القرآن الكريم والسُنَّة النبوية والاعجاز
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

القرآن الكريم والسُنَّة النبوية والاعجاز

القرآن الكريم والسُنَّة النبوية والاعجاز كنز ورسالة لمنهج حياة للعالم الإسلامي اجمع
 
الرئيسيةالرئيسية  البوابةالبوابة  أحدث الصورأحدث الصور  التسجيلالتسجيل  دخول  

 

 كتاب السيرة النبوية۞ لعبد الملك ابن هشام ۞«المؤرخ» ​

اذهب الى الأسفل 
انتقل الى الصفحة : الصفحة السابقة  1, 2, 3, 4  الصفحة التالية
كاتب الموضوعرسالة
Admin
Admin
Admin


المساهمات : 4240
تاريخ التسجيل : 20/01/2018

كتاب السيرة النبوية۞ لعبد الملك ابن هشام ۞«المؤرخ» ​ - صفحة 2 Empty
مُساهمةموضوع: رد: كتاب السيرة النبوية۞ لعبد الملك ابن هشام ۞«المؤرخ» ​   كتاب السيرة النبوية۞ لعبد الملك ابن هشام ۞«المؤرخ» ​ - صفحة 2 Emptyالأحد مارس 04, 2018 6:15 am

كتاب السيرة النبوية۞ لعبد الملك ابن هشام ۞«المؤرخ» ​ - صفحة 2 SeeretIbenHisham

.أَوّلُ جُمُعَةٍ أَقِيمَتْ بِالْمَدِينَةِ:

قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَحَدّثَنِي مُحَمّدُ بْنُ أَبِي أُمَامَةَ بْنِ سَهْلِ بْنِ حُنَيْفٍ، عَنْ أَبِيهِ أَبِي أُمَامَةَ عَنْ عَبْدِ الرّحْمَنِ بْنِ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ كُنْت قَائِدَ أَبِي، كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ، حِينَ ذَهَبَ بَصَرُهُ فَكُنْتُ إذَا خَرَجْتُ بِهِ إلَى الْجُمُعَةِ فَسَمِعَ الْأَذَانَ بِهَا صَلّى عَلَى أَبِي أُمَامَةَ أَسْعَدَ بْنِ زُرَارَةَ. قَالَ فَمَكَثَ حِينًا عَلَى ذَلِكَ لَا يَسْمَعُ الْأَذَانَ لِلْجُمُعَةِ إلّا صَلّى عَلَيْهِ وَاسْتَغْفَرَ لَهُ. قَالَ فَقُلْت فِي نَفْسِي: وَاَللّهِ إنّ هَذَا بِي لَعَجْزٌ أَلّا أَسْأَلَهُ مَا لَهُ إذَا سَمِعَ الْأَذَانَ لِلْجُمُعَةِ صَلّى عَلَى أَبِي أُمَامَةَ أَسْعَدَ بْنِ زُرَارَةَ؟ قَالَ فَخَرَجْت بِهِ فِي يَوْمِ جُمُعَةٍ كَمَا كُنْت أَخْرُجُ فَلَمّا سَمِعَ الْأَذَانَ لِلْجُمُعَةِ صَلّى عَلَيْهِ وَاسْتَغْفَرَ لَهُ. قَالَ فَقُلْت لَهُ يَا أَبَتِ مَا لَك إذَا سَمِعْتَ الْأَذَانَ لِلْجُمُعَةِ صَلّيْت عَلَى أَبِي أُمَامَةَ؟ قَالَ فَقَالَ أَيْ بُنَيّ كَانَ أَوّلَ مَنْ جَمّعَ بِنَا بِالْمَدِينَةِ فِي هَزْمِ النّبِيتِ، مِنْ حَرّةِ بَنِي بَيَاضَةَ، يُقَالُ لَهُ نَقِيعُ الْخَضَمَاتِ، قَالَ قُلْت: وَكَمْ أَنْتُمْ يَوْمَئِذٍ؟ قَالَ أَرْبَعُونَ رَجُلًا.
.[أَسْعَدُ بْنُ زُرَارَةَ وَمُصْعَبُ بْنُ عُمَيْرٍ وَإِسْلَامُ سَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ وَأُسَيْدِ بْنِ حُضَيْرٍ]:

قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَحَدّثَنِي عُبَيْدُ اللّهِ بْنُ الْمُغِيرَةِ بْنِ مُعَيْقِبٍ وَعَبْدُ اللّهِ بْنُ أَبِي بَكْرِ بْنِ مُحَمّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ: أَنّ أَسْعَدَ بْنَ زُرَارَةَ خَرَجَ بِمُصْعَبِ بْنِ عُمَيْرٍ يُرِيدُ بِهِ دَارَ بَنِي عَبْدِ الْأَشْهَلِ، وَدَارَ بَنِي ظَفَرٍ، وَكَانَ سَعْدُ بْنُ مُعَاذِ بْنِ النّعْمَانِ بْنِ امْرِئِ الْقَيْسِ بْنِ زَيْدِ بْنِ عَبْدِ الْأَشْهَلِ بْنَ خَالَةِ أَسْعَدَ بْنِ زُرَارَةَ، فَدَخَلَ بِهِ حَائِطًا مِنْ حَوَائِطِ بَنِي ظَفَرٍ. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَاسْمُ ظَفَرٍ كَعْبُ بْنُ الْحَارِثِ بْنِ الْخَزْرَجِ بْنِ عَمْرِو مَالِكِ بْنِ الْأَوْسِ- قَالَا: عَلَى بِئْرٍ يُقَالُ لَهَا: بِئْرُ مَرَقٍ فَجَلَسَا فِي الْحَائِطِ، وَاجْتَمَعَ إلَيْهِمَا رِجَالٌ مِمّنْ أَسْلَمَ، وَسَعْدُ بْنُ مُعَاذٍ، وَأُسَيْدُ بْنُ حُضَيْر ٍ يَوْمَئِذٍ سَيّدَا قَوْمِهِمَا مِنْ بَنِي عَبْدِ الْأَشْهَلِ وَكِلَاهُمَا مُشْرِكٌ عَلَى دِينِ قَوْمِهِ فَلَمّا سَمِعَا بِهِ قَالَ سَعْدُ بْنُ مُعَاذٍ لِأُسَيْدِ بْنِ حُضَيْرٍ لَا أَبَا لَك، انْطَلِقْ إلَى هَذَيْنِ الرّجُلَيْنِ اللّذَيْنِ قَدْ أَتَيَا دَارَيْنَا لِيُسَفّهَا ضُعَفَاءَنَا، فَازْجُرْهُمَا وَانْهَهُمَا عَنْ أَنْ يَأْتِيَا دَارَيْنَا، فَإِنّهُ لَوْلَا أَنّ أَسْعَدَ بْنَ زُرَارَةَ مِنّي حَيْثُ قَدْ عَلِمْت كَفَيْتُك ذَلِكَ هُوَ ابْنُ خَالَتِي، وَلَا أَجِدُ عَلَيْهِ مُقَدّمًا، قَالَ فَأَخَذَ أُسَيْدُ بْنُ حُضَيْرٍ حَرْبَتَهُ. ثُمّ أَقْبَلَ إلَيْهِمَا، فَلَمّا رَآهُ أَسْعَدُ بْنُ زُرَارَةَ قَالَ لِمُصْعَبِ بْنِ عُمَيْرٍ: هَذَا سَيّدُ قَوْمِهِ قَدْ جَاءَك، فَاصْدُقْ اللّهَ فِيهِ قَالَ مُصْعَبٌ إنْ يَجْلِسْ أُكَلّمْهُ. قَالَ فَوَقَفَ عَلَيْهِمَا. مُتَشَتّمًا، فَقَالَ مَا جَاءَ بِكُمَا إلَيْنَا تُسَفّهَانِ ضُعَفَاءَنَا؟ اعْتَزِلَانَا إنْ كَانَتْ لَكُمَا بِأَنْفُسِكُمَا حَاجَةٌ فَقَالَ لَهُ مُصْعَبٌ أَوَتَجْلِسُ فَتَسْمَعَ فَإِنْ رَضِيتَ أَمْرًا قَبِلْتَهُ وَإِنْ كَرِهْته كُفّ عَنْك مَا تَكْرَهُ قَالَ أَنْصَفْتَ ثُمّ رَكَزَ حَرْبَتَهُ وَجَلَسَ إلَيْهِمَا، فَكَلّمَهُ مُصْعَبٌ بِالْإِسْلَامِ وَقَرَأَ عَلَيْهِ الْقُرْآنَ فَقَالَا: فِيمَا يُذْكَرُ عَنْهُمَا: وَاَللّهِ لَعَرَفْنَا فِي وَجْهِهِ الْإِسْلَامَ قَبْلَ أَنْ يَتَكَلّمَ فِي إشْرَاقِهِ وَتَسَهّلِهِ. ثُمّ قَالَ مَا أَحْسَنَ هَذَا الْكَلَامَ وَأَجْمَلَهُ كَيْفَ تَصْنَعُونَ إذَا أَرَدْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا فِي هَذَا الدّينِ؟ قَالَا لَهُ تَغْتَسِلُ فَتَطّهّرُ وَتُطَهّرُ ثَوْبَيْك، ثُمّ تَشْهَدُ شَهَادَةَ الْحَقّ ثُمّ تُصَلّي. فَقَامَ فَاغْتَسَلَ وَطَهّرَ ثَوْبَيْهِ وَتَشَهّدَ شَهَادَةَ الْحَقّ ثُمّ قَامَ فَرَكَعَ رَكْعَتَيْنِ ثُمّ قَالَ لَهُمَا: إنّ وَرَائِي رَجُلًا إنْ اتّبَعَكُمَا لَمْ يَتَخَلّفْ عَنْهُ أَحَدٌ مِنْ قَوْمِهِ وَسَأُرْسِلُهُ إلَيْكُمَا الْآنَ سَعْدَ بْنَ مُعَاذٍ، ثُمّ أَخَذَ حَرْبَتَهُ وَانْصَرَفَ إلَى سَعْدٍ وَقَوْمِهِ وَهُمْ جُلُوسٌ فِي نَادِيهِمْ فَلَمّا نَظَرَ إلَيْهِ سَعْدُ بْنُ مُعَاذٍ مُقْبِلًا، قَالَ أَحْلِفُ بِاَللّهِ لَقَدْ جَاءَكُمْ أُسَيْدٌ بِغَيْرِ الْوَجْهِ الّذِي ذَهَبَ بِهِ مِنْ عِنْدِكُمْ فَلَمّا وَقَفَ عَلَى النّادِي قَالَ لَهُ سَعْدٌ مَا فَعَلْت؟ قَالَ كَلّمْت الرّجُلَيْنِ فَوَاَللّهِ مَا رَأَيْت بِهِمَا بَأْسًا، وَقَدْ نَهَيْتُهُمَا، فَقَالَا: نَفْعَلُ مَا أَحْبَبْتَ وَقَدْ حُدّثْت أَنّ بَنِي حَارِثَةَ قَدْ خَرَجُوا إلَى أَسْعَدَ بْنِ زُرَارَةَ لِيَقْتُلُوهُ وَذَلِكَ أَنّهُمْ قَدْ عَرَفُوا أَنّهُ ابْنُ خَالَتِك، لِيُخْفِرُوكَ قَالَ فَقَامَ سَعْدٌ مُغْضَبًا مُبَادِرًا، تَخَوّفًا لِلّذِي ذُكِرَ لَهُ مِنْ بَنِي حَارِثَةَ فَأَخَذَ الْحَرْبَةَ ثُمّ قَالَ وَاَللّهِ مَا أَرَاك أَغْنَيْت شَيْئًا، ثُمّ خَرَجَ إلَيْهِمَا، فَلَمّا رَآهُمَا سَعْدٌ مُطْمَئِنّيْنِ عَرَفَ سَعْدٌ أَنّ أُسَيْدًا إنّمَا أَرَادَ مِنْهُ أَنْ يَسْمَعَ مِنْهُمَا، فَوَقَفَ عَلَيْهِمَا مُتَشَتّمًا، ثُمّ قَالَ لِأَسْعَدَ بْنِ زُرَارَةَ يَا أَبَا أُمَامَةَ أَمَا وَاَللّهِ لَوْلَا مَا بَيْنِي وَبَيْنَك مِنْ الْقَرَابَةِ مَا رُمْت هَذَا مِنّي، أَتَغْشَانَا فِي دَارَيْنَا بِمَا نَكْرَهُ- وَقَدْ قَالَ أَسْعَدُ بْنُ زُرَارَةَ لِمُصْعَبِ بْنِ عُمَيْرٍ أَيْ مُصْعَبُ جَاءَك وَاَللّهِ سَيّدُ مَنْ وَرَاءَهُ مِنْ قَوْمِهِ إنْ يَتّبِعْك لَا يَتَخَلّفُ عَنْك مِنْهُمْ اثْنَانِ- قَالَ فَقَالَ لَهُ مُصْعَبٌ أَوَتَقْعُدُ فَتَسْمَعَ فَإِنْ رَضِيتَ أَمْرًا وَرَغِبْت فِيهِ قَبِلْتَهُ وَإِنْ كَرِهْته عَزَلْنَا عَنْك مَا تَكْرَهُ؟ قَالَ سَعْدٌ أَنْصَفْت. ثُمّ رَكَزَ الْحَرْبَةَ وَجَلَسَ فَعَرَضَ عَلَيْهِ الْإِسْلَامَ وَقَرَأَ عَلَيْهِ الْقُرْآنَ قَالَا: فَعَرَفْنَا وَاَللّهِ فِي وَجْهِهِ الْإِسْلَامَ قَبْل أَنْ يَتَكَلّمَ لِإِشْرَاقِهِ وَتَسَهّلِهِ ثُمّ قَالَ لَهُمَا: كَيْفَ تَصْنَعُونَ إذَا أَنْتُمْ أَسْلَمْتُمْ وَدَخَلْتُمْ فِي هَذَا الدّينِ؟ قَالَا: تَغْتَسِلُ فَتَطّهّرُ وَتُطَهّرُ ثَوْبَيْك، ثُمّ تَشْهَدُ شَهَادَةَ الْحَقّ ثُمّ تُصَلّي رَكْعَتَيْنِ قَالَ فَقَامَ فَاغْتَسَلَ وَطَهّرَ ثَوْبَيْهِ وَتَشَهّدَ شَهَادَةَ الْحَقّ ثُمّ رَكَعَ رَكْعَتَيْنِ ثُمّ أَخَذَ حَرْبَتَهُ فَأَقْبَلَ عَامِدًا إلَى نَادِي قَوْمِهِ وَمَعَهُ أُسَيْدُ بْنُ حُضَيْرٍ. قَالَ فَلَمّا رَآهُ قَوْمُهُ مُقْبِلًا، قَالُوا: نَحْلِفُ بِاَللّهِ لَقَدْ رَجَعَ إلَيْكُمْ سَعْدٌ بِغَيْرِ الْوَجْهِ الّذِي ذَهَبَ بِهِ مِنْ عِنْدِكُمْ فَلَمّا وَقَفَ عَلَيْهِمْ قَالَ يَا بَنِي عَبْدِ الْأَشْهَلِ كَيْفَ تَعْلَمُونَ أَمْرِي فِيكُمْ؟ قَالُوا: سَيّدُنَا وَأَوْصَلُنَا وَأَفْضَلُنَا رَأْيًا، وَأَيْمَنُنَا نَقِيبَةً قَالَ فَإِنّ كَلَامَ رِجَالِكُمْ وَنِسَائِكُمْ عَلَيّ حَرَامٌ حَتّى تُؤْمِنُوا بِاَللّهِ وَبِرَسُولِهِ قَالَا: فَوَاَللّهِ مَا أَمْسَى فِي دَارِ بَنِي عَبْدِ الْأَشْهَلِ رَجُلٌ وَلَا امْرَأَةٌ إلّا مُسْلِمًا وَمُسْلِمَةً. وَرَجَعَ أَسْعَدُ وَمُصْعَبٌ إلَى مَنْزِلِ أَسْعَدَ بْنِ زُرَارَةَ فَأَقَامَ عِنْدَهُ يَدْعُو النّاسَ إلَى الْإِسْلَامِ حَتّى لَمْ تَبْقَ دَارٌ مِنْ دُورِ الْأَنْصَارِ إلّا وَفِيهَا رِجَالٌ وَنِسَاءٌ مُسْلِمُونَ إلّا مَا كَانَ مِنْ دَارِ بَنِي أُمَيّةَ بْنِ زَيْدٍ وَخَطْمَةَ وَوَائِلٍ وَوَاقِفٍ وَتِلْكَ أَوْسُ اللّهِ وَهُمْ مِنْ الْأَوْسِ بْنِ حَارِثَةَ وَذَلِكَ أَنّهُ كَانَ فِيهِمْ أَبُو قَيْسِ بْنُ الْأَسْلَتِ وَهُوَ صَيْفِيّ، وَكَانَ شَاعِرًا لَهُمْ قَائِدًا يَسْتَمِعُونَ مِنْهُ وَيُطِيعُونَهُ فَوَقَفَ بِهِمْ عَنْ هَاجَرَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ إلَى الْمَدِينَةِ، وَمَضَى بَدْرٌ وَأُحُدٌ وَالْخَنْدَقُ، وَقَالَ فِيمَا رَأَى مِنْ الْإِسْلَامِ وَمَا اخْتَلَفَ النّاسُ فِيهِ مِنْ أَمْرِهِ:
أَرَبّ النّاسِ أَشْيَاءُ أَلَمّتْ ** يُلَفّ الصّعْبُ مِنْهَا بِالذّلُولِ

أَرَبّ النّاسِ أَمّا إذْ ضَلِلْنَا ** فَيَسّرْنَا لِمَعْرُوفِ السّبِيلِ

فَلَوْلَا رَبّنَا كُنّا يَهُودًا ** وَمَا دِينُ الْيَهُودِ بِذِي شُكُولِ

وَلَوْلَا رَبّنَا كُنّا نَصَارَى ** مَعَ الرّهْبَانِ فِي جَبَلِ الْجَلِيلِ

وَلَكِنّا خُلِقْنَا إذْ خُلِقْنَا ** حَنِيفًا دِينُنَا عَنْ كُلّ جِيلِ

نَسُوقُ الْهَدْيَ تَرْسُفُ مُذْعِنَاتٍ ** مُكَشّفَةَ الْمَنَاكِبِ فِي الْجُلُولِ

قَالَ ابْنُ هِشَامٍ. أَنْشَدَنِي قَوْلَهُ فَلَوْلَا رَبّنَا، وَقَوْلَهُ لَوْلَا رَبّنَا، وَقَوْلَهُ مُكَشّفَةَ الْمَنَاكِبِ فِي الْجُلُولِ رَجُلٌ مِنْ الْأَنْصَارِ، أَوْ مِنْ خُزَاعَةَ.

.أَمْرُ الْعَقَبَةِ الثّانِيَةِ:

قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: ثُمّ إنّ مُصْعَبَ بْنَ عُمَيْرٍ رَجَعَ إلَى مَكّةَ، وَخَرَجَ مَنْ خَرَجَ مِنْ الْأَنْصَارِ مِنْ الْمُسْلِمِينَ إلَى الْمَوْسِمِ مَعَ حَجّاجِ قَوْمِهِمْ مِنْ أَهْلِ الشّرْكِ حَتّى قَدِمُوا مَكّةَ، فَوَاعَدُوا رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ الْعَقَبَةَ، مِنْ أَوْسَطِ أَيّامِ التّشْرِيقِ حِينَ أَرَادَ اللّهُ بِهِمْ مَا أَرَادَ مِنْ كَرَامَتِهِ وَالنّصْرِ لِنَبِيّهِ وَإِعْزَازِ الْإِسْلَامِ وَأَهْلِهِ وَإِذْلَالِ الشّرْكِ وَأَهْلِهِ.
.[الْبَرَاءُ بْنُ مَعْرُورٍ وَصَلَاتُهُ إلَى الْكَعْبَةِ]:

قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: حَدّثَنِي مَعْبَدُ بْنُ كَعْبِ بْنِ مَالِكِ بْنِ أَبِي كَعْبِ بْنِ الْقَيْنِ أَخُو بَنِي سَلِمَةَ أَنّ أَخَاهُ عَبْدَ اللّهِ بْنَ كَعْبٍ وَكَانَ مِنْ أَعْلَمِ الْأَنْصَارِ، حَدّثَهُ أَنّ أَبَاهُ كَعْبًا حَدّثَهُ وَكَانَ كَعْبٌ مِمّنْ شَهِدَ الْعَقَبَةَ وَبَايَعَ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بِهَا، قَالَ خَرَجْنَا فِي حُجّاجِ قَوْمِنَا مِنْ الْمُشْرِكِينَ وَقَدْ صَلّيْنَا وَفَقِهْنَا، وَمَعَنَا الْبَرَاءُ بْنُ مَعْرُورٍ، سَيّدُنَا وَكَبِيرُنَا، فَلَمّا وَجّهْنَا لِسَفَرِنَا، وَخَرَجْنَا مِنْ الْمَدِينَةِ، قَالَ الْبَرَاءُ لَنَا: يَا هَؤُلَاءِ إنّي قَدْ رَأَيْت رَأْيًا، فَوَاَللّهِ مَا أَدْرِي، أَتُوَافِقُونَنِي عَلَيْهِ أَمْ لَا؟ قَالَ قُلْنَا: وَمَا ذَاكَ؟ قَالَ قَدْ رَأَيْت أَنْ لَا أَدَعَ هَذِهِ الْبَنِيّةَ مِنّي بِظَهْرٍ يَعْنِي الْكَعْبَةَ، وَأَنْ أُصَلّيَ إلَيْهَا. قَالَ فَقُلْنَا، وَاَللّهِ مَا بَلَغَنَا أَنّ نَبِيّنَا صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ يُصَلّي إلّا إلَى الشّامِ وَمَا نُرِيدُ أَنْ نُخَالِفَهُ. قَالَ فَقَالَ إنّي لَمُصَلّ إلَيْهَا. قَالَ فَقُلْنَا لَهُ لَكِنّا لَا نَفْعَلُ. قَالَ فَكُنّا إذَا حَضَرَتْ الصّلَاةُ صَلّيْنَا إلَى الشّامِ، وَصَلّى إلَى الْكَعْبَةِ، حَتّى قَدِمْنَا مَكّةَ قَالَ وَقَدْ كُنّا عِبْنَا عَلَيْهِ مَا صَنَعَ وَأَبَى إلّا الْإِقَامَةَ عَلَى ذَلِكَ. فَلَمّا قَدِمْنَا مَكّةَ قَالَ لِي: يَا ابْنَ أَخِي، انْطَلِقْ بِنَا إلَى رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ حَتّى نَسْأَلَهُ عَمّا صَنَعْتُ فِي سَفَرِي هَذَا، فَإِنّهُ وَاَللّهِ لَقَدْ وَقَعَ فِي نَفْسِي مِنْهُ شَيْءٌ لِمَا رَأَيْتُ مِنْ خِلَافِكُمْ إيّايَ فِيهِ. قَالَ فَخَرَجْنَا نَسْأَلُ عَنْ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَكُنّا لَا نَعْرِفُهُ وَلَمْ نَرَهُ قَبْلَ ذَلِكَ فَلَقِينَا رَجُلًا مِنْ أَهْلِ مَكّةَ، فَسَأَلْنَاهُ عَنْ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَقَالَ هَلْ تَعْرِفَانِهِ؟ فَقُلْنَا: لَا، قَالَ فَهَلْ تَعْرِفَانِ الْعَبّاسَ بْنَ عَبْدِ الْمُطّلِبِ عَمّهُ؟ قَالَ قُلْنَا: نَعَمْ- قَالَ وَقَدْ كُنّا نَعْرِفُ الْعَبّاسَ كَانَ لَا يَزَالُ يَقْدَمُ عَلَيْنَا تَاجِرًا- قَالَ فَإِذَا دَخَلْتُمَا الْمَسْجِدَ فَهُوَ الرّجُلُ الْجَالِسُ مَعَ الْعَبّاسِ. قَالَ. فَدَخَلْنَا الْمَسْجِدَ فَإِذَا الْعَبّاسُ جَالِسٌ وَرَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ جَالِسٌ مَعَهُ فَسَلّمْنَا ثُمّ فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ لِلْعَبّاسِ هَلْ تَعْرِفُ هَذَيْنِ الرّجُلَيْنِ يَا أَبَا الْفَضْلِ؟ قَالَ نَعَمْ هَذَا الْبَرَاءُ بْنُ مَعْرُورٍ، سَيّدُ قَوْمِهِ وَهَذَا كَعْبُ بْنُ مَالِكٍ. قَالَ فَوَاَللّهِ مَا أَنْسَى قَوْلَ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ الشّاعِرُ؟ قَالَ نَعَمْ. قَالَ: فَقَالَ لَهُ الْبَرَاءُ بْنُ مَعْرُورٍ: يَا نَبِيّ اللّهِ إنّي خَرَجْتُ فِي سَفَرِي هَذَا، وَقَدْ هَدَانِي اللّهُ لِلْإِسْلَامِ فَرَأَيْت أَنْ لَا أَجْعَلَ هَذِهِ الْبَنِيّةَ مِنّي بِظَهْرٍ فَصَلّيْت إلَيْهَا، وَقَدْ خَالَفَنِي أَصْحَابِي فِي ذَلِكَ حَتّى وَقَعَ فِي نَفْسِي مِنْ ذَلِكَ شَيْءٌ فَمَاذَا تَرَى يَا رَسُولَ اللّهِ؟ قَالَ قَدْ كُنْتَ عَلَى قِبْلَةٍ لَوْ صَبَرْتَ عَلَيْهَا. قَالَ فَرَجَعَ الْبَرَاءُ إلَى قِبْلَةِ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَصَلّى مَعَنَا إلَى الشّامِ. قَالَ وَأَهْلُهُ يَزْعُمُونَ أَنّهُ صَلّى إلَى الْكَعْبَةِ حَتّى مَاتَ وَلَيْسَ ذَلِكَ كَمَا قَالُوا، نَحْنُ أَعْلَمُ بِهِ مِنْهُمْ. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَقَالَ عَوْنُ بْنُ أَيّوبَ الْأَنْصَارِيّ:
وَمِنّا الْمُصَلّي أَوّلَ النّاسِ مُقْبِلًا ** عَلَى كَعْبَةِ الرّحْمَنِ بَيْنَ الْمَشَاعِرِ

يَعْنِي الْبَرَاءَ بْنَ مَعْرُورٍ. وَهَذَا الْبَيْتُ فِي قَصِيدَةٍ لَهُ.
.[إسْلَامُ عَبْدِ اللّهِ بْنِ عَمْرٍو]:

قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: حَدّثَنِي مَعْبَدُ بْنُ كَعْبٍ أَنّ أَخَاهُ عَبْدَ اللّهِ بْنَ كَعْبٍ حَدّثَهُ أَنّ أَبَاهُ كَعْبَ بْنَ مَالِكٍ حَدّثَهُ قَالَ كَعْبٌ ثُمّ خَرَجْنَا إلَى الْحَجّ وَوَاعَدْنَا رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بِالْعَقَبَةِ مِنْ أَوْسَطِ أَيّامِ التّشْرِيقِ. قَالَ فَلَمّا فَرَغْنَا مِنْ الْحَجّ وَكَانَتْ اللّيْلَةُ الّتِي وَاعَدْنَا رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ لَهَا، وَمَعَنَا عَبْدُ اللّهِ بْنُ عَمْرِو بْنِ حَرَامٍ أَوْ جَابِرٌ سَيّدٌ مِنْ سَادَاتِنَا، وَشَرِيفٌ مِنْ أَشْرَافِنَا، أَخَذْنَاهُ مَعَنَا، وَكُنّا نَكْتُمُ مَنْ مَعَنَا مِنْ قَوْمِنَا مِنْ الْمُشْرِكِينَ أَمْرَنَا، فَكَلّمْنَاهُ وَقُلْنَا لَهُ يَا أَبَا جَابِرٍ إنّك سَيّدٌ مِنْ سَادَاتِنَا، وَشَرِيفٌ مِنْ أَشْرَافِنَا، وَإِنّا نَرْغَبُ بِك عَمّا أَنْتَ فِيهِ أَنْ تَكُونَ حَطَبًا لِلنّارِ غَدًا، ثُمّ دَعَوْنَاهُ إلَى الْإِسْلَامِ وَأَخْبَرْنَاهُ بِمِيعَادِ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ إيّانَا الْعَقَبَةَ. قَالَ فَأَسْلَمَ وَشَهِدَ مَعَنَا الْعَقَبَةَ، وَكَانَ نَقِيبًا. قَالَ فَنِمْنَا تَلِك اللّيْلَةَ مَعَ قَوْمِنَا فِي رِحَالِنَا، حَتّى إذَا مَضَى ثُلُثُ اللّيْلِ خَرَجْنَا مِنْ رِحَالِنَا لِمَعَادِ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ نَتَسَلّلُ تَسَلّلَ الْقَطَا مُسْتَخْفِينَ حَتّى اجْتَمَعْنَا فِي الشّعْبِ عِنْدَ الْعَقَبَةِ، وَنَحْنُ ثَلَاثَةٌ وَسَبْعُونَ رَجُلًا، وَمَعَنَا امْرَأَتَانِ مِنْ نِسَائِنَا: نُسَيْبَةُ بِنْتُ كَعْبٍ أُمّ عُمَارَةَ إحْدَى نِسَاءِ بَنِي مَازِنِ بْنِ النّجّارِ وَأَسْمَاءُ بِنْتُ عَمْرِو بْنِ عَدِيّ بْنِ نَابِي، إحْدَى نِسَاءِ بَنِي سَلِمَةَ وَهِيَ أُمّ مَنِيعٍ.


.[الْعَبّاسُ يَتَوَثّقُ لِلنّبِيّ عَلَيْهِ الصّلَاةُ وَالسّلَامُ]:

قَالَ فَاجْتَمَعْنَا فِي الشّعْبِ نَنْتَظِرُ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ حَتّى جَاءَنَا وَمَعَهُ عَمّهُ الْعَبّاسُ بْنُ عَبْدِ الْمُطّلِبِ، وَهُوَ يَوْمَئِذٍ عَلَى دِينِ قَوْمِهِ إلّا أَنّهُ أَحَبّ أَنْ يَحْضُرَ أَمْرَ ابْنِ أَخِيهِ وَيَتَوَثّقَ لَهُ. فَلَمّا جَلَسَ كَانَ أَوّلَ مُتَكَلّمٍ الْعَبّاسُ بْنُ عَبْدِ الْمُطّلِبِ، فَقَالَ يَا مَعْشَرَ الْخَزْرَجِ- قَالَ وَكَانَتْ الْعَرَبُ إنّمَا يُسَمّونَ هَذَا الْحَيّ مِنْ الْأَنْصَارِ: الْخَزْرَجَ، خَزْرَجَهَا وَأَوْسَهَا-: إنّ مُحَمّدًا مِنّا حَيْثُ قَدْ عَلِمْتُمْ وَقَدْ مَنَعْنَاهُ مِنْ قَوْمِنَا، مِمّنْ هُوَ عَلَى مِثْلِ رَأْيِنَا فِيهِ فَهُوَ فِي عِزّ مِنْ قَوْمِهِ وَمَنَعَةٍ فِي بَلَدِهِ وَإِنّهُ قَدْ أَبَى إلّا الِانْحِيَازَ إلَيْكُمْ وَاللّحُوقَ بِكُمْ فَإِنْ كُنْتُمْ تَرَوْنَ أَنّكُمْ وَافُونَ لَهُ بِمَا دَعَوْتُمُوهُ إلَيْهِ وَمَانِعُوهُ مِمّنْ خَالَفَهُ فَأَنْتُمْ وَمَا تَحَمّلْتُمْ مِنْ ذَلِكَ وَإِنْ قَالَ فَقُلْنَا لَهُ قَدْ سَمِعْنَا مَا قُلْت، فَتَكَلّمْ يَا رَسُولَ اللّهِ فَخُذْ لِنَفْسِك وَلِرَبّك مَا أَحْبَبْت.
.[عَهْدُ الرّسُولِ عَلَيْهِ الصّلَاةُ وَالسّلَامُ عَلَى الْأَنْصَارِ]:

قَالَ فَتَكَلّمَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ. فَتَلَا الْقُرْآنَ وَدَعَا إلَى اللّهِ وَرَغّبَ فِي الْإِسْلَامِ ثُمّ قَال أُبَايِعُكُمْ عَلَى أَنْ تَمْنَعُونِي مِمّا تَمْنَعُونَ مِنْهُ نِسَاءَكُمْ وَأَبْنَاءَكُمْ. قَالَ فَأَخَذَ الْبَرَاءُ بْنُ مَعْرُورٍ بِيَدِهِ ثُمّ قَالَ نَعَمْ وَاَلّذِي بَعَثَك بِالْحَقّ نَبِيّا لَنَمْنَعَنّك مِمّا نَمْنَعُ مِنْهُ أُزُرَنَا فَبَايِعْنَا يَا رَسُولَ اللّهِ فَنَحْنُ وَاَللّهِ أَبْنَاءُ الْحُرُوبِ وَأَهْلُ الْحَلْقَةِ وَرِثْنَاهَا كَابِرًا عَنْ كَابِرٍ قَالَ فَاعْتَرَضَ الْقَوْلَ وَالْبَرَاءُ يُكَلّمُ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ أَبُو الْهَيْثَمِ بْنُ التّيّهَانِ، فَقَالَ يَا رَسُولَ اللّهِ إنّ بَيْنَنَا وَبَيْنَ الرّجَالِ حِبَالًا، وَإِنّا قَاطِعُوهَا- يَعْنِي الْيَهُودَ- فَهَلْ عَسَيْتَ إنْ نَحْنُ فَعَلْنَا ذَلِكَ ثُمّ أَظْهَرَك اللّهُ أَنْ تَرْجِعَ إلَى قَوْمِك وَتَدَعَنَا؟ قَالَ فَتَبَسّمَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ ثُمّ قَالَ بَلْ الدّمَ الدّمَ وَالْهَدْمَ الْهَدْمَ أَنَا مِنْكُمْ وَأَنْتُمْ مِنّي، أُحَارِبُ مَنْ حَارَبْتُمْ وَأُسَالِمُ مَنْ سَالَمْتُمْ قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَقَالَ الْهَدْمَ الْهَدْمَ: يَعْنِي الْحُرْمَةَ أَيْ ذِمّتِي ذِمّتُكُمْ وَحُرْمَتِي حُرْمَتُكُمْ؟. قَالَ كَعْبُ بْنُ مَالِكٍ: وَقَدْ كَانَ قَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ أَخْرِجُوا إلَيّ مِنْكُمْ اثْنَيْ عَشَرَ نَقِيبًا، لِيَكُونُوا عَلَى قَوْمِهِمْ بِمَا فِيهِمْ. فَأَخْرَجُوا مِنْهُمْ اثْنَيْ عَشَرَ نَقِيبًا، تِسْعَةً مِنْ الْخَزْرَجِ، وَثَلَاثَةً مِنْ الْأَوْسِ.
.أَسَمَاءُ النّقَبَاءِ الِاثْنَيْ عَشَرَ وَتَمَامُ خَبَرِ الْعَقَبَةِ:

قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: مِنْ الْخَزْرَجِ- فِيمَا حَدّثَنَا زِيَادُ بْنُ عَبْدِ اللّهِ الْبَكّائِيّ، عَنْ مُحَمّدِ بْنِ إسْحَاقَ الْمُطّلِبِيّ-: أَبُو أُمَامَةَ أَسْعَدُ بْنُ زُرَارَةَ بْنُ عُدَسَ بْنِ عُبَيْدِ بْنِ ثَعْلَبَةَ بْنِ غَنْمِ بْنِ مَالِكِ بْنِ النّجّارِ وَهُوَ تَيْمُ اللّهِ بْنُ ثَعْلَبَةَ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْخَزْرَجِ، وَسَعْدُ بْنُ الرّبِيعِ بْنِ عَمْرِو بْنِ أَبِي زُهَيْرِ بْنِ مَالِكِ بْنِ امْرِئِ الْقَيْسِ بْنِ مَالِكِ بْنِ ثَعْلَبَةَ بْنِ كَعْبِ بْنِ الْخَزْرَجِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ الْخَزْرَجِ وَعَبْدُ اللّهِ بْنُ رَوَاحَةَ بْنِ ثَعْلَبَةَ بْنِ امْرِئِ الْقَيْسِ بْنِ عَمْرِو بْنِ امْرِئِ الْقَيْسِ الْأَكْبَرِ بْنِ مَالِكٍ الْأَغَرّ بْنِ ثَعْلَبَةَ بْنِ كَعْبِ بْنِ الْخَزْرَجِ بْنِ الْحَادِثِ بْنِ الْخَزْرَجِ وَرَافِعُ بْنُ مَالِكِ بْنِ الْعَجْلَانِ بْنِ عَمْرِو بْنِ عَامِرِ بْنِ زُرَيْقِ بْنِ عَبْدِ حَارِثَةَ بْنِ مَالِكِ بْنِ غَضْبِ بْنِ جُشَمَ بْنِ الْخَزْرَجِ وَالْبَرَاءُ بْنُ مَعْرُورِ بْنِ صَخْرِ بْنِ خَنْسَاءَ بْنِ سِنَانِ بْنِ عُبَيْدِ بْنِ عَدِيّ بْنِ غَنْمِ بْنِ كَعْبِ بْنِ سَلَمَةَ بْنِ سَعْدِ بْنِ عَلِيّ بْنِ أَسَدِ بْنِ سَارِدَةَ بْنِ تَزِيدَ بْنِ جُشَمَ بْنِ الْخَزْرَجِ، وَعَبْدُ اللّهِ بْنُ عَمْرِو بْنِ حَرَامِ بْنِ ثَعْلَبَةَ بْنِ حَرَامِ بْنِ كَعْبِ بْنِ غَنْمِ بْنِ كَعْبِ بْنِ سَلَمَةَ بْنِ سَعْدِ بْنِ عَلِيّ بْنِ أَسَدِ بْنِ سَارِدَةَ بْنِ تَزِيدَ بْنِ جُشَمَ بْنِ الْخَزْرَجِ، وَعُبَادَةُ بْنُ الصّامِتِ بْنِ قَيْسِ، بْنِ أَصْرَمَ بْنِ فِهْرِ بْنِ ثَعْلَبَةَ بْنِ غَنْمِ بْنِ سَالِمِ بْنِ عَوْفِ بْنِ عَمْرِو بْنِ عَوْفِ بْنِ الْخَزْرَجِ. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: هُوَ غَنْمُ بْنُ عَوْفٍ، أَخُو سَالِمِ بْنِ عَوْفِ بْنِ عَمْرِو بْنِ عَوْفِ بْنِ الْخَزْرَجِ. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَسَعْدُ بْنُ عُبَادَةَ بْنِ دُلَيْمِ بْنِ حَارِثَةَ بْنِ أَبِي حَزِيمَةَ بْنِ ثَعْلَبَةَ بْنِ طَرِيفِ بْنِ الْخَزْرَجِ بْنِ سَاعِدَةَ بْنِ كَعْبِ بْنِ الْخَزْرَجِ، وَالْمُنْذِرُ بْنُ عَمْرِو بْنِ خُنَيْسِ بْنِ حَارِثَةَ بْنِ لَوْذَانَ بْنِ عَبْدِ وُدّ بْنِ زَيْدِ بْنِ ثَعْلَبَةَ بْنِ الْخَزْرَجِ بْنِ سَاعِدَةَ بْنِ كَعْبِ بْنِ الْخَزْرَجِ قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَيُقَالُ ابْنُ خُنَيْسٍ.
.[نُقَبَاءُ الْأَوْسِ]:

وَمِنْ الْأَوْسِ: أُسَيْدُ بْنُ حُضَيْرِ بْنِ سِمَاكِ بْنِ عَتِيكِ بْنِ رَافِعِ بْنِ امْرِئِ الْقَيْسِ بْنِ زَيْدِ بْنِ عَبْدِ الْأَشْهَلِ وَسَعْدُ بْنُ خَيْثَمَةَ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ مَالِكِ بْنِ كَعْبِ بْنِ النّحّاطِ بْنِ كَعْبِ بْنِ حَارِثَةَ بْنِ غَنْمِ بْنِ السّلْمِ بْنِ امْرِئِ الْقَيْسِ بْنِ مَالِكِ بْنِ الْأَوْسِ وَرِفَاعَةُ بْنُ عَبْدِ الْمُنْذِرِ بْنِ زُبَيْرِ بْنِ زَيْدِ بْنِ أُمَيّةَ بْنِ زَيْدِ بْنِ مَالِكِ بْنِ عَوْفِ بْنِ عَمْرِو بْنِ عَوْفِ بْنِ مَالِكِ بْنِ الْأَوْسِ.
.[شِعْرُ كَعْبٍ فِي حَصْرِ النّقَبَاءِ]:

قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَأَهْلُ الْعِلْمِ يَعُدّونَ فِيهِمْ أَبَا الْهَيْثَمِ بْنَ التّيّهَانِ وَلَا يَعُدّونَ رِفَاعَةَ. وَقَالَ كَعْبُ بْنُ مَالِكٍ يَذْكُرُهُمْ فِيمَا أَنْشَدَنِي أَبُو زَيْدٍ الْأَنْصَارِيّ:
أَبْلِغْ أُبَيّا أَنّهُ فَالَ رَأْيُهُ ** وَحَانَ غَدَاةَ الشّعْبِ وَالْحَيْنُ وَاقِعُ

أَبَى اللّهُ مَا مَنّتْك نَفْسُك إنّهُ ** بِمِرْصَادِ أَمْرِ النّاسِ رَاءٍ وَسَامِعُ

وَأَبْلِغْ أَبَا سُفْيَانَ أَنْ قَدْ بَدَا لَنَا ** بِأَحْمَدَ نُورٌ مِنْ هُدَى اللّهِ سَاطِعُ

فَلَا تَرْغَبَنْ فِي حَشْدِ أَمْرٍ تُرِيدُهُ ** وَأَلّبْ وَجَمّعْ كُلّ مَا أَنْتَ جَامِعُ

وَدُونَك فَاعْلُمْ أَنّ نَقْضَ عُهُودِنَا ** أَبَاهُ عَلَيْك الرّهْطُ حِينَ تَتَابَعُوا

أَبَاهُ الْبَرَاءُ وَابْنُ عَمْرٍو كِلَاهُمَا ** وَأَسْعَدُ يَأْبَاهُ عَلَيْك وَرَافِعُ

وَسَعْدٌ أَبَاهُ السّاعِدِيّ وَمُنْذِرٌ ** لِأَنْفِك إنْ حَاوَلْت ذَلِكَ جَادِعُ

وَمَا ابْنُ رَبِيعٍ إنْ تَنَاوَلْت عَهْدَهُ ** بِمُسْلِمِهِ لَا يَطْمَعَنْ ثَمّ طَامِعُ

وَأَيْضًا فَلَا يُعْطِيكَهُ ابْنُ رَوَاحَةَ ** وَإِخْفَارُهُ مِنْ دُونِهِ السّمّ نَاقِعُ

وَفَاءً بِهِ وَالْقَوْقَلِيّ بْنُ صَامِتٍ ** بِمَنْدُوحَةِ عَمّا تُحَاوِلُ يَافِعُ

أَبُو هَيْثَمٍ أَيْضًا وَفِيّ بِمِثْلِهَا ** وَفَاءً بِمَا أَعْطَى مِنْ الْعَهْدِ خَانِعُ

وَمَا ابْنُ حُضَيْرٍ إنْ أَرَدْت، بِمَطْمَعِ ** فَهَلْ أَنْتَ عَنْ أُحْمُوقَةِ الْغَيّ نَازِعُ

وَسَعْدٌ أَخُو عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ فَإِنّهُ ** ضَرُوحٌ لِمَا حَاوَلْتَ مِلْأَمْرِ مَانِعُ

أُولَاكَ نُجُومٌ لَا يُغِبّكَ مِنْهُمْ ** عَلَيْك بِنَحْسٍ فِي دُجَى اللّيْلِ طَالِعُ

فَذَكَرَ كَعْبٌ فِيهِمْ أَبَا الْهَيْثَمِ بْنَ التّيّهَانِ وَلَمْ يَذْكُرْ رِفَاعَةَ. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فَحَدّثَنِي عَبْدُ اللّهِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ: أَنّ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ قَالَ لِلنّقَبَاءِ «أَنْتُمْ عَلَى قَوْمِكُمْ بِمَا فِيهِمْ كُفَلَاءُ كَكَفَالَةِ الْحَوَارِيّينَ لِعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ، وَأَنَا كَفِيلٌ عَلَى قَوْمِي» يَعْنِي الْمُسْلِمِينَ قَالُوا: نَعَمْ.
.[كَلِمَةُ الْعَبّاسِ بْنِ عُبَادَةَ فِي الْخَزْرَجِ قَبْلَ الْمُبَايَعَةِ]:

قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَحَدّثَنِي عَاصِمُ بْنُ عُمَرَ بْنِ قَتَادَةَ: أَنّ الْقَوْمَ لَمّا اجْتَمَعُوا لِبَيْعَةِ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ قَالَ الْعَبّاسُ بْنُ عُبَادَةَ بْنِ نَضْلَةَ الْأَنْصَارِيّ، أَخُو بَنِي سَالِمِ بْنِ عَوْفٍ يَا مَعْشَرَ الْخَزْرَجِ، هَلْ تَدْرُونَ عَلَامَ تُبَايِعُونَ هَذَا الرّجُلَ؟ قَالُوا: نَعَمْ قَالَ إنّكُمْ تُبَايِعُونَهُ عَلَى حَرْبِ الْأَحْمَرِ وَالْأَسْوَدِ مِنْ النّاسِ فَإِنْ كُنْتُمْ تَرَوْنَ أَنّكُمْ إذَا نُهِكَتْ أَمْوَالُكُمْ مُصِيبَةً وَأَشْرَافُكُمْ قَتْلًا أَسْلَمْتُمُوهُ فَمِنْ الْآنَ فَهُوَ وَاَللّهِ إنْ فَعَلْتُمْ خِزْيُ الدّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَإِنْ كُنْتُمْ تَرَوْنَ أَنّكُمْ وَافُونَ لَهُ بِمَا دَعَوْتُمُوهُ إلَيْهِ عَلَى نَهْكَةِ الْأَمْوَالِ وَقَتْلِ الْأَشْرَافِ فَخُذُوهُ فَهُوَ وَاَللّهِ خَيْرُ الدّنْيَا وَالْآخِرَةِ قَالُوا: فَإِنّا نَأْخُذُهُ عَلَى مُصِيبَةِ الْأَمْوَالِ وَقَتْلِ الْأَشْرَافِ. فَمَا لَنَا بِذَلِكَ يَا رَسُولَ اللّهِ إنْ نَحْنُ وَفّيْنَا بِذَلِكَ قَالَ الْجَنّةُ. قَالُوا: اُبْسُطْ يَدَك. فَبَسَطَ يَدَهُ فَبَايَعُوهُ وَأَمّا عَاصِمُ بْنُ عُمَرَ بْنِ قَتَادَةَ فَقَالَ وَاَللّهِ مَا قَالَ ذَلِك الْعَبّاسُ إلّا لِيَشُدّ الْعَقْدَ لِرَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فِي أَعْنَاقِهِمْ. وَأَمّا عَبْدُ اللّهِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ فَقَالَ مَا قَالَ ذَلِكَ الْعَبّاسُ إلّا لِيُؤَخّرَ الْقَوْمَ تَلِك اللّيْلَةَ رَجَاءَ أَنْ يَحْضُرَهَا عَبْدُ اللّهِ بْنُ أُبَيّ ابْنِ سَلُولَ، فَيَكُونَ أَقْوَى لِأَمْرِ الْقَوْمِ. فَاَللّهُ أَعْلَمُ أَيّ ذَلِكَ كَانَ.
.[نَسَبُ سَلُولَ]:

قَالَ ابْنُ هِشَامٍ سَلُولُ امْرَأَةٌ مِنْ خُزَاعَةَ، وَهِيَ أُمّ أُبَيّ بْنِ مَالِكِ بْنِ الْحَارِثِ.
.[أَوّلُ مَنْ ضَرَبَ عَلَى يَدِ الرّسُولِ فِي بَيْعَةِ الْعَقَبَةِ الثّانِيَةِ]:

قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فَبَنُو النّجّارِ يَزْعُمُونَ أَنّ أَبَا أُمَامَةَ أَسْعَدَ بْنَ زُرَارَةَ كَانَ أَوّلَ مَنْ ضَرَبَ عَلَى يَدِهِ وَبَنُو عَبْدِ الْأَشْهَلِ يَقُولُونَ بَلْ أَبُو الْهَيْثَمِ بْنُ التّيّهَانِ. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فَأَمّا مَعْبَدُ بْنُ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ فَحَدّثَنِي فِي حَدِيثِهِ عَنْ أَخِيهِ عَبْدِ اللّهِ بْنِ كَعْبٍ عَنْ أَبِيهِ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ كَانَ أَوّلَ مَنْ ضَرَبَ عَلَى يَدِ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ الْبَرَاءُ بْنُ مَعْرُورٍ، ثُمّ بَايَعَ بَعْدُ الْقَوْمُ.
.[تَنْفِيرُ الشّيْطَانِ لِمَنْ بَايَعَ فِي الْعَقَبَةِ الثّانِيَةِ]:

فَلَمّا بَايَعْنَا رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ صَرَخَ الشّيْطَانُ مِنْ رَأْسِ الْعَقَبَةِ بِأَنْفَذِ صَوْتٍ سَمِعْتُهُ قَطّ: يَا أَهْلَ الْجُبَاجِبِ- وَالْجُبَاجِبُ: الْمَنَازِلُ- هَلْ لَكُمْ فِي مُذَمّمٍ وَالصّبَاةُ مَعَهُ قَدْ اجْتَمَعُوا عَلَى حَرْبِكُمْ. قَالَ فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ هَذَا أَزَبّ الْعَقَبَةِ هَذَا ابْنُ أَزْيَبَ- قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَيُقَالُ ابْنُ أُزَيْبٍ- أَتَسْمَعُ أَيْ عَدُوّ اللّهِ أَمَا وَاَللّهِ لَأَفْرُغَنّ لَك.
.[اسْتِعْجَالُ الْمُبَايِعِينَ لِلْإِذْنِ بِالْحَرْبِ]:

قَالَ ثُمّ قَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ ارْفَضّوا إلَى رِحَالِكُمْ.
قَالَ فَقَالَ لَهُ الْعَبّاسُ بْنُ عُبَادَةَ بْنِ نَضْلَةَ: وَاَللّهِ الّذِي بَعَثَك بِالْحَقّ إنْ شِئْتَ لَنَمِيلَنّ عَلَى أَهْلِ مِنًى غَدًا بِأَسْيَافِنَا؟ قَالَ فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ لَمْ نُؤْمَرْ. بِذَلِكَ وَلَكِنْ ارْجِعُوا إلَى رِحَالِكُمْ. قَالَ فَرَجَعْنَا إلَى مَضَاجِعِنَا، فَنِمْنَا عَلَيْهَا حَتّى أَصْبَحْنَا.
.[غُدُوّ قُرَيْشٍ عَلَى الْأَنْصَارِ فِي شَأْنِ الْبَيْعَةِ]:

قَالَ: فَلَمّا أَصْبَحْنَا غَدَتْ عَلَيْنَا جُلّةُ قُرَيْشٍ، حَتّى جَاءُونَا فِي مَنَازِلِنَا، فَقَالُوا: يَا مَعْشَرَ الْخَزْرَجِ، إنّهُ قَدْ بَلَغَنَا أَنّكُمْ قَدْ جِئْتُمْ إلَى صَاحِبِنَا هَذَا تَسْتَخْرِجُونَهُ مِنْ بَيْنِ أَظْهُرِنَا، وَتُبَايِعُونَهُ عَلَى حَرْبِنَا، وَإِنّهُ وَاَللّهِ مَا مِنْ حَيّ مِنْ الْعَرَبِ أَبْغَضُ إلَيْنَا، أَنْ تَنْشَبَ الْحَرْبُ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ مِنْكُمْ. قَالَ فَانْبَعَثَ مَنْ هُنَاكَ مِنْ مُشْرِكِي قَوْمِنَا يَحْلِفُونَ بِاَللّهِ مَا كَانَ مِنْ هَذَا شَيْءٌ وَمَا عَلِمْنَاهُ. قَالَ وَقَدْ صَدَقُوا، لَمْ يَعْلَمُوهُ. قَالَ وَبَعْضُنَا يَنْظُرُ إلَى بَعْضٍ. قَالَ ثُمّ قَامَ الْقَوْمُ وَفِيهِمْ الْحَارِثُ بْنُ هِشَامِ بْنِ الْمُغِيرَةِ الْمَخْزُومِيّ، وَعَلَيْهِ نَعْلَانِ لَهُ جَدِيدَانِ قَالَ فَقُلْتُ لَهُ كَلِمَةً- كَأَنّي أُرِيدُ أَنْ أَشْرَكَ الْقَوْمَ بِهَا فِيمَا قَالُوا-: يَا أَبَا جَابِرٍ أَمَا تَسْتَطِيعُ أَنْ تَتّخِذَ وَأَنْت سَيّدٌ مِنْ سَادَاتِنَا، مِثْلَ نَعْلَيْ هَذَا الْفَتَى مِنْ قُرَيْشٍ؟ قَالَ فَسَمِعَهَا الْحَارِثُ فَخَلَعَهُمَا مِنْ رِجْلَيْهِ ثُمّ رَمَى بِهِمَا إلَيّ وَقَالَ وَاَللّهِ لِتَنْتَعِلَنّهُمَا. قَالَ يَقُولُ أَبُو جَابِرٍ مَهْ أَحْفَظْتَ وَاَللّهِ الْفَتَى، فَارْدُدْ إلَيْهِ نَعْلَيْهِ. قَالَ قُلْت: وَاَللّهِ لَا أَرُدّهُمَا، فَأْلٌ وَاَللّهِ صَالِحٌ لَئِنْ صَدَقَ الْفَأْلُ لَأَسْلُبَنّهُ. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَحَدّثَنِي عَبْدُ اللّهِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ: أَنّهُمْ أَتَوْا عَبْدَ اللّهِ بْنَ أُبَيّ ابْنِ سَلُولَ فَقَالُوا لَهُ مِثْلَ مَا قَالَ كَعْبٌ مِنْ الْقَوْلِ فَقَالَ لَهُمْ وَاَللّهِ إنّ هَذَا الْأَمْرَ جَسِيمٌ مَا كَانَ قَوْمِي لِيَتَفَوّتُوا عَلَيّ بِمِثْلِ هَذَا، وَمَا عَلِمْته كَانَ. قَالَ فَانْصَرَفُوا عَنْهُ.
.[خُرُوجُ قُرَيْشٍ فِي طَلَبِ الْأَنْصَارِ]:

قَالَ وَنَفَرَ النّاسُ مِنْ كُلّ مِنًى، فَتَنَطّسَ الْقَوْمُ الْخَبَرَ، فَوَجَدُوهُ قَدْ كَانَ وَخَرَجُوا فِي طَلَبِ الْقَوْمِ فَأَدْرَكُوا سَعْدَ بْنَ عُبَادَةَ بِأَذَاخِرَ وَالْمُنْذِرَ بْنَ عَمْرٍو، أَخَا بَنِي سَاعِدَةَ بْنِ كَعْبِ بْنِ الْخَزْرَجِ، وَكِلَاهُمَا كَانَ نَقِيبًا. فَأَمّا الْمُنْذِرُ فَأَعْجَزَ الْقَوْمَ وَأَمّا سَعْدٌ فَأَخَذُوهُ فَرَبَطُوا يَدَيْهِ إلَى عُنُقِهِ بِنِسْعِ رَحْلِهِ ثُمّ أَقْبَلُوا بِهِ حَتّى أَدْخَلُوهُ مَكّةَ يَضْرِبُونَهُ وَيَجْذِبُونَهُ بِجُمّتِهِ وَكَانَ ذَا شَعَرٍ كَثِيرٍ.
.[خَلَاصُ ابْنِ عُبَادَةَ مِنْ أَسْرِ قُرَيْشٍ وَمَا قِيلَ فِي ذَلِكَ مِنْ شِعْرٍ]:

قَالَ سَعْدٌ فَوَاَللّهِ إنّي لَفِي أَيْدِيهمْ إذْ طَلَعَ عَلَيّ نَفَرٌ مِنْ قُرَيْشٍ، فِيهِمْ رَجُلٌ وَضِيءٌ أَبْيَضُ شَعْشَاعٌ حُلْوٌ مِنْ الرّجَالِ قَالَ فَقُلْت فِي نَفْسِي: إنْ يَكُ عِنْدَ أَحَد مِنْ الْقَوْمِ خَيْرٌ فَعِنْدَ هَذَا، قَالَ فَلَمّا دَنَا مِنّي رَفَعَ يَدَهُ فَلَكَمَنِي لَكْمَةً شَدِيدَةً. قَالَ فَقُلْت فِي نَفْسِي: لَا وَاَللّهِ قَالَ فَوَاَللّهِ إنّي لَفِي أَيْدِيهِمْ يَسْحَبُونَنِي إذْ أَوَى لِي رَجُلٌ مِمّنْ كَانَ مَعَهُمْ فَقَالَ وَيْحَك أَمَا بَيْنَك وَبَيْنَ أَحَدٍ مِنْ قُرَيْشٍ جِوَارٌ وَلَا عَهْدٌ؟ قَالَ قُلْت: بَلَى، وَاَللّهِ لَقَدْ كُنْت أُجِيرُ لِجُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمِ بْنِ عَدِيّ بْنِ نَوْفَلِ بْنِ عَبْدِ مَنَافٍ تِجَارَةً وَأَمْنَعُهُمْ مِمّنْ أَرَادَ ظُلْمَهُمْ بِبِلَادِي، وَلِلْحَارِثِ بْنِ حَرْبِ بْنِ أُمَيّةَ بْنِ عَبْدِ شَمْسِ بْنِ عَبْدِ مَنَافٍ قَالَ وَيْحَك فَاهْتِفْ بِاسْمِ الرّجُلَيْنِ وَاذْكُرْ مَا بَيْنَك وَبَيْنَهُمَا. قَالَ فَفَعَلْت، وَخَرَجَ ذَلِك الرّجُلُ إلَيْهِمَا، فَوَجَدَهُمَا فِي الْمَسْجِدِ عِنْدَ الْكَعْبَةِ، فَقَالَ لَهُمَا: إنّ رَجُلًا مِنْ الْخَزْرَجِ الْآنَ يُضْرَبُ بِالْأَبْطَحِ وَيَهْتِفُ بِكُمَا، وَيَذْكُرُ أَنّ بَيْنَهُ وَبَيْنَكُمَا جِوَارًا؟ قَالَا: وَمَنْ هُوَ؟ قَالَ سَعْدُ بْنُ عُبَادَةَ؛ قَالَا: صَدَقَ وَاَللّهِ إنْ كَانَ لَيُجِيرُ لَنَا تِجَارَنَا، وَيَمْنَعُهُمْ أَنْ يُظْلَمُوا بِبَلَدِهِ. قَالَ فَجَاءَا فَخَلّصَا سَعْدًا مِنْ أَيْدِيهِمْ فَانْطَلَقَ. وَكَانَ الّذِي لَكَمَ سَعْدًا، سُهَيْلَ بْنَ عَمْرٍو أَخَا بَنِي عَامِرِ بْنِ لُؤَيّ. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَكَانَ الرّجُلُ الّذِي أَوَى إلَيْهِ أَبَا الْبَخْتَرِيّ بْنَ هِشَامٍ قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَكَانَ أَوّلُ شِعْرٍ قِيلَ فِي الْهِجْرَةِ بَيْتَيْنِ قَالَهُمَا ضِرَارُ بْنُ الْخَطّابِ بْنِ مِرْدَاسٍ، أَخُو بَنِي مُحَارِبِ بْنِ فِهْرٍ فَقَالَ:
تَدَارَكْتَ سَعْدًا عَنْوَةً فَأَخَذْتَهُ ** وَكَانَ شِفَاءً لَوْ تَدَارَكْتَ مُنْذِرَا

وَلَوْ نِلْتُهُ طُلّتْ هُنَاكَ جِرَاحُهُ ** وَكَانَتْ حَرِيّا أَنْ يُهَانَ وَيُهْدَرَا
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://el-quran.ahlamontada.com
Admin
Admin
Admin


المساهمات : 4240
تاريخ التسجيل : 20/01/2018

كتاب السيرة النبوية۞ لعبد الملك ابن هشام ۞«المؤرخ» ​ - صفحة 2 Empty
مُساهمةموضوع: رد: كتاب السيرة النبوية۞ لعبد الملك ابن هشام ۞«المؤرخ» ​   كتاب السيرة النبوية۞ لعبد الملك ابن هشام ۞«المؤرخ» ​ - صفحة 2 Emptyالأحد مارس 04, 2018 6:17 am

كتاب السيرة النبوية۞ لعبد الملك ابن هشام ۞«المؤرخ» ​ - صفحة 2 SeeretIbenHisham

قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَيُرْوَى:
وَكَانَ حَقِيقًا أَنْ يُهَانَ وَيُهْدَرَا

قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فَأَجَابَهُ حَسّانُ بْنُ ثَابِتٍ فِيهِمَا فَقَالَ:
لَسْتَ إلَى سَعْدٍ وَلَا الْمَرْءِ مُنْذِرٍ ** إذَا مَا مَطَايَا الْقَوْمِ أَصْبَحْنَ ضُمّرَا

فَلَوْلَا أَبُو وَهْبٍ لَمَرّتْ قَصَائِدٌ ** عَلَى شَرَفِ الْبَرْقَاءِ يَهْوِينَ حُسّرًا

أَتَفْخُرُ بِالْكَتّانِ لَمّا لَبِسْتَهُ ** وَقَدْ تَلْبَسُ الْأَنْبَاطُ رَيْطًا مُقَصّرَا

فَلَا تَكُ كَالْوَسْنَانِ يَحْلُمُ أَنّهُ ** بِقَرْيَةِ كِسْرَى أَوْ بِقَرْيَةِ قَيْصَرَا

وَلَا تَكُ كَالثّكْلَى وَكَانَتْ بِمَعْزِلٍ ** عَنْ الثّكْلِ لَوْ كَانَ الْفُؤَادُ تَفَكّرَا

وَلَا تَكُ كَالشّاةِ الّتِي كَانَ حَتْفُهَا ** بِجَفْرِ ذِرَاعَيْهَا فَلَمْ تَرْضَ مَحْفَرَا

وَلَا تَكُ كَالْعَاوِي فَأَقْبَلَ نَحْرَهُ ** وَلَمْ يَخْشَهُ سَهْمًا مِنْ النّبْلِ مُضْمَرَا

فَإِنّا وَمَنْ يُهْدِي الْقَصَائِدَ نَحْوَنَا ** كَمُسْتَبْضِعٍ تَمْرًا إلَى أَرْضِ خَيْبَرَا

قِصّةُ صَنَمِ عَمْرِو بْنِ الْجَمُوحِ.
.[عُدْوَانُ قَوْمِ عَمْرٍو عَلَى صَنَمِهِ]:

فَلَمّا قَدِمُوا الْمَدِينَةَ أَظْهَرُوا الْإِسْلَامَ بِهَا، وَفِي قَوْمِهِمْ بَقَايَا مِنْ شُيُوخٍ لَهُمْ عَلَى دِينِهِمْ مِنْ الشّرْكِ مِنْهُمْ عَمْرُو بْنُ الْجَمُوحِ بْنِ زَيْدِ بْنِ حَرَامِ بْنِ كَعْبِ بْنِ غَنْمِ بْنِ كَعْبِ بْنِ سَلَمَةَ وَكَانَ ابْنُهُ مُعَاذُ بْنُ عَمْرٍو شَهِدَ الْعَقَبَةَ، وَبَايَعَ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بِهَا، وَكَانَ عَمْرُو بْنُ الْجَمُوحِ سَيّدًا مِنْ سَادَاتِ بَنِي سَلَمَةَ وَشَرِيفًا مِنْ أَشْرَافِهِمْ وَكَانَ قَدْ اتّخَذَ فِي دَارِهِ صَنَمًا مِنْ خَشَبٍ يُقَالُ لَهُ مَنَاةُ كَمَا كَانَتْ الْأَشْرَافُ يَصْنَعُونَ تَتّخِذُهُ إلَهًا تُعَظّمُهُ وَتُطَهّرُهُ فَلَمّا أَسْلَمَ فِتْيَانُ بَنِي سَلَمَةَ مُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ، وَابْنُهُ مُعَاذُ بْنُ عَمْرِو بْنِ الْجَمُوحِ فِي فِتْيَانٍ مِنْهُمْ مِمّنْ أَسْلَمَ وَشَهِدَ الْعَقَبَةَ، كَانُوا يُدْلِجُونَ بِاللّيْلِ عَلَى صَنَمِ عَمْرٍو ذَلِكَ فَيَحْمِلُونَهُ فَيَطْرَحُونَهُ فِي بَعْضِ حُفَرِ بَنِي سَلَمَةَ وَفِيهَا عِذَرُ النّاسِ مُنَكّسًا عَلَى رَأْسِهِ فَإِذَا أَصْبَحَ عَمْرٌو، قَالَ وَيْلَكُمْ مَنْ عَدَا عَلَى آلِهَتِنَا هَذِهِ اللّيْلَةَ؟ قَالَ ثُمّ يَغْدُو يَلْتَمِسُهُ حَتّى إذَا وَجَدَهُ غَسَلَهُ وَطَهّرَهُ وَطَيّبَهُ، ثُمّ قَالَ أَمَا وَاَللّهِ لَوْ أَعْلَمُ مَنْ فَعَلَ هَذَا بِكَ لَأُخْزِيَنّهُ. فَإِذَا أَمْسَى وَنَامَ عَمْرٌو، عَدَوْا عَلَيْهِ فَفَعَلُوا بِهِ مِثْلَ ذَلِكَ فَيَغْدُو فَيَجِدُهُ فِي مِثْلِ مَا كَانَ فِيهِ مِنْ الْأَذَى، فَيَغْسِلُهُ وَيُطَهّرُهُ وَيُطَيّبُهُ ثُمّ يَعْدُونَ عَلَيْهِ إذَا أَمْسَى، فَيَفْعَلُونَ بِهِ مِثْلَ ذَلِكَ. فَلَمّا أَكْثَرُوا عَلَيْهِ وَطَيّبَهُ، ثُمّ جَاءَ بِسَيْفِهِ فَعَلّقَهُ عَلَيْهِ ثُمّ قَالَ إنّي وَاَللّهِ مَا أَعْلَمُ مَنْ يَصْنَعُ بِك مَا تَرَى، فَإِنْ كَانَ فِيك خَيْرٌ فَامْتَنِعْ فَهَذَا السّيْفُ مَعَك. فَلَمّا أَمْسَى وَنَامَ عَمْرٌو، عَدَوْا عَلَيْهِ فَأَخَذُوا السّيْفَ مِنْ عُنُقِهِ ثُمّ أَخَذُوا كَلْبًا مَيّتًا فَقَرَنُوهُ بِهِ بِحَبْلِ ثُمّ أَلْقَوْهُ فِي بِئْرٍ مِنْ آبَارِ بَنِي سَلَمَةَ فِيهَا عِذَرٌ مِنْ عِذَرِ النّاسِ ثُمّ غَدَا عَمْرُو بْنُ الْجَمُوحِ فَلَمْ يَجِدْهُ فِي مَكَانِهِ الّذِي كَانَ بِهِ.
.[إسْلَامُ عَمْرٍو وَشِعْرُهُ فِي ذَلِكَ]:

فَخَرَجَ يَتْبَعُهُ حَتّى وَجَدَهُ فِي تِلْكَ الْبِئْرِ مُنَكّسًا مَقْرُونًا بِكَلْبِ مَيّتٍ فَلَمّا رَآهُ وَأَبْصَرَ شَأْنَهُ وَكَلّمَهُ مَنْ أَسْلَمَ مِنْ رِجَالِ قَوْمِهِ فَأَسْلَمَ بِرَحْمَةِ اللّهِ وَحَسُنَ إسْلَامُهُ. فَقَالَ حِينَ أَسْلَمَ وَعَرَفَ مِنْ اللّهِ مَا عَرَفَ وَهُوَ يَذْكُرُ صَنَمَهُ ذَلِكَ وَمَا أَبْصَرَ مِنْ أَمْرِهِ وَيَشْكُرُ اللّهَ تَعَالَى الّذِي أَنْقَذَهُ مِمّا كَانَ فِيهِ مِنْ الْعَمَى وَالضّلَالَةِ:
وَاَللّهِ لَوْ كُنْتَ إلَهًا لَمْ تَكُنْ ** أَنْتَ وَكَلْبٌ وَسْطَ بِئْرٍ فِي قَرَنْ

أُفّ لِمَلْقَاك إلَهًا مُسْتَدَنْ ** الْآنَ فَتّشْنَاك عَنْ سُوءِ الْغَبَنْ

الْحَمْدُ لِلّهِ الْعَلِيّ ذِي المِنَنْ ** الْوَاهِبِ الرّزّاقِ دَيّانِ الدّيَنْ

هُوَ الّذِي أَنْقَذَنِي مِنْ قَبْلِ أَنْ ** أَكُونَ فِي ظُلْمَةِ قَبْرٍ مُرْتَهَنْ

بِأَحْمَدَ الْمَهْدِيّ النّبِيّ الْمُرْتَهِنْ

.شُرُوطُ الْبَيْعَةِ فِي الْعَقَبَةِ الْأَخِيرَةِ:

قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَكَانَتْ بَيْعَةَ الْحَرْبِ حِينَ أَذِنَ اللّهُ لِرَسُولِهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فِي الْقِتَالِ شُرُوطًا سِوَى شَرْطِهِ عَلَيْهِمْ فِي الْعَقَبَةِ الْأُولَى، كَانَتْ الْأُولَى عَلَى بَيْعَةِ النّسَاءِ وَذَلِك أَنّ اللّهَ تَعَالَى لَمْ يَكُنْ أَذِنَ لِرَسُولِهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فِي الْحَرْبِ فَلَمّا أَذِنَ اللّهُ لَهُ فِيهَا، وَبَايَعَهُمْ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فِي الْعَقَبَةِ الْأَخِيرَةِ عَلَى حَرْبِ الْأَحْمَرِ وَالْأَسْوَدِ أَخَذَ لِنَفْسِهِ وَاشْتَرَطَ عَلَى الْقَوْمِ لِرَبّهِ وَجَعَلَ لَهُمْ عَلَى الْوَفَاءِ بِذَلِك الْجَنّةَ. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فَحَدّثَنِي عُبَادَةُ بْنُ الْوَلِيدِ بْنِ عُبَادَةَ بْنِ الصّامِتِ، عَنْ أَبِيهِ الْوَلِيدِ عَنْ جَدّهِ عُبَادَةَ بْنِ الصّامِتِ، وَكَانَ أَحَدَ النّقَبَاءِ، قَالَ بَايَعْنَا رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بَيْعَةَ الْحَرْبِ- وَكَانَ عُبَادَةُ مِنْ الِاثْنَيْ عَشَرَ الّذِينَ بَايَعُوهُ فِي الْعَقَبَةِ الْأُولَى عَلَى بَيْعَةِ النّسَاءِ- عَلَى السّمْعِ وَالطّاعَةِ فِي عُسْرِنَا وَيُسْرِنَا وَمَنْشَطِنَا وَمَكْرَهِنَا، وَأَثَرَةٍ عَلَيْنَا، وَأَنْ لَا نُنَازِعَ الْأَمْرَ أَهْلَهُ وَأَنْ نَقُولَ بِالْحَقّ أَيْنَمَا كُنّا، لَا نَخَافُ فِي اللّهِ لَوْمَةَ لَائِمٍ.
.أَسَمَاءُ مَنْ شَهِدَ الْعَقَبَةَ:

قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَهَذَا تَسْمِيَةُ مَنْ شَهِدَ الْعَقَبَةَ، وَبَايَعَ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بِهَا مِنْ الْأَوْسِ وَالْخَزْرَجِ، وَكَانُوا ثَلَاثَةً وَسَبْعِينَ رَجُلًا وَامْرَأَتَيْنِ.
.[مَنْ شَهِدَهَا مِنْ الْأَوْسِ ابْنُ حَارِثَةَ وَبَنِيّ عَبْدِ الْأَشْهَلِ]:

شَهِدَهَا مِنْ الْأَوْسِ بْنُ الْحَارِثَةِ بْنِ ثَعْلَبَةَ بْنِ عَمْرِو بْنِ عَامِرٍ، ثُمّ مِنْ بَنِي عَبْدِ الْأَشْهَلِ ابْنِ جُشَمَ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ الْخَزْرَجِ بْنِ عَمْرِو بْنِ مَالِكِ بْنِ الْأَوْسِ أُسَيْدُ حُضَيْرِ بْنِ سِمَاكِ بْنِ عَتِيكِ بْنِ رَافِعِ بْنِ امْرِئِ الْقَيْسِ بْنِ زَيْدِ بْنِ عَبْدِ الْأَشْهَلِ نَقِيبٌ لَمْ يَشْهَدْ بَدْرًا وَأَبُو الْهَيْثَمِ بْنُ التّيّهَانِ، وَاسْمُهُ مَالِكٌ شَهِدَ بَدْرًا. وَسَلَمَةُ بْنُ سَلَامَةَ بْنِ وَقْشِ بْنِ زِغْبَةَ بْن زَعُورَاءَ بْنِ عَبْدِ الْأَشْهَلِ شَهِدَ بَدْرًا، ثَلَاثَةُ نَفَرٍ. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ وَيُقَالُ ابْنُ زَعَوْرَاءَ بِفَتْحِ الْعَيْنِ.
.[مَنْ شَهِدَهَا مِنْ بَنِي حَارِثَةَ بْنِ الْحَارِثِ]:

قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَمِنْ بَنِي حَارِثَةَ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ الْخَزْرَجِ بْنِ عَمْرِو بْنِ مَالِكِ بْنِ الْأَوْسِ: ظُهَيْرُ بْنُ رَافِعِ بْنِ عَدِيّ بْنِ زَيْدِ بْنِ جُشَمَ بْنِ حَارِثَةَ. وَأَبُو بُرْدَةَ بْنُ نِيَارٍ وَاسْمُهُ هَانِئُ بْنِ نِيَارِ بْنِ عَمْرِو بْنِ عُبَيْدِ بْنِ كِلَابِ بْنِ دُهْمَانَ بْنِ غَنْمِ بْنِ ذُبْيَانَ بْنِ هُمَيْمِ بْنِ كَامِلِ بْنِ ذُهْلِ بْنِ هَنِيّ بْنِ بَلِيّ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْحَافّ بْنِ قُضَاعَةَ، حَلِيفٌ لَهُمْ شَهِدَ بَدْرًا وَنُهَيْرُ بْنُ الْهَيْثَمِ مِنْ بَنِي نَابِي بْنِ مَجْدَعَةَ بْنِ حَارِثَةَ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ الْخَزْرَجِ بْنِ عَمْرِو بْنِ مَالِكِ بْنِ الْأَوْسِ؛ ثُمّ آلِ السّوّافِ بْنِ قَيْسِ بْنِ عَامِرِ بْنِ نَابِي بْنِ مَجْدَعَةَ بْنِ حَارِثَةَ ثَلَاثَةُ نَفَرٍ.
.[مَنْ شَهِدَهَا مِنْ بَنِي عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ]:

وَمِنْ بَنِي عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ مَالِكِ بْنِ الْأَوْسِ: سَعْدُ بْنُ خَيْثَمَةَ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ مَالِكِ بْنِ كَعْبِ بْنِ النّحّاطِ بْنِ كَعْبِ بْنِ حَارِثَةَ بْنِ غَنْمِ بْنِ السّلْمِ بْنِ امْرِئِ الْقَيْسِ بْنِ مَالِكِ بْنِ الْأَوْسِ، نَقِيبٌ شَهِدَ بَدْرًا، فَقُتِلَ بِهِ مَعَ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ شَهِيدًا. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَنَسَبَهُ ابْنُ إسْحَاقَ فِي بَنِي عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ وَهُوَ مِنْ بَنِي غَنْمِ بْنِ السّلْمِ لِأَنّهُ رُبّمَا كَانَتْ دَعْوَةُ الرّجُلِ فِي الْقَوْمِ وَيَكُونُ فِيهِمْ فَيُنْسَبُ إلَيْهِمْ. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَرِفَاعَةُ بْنُ عَبْدِ الْمُنْذِرِ بْنِ زَنْبَرَ بْنِ زَيْدِ بْنِ أُمَيّةَ بْنِ زَيْدِ بْنِ مَالِكِ بْنِ عَوْفِ بْنِ عَمْرٍو نَقِيبٌ شَهِدَ بَدْرًا. وَعَبْدُ اللّهِ بْنُ جُبَيْرِ بْنِ النّعْمَانِ بْنِ أُمَيّةَ بْنِ الْبُرَكِ- وَاسْم الْبُرَكِ امْرُؤُ الْقَيْسِ بْنُ ثَعْلَبَةَ بْنِ عَمْرِو بْنِ عَوْفِ بْنِ مَالِكِ بْنِ الْأَوْسِ- شَهِدَ بَدْرًا، وَقُتِلَ يَوْمَ أُحُدٍ شَهِيدًا أَمِيرًا لِرَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ عَلَى الرّمَاةِ وَيُقَالُ أُمَيّةُ بْنُ الْبَرْكِ، فِيمَا قَالَ ابْنُ هِشَامٍ. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَمَعْنُ بْنُ عَدِيّ بْنِ الْجَدّ بْنِ الْعَجْلَانِ بْنِ حَارِثَةَ بْنِ ضُبَيْعَةَ حَلِيفٌ لَهُمْ مِنْ بَلِيّ، شَهِدَ بَدْرًا وَأُحُدًا وَالْخَنْدَقَ، وَمَشَاهِدَ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ كُلّهَا، قُتِلَ يَوْمَ الْيَمَامَةِ شَهِيدًا فِي خِلَافَةِ أَبِي بَكْرٍ الصّدّيق ِ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُ. وَعُوَيْمُ بْنُ سَاعِدَةَ شَهِدَ بَدْرًا وَأُحُدًا وَالْخَنْدَقَ. خَمْسَةُ نَفَرٍ. فَجَمِيعُ مَنْ شَهِدَ الْعَقَبَةَ مِنْ الْأَوْسِ أَحَدَ عَشَرَ رَجُلًا.


.[مَنْ شَهِدَهَا مِنْ الْخَزْرَجِ بْنُ حَارِثَةَ]:

وَشَهِدَهَا مِنْ الْخَزْرَجِ بْنُ حَارِثَةَ بْنِ ثَعْلَبَةَ بْنِ عَمْرِو بْنِ عَامِرٍ، ثُمّ مِنْ بَنِي النّجّارِ، وَهُوَ تَيْمُ اللّهِ بْنُ ثَعْلَبَةَ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْخَزْرَجِ: أَبُو أَيّوبَ وَهُوَ خَالِدُ بْنُ زَيْدِ ثَعْلَبَةَ بْنِ عَبْدِ بْنِ عَوْفِ بْنِ غَنْمِ بْنِ مَالِكِ بْنِ النّجّارِ شَهِدَ بَدْرًا وَأُحُدًا وَالْخَنْدَقَ، وَالْمَشَاهِدَ كُلّهَا؛ مَاتَ بِأَرْضِ الرّومِ غَازِيًا فِي زَمَنِ مُعَاوِيَةَ بْنِ أَبِي سُفْيَانَ. وَمُعَاذُ بْنُ الْحَارِثِ بْنِ رِفَاعَةَ بْنِ سَوَادِ بْنِ مَالِكِ بْنِ غَنْمِ بْنِ مَالِكِ بْنِ النّجّارِ، شَهِدَ بَدْرًا وَأُحُدًا وَالْخَنْدَقَ، وَالْمَشَاهِدَ كُلّهَا، وَهُوَ ابْنُ عَفْرَاءَ. وَأَخُوهُ عَوْفُ بْنُ الْحَارِثِ، شَهِدَ بَدْرًا وَقُتِلَ بِهِ شَهِيدًا، وَهُوَ لِعَفْرَاءَ. وَأَخُوهُ مُعَوّذُ بْنُ الْحَارِثِ، شَهِدَ بَدْرًا وَقُتِلَ بِهِ شَهِيدًا. وَهُوَ الّذِي قَتَلَ أَبَا جَهْلِ بْنِ هِشَامِ بْنِ الْمُغِيرَةِ وَهُوَ لِعَفْرَاءَ- وَيُقَالُ رِفَاعَةُ بْنُ الْحَارِثِ بْنِ سَوَادٍ فِيمَا قَالَ ابْنُ هِشَامٍ- وَعُمَارَةُ بْنُ حَزْمِ بْنِ زَيْدِ بْنِ لَوْذَانَ بْنِ عَمْرِو بْنِ عَبْدِ عَوْفِ بْنِ غَنْمِ بْنِ مَالِكِ بْنِ النّجّارِ. شَهِدَ بَدْرًا وَأُحُدًا وَالْخَنْدَقَ، وَالْمَشَاهِدَ كُلّهَا، قُتِلَ يَوْمَ الْيَمَامَةِ شَهِيدًا فِي خِلَافَةِ أَبِي بَكْرٍ الصّدّيق ِ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُ. وَأَسْعَدُ بْنُ زُرَارَةَ بْنِ عُدَسَ بْنِ عُبَيْدِ بْنِ ثَعْلَبَةَ بْنِ غَنْمِ بْنِ مَالِكِ بْنِ النّجّارِ نَقِيبٌ مَاتَ قَبْلَ بَدْرٍ وَمَسْجِدُ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ يُبْنَى، وَهُوَ أَبُو أُمَامَةَ. سِتّةُ نَفَرٍ.
.[مَنْ شَهِدَهَا مِنْ بَنِي عَمْرِو بْنِ مَبْذُولٍ]:

وَمِنْ بَنِي عَمْرِو بْنِ مَبْذُولٍ- وَمَبْذُولٌ عَامِرُ بْنُ مَالِكِ بْنِ النّجّارِ-: سَهْلُ بْنُ عَتِيكِ بْنِ نُعْمَانَ بْنِ عَمْرِو بْنِ عَتِيكِ بْنِ عَمْرٍو، شَهِدَ بَدْرًا. رَجُلٌ.
.[مَنْ شَهِدَهَا مِنْ بَنِي عَمْرِو بْنِ مَالِكٍ]:

وَمِنْ بَنِي عَمْرِو بْنِ مَالِكِ بْنِ النّجّارِ وَهُمْ بَنُو حُدَيْلَةَ- قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: حُدَيْلَةُ بِنْتُ مَالِكِ بْنِ زَيْدِ مَنَاةِ بْنِ حَبِيبِ بْنِ عَبْدِ حَارِثَةَ بْنِ مَالِكِ بْنِ غَضْبِ بْنِ جُشَمِ بْنِ الْخَزْرَجِ- أَوْسُ بْنُ ثَابِتِ بْنِ الْمُنْذِرِ بْنِ حَرَامِ بْنِ عَمْرِو بْنِ زَيْدِ مَنَاةِ بْنِ عَدِيّ بْنِ عَمْرِو بْنِ مَالِكِ بْنِ النّجّارِ، شَهِدَ بَدْرًا. وَأَبُو طَلْحَةَ وَهُوَ زَيْدُ بْنُ سَهْلِ بْنِ عَمْرِو بْنِ زَيْدِ مَنَاةِ بْنِ عَدِيّ بْنِ عَمْرِو بْنِ مَالِكِ بْنِ النّجّارِ شَهِدَ بَدْرًا. رَجُلَانِ.
.[مَنْ شَهِدَهَا مِنْ بَنِي مَازِنِ بْنِ النّجّارِ]:

وَمِنْ بَنِي مَازِنِ بْنِ النّجّارِ قَيْسُ بْنُ أَبِي صَعْصَعَةَ، وَاسْمُ أَبِي صَعْصَعَةَ عَمْرُو بْنُ زَيْدِ بْنِ عَوْفِ بْنِ مَبْذُولِ بْنِ عَمْرِو بْنِ غَنْمِ بْنِ مَازِنٍ شَهِدَ بَدْرًا، وَكَانَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ جَعَلَهُ عَلَى السّاقَةِ يَوْمئِذٍ. وَعَمْرُو بْنُ غُزَيّةَ بْنِ عَمْرِو بْنِ ثَعْلَبَةَ بْنِ خَنْسَاءَ بْنِ مَبْذُولِ بْنِ عَمْرِو بْنِ غَنْمِ بْنِ مَازِنٍ. رَجُلَانِ. فَجَمِيعُ مَنْ شَهِدَ الْعَقَبَةَ مِنْ بَنِي النّجّارِ أَحَدَ عَشَرَ رَجُلًا.
.[تَصْوِيبُ نَسَبِ عَمْرِو بْنِ غُزَيّةَ]:

قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: عَمْرُو بْنُ غُزَيّةَ بْنِ عَمْرِو بْنِ ثَعْلَبَةَ بْنِ خَنْسَاءَ هَذَا الّذِي ذَكَرَهُ ابْنُ إسْحَاقَ، إنّمَا هُوَ غُزَيّةُ بْنُ عَمْرِو بْنِ عَطِيّةَ بْنِ خَنْسَاءَ.
.[مَنْ شَهِدَهَا مِنْ بَلْحارثِ بْنِ الْخَزْرَجِ]:

قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَمِنْ بَلْحارثِ بْنِ الْخَزْرَجِ: سَعْدُ بْنُ الرّبِيعِ بْنِ عَمْرِو بْنِ أَبِي زُهَيْرِ بْنِ مَالِكِ بْنِ امْرِئِ الْقِيسِ بْنِ مَالِكٍ الْأَغَرّ بْنِ ثَعْلَبَةَ بْنِ كَعْبِ بْنِ الْخَزْرَجِ بْنِ الْحَارِثِ نَقِيبٌ شَهِدَ بَدْرًا وَقُتِلَ يَوْمَ أُحُدٍ شَهِيدًا. وَخَارِجَةُ بْنُ زَيْدِ بْنِ أَبِي زُهَيْرِ بْنِ مَالِكِ بْنِ امْرِئِ الْقِيسِ بْنِ مَالِكِ الْأَغَرّ بْنِ ثَعْلَبَةَ بْنِ كَعْبِ بْنِ الْخَزْرَجِ بْنِ الْحَارِثِ شَهِدَ بَدْرًا وَقُتِلَ يَوْمَ أُحُدٍ شَهِيدًا. وَعَبْدُ اللّهِ بْنُ رَوَاحَةَ ابْنِ ثَعْلَبَةَ بْنِ امْرِئِ الْقِيسِ بْنِ عَمْرِو بْنِ امْرِئِ الْقِيسِ الْأَكْبَرِ بْنِ مَالِكِ الْأَغَرّ بْنِ ثَعْلَبَةَ بْنِ كَعْبِ بْنِ الْخَزْرَجِ بْنِ الْحَارِثِ نَقِيبٌ شَهِدَ بَدْرًا وَأُحُدًا وَالْخَنْدَقَ وَمَشَاهِدَ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ كُلّهَا، إلّا الْفَتْحَ وَمَا بَعْدَهُ وَقُتِلَ يَوْمَ مُؤْتَةَ شَهِيدًا أَمِيرًا لِرَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ. وَبَشِيرُ بْنُ سَعْدِ بْنِ ثَعْلَبَةَ بْنِ خِلَاسِ بْنِ زَيْدِ بْنِ مَالِكِ بْنِ ثَعْلَبَةَ بْنِ كَعْبِ بْنِ الْخَزْرَجِ بْنِ الْحَارِثِ أَبُو النّعْمَانِ بَدْرًا. وَعَبْدُ اللّهِ بْنُ زَيْدِ بْنِ ثَعْلَبَةَ بْنِ عَبْدِ اللّهِ بْنِ زَيْدِ مَنَاةِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ الْخَزْرَجِ، شَهِدَ بَدْرًا، وَهُوَ الّذِي أُرِيَ النّدَاءَ لِلصّلَاةِ فَجَاءَ بِهِ إلَى رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَأَمَرَ بِهِ. وَخَلّادُ بْنُ سُوِيدِ بْنِ ثَعْلَبَةَ بْنِ عَمْرِو بْنِ حَارِثَةَ بْنِ امْرِئِ الْقِيسِ بْنِ مَالِكِ الْأَغَرّ بْنِ ثَعْلَبَةَ بْنِ كَعْبِ بْنِ الْخَزْرَجِ، شَهِدَ بَدْرًا وَأُحُدًا وَالْخَنْدَقَ، وَقُتِلَ يَوْمَ بَنِي قُرَيْظَةَ شَهِيدًا، طُرِحَتْ عَلَيْهِ رَحَى مِنْ أُطُمٍ مِنْ أُطَامِهَا فَشَدَخَتْهُ شَدْخًا شَدِيدًا، فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ- فِيمَا يَذْكُرُونَ-: إنّ لَهُ لَأَجْرَ شَهِيدَيْنِ وَعُقْبَةُ بْنُ عَمْرِو بْنِ ثَعْلَبَةَ بْنِ أَسِيرَةَ بْنِ عُسَيْرة بْنِ جَدَارَةَ بْنِ عَوْفِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ الْخَزْرَجِ، وَهُوَ أَبُو مَسْعُودٍ وَكَانَ أَحْدَثَ مَنْ شَهِدَ الْعَقَبَةَ سِنّا، مَاتَ فِي أَيّامِ مُعَاوِيَةَ، لَمْ يَشْهَدْ بَدْرًا. سَبْعَةُ نَفَرٍ.
.[مَنْ شَهِدَهَا مِنْ بَنِي بَيَاضَةَ بْنِ عَامِرٍ]:

وَمِنْ بَنِي بَياضَة بْنِ عَامِرِ بْنِ زُرَيْقِ بْنِ عَبْدِ حَارِثَةَ بْنِ مَالِكِ بْنِ غَضْبِ بْنِ جُشَمِ بْنِ الْخَزْرَجِ: زِيَادُ بْنُ لَبِيَدِ بْنِ ثَعْلَبَةَ بْنِ سِنَانِ بْنِ عَامِرِ بْنِ عَدِيّ بْنِ أُمَيّةَ بْنِ بَيَاضَةَ شَهِدَ بَدْرًا. وَفَرْوَةُ بْنُ عَمْرِو بْنِ وَذْفَةَ بْنِ عُبَيْدِ بْنِ عَامِرِ بْنِ بَيَاضَةَ شَهِدَ بَدْرًا. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَيُقَالُ وَدْفَةُ. قَالَ ابْنُ إسْحَاقٍ: وَخَالِدُ بْنُ قِيسِ بْنِ مَالِكِ بْنِ الْعَجْلَانِ بْنِ عَامِرِ بْنِ بَيَاضَةَ شَهِدَ بَدْرًا. ثَلَاثَةُ نَفَرٍ.
.[مَنْ شَهِدَهَا مِنْ بَنِي زُرَيْقٍ]:

وَمِنْ بَنِي زُرَيْقِ بْنِ عَامِرِ بْنِ زُرَيْقِ بْنِ عَبْدِ حَارِثَةَ بْنِ مَالِكِ بْنِ غَضْبِ بْنِ جُشَمِ بْنِ الْخَزْرَجِ: رَافِعُ بْنُ مَالِكِ بْنِ الْعَجْلَانِ بْنِ عَمْرِو بْنِ عَامِرِ بْنِ زُرَيْقٍ نَقِيبٌ. وَذَكْوَانُ بْنُ عَبْدِ قِيسِ بْنِ خَلْدَةَ بْنِ مُخَلّدِ بْنِ عَامِرِ بْنِ زُرَيْقٍ، وَكَانَ خَرَجَ إلَى رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَكَانَ مَعَهُ بِمَكّةَ وَهَاجَرَ إلَى رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ مِنْ الْمَدِينَةِ، فَكَانَ يُقَالُ لَهُ مُهَاجِرِيّ أَنْصَارِيّ؛ شَهِدَ بَدْرًا وَقُتِلَ يَوْمَ أُحُدٍ شَهِيدًا. وَعَبّادُ بْنُ قِيسِ بْنِ عَامِرِ بْنِ خَلْدَةَ بْنِ مُخَلّدِ بْنِ عَامِرِ بْنِ زُرَيْقٍ، شَهِدَ بَدْرًا. وَالْحَارِثُ بْنُ قِيسِ بْنِ خَالِدِ بْنِ مُخَلّدِ بْنِ عَامِرِ بْنِ زُرَيْقٍ، وَهُوَ أَبُو خَالِدٍ شَهِدَ بَدْرًا. أَرْبَعَةُ نَفَرٍ.
.[مَنْ شَهِدَهَا مِنْ بَنِي سَلَمَةَ بْنِ سَعْدٍ]:

وَمِنْ بَنِي سَلَمَةَ بْنِ سَعْدِ بْنِ عَلِيّ بْنِ أَسَدِ بْنِ سَارِدَةَ بْنِ تَزِيدَ بْنِ جُشَمِ بْنِ الْخَزْرَجِ؛ ثُمّ مِنْ بَنِي عُبَيْدِ بْنِ عَدِيّ بْنِ غَنْمِ بْنِ كَعْبِ بْنِ سَلَمَةَ الْبَرَاءُ بْنُ مَعْرُورِ بْنِ صَخْرِ بْنِ خَنْسَاءَ بْنِ سِنَانِ بْنِ عُبَيْدِ بْنِ عَدِيّ بْنِ غَنْمٍ نَقِيبٌ وَهُوَ الّذِي تَزْعُمُ بَنُو سَلَمَةَ أَنّهُ كَانَ أَوّلَ مَنْ ضَرَبَ عَلَى يَدِ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَشَرَطَ لَهُ وَاشْتَرَطَ عَلَيْهِ ثُمّ تُوُفّيَ قَبْلَ مَقْدِمِ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ الْمَدِينَةَ. وَابْنُهُ بِشْرُ بْنُ الْبَرَاءِ بْنِ مَعْرُورٍ، شَهِدَ بَدْرًا وَأُحُدًا وَالْخَنْدَق وَمَاتَ بِخَيْبَرٍ مِنْ أَكْلَةٍ أَكَلَهَا مَعَ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ مِنْ الشّاةِ الّتِي سُمّ فِيهَا- وَهُوَ الّذِي قَالَ لَهُ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ حَيْنَ سَأَلَ بَنِي سَلَمَة َ مَنْ سَيّدُكُمْ يَا بَنِي سَلَمَةَ؟ فَقَالُوا: الْجَدّ بْنُ قَيْسٍ، عَلَى بُخْلِهِ فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَأَيّ دَاءٍ أَكْبَرُ مِنْ الْبُخْلِ سَيّدُ بَنِي سَلَمَةَ الْأَبْيَضُ الْجَعْدُ بِشْرُ بْنُ الْبَرَاءِ بْنِ مَعْرُورٍ-. وَسِنَانُ بْنُ صَيْفَى بْنِ صَخْرِ بْنِ خَنْسَاءَ بْنِ سِنَانِ بْنِ عُبَيْدٍ، شَهِدَ بَدْرًا، وَقُتِلَ يَوْمَ الْخَنْدَقِ شَهِيدًا. وَالطّفَيْلُ بْنُ النّعْمَانِ بْنِ خَنْسَاءَ بْنِ سِنَانَ بْنِ عُبَيْدٍ، شَهِدَ بَدْرًا، وَقُتِلَ يَوْمَ الْخَنْدَقِ شَهِيدًا. وَمَعْقِلُ بْنُ الْمُنْذِرِ بْنِ سَرْحِ بْنِ خُنَاسِ بْنِ سِنَانِ بْنِ عُبَيْدٍ، شَهِدَ بَدْرًا. وأَخُوهُ يَزِيدُ بْنُ الْمُنْذِرِ، شَهِدَ بَدْرًا. وَمَسْعُودُ بْنُ يَزِيدَ بْنِ سُبَيْع بْنِ خَنْسَاءَ بْنِ سِنَانِ بْنِ عُبَيْدٍ. وَالضّحّاكُ بْنُ حَارِثَةَ بْنِ زَيْدِ بْنِ ثَعْلَبَةَ بْنِ عُبَيْدٍ، شَهِدَ بَدْرًا، وَيَزِيدُ بْنُ حَرَامِ بْنِ سُبَيْع بْنِ خَنْسَاءَ بْنِ سِنَانِ بْنِ عُبَيْدٍ. وَجُبَارُ بْنُ صَخْرِ بْنِ أُمَيّةَ بْنِ خَنْسَاءَ بْنِ سِنَانَ بْنِ عُبَيْدٍ، شَهِدَ بَدْرًا. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَيُقَالُ جَبّارُ بْنُ صَخْرِ بْنِ أُمَيّةَ بْنِ خُنَاسٍ. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَالطّفَيْلُ بْنُ مَالِكِ بْنِ خَنْسَاءَ بْنِ سِنَانِ بْنِ عُبَيْدٍ، شَهِدَ بَدْرًا. أَحَدَ عَشَرَ رَجُلًا.
.[مَنْ شَهِدَهَا مِنْ بَنِي سَوَادِ بْنِ غَنْمٍ]:

وَمِنْ بَنِي سَوَادِ بْنِ غَنْمِ بْنِ كَعْبِ بْنِ سَلَمَةَ ثُمّ مِنْ بَنِي كَعْبِ بْنِ سَوَادٍ كَعْبُ بْنُ مَالِكِ بْنِ أَبِي كَعْبِ بْنِ الْقَيْنِ بْنِ كَعْبٍ. رَجُلٌ.
.[مَنْ شَهِدَهَا مِنْ بَنِي غَنْمِ بْنِ سَوَادٍ]:

وَمِنْ بَنِي غَنْمِ بْنِ سَوَادِ بْنِ غَنْمِ بْنِ كَعْبِ بْنِ سَلَمَةَ سُلَيْمُ بْنُ عَمْرِو بْنِ حُدَيْدَةَ بْنِ عَمْرِو بْنِ غَنْمٍ شَهِدَ بَدْرًا. وَقُطْبَةُ بْنُ عَامِرِ بْنِ حُدَيْدَةَ بْنِ عَمْرِو بْنِ غَنْمٍ شَهِدَ بَدْرًا. وأَخُوهُ يَزِيدُ بْنُ عَامِرِ بْنِ حُدَيْدَةَ بْنِ عَمْرِو بْنِ غَنْمٍ وَهُوَ أَبُو الْمُنْذِرِ شَهِدَ بَدْرًا. وَأَبُو الْيَسَرِ وَاسْمُهُ كَعْبُ بْنُ عَمْرِو بْنِ عَبّادِ بْنِ عَمْرِو بْنِ غَنْمٍ شَهِدَ بَدْرًا. وَصَيْفِيّ بْنُ سَوَادِ بْنِ عَبّادِ بْنِ عَمْرِو بْنِ غَنْمٍ خَمْسَةُ نَفَرٍ.
.[تَصْوِيبُ اسْمِ صَيْفِيّ]:

قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: صَيْفِيّ بْنُ أَسْوَدَ بْنِ عَبّادِ بْنِ عَمْرِو بْنِ غَنْمِ بْنِ سَوَادٍ وَلَيْسَ لِسَوَادٍ ابْنٌ يُقَالُ لَهُ غَنْمٌ.
.[مَنْ شَهِدَهَا مِنْ بَنِي نَابِي بْنِ عَمْرٍو]:

قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَمِنْ بَنِي نَابِي بْنِ عَمْرِو بْنِ سَوَادِ بْنِ غَنْمِ بْنِ كَعْبِ بْنِ سَلَمَةَ ثَعْلَبَةُ بْنُ غَنَمَة بْنِ عَدِيّ بْنِ نَابِي، شَهِدَ بَدْرًا، وَقُتِلَ بِالْخَنْدَقِ شَهِيدًا. وَعَمْرُو بْنُ غَنَمَة بْنِ عَدِيّ بْنِ نَابِي، وَعَبْسُ بْنُ عَامِرِ بْنِ عَدِيّ بْنِ نَابِي، شَهِدَ بَدْرًا. وَعَبْدُ اللّهِ بْنُ أُنَيْسٍ، حَلِيفٌ لَهُمْ مِنْ قُضَاعَةَ. وَخَالِدُ بْنُ عَمْرِو بْنِ عَدِيّ بْنِ نَابِي. خَمْسَةُ نَفَرٍ.
.[مَنْ شَهِدَهَا مِنْ بَنِي حَرَامِ بْنِ كَعْبٍ]:

قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَمِنْ بَنِي حَرَامِ بْنِ كَعْبِ بْنِ غَنْمِ بْنِ كَعْبِ بْنِ سَلَمَةَ عَبْدُ اللّهِ بْنُ عَمْرِو بْنِ حَرَامِ بْنِ ثَعْلَبَةَ بْنِ حَرَامٍ نَقِيبٌ شَهِدَ بَدْرًا، وَقُتِلَ يَوْمَ أُحُدٍ شَهِيدًا، وَابْنُهُ جَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللّهِ. وَمَعَاذُ بْنُ عَمْرِو بْنِ الْجَمُوحِ بْنِ يَزِيدَ بْنِ حَرَامٍ شَهِدَ بَدْرًا. وَثَابِتُ بْنُ الْجِذْعِ- وَالْجِذْعُ ثَعْلَبَةُ بْنُ زَيْدِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ حَرَامٍ- شَهِدَ بَدْرًا، وَقُتِلَ بِالطّائِفِ شَهِيدًا. وَعُمَيْرُ بْنُ الْحَارِثِ بْنِ ثَعْلَبَةَ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ حَرَامٍ شَهِدَ بَدْرًا. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: عُمَيْرُ بْنُ الْحَارِثِ بْنِ لَبْدَةَ بْنِ ثَعْلَبَةَ. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَخَدِيجُ بْنُ سَلَامَةَ بْنِ أَوْسِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْفُرَافِرِ. حَلِيفٌ لَهُمْ مِنْ بَلِيّ. وَمَعَاذُ بْنُ جَبَلِ بْنِ عَمْرِو بْنِ أَوْسِ بْنِ عَائِذِ بْنِ كَعْبِ بْنِ عَمْرِو بْنِ أَدّى بْنِ سَعْدِ بْنِ عَلِيّ بْنِ أَسَدٍ، وَيُقَالُ أَسَدُ بْنُ سَارِدَةَ الْخَزْرَجِ؛ وَكَانَ فِي بَنِي سَلَمَة َ شَهِدَ بَدْرًا، وَالْمَشَاهِدَ كُلّهَا وَمَاتَ بِعِمْوَاسَ عَامَ الطّاعُونِ بِالشّامِ فِي خِلَافَةِ عُمَرَ بْنِ الْخَطّابِ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُ وَإِنّمَا ادّعَتْهُ بَنُو سَلَمَةَ أَنّهُ كَانَ أَخَا سَهْلِ بْنِ مُحَمّدِ بْنِ الْجَدّ بْنِ قِيسِ بْنِ صَخْرِ ابْنِ خَنْسَاءَ بْنِ سِنَانِ بْنِ عُبَيْدِ بْنِ عَدِيّ بْنِ غَنْمِ بْنِ كَعْبِ بْنِ سَلَمَةَ لِأُمّهِ. سَبْعَةُ نَفَرٍ.
.[تَصْوِيبُ نَسَبِ خَدِيجِ بْنِ سَلَامَةَ]:

قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: أَوْسٌ ابْنُ عَبّادِ بْنِ عَدِيّ بْنِ كَعْبِ بْنِ عَمْرِو بْنِ أُذَنِ بْنِ سَعْدٍ.
.[مَنْ شَهِدَهَا مِنْ بَنِي عَوْفِ بْنِ الْخَزْرَجِ]:

قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَمِنْ بَنِي عَوْفِ بْنِ الْخَزْرَجِ؛ ثُمّ مِنْ بَنِي سَالِمِ بْنِ عَوْفِ بْنِ عَمْرِو بْنِ عَوْفِ بْنِ الْخَزْرَجِ: عُبَادَةُ بْنُ الصّامِتِ بْنِ قِيسِ بْنِ أَصْرَمَ بْنِ فِهْرِ بْنِ ثَعْلَبَةَ بْنِ غَنْمِ بْنِ سَالِمِ بْنِ عَوْفٍ نَقِيبٌ شَهِدَ بَدْرًا وَالْمَشَاهِدَ كُلّهَا. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: هُوَ غَنْمُ بْنُ عَوْفٍ، أَخُو سَالِمِ بْنِ عَوْفِ بْنِ عَمْرِو بْنِ عَوْفِ بْنِ الْخَزْرَجِ. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَالْعَبّاسُ بْنُ عُبَادَةَ بْنِ نَضْلَةَ بْنِ مَالِكِ بْنِ الْعِجْلَانِ بْنِ زَيْدِ بْنِ غَنْمِ بْنِ سَالِمِ بْنِ عَوْفٍ وَكَانَ مِمّنْ خَرَجَ إلَى رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَهُوَ بِمَكّةَ، فَأَقَامَ مَعَهُ بِهَا، فَكَانَ يُقَال لَهُ مُهَاجِرِيّ أَنْصَارِيّ، وَقُتِلَ يَوْمَ أُحُد ٍ شَهِيدًا. يَزِيدُ بْنُ ثَعْلَبَةَ بْنِ خَزَمَةَ بْنِ أَصْرَمَ بْنِ عَمْرِو بْنِ عَمّارَةَ حَلِيفٌ لَهُمْ مِنْ بَنِي غُصَيْنَةَ مِنْ بَلِيّ. وَعَمْرُو بْنُ الْحَارِثِ بْنِ لَبْدَةَ بْنِ عَمْرِو بْنِ ثَعْلَبَةَ. أَرْبَعَةُ نَفَرٍ وَهُمْ الْقَوَاقِلُ.
.[مَنْ شَهِدَهَا مِنْ بَنِي سَالِمِ بْنِ غَنْمٍ]:

