجُلٌ آتَاهُ اللَّهُ مَالًا فَسُلِّطَ عَلَى هَلَكَتِهِ فِي الْحَقِّ, وَرَجُلٌ آتَاهُ اللَّهُ الْحِكْمَةَ فَهُوَ يَقْضِي بِهَا وَيُعَلِّمُهَا)) حجمك عند الله بحجم عملك الصالح : أتمنى أن أوضح لكم أنه؛ أنا مقياس الغنى عندي الحجم المالي، لكن مقياس الغنى عند الله العمل الصالح، لما سيدنا موسى سقى للمرأتين قال: ﴿رَبِّ إِنِّي لِمَا أَنْزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ﴾ [سورة القصص الآية: 24] صدقوا أيها الأخوة, الغني الحقيقي: من له أعمالاً صالحة كبيرة جداً؛ إما في الإنفاق، إما في بناء المساجد، إما في إلقاء الدروس، إما في تأليف الكتب، إما في إنشاء دور يتامى، في معاهد شرعية، إما في خدمة الناس. حجمك عند الله بحجم عملك الصالح، يجب أن توقن يقيناً قطعياً: أن الفقر الحقيقي فقر العمل الصالح. ما محور هذا الحديث؟ : عَنْ قَيْسِ بْنِ كَثِيرٍ قَالَ: ((قَدِمَ رَجُلٌ مِنْ الْمَدِينَةِ عَلَى أَبِي الدَّرْدَاءِ وَهُوَ بِدِمَشْقَ, فَقَالَ: مَا أَقْدَمَكَ يَا أَخِي؟ فَقَالَ: حَدِيثٌ بَلَغَنِي أَنَّكَ تُحَدِّثُهُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ, قَالَ: أَمَا جِئْتَ لِحَاجَةٍ؟ قَالَ: لَا, قَالَ: أَمَا قَدِمْتَ لِتِجَارَةٍ؟ قَالَ: لَا, قَالَ: مَا جِئْتُ إِلَّا فِي طَلَبِ هَذَا الْحَدِيثِ, قَالَ: فَإِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: مَنْ سَلَكَ طَرِيقًا يَبْتَغِي فِيهِ عِلْمًا, سَلَكَ اللَّهُ بِهِ طَرِيقًا إِلَى الْجَنَّةِ, وَإِنَّ الْمَلَائِكَةَ لَتَضَعُ أَجْنِحَتَهَا رِضَاءً لِطَالِبِ الْعِلْمِ, وَإِنَّ الْعَالِمَ لَيَسْتَغْفِرُ لَهُ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ, حَتَّى الْحِيتَانُ فِي الْمَاءِ, وَفَضْلُ الْعَالِمِ عَلَى الْعَابِدِ, كَفَضْلِ الْقَمَرِ عَلَى سَائِرِ الْكَوَاكِبِ, إِنَّ الْعُلَمَاءَ وَرَثَةُ الْأَنْبِيَاءِ, إِنَّ الْأَنْبِيَاءَ لَمْ يُوَرِّثُوا دِينَارًا وَلَا دِرْهَمًا, إِنَّمَا وَرَّثُوا الْعِلْمَ, فَمَنْ أَخَذَ بِهِ أَخَذَ بِحَظٍّ وَافِرٍ)) 2-همة في طلب المعالي : الآن: هذه الهمة التي هي نتيجة المحبة، المحبة تولد همة؛ همة في طلب العلم، وهمة نحو المعالي. ((إن الله يحب معالي الأمور, ويكره سفسافها ودنيها)) تجد إنساناً همه المغني الفلاني، عنده جميع أشرطته، ومُرَتبها، ومصنفها، ويوزعها أيضاً، هذا همه الموسيقا، هذا همه التواضع، تجد هموم, ومبالغ, وأوقات، أما المؤمن همه الله. قال تعالى: ﴿وَلَكِنَّ اللَّهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الْإِيمَانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيَانَ أُولَئِكَ هُمُ الرَّاشِدُونَ﴾ [سورة الحجرات الآية: 7] 3-همة في الجهاد في سبيل الله : الآن: محبتك لله عز وجل, ولرسوله, ولأنبيائه, ولكتبه، ولأوليائه، وللمؤمنين؛ التي نقلتك إلى همة في طلب العلم، وهمة في طلب المعالي, تنقلك أيضاً إلى همة في الجهاد في سبيل الله, والجهاد أنواع منوعة، دعونا موقتاً من الجهاد القتالي، ونسأل الله سبحانه وتعالى أن يتاح لنا في وقت من الأوقات، لكن يوجد جهاد النفس والهوى وهو أهم أنواع الجهاد، لأن المنهزم أمام نفسه لا يمكن أن يواجه نملة، الجهاد البنائي: أن تطور عملك ليكون في خدمة المسلمين، وليكون قوة في أيدي المسلمين. ما مشروع هذه الآية؟ : التقيت مع إنسان بسفرتي الأخيرة يشغل منصباً رفيعاً، قلت له: لو عرضت عليك مشروعاً بمليونين، فسألتك: أمعك مال لهذا المشروع؟ فقلت لي: ليس عندي مال لهذا الذي تعرضه علي، أنا قد أحتاج منك إلى مليون، معك نصف مليون، تقول: ليس عندي مال، أما لو قلت لي: ليس عندي من مال ولا درهم، ماذا أفادت كلمة من؟ استغراق أفراد النوع، الآن: إذا الله عز وجل قال: ﴿وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ﴾ [سورة الأنفال الآية: 60] أي إن أي إنسان مسلم بعمله إذا أتقنه، وخدم المسلمين, وفر عليهم أن يستوردوا، و أعطاهم حاجة جيدة جداً, متينة تقاوم، وتخدم مدة طويلة، وبسعر معتدل، هذا ساهم في بناء الأمة. يوجد جهاد النفس والهوى، ويوجد الجهاد الدعوي، ويوجد الجهاد البنائي، ونسأل الله عز وجل أن يرزقنا الجهاد القتالي. سؤال دقيق : موضوع الهمة موضوع حساس ومتداول، يقول لك شخص: أول ما تعرفت إلى الله في هذا المسجد, كنت شعلة، بركانًا، الآن فترت همتي، كنت أبكي كثيراً، الآن لم أعد أبكي، كنت أصلي كثيراً طويلاً، الآن أصلي صلاة اعتيادية كالناس، كنت لا أنام الليل من محبتي لله، الآن والله عادي, يتكلم بألم، وكأنه فقد إيمانه، أقول له: لا، أنا أطمئن هؤلاء الذين لم يخطئوا مع الله، لكن أحوالهم التي تألقوا بها, ضعف تأثيرها عندهم، هؤلاء لو كنت في مكان بارد جداً، وكدت تموت من البرد، ثم دخلت إلى مكان دافئ خلال دقائق أو عشر دقائق, تشعر بقيمة الدفء، بعد ذلك أنت في الدفء, والدفء هو هو، لكن قوة تأثيره عليك ضعفت مع استمراره، لو أن شخصًا لا سمح الله ارتكب معصية, يحس نفسه وكأنه في جهنم، ما دام مستقيماً فهو مرتاح، هذه الراحة نوع من الصلة؛ لكن مخففة. عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو, أَنَّهُ تَزَوَّجَ امْرَأَةً مِنْ قُرَيْشٍ, فَكَانَ لَا يَأْتِيهَا, كَانَ يَشْغَلُهُ الصَّوْمُ وَالصَّلَاةُ, فَذُكِرَ ذَلِكَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ...... فَقَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: ((إِنَّ لِكُلِّ عَمَلٍ شِرَّةً, وَلِكُلِّ شِرَّةٍ فَتْرَةٌ, فَمَنْ كَانَتْ شِرَّتُهُ إِلَى سُنَّتِي فَقَدْ أَفْلَحَ, وَمَنْ كَانَتْ فَتْرَتُهُ إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ فَقَدْ هَلَكَ)) إلى يوم غد إن شاء الله : أيها الأخوة الكرام, المحبة ثمرة المعرفة، والهمة ثمرة المحبة، النتيجة الثالثة للدرس القادم: الغربة، ما لم تشعر بغربة بهذا العصر, ففي الإيمان خلل، يجب أن تشعر كأنك غريب، قيمك نادرة، مبادئك، أخلاقك، كلامك، مزاحك متميز، فيه عفة، لا يؤذي أحد، لا يتجاوز حدوده، الغربة من لوازم الإيمان الصحيح. عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: ((إن رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال: بَدَأَ الْإِسْلَامُ غَرِيبًا, وسَيَعُودُ غريباً كما بدَأَ, فَطُوبَى لِلْغُرَبَاءِ)) [أخرجه مسلم في الصحيح] والغربة تحل بأن تكون مع المؤمنين، أن يكون لك مجتمع مؤمن، أصدقاء مؤمنين، تتصل بهم، تسمر معهم، تلتقي بهم، تبثهم وجدك، يبثونك مواجيدهم، فبدل الشعور بالغربة أن تأنس بالمؤمنين، أما أن تأنس بعامة الناس, هذا دليل خطير جداً على أنك منهم، والاستئناس بالناس من علامات الإفلاس, أما أن تستأنس بالمؤمنين, فهذا دليل على إيمانك الصحيح إن شاء الله. من أسئلة السائلين : السؤال الأول: ما هو الشيء أو الفعل أو القول الذي يطمئن المسلم في محبة الله س- ما هو الشيء أو الفعل أو القول الذي يطمئن المسلم في محبة الله وفي الالتزام بشرعه؟ ج- إنك إذا فعلت عملاً صالحاً ولم تذكره لأحد، و لم تحتاج أن تتباهى به، هذا دليل إخلاصك لله عز وجل، وإذا استوت استقامتك وحدك أو مع الناس دليل محبتك لله عز وجل، استواء العمل في الخلوة والجلوة دليل محبة الله عز وجل، وبقاء العمل بالذم والمديح دليل محبة الله عز وجل، إذا كنت محباً لله, عملك لا يتغير بين أن تكون في جلوتك أو في خلوتك، وإذا كنت محباً لله عز وجل, لا يزيد عملك بالمديح ولا يقل بالذم، وإذا كنت ممن يحب الله عز وجل, تشعر أنك لا تحتاج أن تذكر عملك لأحد، يا ربي أنت مقصودي ورضاك مطلوبي: ﴿وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِيناً وَيَتِيماً وَأَسِيراً * إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لَا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزَاءً وَلَا شُكُوراً﴾ [سورة الإنسان الآية: 8-9] فعدم طلب الشكر والجزاء, واستواء العمل في الخلوة والجلوة, واستواء العمل مع المديح و الذم دليل محبة الله عز وجل. السؤال الثاني: دلنا على ورد يزيد من طمأنينة قلوبنا في حب الدين والالتزام؟ : س- دلنا على ورد يزيد من طمأنينة قلوبنا في حب الدين والالتزام؟ . ج- أنا أقترح أيها الأخوة, أربع أرباع الساعة، ربع ساعة تصلي، ربع ساعة تقرأ القرآن، ربع ساعة تفكر، ربع ساعة تذكر، أذكار الإمام النووي هذا أصح الأذكار، إذا كنت تستطيع ربع ساعة ذكر, وتلاوة, واتصال بالله عز وجل, وتفكر في مخلوقات الله، هذه الساعة صباحاً تساوي حجة تامة تامة تامة، بعد ذلك يوجد ذكر طوال النهار: ﴿الَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَاتِهِمْ دَائِمُونَ﴾ [سورة المعارج الآية: 23] كلما أقدمت على عمل تدعو الله أن يوفقك, وأن يكون خالصاً لوجهه الكريم، فالدعاء ذكر, والاستغفار ذكر, وتلاوة القرآن ذكر, والتفكر ذكر. عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: ((قَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: أَلَا أُنَبِّئُكُمْ بِخَيْرِ أَعْمَالِكُمْ, وَأَزْكَاهَا عِنْدَ مَلِيكِكُمْ, وَأَرْفَعِهَا فِي دَرَجَاتِكُمْ, وَخَيْرٌ لَكُمْ مِنْ إِنْفَاقِ الذَّهَبِ وَالْوَرِقِ, وَخَيْرٌ لَكُمْ مِنْ أَنْ تَلْقَوْا عَدُوَّكُمْ, فَتَضْرِبُوا أَعْنَاقَهُمْ وَيَضْرِبُوا أَعْنَاقَكُمْ؟ قَالُوا: بَلَى, قَالَ: ذِكْرُ اللَّهِ تَعَالَى, قَالَ مُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ-: مَا شَيْءٌ أَنْجَى مِنْ عَذَابِ اللَّهِ مِنْ ذِكْرِ اللَّهِ)) | |
| | | Admin Admin
المساهمات : 4240 تاريخ التسجيل : 20/01/2018
| موضوع: رد: عقيدة من مفهوم القران والسنة -مستلزمات التوحيد الجمعة مارس 02, 2018 8:04 am | |
| الغربة مستلزمات العقيدة : أيها الأخوة المؤمنون، مع درس من دروس العقيدة، والموضوع الذي لا زلنا بفضل الله عز وجل نعالجه من أشهر: أن حقيقة العقيدة ليست كما يتوهم بعض المسلمين, ماذا ينبغي أن تعتقد؟ ولكن حقيقة العقيدة ماذا ينبغي أن تكون عليه من الشوق والحب، والتوكل, والطاعة، والالتزام، وما إلى ذلك؟. الشعور بالغربة : طوبى للغرباء الذين يصلحون إذا فسد الناس في هذا الدرس الحديث عن الغربة، ما لم تشعر بالغربة فهناك خلل في إيمانك، ما لم تشعر بالغربة في هذا الزمان فهناك خلل في إيمانك. الآية الدقيقة جداً التي تتصل بهذا الدرس أشد الاتصال هي قول الله عز وجل: ﴿فَلَوْلَا كَانَ مِنَ الْقُرُونِ مِنْ قَبْلِكُمْ أُولُو بَقِيَّةٍ يَنْهَوْنَ عَنِ الْفَسَادِ فِي الْأَرْضِ إِلَّا قَلِيلاً مِمَّنْ أَنْجَيْنَا مِنْهُمْ﴾ [سورة هود الآية: 116] حتى الذين ينهون عن الفساد في الأرض قلة منهم ناجون، معنى ذلك أن هي سهل، لكن التطبيق يحتاج إلى صدق مع الله عز وجل. والحديث الشريف الصحيح: عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ سَنَّةَ, أَنَّهُ سَمِعَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: ((بَدَأَ الْإِسْلَامُ غَرِيبًا، ثُمَّ يَعُودُ غَرِيبًا كَمَا بَدَأَ، فَطُوبَى لِلْغُرَبَاءِ، قِيلَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَمَنْ الْغُرَبَاءُ؟ قَالَ: الَّذِينَ يُصْلِحُونَ إِذَا فَسَدَ النَّاسُ ...)) [أخرجه الطبراني في المعجم الكبير, وعبد الله بن أحمد في المسند] صار الفساد هو الأصل والاستقامة شاذة فساد عميم. ﴿ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ﴾ [سورة الروم الآية: 41] حالة انهيار خلقي، حالة انحلال خلقي، حالة ضبابية في الرؤيا، حالة تفلت من منهج الله، صار الفساد هو الأصل، وأن الاستقامة شاذة، حينما يصبح المعروف منكراً والمنكر معروفاً, فنحن في فساد عريض، أن تشعر بالغربة في هذا المجتمع فهذه علامة طيبة، وأن تستأنس بهؤلاء الناس المنحرفين, الشاردين, الغارقين في الفساد, فهذه حالة تحتاج إلى مراجعة. أنت غريب في الناس وأحيانا بين المسلمين أخواننا الكرام، أنت غريب في الناس، وأحياناً غريب بين المسلمين، وأحياناً غريب بين المؤمنين، وأحياناً غريب بين العلماء الذين خففوا على الناس دينهم، أي تساهلوا، هذا الموضوع فيه فتوى، هذا الموضوع فيه رأي ضعيف، وهذا الموضوع هناك من يجيز فعله، إذاً: هناك غربة تلو غربة, تلو غربة, تلو غربة. أخرج الإمام مسلم عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: ((قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: بَدَأَ الْإِسْلَامُ غَرِيبًا، وَسَيَعُودُ كَمَا بَدَأَ غَرِيبًا، فَطُوبَى لِلْغُرَبَاءِ)) عَنْ ابْنِ عُمَرَ, أن النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: ((إِنَّ الْإِسْلَامَ بَدَأَ غَرِيبًا، وَسَيَعُودُ غَرِيبًا كَمَا بَدَأَ، وَهُوَ يَأْرِزُ بَيْنَ الْمَسْجِدَيْنِ كَمَا تَأْرِزُ الْحَيَّةُ فِي جُحْرِهَا)) [أخرجه مسلم في الصحيح] فرق بين من يسافر ليحج ومن يسافر ليستمتع ويسوح يوجد أخوة كرام, قلبهم معلق بالحرمين الشريفين، يسافر إليهما, فيجد سعادته في هذين الحرمين، لا يستأنس في بلاد الغرب، هناك من يطمح أن يتجه إلى بلاد الحرمين ليتعبد الله هناك، وهناك من يطمح إلى أن يسافر إلى بلد متفوق جميل فيه كل ما تشتهيه الأنفس مثلاً، فرق كبير. وفي مسند الإمام أحمد: عن عَبْد اللَّهِ بْنَ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِي قَالَ: ((قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَاتَ يَوْمٍ وَنَحْنُ عِنْدَهُ: طُوبَى لِلْغُرَبَاءِ، فَقِيلَ: مَنْ الْغُرَبَاءُ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: أُنَاسٌ صَالِحُونَ فِي أُنَاسِ سُوءٍ كَثِيرٍ، مَنْ يَعْصِيهِمْ أَكْثَرُ مِمَّنْ يُطِيعُهُمْ)) الغربة بين المسلمين: الآن: هناك غربة بين المسلمين هي غربة المنهج، المنهج غير مطبق، القواعد الشرعية لا يؤخذ بها، توجيهات النبي في سنته لا يعتد بها، فحوى القرآن الكريم لا يقام له وزن في مجتمع التفلت، فأنت في مجتمع مسلم، وكلهم ولد من أم وأب مسلمين، ومع ذلك تشعر بأن هذه مخالفة، وهذا تجاوز، وهذا تقصير، تشعر كأنك لست من هؤلاء. حينما يتبع المسلمون أهواءهم، حينما يألفوا حياة الغرب، حينما تسيطر عليهم أنماط المعيشة الغربية، حينما يضعف تمسكهم بأصول دينهم، عندئذ يكون المؤمن الصادق المستقيم الملتزم غريباً بين المسلمين، هو غريب بين الناس، وغريب بين المسلمين. لو أن شاباً هداه الله إليه، وطلب من أهله أن يبتعد عن الاختلاط, لأقاموا عليه الدنيا، وأهله من رواد المساجد، وأهله ممن يتحدثون بالدين، ومع ذلك يقيمون عليه النكير إذا رفض الاختلاط، يقيمون عليه النكير إذا رفض أن يتعامل بمعاملة ربوية، أين الخطأ؟ علماء كبار أفتوا بذلك، من أنت؟ فقد تجد نفسك غريباً، وأنت في أسرة مسلمة ترتاد المساجد. أخواننا الكرام، أهل الغربة يقيمون الحجة على الناس جميعاً: ﴿فَلَوْلَا كَانَ مِنَ الْقُرُونِ مِنْ قَبْلِكُمْ أُولُو بَقِيَّةٍ يَنْهَوْنَ عَنِ الْفَسَادِ فِي الْأَرْضِ إِلَّا قَلِيلاً مِمَّنْ أَنْجَيْنَا﴾ [سورة هود الآية: 116] لو تقدم شاب لخطبة فتاة، والشاب غني، وله بيت فخم، وعنده معمل مسجل باسمه، وله مركبة فارهة، لكن لا يصلي, تجد معظم المسلمين يرحبون بهذا الشاب، ولا يعبؤون بقوله تعالى: ﴿وَلَعَبْدٌ مُؤْمِنٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكٍ وَلَوْ أَعْجَبَكُمْ﴾ [سورة البقرة الآية: 221] هذه غربة، إنسان يأبى أن يتعامل مع المصارف الربوية, يجد أن معظم من حوله ينكرون عليه، إذاً: هو غريب. عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبَانَ بْنِ عُثْمَانَ, عَنْ أَبِيهِ, أَنَّ زَيْدَ بْنَ ثَابِتٍ, خَرَجَ مِنْ عِنْدِ مَرْوَانَ نَحْوًا مِنْ نِصْفِ النَّهَارِ، فَقُلْنَا: ((مَا بَعَثَ إِلَيْهِ السَّاعَةَ إِلَّا لِشَيْءٍ سَأَلَهُ عَنْهُ، فَقُمْتُ إِلَيْهِ، فَسَأَلْتُهُ، فَقَالَ : أَجَلْ، سَأَلَنَا عَنْ أَشْيَاءَ سَمِعْتُهَا مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: نَضَّرَ اللَّهُ امْرَأً سَمِعَ مِنَّا حَدِيثًا فَحَفِظَهُ حَتَّى يُبَلِّغَهُ غَيْرَهُ، فَإِنَّهُ رُبَّ حَامِلِ فِقْهٍ لَيْسَ بِفَقِيهٍ، وَرُبَّ حَامِلِ فِقْهٍ إِلَى مَنْ هُوَ أَفْقَهُ مِنْهُ ...)) ليس بفقيه؛ أي لا يطبق أحكام الفقه، يعرفها، ويحفظها، وينقلها للناس، لكنه لا يطبقها. ومن فقرات هذا الحديث: ((... مَنْ كَانَ هَمُّهُ الْآخِرَةَ, جَمَعَ اللَّهُ شَمْلَهُ، وَجَعَلَ غِنَاهُ فِي قَلْبِهِ، وَأَتَتْهُ الدُّنْيَا وَهِيَ رَاغِمَةٌ، وَمَنْ كَانَتْ نِيَّتُهُ الدُّنْيَا, فَرَّقَ اللَّهُ عَلَيْهِ ضَيْعَتَهُ، وَجَعَلَ فَقْرَهُ بَيْنَ عَيْنَيْهِ، وَلَمْ يَأْتِهِ مِنْ الدُّنْيَا إِلَّا مَا كُتِبَ لَهُ ...)) ((عبدي خلقت لك السموات والأرض، ولم أعي بخلقهم، أفيعييني رغيف أسوقه لك كل حين؟ لي عليك فريضة ولك عليّ رزق، فإذا خالفتني في فريضتي, لم أخالفك في رزقك، وعزتي و جلالي, إن لم ترض بما قسمته لك, فلأسلطن عليك الدنيا, تركض فيها ركض الوحش في البرية، ثم لا ينالك منها إلا ما قسمته لك ولا أبالي، وكنت عندي مذموماً، أنت تريد وأنا أريد, فإذا سلمت لي فيما أريد, كفيتك ما تريد، وإن لم تسلم لي فيما أريد, أتعبتك فيما تريد, ثم لا يكون إلا ما أريد))
صفات الغرباء : 1-حجتهم قوية ورؤيتهم صحيحة: من صفة الغرباء أن رؤيتهم صحيحة أول صفة الغرباء: أن الله سبحانه و تعالى آتاهم الحجة، معهم حجة قوية، معهم دليل، عرضهم قوي، تعبيرهم متماسك، أدلتهم قاطعة، رؤيتهم صحيحة، هذا هو الغريب. 2-مصادرهم موثوقة: الصفة الثانية للغريب: أن دينه تلقاه من مصادر موثوقة, لا يستطيع إنسان أن يقول كلاماً في الطب إلا إذا كان طبيباً، وإلا يحاسب، ويلاحق، ويعاقب، لا يستطيع إنسان أن يقول في العلوم كلاماً إلا إذا كان من أهل اختصاصها، إلا في الدين، فكل من هبّ ودبّ يدلي برأي في الدين، لذلك اختلط الحديث الصحيح مع الضعيف مع الموضوع، اختلط الحق مع الباطل، التصور مع العقيدة الصحيحة، يقول لك: قرأتها بمجلة، أي مجلة؟ يوجد شيخ قال هذا الكلام، مصادر غير موثوقة, وغير معتمدة، من دون تحقيق، من دون تمييز، المؤمن الذي يشعر بالغربة, دينه قد أخذه من جهات موثوقة. ((ابن عمر دينك دينك، إنه لحمك ودمك، خذ عن الذين استقاموا، ولا تأخذ عن الذين مالوا)) ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْماً بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ﴾ [سورة الحجرات الآية: 6] ((إن هذا العلم دين, فانظروا عمن تأخذون دينكم)) المؤمن الغريب لا يقبل إلا بالدليل، ولا يرفض إلا بالدليل، لأن دينه مصيره، لأن دينه سعادته أو شقاؤه، فلذلك: بقضايا الدين آراء شخصية لا يوجد، ولا يستطيع أحد على وجه الأرض أن يدلي برأي في الدين. الدين توقيفي, أي العالم الذي ينجو من الله يوم القيامة, هو الذي ينقل نقلاً أميناً عن رسول الله صلى الله عليه وسلم, من دون زيادة، من دون نقصان. عَنْ الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ, عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: ((مَنْ حَدَّثَ عَنِّي حَدِيثًا وَهُوَ يَرَى أَنَّهُ كَذِبٌ, فَهُوَ أَحَدُ الْكَاذِبِينَ)) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: ((قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مَنْ كَذَبَ عَلَيَّ مُتَعَمِّدًا, فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنْ النَّارِ)) [أخرجه مسلم في الصحيح] لكن الحديث الأول: ((مَنْ حَدَّثَ عَنِّي حَدِيثًا وَهُوَ يَرَى أَنَّهُ كَذِبٌ, فَهُوَ أَحَدُ الْكَاذِبِينَ)) لذلك: أي حديث ننقله، وأي حديث ننشره من دون تحقق، من دون تدقيق، من دون بحث، من دون استيثاق، من دون توثيق، هذا لا يرضي الله عز وجل. في بعض الفتن التي وقعت في العصور الإسلامية, كان يقول ابن سيرين: سمّوا لنا رجالكم، فينظر إلى أهل السنة فيؤخذ حديثهم، وينظر إلى أهل البدع فلا يؤخذ حديثهم. يقولون: هذا عندنا غير جائز فمن أنتمُ حتى يكون لكم عند؟ الدين توقيفي، الدين كتاب الله، الدين سنة رسول الله. 3-الغريب يحزن لفقد العلماء: الغريب يحزن لفقد العلماء روي عن مجاهد قال: جاء بشير العدوي إلى ابن عباس, فجعل يحدث، ويقول: قال عليه الصلاة والسلام، قال عليه الصلاة والسلام، فجعل ابن عباس لا يأبه لحديثه، ولا ينظر إليه، فقال: يا بن عباس! مالي لا أراك تسمع لحديثي؟ أنا أحدثك عن رسول الله ولا تسمع، فقال ابن عباس: إنا كنا مرة إذا سمعنا رجلاً يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم, ابتدرته أبصارنا، وأصغينا إليه بآذاننا، فلما ركب الناس الصعب والذلول, لم نأخذ من الناس إلا ما نعرف. إنسان ليس مستقيماً، ليس منضبطاً، يوجد بدخله شبهة، يوجد بإنفاقه شبهة، هذا الذي جاء من المدينة إلى البصرة, ليأخذ عن أحد الأشخاص حديثاً لرسول الله، فلما رآه يوهم فرسه أن في طرف ثوبه شعيراً, من أجل أن تأتي إليه، فلما اقترب لم يجد الشعير, فلم يكلمه بكلمة، وعاد إلى المدينة، هذا الذي يكذب على فرسه, ليس أهلاً أن يروي حديث رسول الله. أيها الأخوة الكرام، الغريب يحزن لفقد العلماء، لأن هذا العلم لا ينتزع انتزاعاً، إنما ينتزع بموت العلماء، والله من شعر بالغربة فهذه بشارة له. الغرباء هم أهل السنة المطبقون لسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، لأن الله عز وجل يقول: ﴿قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ﴾ [سورة آل عمران الآية: 31] لكن من لوازم اتباع السنة: أن تعلم ما السنة؟ شيء بديهي، لذلك لا بد من أن تحضر درساً في سنة رسول الله، درس العلم يكاد يكون فرض عين على كل مسلم. يا بني! العلم خير من المال، لأن العلم يحرسك وأنت تحرس المال، والمال تنقصه النفقة، والعلم يزكو على الإنفاق. قصص واقعية: أذكر لكم قصتين؛ الأولى في أول خطبة خطبتها في هذا المسجد في عام أربعة وسبعين، تقدم مني أخ كبير في السن، كانت سنه في ذلك الوقت قريبًا من الخامسة والخمسين، وبدأ يبكي، فلفت نظري بكاؤه، قال: لي زوجتي تخونني -أعوذ بالله- قلت له: مع من؟ قال لي: مع جارنا، قلت له: كيف تعرفت عليه؟ قال لي: مرة كنا بسهرة، وكان بزيارتي، قلت: هذه أم المؤمنين تجلس وحدها، تعالي أم فلان اجلسي معنا، هذا مثل أخيك، بدأت من هنا، قلت له: لو كنت تحضر درس علم واحد ما فعلت ذلك، وحينما لا تفعلها لا تكون هذه المشكلة. العلم حارس، لا تستغرب، مليون مطب أنت ناج منه باستقامتك، مليون مصيبة صرفها الله باستقامتك. سائق تكسي أشارت له إحداهن: أين تريدين؟ قالت له: أينما تريد، عدها مغنماً كبيراً، قضى حاجته، وناولته ظرفين، ظرف فيه مبلغ من الدولارات كبير مكافأة له، وظرف فيه رسالة، فتح ظرف الرسالة, مكتوب سطراً واحداً: مرحباً بك في نادي الإيدز، ذهب ليصرف الدولارات, هي مزورة، أودع في السجن، لو كان يحضر درس العلم, تقول له: خذني أينما تريد، يفتح الباب، ويخرجها بقدمه، هذا جهل. أخواننا الكرام، ما من مصيبة على وجه الأرض تقع إلا بسبب معصية، وما من معصية تكون إلا بسبب الجهل، والجهل أعدى أعداء الإنسان، والجاهل يفعل في نفسه ما لا يستطيع عدوه أن يفعله به. لمحة عن حياة المؤمن المستقيم : المؤمن متوازن وفي سلام مع نفسه تجد مؤمناً حياته متوازنة، حياته هادئة، حياته سليمة، حينما تتبع منهج الله عز وجل, يهديك الله سبل السلام، سلام مع نفسك، لا يوجد انهيار داخلي، لأنك مستقيم, وقاف عند كتاب الله, لا يوجد عندك انهيار داخلي، لا يوجد عندك شعور بالنقص، شعور بالذنب، لا يوجد عندك حجاب عن الله كبير، أنت تمشي بشكل صحيح، لم يحرمك من شيء إلا من الشيء الحرام، سلام مع أهلك، أنت شريف، وهي شريفة، أما حينما تكتشف أنك تخونها, تسمعك كلاماً لا يحتمل, سقطت من عينها، وسقطت من عين الله، يهديهم سبل السلام، مع أولاده كبير, في نظر أولاده، أبوهم إنسان مستقيم، مع التجار إذا كان تاجراً، مع الموظفين إذا كان موظفاً، يشار إليه بالبنان, هذا صالح، هذا صاحب دين.
ما هي الجماعة؟ : الجماعة هم المستقيمون ولو كانوا شخصا واحدا أيها الأخوة الكرام، الغريب هو الناجي الآن، ثم ما هي الجماعة؟ لو ببلد يوجد عشرة ملايين إنسان, شخص منهم فقط مستقيم، هذا الواحد المستقيم هو الجماعة، كلمة الجماعة نقصد بها الملتزمة بطاعة الله عز وجل، لذلك: ﴿وَإِنْ تُطِعْ أَكْثَرَ مَنْ فِي الْأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ﴾ [سورة الأنعام الآية: 116] يقول لك: سرية ليست هي الناجية, الناجون هم الأقلون، فإذا كنت مع الأقلين هذه بشارة، و إذا كنت مع الخط العريض في المجتمع هذه أيضاً مظنة انحراف. عَنْ الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ, عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: ((لَا يَزَالُ طَائِفَةٌ مِنْ أُمَّتِي ظَاهِرِينَ, حَتَّى يَأْتِيَهُمْ أَمْرُ اللَّهِ وَهُمْ ظَاهِرُونَ)) هؤلاء الغرباء، يوجد فئة قليلة هي حجة على من سواها. عَنْ ثَوْبَانَ قَالَ: ((قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لَا تَزَالُ طَائِفَةٌ مِنْ أُمَّتِي ظَاهِرِينَ عَلَى الْحَقِّ, لَا يَضُرُّهُمْ مَنْ خَذَلَهُمْ, حَتَّى يَأْتِيَ أَمْرُ اللَّهِ وَهُمْ كَذَلِكَ)) [أخرجه مسلم في الصحيح, وأبو داود والترمذي في سننهما] أما معنى قول النبي عليه الصلاة والسلام: (لَا يَضُرُّهُمْ مَنْ خَذَلَهُمْ ): لا يعبأ بالباطل ولو كان كثيراً، أي إذا دخل إنسان للحمام، واغتسل، وتطيب، وارتدى ثياباً جديدة, نظيفة، ومشى في الطريق, فإذا ببركة فيها مياه آسنة، والناس يسبحون، ويمرحون، ويضحكون، هل يتمنى أن يكون معهم؟ هو إنسان نظيف جداً، أنت اجلس بأيّ جلسة، اسمع مزاحهم، كله مزاح جنسي، تعليقات خبيثة جداً، كلمات ملغومة، كل كلامهم ملغوم، كل كلامهم يحمل معاني جنسية ساقطة، يضحكون، إن لم تشعر بالتميز لا بالكبر، إن لم تشعر أنك من طينة أخرى، أن لك هموماً أخرى، أنك تحمل هم المسلمين، أن الله يحب معالي الأمور، ويكره سفسافها ودنيها، من مزاحهم، من موضوع أحاديثهم، من تعليقاتهم الوقحة، من مزاحهم الخشن، من تفلتهم من منهج الله، من قسوتهم في معاملتهم. إذاً معنى: لَا يَضُرُّهُمْ مَنْ خَذَلَهُمْ: بمعنى أنهم لا يعبؤون بمن خذلهم، ولا بمن خالفهم. والمعنى الثاني: أن الله يعصمهم ويحفظهم، فالطرف الآخر لا يصل إليهم، يوجد بشارة لهؤلاء. عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ يَقُولُ: ((قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: لَا تَزَالُ طَائِفَةٌ مِنْ أُمَّتِي يُقَاتِلُونَ عَلَى الْحَقِّ ظَاهِرِينَ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ، فَيَنْزِلُ عِيسَى, فَيَقُولُ أَمِيرُهُمْ: تَعَالَ صَلِّ لَنَا، فَيَقُولُ: لَا، إِنَّ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ أُمَرَاءُ، تَكْرِمَةَ اللَّهِ هَذِهِ الْأُمَّةَ)) [أخرجه مسلم في الصحيح] أي تمتلئ الأرض ظلماً وجوراً كما هي الآن، فيأتي أخي عيسى فيملؤها قسطاً وعدلاً. الابتعاد عن الناس في آخر الزمان: أيها الأخوة الكرام، الحديث الشهير: عَنْ أَبِي أُمَيَّةَ الشَّعْبَانِيِّ قَالَ: ((قال رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ... إِذَا رَأَيْتَ شُحًّا مُطَاعًا، وَهَوًى مُتَّبَعًا، وَدُنْيَا مُؤْثَرَةً، وَإِعْجَابَ كُلِّ ذِي رَأْيٍ بِرَأْيِهِ, فَعَلَيْكَ بِخَاصَّةِ نَفْسِكَ ...)) شحاً مطاعاً؛ أي المادية، السلوك المادي، الحرص على الدرهم والدينار، أن تبيع دينك وأمانتك بعرض من الدنيا قليل، هوى متبعاً؛ أي الجنس والكبر، وإعجاب كل ذي رأي برأيه، بربكم أليس السلوك المادي، والانشغال بالشهوات، والكبر سمة هذا العصر؟ همه بطنه، وهمه فرجه، ومعنى أن الله سبحانه وتعالى مسخ بعض بني إسرائيل قردة وخنازير، القرد همه بطنه، والخنزير همه فرجه. لذلك: ((إِذَا رَأَيْتَ شُحًّا مُطَاعًا، وَهَوًى مُتَّبَعًا، وَدُنْيَا مُؤْثَرَةً، وَإِعْجَابَ كُلِّ ذِي رَأْيٍ بِرَأْيِهِ)) هذا حديث صحيح. هذا من توجيهات النبي عليه الصلاة والسلام: ((إِذَا رَأَيْتَ شُحًّا مُطَاعًا، وَهَوًى مُتَّبَعًا، وَدُنْيَا مُؤْثَرَةً، وَإِعْجَابَ كُلِّ ذِي رَأْيٍ بِرَأْيِهِ, فالزم بيتك -ليس معنى هذا ألا تخرج، لكن دعك من أمر الناس، اكتف بأهلك وبأخوانك في مسجدك- وخذ ما تعرف -أعرف الصلاة فرض، الصوم فرض، الحج فرض، لكن يوجد وسائل لكسب المال عجيبة، فيها شبهات، فيها ربا، فيها جهالة، فيها غرر، فيها غش- ودع من تنكر، وعليك بخاصة نفسك -أولادك، أخوانك، جيرانك، من حولك، من يلوذ بك- ودع عنك أمر العامة)) أيها الأخوة, مباراة يذهب عشرة قتلى، مباراة كرة قدم، ما هذا المجتمع؟ يوجد مباراة ببعض البلاد فيها ستون قتيلاً، تجد الحماس على كرة، هذا دين جديد عندنا. مرة كنت راكباً بسيارة من مكة إلى جدة، وجدت هذا السائق يكاد يتمزق من الألم، لأن الفريق الذي يحبه لم يربح المباراة، وشعرت أن هناك دينًا جديدًا، وقد يكون لاعباً كبيراً جداً, يباع ويشترى من فريق إلى فريق بالملايين، وهو شاذ، والناس معجبون به، وصوره على ألبسة الشباب دائماً، هذا دين جديد. فيا أيها الأخوة الكرام، بدأ الدين غريباً، وسيعود كما بدأ, فطوبى للغرباء، أناس صالحون في قوم سوء كثير. أيها الأخوة الكرام، في بعض الأحاديث: يشير النبي عليه الصلاة والسلام إلى أحبابه، فقال أصحابه: أو لسنا أحبابك؟ قال: لا, أنتم أصحابي، أحبابي: أناس يأتون في آخر الزمان, القابض منهم على دينه كالقابض على الجمر، أجره كأجر سبعين, فقالوا: منا أم منهم؟ فقال: بل منكم، قالوا: ولمَ؟ قال: لأنكم تجدون على الخير معواناً، ولا يجدون. أنقل لكم الحديث الذي قرأته قبل قليل، لكن برواية أخرى مطولة، فعند الترمذي في جامعه, عَنْ أَبِي أُمَيَّةَ الشَّعْبَانِيِّ قَالَ: ((أَتَيْتُ أَبَا ثَعْلَبَةَ الْخُشَنِيَّ فَقُلْتُ لَهُ: كَيْفَ تَصْنَعُ بِهَذِهِ الْآيَةِ؟ قَالَ: أَيَّةُ آيَةٍ؟ قُلْتُ: قَوْلُهُ تَعَالَى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لَا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ، قَالَ: أَمَا وَاللَّهِ لَقَدْ سَأَلْتَ عَنْهَا خَبِيرًا، سَأَلْتُ عَنْهَا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: بَلْ ائْتَمِرُوا بِالْمَعْرُوفِ، وَتَنَاهَوْا عَنْ الْمُنْكَرِ، حَتَّى إِذَا رَأَيْتَ شُحًّا مُطَاعًا، وَهَوًى مُتَّبَعًا، وَدُنْيَا مُؤْثَرَةً، وَإِعْجَابَ كُلِّ ذِي رَأْيٍ بِرَأْيِهِ, فَعَلَيْكَ بِخَاصَّةِ نَفْسِكَ، وَدَعْ الْعَوَامَّ، فَإِنَّ مِنْ وَرَائِكُمْ أَيَّامًا, الصَّبْرُ فِيهِنَّ مِثْلُ الْقَبْضِ عَلَى الْجَمْرِ، لِلْعَامِلِ فِيهِنَّ مِثْلُ أَجْرِ خَمْسِينَ رَجُلًا، يَعْمَلُونَ مِثْلَ عَمَلِكُمْ، قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ: وَزَادَنِي غَيْرُ عُتْبَةَ, قِيلَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ! أَجْرُ خَمْسِينَ مِنَّا أَوْ مِنْهُمْ؟ قَالَ: بَلْ أَجْرُ خَمْسِينَ مِنْكُمْ)) الخاتمة: أي إذا تمسك الإنسان في زمن الفتن, فله أجر خمسين صحابيًا، هكذا قال عليه الصلاة و السلام، كل شيء بثمنه. ﴿مَنْ عَمِلَ صَالِحاً فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَسَاءَ فَعَلَيْهَا﴾ [سورة فصلت الآية: 46] من تمسك بالدين فله معاملة خاصة من الله عز وجل: ﴿وَكَذَلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ﴾ [سورة الأنبياء الآية: 88] مستحيل وألف ألف مستحيل أن تطيعه وتخسر، ومستحيل أن تعصيه وتربح، ومستحيل أن يذل من والى الله، ومستحيل من يعز من عادى الله، هذه الدنيا أمامكم, والبطولة أن تتعظ بغيرك لا بنفسك.
=== الحكم بغير ماانزل الله تعالى ما سبق ذكره : أيها الأخوة الكرام، مع درس من دروس العقيدة الإسلامية. أيها الأخوة، في دروس سابقة كثيرة, كان محورها: أن العقيدة الصحيحة ليست ما ينبغي أن تعتقد فحسب، بل ينبغي أن تكون على عدد من الصفات؛ أن تكون متوكلاً، أن تكون راجياً رحمة الله عز وجل، أن تكون منيباً، أن تكون صابراً، فليس الإيمان أن تعتقد فحسب، بل الإيمان أن تتحلى بصفات الذي اعتقد هذا الاعتقاد. هذه نقطة أمضينا فيها دروساً عديدة. ما يقع به كثير من الناس اليوم : أيها الأخوة, اليوم من مقتضيات الإيمان والتوحيد: أن تنتهي عن صفات يفعلها الجهلة، والذين ضعف الإيمان في قلوبهم. أيها الأخوة الكرام، مما نهى عنه الشارع الحكيم: أن يتحاكم الإنسان لغير الله، وقد قال الله عز وجل: ﴿اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَاباً مِنْ دُونِ اللَّهِ﴾ [سورة التوبة الآية: 31] لا حكم إلا لله، وهذا الذي ينطق بالحق له مهمة محدودة، أن يعرفك بالله عز وجل، وأن يصلك به، لكن أن تتخذه إلهاً أو رباً فلا، وقد يقول أحدكم: ما هذا الكلام؟ أنت حينما تطيع إنساناً وتعصي خالقاً, فكأنك أخذته إلهاً، أنت حينما تطيع مخلوقاً وتعصي خالقاً, فكأنك أعطيت هذا المخلوق صفات المعبود، تطيعه وتعصي الله عز وجل، فلذلك: كلمة الله أكبر التي نقولها, أصبحت كلمةً تردد كثيراً، ولكن حينما تطيع مخلوقاً وتعصي خالقاً, ما قلتها ولا مرة، ولو رددتها ألف مرة، حينما تعطي نفسك ما تشتهي، وقد حرم الله عليك هذا الذي تشتهيه, فأنت ما قلتها ولا مرة، ولو رددتها بلسانك ألف مرة، لذلك الألفاظ التي يرددها المسلمون ولا تؤكدها أفعالهم, لا قيمة إطلاقاً لهذا الترداد، ذلك لأن النبي عليه الصلاة والسلام قال: ((من قال لا إله إلا الله بحقها دخل الجنة، قيل: وما حقها؟ قال: أن تحجزه عن محارم الله)) ما موضع الشاهد في هذا الحديث؟ : الآن: ورد في جامع الترمذي بسند صحيح, أن النبي عليه الصلاة والسلام تلا هذه الآية: [اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَاباً مِنْ دُونِ اللهِ] تلا هذه الآية على عدي بن حاتم الطائي، فقال: ((يا رسول الله! لسنا نعبدهم، فقال عليه الصلاة والسلام: أليس يحلون لكم ما حرم الله فتحلونه، ويحرمون ما أحل الله فتحرمونه؟ قال: بلى، فقال عليه الصلاة والسلام: فتلك عبادتهم)) أنت حينما تطيع إنساناً من بني جلدتك، وتعصي خالق الأكوان, فكأنك جعلته معبوداً، كأنك رفعته إلى مقام الألوهية، كأنك عبدته من دون الله، والآية واضحة جداً، قال تعالى: ﴿اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَاباً مِنْ دُونِ اللَّهِ﴾ [سورة التوبة الآية: 31] هذا الذي خطب في حضرة النبي, فقال: ((يا رسول الله! ما شاء الله وشئت، فقال: بئس الخطيب أنت، أجعلتني لله نداً؟ قل: ما شاء الله كان، وما لم يشأ لم يكن)) من مقتضيات التوحيد : 1-ألا تحتكم لغير الله : فنحن في دروس كثيرة, تحدثت عن مقتضيات التوحيد: أن تعلق أملك بالله؛ فهو الرافع، وهو الخافض، وهو المعز، وهو المذل، وهو المعطي، وهو المانع، أن تتوكل عليه، أن تنيب إليه، أن تخلص إليه. الآن من مقتضيات التوحيد: ألاّ تحتكم لغير الله، لذلك: أحياناً القوانين المدنية هناك أحكام تتناقض مع الشرع، فالذي يلجأ إلى هذه القوانين, لأنها تعطيه أكثر مما يعطيه الشرع, فقد احتكم لغير الله، هذا شيء مطبق في البلاد البعيدة حيث الجاليات الإسلامية, يختارون بين حكم الشرع عن طريق قاض في مركز إسلامي، وبين حكم القانون عن طريق قاض من تلك البلاد، فمعظم المسلمين الذين هم في ضعف شديد في إيمانهم, يلجؤون إلى القاضي الذي يحكم لهم, بما يتوهمون أنه أكثر مما يحكم لهم الشرع، هؤلاء احتكموا لغير الله. متى يعبد الزوج زوجته؟ : أعيد الحديث: [اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَاباً مِنْ دُونِ اللهِ] تلا هذه الآية على عدي بن حاتم الطائي، فقال: ((يا رسول الله! لسنا نعبدهم، فقال عليه الصلاة والسلام: أليس يحلون لكم ما حرم الله فتحلونه، ويحرمون ما أحل الله فتحرمونه؟ قال: بلى، فقال عليه الصلاة والسلام: فتلك عبادتهم)) لو أن إنساناً أمرته زوجته بما يغضب الله, وإرضاءً لها فعل ذلك, فهو عبدها من دون الله، العبادة طاعة. هل الذين تعبدونهم من دون الله يملكون عنكم كشف الضر؟ : أيها الأخوة الكرام, الله عز وجل يقول: ﴿قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُمْ مِنْ دُونِهِ فَلَا يَمْلِكُونَ كَشْفَ الضُّرِّ عَنْكُمْ وَلَا تَحْوِيلاً﴾ [سورة الإسراء الآية: 56] هؤلاء الذين تعبدونهم من دون الله, لا يملكون عنكم كشف الضر، ولا تحويله إلى غيركم، فهذا الجسم الدقيق من يملك أوعيته؟ لو أن خثرة دم وقفت في وعاء في الدماغ, لفقد الإنسان حركته، أو فقد سمعه، أو فقد بصره، أو فقد ذاكرته، قلبك بيد من؟ وأوعيتك بيد من؟ وسيولة دمك بيد من؟ وحركة قلبك بيد من؟ الله عز وجل يقول: إليه يرجع الأمر كله. قف عند هذا الحديث : وفي صحيح مسلم: عَنْ أَبِي مَالِكٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: ((سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: مَنْ قَالَ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَكَفَرَ بِمَا يُعْبَدُ مِنْ دُونِ اللَّهِ, حَرُمَ مَالُهُ, وَدَمُهُ، وَحِسَابُهُ عَلَى اللَّهِ)) لأن أهل الشرك كانوا يعبدون من دون الله آلهة, ما أنزل الله بها من سلطان. أنواع الشرك : أيها الأخوة الكرام، من لوازم الشرك الخفي, كلكم يعلم: أن الشرك نوعان؛ شرك جلي ، وشرك خفي، الشرك الجلي: أن تتخذ من صنماً يعبد من دون الله، هذا شرك جلي، لكن الشرك الخفي: أن تعتمد على مالك، أو على ذكائك، أو على مكانتك، أو على إنسان قوي, تظن أنه يقدم لك كل عون، حينما تعتمد على غير الله، أو أن تعتمد على تمائم، أو أشياء توضع على المركبات، أو توضع على الصغار كحبات من الخرز, من أجل أن تدفع عن هذا الطفل المرض، أو عين الحسود، هذا كله من الشرك الخفي، لذلك يقول الله عز وجل في سورة الزمر: ﴿قُلْ أَفَرَأَيْتُمْ مَا تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ أَرَادَنِيَ اللَّهُ بِضُرٍّ هَلْ هُنَّ كَاشِفَاتُ ضُرِّهِ أَوْ أَرَادَنِي بِرَحْمَةٍ هَلْ هُنَّ مُمْسِكَاتُ رَحْمَتِهِ قُلْ حَسْبِيَ اللَّهُ عَلَيْهِ يَتَوَكَّلُ الْمُتَوَكِّلُونَ﴾ [سورة الزمر الآية: 38] من الفهم السقيم : لو وضع إنسان في مقدمة مركبته مصحفًا فلا مانع، أما لو اعتقد أن هذا المصحف وحده من دون أن تستقيم على أمر الله، من دون أن تلتزم الأمر والنهي, يحميك من كل حادث, هذا فهم سقيم لدور هذا المصحف، هذا المصحف منهج. لذلك: أحد الصحابة رأى شاباً لا يعمل، لكنه يقرأ القرآن في وقت العمل، فقال: إنما أنزل هذا القرآن ليعمل به، فاتخذت قراءته عملاً، إنما أنزل هذا القرآن ليعمل به, أفاتخذت قراءته عملاً؟. إذاً: تعليق التمائم والخيوط، وكما ترون أيام حدوة فرس، وحذاء صغير، وخرزة، هذه كلها أشياء ما أنزل الله بها من سلطان، الله وحده يحمي ويحفظ. أنواع المعية : الدليل: أن الله عز وجل حينما قال: ﴿وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ﴾ [سورة الحديد الآية: 4] قالوا: هذه معية عامة، أي معكم بعلمه، مع كل الخلق، مع الكفار، مع المؤمنين، مع العصاة، مع الطائعين، لكن حينما يقول الله عز وجل: ﴿وَأَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ﴾ [سورة الأنفال الآية: 19] ﴿مَعَ الْمُتَّقِينَ﴾ [سورة البقرة الآية: 194] ﴿مَعَ الصَّادِقِين﴾ [سورة التوبة الآية: 119] قالوا: هذه معية خاصة؛ أي معية الحفظ، والتأييد، والنصر، والتوفيق، إذا كنت مؤمناً, إيمانك سبب لحفظك، إذا كنت مؤمناً حقاً, إيمانك سبب لتوفيقك، إذا كنت مؤمناً حقاً, إيمانك سبب لنصرك، لذلك: هذه التمائم، وهذه الخرزات، وهذه الرموز لا تقدم ولا تؤخر. أشياء لا تنفع ولا تضر : أخرج الإمام أحمد بسند حسن عَنِ الْحَسَنِ قَالَ: ((أَخْبَرَنِي عِمْرَانُ بْنُ حُصَيْنٍ, أَنَّ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَبْصَرَ عَلَى عَضُدِ رَجُلٍ حَلْقَةً -أُرَاهُ قَالَ: مِنْ صُفْرٍ- فَقَالَ: وَيْحَكَ مَا هَذِهِ؟ قَالَ: مِنْ الْوَاهِنَةِ، قَالَ: أَمَا إِنَّهَا لَا تَزِيدُكَ إِلَّا وَهْنًا، انْبِذْهَا عَنْكَ، فَإِنَّكَ لَوْ مِتَّ وَهِيَ عَلَيْكَ, مَا أَفْلَحْتَ أَبَدًا)) [أخرجه الطبراني في المعجم الكبير, والإمام أحمد في مسنده] هذه الخرزات مثلاً، أو بعض القطع المعدنية، أو بعض الأساور، أو أشياء يتوهم أنها تحفظ الإنسان، وهي لا أصل لها في السلوك. عن عُقْبَةَ بْنَ عَامِرٍ يَقُولُ: ((سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: مَنْ تَعَلَّقَ تَمِيمَةً فَلَا أَتَمَّ اللَّهُ لَهُ، وَمَنْ تَعَلَّقَ وَدَعَةً فَلَا وَدَعَ اللَّهُ لَهُ)) وفي رواية: من تعلق تميمة فقد أشرك. ما هي الواهنة كما وردت في نص هذا الحديث؟ : طبعاً: الحديث الأول: رأى رجلاً في يده حلقة من صفر, أَبْصَرَ عَلَى عَضُدِ رَجُلٍ حَلْقَةً -أُرَاهُ قَالَ: مِنْ صُفْرٍ-, فَقَالَ: وَيْحَكَ مَا هَذِهِ؟ قَالَ: مِنْ الْوَاهِنَةِ . الواهنة عرق يؤخذ من المنكب، وفي اليد، وقيل: مرض يؤخذ في العضد, يصيب الرجال دون النساء، يلقى به عادةً، فنهاه النبي عن اتخاذ تلك الحلقة، فإنها لا تنفعه بل تضره، وتزيده بعداً عن الله عز وجل. ما هي التمائم؟ : التمائم شيء يعلق على الأولاد يتقون به العين، قال المنذري: هي خرزة كانوا يعلقونها، يرون أنها تدفع عنهم الآفات، وهذا جهل وضلالة، إذ لا مانع لما أعطى الله، ولا نافع غير الله عز وجل. وقال ابن أبي حاتم صاحب التفسير: عن حذيفة, أنه رأى رجلاً في يده خيط من الحمة فقطعه، وتلا قوله تعالى: [وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللهِ إلاَّ وَهُمْ مُشْرِكُونَ] من الشرك الخفي : أيها الأخوة، لكل عصر تمائمه، أحياناً يرسمون عينًا، وداخل بها سهم، يقول لك: عين الحاسد تبلى بالعمى -مثلاً-, هناك أفكار سخيفة، وساذجة، ورموز لا تقدم ولا تؤخر، بل هي نوع من الشرك، لكن الرقية بالقرآن واردة، لكن بغير القرآن ليست واردة، وبغير اللغة العربية محرمة، أحياناً يلتقون بإنسان يدعي أنه ولي، فيتكلم بكلام لا معنى له إطلاقاً، حروف مقطعة لا تعني شيئاً، يوهم الآخر أنه يرقى له، والرقية لا تكون إلا بالقرآن الكريم وباللغة العربية. أيضاً: أحياناً يأتي الحاج, يذبحون تحت قدميه الخراف، الذبح لا يكون إلا لله، تعظيماً لله، أما أن تذبح الدابة تحت أقدام إنسان تعظيماً له, فهذا أيضاً من الشرك الخفي. الأصل في هذا الموضوع قوله تعالى: ﴿قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ﴾ [سورة الأنعام الآية: 162] النسك هو ذبح الأنعام تعظيماً لإنسان، ينبغي أن تكون تعظيماً للواحد الديان، لا أن تكون تعظيماً لإنسان، أيضاً هذا من الشرك. 