وَمِنْ بَنِي سَالِمِ بْنِ غَنْمِ بْنِ عَوْفِ بْنِ الْخَزْرَجِ، وَهُمْ بَنُو الْحُبُلِيّ- قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: الْحُبُلِيّ: سَالِمُ بْنُ غَنْمِ بْنِ عَوْفٍ وَإِنّمَا سُمّيَ الْحُبُلِيّ- لِعِظَمِ بَطْنِهِ-: رِفَاعَةُ بْنُ عَمْرِو بْنِ زَيْدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ ثَعْلَبَةَ بْنِ مَالِكِ بْنِ سَالِمِ بْنِ غَنْمٍ، شَهِدَ بَدْرًا، وَهُوَ أَبُو الْوَلِيدِ. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَيُقَال: رِفَاعَةُ ابْنُ مَالِكٍ وَمَالِكٌ ابْنُ الْوَلِيدِ بْنِ عَبْدِ اللّهِ بْنِ مَالِكِ بْنِ ثَعْلَبَةَ بْنِ جُشَمِ بْنِ مَالِكِ بْنِ سَالِمٍ. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَعُقْبَةُ بْنُ وَهْبِ بْنِ كِلْدَةَ بْنِ الْجَعْدِ بْنِ هِلَالِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ عَمْرِو بْنِ عَدِيّ بْنِ جُشَمِ بْنِ عَوْفِ بْنِ بُهْثَةَ بْنِ عَبْدِ اللّهِ بْنِ غَطَفان بْنِ سَعْدِ بْنِ قِيسِ بْنِ عَيْلان، حَلِيفٌ لَهُمْ شَهِدَ بَدْرًا، وَكَانَ مِمّنْ خَرَجَ إلَى رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ مُهَاجِرًا مِنْ الْمَدِينَةِ إلَى مَكّةَ، فَكَانَ يُقَالُ لَهُ مُهَاجِرِيّ أَنْصَارِيّ. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: رَجُلَانِ.
.[مَنْ شَهِدَهَا مِنْ بَنِي سَاعِدَةَ بْنِ كَعْبٍ]:

قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَمِنْ بَنِي سَاعِدَةَ بْنِ كَعْبِ بْنِ الْخَزْرَجِ: سَعْدُ بْنُ عُبَادَةَ بْنِ دُلَيْمِ بْنِ حَارِثَةَ بْنِ أَبِي خُزَيْمَةَ بْنِ ثَعْلَبَةَ بْنِ طَرِيفِ بْنِ الْخَزْرَجِ بْنِ سَاعِدَةَ نَقِيبٌ وَالْمُنْذِرُ بْنُ عَمْرِو بْنِ خُنَيْس بْنِ حَارِثَةَ بْنِ لَوْذَانَ بْنِ عَبْدِ وُدّ بْنِ زَيْدِ بْنِ ثَعْلَبَةَ بْنِ جُشَمِ بْنِ الْخَزْرَجِ بْنِ سَاعِدَةَ نَقِيبٌ شَهِدَ بَدْرًا وَأُحُدًا. وَقُتِلَ يَوْمَ بِئْرِ مَعُونَةَ أَمِيرًا لِرَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَهُوَ الّذِي كَانَ يُقَال لَهُ أَعْنَقَ لِيَمُوتَ. رَجُلَانِ. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَيُقَالُ الْمُنْذِرُ ابْنُ عَمْرِو بْنِ خَنْشٍ. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فَجَمِيعُ مَنْ شَهِدَ الْعَقَبَةَ مِنْ الْأَوْسِ وَالْخَزْرَجِ ثَلَاثَةٌ وَسَبْعُونَ رَجُلًا وَامْرَأَتَانِ مِنْهُمْ يُزْعِمُونَ أَنّهُمَا قَدْ بَايَعَتَا، وَكَانَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ لَا يُصَافِحُ النّسَاءَ إنّمَا كَانَ يَأْخُذُ عَلَيْهِنّ فَإِذَا أَقْرَرْنَ قَالَ اذْهَبْنَ فَقَدْ بَايَعَتْكُن.
.[مَنْ شَهِدَهَا مِنْ بَنِي مَازِنِ بْنِ النّجّارِ]:

وَمِنْ بَنِي مَازِنِ بْنِ النّجّارِ نُسَيْبَةُ بِنْتُ كَعْبِ بْنِ عَمْرِو بْنِ عَوْفِ مِنْ مَبْذُولِ بْنِ عَمْرِو بْنِ غَنْمِ بْنِ مَازِنٍ وَهِيَ أُمّ عِمَارَةَ كَانَتْ شَهِدَتْ الْحَرْبَ مَعَ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَشَهِدَتْ مَعَهَا أُخْتُهَا، وَزَوْجُهَا زَيْدُ بْنُ عَاصِمِ بْنِ كَعْبٍ. وَابْنَاهَا: حَبِيبُ بْنُ زَيْدِ، وَعَبْدُ اللّهِ بْنُ زَيْدٍ، وَابْنُهَا حَبِيبٌ الّذِي أَخَذَهُ مُسَيْلِمَةُ الْكَذّابُ الْحَنَفِيّ، صَاحِبُ الْيَمَامَةِ، فَجَعَلَ يَقُولُ لَهُ أَتَشْهَدُ أَنّ مُحَمّدًا رَسُولُ اللّهِ؟ فَيَقُولُ نَعَمْ فَيَقُولُ أَفَتَشْهَدُ أَنّي رَسُولُ اللّهِ؟ فَيَقُولُ لَا أَسْمَعُ فَجَعَلَ يُقَطّعُهُ عُضْوًا عُضْوًا حَتّى مَاتَ فِي يَدِهِ لَا يَزِيدُهُ عَلَى ذَلِكَ إذَا ذُكِرَ لَهُ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ آمَنَ بِهِ وَصَلّى عَلَيْهِ وَإِذَا ذُكِرَ لَهُ مُسَيْلِمَةُ قَالَ لَا أَسْمَعُ- فَخَرَجَتْ إلَى الْيَمَامَةِ مَعَ الْمُسْلِمِينَ فَبَاشَرَتْ الْحَرْبَ بِنَفْسِهَا. حَتّى قَتَلَ اللّهُ مُسَيْلِمَةَ وَرَجَعَتْ وَبِهَا اثْنَا عَشَرَ جُرْحًا، مِنْ بَيْنِ طَعْنَةٍ وَضَرْبَةٍ. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: حَدّثَنِي هَذَا الْحَدِيثَ عَنْهَا مُحَمّدُ بْنُ يَحْيَى بْنِ حِبّانَ، عَنْ عَبْدِ اللّهِ بْنِ عَبْدِ الرّحْمَنِ بْنِ أَبِي صَعْصَعَةَ.
.[مَنْ شَهِدَهَا مِنْ بَنِي سَلَمَةَ]:

وَمِنْ بَنِي سَلَمَة َ أُمّ مَنِيعٍ وَاسْمُهَا: أَسَمَاءُ بِنْتُ عَمْرِو بْنِ عَدِيّ بْنِ نَابِي بْنِ عَمْرِو بْنِ سَوَادِ بْنِ غَنْمِ بْنِ كَعْبِ بْنِ سَلَمَةَ.
.نُزُولُ الْأَمْرِ لِرَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فِي الْقِتَالِ:

بِسْمِ اللّهِ الرّحْمَنِ الرّحِيمِ. قَالَ حَدّثَنَا أَبُو مُحَمّدٍ عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ هِشَامٍ قَالَ حَدّثَنَا زِيَادُ بْنُ عَبْدِ اللّهِ الْبُكَائِيّ، عَنْ مُحَمّدِ بْنِ إسْحَاقَ الْمُطّلِبِيّ وَكَانَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ قَبْلَ بَيْعَةِ الْعَقَبَةِ لَمْ يُؤْذَنْ لَهُ فِي الْحَرْبِ وَلَمْ تُحَلّلْ لَهُ الدّمَاءُ إنّمَا يُؤْمَرُ بِالدّعَاءِ إلَى اللّهِ وَالصّبْرِ عَلَى الْأَذَى، وَالصّفْحِ عَنْ الْجَاهِلِ وَكَانَتْ قُرَيْشٌ قَدْ اضْطَهَدَتْ مَنْ اتّبَعَهُ مِنْ الْمُهَاجِرِينَ حَتّى فَتَنُوهُمْ عَنْ دِينِهِمْ وَنَفَوْهُمْ مِنْ بِلَادِهِمْ فَهُمْ مِنْ بَيْنِ مَفْتُونٍ فِي دِينِهِ وَمِنْ بَيْنِ مُعَذّبٍ فِي أَيْدِيهِمْ وَبَيْنِ هَارِبٍ فِي الْبِلَادِ فِرَارًا مِنْهُمْ مِنْهُمْ مَنْ بِأَرْضِ الْحَبَشَةِ، وَمِنْهُمْ مَنْ بِالْمَدِينَةِ، وَفِي كُلّ وَجْهٌ فَلَمّا عَتَتْ قُرَيْشٌ عَلَى اللّهِ عَزّ وَجَلّ وَرَدّوا عَلَيْهِ مَا أَرَادَهُمْ بِهِ مِنْ الْكَرَامَةِ وَكَذّبُوا نَبِيّهُ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَعَذّبُوا وَنَفَوْا مَنْ عَبَدَهُ وَوَحّدَهُ وَصَدّقَ نَبِيّهُ وَاعْتَصَمَ بِدِينِهِ أَذِنَ اللّهُ عَزّ وَجَلّ لِرَسُولِهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فِي الْقِتَالِ وَالِانْتِصَارِ مِمّنْ ظَلَمَهُمْ وَبَغَى عَلَيْهِمْ فَكَانَتْ أَوّلُ آيَةٍ أُنْزِلَتْ فِي إذْنِهِ لَهُ فِي الْحَرْبِ وَإِحْلَالِهِ لَهُ الدّمَاءَ وَالْقِتَالَ لِمَنْ بَغَى عَلَيْهِمْ فِيمَا بَلَغَنِي عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزّبَيْرِ وَغَيْرِهِ مِنْ الْعُلَمَاءِ قَوْلُ اللّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى {أُذِنَ لِلّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنّ اللّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ الّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ بِغَيْرِ حَقّ إِلّا أَنْ يَقُولُوا رَبّنَا اللّهُ وَلَوْلَا دَفْعُ اللّهِ النّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَهُدّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللّهِ كَثِيرًا وَلَيَنْصُرَنّ اللّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنّ اللّهَ لَقَوِيّ عَزِيزٌ الّذِينَ إِنْ مَكّنّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصّلَاةَ وَآتَوُا الزّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ وَلِلّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ}-: أَيْ أَنّي إنّمَا أَحْلَلْت لَهُمْ الْقِتَالَ لِأَنّهُمْ ظُلِمُوا، وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ ذَنْبٌ فِيمَا بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ النّاسِ إلّا أَنّ يَعْبُدُوا اللّهَ وَأَنّهُمْ إذَا ظَهَرُوا أَقَامُوا الصّلَاةَ وَآتَوْا الزّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنْ الْمُنْكَرِ. يَعْنِي النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَأَصْحَابَهُ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُمْ أَجْمَعِينَ ثُمّ أَنَزَلَ اللّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى عَلَيْهِ {وَقَاتِلُوهُمْ حَتّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ} أَيْ حَتّى لَا يُفْتَنَ مُؤْمِنٌ عَنْ دِينِهِ {وَيَكُونَ الدّينُ لِلّهِ} أَيْ حَتّى يُعْبَدَ اللّهُ لَا يَعْبُدُ مَعَهُ غَيْرُهُ.
.[إذْنُهُ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ لِمُسْلِمِي مَكّةَ بِالْهِجْرَةِ]:

قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فَلَمّا أَذِنَ اللّهُ تَعَالَى لَهُ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فِي الْحَرْبِ وَبَايَعَهُ هَذَا الْحَيّ مِنْ الْأَنْصَارِ عَلَى الْإِسْلَامِ وَالنّصْرَةِ لَهُ وَلِمَنْ اتّبَعَهُ. وَأَوَى إلَيْهِمْ مِنْ الْمُسْلِمِينَ أَمَرَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ أَصْحَابَهُ مِنْ الْمُهَاجِرِينَ مِنْ قَوْمِهِ وَمَنْ مَعَهُ بِمَكّةَ مِنْ الْمُسْلِمِينَ بِالْخُرُوجِ إلَى الْمَدِينَةِ وَالْهِجْرَةِ إلَيْهَا، وَاللّحُوقِ بِإِخْوَانِهِمْ مِنْ الْأَنْصَارِ، وَقَالَ إنّ اللّهَ عَزّ وَجَلّ قَدْ جَعَلَ لَكُمْ إخْوَانًا وَدَارًا تَأْمَنُونَ بِهَا فَخَرَجُوا أَرْسَالًا، وَأَقَامَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بِمَكّةَ يَنْتَظِرُ أَنْ يَأْذَنَ لَهُ رَبّهُ فِي الْخُرُوجِ مِنْ مَكّةَ، وَالْهِجْرَةِ إلَى الْمَدِينَةِ.
.ذِكْرُ الْمُهَاجِرِينَ إلَى الْمَدِينَةِ:

.[هِجْرَةُ أَبِي سَلَمَةَ وَزَوْجُهُ وَحَدِيثُهَا عَمّا لَقِيَا]:

فَكَانَ أَوّلُ مَنْ هَاجَرَ إلَى الْمَدِينَةِ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ مِنْ الْمُهَاجِرِينَ مِنْ قُرَيْشٍ، مِنْ بَنِي مَخْزُومٍ: أَبُو سَلَمَةَ بْنُ عَبْدِ الْأَسَدِ بْنِ هِلَالِ بْنِ عَبْدِ اللّهِ بْنِ عُمَرَ بْنِ مَخْزُومٍ، وَاسْمُهُ عَبْدُ اللّهِ، هَاجَرَ إلَى الْمَدِينَةِ قَبْلَ بَيْعَةِ أَصْحَابِ الْعَقَبَةِ بِسَنَةٍ وَكَانَ قَدِمَ عَلَى رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ مَكّةَ مِنْ أَرْضِ الْحَبَشَةِ، فَلَمّا آذَتْهُ قُرَيْشٌ وَبَلَغَهُ إسْلَامُ مَنْ أَسْلَمَ مِنْ الْأَنْصَارِ، خَرَجَ إلَى الْمَدِينَةِ مُهَاجِرًا. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فَحَدّثَنِي أَبِي إسْحَاقُ بْنُ يَسَارٍ، عَنْ سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ اللّهِ بْنِ عُمَرَ بْنِ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ جَدّتِهِ أُمّ سَلَمَةَ زَوْجِ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ، قَالَتْ لَمّا أَجْمَعَ أَبُو سَلَمَةَ الْخُرُوجَ إلَى الْمَدِينَةِ رَحَلَ لِي بَعِيرَهُ ثُمّ حَمَلَنِي عَلَيْهِ وَحَمَلَ مَعِي ابْنِي سَلَمَةَ بْنَ أَبِي سَلَمَةَ فِي حِجْرِي، ثُمّ خَرَجَ بِي يَقُودُ بِي بَعِيرَهُ فَلَمّا رَأَتْهُ رِجَالُ بَنِي الْمُغِيرَةِ بْنِ عَبْدِ اللّهِ بْنِ عُمَرَ بْنِ مَخْزُومٍ قَامُوا إلَيْهِ فَقَالُوا هَذِهِ نَفْسُك غَلَبْتنَا عَلَيْهَا، أَرَأَيْت صَاحِبَتَك هَذِهِ؟ عَلَامَ نَتْرُكُك تَسِيرُ بِهَا فِي الْبِلَادِ؟ قَالَتْ فَنَزَعُوا خِطَامَ الْبَعِيرِ مِنْ يَدِهِ فَأَخَذُونِي مِنْهُ. قَالَتْ وَغَضِبَ عِنْدَ ذَلِكَ بَنُو عَبْدِ الْأَسَدِ، رَهْطُ أَبِي سَلَمَةَ فَقَالُوا: لَا وَاَللّهِ لَا نَتْرُكُ ابْنَنَا عِنْدَهَا إذْ نَزَعْتُمُوهَا مِنْ صَاحِبِنَا. قَالَتْ فَتَجَاذَبُوا بَنِي سَلَمَةَ بَيْنَهُمْ حَتّى خَلَعُوا يَدَهُ وَانْطَلَقَ بِهِ بَنُو عَبْدِ الْأَسَدِ، وَحَبَسَنِي بَنُو الْمُغِيرَةِ عِنْدَهُمْ وَانْطَلَقَ زَوْجِي أَبُو سَلَمَةَ إلَى الْمَدِينَةِ. قَالَتْ فَفَرّقَ بَيْنِي وَبَيْنَ زَوْجِي وَبَيْنَ ابْنِي. قَالَتْ فَكُنْت أَخْرُجُ كُلّ غَدَاةٍ فَأَجْلِسُ بِالْأَبْطُحِ فَمَا أَزَالُ أَبْكِي، حَتّى أَمْسَى سَنَةً أَوْ قَرِيبًا مِنْهَا حَتّى مَرّ بِي رَجُلٌ مِنْ بَنِي عَمّي، أَحَدُ بَنِي الْمُغِيرَةِ فَرَأَى مَا بِي فَرَحِمَنِي فَقَالَ لِبَنِي الْمُغِيرَةِ أَلَا تُخْرِجُونَ هَذِهِ الْمِسْكِينَةَ فَرّقْتُمْ بَيْنَهَا وَبَيْنَ زَوْجِهَا وَبَيْنَ وَلَدِهَا قَالَتْ فَقَالُوا لِي: الْحَقِي بِزَوْجِك إنْ شِئْت. قَالَتْ وَرَدّ بَنُو عَبْدِ الْأَسَدِ إلَيّ عِنْدَ ذَلِكَ ابْنِي. قَالَتْ فَارْتَحَلْت بَعِيرِي ثُمّ أَخَذْت ابْنِي فَوَضَعْته فِي حِجْرِي، ثُمّ خَرَجْت أُرِيدُ زَوْجِي بِالْمَدِينَةِ. قَالَتْ وَمَا مَعِي أَحَدٌ مِنْ خَلْقِ اللّهِ. قَالَتْ فَقُلْت: أَتَبَلّغُ بِمَنْ لَقِيتُ حَتّى أَقْدَمَ عَلَيّ زَوْجِي، حَتّى إذَا كُنْت بِالتّنْعِيمِ لَقِيتُ عُثْمَانَ بْنَ طَلْحَةَ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ أَخَا بَنِي عَبْدِ الدّارِ فَقَالَ لِي: إلَى أَيْنَ يَا بِنْتَ أَبِي أُمَيّةَ؟ قَالَتْ فَقُلْت: أُرِيدُ زَوْجِي بِالْمَدِينَةِ. قَالَ أَوَمَا مَعَك أَحَدٌ؟ قَالَتْ فَقُلْت: لَا وَاَللّهِ إلّا اللّهُ وَبُنَيّ هَذَا. قَالَ وَاَللّهِ مَا لَك مِنْ مَتْرَكٍ فَأَخَذَ بِخِطَامِ الْبَعِيرِ فَانْطَلَقَ مَعِي يَهْوِي بِي، فَوَاَللّهِ مَا صَحِبْت رَجُلًا مِنْ الْعَرَبِ قَطّ، أَرَى أَنّهُ كَانَ أَكْرَمَ مِنْهُ كَانَ إذَا بَلَغَ الْمَنْزِلَ أَنَاخَ بِي، ثُمّ اسْتَأْخَرَ عَنّي، حَتّى إذَا نَزَلْت اسْتَأْخَرَ بِبَعِيرِي، فَحَطّ عَنْهُ ثُمّ قَيّدَهُ فِي الشّجَرَةِ، ثُمّ تَنَحّى وَقَالَ ارْكَبِي. فَإِذَا رَكِبْت وَاسْتَوَيْتُ عَلَى بَعِيرِي أَتَى فَأَخَذَ بِخِطَامِهِ فَقَادَهُ حَتّى يَنْزِلَ بِي. فَلَمْ يَزَلْ يَصْنَعُ ذَلِكَ بِي حَتّى أَقْدَمَنِي الْمَدِينَةَ، فَلَمّا نَظَرَ إلَى قَرْيَةِ بَنِي عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ بقُباءٍ قَالَ زَوْجُك فِي هَذِهِ الْقَرْيَةِ- وَكَانَ أَبُو سَلَمَةَ بِهَا نَازِلًا- فَادْخُلِيهَا عَلَى بَرَكَةِ اللّهِ ثُمّ انْصَرَفَ رَاجِعًا إلَى مَكّةَ. قَالَ فَكَانَتْ تَقُولُ وَاَللّهِ مَا أَعْلَمُ أَهْلَ بَيْتٍ فِي الْإِسْلَامِ أَصَابَهُمْ مَا أَصَابَ آلَ أَبِي سَلَمَةَ، وَمَا رَأَيْت صَاحِبًا قَطّ كَانَ أَكْرَمَ مِنْ عُثْمَانَ بْنِ طَلْحَة.
.[هِجْرَةُ عَامِرٍ وَزَوْجُهُ وَهِجْرَةُ بَنِي جَحْشٍ]:

قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: ثُمّ كَانَ أَوّلَ مَنْ قَدِمَهَا مِنْ الْمُهَاجِرِينَ بَعْدَ أَبِي سَلَمَةَ عَامِرُ بْنُ رَبِيعَةَ، حَلِيفُ بَنِي عَدِيّ بْنِ كَعْبٍ، مَعَهُ امْرَأَتُهُ لَيْلَى بِنْتُ أَبِي حَثْمَةَ بْنِ غَانِمِ بْنِ عَبْدِ اللّهِ بْنِ عَوْفِ بْنِ عُبَيْدِ بْنِ عَدِيّ بْنِ كَعْبٍ. ثُمّ عَبْدُ اللّهِ بْنُ جَحْشِ بْنِ رِئَابِ بْنِ يَعْمُرَ بْنِ صَبْرَةَ بْنِ مُرّةَ بْنِ كَثِيرِ بْنِ غَنْمِ بْنِ دُودَانَ بْنِ أَسَدِ بْنِ خُزَيْمَةَ، حَلِيفُ بَنِي أُمَيّةَ بْنِ عَبْدِ شَمْسٍ، احْتَمَلَ بِأَهْلِهِ وَبِأَخِيهِ عَبْدِ بْنِ جَحْشٍ وَهُوَ أَبُو أَحْمَدَ- وَكَانَ أَبُو أَحْمَدَ رَجُلًا ضَرِيرَ الْبَصَرِ وَكَانَ يَطُوفُ مَكّةَ، أَعْلَاهَا وَأَسْفَلَهَا، بِغَيْرِ قَائِدٍ وَكَانَ شَاعِرًا، وَكَانَتْ عِنْدَهُ الْفَرْعَةُ ابْنَةُ أَبِي سُفْيَانَ بْنِ حَرْبٍ وَكَانَتْ أُمّهُ أُمَيْمَةَ بِنْتَ عَبْدِ الْمُطّلِبِ بْنِ هَاشِمٍ- فَغُلّقَتْ دَارُ بَنِي جَحْشٍ هِجْرَةً فَمَرّ بِهَا عُتْبَةُ بْنُ رَبِيعَةَ. وَالْعَبّاسُ بْنُ عَبْدِ الْمُطّلِبِ، وَأَبُو جَهْلِ بْنِ هِشَامِ بْنِ الْمُغِيرَةِ، وَهِيَ دَارُ أَبَانَ الْيَوْمَ الّتِي بِالرّدْمِ وَهُمْ مُصْعِدُونَ إلَى أَعَلَى مَكّةَ، فَنَظَرَ إلَيْهَا عُتْبَةُ بْنُ رَبِيعَةَ تَخْفِقُ أَبْوَابُهَا يَبَابًا، لَيْسَ فِيهَا سَاكِنٌ فَلَمّا رَآهَا كَذَلِكَ تَنَفّسَ الصّعَدَاءَ ثُمّ قَالَ:
وَكُلّ دَارٍ وَإِنْ طَالَتْ سَلَامَتُهَا ** يَوْمًا سَتُدْرِكُهَا النّكْبَاءُ وَالُحُوبُ

قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَهَذَا الْبَيْتُ لِأَبِي دَاوُدَ الْإِيَادِيّ فِي قَصِيدَةٍ لَهُ. وَالُحُوبُ التّوَجّعُ وَهُوَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ الْحَاجَةُ وَيُقَالُ الْحُوبُ الْإِثْمُ.
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: ثُمّ قَالَ عُتْبَةُ بْنُ رَبِيعَةَ: أَصْبَحَتْ دَارُ بَنِي جَحْشٍ خَلَاءً مِنْ أَهْلِهَا فَقَالَ أَبُو جَهْلٍ وَمَا تَبْكِي عَلَيْهِ مِنْ قُلّ بْنِ قُلّ. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: الْقُلّ: الْوَاحِدُ. قَالَ لَبِيدُ بْنُ رَبِيعَةَ:
كُلّ بَنِي حُرّةٍ مُصِيرُهُمْ ** قُلّ وَإِنْ أَكْثَرَتْ مِنْ الْعَدَدِ

قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: ثُمّ قَالَ هَذَا عَمَلُ ابْنِ أَخِي هَذَا، فَرّقَ جَمَاعَتَنَا، وَشَتّتْ أَمْرَنَا وَقَطَعَ بَيْنَنَا. فَكَانَ مَنْزِلُ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الْأَسَدِ وَعَامِرِ بْنِ رَبِيعَةَ،، وَأَخِيهِ أَبِي أَحْمَدَ بْنِ جَحْشٍ عَلَى مُبْشَرِ بْنِ عَبْدِ الْمُنْذِرِ بْنِ زُنْبُر بقُباءٍ. فِي بَنِي عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ ثُمّ قَدِمَ الْمُهَاجِرُونَ أَرْسَالًا، وَكَانَ بَنُو غَنْمِ ابْنِ دُودَانَ أَهْلَ إسْلَامٍ قَدْ أَوْعَبُوا إلَى الْمَدِينَةِ مَعَ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ هِجْرَةً رِجَالُهُمْ وَنِسَاؤُهُمْ عَبْدُ اللّهِ بْنُ جَحْشٍ، وَأَخُوهُ أَبُو أَحْمَدَ بْنُ جَحْشٍ، وَعُكّاشَةُ بْنُ مِحْصَنٍ، وَشُجَاعٌ وَعُقْبَةٌ ابْنَا وَهْبٍ وَأَرْبَدُ بْنُ حُمَيّرَةَ. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَيُقَالُ ابْنُ حُمَيْرَةَ.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://el-quran.ahlamontada.com
Admin
Admin
Admin


المساهمات : 4240
تاريخ التسجيل : 20/01/2018

كتاب السيرة النبوية۞ لعبد الملك ابن هشام ۞«المؤرخ» ​ - صفحة 2 Empty
مُساهمةموضوع: رد: كتاب السيرة النبوية۞ لعبد الملك ابن هشام ۞«المؤرخ» ​   كتاب السيرة النبوية۞ لعبد الملك ابن هشام ۞«المؤرخ» ​ - صفحة 2 Emptyالأحد مارس 04, 2018 6:17 am

كتاب السيرة النبوية۞ لعبد الملك ابن هشام ۞«المؤرخ» ​ - صفحة 2 SeeretIbenHisham

.[هِجْرَةُ قَوْمٍ شَتّى]:

قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَمُنْقِذُ بْنُ نُبَاتَةَ وَسَعِيدُ بْنُ رُقَيْشٍ وَمُحْرِزُ بْنُ نَضْلَةَ وَيَزِيدُ بْنُ رُقَيْشٍ، وَقَيْسُ بْنُ جَابِرٍ، وَعَمْرُو بْنُ مِحْصَنٍ وَمَالِكُ بْنُ عَمْرٍو، وَصَفْوَانُ بْنُ عَمْرٍو، وَثَقْفُ بْنُ عَمْرٍو، وَرَبِيعَةُ بْنُ أَكْثَمَ وَالزّبَيْرُ بْنُ عُبَيْدٍ، وَتَمّامُ بْنُ عُبَيْدَةَ وَسَخْبَرَةُ بْنُ عُبَيْدَةَ وَمُحَمّدُ بْنُ عَبْدِ اللّهِ بْنِ جَحْشٍ.
.[هِجْرَةُ نِسَائِهِمْ]:

وَمِنْ نِسَائِهِمْ زَيْنَبُ بِنْتُ جَحْشٍ، وَأُمّ حَبِيبٍ بِنْتُ جَحْشٍ وَجُذَامَةُ بِنْتُ جَنْدَلٍ وَأُمّ قَيْسٍ بِنْتُ مُحْصَنٍ وَأُمّ حَبِيبٍ بِنْتُ ثُمَامَةَ وَآمِنَةُ بِنْتُ رُقَيْشٍ وَسَخْبَرَةُ بِنْتُ تَمِيمٍ وحَمْنةُ بِنْتُ جَحْشٍ.
.[شِعْرُ أَبِي أَحْمَدَ بْنِ جَحْشٍ فِي هِجْرَةِ بَنِي أَسَدٍ]:

وَقَالَ أَبُو أَحْمَدَ بْنُ جَحْشِ بْنِ رِئَابٍ، وَهُوَ يَذْكُرُ هِجْرَةَ بَنِي أَسَدِ بْنِ خُزَيْمَة مِنْ قَوْمِهِ إلَى اللّهِ تَعَالَى وَإِلَى رَسُولِهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَإِيعَابُهُمْ فِي ذَلِكَ حَيْنَ دُعُوا إلَى الْهِجْرَةِ:
وَلَوْ حَلَفَتْ بَيْنَ الصّفَا أُمّ أَحُمَد ** وَمَرْوَتِهَا بِاَللّهِ بَرّتْ يَمِينُهَا

لَنَحْنُ الْأُلَى كُنّا بِهَا ثُمّ لَمْ نَزَلْ ** بِمَكّةَ حَتّى عَادَ غَثّا سَمِينُهَا

بِهَا خَيّمَتْ غَنْمُ بْنُ دُودَانَ وَابْتَنَتْ ** وَمَا إنْ غَدَتْ غَنْمُ وَخَفّ قَطِينُهَا

إلَى اللّهِ تَغْدُو بَيْنَ مَثْنَى وَوَاحِدٍ ** وَدِينُ رَسُولِ اللّهِ بِالْحَقّ دِينُهَا

وَقَالَ أَبُو أَحْمَدَ بْنُ جَحْشٍ أَيْضًا:
لَمّا رَأَتْنِي أُمّ أَحْمَدَ غَادِيًا ** بِذِمّةِ مَنْ أَخْشَى بِغَيْبٍ وَأَرْهَبُ

تَقُولُ فَإِمّا كُنْتَ لَا بُدّ فَاعِلًا ** فَيَمّمْ بِنَا الْبُلْدَانَ ولتَنْأَ يَثْرِبَ

فَقُلْت لَهَا: بَلْ يَثْرِبُ الْيَوْمَ وَجْهُنَا ** وَمَا يَشإِ الرّحْمَنُ فَالْعَبْدُ يَرْكَبُ

إلَى اللّهِ وَجْهِي وَالرّسُولِ وَمَنْ يُقِمْ ** إلَى اللّهِ يَوْمًا وَجْهَهُ لَا يُخَيّبُ

فَكَمْ قَدْ تَرَكْنَا مِنْ حَمِيمٍ مُنَاصِحٍ ** وَنَاصِحَةٍ تَبْكِي بِدَمْعٍ وَتَنْدُبُ

تَرَى أَنّ وِتْرًا نَأْيُنَا عَنْ بِلَادِنَا ** وَنَحْنُ نَرَى أَنّ الرّغَائِبَ نَطْلُبُ

دَعَوْت بَنِي غَنْمٍ لِحَقْنِ دِمَائِهِمْ ** وَلِلْحَقّ لَمّا لَاحَ لِلنّاسِ مَلْحَبُ

أَجَابُوا بِحَمْدِ اللّهِ لَمّا دَعَاهُمْ ** إلَى الْحَقّ دَاعٍ وَالنّجَاحُ فَأَوْعَبُوا

وَكُنّا وَأَصْحَابًا لَنَا فَارَقُوا الْهُدَى ** أَعَانُوا عَلَيْنَا بِالسّلَاحِ وأجْلَبوا

كَفَوْجَيْنِ أَمّا مِنْهُمَا فَمُوَفّقٌ ** عَلَى الْحَقّ مَهْدِيّ، وَفَوْجٌ مُعَذّبُ

طَغَوْا وَتَمَنّوْا كِذْبَةً وَأَزَلّهُمْ ** عَنْ الْحَقّ إبْلِيسُ فَخَابُوا وَخُيّبُوا

وَرِعْنَا إلَى قَوْلِ النّبِيّ مُحَمّدٍ ** فَطَابَ وُلَاةُ الْحَقّ مِنّا وطُيّبوا

نَمُتّ بِأَرْحَامٍ إلَيْهِمْ قَرِيبَةٍ ** وَلَا قُرْبَ بِالْأَرْحَامِ إذْ لَا نُقَرّبُ

فَأَيّ ابْنِ أُخْتٍ بَعْدَنَا يَأْمَنَنّكُمْ ** وَأَيّةُ صِهْرٍ بَعْدَ صِهْرِي تُرْقَبُ

سَتَعْلَمُ يَوْمًا أَيّنَا إذْ تُزَايِلُوا ** وَزُيّلَ أَمْرُ النّاسِ لِلْحَقّ أَصْوَبُ

قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: قوله: وَلْتَنْأَ يَثْرِبَ، وَقوله: إذْ لَا نَقْرَبُ، عَنْ غَيْرِ ابْنِ إسْحَاقَ. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: يُرِيدُ بِقوله: إذْ إذَا، كَقَوْلِ اللّهِ عَزّ وَجَلّ {إِذِ الظّالِمُونَ مَوْقُوفُونَ عِنْدَ رَبّهِمْ} قَالَ أَبُو النّجْمِ الْعِجْلِيّ:
ثُمّ جَزَاهُ اللّهُ عَنّا إذْ جَزَى ** جَنّاتِ عَدْنٍ فِي الْعَلَالِيّ وَالْعُلَا


.هِجْرَةُ عُمَرَ وَقِصّةُ عَيّاشٍ مَعَهُ:

قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: ثُمّ خَرَجَ عُمَرُ بْنُ الْخَطّابِ، وَعَيّاشُ بْنُ أَبِي رَبِيعَةَ الْمَخْزُومِيّ، حَتّى قَدِمَا الْمَدِينَةَ. فَحَدّثَنِي نَافِعٌ مَوْلَى عَبْدِ اللّهِ بْنِ عُمَرَ، عَنْ عَبْدِ اللّهِ بْنِ عُمَرَ، عَنْ أَبِيهِ عُمَرَ بْنِ الْخَطّابِ، قَالَ اتّعَدْتُ لَمّا أَرَدْنَا الْهِجْرَةَ إلَى الْمَدِينَةِ، أَنَا وَعَيّاشُ بْنُ أَبِي رَبِيعَةَ، وَهِشَامُ بْنُ الْعَاصِي بْنِ وَائِلٍ السّهْمِيّ التّناضِبَ مِنْ أَضَاةِ بَنِي غِفَارٍ، فَوْقَ سَرِفٍ، وَقُلْنَا: أَيّنَا لَمْ يُصْبِحْ عِنْدَهَا فَقَدْ حُبِسَ فَلْيَمْضِ صَاحِبَاهُ. قَالَ فَأَصْبَحْت أَنَا وَعَيّاشُ بْنُ أَبِي رَبِيعَةَ عِنْدَ التّنَاضُبِ، وَحُبِسَ عَنّا هِشَامٌ وَفُتِنَ فَافْتُتِنَ.
.تَغْرِيرُ أَبِي جَهْلٍ وَالْحَارِثِ بِعَيّاشٍ:

فَلَمّا قَدِمْنَا الْمَدِينَةَ نَزَلْنَا فِي بَنِي عَمْرِو بْنِ عَوْف ٍ بقُباءٍ وَخَرَجَ أَبُو جَهْلِ بْنِ هِشَامٍ وَالْحَارِثُ بْنُ هِشَامٍ إلَى عَيّاشِ بْنِ أَبِي رَبِيعَةَ، وَكَانَ ابْنَ عَمّهِمَا وَأَخَاهُمَا لِأُمّهِمَا، حَتّى قَدِمَا عَلَيْنَا الْمَدِينَةَ، وَرَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بِمَكّةَ فَكَلّمَاهُ وَقَالَا: إنّ أُمّك قَدْ نَذَرَتْ أَنْ لَا يَمَسّ رَأْسَهَا مُشْطٌ حَتّى تَرَاك، وَلَا تَسْتَظِلّ مِنْ شَمْسٍ حَتّى تَرَاك، فَرَقّ لَهَا، فَقُلْت لَهُ يَا عَيّاشُ إنّهُ وَاَللّهِ إنْ يُرِيدَك الْقَوْمُ إلّا لِيَفْتِنُوك عَنْ دِينِك فَاحْذَرْهُمْ فَوَاَللّهِ لَوْ قَدْ آذَى أُمّك الْقَمْلُ لَامْتَشَطَتْ وَلَوْ قَدْ اشْتَدّ عَلَيْهَا حَرّ مَكّةَ لَاسْتَظَلّتْ. قَالَ فَقَالَ أَبَرّ قَسَمَ أُمّي، وَلِي هُنَالِكَ مَالٌ فَآخُذُهُ. قَالَ فَقُلْت: وَاَللّهِ إنّك لَتَعْلَمُ أَنّي لَمِنْ أَكْثَرِ قُرَيْشٍ مَالًا، فَلَك نِصْفُ مَالِي وَلَا تَذْهَبْ مَعَهُمَا. قَالَ فَأَبَى عَلَيّ إلّا أَنْ يَخْرُجَ مَعَهُمَا؛ فَلَمّا أَبَى إلّا ذَلِكَ قَالَ قُلْت لَهُ أَمّا إذْ قَدْ فَعَلْتَ مَا فَعَلْت، فَخُذْ نَاقَتِي هَذِهِ فَإِنّهَا نَاقَةٌ نَجِيبَةٌ ذَلُولٌ فَالْزَمْ ظَهْرَهَا، فَإِنْ رَابَك مِنْ الْقَوْمِ رَيْبٌ فَانْجُ عَلَيْهَا. فَخَرَجَ عَلَيْهَا مَعَهُمَا، حَتّى إذَا كَانُوا بِبَعْضِ الطّرِيقِ قَالَ لَهُ أَبُو جَهْلٍ يَا ابْنَ أَخِي، وَاَللّهِ لَقَدْ اسْتَغْلَظْتُ بَعِيرِي هَذَا، أَفَلَا تُعْقِبَنِي عَلَى نَاقَتِك هَذِهِ؟ قَالَ بَلَى. قَالَ فَأَنَاخَ وَأَنَاخَا لِيَتَحَوّلَ عَلَيْهَا، فَلَمّا اسْتَوَوْا بِالْأَرْضِ عَدَوْا عَلَيْهِ فَأَوْثَقَاهُ وَرَبَطَاهُ ثُمّ دَخَلَا بِهِ مَكّةَ، وَفَتَنَاهُ فَافْتُتِنَ. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فَحَدّثَنِي بِهِ بَعْضُ آلِ عَيّاشِ بْنِ أَبِي رَبِيعَةَ: أَنّهُمَا حَيْنَ دَخَلَا بِهِ مَكّةَ دَخَلَا بِهِ نَهَارًا مُوثَقًا، ثُمّ قَالَا: يَا أَهْلَ مَكّةَ، هَكَذَا فَافْعَلُوا بِسُفَهَائِكُمْ كَمَا فَعَلْنَا بِسَفِيهِنَا هَذَا.
.[كِتَابُ عُمَرَ إلَى هِشَامِ بْنِ الْعَاصِي]:

قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَحَدّثَنِي نَافِعٌ عَنْ عَبْدِ اللّهِ بْنِ عُمَرَ، عَنْ عُمَرَ فِي حَدِيثِهِ قَالَ فَكُنّا نَقُولُ مَا اللّهُ بِقَابِلٍ مِمّنْ اُفْتُتِنَ صَرْفًا وَلَا عَدْلًا وَلَا تَوْبَةً قَوْمٌ عَرَفُوا اللّهَ ثُمّ رَجَعُوا إلَى الْكُفْرِ لِبَلَاءٍ أَصَابَهُمْ قَالَ وَكَانُوا يَقُولُونَ ذَلِكَ لِأَنْفُسِهِمْ. فَلَمّا قَدِمَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ الْمَدِينَةَ، أَنْزَلَ اللّهُ تَعَالَى فِيهِمْ وَفِي قَوْلِنَا وَقَوْلِهِمْ لِأَنْفُسِهِمْ {قُلْ يَا عِبَادِيَ الّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللّهِ إِنّ اللّهَ يَغْفِرُ الذّنُوبَ جَمِيعًا إِنّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرّحِيمُ وَأَنِيبُوا إِلَى رَبّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ ثُمّ لَا تُنْصَرُونَ وَاتّبِعُوا أَحْسَنَ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبّكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ بَغْتَةً وَأَنْتُمْ لَا تَشْعُرُونَ} قَالَ عُمَرُ  بْنُ الْخَطّابِ: فَكَتَبْتهَا بِيَدِي فِي صَحِيفَةٍ وَبَعَثْت بِهَا إلَى هِشَامِ بْنِ الْعَاصِي قَالَ فَقَالَ هِشَامُ بْنُ الْعَاصِي: فَلَمّا أَتَتْنِي جَعَلْت أَقْرَؤُهَا بِذِي طُوًى، أُصَعّدُ بِهَا فِيهِ وَأُصَوّبُ وَلَا أَفْهَمُهَا، حَتّى قُلْت: اللّهُمّ فَهّمْنِيهَا. قَالَ فَأَلْقَى اللّهُ تَعَالَى فِي قَلْبِي أَنّهَا إنّمَا أُنْزِلَتْ فِينَا، وَفِيمَا كُنّا نَقُولُ فِي أَنْفُسِنَا وَيُقَالُ فِينَا. قَالَ فَرَجَعْت إلَى بَعِيرِي، فَجَلَسْت عَلَيْهِ فَلَحِقْتُ بِرَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَهُوَ بِالْمَدِينَةِ.
.[خُرُوجُ الْوَلِيدِ بْنِ الْوَلِيدِ إلَى مَكّةَ فِي أَمْرِ عَيّاشٍ وَهِشَامٍ]:

قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: فَحَدّثَنِي مَنْ أَثِقُ بِهِ أَنّ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ قَالَ وَهُوَ بِالْمَدِينَةِ مَنْ لِي بِعَيّاشِ بْنِ أَبِي رَبِيعَةَ، وَهِشَامِ بْنِ الْعَاصِي؟ فَقَالَ الْوَلِيدُ بْنُ الْوَلِيدِ بْنِ الْمُغِيرَةِ: أَنَا لَك يَا رَسُولَ اللّهِ بِهِمَا، فَخَرَجَ إلَى مَكّةَ، فَقَدِمَهَا مُسْتَخْفِيًا، فَلَقِيَ امْرَأَةً تَحْمِلُ طَعَامًا، فَقَالَ لَهَا: أَيْنَ تُرِيدِينَ يَا أَمَةَ اللّهِ؟ قَالَتْ أُرِيدُ هَذَيْنِ الْمَحْبُوسَيْنِ- تَعْنِيهِمَا- فَتَبِعَهَا حَتّى عَرَفَ مَوْضِعَهُمَا، وَكَانَا مَحْبُوسَيْنِ فِي بَيْتٍ لَا سَقْفَ لَهُ فَلَمّا أَمْسَى تَسَوّرَ عَلَيْهِمَا، ثُمّ أَخَذَ مَرْوَةَ فَوَضَعَهَا تَحْتَ قَيْدَيْهِمَا، ثُمّ ضَرَبَهُمَا بِسَيْفِهِ فَقَطَعَهُمَا، فَكَانَ يُقَالُ لِسَيْفِهِ ذُو الْمَرْوَةِ لِذَلِكَ ثُمّ حَمَلَهُمَا عَلَى بَعِيرِهِ وَسَاقَ بِهِمَا، فَعَثَرَ فَدَمِيَتْ أُصْبُعُهُ فَقَالَ:
هَلْ أَنْتِ إلّا أُصْبُعٌ دَمَيْتِ ** وَفِي سَبِيلِ اللّهِ مَا لَقَيْتِ

ثُمّ قَدِمَ بِهِمَا عَلَى رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّم الْمَدِينَة.
.مَنَازِلُ الْمُهَاجِرِينَ بِالْمَدِينَةِ.

.[مَنْزِلُ عُمَرَ وَأَخِيهِ وَابْنَا سُرَاقَةَ وَبَنُو الْبَكِيرِ وَغَيْرِهِمْ]:

قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَنَزَلَ عُمَرُ بْنُ الْخَطّابِ حَيْنَ قَدِمَ الْمَدِينَةَ وَمَنْ لَحِقَ بِهِ مِنْ أَهْلِهِ وَقَوْمِهِ وَأَخُوهُ زَيْدُ بْنُ الْخَطّابِ، وَعَمْرٌو وَعَبْدُ اللّهِ ابْنَا سُرَاقَةَ بْنِ الْمُعْتَمِرِ وَخُنَيْسُ بْنُ حُذَافَةَ السّهْمِيّ- وَكَانَ صِهْرَهُ عَلَى ابْنَتِهِ حَفْصَةَ بِنْتِ عُمَر، فَخَلَفَ عَلَيْهَا رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بَعْدَهُ- وَسَعِيدُ بْنُ زَيْدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ نُفَيْلٍ؛ وَوَاقِدُ بْنُ عَبْدِ اللّهِ التّمِيمِيّ، حَلِيفٌ لَهُمْ وَخَوْلِيّ بْنُ أَبِي خَوْلِيّ وَمَالِكُ بْنُ أَبِي خَوْلِيّ حَلِيفَانِ لَهُمْ. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: أَبُو خَوْلِيّ مِنْ بَنِي عِجْلِ بْنِ لُجَيْمِ بْنِ صَعْبِ بْنِ عَلِيّ بْنِ بَكْرِ بْنِ وَائِلٍ. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَبَنُو الْبُكَيْرِ أَرْبَعَتُهُمْ إيَاسُ بْنُ الْبُكَيْرِ، وَعَاقِلُ بْنُ الْبُكَيْرِ، وَعَامِرُ بْنُ الْبُكَيْرِ، وَخَالِدُ بْنُ الْبُكَيْرِ، وَحُلَفَاؤُهُمْ مِنْ بَنِي سَعْدِ بْنِ لَيْثٍ، عَلَى رِفَاعَةَ بْنِ عَبْدِ الْمُنْذِرِ بْنِ زَنْبَرٍ، فِي بَنِي عَمْرِو بْنِ عَوْف ٍ بقُباءٍ وَقَدْ كَانَ مَنْزِلُ عَيّاشِ بْنِ أَبِي رَبِيعَةَ مَعَهُ عَلَيْهِ حَيْنَ قَدِمَا الْمَدِينَةَ.
.[مَنْزِلُ طَلْحَةَ وَصُهَيْبٍ]:

ثُمّ تَتَابَعَ الْمُهَاجِرُونَ، فَنَزَلَ طَلْحَةُ بْنُ عُبَيْدِ اللّهِ بْنِ عُثْمَانَ، وَصُهَيْبُ بْنُ سِنَانٍ عَلَى خُبَيْبِ بْنِ إِسَافٍ، أَخِي بَلْحَارِثِ بْنِ الْخَزْرَجِ بِالسّنْحِ. وَيُقَالُ بَلْ نَزَلَ طَلْحَةُ بْنُ عُبَيْدِ اللّهِ عَلَى أَسْعَدِ بْنِ زُرَارَةَ أَخِي بَنِي النّجّار ِ. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَذُكِرَ لِي عَنْ أَبِي عُثْمَانَ النّهْدِيّ أَنّهُ قَالَ بَلَغَنِي أَنّ صُهَيْبًا حَيْنَ أَرَادَ الْهِجْرَةَ قَالَ لَهُ كُفّارُ قُرَيْشٍ: أَتَيْتنَا صُعْلُوكًا حَقِيرًا، فَكَثُرَ مَالُك عِنْدَنَا، وَبَلَغْت الّذِي بَلَغْت، ثُمّ تُرِيدُ أَنْ تَخْرُجَ بِمَالِك وَنَفْسِك، وَاَللّهِ لَا يَكُونُ ذَلِكَ فَقَالَ لَهُمْ صُهَيْبٌ أَرَأَيْتُمْ إنْ جَعَلْت لَكُمْ مَالِي أَتُخْلُونَ سَبِيلِي؟ قَالُوا: نَعَمْ. قَالَ فَإِنّي جَعَلْت لَكُمْ مَالِي. قَالَ فَبَلَغَ ذَلِكَ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَقَالَ رَبِحَ صُهَيْبٌ رَبِحَ صُهَيْبٌ.
.[مَنْزِلُ حَمْزَةَ وَزَيْدٍ وَأَبِي مَرْثَدٍ وَابْنِهِ وَأَنَسَةَ وَأَبِي كَبْشَةَ]:

قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَنَزَلَ حَمْزَةُ بْنُ عَبْدِ الْمُطّلَبِ، وَزَيْدُ بْنُ حَارِثَةَ، وَأَبُو مَرْثَدٍ كَنّازُ بْنُ حِصْنٍ.- قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَيُقَالُ ابْنُ حُصَيْنٍ- وَابْنُهُ مَرْثَدٌ الْغَنَوِيّانِ حَلِيفَا حَمْزَةَ بْنِ عَبْدِ الْمُطّلِبِ، وَأَنَسَةُ وَأَبُو كَبْشَةَ، مَوْلِيّا رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ عَلَى كُلْثُومِ بْنِ هِدْمٍ أَخِي بَنِي عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ بقُباءٍ وَيُقَال: بَلْ نَزَلُوا عَلَى سَعْدِ بْنِ خَيْثمةَ؛ وَيُقَالُ بَلْ نَزَلَ حَمْزَةُ بْنُ عَبْدِ الْمُطّلِبِ عَلَى أَسْعَدِ بْنِ زُرَارَةَ أَخِي بَنِي النّجّارِ. كُلّ ذَلِكَ يُقَالُ.
.[مَنْزِلُ عُبَيْدَةَ وَأَخِيهِ الطّفِيلِ وَغَيْرِهِمَا]:

وَنَزَلَ عُبَيْدَةُ بْنُ الْحَارِثِ بْنِ الْمُطّلِب وَأَخُوهُ الطّفَيْلُ بْنُ الْحَارِثِ، وَالْحُصَيْنُ بْنُ الْحَارِثِ وَمِسْطَحُ بْنُ أُثَاثَةَ بْنِ عَبّادِ بْنِ الْمُطّلِبِ وَسُوَيْبِطُ بْنُ سَعْدِ بْنِ حُرَيْمِلَةَ أَخُو بَنِي عَبْدِ الدّارِ وَطُلَيْبُ بْنُ عُمَيْرٍ أَخُو بَنِي عَبْدِ بْنِ قُصَيّ، وَخَبّابٌ مَوْلَى عُتْبَةَ بْنِ غَزْوَانَ، عَلَى عَبْدِ اللّهِ بْنِ سَلَمَةَ، أَخِي بَلْعِجْلَانَ بقُباءٍ.
.[مَنْزِلُ عَبْدِ الرّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ]:

وَنَزَلَ عَبْدُ الرّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ فِي رِجَالٍ مِنْ الْمُهَاجِرِينَ عَلَى سَعْدِ بْنِ الرّبِيعِ أَخِي بَلْحَارِثِ بْنِ الْخَزْرَجِ، فِي دَارِ بَلْحَارِثِ بْنِ الْخَزْرَجِ.
.[مَنْزِلُ الزّبَيْرِ وَأَبُو سَبْرَةَ]:

وَنَزَلَ الزّبَيْرُ بْنُ الْعَوّامِ، وَأَبُو سَبْرَةَ بْنُ أَبِي رُهْمِ بْنِ عَبْدِ الْعُزّى، عَلَى مُنْذِرِ بْنِ مُحَمّدِ بْنِ عُقْبَةَ بْنِ أُحَيْحَةَ بْنِ الْجُلَاحِ بِالْعُصْبَةِ دَارِ بَنِي جَحْجَبَى.
.[مَنْزِلُ مُصْعَبٍ]:

وَنَزَلَ مُصْعَبُ بْنُ عُمَيْرِ بْنِ هَاشِمٍ، أَخُو بَنِي عَبْدِ الدّارِ عَلَى سَعْدِ بْنِ مُعَاذِ بْنِ النّعْمَانِ أَخِي بَنِي عَبْدِ الْأَشْهَلِ، فِي دَارِ بَنِي عَبْدِ الْأَشْهَلِ.
.[مَنْزِلُ أَبِي حُذَيْفَةَ وعُتْبَةَ]:

وَنَزَلَ أَبُو حُذَيْفَةَ بْنُ عُتْبَةَ بْنِ رَبِيعَةَ، وَسَالِمٌ مَوْلَى أَبِي حُذَيْفَةَ- قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: سَالِمٌ مَوْلَى أَبِي حُذَيْفَةَ سَائِبَةٌ لِثُبَيْتَةَ بِنْتِ يَعَارِ بْنِ زَيْدِ بْنِ عُبَيْدِ بْنِ زَيْدِ بْنِ مَالِكِ بْنِ عَوْفِ بْنِ عَمْرِو بْنِ عَوْفِ بْنِ مَالِكِ بْنِ الْأَوْسِ، سَيّبْته فَانْقَطَعَ إلَى أَبِي حُذَيْفَةَ بْنِ عُتْبَةَ بْنِ رَبِيعَةَ فَتَبَنّاهُ فَقِيلَ سَالِمٌ مَوْلَى أَبِي حُذَيْفَةَ وَيُقَالُ كَانَتْ ثُبَيْتَةُ بِنْتُ يَعَارَ تَحْتَ أَبِي حُذَيْفَةَ بْنِ عُتْبَةَ فَأَعْتَقَتْ سَالِمًا سَائِبَةً. فَقِيلَ سَالِمٌ مَوْلَى أَبِي حُذَيْفَةَ- قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَنَزَلَ عُتْبَةُ بْنُ غَزْوَانَ بْنِ جَابِرٍ عَلَى عَبّادِ بْنِ بِشْرِ بْنِ وَقْشٍ أَخِي بَنِي عَبْدِ الْأَشْهَلِ فِي دَارِ عَبْدِ الْأَشْهَلِ.
.[مَنْزِلُ عُثْمَانَ]:

وَنَزَلَ عُثْمَانُ بْنُ عَفّانَ عَلَى أَوْسِ بْنِ ثَابِتِ بْنِ الْمُنْذِرِ أَخِي حَسّانِ بْنِ ثَابِتٍ فِي دَارِ بَنِي النّجّارِ، فَلِذَلِكَ كَانَ حَسّانٌ يُحِبّ عُثْمَانَ وَيَبْكِيهِ حَيْنَ قُتِلَ. وَكَانَ يُقَالُ نَزَلَ الْأَعْزَابُ مِنْ الْمُهَاجِرِينَ عَلَى سَعْدِ بْنِ خَيْثمةَ، وَذَلِكَ أَنّهُ كَانَ عَزَبًا، فَاَللّهُ أَعْلَمُ أَيّ ذَلِكَ كَانَ.
.هِجْرَةُ الرّسُولِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ:

.[تَأَخّرُ عَلِيّ وَأَبِي بَكْرٍ فِي الْهِجْرَةِ]:

وَأَقَامَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بِمَكّةَ بَعْدَ أَصْحَابِهِ مِنْ الْمُهَاجِرِينَ يَنْتَظِرُ أَنْ يُؤْذَنَ لَهُ فِي الْهِجْرَةِ وَلَمْ يَتَخَلّفْ مَعَهُ بِمَكّةَ أَحَدٌ مِنْ الْمُهَاجِرِينَ إلّا مَنْ حُبِسَ أَوْ فُتِنَ إلّا عَلِيّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ، وَأَبُو بَكْرِ بْنِ أَبِي قُحَافَةَ الصّدّيق رَضِيَ اللّهُ عَنْهُمَا، وَكَانَ أَبُو بَكْرٍ كَثِيرًا مَا يَسْتَأْذِنُ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فِي الْهِجْرَةِ فَيَقُولُ لَهُ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ لَا تَعْجَلْ لَعَلّ اللّهَ يَجْعَلُ لَك صَاحِبًا فَيَطْمَعُ أَبُو بَكْرٍ أَنْ يَكُونَهُ.
.[اجْتِمَاعُ الْمَلَأِ مِنْ قُرَيْشٍ وَتَشَاوُرُهُمْ فِي أَمْرِ الرّسُولِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ]:

قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَلَمّا رَأَتْ قُرَيْشٌ أَنّ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ قَدْ صَارَتْ لَهُ شِيعَةٌ وَأَصْحَابٌ مِنْ غَيْرِهِمْ بِغَيْرِ بَلَدِهِمْ وَرَأَوْا خُرُوجَ أَصْحَابِهِ مِنْ الْمُهَاجِرِينَ إلَيْهِمْ عَرَفُوا أَنّهُمْ قَدْ نَزَلُوا دَارًا، وَأَصَابُوا مِنْهُمْ مَنَعَةً فَحَذِرُوا خُرُوجَ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ إلَيْهِمْ وَعَرَفُوا أَنّهُمْ قَدْ أَجَمَعَ لِحَرْبِهِمْ. فَاجْتَمَعُوا لَهُ فِي دَارِ النّدْوَةِ- وَهِيَ دَارُ قُصَيّ بْنِ كِلَابٍ الّتِي كَانَتْ قُرَيْشٌ لَا تَقْضِي أَمْرًا إلّا فِيهَا- يَتَشَاوَرُونَ فِيهَا مَا يَصْنَعُونَ فِي أَمْرِ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ حَيْنَ خَافُوهُ. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فَحَدّثَنِي مَنْ لَا أَتّهِمُ مِنْ أَصْحَابِنَا، عَنْ عَبْدِ اللّهِ بْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدِ بْنِ جُبَيْرٍ أَبِي الْحَجّاجِ وَغَيْرِهِ مِمّنْ لَا أَتّهِمُ عَنْ عَبْدِ اللّهِ بْنِ عَبّاسٍ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُمَا قَالَ لَمّا أَجَمَعُوا لِذَلِكَ وَاتّعَدُوا أَنْ يَدْخُلُوا فِي دَارِ النّدْوَةِ لِيَتَشَاوَرُوا فِيهَا فِي أَمْرِ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ غَدَوْا فِي الْيَوْمِ الّذِي اتّعَدُوا لَهُ وَكَانَ ذَلِكَ الْيَوْمُ يُسَمّى يَوْمَ الزّحْمَةِ فَاعْتَرَضَهُمْ إبْلِيسُ فِي هَيْئَةِ شَيْخٍ جَلِيلٍ، بَتْلَةٌ فَوَقَفَ عَلَى بَابِ الدّارِ فَلَمّا رَأَوْهُ وَاقِفًا عَلَى بَابِهَا، قَالُوا: مَنْ الشّيْخُ؟ قَالَ شَيْخٌ مِنْ أَهْلِ نَجْدٍ سَمِعَ بِاَلّذِي اتّعَدْتُمْ لَهُ فَحَضَرَ مَعَكُمْ لِيَسْمَعَ مَا تَقُولُونَ وَعَسَى أَنْ لَا يُعْدِمَكُمْ مِنْهُ رَأْيًا وَنُصْحًا، قَالُوا: أَجَلْ فَادْخُلْ فَدَخَلَ مَعَهُمْ وَقَدْ اجْتَمَعَ فِيهَا أَشْرَافُ قُرَيْشٍ، مِنْ بَنِي عَبْدِ شَمْسٍ: عُتْبَةُ بْنُ رَبِيعَةَ، وَشَيْبَةُ بْنُ رَبِيعَةَ، وَأَبُو سُفْيَانَ بْنُ حَرْب ٍ. وَمِنْ بَنِي نَوْفَلِ بْنِ عَبْدِ مَنَاف: طُعَيْمَةُ بْنُ عَدِيّ، وَجُبَيْرُ بْنُ مُطْعَمٍ، وَالْحَارِثُ بْنُ عَامِرِ بْنِ نَوْفَلٍ. وَمِنْ بَنِي عَبْدِ الدّارِ بْنِ قُصَيّ: النّضْرُ بْنُ الْحَارِثِ بْنِ كِلْدَةَ. وَمِنْ بَنِي أَسَدِ بْنِ عَبْدِ الْعُزّى: أَبُو الْبَخْتَرِيّ بْنُ هِشَامٍ وَزَمْعَةُ بْنُ الْأَسْوَدِ بْنِ الْمُطّلِبِ وَحَكِيمُ بْنُ حِزَامٍ. وَمِنْ بَنِي مَخْزُومٍ: أَبُو جَهْلِ بْنِ هِشَام. وَمِنْ بَنِي سَهْمٍ: نُبَيْهٌ وَمُنَبّهٌ ابْنَا الْحَجّاجِ، وَمِنْ بَنِي جُمَحٍ: أُمَيّةُ بْنُ خَلَفٍ، وَمَنْ كَانَ مَعَهُمْ وَغَيْرُهُمْ مِمّنْ لَا يُعَدّ مِنْ قُرَيْشٍ. فَقَالَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ إنّ هَذَا الرّجُلَ قَدْ كَانَ مِنْ أَمْرِهِ مَا قَدْ رَأَيْتُمْ فَإِنّا وَاَللّهِ مَا نَأْمَنُهُ عَلَى الْوُثُوبِ عَلَيْنَا فِيمَنْ قَدْ اتّبَعَهُ مِنْ غَيْرِنَا، فَأَجْمِعُوا فِيهِ رَأْيًا. قَالَ فَتَشَاوَرُوا. ثُمّ قَالَ قَائِلٌ مِنْهُمْ احْبِسُوهُ فِي الْحَدِيدِ وَأَغْلِقُوا عَلَيْهِ بَابًا، ثُمّ تَرَبّصُوا بِهِ مَا أَصَابَ أَشْبَاهَهُ مِنْ الشّعَرَاءِ الّذِينَ كَانُوا قَبْلَهُ زُهَيْرًا وَالنّابِغَةَ وَمَنْ مَضَى مِنْهُمْ مِنْ هَذَا الْمَوْتِ حَتّى يُصِيبَهُ مَا أَصَابَهُمْ فَقَالَ الشّيْخُ النّجْدِيّ: لَا وَاَللّهِ مَا هَذَا لَكُمْ بِرَأْيٍ. وَاَللّهِ لَئِنْ حَبَسْتُمُوهُ كَمَا تَقُولُونَ لَيَخْرُجَنّ أَمْرُهُ مِنْ وَرَاءِ الْبَابِ الّذِي أَغْلَقْتُمْ يُكَاثِرُوكُمْ بِهِ حَتّى يَغْلِبُوكُمْ عَلَى أَمْرِكُمْ مَا هَذَا لَكُمْ بِرَأْيٍ فَانْظُرُوا فِي غَيْرِهِ فَتَشَاوَرُوا. ثُمّ قَالَ قَائِلٌ مِنْهُمْ نُخْرِجُهُ مِنْ بَيْنِ أَظْهُرِنَا، فَنَنْفِيهِ مِنْ بِلَادِنَا، فَإِذَا أُخْرِجَ عَنّا فَوَاَللّهِ مَا نُبَالِي أَيْنَ ذَهَبَ وَلَا حَيْثُ وَقَعَ إذَا غَابَ عَنّا وَفَرَغْنَا مِنْهُ فَأَصْلَحْنَا أَمْرَنَا وَأَلْفَتْنَا كَمَا كَانَتْ. فَقَالَ الشّيْخُ النّجْدِيّ: لَا وَاَللّهِ مَا هَذَا لَكُمْ بِرَأْيٍ أَلَمْ تَرَوْا حُسْنَ حَدِيثِهِ وَحَلَاوَةَ مَنْطِقِهِ وَغَلَبَتِهِ عَلَى قُلُوبِ الرّجَالِ بِمَا يَأْتِي بِهِ وَاَللّهِ لَوْ فَعَلْتُمْ ذَلِكَ مَا أَمِنْتُمْ أَنْ يَحِلّ عَلَى حَيّ مِنْ الْعَرَبِ، فَيَغْلِبَ عَلَيْهِمْ بِذَلِكَ مِنْ قَوْلِهِ وَحَدِيثِهِ حَتّى يُتَابِعُوهُ عَلَيْهِ ثُمّ يَسِيرُ بِهِمْ إلَيْكُمْ حَتّى يَطَأَكُمْ بِهِمْ فِي بِلَادِكُمْ فَيَأْخُذَ أَمْرَكُمْ مِنْ أَيْدِيكُمْ ثُمّ يَفْعَلَ بِكَمْ مَا أَرَادَ دَبّرُوا فِيهِ رَأْيًا غَيْرَ هَذَا. قَالَ فَقَالَ أَبُو جَهْلِ بْنُ هِشَامٍ وَاَللّهِ إنّ لِي فِيهِ لَرَأْيًا مَا أَرَاكُمْ وَقَعْتُمْ عَلَيْهِ بَعْدُ قَالُوا: وَمَا هُوَ يَا أَبَا الْحَكَمِ؟ قَالَ أَرَى أَنْ نَأْخُذَ مِنْ كُلّ قَبِيلَةٍ فَتًى شَابّا جَلِيدًا نَسِيبًا وَسِيطًا فِينَا، ثُمّ نُعْطِي كُلّ فَتًى مِنْهُمْ سَيْفًا صَارِمًا، ثُمّ يَعْمِدُوا إلَيْهِ فَيَضْرِبُوهُ بِهَا ضَرْبَةَ رَجُلٍ وَاحِدٍ فَيَقْتُلُوهُ فَنَسْتَرِيحَ مِنْهُ. فَإِنّهُمْ إذَا فَعَلُوا ذَلِكَ تَفَرّقَ دَمُهُ فِي الْقَبَائِلِ جَمِيعًا، فَلَمْ يَقْدِرْ بَنُو عَبْدِ مَنَافٍ عَلَى حَرْبِ قَوْمِهِمْ جَمِيعًا، فَرَضُوا مِنّا بِالْعَقْلِ فَعَقَلْنَاهُ لَهُمْ. قَالَ فَقَالَ الشّيْخُ النّجْدِيّ: الْقَوْلُ مَا قَالَ الرّجُلُ هَذَا الرّأْيُ الّذِي لَا رَأْيَ غَيْرُهُ فَتَفَرّقَ الْقَوْمُ عَلَى ذَلِكَ وَهُمْ مُجْمِعُونَ لَهُ.
.[خُرُوجُ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَاسْتِخْلَافُهُ عَلِيّا عَلَى فِرَاشِهِ]:

فَأَتَى جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السّلَامُ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَقَالَ لَا تَبِتْ هَذِهِ اللّيْلَةَ عَلَى فِرَاشِك الّذِي كُنْت تَبِيتُ عَلَيْهِ. قَالَ فَلَمّا كَانَتْ عَتَمَةٌ مِنْ اللّيْلِ اجْتَمَعُوا عَلَى بَابِهِ يَرْصُدُونَهُ مَتَى يَنَامُ فَيَثِبُونَ عَلَيْهِ فَلَمّا رَأَى رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ مَكَانَهُمْ قَالَ لِعَلِيّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ نَمْ عَلَى فِرَاشِي وَتَسَجّ بِبُرْدِي هَذَا الْأَخْضَرِ، فَنَمْ فِيهِ فَإِنّهُ لَنْ يَخْلُصَ إلَيْك شَيْءٌ تَكْرَهُهُ مِنْهُمْ وَكَانَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ يَنَامُ فِي بُرْدِهِ ذَلِكَ إذَا نَامَ. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فَحَدّثَنِي يَزِيدُ بْنُ زِيَادٍ، عَنْ مُحَمّدِ بْنِ كَعْبٍ الْقُرَظِيّ قَالَ لَمّا اجْتَمَعُوا لَهُ وَفِيهِمْ أَبُو جَهْلِ بْنُ هِشَامٍ فَقَالَ وَهُمْ عَلَى بَابِهِ إنّ مُحَمّدًا يَزْعُمُ أَنّكُمْ إنْ تَابَعْتُمُوهُ عَلَى أَمْرِهِ كُنْتُمْ مُلُوكَ الْعَرَبِ وَالْعَجَمِ، ثُمّ بُعِثْتُمْ مِنْ بَعْدِ مَوْتِكُمْ فَجُعِلَتْ لَكُمْ جِنَانٌ كَجِنَانِ الْأُرْدُنّ، وَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا كَانَ لَهُ فِيكُمْ ذَبْحٌ ثُمّ بُعِثْتُمْ مِنْ بَعْدِ مَوْتِكُمْ ثُمّ جُعِلَتْ لَكُمْ نَارٌ تُحْرَقُونَ فِيهَا. قَالَ وَخَرَجَ عَلَيْهِمْ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَأَخَذَ حَفْنَةً مِنْ تُرَابٍ فِي يَدِهِ ثُمّ قَالَ أَنَا أَقُولُ ذَلِكَ أَنْتَ أَحَدُهُمْ. وَأَخَذَ اللّهُ تَعَالَى عَلَى أَبْصَارِهِمْ عَنْهُ فَلَا يَرَوْنَهُ فَجَعَلَ يَنْثُرُ ذَلِكَ التّرَابَ عَلَى رُءُوسِهِمْ وَهُوَ يَتْلُو هَؤُلَاءِ الْآيَاتِ مِنْ يس: {يس وَالْقُرْآنِ الْحَكِيمِ إِنّكَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ تَنْزِيلَ الْعَزِيزِ الرّحِيمِ} إلَى قَوْلِهِ {فَأَغْشَيْنَاهُمْ فَهُمْ لَا يُبْصِرُونَ} حَتّى فَرَغَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ مِنْ هَؤُلَاءِ الْآيَاتِ وَلَمْ يَبْقَ مِنْهُمْ  رَجُلٌ إلّا وَقَدْ وَضَعَ عَلَى رَأْسِهِ تُرَابًا، ثُمّ انْصَرَفَ إلَى حَيْثُ أَرَادَ أَنْ يَذْهَبَ فَأَتَاهُمْ آتٍ مِمّنْ لَمْ يَكُنْ مَعَهُمْ فَقَالَ مَا تَنْتَظِرُونَ هَاهُنَا؟ قَالُوا: مُحَمّدًا؛ قَالَ خَيّبَكُمْ اللّهُ قَدْ وَاَللّهِ خَرَجَ عَلَيْكُمْ مُحَمّدٌ ثُمّ مَا تَرَكَ مِنْكُمْ رَجُلًا إلّا وَقَدْ وَضَعَ عَلَى رَأْسِهِ تُرَابًا، وَانْطَلَقَ لِحَاجَتِهِ أَفَمَا تَرَوْنَ مَا بِكُمْ؟ قَالَ فَوَضَعَ كُلّ رَجُلٍ مِنْهُمْ يَدَهُ عَلَى رَأْسِهِ فَإِذَا عَلَيْهِ تُرَابٌ ثُمّ جَعَلُوا يَتَطَلّعُونَ فَيَرَوْنَ عَلِيّا عَلَى الْفِرَاشِ مُتَسَجّيًا بِبُرْدِ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَيَقُولُونَ وَاَللّهِ إنّ هَذَا لَمُحَمّدٌ نَائِمًا، عَلَيْهِ بُرْدُهُ. فَلَمْ يَبْرَحُوا كَذَلِكَ حَتّى أَصْبَحُوا فَقَامَ عَلِيّ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُ عَنْ الْفِرَاشِ فَقَالُوا: وَاَللّهِ لَقَدْ كَانَ صَدَقَنَا الّذِي حَدّثَنَا.
.[مَا نَزَلَ مِنْ الْقُرْآنِ فِي تَرَبّصِ الْمُشْرِكِينَ بِالنّبِيّ]:

قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَكَانَ مِمّا أَنْزَلَ اللّهُ عَزّ وَجَلّ مِنْ الْقُرْآنِ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ وَمَا كَانُوا أَجْمَعُوا لَهُ {وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الّذِينَ كَفَرُوا لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللّهُ وَاللّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ} وَقَوْلِ اللّهِ عَزّ وَجَلّ {أَمْ يَقُولُونَ شَاعِرٌ نَتَرَبّصُ بِهِ رَيْبَ الْمَنُونِ قُلْ تَرَبّصُوا فَإِنّي مَعَكُمْ مِنَ الْمُتَرَبّصِينَ} قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: الْمَنُونُ الْمَوْتُ. وَرَيْبُ الْمَنُونِ مَا يَرِيبُ وَيَعْرِصُ  مِنْهَا. قَالَ أَبُو ذُؤَيْبٍ الهُذَليّ: أَمِنْ الْمَنُونِ وَرَيْبِهَا تَتَوَجّعُ وَالدّهْرُ لَيْسَ بِمُعْتِبٍ مَنْ يَجْزَعُ وَهَذَا الْبَيْتُ فِي قَصِيدَةٍ لَهُ. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَأَذِنَ اللّهُ تَعَالَى لِنَبِيّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ عِنْدَ ذَلِكَ فِي الْهِجْرَةِ.
.[طَمَعُ أَبِي بَكْرٍ فِي أَنْ يَكُونَ صَاحِبَ النّبِيّ فِي الْهِجْرَةِ وَمَا أَعَدّ لِذَلِكَ]:

قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَكَانَ أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُ رَجُلًا ذَا مَالٍ فَكَانَ حَيْنَ اسْتَأْذَنَ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فِي الْهِجْرَةِ فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ لَا تَعْجَلْ لَعَلّ اللّهَ يَجِدُ لَك صَاحِبًا، قَدْ طَمِعَ بِأَنْ يَكُونَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ إنّمَا يَعْنِي نَفْسَهُ حَيْنَ قَالَ لَهُ ذَلِكَ فَابْتَاعَ رَاحِلَتَيْنِ فَاحْتَبَسَهُمَا فِي دَارِهِ يَعْلِفُهُمَا إعْدَادًا لِذَلِكَ.
.[حَدِيثُ هِجْرَتِهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ إلَى الْمَدِينَةِ]:

قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فَحَدّثَنِي مَنْ لَا أَتّهِمُ عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزّبَيْرِ، عَنْ عَائِشَةَ أُمّ الْمُؤْمِنِينَ أَنّهَا قَالَتْ كَانَ لَا يُخْطِئُ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ أَنْ يَأْتِيَ بَيْتَ أَبِي بَكْرٍ أَحَدَ طَرَفَيْ النّهَارِ إمّا بُكْرَةً وَإِمّا عَشِيّةً حَتّى إذَا كَانَ الْيَوْمُ الّذِي أُذِنَ فِيهِ لِرَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فِي الْهِجْرَةِ وَالْخُرُوجِ مِنْ مَكّةَ مِنْ بَيْنِ ظَهْرَيْ قَوْمِهِ أَتَانَا رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بِالْهَاجِرَةِ فِي سَاعَةٍ كَانَ لَا يَأْتِي فِيهَا. قَالَتْ فَلَمّا رَآهُ أَبُو بَكْرٍ قَالَ مَا جَاءَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ هَذِهِ السّاعَةَ إلّا لِأَمْرٍ حَدَثَ. قَالَتْ فَلَمّا دَخَلَ تَأَخّرَ لَهُ أَبُو بَكْرٍ عَنْ سَرِيرِهِ فَجَلَسَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَلَيْسَ عِنْدَ أَبِي بَكْرٍ إلّا أَنَا وَأُخْتِي أَسَمَاءُ بِنْتُ أَبِي بَكْرٍ، فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ أَخْرِجْ عَنّي مَنْ عِنْدَك؛ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللّهِ إنّمَا هُمَا ابْنَتَايَ وَمَا ذَاكَ؟ فِدَاك أَبِي وَأُمّي فَقَالَ إنّ اللّهَ قَدْ أَذِنَ لِي فِي الْخُرُوجِ وَالْهِجْرَةِ. قَالَتْ فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ الصّحْبَةَ يَا رَسُولَ اللّهِ قَالَ الصّحْبَةَ. قَالَتْ فَوَاَللّهِ مَا شَعُرْت قَطّ قَبْلَ ذَلِكَ الْيَوْمِ أَنّ أَحَدًا يَبْكِي مِنْ الْفَرَحِ حَتّى رَأَيْت أَبَا بَكْرٍ يَبْكِي يَوْمئِذٍ ثُمّ قَالَ يَا نَبِيّ اللّهِ إنّ هَاتَيْنِ رَاحِلَتَانِ قَدْ كُنْت أَعْدَدْتهمَا لِهَذَا. فَاسْتَأْجَرَا عَبْدَ اللّهِ بْنَ أَرْقَطِ- رَجُلًا مِنْ بَنِي الدّئَلِ بْنِ بَكْرٍ وَكَانَتْ أُمّهُ امْرَأَةً مِنْ بَنِي سَهْمِ بْنِ عَمْرٍو، وَكَانَ مُشْرِكًا- يَدُلّهُمَا عَلَى الطّرِيقِ فَدَفَعَا إلَيْهِ رَاحِلَتَيْهِمَا، فَكَانَتَا عِنْدَهُ يَرْعَاهُمَا لِمِيعَادِهِمَا.
.[مَنْ كَانَ يَعْلَمُ بِهِجْرَةِ الرّسُولِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ]:

قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَلَمْ يَعْلَمْ فِيمَا بَلَغَنِي، بِخُرُوجِ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ أَحَدٌ، حَيْنَ خَرَجَ إلّا عَلِيّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ، وَأَبُو بَكْرٍ الصّدّيقُ، وَآلُ أَبِي بَكْرٍ. أَمَا عَلِيّ فَإِنّ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ- فِيمَا بَلَغَنِي- أَخْبَرَهُ بِخُرُوجِهِ وَأَمَرَهُ أَنْ يَتَخَلّفَ بَعْدَهُ بِمَكّةَ حَتّى يُؤَدّيَ عَنْ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ الْوَدَائِعَ الّتِي كَانَتْ عِنْدَهُ لِلنّاسِ وَكَانَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ لَيْسَ بِمَكّة أَحَدٌ عِنْدَهُ شَيْءٌ يُخْشَى عَلَيْهِ إلّا وَضَعَهُ عِنْدَهُ لِمَا يُعْلَمُ مِنْ صِدْقِهِ وَأَمَانَتِهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ.
.[قِصّةُ الرّسُولِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ مَعَ أَبِي بَكْرٍ فِي الْغَارِ]:

قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فَلَمّا أَجْمَعَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ الْخُرُوجَ أَتَى أَبَا بَكْرِ بْنِ أَبِي قُحَافَةَ فَخَرَجَا مِنْ خَوْخَةٍ لِأَبِي بَكْرٍ فِي ظَهْرِ بَيْتِهِ ثُمّ عَمَدَ إلَى غَارٍ بِثَوْرٍ- جَبَلٍ بِأَسْفَلِ مَكّةَ- فَدَخَلَاهُ وَأَمَرَ أَبُو بَكْرٍ ابْنَهُ عَبْدَ اللّهِ بْنَ أَبِي بَكْرٍ أَنْ يَتَسَمّعَ لَهُمَا مَا يَقُولُ النّاسُ فِيهِمَا نَهَارَهُ ثُمّ يَأْتِيهِمَا إذَا أَمْسَى بِمَا يَكُونُ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ مِنْ الْخَبَرِ؛ وَأَمَرَ عَامِرَ بْنَ فُهَيْرَةَ مَوْلَاهُ أَنْ يَرْعَى غَنَمَهُ نَهَارَهُ ثُمّ يُرِيحُهَا عَلَيْهِمَا، يَأْتِيهِمَا إذَا أَمْسَى فِي الْغَارِ. وَكَانَتْ أَسَمَاءُ بِنْتُ أَبِي بَكْرٍ تَأْتِيهِمَا مِنْ الطّعَامِ إذَا أَمْسَتْ بِمَا يُصْلِحُهُمَا قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَحَدّثَنِي بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ أَنّ الْحَسَنَ بْنَ أَبِي الْحَسَنِ الْبَصْرِيّ قَالَ انْتَهَى رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَأَبُو بَكْرٍ إلَى الْغَارِ لَيْلًا، فَدَخَلَ أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُ قَبْلَ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَلَمَسَ الْغَارَ لِيَنْظُرَ أَفِيهِ سَبُعٌ أَوْ حَيّةٌ يَقِي رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بِنَفْسِهِ.
.[ابْنَا أَبِي بَكْرٍ وَابْنِ فُهَيْرَةَ يَقُومُونَ بِشُؤُونِ الرّسُولِ وَصَاحِبِهِ وَهُمَا فِي الْغَارِ]:

قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فَأَقَامَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فِي الْغَارِ ثَلَاثًا وَمَعَهُ أَبُو بَكْرٍ وَجَعَلَتْ قُرَيْشٌ فِيهِ حَيْنَ فَقَدُوهُ مِئَةَ نَاقَةٍ لِمَنْ يَرُدّهُ عَلَيْهِمْ. وَكَانَ عَبْدُ اللّهِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ يَكُونُ فِي قُرَيْشٍ نَهَارَهُ مَعَهُمْ يَسْمَعُ مَا يَأْتَمِرُونَ بِهِ وَمَا يَقُولُونَ فِي شَأْنِ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَأَبِي بَكْرٍ ثُمّ يَأْتِيهِمَا إذَا أَمْسَى فَيُخْبِرُهُمَا الْخَبَرَ. وَكَانَ عَامِرُ بْنُ فُهَيْرَةَ مَوْلَى أَبِي بَكْرٍ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُ يَرْعَى فِي ُعْيَانِ أَهْلِ مَكّةَ، فَإِذَا أَمْسَى أَرَاحَ عَلَيْهِمَا غَنَمَ أَبِي بَكْرٍ فَاحْتَلَبَا وَذَبَحَا، فَإِذَا عَبْدُ اللّهِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ غَدَا مِنْ عِنْدِهِمَا إلَى مَكّةَ، اتّبَعَ عَامِرُ بْنُ فُهَيْرَةَ أَثَرَهُ بِالْغَنَمِ حَتّى يُعَفّي عَلَيْهِ حَتّى إذَا مَضَتْ الثّلَاثُ وَسَكَنَ عَنْهُمَا النّاسُ أَتَاهُمَا صَاحِبُهُمَا الّذِي اسْتَأْجَرَاهُ بِبَعِيرَيْهِمَا وَبَعِيرٍ لَهُ وَأَتَتْهُمَا أَسَمَاءُ بِنْتُ أَبِي بَكْرٍ رَضِيَ اللّهُ عَنْهَا بِسُفْرَتِهِمَا، وَنَسِيَتْ أَنْ تَجْعَلَ لَهَا عِصَامًا فَلَمّا ارْتَحَلَا ذَهَبَتْ لِتُعَلّقَ السّفْرَةَ فَإِذَا لَيْسَ لَهَا عِصَامٌ فَتَحِلّ نِطَاقَهَا فَتَجْعَلُهُ عِصَامًا، ثُمّ عَلّقَتْهَا بِهِ.
.[سَبَبُ تَسْمِيَةِ أَسْمَاءَ بِذَاتِ النّطَاقِ]:

فَكَانَ يُقَالُ لِأَسْمَاءِ بِنْتِ أَبِي بَكْرٍ ذَاتُ النّطَاقِ لِذَلِكَ. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَسَمِعْت غَيْرَ وَاحِدٍ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ يَقُولُ ذَاتُ النّطَاقَيْنِ. وَتَفْسِيرُهُ أَنّهَا لَمّا أَرَادَتْ أَنْ تُعَلّقَ السّفْرَةَ شَقّتْ نِطَاقَهَا بِاثْنَيْنِ فَعَلّقَتْ السّفْرَةَ بِوَاحِدٍ وَانْتَطَقَتْ بِالْآخَرِ.
.[أَبُو بَكْرٍ يُقَدّمُ رَاحِلَةً لِلرّسُولِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ]:

قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فَلَمّا قَرّبَ أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُ الرّاحِلَتَيْنِ إلَى رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ قَدّمَ لَهُ أَفَضْلَهُمَا، ثُمّ قَالَ ارْكَبْ فِدَاك أَبِي وَأُمّي؛ فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ إنّي لَا أَرْكَبُ بَعِيرًا لَيْسَ لِي؛ قَالَ فَهِيَ لَك يَا رَسُولَ اللّهِ بِأَبِي أَنْتَ وَأُمّي، قَالَ لَا، وَلَكِنْ مَا الثّمَنُ الّذِي ابْتَعْتهَا بِهِ؟ قَالَ كَذَا وَكَذَا، قَالَ قَدْ أَخَذْتهَا بِهِ قَالَ هِيَ لَك يَا رَسُولَ اللّهِ. فَرَكِبَا وَانْطَلَقَا وَأَرْدَفَ أَبُو بَكْرٍ الصّدّيقُ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُ عَامِرَ بْنَ فُهَيْرَةَ مَوْلَاهُ خَلْفَهُ لِيَخْدِمَهُمَا فِي الطّرِيقِ.
.[ضَرْبُ أَبِي جَهْلٍ لِأَسْمَاءِ]:

قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فَحُدّثْت عَنْ أَسْمَاءَ بِنْتِ أَبِي بَكْرٍ أَنّهَا قَالَتْ لَمّا خَرَجَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَأَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُ أَتَانَا نَفَرٌ مِنْ قُرَيْشٍ، فِيهِمْ أَبُو جَهْلِ بْنِ هِشَامٍ، فَوَقَفُوا عَلَى بَابِ أَبِي بَكْرٍ فَخَرَجْتُ إلَيْهِمْ فَقَالُوا: أَيْنَ أَبُوك يَا بِنْتَ أَبِي بَكْرٍ؟ قَالَتْ قُلْت: لَا أَدْرِي وَاَللّهِ أَيْنَ أَبِي؟ قَالَتْ فَرَفَعَ أَبُو جَهْلٍ يَدَهُ وَكَانَ فَاحِشًا خَبِيثًا، فَلَطَمَ خَدّي لَطْمَةً طُرِحَ مِنْهَا قُرْطِي.
.[خَبَرُ الْهَاتِفِ مِنْ الْجِنّ عَنْ طَرِيقِ الرّسُولِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فِي هِجْرَتِهِ]:

قَالَتْ ثُمّ انْصَرَفُوا. فَمَكَثْنَا ثَلَاثَ لَيَالٍ. وَمَا نَدْرِي أَيْنَ وَجْهُ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ حَتّى أَقْبَلَ رَجُلٌ مِنْ الْجِنّ مِنْ أَسْفَلِ مَكّةَ، يَتَغَنّى بِأَبْيَاتٍ مِنْ شَعَرِ غِنَاءِ الْعَرَبِ، وَإِنّ النّاسَ لَيَتْبَعُونَهُ يَسْمَعُونَ صَوْتَهُ وَمَا يَرَوْنَهُ حَتّى خَرَجَ مِنْ أَعَلَى مَكّةَ وَهُوَ يَقُولُ:
جَزَى اللّهُ رَبّ النّاسِ خَيْرَ جَزَائِهِ ** رَفِيقَيْنِ حَلّا خَيْمَتَيْ أُمّ مَعْبَدِ

هُمَا نَزَلَا بِالْبَرّ ثُمّ تَرَوّحَا ** فَأَفْلَحَ مَنْ أَمْسَى رَفِيقَ مُحَمّدٍ

لِيَهْنِ بَنِي كَعْبٍ مَكَانُ فَتَاتِهِمْ ** وَمَقْعَدُهَا لِلْمُؤْمِنَيْنِ بِمَرْصَدِ
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://el-quran.ahlamontada.com
Admin
Admin
Admin


المساهمات : 4240
تاريخ التسجيل : 20/01/2018

كتاب السيرة النبوية۞ لعبد الملك ابن هشام ۞«المؤرخ» ​ - صفحة 2 Empty
مُساهمةموضوع: رد: كتاب السيرة النبوية۞ لعبد الملك ابن هشام ۞«المؤرخ» ​   كتاب السيرة النبوية۞ لعبد الملك ابن هشام ۞«المؤرخ» ​ - صفحة 2 Emptyالأحد مارس 04, 2018 6:20 am

كتاب السيرة النبوية۞ لعبد الملك ابن هشام ۞«المؤرخ» ​ - صفحة 2 SeeretIbenHisham

.[نَسَبُ أُمّ مَعْبَدٍ]:

قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: أُمّ مَعْبَدٍ بِنْتُ كَعْبٍ، امْرَأَةٌ مِنْ بَنِي كَعْبٍ مِنْ خُزَاعَةَ حَلّا خَيْمَتَيْ، وهُمَا نَزَلَا بِالْبَرّ ثُمّ تَرَوّحَا عَنْ غَيْرِ ابْنِ إسْحَاقَ. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: قَالَتْ أَسْمَاءُ بِنْتُ أَبِي بَكْرٍ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُمَا: فَلَمّا سَمِعْنَا قَوْلَهُ عَرَفْنَا حَيْثُ وَجْهُ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَأَنّ وَجْهَهُ إلَى الْمَدِينَةِ وَكَانُوا أَرْبَعَةً رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَأَبُو بَكْرٍ الصّدّيقُ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُ وَعَامِرُ بْنُ فُهَيْرَةَ مَوْلَى أَبِي بَكْرٍ، وَعَبْدُ اللّهِ بْنُ أَرْقَطَ دَلِيلُهُمَا. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَيُقَالُ عَبْدُ اللّهِ بْنُ أُرَيْقِطٍ.
.[أَبُو قُحَافَةَ وَأَسْمَاءُ بَعْدَ هِجْرَةِ أَبِي بَكْرٍ]:

قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فَحَدّثَنِي يَحْيَى بْنُ عَبّادِ بْنِ عَبْدِ اللّهِ بْنِ الزّبَيْرِ أَنّ أَبَاهُ عَبّادًا حَدّثَهُ عَنْ جَدّتِهِ أَسْمَاءَ بِنْتِ أَبِي بَكْرٍ، قَالَتْ لَمّا خَرَجَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَخَرَجَ أَبُو بَكْرٍ مَعَهُ احْتَمَلَ أَبُو بَكْرٍ مَالَهُ كُلّهُ وَمَعَهُ خَمْسَةُ آلَافِ دِرْهَمٍ أَوْ سِتّةُ آلَافٍ فَانْطَلَقَ بِهَا مَعَهُ. قَالَتْ فَدَخَلَ عَلَيْنَا جَدّي أَبُو قُحَافَةَ وَقَدْ ذَهَبَ بَصَرُهُ فَقَالَ وَاَللّهِ إنّي لَا أَرَاهُ قَدْ فَجَعَكُمْ بِمَالِهِ مَعَ نَفْسِهِ. قَالَتْ قُلْت: كَلّا يَا أَبَتِ إنّهُ قَدْ تَرَكَ لَنَا خَيْرًا كَثِيرًا. قَالَتْ فَأَخَذْت أَحْجَارًا فَوَضَعْتهَا فِي كُوّةٍ فِي الْبَيْتِ الّذِي كَانَ أَبِي يَضَعُ مَالَهُ فِيهَا، ثُمّ وَضَعْت عَلَيْهَا ثَوْبًا، ثُمّ أَخَذْت بِيَدِهِ فَقُلْت: يَا أَبَتِ ضَعْ يَدَك عَلَى هَذَا الْمَالِ. قَالَتْ فَوَضَعَ يَدَهُ عَلَيْهِ فَقَالَ لَا بَأْسَ إذَا كَانَ تَرَكَ لَكُمْ هَذَا فَقَدْ أَحْسَنَ وَفِي هَذَا بَلَاغٌ لَكُمْ. وَلَا وَاَللّهِ مَا تَرَكَ لَنَا شَيْئًا وَلَكِنّي أَرَدْت أَنْ أُسَكّنَ الشّيْخَ بِذَلِكَ.
.سُرَاقَةُ وَرُكُوبُهُ فِي أَثَرِ الرّسُولِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ:

قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَحَدّثَنِي الزّهْرِيّ أَنّ عَبْدَ الرّحْمَنِ بْنَ مَالِكِ بْنِ جُعْشُمٍ حَدّثَهُ. عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَمّهِ سُرَاقَةَ بْنِ مَالِكِ بْنِ جُعْشُمٍ، قَالَ لَمّا خَرَجَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ مِنْ مَكّةَ مُهَاجِرًا إلَى الْمَدِينَةِ، جَعَلَتْ قُرَيْشٌ فِيهِ مِئَةَ نَاقَةٍ لِمَنْ رَدّهُ عَلَيْهِمْ. قَالَ فَبَيْنَا أَنَا جَالِسٌ فِي نَادِي قَوْمِي إذْ أَقْبَلَ رَجُلٌ مِنّا، حَتّى وَقَفَ عَلَيْنَا، فَقَالَ وَاَللّهِ لَقَدْ رَأَيْت رَكْبَهُ ثَلَاثَةً مَرّوا عَلَيّ آنِفًا، إنّي لَأَرَاهُمْ مُحَمّدًا وَأَصْحَابَهُ قَالَ فَأَوْمَأْت إلَيْهِ بِعَيْنِي: أَنْ اُسْكُتْ ثُمّ قُلْت: إنّمَا هُمْ بَنُو فُلَانٍ يَبْتَغُونَ ضَالّةً لَهُمْ قَالَ لَعَلّهُ ثُمّ سَكَتَ. قَالَ ثُمّ مَكَثْت قَلِيلًا، ثُمّ قُمْت فَدَخَلْت بَيْتِي، ثُمّ أَمَرْت بِفَرَسِي، فَقُيّدَ لِي إلَى بَطْنِ الْوَادِي، وَأَمَرْت بِسِلَاحِي، فَأُخْرِجَ لِي مِنْ دُبُرِ حُجْرَتِي، ثُمّ أَخَذْت قِدَاحِي الّتِي أَسَتَقْسِمُ بِهَا، ثُمّ انْطَلَقْت، فَلَبِسْت لَأْمَتِي، ثُمّ أَخَرَجْت قِدَاحِي، فَاسْتَقْسَمْت بِهَا، فَخَرَجَ السّهْمُ الّذِي أَكْرَهُ لَا يَضُرّهُ. قَالَ وَكُنْت أَرْجُو أَنْ أَرُدّهُ عَلَى قُرَيْشٍ، فَآخُذَ الْمِئَةَ النّاقَةِ. قَالَ فَرَكِبْت عَلَى أَثَرِهِ فَبَيْنَمَا فَرَسِي يَشْتَدّ بِي عَثَرَ بِي، فَسَقَطْت عَنْهُ. قَالَ فَقُلْت: مَا هَذَا؟ قَالَ ثُمّ أَخَرَجْت قِدَاحِي فَاسْتَقْسَمْت بِهَا، فَخَرَجَ السّهْمُ الّذِي أَكْرَهُ لَا يَضُرّهُ. قَالَ فَأَبَيْت إلّا أَنْ أَتّبِعَهُ. قَالَ فَرَكِبْت فِي أَثَرِهِ فَبَيْنَا فَرَسِي يَشْتَدّ بِي، عَثَرَ بِي، فَسَقَطْت عَنْهُ. قَالَ فَقُلْت: مَا هَذَا؟، قَالَ ثُمّ أَخَرَجْت قِدَاحِي فَاسْتَقْسَمْت بِهَا فَخَرَجَ السّهْمُ الّذِي أَكْرَهُ لَا يَضُرّهُ، قَالَ فَأَبَيْت إلّا أَنْ أَتّبِعَهُ فَرَكِبْت فِي أَثَرِهِ. فَلَمّا بَدَا لِي الْقَوْمُ وَرَأَيْتهمْ عَثَرَ بِي فَرَسِي، فَذَهَبَتْ يَدَاهُ فِي الْأَرْضِ وَسَقَطْت عَنْهُ ثُمّ انْتَزَعَ يَدَيْهِ مِنْ الْأَرْضِ وَتَبِعَهُمَا دُخَانٌ كَالْإِعْصَارِ. قَالَ فَعَرَفْت حَيْنَ رَأَيْت ذَلِكَ أَنّهُ قَدْ مُنِعَ مِنّي، وَأَنّهُ ظَاهِرٌ. قَالَ فَنَادَيْت الْقَوْمَ فَقُلْت: أَنَا سُرَاقَةُ بْنُ جُعْشُمٍ اُنْظُرُونِي أُكَلّمْكُمْ فَوَاَللّهِ لَا أَرَيْبُكُمْ وَلَا يَأْتِيكُمْ مِنّي شَيْءٌ قَالَ فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ لِأَبِي بَكْرٍ قُلْ لَهُ وَمَا تَبْتَغِي مِنّا؟ قَالَ فَقَالَ ذَلِكَ أَبُو بَكْرٍ قَالَ قُلْت: تَكْتُبُ لِي كِتَابًا يَكُونُ آيَةً بَيْنِي وَبَيْنَك. قَالَ اُكْتُبْ لَهُ يَا أَبَا بَكْرٍ.
.[إسْلَامُ سُرَاقَةَ]:

قَالَ: فَكَتَبَ لِي كِتَابًا فِي عَظْمٍ أَوْ فِي رُقْعَةٍ أَوْ فِي خَزَفَةٍ ثُمّ أَلْقَاهُ إلَيّ فَأَخَذَتْهُ فَجَعَلْته فِي كِنَانَتِي، ثُمّ رَجَعْت، فَسَكَتّ فَلَمْ أَذْكُرْ شَيْئًا مِمّا كَانَ حَتّى إذَا كَانَ فَتْحُ مَكّةَ عَلَى رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَفَرَغَ مِنْ حُنَيْنٍ وَالطّائِفِ، خَرَجْت وَمَعِي الْكِتَابَ لَأَلْقَاهُ فَلَقِيته بِالْجِعْرَانَةِ. قَالَ فَدَخَلْت فِي كَتِيبَةٍ مِنْ خَيْلِ الْأَنْصَارِ. قَالَ فَجَعَلُوا يَقْرَعُونَنِي بِالرّمَاحِ وَيَقُولُونَ إلَيْك إلَيْك، مَاذَا تُرِيدُ؟ قَالَ فَدَنَوْت مِنْ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَهُوَ عَلَى نَاقَتِهِ وَاَللّهِ لَكَأَنّي أَنْظُرُ إلَى سَاقِهِ فِي غَرْزِهِ كَأَنّهَا جُمّارَةٌ. قَالَ فَرَفَعْت يَدِي بِالْكِتَابِ ثُمّ قُلْت: يَا رَسُولَ اللّهِ هَذَا كِتَابُك لِي، أَنَا سُرَاقَةُ بْنُ جُعْشُمٍ قَالَ فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ يَوْمُ وَفَاءٍ وَبِرّ ادْنُهْ. قَالَ فَدَنَوْت مِنْهُ فَأَسْلَمْت. ثُمّ تَذَكّرْت شَيْئًا أَسْأَلُ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ عَنْهُ فَمَا أَذْكُرُهُ إلّا أَنّي قُلْت: يَا رَسُولَ اللّهِ الضّالّةُ مِنْ الْإِبِلِ تَغْشَى حِيَاضِي، وَقَدْ مَلَأْتهَا لِإِبِلِي، هَلْ لِي مِنْ أَجْرٍ فِي أَنْ أَسْقِيَهَا؟ قَالَ نَعَمْ فِي كُلّ ذَاتِ كَبِدٍ حَرّى أَجْرٌ قَالَ ثُمّ رَجَعْت إلَى قَوْمِي، فَسُقْتُ إلَى رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ صَدَقَتِي.
.[تَصْوِيبُ نَسَبِ عَبْدِ الرّحْمَنِ الْجُعْشُمِيّ]:

قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: عَبْدُ الرّحْمَنِ بْنُ الْحَارِثِ بْنِ مَالِكِ بْنِ جُعْشُمٍ.
.[طَرِيقُهُ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فِي هِجْرَتِهِ]:

قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فَلَمّا خَرَجَ بِهِمَا دَلِيلُهُمَا عَبْدُ اللّهِ بْنُ أَرْقَطَ، سَلَكَ بِهِمَا أَسْفَلَ مَكّةَ، ثُمّ مَضَى بِهِمَا عَلَى السّاحِلِ، حَتّى عَارَضَ الطّرِيقَ أَسْفَلَ مِنْ عُسْفَانَ، ثُمّ سَلَكَ بِهِمَا عَلَى أَسْفَلِ أَمَجَ، ثُمّ اسْتَجَازَ بِهِمَا، حَتّى عَارَضَ بِهِمَا الطّرِيقَ بَعْدَ أَنْ أَجَازَ قُدَيْدًا، ثُمّ أَجَازَ بِهِمَا مِنْ مَكَانِهِ ذَلِكَ فَسَلَكَ بِهِمَا الْخَرّارَ، ثُمّ سَلَكَ بِهِمَا ثَنِيّةَ الْمَرّةِ، ثُمّ سَلَكَ بِهِمَا لِقْفا. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَيُقَالُ لَفْتَا. قَالَ مَعْقِلُ بْنُ خُوَيْلِدٍ الْهُذَلِيّ:
نَزِيعًا مُحْلِبًا مِنْ أَهْلِ لَفْتٍ ** لِحَيّ بَيْنَ أَثْلَةَ وَالنّحَامِ

قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: ثُمّ أَجَازَ بِهِمَا مَدْلَجَةَ لِقْفٍ ثُمّ اسْتَبْطَنَ بِهِمَا مَدْلَجَةَ مَحَاجّ- وَيُقَالُ مِجَاجٍ، فِيمَا قَالَ ابْنُ هِشَامٍ- ثُمّ سَلَكَ بِهِمَا مَرْجِحَ مَحَاجّ، ثُمّ تَبَطّنَ بِهِمَا مَرْجِحَ مِنْ ذِي الْغَضْوَيْنِ- قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَيُقَالُ الْعُضْوَيْنِ- ثُمّ بَطْنَ ذِي كَشْرٍ، ثُمّ أَخَذَ بِهِمَا عَلَى الْجَدَاجِدِ، ثُمّ عَلَى الْأَجْرَدِ، ثُمّ سَلَكَ بِهِمَا ذَا سَلَمٍ مِنْ بَطْنِ أَعْدَاءِ مَدْلِجَة تِعْهِنِ، ثُمّ عَلَى الْعَبَابِيدِ. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَيُقَالُ الْعَبَابِيبُ وَيُقَالُ الْعِثْيَانَةَ. يُرِيدُ الْعَبَابِيبَ-. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: ثُمّ أَجَازَ بِهِمَا الْفَاجّةَ، وَيُقَالُ الْقَاحّةُ، فِيمَا قَالَ ابْنُ هِشَامٍ. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: ثُمّ هَبَطَ بِهِمَا الْعَرْجَ، وَقَدْ أَبْطَأَ عَلَيْهِمَا بَعْضُ ظَهْرِهِمْ فَحَمَلَ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ رَجُلٌ مِنْ أَسْلَمَ، يُقَالُ لَهُ أَوْسُ بْنُ حُجْرٍ عَلَى جَمَلٍ لَهُ- يُقَالُ لَهُ ابْنُ الرّدَاءِ- إلَى الْمَدِينَةِ، وَبَعَثَ مَعَهُ غُلَامًا لَهُ يُقَالُ لَهُ خَرَجَ بِهِمَا دَلِيلُهُمَا مِنْ الْعَرَجِ، فَسَلَكَ بِهِمَا ثَنِيّةَ الْعَائِرِ، عَنْ يَمِينِ رَكُوبَةٍ- وَيُقَالُ ثَنِيّةُ الْغَائِرِ، فِيمَا قَالَ ابْنُ هِشَامٍ- حَتّى هَبَطَ بِهِمَا بَطْنَ رِئْمٍ، ثُمّ قَدِمَ بِهِمَا قُبَاءٍ، عَلَى بَنِي عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ لِاثْنَتَيْ عَشْرَةَ لَيْلَةٍ خَلَتْ مِنْ شَهْرِ رَبِيعٍ الْأَوّلِ يَوْمَ الِاثْنَيْنِ حَيْن اشْتَدّ الضّحَاءُ وَكَادَتْ الشّمْسُ تَعْتَدِلُ.
.[قُدُومُهُ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ قُبَاءَ]:

قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فَحَدّثَنِي مُحَمّدُ بْنُ جَعْفَرِ بْنِ الزّبَيْرِ، عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزّبَيْرِ، عَنْ عَبْدِ الرّحْمَنِ بْنِ عُوَيْمِرِ بْنِ سَاعِدَةَ قَالَ حَدّثَنِي رِجَالٌ مِنْ قَوْمِي مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ قَالُوا: لَمّا سَمِعْنَا بِمَخْرَجِ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ مِنْ مَكّةَ، وَتَوَكّفْنَا قُدُومَهُ كُنّا نَخْرُجُ إذَا صَلّيْنَا الصّبْحَ إلَى ظَاهِرِ حَرّتِنَا نَنْتَظِرُ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَوَاَللّهِ مَا نَبْرَحُ حَتّى تَغْلِبَنَا الشّمْسُ عَلَى الظّلَالِ فَإِذَا لَمْ نَجِدْ ظِلّا دَخَلْنَا، وَذَلِكَ فِي أَيّامٍ حَارّةٍ. حَتّى إذَا كَانَ الْيَوْمُ الّذِي قَدِمَ فِيهِ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ جَلَسْنَا كَمَا كُنّا نَجْلِسُ حَتّى إذَا لَمْ يَبْقَ ظِلّ دَخَلْنَا بُيُوتَنَا، وَقَدِمَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ حَيْنَ دَخَلْنَا الْبُيُوتَ فَكَانَ أَوّلُ مَنْ رَآهُ رَجُلٌ مِنْ الْيَهُودِ، وَقَدْ رَأَى مَا كُنّا نَصْنَعُ وَأَنّا نَنْتَظِرُ قُدُومَ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ عَلَيْنَا، فَصَرَخَ بِأَعْلَى صَوْتِهِ يَا بَنِي قَيْلَةَ، هَذَا جَدّكُمْ قَدْ جَاءَ. قَالَ فَخَرَجْنَا إلَى رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَهُوَ فِي ظِلّ نَخْلَةٍ، وَمَعَهُ أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُ فِي مِثْلِ سِنّهِ وَأَكْثَرُنَا لَمْ يَكُنْ رَأَى رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ قَبْلَ ذَلِكَ وَرَكِبَهُ النّاسُ وَمَا يَعْرِفُونَهُ مِنْ أَبِي بَكْرٍ، حَتّى زَالَ الظّلّ عَنْ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَقَامَ أَبُو بَكْرٍ فَأَظَلّهُ بِرِدَائِهِ فَعَرَفْنَاهُ عِنْدَ ذَلِكَ.
.[مَنَازِلُهُ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بقُباءٍ]:

ابْنُ إسْحَاقَ: فَنَزَلَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ- فِيمَا يَذْكُرُونَ- عَلَى كُلْثُومِ بْنِ هِدْمٍ، أَخِي بَنِي عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ، ثُمّ أَحَدِ بَنِي عُبَيْدٍ: وَيُقَالُ بَلْ نَزَلَ عَلَى سَعْدِ بْنِ خَيْثمةَ. وَيَقُولُ مَنْ يَذْكُرُ أَنّهُ نَزَلَ عَلَى كُلْثُومِ بْنِ هِدْمٍ: إنّمَا كَانَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ إذَا خَرَجَ مِنْ مَنْزِلِ كُلْثُومِ بْنِ هِدْمٍ جَلَسَ لِلنّاسِ فِي بَيْتِ سَعْدِ بْنِ خَيْثمةَ وَذَلِكَ أَنّهُ كَانَ عَزَبًا لَا أَهْلَ لَهُ وَكَانَ مَنْزِلُ الْأَعْزَابِ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ مِنْ الْمُهَاجِرِينَ، فَمِنْ هُنَالِكَ يُقَالُ نَزَلَ عَلَى سَعْدِ بْنِ خَيْثمةَ، وَكَانَ يُقَالُ لِبَيْتِ سَعْدِ بْنِ خَيْثمةَ: بَيْتُ الْأَعْزَابِ. فَاَللّهُ أَعْلَمُ أَيّ ذَلِكَ كَانَ كُلّا قَدْ سَمِعْنَا.
.[مَنْزِلُ أَبِي بَكْرٍ بقُباءٍ]:

وَنَزَلَ أَبُو بَكْرٍ الصّدّيقُ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُ عَلَى خُبَيْبِ بْنِ إِسَافٍ، أَحَدِ بَنِي الْحَارِثِ الْخَزْرَجَ بِالسّنْحِ. وَيَقُولُ قَائِلٌ كَانَ مَنْزِلُهُ عَلَى خَارِجَةَ بْنِ زَيْدِ بْنِ أَبِي زُهَيْرٍ أَخِي بَنِي الْحَارِثِ بْنِ الْخَزْرَجِ.
.[مَنْزِلُ عَلِيّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ بقُباءٍ]:

وَأَقَامَ عَلِيّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ عَلَيْهِ السّلَامُ بِمَكّةَ ثَلَاثَ لَيَالٍ وَأَيّامِهَا، حَتّى أَدّى عَنْ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ الْوَدَائِعَ الّتِي كَانَتْ عِنْدَهُ لِلنّاسِ حَتّى إذَا فَرَغَ مِنْهَا، لَحِقَ بِرَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَنَزَلَ مَعَهُ عَلَى كُلْثُومِ بْنِ هِدْمٍ.
.[ابْنُ حُنَيْفٍ وَتَكْسِيرُهُ الْأَصْنَامَ]:

فَكَانَ عَلِيّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ، وَإِنّمَا كَانَتْ إقَامَتُهُ بقُباءٍ لَيْلَةً أَوْ لَيْلَتَيْنِ يَقُولُ كَانَتْ بقُباءٍ امْرَأَةٌ لَا زَوْجَ لَهَا، مُسْلِمَةٌ. قَالَ فَرَأَيْت إنْسَانًا يَأْتِيهَا مِنْ جَوْفِ اللّيْلِ فَيَضْرِبُ عَلَيْهَا بَابَهَا، فَتَخْرَجُ إلَيْهِ فَيُعْطِيَهَا شَيْئًا مَعَهُ فَتَأْخُذَهُ. قَالَ فَاسْتَرَبْتُ أَدْرِي مَا هُوَ وَأَنْتِ امْرَأَةٌ مُسْلِمَةٌ لَا زَوْجَ لَك؟ قَالَتْ هَذَا سَهْلُ بْنُ حُنَيْفِ بْنِ وَاهِبٍ قد عَرَفَ أَنّي امْرَأَةٌ لَا أَحَدَ لِي، فَإِذَا أَمْسَى عَدَا عَلَى أَوْثَانِ قَوْمِهِ فَكَسّرَهَا، ثُمّ جَاءَنِي بِهَا، فَقَالَ احْتَطِبِي بِهَذَا، فَكَانَ عَلِيّ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُ يَأْثُرُ ذَلِكَ مِنْ أَمْرِ سَهْلِ بْنِ حُنَيْفٍ، حَتّى هَلَكَ عِنْدَهُ بِالْعِرَاقِ. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَحَدّثَنِي هَذَا، مِنْ حَدِيثِ عَلِيّ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُ هِنْدُ بْنُ سَعْدِ بْنِ سَهْلِ بْنِ حُنَيْفٍ، رَضِيَ اللّهُ عَنْهُ.
.[بِنَاءُ مَسْجِدِ قُبَاءٍ]:

قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فَأَقَامَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بقُباءٍ، فِي بَنِي عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ، يَوْمَ الِاثْنَيْنِ وَيَوْمَ الثّلَاثَاءِ وَيَوْمَ الْأَرْبِعَاءِ وَيَوْمَ الْخَمِيسِ وَأَسّسَ مَسْجِدَهُ.
.[خُرُوجُهُ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ مِنْ قُبَاءٍ وَسَفَرُهُ إلَى الْمَدِينَةِ]:

ثُمّ أَخْرَجَهُ اللّهُ مِنْ بَيْنِ أَظْهُرِهِمْ يَوْمَ الْجُمُعَةِ. وَبَنُو عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ يُزْعِمُونَ أَنّهُ مَكَثَ فِيهِمْ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ فَاَللّهُ أَعْلَمُ أَيّ ذَلِكَ كَانَ. فَأَدْرَكَتْ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ الْجُمُعَةُ فِي بَنِي سَالِمِ بْنِ عَوْفٍ، فَصَلّاهَا فِي الْمَسْجِدِ الّذِي فِي بَطْنِ الْوَادِي، وَادِي رَانُونَاءَ، فَكَانَتْ أَوّلَ جُمُعَةٍ صَلّاهَا بِالْمَدِينَةِ.
.[اعْتِرَاضُ الْقَبَائِلِ لَهُ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ تَبْغِي نُزُولَهُ عِنْدَهَا]:

فَأَتَاهُ عِتْبَانُ بْنُ مَالِكٍ، وَعَبّاسُ بْنُ عُبَادَةَ بْنِ نَضْلَةَ فِي رِجَالٍ مِنْ بَنِي سَالِمِ بْنِ عَوْفٍ، فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللّهِ. أَقِمْ عِنْدَنَا فِي الْعَدَدِ وَالْعِدّةِ وَالْمَنَعَةِ قَالَ خَلّوا سَبِيلَهَا، فَإِنّهَا مَأْمُورَةٌ لِنَاقَتِهِ فَخَلّوا سَبِيلهَا، فَانْطَلَقَتْ حَتّى إذَا وَازَنَتْ دَارَ بَنِي بَيّاضَةَ، تَلَقّاهُ زِيَادُ بْنُ لَبِيدٍ، وَفَرْوَةُ بْنُ عَمْرٍو، فِي رِجَالٍ مِنْ بَنِي بَيّاضَةَ فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللّهِ هَلُمّ إلَيْنَا، إلَى الْعَدَدِ وَالْعِدّةِ وَالْمَنَعَةِ قَالَ خَلّوا سَبِيلَهَا فَإِنّهَا مَأْمُورَةٌ فَخَلّوْا سَبِيلَهَا. فَانْطَلَقَتْ حَتّى إذَا مَرّتْ بِدَارِ بَنِي سَاعِدَةَ، اعْتَرَضَهُ سَعْدُ بْنُ عُبَادَةَ، وَالْمُنْذِرُ بْنُ عَمْرٍو، فِي رِجَالٍ مِنْ بَنِي سَاعِدَةَ، فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللّهِ هَلُمّ إلَيْنَا إلَى الْعَدَدِ وَالْعِدّةِ وَالْمَنَعَةِ قَالَ خَلّوا سَبِيلَهَا، فَإِنّهَا مَأْمُورَةٌ فَخَلّوْا سَبِيلَهَا، فَانْطَلَقَتْ حَتّى إذَا وَازَنَتْ دَارَ بَنِي الْحَارِثِ بْنِ الْخَزْرَجِ، اعْتَرَضَهُ سَعْدُ بْنُ الرّبِيعِ، وَخَارِجَةُ بْنُ زَيْدٍ وَعَبْدُ اللّهِ بْنُ رَوَاحَةَ، فِي رِجَالٍ مِنْ بَنِي الْحَارِثِ بْنِ الْخَزْرَجِ فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللّهِ هَلُمّ إلَيْنَا إلَى الْعَدَدِ وَالْعِدّةِ وَالْمَنَعَةِ قَالَ خَلّوا سَبِيلَهَا، فَإِنّهَا مَأْمُورَةٌ فَخَلّوْا سَبِيلَهَا. فَانْطَلَقَتْ حَتّى إذَا مَرّتْ بِدَارِ بَنِي عَدِيّ بْنِ النّجّارِ، وَهُمْ أَخْوَالُهُ دِنْيَا- أُمّ عَبْدِ الْمُطّلِبِ سَلْمَى بِنْتُ عَمْرٍو، إحْدَى نِسَائِهِمْ- اعْتَرَضَهُ سَلِيطُ بْنُ قَيْسٍ، وَأَبُو سَلِيطٍ أُسَيْرَةُ بْنُ أَبِي خَارِجَةَ فِي رِجَالٍ مِنْ بَنِي عَدِيّ بْنِ النّجّارِ، فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللّهِ هَلُمّ إلَى أَخْوَالِك، إلَى الْعَدَدِ وَالْعِدّةِ وَالْمَنَعَةِ قَالَ خَلّوا سَبِيلَهَا فَإِنّهَا مَأْمُورَةٌ فَخَلّوْا سَبِيلَهَا، فَانْطَلَقَتْ.
.[مَبْرَك نَاقَتهُ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بِدَارِ بَنِي مَالِكِ بْنِ النّجّارِ]:

حَتّى إذَا أَتَتْ دَارَ بَنِي مَالِكِ بْنِ النّجّارِ، بَرَكَتْ عَلَى بَابِ مَسْجِدِهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَهُوَ يَوْمئِذٍ مِرْبَدٌ لِغُلَامَيْنِ يَتِيمَيْنِ مِنْ بَنِي النّجّارِ، ثُمّ مِنْ بَنِي مَالِكِ بْنِ النّجّارِ، وَهُمَا فِي حِجْرِ مُعَاذِ بْنِ عَفْرَاءَ، سَهْلٍ وَسُهَيْلٍ ابْنَيْ عَمْرٍو. فَلَمّا بَرَكَتْ وَرَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ عَلَيْهَا لَمْ يَنْزِلْ وَثَبَتَ فَسَارَتْ غَيْرَ بِعِيدٍ وَرَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَاضِعٌ لَهَا زِمَامَهَا لَا يَثْنِيهَا بِهِ ثُمّ الْتَفَتَتْ إلَى خَلْفِهَا، فَرَجَعَتْ إلَى مَبْرَكِهَا أَوّلَ مَرّةٍ فَبَرَكَتْ فِيهِ ثُمّ تَحَلْحَلَتْ وَزَمّتْ وَوَضَعَتْ فَنَزَلَ عَنْهَا رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَاحْتَمَلَ أَبُو أَيّوبَ خَالِدُ بْنُ زَيْدٍ رَحْلَهُ فَوَضَعَهُ فِي بَيْتِهِ وَنَزَلَ عَلَيْهِ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَسَأَلَ عَنْ الْمِرْبَدِ لِمَنْ هُوَ؟ فَقَالَ لَهُ مَعَاذُ بْنُ عَفْرَاءَ: هُوَ يَا رَسُولَ اللّهِ لِسَهْلٍ وَسُهَيْلٍ ابْنَيْ عَمْرٍو، وَهُمَا يَتِيمَانِ لِي، وَسَأُرْضِيهِمَا مِنْهُ فَاِتّخِذْهُ مَسْجِدًا.
.[بِنَاءُ مَسْجِدِ الْمَدِينَةِ وَمَسَاكِنِهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ]:

قَالَ فَأَمَرَ بِهِ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ أَنْ يُبْنَى مَسْجِدًا، وَنَزَلَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ عَلَى أَبِي أَيّوبَ حَتّى بَنَى مَسْجِدَهُ وَمَسَاكِنَهُ فَعَمِلَ فِيهِ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ لِيُرَغّبَ الْمُسْلِمِينَ فِي الْعَمَلِ فِيهِ فَعَمِلَ فِيهِ الْمُهَاجِرُونَ وَالْأَنْصَارُ، وَدَأَبُوا فِيهِ فَقَالَ قَائِلٌ مِنْ الْمُسْلِمِينَ:
لَئِنْ قَعَدْنَا وَالنّبِيّ يَعْمَلُ ** لَذَاكَ مِنّا الْعَمَلُ الْمُضَلّلُ

وَارْتَجَزَ الْمُسْلِمُونَ وَهُمْ يَبْنُونَهُ يَقُولُونَ:
لَا عَيْشَ إلّا عَيْشَ الْآخِرَهْ ** اللّهُمّ ارْحَمْ الْأَنْصَارَ وَالْمُهَاجِرَهْ

قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: هَذَا كَلَامٌ وَلَيْسَ بِرَجَزٍ. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فَيَقُولُ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ لَا عَيْشَ إلّا عَيْشَ الْآخِرَةِ، اللّهُمّ ارْحَمْ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ.
.[إخْبَارُ الرّسُولِ لِعَمّارٍ بِقَتْلِ الْفِئَةِ الْبَاغِيَةِ لَهُ]:

قَالَ فَدَخَلَ عَمّارُ بْنُ يَاسِرٍ، وَقَدْ أَثْقَلُوهُ بِاللّبِنِ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللّهِ قَالَتْ أُمّ سَلَمَةَ زَوْجُ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَرَأَيْت رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ يَنْفُضُ وَفْرَتَهُ بِيَدِهِ وَكَانَ رَجُلًا جَعْدًا، وَهُوَ يَقُولُ وَيْحَ ابْنَ سُمَيّةَ، لَيْسُوا بِاَلّذِينَ يَقْتُلُونَك، إنّمَا تَقْتُلُك الْفِئَةُ الْبَاغِيَةُ.
.[ارْتِجَازُ عَلِيّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ فِي بِنَاءِ الْمَسْجِدِ]:

وَارْتَجَزَ عَلِيّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُ يَوْمئِذٍ:
لَا يَسْتَوِي مَنْ يَعْمُرُ الْمَسَاجِدَا ** يَدْأَبُ فِيهِ قَائِمًا وَقَاعِدًا

وَمَنْ يُرَى عَنْ الْغُبَارِ حَائِدًا قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: سَأَلْت غَيْرَ وَاحِدٍ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ بِالشّعْرِ عَنْ هَذَا الرّجَزِ فَقَالُوا: بَلَغَنَا أَنّ عَلِيّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ ارْتَجَزَ بِهِ فَلَا يُدْرَى: أَهُوَ قَائِلُهُ أَمْ غَيْرُهُ.
.[مَا كَانَ بَيْنَ عَمّارٍ وَأَحَدِ الصّحَابَةِ مِنْ مُشَادّةٍ]:

قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فَأَخَذَهَا عَمّارُ بْنُ يَاسِرٍ، فَجَعَلَ يَرْتَجِزُ بِهَا. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: فَلَمّا أَكْثَرَ ظَنّ رَجُلٌ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ أَنّهُ إنّمَا يُعَرّضُ بِهِ فِيمَا حَدّثَنَا زِيَادُ بْنُ عَبْدِ اللّهِ الْبَكّائِي، عَنْ ابْنِ إسْحَاقَ، وَقَدْ سَمّى ابْنُ إسْحَاقَ الرّجُلَ.
.[وَصَاةُ الرّسُولِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بِعَمّارٍ]:

قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فَقَالَ قَدْ سَمِعْتُ مَا تَقُولُ مُنْذُ الْيَوْمِ يَا ابْنَ سُمَيّةَ، وَاَللّهِ إنّي لَأُرَانِي سَأَعْرِضُ هَذِهِ الْعَصَا لِأَنْفِك. قَالَ وَفِي يَدِهِ عَصًا. قَالَ فَغَضِبَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ ثُمّ قَالَ مَا لَهُمْ وَلِعَمّارٍ يَدْعُوهُمْ إلَى الْجَنّةِ وَيَدْعُونَهُ إلَى النّارِ إنّ عَمّارًا جِلْدَةٌ مَا بَيْنَ عَيْنِيّ وَأَنْفِي، فَإِذَا بَلَغَ ذَلِكَ مِنْ الرّجُلِ فَلَمْ يُسْتَبْقَ فَاجْتَنِبُوهُ.
.[مَنْ بَنَى أَوّلَ مَسْجِدٍ]:

قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَذَكَرَ سُفْيَانُ بْنُ عُييْنَةَ عَنْ زَكَرِيّا، عَنْ الشّعْبِيّ، قَالَ إنّ أَوّلَ مَنْ بَنَى مَسْجِدًا عَمّارُ بْنُ يَاسِرٍ.
.[مَنْزِلُهُ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ مِنْ بَيْتِ أَبِي أَيّوبَ وَشَيْءٌ مِنْ أَدَبِهِ فِي ذَلِكَ]:

قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فَأَقَامَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فِي بَيْتِ أَبِي أَيّوبَ حَتّى بُنِيَ لَهُ مَسْجِدُهُ وَمَسَاكِنُهُ ثُمّ انْتَقَلَ إلَى مَسَاكِنِهِ مِنْ بَيْتِ أَبِي أَيّوبَ رَحْمَةُ اللّهُ عَلَيْهِ وَرِضْوَانُهُ. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَحَدّثَنِي يَزِيدُ بْنُ أَبِي حَبِيبٍ، عَنْ مَرْثَدِ بْنِ عَبْدِ اللّهِ اليَزَنيّ عَنْ أَبِي رُهْمٍ السّمَاعِيّ قَالَ حَدّثَنِي أَبُو أَيّوبَ قَالَ لَمّا نَزَلَ عَلَيّ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فِي بَيْتِي، نَزَلَ فِي السّفْلِ وَأَنَا وَأُمّ أَيّوبَ فِي الْعُلْوِ فَقُلْت لَهُ يَا نَبِيّ اللّهِ بِأَبِي أَنْتَ وَأُمّي، إنّي لَأَكْرَهُ وَأُعْظِمُ أَنْ أَكُونَ فَوْقَك، وَتَكُونَ تَحْتِي، فَاظْهَرْ أَنْتَ فَكُنْ فِي الْعُلْوِ وَنَنْزِلَ نَحْنُ فَنَكُونَ فِي السّفْلِ فَقَالَ يَا أَبَا أَيّوبَ إنّ أَرْفَقَ بِنَا وَبِمَنْ يَغْشَانَا، أَنْ نَكُونَ فِي سُفْلِ الْبَيْتِ قَالَ فَكَانَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فِي سُفْلِهِ وَكُنّا فَوْقَهُ فِي الْمَسْكَنِ بِقَطِيفَةٍ لَنَا، مَا لَنَا لِحَافٌ غَيْرَهَا، نُنَشّفُ بِهَا الْمَاءَ تَخَوّفًا أَنْ يَقْطُرَ عَلَى رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ مِنْهُ شَيْءٌ فَيُؤْذِيَهُ. قَالَ وَكُنّا نَصْنَعُ لَهُ الْعَشَاءَ ثُمّ نَبْعَثُ بِهِ إلَيْهِ فَإِذَا رَدّ عَلَيْنَا فَضْلَهُ تَيَمّمْت أَنَا وَأُمّ أَيّوبَ مَوْضِعَ يَدِهِ فَأَكَلْنَا مِنْهُ نَبْتَغِي بِذَلِكَ الْبَرَكَةَ، حَتّى بَعَثْنَا إلَيْهِ لَيْلَةً بِعَشَائِهِ وَقَدْ جَعَلْنَا لَهُ بَصَلًا أَوْ ثُومًا، فَرَدّهُ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَلَمْ أَرَ لِيَدِهِ فِيهِ أَثَرًا. قَالَ فَجِئْتُهُ فَزِعًا، فَقُلْت: يَا رَسُولَ اللّهِ بِأَبِي أَنْتَ وَأُمّي، رَدَدْتَ عَشَاءَك، وَلَمْ أَرَ فِيهِ مَوْضِعَ يَدِك، وَكُنْتَ إذَا رَدَدْته عَلَيْنَا، تَيَمّمْت أَنَا وَأُمّ أَيّوبَ مَوْضِعَ يَدِك، نَبْتَغِي بِذَلِكَ الْبَرَكَةَ؛ قَالَ إنّي وَجَدْت فِيهِ رِيحَ هَذِهِ الشّجَرَةِ، وَأَنَا رَجُلٌ أُنَاجِي، فَأَمّا أَنْتُمْ فَكُلُوهُ قَالَ فَأَكَلْنَاهُ وَلَمْ نَصْنَعْ لَهُ تِلْكَ الشّجَرَةَ بَعْدُ.
.[تَلَاحُقُ الْمُهَاجِرِينَ إلَى الرّسُولِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بِالْمَدِينَةِ]:

قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَتَلَاحَقَ الْمُهَاجِرُونَ إلَى رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَلَمْ يَبْقَ بِمَكّةَ مِنْهُمْ أَحَدٌ، إلّا مَفْتُونٌ أَوْ مَحْبُوسٌ وَلَمْ يُوعَبْ أَهْلُ هِجْرَةٍ مِنْ مَكّةَ بِأَهْلِيهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ إلَى اللّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى وَإِلَى رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ إلّا أَهْلُ دُورٍ مُسَمّوْنَ بَنُو مَظْعُونٍ مِنْ بَنِي جُمَحٍ؛ وَبَنُو جَحْشِ بْنِ رِئَابٍ، حُلَفَاءُ بَنِي أُمَيّةَ؛ وَبَنُو الْبُكَيْرِ، مِنْ بَنِي سَعْدِ بْنِ لَيْثٍ، حُلَفَاءُ بَنِي عَدِيّ بْنِ كَعْبٍ، فَإِنّ دُورَهُمْ غُلّقَتْ بِمَكّةَ هِجْرَةً لَيْسَ فِيهَا سَاكِنٌ.
.[عُدْوَانُ أَبِي سُفْيَانَ عَلَى دَارِ بَنِي جَحْشٍ وَالْقِصّةُ فِي ذَلِكَ]:

وَلَمّا خَرَجَ بَنُو جَحْشِ بْنِ رِئَابٍ مِنْ دَارِهِمْ عَدَا عَلَيْهَا أَبُو سُفْيَانَ بْنُ حَرْبٍ، فَبَاعَهَا مِنْ عَمْرِو بْنِ عَلْقَمَةَ أَخِي بَنِي عَامِرِ بْنِ لُؤَيّ؛ فَلَمّا بَلَغَ بَنِي جَحْشٍ مَا صَنَعَ أَبُو سُفْيَانَ بِدَارِهِمْ ذَكَرَ ذَلِكَ عَبْدُ اللّهِ بْنُ جَحْشٍ لِرَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ أَلَا تَرْضَى يَا عَبْدَ اللّهِ أَنْ يُعْطِيَك اللّهُ بِهَا دَارًا خَيْرًا مِنْهَا فِي الْجَنّةِ؟ قَالَ بَلَى، قَالَ فَذَلِكَ لَك فَلَمّا افْتَتَحَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ مَكّةَ، كَلّمَهُ أَبُو أَحْمَدَ فِي دَارِهِمْ. فَأَبْطَأَ عَلَيْهِ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَقَالَ النّاسُ لِأَبِي أَحْمَدَ يَا أَبَا أَحْمَدَ إنّ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ يَكْرَهُ أَنْ تَرْجِعُوا فِي شَيْءٍ مِنْ أَمْوَالِكُمْ أُصِيبَ مِنْكُمْ فِي اللّهِ عَزّ وَجَلّ فَأَمْسَكَ عَنْ كَلَامِ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَقَالَ لِأَبِي سُفْيَانَ:
أَبْلِغْ أَبَا سُفْيَانَ ** عَنْ أَمْرٍ عَوَاقِبُهُ نَدَامَهْ

دَارَ ابْنِ عَمّك بِعْتَهَا ** تَقْضِي بِهَا عَنْك الْغَرَامَهْ

وَحَلِيفُكُمْ بِاَللّهِ رَبّ ** النّاسِ مُجْتَهَدُ الْقَسَامَهْ

اذْهَبْ بِهَا، اذْهَبْ بِهَا ** طُوّقْتَهَا طَوْقَ الْحَمَامَهْ

.[انْتِشَار الْإِسْلَامَ وَمَنْ بَقِيَ عَلَى شِرْكِهِ]:

قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فَأَقَامَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بِالْمَدِينَةِ إذْ قَدِمَهَا شَهْرَ رَبِيعٍ الْأَوّلِ إلَى صَفَرٍ مِنْ السّنَةِ الدّاخِلَةِ حَتّى بُنِيَ لَهُ فِيهَا مَسْجِدُهُ وَمَسَاكِنُهُ وَاسْتَجْمَعَ لَهُ إسْلَامُ هَذَا الْحَيّ مِنْ الْأَنْصَارِ، فَلَمْ يَبْقَ دَارٌ مِنْ دُورِ الْأَنْصَارِ إلّا أَسْلَمَ أَهْلُهَا، إلّا مَا كَانَ مِنْ خَطْمَةَ وَوَاقِفٍ وَوَائِلٍ وَأُمَيّةَ وَتِلْكَ أَوْسُ اللّهِ وَهُمْ حَيّ مِنْ الْأَوْسِ، فَإِنّهُمْ أَقَامُوا عَلَى شِرْكِهِمْ.
.[أَوّلُ خُطَبِهِ عَلَيْهِ الصّلَاةُ وَالسّلَامُ]:

وَكَانَتْ أَوّلُ خُطْبَةٍ خَطَبَهَا رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فِيمَا بَلَغَنِي عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرّحْمَنِ- نَعُوذُ بِاَللّهِ أَنْ نَقُولَ عَلَى رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ مَا لَمْ يَقُلْ- أَنّهُ قَامَ فِيهِمْ فَحَمِدَ اللّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ بِمَا هُوَ أَهْلُهُ ثُمّ قَالَ أَمّا بَعْدُ أَيّهَا النّاسُ فَقَدّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ. تَعَلّمُنّ وَاَللّهِ لَيُصْعَقَنّ أَحَدُكُمْ ثُمّ لَيَدَعَنّ غَنَمَهُ لَيْسَ لَهَا رَاعٍ ثُمّ لَيَقُولَنّ لَهُ رَبّهُ وَلَيْسَ لَهُ تَرْجُمَانٌ وَلَا حَاجِبٌ يَحْجُبُهُ دُونَهُ أَلَمْ يَأْتِك رَسُولِي فَبَلّغَك، وَآتَيْتُك مَالًا وَأَفْضَلْت عَلَيْك؟ فَمَا قَدّمْتَ فَلْيَفْعَلْ وَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَبِكَلِمَةٍ طَيّبَةٍ، فَإِنّ بِهَا تُجْزَى الْحَسَنَةُ عَشْرَ أَمْثَالِهَا، إلَى سَبْعِ مِئَةِ ضَعْفٍ وَالسّلَامُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللّهِ وَبَرَكَاتُهُ.
.[خُطْبَتُهُ الثّانِيَةُ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ]:

قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: ثُمّ خَطَبَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ النّاسَ مَرّةً أُخْرَى، فَقَالَ إنّ الْحَمْدَ لِلّهِ أَحْمَدُهُ وَأَسْتَعِينُهُ، نَعُوذُ بِاَللّهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا، وَسَيّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللّهُ فَلَا مُضِلّ لَهُ وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ وَأَشْهَدُ أَنّ لَا إلَهَ إلّا اللّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ. إنّ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابُ اللّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى، قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَيّنَهُ اللّهُ فِي قَلْبِهِ وَأَدْخَلَهُ فِي الْإِسْلَامِ بَعْدَ الْكُفْرِ وَاخْتَارَهُ عَلَى مَا سِوَاهُ مِنْ أَحَادِيثِ النّاسِ إنّهُ أَحْسَنُ الْحَدِيثِ وَأَبْلَغُهُ أَحِبّوا مَا أَحَبّ اللّهُ أَحِبّوا اللّهَ مِنْ كُلّ قُلُوبِكُمْ وَلَا تَمَلّوا كَلَامَ اللّهِ وَذِكْرَهُ وَلَا تَقْسُ عَنْهُ قُلُوبُكُمْ فَإِنّهُ مِنْ كُلّ مَا يَخْلُقُ اللّهُ يَخْتَارُ وَيَصْطَفِي، قَدْ سَمّاهُ اللّهُ خِيرَتَهُ مِنْ الْأَعْمَالِ وَمُصْطَفَاهُ مِنْ الْعِبَادِ وَالصّالِحَ مِنْ الْحَدِيثِ وَمِنْ كُلّ مَا أُوتِيَ النّاسُ الْحَلَالُ وَالْحَرَامُ فَاعْبُدُوا اللّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا، وَاتّقُوهُ حَقّ تُقَاتِهِ وَاصْدُقُوا اللّهَ صَالِحَ مَا تَقُولُونَ بِأَفْوَاهِكُمْ وَتَحَابّوا بِرُوحِ اللّهِ بَيْنَكُمْ إنّ اللّهَ يَغْضَبُ أَنْ يُنْكَثَ عَهْدُهُ وَالسّلَامُ عَلَيْكُمْ.
.[كِتَابُهُ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بَيْنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَمُوَادَعَةُ يَهُودَ]:

قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَكَتَبَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ كِتَابًا بَيْنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ، وَادَعَ فِيهِ يَهُودَ وَعَاهَدَهُمْ وَأَقَرّهُمْ عَلَى دِينِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ وَشَرَطَ لَهُمْ وَاشْتَرَطَ عَلَيْهِمْ بِسْمِ اللّهِ الرّحْمَنِ الرّحِيمِ هَذَا كِتَابٌ مِنْ مُحَمّدٍ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم، بَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُسْلِمِينَ مِنْ قُرَيْشٍ وَيَثْرِبَ، وَمَنْ تَبِعَهُمْ فَلَحِقَ بِهِمْ وَجَاهَدَ مَعَهُمْ إنّهُمْ أُمّةٌ وَاحِدَةٌ مِنْ دُونِ النّاسِ الْمُهَاجِرُونَ مِنْ قُرَيْشٍ عَلَى رِبْعَتِهِمْ يَتَعَاقَلُونَ وَبَنُو عَوْف ٍ عَلَى رِبْعَتِهِمْ يَتَعَاقَلُونَ مَعَاقِلَهُمْ الْأُولَى، كُلّ طَائِفَةٍ تَفْدِي عَانِيَهَا بِالْمَعْرُوفِ وَالْقِسْطِ بَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ وَبَنُو سَاعِدَةَ عَلَى رِبْعَتِهِمْ يَتَعَاقَلُونَ مَعَاقِلَهُمْ الْأُولَى، وَكُلّ طَائِفَةٍ مِنْهُمْ تَفْدِي عَانِيَهَا بِالْمَعْرُوفِ وَالْقِسْطِ بَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ وَبَنُو الْحَارِثِ عَلَى رِبْعَتِهِمْ يَتَعَاقَلُونَ مَعَاقِلَهُمْ الْأُولَى، وَكُلّ طَائِفَةٍ تَفْدِي عَانِيَهَا بِالْمَعْرُوفِ وَالْقِسْطِ بَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ وَبَنُو جُشَمٍ عَلَى رِبْعَتِهِمْ يَتَعَاقَلُونَ مَعَاقِلِهِمْ الْأُولَى، وَكُلّ طَائِفَةٍ مِنْهُمْ تَفْدِي عَانِيَهَا بِالْمَعْرُوفِ وَالْقِسْطِ بَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ وَبَنُو النّجّارِ عَلَى رِبْعَتِهِمْ يَتَعَاقَلُونَ مَعَاقِلَهُمْ الْأُولَى، وَكُلّ طَائِفَةٍ مِنْهُمْ تَفْدِي عَانِيَهَا بِالْمَعْرُوفِ وَالْقِسْطِ بَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ وَبَنُو عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ عَلَى رِبْعَتِهِمْ يَتَعَاقَلُونَ مَعَاقِلَهُمْ الْأُولَى، وَكُلّ طَائِفَةٍ تَفْدِي عَانِيَهَا بِالْمَعْرُوفِ وَالْقِسْطِ بَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ وَبَنُو النّبِيتِ عَلَى رِبْعَتِهِمْ يَتَعَاقَلُونَ مَعَاقِلَهُمْ الْأُولَى، وَكُلّ طَائِفَةٍ تَفْدِي عَانِيَهَا بِالْمَعْرُوفِ وَالْقِسْطِ بَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ وَبَنُو الْأَوْسِ عَلَى رِبْعَتِهِمْ يَتَعَاقَلُونَ مَعَاقِلَهُمْ الْأُولَى، وَكُلّ طَائِفَةٍ مِنْهُمْ تَفْدِي عَانِيَهَا بِالْمَعْرُوفِ وَالْقِسْطِ بَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ وَإِنّ الْمُؤْمِنِينَ لَا يَتْرُكُونَ مُفْرَحًا بَيْنَهُمْ أَنْ يُعْطُوهُ بِالْمَعْرُوفِ فِي فِدَاءٍ أَوْ عَقْلٍ:
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: الْمُفْرَحُ الْمُثْقَلُ بِالدّيْنِ وَالْكَثِيرُ الْعِيَالِ. قَالَ الشّاعِرُ:
إذَا أَنْتَ لَمْ تَبْرَحْ تَوَدّي أَمَانَةً ** وَتَحْمِلُ أُخْرَى أَفْرَحَتْك الْوَدَائِعُ