2- أن ينهى النبي عليه الصلاة والسلام عن النذر لغير الله تعالى : أيضاً من مقتضيات التوحيد: أن ينهى النبي عليه الصلاة والسلام عن النذر لغير الله تعالى، فالله عز وجل يقول: ﴿وَمَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ نَفَقَةٍ أَوْ نَذَرْتُمْ مِنْ نَذْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُهُ﴾ [سورة البقرة الآية: 270] ويقول في آية أخرى: ﴿يُوفُونَ بِالنَّذْرِ وَيَخَافُونَ يَوْماً كَانَ شَرُّهُ مُسْتَطِيراً﴾ [سورة الإنسان الآية: 7] من مقتضيات هذا الحديث : أيها الأخوة, يروي البخاري, عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا, عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: ((مَنْ نَذَرَ أَنْ يُطِيعَ اللَّهَ فَلْيُطِعْهُ، وَمَنْ نَذَرَ أَنْ يَعْصِيَهُ فَلَا يَعْصِهِ)) [أخرجه البخاري في الصحيح, وابن خزيمة في صحيحه] يعني النذر إذا كان مضمونه يتناقض مع القرآن الكريم أو مع سنة النبي, فهذا نذر باطل لا قيمة له. وفي سنن النسائي: عن عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ قَالَ: ((سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: النَّذْرُ نَذْرَانِ؛ فَمَا كَانَ مِنْ نَذْرٍ فِي طَاعَةِ اللَّهِ, فَذَلِكَ لِلَّهِ وَفِيهِ الْوَفَاءُ، وَمَا كَانَ مِنْ نَذْرٍ فِي مَعْصِيَةِ اللَّهِ, فَذَلِكَ لِلشَّيْطَانِ وَلَا وَفَاءَ فِيهِ، وَيُكَفِّرُهُ مَا يُكَفِّرُ الْيَمِينَ)) [أخرجه النسائي في سننه] 3- الاستعاذة بغير الله : ومن مقتضيات التوحيد، بل من المنهيات التي نهى عنها النبي عليه الصلاة والسلام: الاستعاذة بغير الله، فالاستعاذة هي الالتجاء والاعتصام، أما أن يلتجئ الإنسان، ويعتصم ويستغيث بغير الله, فهذا نوع من الشرك، يقول الله عز وجل: ﴿وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ﴾ [سورة الأعراف الآية: 200] هذا ما نهى عنه النبي : قال ابن جريج: كان الرجل في الجاهلية ينزل الأرض, فيقول: أعوذ بكبير هذا الوادي ، فذلك استمتاعهم، فاعتذروا يوم القيامة: ﴿وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ جَمِيعاً يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ قَدِ اسْتَكْثَرْتُمْ مِنَ الْإِنْسِ وَقَالَ أَوْلِيَاؤُهُمْ مِنَ الْإِنْسِ رَبَّنَا اسْتَمْتَعَ بَعْضُنَا بِبَعْضٍ وَبَلَغْنَا أَجَلَنَا الَّذِي أَجَّلْتَ لَنَا قَالَ النَّارُ مَثْوَاكُمْ خَالِدِينَ فِيهَا إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ عَلِيمٌ﴾ [سورة الأنعام الآية: 128] وكما أنه نهى النبي عليه الصلاة والسلام عن أن تستعيذ بغير الله, نهى عن أن تستغيث بغيره، قال تعالى: ﴿قُلْ أَتَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَمْلِكُ لَكُمْ ضَرّاً وَلَا نَفْعاً وَاللَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ﴾ [سورة المائدة الآية: 76] علام تحضنا هاتين الآيتين؟ : آيات كثيرة جداً تؤكد هذا المعنى، قال تعالى: ﴿ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعاً وَخُفْيَةً إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ﴾ [سورة الأعراف الآية: 55] ﴿لَهُ دَعْوَةُ الْحَقِّ وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ لَا يَسْتَجِيبُونَ لَهُمْ بِشَيْءٍ إِلَّا كَبَاسِطِ كَفَّيْهِ إِلَى الْمَاءِ لِيَبْلُغَ فَاهُ وَمَا هُوَ بِبَالِغِهِ وَمَا دُعَاءُ الْكَافِرِينَ إِلَّا فِي ضَلَالٍ﴾ [سورة الرعد الآية: 14] أيها الأخوة, هذا الكلام مفاده: أنك حينما تؤمن بالله ينبغي أن تتجه إليه، وألاّ تتعلق بمخلوق دونه، فأنا لا أعبأ كثيراً بما تعتقد، ولكني أعبأ كثيراً بما ينتج عن هذا الاعتقاد، هل ينتج عن هذا الاعتقاد اعتماد على الله؟ توكل عليه؟ إخلاص له؟ هل ينشأ عن هذا الاعتقاد بعد عن كل رمز؟ ليس له شأن إطلاقاً، ولكن الناس تعارفوا على أنه يحمي من بعض النكبات, ينبغي أن يكون الإيمان موجوداً وصارخاً عند الإنسان. من هو الصالح؟ : أيها الأخوة الكرام، الصالحون لهم دور كبير في حياة المؤمنين، لكن الصالح من هو؟ الصالح الإنسان الذي عرف الله، واستقام على أمره، والدليل: أن الله عز وجل يقول: ﴿أَلَا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ * الَّذِينَ آَمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ﴾ [سورة يونس الآية: 62-63] هل يعلم النبي الغيب, وهل يملك النفع والضر؟ : الآن: تعالوا بنا إلى سيد الأنبياء والمرسلين، أعلى مخلوق من مخلوقات الله عز وجل، يقول الله له: ﴿قُلْ لَا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ﴾ [سورة النمل الآية: 65] هذه أول صفة, قال تعالى: ﴿قُلْ لَا أَمْلِكُ لِنَفْسِي ضَرّاً وَلَا نَفْعاً﴾ [سورة يونس الآية: 49] ﴿قُلْ لَا أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعاً وَلَا ضَرّاً﴾ [سورة الأعراف الآية: 188] ﴿قُلْ إِنِّي أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ﴾ [سورة الأنعام الآية: 15] إذا كان هذا مقام النبي عليه الصلاة والسلام لا يعلم الغيب، ولا يملك النفع والضر، ولا يملك الموت, ولا الحياة، ولا النشور، وفضلاً عن ذلك: لا يملك لنفسه نفعاً ولا ضراً. من الكذب : أيها الأخوة, فكيف يجرؤ إنسان أن يدعي أنه يعلم الغيب؟ إذاً: كل ما ينشر في المجلات من حظك هذا الأسبوع، ومن أبراج السماء, هذا هو ضلال بضلال, وكذب بكذب، و الأحاديث ذكرتها لكم كثيراً. عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَالْحَسَنِ, عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: ((مَنْ أَتَى كَاهِنًا أَوْ عَرَّافًا فَصَدَّقَهُ بِمَا يَقُولُ, فَقَدْ كَفَرَ بِمَا أُنْزِلَ عَلَى مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ)) ((من أتى ساحراً فلم يصدقه, لم تقبل له صلاة أربعين صباحاً, ولا دعاء أربعين ليلة)) في أمور العقيدة لا يوجد بها ذل, نحن نتسلى، أمور العقيدة خطيرة جداً، حتى لو أنك أتيت إنساناً منجماً، وأنت لا تصدقه, لم تقبل لك صلاة أربعين صباحاً . من هو المعصوم في عقيدة المسلمين؟ : أيها الأخوة, الناس يتعلقون بأشخاص، ويتوهمون أن كل شيء يقوله هذا الشخص هو الدين، هذا الشخص غير معصوم، نحن في حياتنا معصوم إنسان واحد, هو رسول الله صلى الله عليه وسلم، لأن الله عصمه عن أن يخطئ في أقواله وأفعاله وإقراره، ولذلك أمرنا أن نأخذ عنه, قال: ﴿وَمَا آَتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا﴾ [سورة الحشر الآية: 7] ولو أن النبي عليه الصلاة والسلام غير معصوم, لكأن الله أمرنا أن نأخذ عن غير المعصوم، إذاً: كأن الله أمرنا بالمعصية, وهذا مستحيل، النبي عليه الصلاة والسلام معصوم من أن يخطئ في أقواله وأفعاله وإقراره، ومع ذلك: ﴿قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ﴾ [سورة فصلت الآية: 6] نحن يوجد في حياة المسلمين طبعاً إنسان واحد معصوم هو رسول الله، الآن: أي إنسان آخر, كائناً من كان, نطيعه إذا جاءت توجيهاته وفق توجيهات النبي، فنحن إذاً لا نطيعه، بل نطيع النبي، أما إنسان يأمره النبي بأمر، ويأتي إنسان يدعي أنه ولي، ويأمرك بأمر مناف لأمر النبي, هذا أيضاً من الشرك. قف هنا : أنا كنت دائماً: إذا أراد إنسان أن يحاورني, أقول له: إذا كان من الممكن أن تعتقد: أن قول إنسان كائناً من كان, في شيء خالف به قول النبي, أن هذا القول جيد، وينبغي أن نأخذ به, فلست مستعداً أن أجلس معك ولا دقيقة، النبي عليه الصلاة والسلام لا ينطق عن الهوى، إن هو إلا وحي يوحى، وهو المعصوم، وما سواه ليس بمعصوم. ماذا تفهم من هذا الموقف لأبي بكر؟ : بأعلى درجة من التوحيد، وأعلى درجة من الحب, كان سيدنا الصديق، ومع ذلك: لما مات النبي عليه الصلاة والسلام، وانتقل إلى الرفيق الأعلى, قال: من كان يعبد محمداً فإن محمداً قد مات. ما كان بالإمكان أن يقول رسول الله؟ لماذا اكتفى بالاسم فقط من دون لقب نبوة، ومن دون لقب وإشارة؟ لأنه أراد أن يعزز التوحيد. من كان يعبد محمداً فإن محمداً قد مات، ومن كان يعبد الله فإن الله حي لا يموت. لذلك: ما تعلمت العبيد أفضل من التوحيد. لم الطرق غير سالكة إلى الله في المجتمعات الإسلامية في هذه الأيام؟ : في المجتمعات الإسلامية: من الخرافات, والأوهام, والتمائم, والتعاويذ, والرقى بغير ما أمر النبي عليه الصلاة والسلام الشيء الكثير، لذلك الطرق إلى الله ليست سالكة، ما دمت تعلق الأمل على غير الله فهذا شيء، أي إذا الإنسان كان موحداً, يكون مع توحيده في غاية الأدب مع الصالحين، هذا لا يتنافى مع التوحيد. لو كنت متخذاً من العباد خليلاً, لكان أبو بكر خليلي، ولكن أخ وصاحب في الله. أنت التوحيد لا يعني أنك في غلظة، لا، التوحيد يعني أنك تعرف الله، وتعرف أنه بيده كل شيء، وأنه: ﴿مَا يَفْتَحِ اللَّهُ لِلنَّاسِ مِنْ رَحْمَةٍ فَلَا مُمْسِكَ لَهَا وَمَا يُمْسِكْ فَلَا مُرْسِلَ لَهُ مِنْ بَعْدِهِ﴾ [سورة فاطر الآية: 2] هذا التوحيد. من هنا قال: ﴿وَإِلَيْهِ يُرْجَعُ الْأَمْرُ كُلُّهُ فَاعْبُدْهُ وَتَوَكَّلْ عَلَيْهِ﴾ [سورة هود الآية: 123] نهاية المطاف : كان من تقاليد نهر النيل: أن تلقى فتاة في ريعان الشباب بالنيل كقربان لئلا يفيض، فيهلك القرى التي على ضفتيه، جاء سيدنا عمر، وألغى هذه البدعة التي كانت مطبقة من قديم الزمان، بمعنى أنها سلوك وثني، ولم يحدث شيء، الدين تحرير للعقول، لذلك: الأديان دائماً في بداياتها رائعة جداً, يضاف لها أشياء ليس منها، فنحن في أمسّ الحاجة إلى التجديد، ماذا يعني التجديد؟ أي فقط أن ننزع عن الدين كل ما علق به مما ليس منه، لأن الدين توقيفي من عند الله عز وجل، لا يضاف عليه، ولا يحذف منه، ولا يبدل ولا يغير، ولا يعدل ولا يطور. والحمد لله رب العالمين
| |
| | | Admin Admin
المساهمات : 4240 تاريخ التسجيل : 20/01/2018
| موضوع: رد: عقيدة من مفهوم القران والسنة -مستلزمات التوحيد الجمعة مارس 02, 2018 8:04 am | |
| منقول من مواقع موسوعة النابلسي http://www.nabulsi.com/http://www.nabulsi.com/blue/ar/sss_cat.php?id=55&sid=56&ssid=66&sssid=79• •• •• •• •• •• •• •• •• •• •• •• •• •• •• •• • لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ لَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ العَلِيِّ العَظِيمِ سُبْحَانَ اللَّهِ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ وَلَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَاللهُ أَكْبَرُ اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ، وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ، كَمَا صَلَّيْتَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ، وَعَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ، إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ، وَبَارِكْ عَلَى مُحَمَّدٍ، وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ، كَمَا بَارَكْتَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ، وَعَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ، فِي الْعَالَمِينَ إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ صَلَّ اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أسْتَغْفِرُ اللهَ العَظِيمَ الَّذِي لاَ إلَهَ إلاَّ هُوَ، الحَيُّ القَيُّومُ، وَأتُوبُ إلَيهِ حَسْبِيَ اللَّهُ لا إِلَـهَ إِلاَّ هُوَ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَهُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ حسبنا الله ونعم الوكيل نعم المولى ونعم النصير اللَّهُمَّ انصر واعز الاسلام والمسلمين واعلي بفضلك كلمتي الحق والدين *۞ اللَّهُمَّ إجعل ما كتبناهُ وما قلناهُ وما نقلناه حُجة ً لنا لا علينا يوم ان نلقاك * وأنا مُلْتَمِسٌ من قارئ حازَ من هذا السِّفر نَفْعَاً ألا ينساني بدعوة صالحة خالصة في السَّحَر ، وليعلم أن ما في هذا الكتاب مِن غُنْم فحلال زُلال له ولغيره ، وما كان مِن غرم فهو عَلَى كاهلي وظهري ، وأبرأ إلى الله من كل خطأ مقصود ، وأستعيذه من كل مأثم ومغرم . فدونك أيها القارئ هذا الكتاب ، اقرأه واعمل بما فيه ، فإن عجزت فَأَقْرِأْهُ غيرَك وادْعُه أن يعمل بما فيه ، فإن عجزتَ – وما إِخَالُكَ بِعَاجِزٍ – فبطْن الأرض حينئذ خيرٌ لك من ظاهرها . ومن سويداء قلبي أسأل الله تبارك وتعالى أن ينفعك بما فيه وأن يقوّيَك على العمل بما انتفعت به ، وأن يرزقك الصبر على ما قد يلحقك من عَنَتٍ وأذى ، وأن يتقبل منك سعيك في خدمة الدين ، وعند الله اللقاء ، وعند الله الجزاء ونقله لكم الْأَمَةُ الْفَقِيرَةَ الى عفو الله ومرضاته . غفر الله لها ولوالديها ولاخواتها وذرياتها ولاهلها ولأُمّة نبينا محمد صَلَّ اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اجمعين ويجعلنا من عباده الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَالْقَانِتِينَ وَالْقَانِتَاتِ وَالصَّادِقِينَ وَالصَّادِقَاتِ وَالصَّابِرِينَ وَالصَّابِرَاتِ وَالْخَاشِعِينَ وَالْخَاشِعَاتِ وَالْمُتَصَدِّقِينَ وَالْمُتَصَدِّقَاتِ وَالصَّائِمِينَ وَالصَّائِمَاتِ وَالْحَافِظِينَ فُرُوجَهُمْ وَالْحَافِظَاتِ وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتِ وَالْمُنفِقِينَ وَالْمُسْتَغْفِرِينَ بِالأَسْحَارِوَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنْ النَّاسِ وَالْمُحْسِنِينَ والْمُتَّقِينَ الأَحيَاءِ مِنهُم وَالأَموَاتِ اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِحَيِّنَا وَمَيِّتِنَا وَصَغِيرِنَا وَكَبِيرِنَا وَذَكَرِنَا وَأُنْثَانَا وَشَاهِدِنَا وَغَائِبِنَا ، اللَّهُمَّ مَنْ أَحْيَيْتَهُ مِنَّا فَأَحْيِهِ عَلَى الْإِيمَانِ ، وَمَنْ تَوَفَّيْتَهُ مِنَّا فَتَوَفَّهُ عَلَى الْإِسْلَامِ ويجمعنا اجمعين فى اعلى درجات الجنة مع نبينا محمد وجميع النَّبِيِّينَ والْمُرْسَلِينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا تحققت الآمال و توفر لهم كل شئ فلم يبق إلا الثناء وأخيرًا أسأل الله أن يتقبلني انا وذريتى ووالداى واخواتى واهلى والمسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات وامة محمد اجمعين صَلَّ اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الاحياء منهم والاموات شهيدًا في سبيله وأن يلحقناويسكنا الفردوس الاعلى من الجنة مع النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا أسألكم أن تسامحوني وتغفروا لي زلاتي وأخطــائي وأن يرضى الله عنا وترضــوا عنــا وتهتمــوا وأسال الله العظيم ان ينفع بمانقلت للمسلمين والمسلمات سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وبِحَمْدِكَ، أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلاَّ أَنْتَ أَسْتَغْفِرُكَ وَأَتُوبُ إِلَيْكَ دَعْوَاهُمْ فِيهَا سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَتَحِيَّتُهُمْ فِيهَا سَلَامٌ ۚ وَآخِرُ دَعْوَاهُمْ أَنِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ آميــٍـِـِـٍـٍـٍنْ يـــآرّبْ العآلميــــن ۞ وَاللَّهُ تَعَالَى أَعْلَىَ وأَعْلَمُ وأَحكَمُ، ورَدُّ العلمِ إليه أَسلَمُ | |
| | | | عقيدة من مفهوم القران والسنة -مستلزمات التوحيد | |
|
مواضيع مماثلة | |
|
| صلاحيات هذا المنتدى: | لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
| |
| |
| |