وَأَنْ لَا يُحَالِفَ مُؤْمِنٌ مَوْلَى مُؤْمِنٍ دُونَهُ وَإِنّ الْمُؤْمِنِينَ الْمُتّقِينَ عَلَى مَنْ بَغَى مِنْهُمْ أَوْ ابْتَغَى دَسِيعَةَ ظُلْمٍ أَوْ إثْمٍ أَوْ عُدْوَانٍ، أَوْ فَسَادٍ بَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ وَإِنّ أَيْدِيَهُمْ عَلَيْهِ جَمِيعًا، وَلَوْ كَانَ وَلَدَ أَحَدِهِمْ وَلَا يَقْتُلُ مُؤْمِنٌ مُؤْمِنًا فِي كَافِرٍ وَلَا يَنْصُرُ كَافِرًا عَلَى مُؤْمِنٍ وَإِنّ ذِمّةَ اللّهِ وَاحِدَةٌ يُجِيرُ عَلَيْهِمْ أَدْنَاهُمْ وَإِنّ الْمُؤْمِنِينَ بَعْضُهُمْ دُونَ النّاسِ وَإِنّهُ مَنْ تَبِعَنَا مِنْ يَهُودَ فَإِنّ لَهُ النّصْرَ وَالْأُسْوَةَ غَيْرَ مَظْلُومِينَ وَلَا مُتَنَاصَرِينَ عَلَيْهِمْ وَإِنّ سِلْمَ الْمُؤْمِنِينَ وَاحِدَةٌ لَا يُسَالَمُ مُؤْمِنٌ دُونَ مُؤْمِنٍ فِي قِتَالٍ فِي سَبِيلِ اللّهِ إلّا عَلَى سَوَاءٍ وَعَدْلٍ بَيْنَهُمْ وَإِنّ كُلّ غَازِيَةٍ غَزَتْ مَعَنَا يُعْقِبُ بَعْضُهَا بَعْضًا، وَإِنّ الْمُؤْمِنِينَ يُبِئْ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ بِمَا نَالَ دِمَاءَهُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَإِنّ الْمُؤْمِنِينَ الْمُتّقِينَ عَلَى أَحْسَنِ هُدًى وَأَقْوَمِهِ وَإِنّهُ لَا يُجِيرُ مُشْرِكٌ مَالًا لِقُرَيْشٍ وَلَا نَفْسَهَا، وَلَا يَحُولُ دُونَهُ عَلَى مُؤْمِنٍ وَإِنّهُ مَنْ اعْتَبَطَ مُؤْمِنًا قَتْلًا عَنْ بَيّنَةٍ فَإِنّهُ قَوَدٌ بِهِ إلّا أَنْ يَرْضَى وَلِيّ الْمَقْتُولِ وَإِنّ الْمُؤْمِنِينَ عَلَيْهِ كَافّةٌ وَلَا يَحِلّ لَهُمْ إلّا قِيَامٌ عَلَيْهِ وَإِنّهُ لَا يَحِلّ لِمُؤْمِنٍ أَقَرّ بِمَا فِي هَذِهِ الصّحِيفَةِ وَآمَنَ بِاَللّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ أَنْ يَنْصُرَ مُحْدِثًا وَلَا يُؤْوِيهِ وَأَنّهُ مَنْ نَصَرَهُ أَوْ آوَاهُ فَإِنّ عَلَيْهِ لَعْنَةَ اللّهِ وَغَضَبَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ.
وَلَا يُؤْخَذُ مِنْهُ صَرْفٌ وَلَا عَدْلٌ وَإِنّكُمْ مَهْمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِنْ شَيْءٍ فَإِنّ مَرَدّهُ إلَى اللّهِ عَزّ وَجَلّ وَإِلَى مُحَمّدٍ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَإِنّ الْيَهُودَ يُنْفِقُونَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ مَا دَامُوا مُحَارَبِينَ وَإِنّ يَهُودَ بَنِي عَوْفٍ أُمّةٌ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ لِلْيَهُودِ دِينُهُمْ وَلِلْمُسْلِمَيْنِ دِينُهُمْ مَوَالِيهِمْ وَأَنْفُسُهُمْ إلّا مَنْ ظَلَمَ وَأَثِمَ فَإِنّهُ لَا يُوتِغُ إلّا نَفْسَهُ وَأَهْلَ بَيْتِهِ وَإِنّ لِيَهُودِ بَنِي النّجّار ِ مِثْلَ مَا لِيَهُودِ بَنِي عَوْف ٍ وَإِنّ لِيَهُودِ بَنِي الْحَارِثِ مِثْلَ مَا لِيَهُودِ بَنِي عَوْفٍ؛ وَإِنّ لِيَهُودِ بَنِي سَاعِدَةَ مَا لِيَهُودِ بَنِي عَوْفٍ؛ وَإِنّ لِيَهُودِ بَنِي جُشَمٍ مِثْلَ مَا لِيَهُودِ بَنِي عَوْفٍ؛ وَإِنّ لِيَهُودِ بَنِي الْأَوْسِ مِثْلَ مَا لِيَهُودِ بَنِي عَوْف ٍ وَإِنّ لِيَهُودِ بَنِي ثَعْلَبَةَ مِثْلَ مَا لِيَهُودِ بَنِي عَوْفٍ، إلّا مَنْ ظَلَمَ وَأَثِمَ فَإِنّهُ لَا يُوتِغُ إلّا نَفْسَهُ وَأَهْلَ بَيْتِهِ وَإِنّ جَفْنَةَ بَطْنٌ مِنْ ثَعْلَبَةَ كَأَنْفُسِهِمْ وَإِنّ لِبَنِي الشّطِيبَةِ مِثْلَ مَا لِيَهُودِ بَنِي عَوْفٍ، وَإِنّ الْبِرّ دُونَ الْإِثْمِ وَإِنّ مَوَالِيَ ثَعْلَبَةَ كَأَنْفُسِهِمْ وَإِنّ بِطَانَةَ يَهُودَ كَأَنْفُسِهِمْ وَإِنّهُ لَا يَخْرَجُ مِنْهُمْ أَحَدٌ إلّا بِإِذْنِ مُحَمّدٍ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَإِنّهُ لَا يُنْحَجَزُ عَلَى ثَأْرٍ جُرْحٌ وَإِنّهُ مَنْ فَتَكَ فَبِنَفْسِهِ فَتَكَ وَأَهْلِ بَيْتِهِ إلّا مِنْ ظَلَمَ وَإِنّ اللّهَ عَلَى أَبَرّ هَذَا؛ وَإِنّ عَلَى الْيَهُودِ نَفَقَتَهُمْ وَالنّصِيحَةَ وَالْبِرّ دُونَ الْإِثْمِ وَإِنّهُ لَمْ يَأْثَمْ امْرُؤٌ بِحَلِيفِهِ وَإِنّ النّصْرَ لِلْمَظْلُومِ وَإِنّ الْيَهُودَ يُنْفِقُونَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ مَا دَامُوا مُحَارَبِينَ وَإِنّ يَثْرِبَ حَرَامٌ جَوْفُهَا لِأَهْلِ هَذِهِ الصّحِيفَةِ وَإِنّ الْجَارَ كَالنّفْسِ غَيْرَ مُضَارّ وَلَا آثِمٌ وَإِنّهُ لَا تُجَارُ حُرْمَةٌ إلّا بِإِذْنِ أَهْلِهَا، وَإِنّهُ مَا كَانَ بَيْنَ أَهْلِ هَذِهِ الصّحِيفَةِ مِنْ حَدَثٍ أَوْ اشْتِجَارٍ يُخَافُ فَسَادُهُ فَإِنّ مَرَدّهُ إلَى اللّهِ عَزّ وَجَلّ وَإِلَى مُحَمّدٍ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَإِنّ اللّهَ عَلَى أَتْقَى مَا فِي هَذِهِ الصّحِيفَةِ وَأَبَرّهِ وَإِنّهُ لَا تُجَارُ قُرَيْشٌ وَلَا مَنْ نَصَرَهَا. وَإِنّ بَيْنَهُمْ النّصْرَ عَلَى مَنْ دَهَمَ يَثْرِبَ، وَإِذَا دُعُوا إلَى صُلْحٍ يُصَالِحُونَهُ وَيَلْبَسُونَهُ فَإِنّهُمْ يُصَالِحُونَهُ وَيَلْبَسُونَهُ وَإِنّهُمْ إذَا دُعُوا إلَى مِثْلِ ذَلِكَ فَإِنّهُ لَهُمْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إلّا مَنْ حَارَبَ فِي الدّينِ عَلَى كُلّ أُنَاسٍ حِصّتُهُمْ مِنْ جَانِبِهِمْ الّذِي قِبَلَهُمْ وَإِنّ يَهُودَ الْأَوْسِ، مَوَالِيَهُمْ وَأَنْفُسَهُمْ عَلَى مِثْلِ مَا لِأَهْلِ هَذِهِ الصّحِيفَةِ. مَعَ الْبِرّ الْمَحْضِ؟ مِنْ أَهْلِ هَذِهِ الصّحِيفَةِ. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَيُقَالُ مَعَ الْبِرّ الْمُحْسِنُ مِنْ أَهْلِ هَذِهِ الصّحِيفَةِ. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَإِنّ الْبِرّ دُونَ الْإِثْمِ لَا يَكْسِبُ كَاسِبٌ إلّا عَلَى نَفْسِهِ وَإِنّ اللّهَ عَلَى أَصْدَقِ مَا فِي هَذِهِ الصّحِيفَةِ وَأَبَرّهِ وَإِنّهُ لَا يَحُولُ هَذَا الْكِتَابُ دُونَ ظَالِمٍ وَآثِمٍ وَإِنّهُ مَنْ خَرَجَ آمِنٌ وَمَنْ قَعَدَ آمِنٌ بِالْمَدِينَةِ، إلّا مَنْ ظَلَمَ أَوْ أَثِمَ وَإِنّ اللّهَ جَارٌ لِمَنْ بَرّ وَاتّقَى، وَمُحَمّدٌ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://el-quran.ahlamontada.com
Admin
Admin
Admin


المساهمات : 4240
تاريخ التسجيل : 20/01/2018

كتاب السيرة النبوية۞ لعبد الملك ابن هشام ۞«المؤرخ» ​ - صفحة 2 Empty
مُساهمةموضوع: رد: كتاب السيرة النبوية۞ لعبد الملك ابن هشام ۞«المؤرخ» ​   كتاب السيرة النبوية۞ لعبد الملك ابن هشام ۞«المؤرخ» ​ - صفحة 2 Emptyالأحد مارس 04, 2018 6:20 am

كتاب السيرة النبوية۞ لعبد الملك ابن هشام ۞«المؤرخ» ​ - صفحة 2 SeeretIbenHisham

.الْمُؤَاخَاةُ بَيْنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ:

قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَآخَى رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بَيْنَ أَصْحَابِهِ مِنْ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ، فَقَالَ- فِيمَا بَلَغَنَا، وَنَعُوذُ بِاَللّهِ أَنْ نَقُولَ عَلَيْهِ مَا لَمْ يُقَلْ-: تَآخَوْا فِي اللّهِ أَخَوَيْنِ أَخَوَيْنِ ثُمّ أَخَذَ بِيَدِ عَلِيّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ، فَقَالَ هَذَا أَخِي فَكَانَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ سَيّدَ الْمُرْسَلِينَ وَإِمَامَ الْمُتّقِينَ وَرَسُولَ رَبّ الْعَالَمِينَ الّذِي لَيْسَ لَهُ خَطِيرٌ وَلَا نَظِيرٌ مِنْ الْعِبَادِ وَعَلِيّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُ أَخَوَيْنِ وَكَانَ حَمْزَةُ بْنُ عَبْدِ الْمُطّلِبِ، أَسَدُ اللّهِ وَأَسَدُ رَسُولِهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَعَمّ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَزَيْدُ بْنُ حَارِثَةَ، مَوْلَى رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ أَخَوَيْنِ وَإِلَيْهِ أَوْصَى حَمْزَةُ يَوْمَ أُحُدٍ حَيْنَ حَضَرَهُ الْقِتَالُ إنْ حَدَثَ بِهِ حَادِثُ الْمَوْتِ وَجَعْفَرُ بْنُ أَبِي طَالِبٍ ذُو الْجَنَاحَيْنِ الطّيّارُ فِي الْجَنّةِ وَمَعَاذُ بْنُ جَبَلٍ، أَخُو بَنِي سَلَمَةَ، أَخَوَيْنِ. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَكَانَ جَعْفَرُ بْنُ أَبِي طَالِبٍ يَوْمئِذٍ غَائِبًا بِأَرْضِ الْحَبَشَةِ. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَكَانَ أَبُو بَكْرٍ الصّدّيقُ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُ ابْنُ أَبِي قُحَافَةَ وَخَارِجَةُ بْنُ زُهَيْرٍ، أَخُو بَلْحَارِثِ بْنِ الْخَزْرَجِ أَخَوَيْنِ وَعُمَرُ بْنُ الْخَطّابِ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُ وَعِتْبَانُ بْنُ مَالِكٍ، أَخُو بَنِي سَالِمِ بْنِ عَوْفِ بْنِ عَمْرِو بْنِ عَوْفِ بْنِ الْخَزْرَجِ أَخَوَيْنِ وَأَبُو عُبَيْدَةَ بْنُ عَبْدِ اللّهِ بْنِ الْجَرّاحِ، وَاسْمُهُ عَامِرُ بْنُ عَبْدِ اللّهِ، وَسَعْدُ بْنُ مُعَاذِ بْنِ النّعْمَانِ أَخُو بَنِي عَبْدِ الْأَشْهَلِ، أَخَوَيْنِ. وَعَبْدُ الرّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ، وَسَعْدُ بْنُ الرّبِيعِ، أَخُو بَلْحَارِثِ بْنِ الْخَزْرَجِ، أَخَوَيْنِ. وَالزّبَيْرُ بْنُ الْعَوّامِ، وَسَلَامَةُ بْنُ سَلَامَةَ بْنِ وَقْشٍ أَخُو بَنِي عَبْدِ الْأَشْهَلِ، أَخَوَيْنِ. وَيُقَالُ بَلْ الزّبَيْرُ وَعَبْدُ اللّهِ بْنُ مَسْعُودٍ، حَلِيفُ بَنِي زُهْرَةَ، أَخَوَيْنِ وَعُثْمَانُ بْنُ عَفّانَ، وَأَوْسُ بْنُ ثَابِتِ بْنِ الْمُنْذِرِ أَخُو بَنِي النّجّارِ، أَخَوَيْنِ. وَطَلْحَةُ بْنُ عُبَيْدِ اللّهِ، وَكَعْبُ بْنُ مَالِكٍ، أَخُو بَنِي سَلَمَةَ، أَخَوَيْنِ. وَسَعْدُ بْنُ زَيْدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ نُفَيْلٍ، وأُبَيّ بْنُ كَعْبٍ أَخُو بَنِي النّجّارِ: أَخَوَيْنِ وَمُصْعَبُ بْنُ عُمَيْرِ بْنِ هَاشِمٍ، وَأَبُو أَيّوبَ خَالِدُ بْنُ زَيْدٍ، أَخُو بَنِي النّجّارِ: أَخَوَيْنِ وَأَبُو حُذَيْفَةَ بْنُ عُتْبَةَ بْنِ رَبِيعَةَ، وَعَبّادُ بْنُ بِشْرِ بْنِ وَقْشٍ، أَخُو بَنِي عَبْدِ الْأَشْهَلِ: أَخَوَيْنِ. وَعَمّارُ بْنُ يَاسِرٍ، حَلِيفُ بَنِي مَخْزُومٍ، وَحُذَيْفَةُ بْنُ الْيَمَانِ، أَخُو بَنِي عَبْدِ عَبْسٍ، حَلِيفُ بَنِي عَبْدِ الْأَشْهَلِ: أَخَوَيْنِ. وَيُقَالُ ثَابِتُ بْنُ قَيْسِ بْنِ الشّمّاسِ، أَخُو بَلْحَارِثِ بْنِ الْخَزْرَجِ، خَطِيبُ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَعَمّارُ بْنُ يَاسِرٍ: أَخَوَيْنِ. وَأَبُو ذَرّ، وَهُوَ بُرَيْرُ بْنُ جُنَادَةَ الْغِفَارِيّ، الْمُنْذِرُ بْنُ عَمْرٍو، الْمُعْنِقُ لِيَمُوتَ أَخُو بَنِي سَاعِدَةَ بْنِ كَعْبِ بْنِ الْخَزْرَجِ: أَخَوَيْنِ. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَسَمِعْت غَيْرَ وَاحِدٍ مِنْ الْعُلَمَاءِ يَقُولُ أَبُو ذَرّ جُنْدَبُ بْنُ جُنَادَةَ. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَكَانَ حَاطِبُ بْنُ أَبِي بَلْتَعَةَ، حَلِيفُ بَنِي أَسَدِ بْنِ عَبْدِ الْعُزّى وَعُوَيْمُ بْنُ سَاعِدَةَ أَخُو بَنِي عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ، أَخَوَيْنِ وَسَلْمَانُ الْفَارِسِيّ، وَأَبُو الدّرْدَاءِ، عُوَيْمِرُ بْنُ ثَعْلَبَةَ أَخُو بَلْحَارِثِ بْنِ الْخَزْرَجِ، أَخَوَيْنِ. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: عُوَيْمِرُ بْنُ عَامِرٍ وَيُقَالُ عُوَيْمِرُ بْنُ زَيْدٍ. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَبِلَالٌ، مَوْلَى أَبِي بَكْرٍ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُمَا، مُؤَذّنُ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَأَبُو رُوَيْحَةَ عَبْدُ اللّهِ بْنُ عَبْدِ الرّحْمَنِ الْخَثْعَمِيّ، ثُمّ أَحَدُ سُمّيَ لَنَا، مِمّنْ كَانَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ آخَى بَيْنَهُمْ مِنْ أَصْحَابِهِ.
.[بِلَالٌ يُوصِي بِدِيوَانِهِ لِأَبِي رُوَيْحَةَ]:

فَلَمّا دَوّنَ عُمَرُ بْنُ الْخَطّابِ الدّوَاوِينَ بِالشّامِ، وَكَانَ بِلَالٌ قَدْ خَرَجَ إلَى الشّامِ، فَأَقَامَ بِهَا مُجَاهِدًا، فَقَالَ عُمَرُ لِبِلَالٍ: إلَى مَنْ تَجْعَلُ دِيوَانَك يَا بِلَالُ؟ قَالَ مَعَ أَبِي رُوَيْحَةَ لَا أُفَارِقُهُ أَبَدًا، لِلْأُخُوّةِ الّتِي كَانَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ عَقَدَ بَيْنَهُ وَبَيْنِي، فَضَمّ إلَيْهِ وَضُمّ دِيوَانُ الْحَبَشَةِ إلَى خَثْعَمَ، لِمَكَانِ بِلَالٍ مِنْهُمْ فَهُوَ فِي خَثْعَمَ إلَى هَذَا الْيَوْمِ بِالشّامِ.
.أَبُو أُمَامَة َ:

قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَهَلَكَ فِي تِلْكَ الْأَشْهُرِ أَبُو أُمَامَةَ أَسَعْدُ بْنُ زُرَارَةَ، وَالْمَسْجِدُ يُبْنَى، أَخَذَتْهُ الذّبْحَةُ أَوْ الشّهْقَةُ.
.[مَوْتُهُ وَمَا قَالَهُ الْيَهُودُ فِي ذَلِكَ]:

قال ابْنُ إسْحَاقَ: وَحَدّثَنِي عَبْدُ اللّهِ بْنُ أَبِي بَكْرِ بْنِ مُحَمّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ، عَنْ يَحْيَى بْنِ عَبْدِ اللّهِ بْنِ عَبْدِ الرّحْمَنِ بْنِ أَسْعَدَ بْنِ زُرَارَةَ أَنّ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ قَالَ «بِئْسَ الْمَيّتُ أَبُو أُمَامَةَ لَيَهُودُ وَمُنَافِقِي الْعَرَبِ يَقُولُونَ لَوْ كَانَ نَبِيّا لَمْ يَمُتْ صَاحِبُهُ وَلَا أَمْلِكُ لِنَفْسِي وَلَا لِصَاحِبِي مِنْ اللّهِ شَيْئًا».
.[بِمَوْتِهِ كَانَ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ نَقِيبًا لِبَنِي النّجّارِ]:

قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَحَدّثَنِي عَاصِمُ بْنُ عُمَرَ بْنِ قَتَادَةَ الْأَنْصَارِيّ: أَنّهُ لَمّا مَاتَ أَبُو أُمَامَةَ أَسْعَدُ بْنُ زُرَارَةَ، اجْتَمَعَتْ بَنُو النّجّارِ إلَى رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَكَانَ أَبُو أُمَامَةَ نَقِيبَهُمْ فَقَالُوا لَهُ يَا رَسُولَ اللّهِ إنّ هَذَا قَدْ كَانَ مِنّا حَيْثُ قَدْ عَلِمْتَ فَاجْعَلْ مِنّا رَجُلًا مَكَانَهُ يُقِيمُ مِنْ أَمْرِنَا مَا كَانَ يُقِيمُ فَقَالَ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ لَهُمْ أَنْتُمْ أَخْوَالِي، وَأَنَا بِمَا فِيكُمْ، وَأَنَا نَقِيبُكُمْ وَكَرِهَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ أَنْ يَخُصّ بِهَا بَعْضَهُمْ دُونَ بَعْضٍ فَكَانَ مِنْ فَضْلِ بَنِي النّجّارِ الّذِي يَعُدّونَ عَلَى قَوْمِهِمْ أَنْ كَانَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ نَقِيبَهُمْ.
.خَبَرُ الْأَذَانِ:

.[التّفْكِيرُ فِي اتّخَاذِ بُوقٍ أَوْ نَاقُوسٍ]:

قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فَلَمّا اطْمَأَنّ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بِالْمَدِينَةِ، وَاجْتَمَعَ إلَيْهِ إخْوَانُهُ مِنْ الْمُهَاجِرِينَ، وَاجْتَمَعَ أَمْرُ الْأَنْصَارِ، اسْتَحْكَمَ أَمْرُ الْإِسْلَامِ فَقَامَتْ الصّلَاةُ وَفُرِضَتْ الزّكَاةُ وَالصّيَامُ وَقَامَتْ الْحُدُودُ وَفُرِضَ الْحَلَالُ وَالْحَرَامُ وَتَبَوّأَ الْإِسْلَامُ بَيْنَ أَظْهُرِهِمْ وَكَانَ هَذَا الْحَيّ مِنْ الْأَنْصَارِ هُمْ الّذِينَ تَبَوّءُوا الدّارَ وَالْإِيمَانَ. وَقَدْ كَانَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ حَيْنَ قَدِمَهَا إنّمَا يَجْتَمِعُ النّاسُ إلَيْهِ لِلصّلَاةِ لِحِينِ مَوَاقِيتِهَا، بِغَيْرِ دَعْوَةٍ فَهَمّ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ حَيْنَ قَدِمَهَا أَنْ يَجْعَلَ بُوقًا كَبُوقِ يَهُودَ الّذِينَ يَدْعُونَ بِهِ لِصَلَاتِهِمْ ثُمّ كَرِهَهُ ثُمّ أَمَرَ بِالنّاقُوسِ فَنُحِتَ لِيُضْرَبَ بِهِ لِلْمُسْلِمَيْنِ لِلصّلَاةِ.
.[رُؤْيَا عَبْدِ اللّهِ بْنِ زَيْدٍ فِي الْأَذَانِ]:

فَبَيْنَمَا هُمْ عَلَى ذَلِكَ إذْ رَأَى عَبْدُ اللّهِ بْنُ زَيْدِ بْنِ ثَعْلَبَةَ بْنِ عَبْدِ رَبّهِ، أَخُو بَلْحَارِثِ بْنِ الْخَزْرَجِ، النّدَاءَ فَأَتَى رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَقَالَ لَهُ يَا رَسُولَ اللّهِ إنّهُ طَافَ بِي هَذِهِ اللّيْلَةَ طَائِفٌ مَرّ بِي رَجُلٌ عَلَيْهِ ثَوْبَانِ أَخْضَرَانِ يَحْمِلُ نَاقُوسًا فِي يَدِهِ فَقُلْت لَهُ يَا عَبْدَ اللّهِ أَتَبِيعُ هَذَا النّاقُوسَ؟ قَالَ وَمَا تَصْنَعُ بِهِ؟ قَالَ قُلْت: نَدْعُو بِهِ إلَى الصّلَاةِ قَالَ أَفَلَا أَدُلّك عَلَى خَيْرٍ مِنْ ذَلِكَ؟ قَالَ قُلْت: وَمَا هُوَ؟ قَالَ تَقُولُ اللّهُ أَكْبَرُ اللّهُ أَكْبَرُ، اللّهُ أَكْبَرُ اللّهُ أَكْبَرُ، أَشْهَدُ أَنّ لَا إلَهَ إلّا اللّهُ، أَشْهَدُ أَنّ لَا إلَهَ إلّا اللّهُ، أَشْهَدُ أَنّ مُحَمّدًا رَسُولُ اللّهِ أَشْهَدُ أَنّ مُحَمّدًا رَسُولُ اللّهِ حَيّ عَلَى الصّلَاةِ حَيّ عَلَى الصّلَاةِ حَيّ عَلَى الْفَلَاحِ حَيّ عَلَى الْفَلَاحِ اللّهُ أَكْبَرُ اللّهُ أَكْبَرُ لَا إلَهَ إلّا اللّهُ.
.[تَعْلِيمُ بِلَالٍ الْأَذَانَ]:

فَلَمّا أَخْبَرَ بِهَا رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ قَالَ «إنّهَا لَرُؤْيَا حَقّ إنْ شَاءَ اللّهُ، فَقُمْ مَعَ بِلَالٍ فَأَلْقِهَا عَلَيْهِ فَلْيُؤَذّنْ بِهَا، فَإِنّهُ أَنْدَى صَوْتًا مِنْك». فَلَمّا أَذّنَ بِهَا بِلَالٌ سَمِعَهَا عُمَرُ بْنُ الْخَطّابِ، وَهُوَ فِي بَيْتِهِ فَخَرَجَ إلَى رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَهُوَ يَجُرّ رِدَاءَهُ وَهُوَ يَقُولُ يَا نَبِيّ اللّهِ وَاَلّذِي بَعَثَك بِالْحَقّ لَقَدْ رَأَيْت مِثْلَ الّذِي رَأَى؛ فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ «فَلِلّهِ الْحَمْدُ عَلَى ذَلِكَ».


.[رُؤْيَا عُمَرُ فِي الْأَذَانِ وَسَبْقُ الْوَحْيِ بِهِ]:

قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: حَدّثَنِي بِهَذَا الْحَدِيثِ مُحَمّدُ بْنُ إبْرَاهِيمَ بْنِ الْحَارِثِ، عَنْ مُحَمّدِ بْنِ عَبْدِ اللّهِ بْنِ زَيْدِ بْنِ ثَعْلَبَةَ بْنِ عَبْدِ رَبّهِ، عَنْ أَبِيهِ. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَذَكَرَ ابْنُ جُرَيْجٍ، قَالَ قَالَ لِي عَطَاءٌ: سَمِعْت عُبَيْدَ بْنَ عُمَيْرٍ اللّيْثِيّ يَقُولُ ائْتَمَرَ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَأَصْحَابُهُ بِالنّاقُوسِ لِلِاجْتِمَاعِ لِلصّلَاةِ فَبَيْنَمَا عُمَرُ بْنُ الْخَطّابِ يُرِيدُ أَنْ يَشْتَرِيَ خَشَبَتَيْنِ لِلنّاقُوسِ إذْ رَأَى عُمَرُ بْنُ الْخَطّابِ فِي الْمَنَامِ لَا تَجْعَلُوا النّاقُوسَ بَلْ أَذّنُوا لِلصّلَاةِ. فَذَهَبَ عُمَرُ إلَى النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ لِيُخْبِرَهُ بِاَلّذِي رَأَى، وَقَدْ جَاءَ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ الْوَحْيُ بِذَلِكَ فَمَا رَاعَ عُمَرُ إلّا بِلَالٌ يُؤَذّنُ فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ حَيْنَ أَخْبَرَهُ بِذَلِكَ قَدْ سَبَقَك بِذَلِكَ الْوَحْيُ.
.[مَا كَانَ يَقُولُهُ بِلَالٌ قَبْلَ الْأَذَانِ]:

قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَحَدّثَنِي مُحَمّدُ بْنُ جَعْفَرِ بْنِ الزّبَيْرِ، عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزّبَيْرِ، عَنْ امْرَأَةٍ مِنْ بَنِي النّجّارِ، قَالَتْ كَانَ بَيْتِي مِنْ أَطْوَلِ بَيْتٍ حَوْلَ الْمَسْجِدِ، فَكَانَ بِلَالٌ يُؤَذّنُ عَلَيْهِ لِلْفَجْرِ كُلّ غَدَاةٍ فَيَأْتِي بِسَحَرٍ فَيَجْلِسُ عَلَى الْبَيْتِ يَنْتَظِرُ الْفَجْرَ فَإِذَا رَآهُ تَمَطّى، ثُمّ قَالَ اللّهُمّ إنّي أَحَمْدُك وَأَسْتَعِينُك عَلَى قُرَيْشٍ أَنْ يُقِيمُوا عَلَى دِينِك. قَالَتْ وَاَللّهِ مَا عَلِمْته كَانَ يَتْرُكُهَا لَيْلَةً وَاحِدَةً.
.أَبُو قَيْسِ بْنُ أَبِي أَنَسٍ:

قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فَلَمّا اطْمَأَنّتْ بِرَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ دَارُهُ وَأَظْهَرَ اللّهُ بِهَا دِينَهُ وَسَرّهُ بِمَا جَمَعَ إلَيْهِ مِنْ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ مِنْ أَهْلِ وِلَايَتِهِ قَالَ أَبُو قَيْسٍ صِرْمَةُ بْنُ أَبِي أَنَسٍ، أَخُو بَنِي عَدِيّ بْنِ النّجّارِ. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: أَبُو قَيْسٍ صِرْمَةُ بْنُ أَبِي أَنَسِ بْنِ صِرْمَةَ بْنِ مَالِكِ بْنِ عَدِيّ بْنِ عَامِرِ بْنِ غَنْمِ بْنِ عَدِيّ بْنِ النّجّارِ. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَكَانَ رَجُلًا قَدْ تَرَهّبَ فِي الْجَاهِلِيّةِ، وَلَبِسَ الْمُسُوحَ وَفَارَقَ الْأَوْثَانَ وَاغْتَسَلَ مِنْ الْجَنَابَةِ وَتَطَهّرَ مِنْ الْحَائِضِ مِنْ النّسَاءِ وَهَمّ بِالنّصْرَانِيّةِ ثُمّ أَمْسَكَ عَنْهَا، وَدَخَلَ بَيْتًا لَهُ فَاِتّخَذَهُ مَسْجِدًا لَا تَدْخُلُهُ عَلَيْهِ فِيهِ طَامِثٌ وَلَا جُنُبٌ وَقَالَ أَعْبُدُ رَبّ إبْرَاهِيمَ، حَيْنَ فَارَقَ الْأَوْثَانَ وَكَرِهَهَا، حَتّى قَدِمَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ الْمَدِينَةَ، فَأَسْلَمَ وَحَسُنَ إسْلَامُهُ وَهُوَ شَيْخٌ كَبِيرٌ وَكَانَ قَوّالًا بِالْحَقّ مُعَظّمًا لِلّهِ عَزّ وَجَلّ فِي جَاهِلِيّتِهِ يَقُولُ أَشْعَارًا فِي ذَلِكَ حِسَانًا- وَهُوَ الّذِي يَقُولُ:
يَقُولُ أَبُو قَيْسٍ وَأَصْبَحَ غَادِيًا: ** أَلَا مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ وَصَاتَى فَافْعَلُوا

فَأُوصِيكُمْ بِاَللّهِ وَالْبِرّ وَالتّقَى ** وَأَعْرَاضِكُمْ وَالْبِرّ بِاَللّهِ أَوّلُ

وَإِنْ قَوْمُكُمْ سَادُوا فَلَا تَحْسُدُنّهُمْ ** وَإِنْ كُنْتُمْ أَهْلَ الرّيَاسَةِ فَاعْدِلُوا

وَإِنْ نَزَلَتْ إحْدَى الدّوَاهِي بِقَوْمِكُمْ ** فَأَنْفُسَكُمْ دُونَ الْعَشِيرَةِ فَاجْعَلُوا

وَإِنْ نَابَ غُرْمٌ فَادِحٌ فَارْفُقُوهُمْ ** وَمَا حَمّلُوكُمْ فِي الْمُلِمّاتِ فَاحْمِلُوا

وَإِنْ أَنْتُمْ أَمْعَرْتُمْ فَتَعَفّفُوا ** وَإِنْ كَانَ فَضْلُ الْخَيْرِ فِيكُمْ فَأَفْضِلُوا

قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَيُرْوَى:
وَإِنْ نَابَ أَمْرٌ فَادِحٌ فَارْفِدُوهُمْ

قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَقَالَ أَبُو قَيْسٍ صِرْمَةُ أَيْضًا:
سَبّحُوا اللّهَ شَرْقَ كُلّ صَبَاحٍ ** طَلَعَتْ شَمْسُهُ وَكُلّ هِلَالِ

عَالِمَ السّرّ وَالْبَيَانِ لَدَيْنَا ** لَيْسَ مَا قَالَ رَبّنَا بِضَلَالِ

وَلَهُ الطّيْرُ تَسْتَرِيدُ وَتَأْوِي ** فِي وُكُورٍ مِنْ آمِنَاتِ الْجِبَالِ

وَلَهُ الْوَحْشُ بِالْفَلَاةِ تَرَاهَا ** فِي حِقَافٍ وَفِي ظِلَالِ الرّمَالِ

وَلَهُ هَوّدَتْ يَهُودُ وَدَانَتْ ** كُلّ دِينٍ إذَا ذَكَرْتَ عُضَالِ

وَلَهُ شَمّسَ النّصَارَى وَقَامُوا ** كُلّ عِيدٍ لِرَبّهِمْ وَاحْتِفَالِ

وَلَهُ الرّاهِبُ الْحَبِيسُ تَرَاهُ ** رَهْنَ بُوْسٍ وَكَانَ نَاعِمَ بَالِ

يَا بَنِيّ الْأَرْحَامَ لَا تَقْطَعُوهَا ** وَصِلُوهَا قَصِيرَةً مِنْ طِوَالِ

وَاتّقُوا اللّهَ فِي ضِعَافِ الْيَتَامَى ** رُبّمَا يُسْتَحَلّ غَيْرُ الْحَلَالِ

وَاعْلَمُوا أَنّ لِلْيَتِيمِ وَلِيّا ** عَالِمًا يَهْتَدِي بِغَيْرِ السّؤَالِ

ثُمّ مَالَ الْيَتِيمِ لَا تَأْكُلُوهُ ** إنّ مَالَ الْيَتِيمِ يَرْعَاهُ وَالِي

يَا بَنِيّ التّخُومَ لَا تَخْزِلُوهَا ** إنّ خَزْلَ التّخُومِ ذُو عُقّالِ

يَا بَنِيّ الْأَيّامَ لَا تَأْمَنُوهَا ** وَاحْذَرُوا مَكْرَهَا وَمَرّ اللّيَالِي

وَاعْلَمُوا أَنّ مَرّهَا لِنَفَادِ الْ ** خَلْق مَا كَانَ مِنْ جَدِيدٍ وَبَالِي

وَاجْمَعُوا أَمْرَكُمْ عَلَى الْبِرّ وَالتّقْ ** وَى وَتَرْكِ الْخَنَا وَأَخْذِ الْحَلَالِ

وَقَالَ أَبُو قَيْسٍ صِرْمَةُ أَيْضًا، يَذْكُرُ مَا أَكْرَمَهُمْ اللّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى بِهِ مِنْ الْإِسْلَامِ وَمَا خَصّهُمْ اللّهُ بِهِ مِنْ نُزُولِ رَسُولِهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ عَلَيْهِمْ:
ثَوَى فِي قُرَيْشٍ بِضْعَ عَشْرَةَ ** حِجّةً يُذَكّرُ لَوْ يَلْقَى صَدِيقًا مُوَاتِيَا

وَيَعْرِضُ فِي أَهْلِ الْمَوَاسِمِ نَفْسَهُ ** فَلَمْ يَرَ مَنْ يُئوِي وَلَمْ يَرَ دَاعِيَا

فَلَمّا أَتَانَا أَظْهَرَ اللّهُ دِينَهُ ** فَأَصْبَحَ مَسْرُورًا بطِيبةَ رَاضِيَا

وَأَلْفَى صِدّيقًا وَاطْمَأَنّتْ بِهِ النّوَى ** وَكَانَ لَهُ عَوْنًا مِنْ اللّهِ بَادِيَا

يَقُصّ لَنَا مَا قَالَ نُوحٌ لِقَوْمِهِ ** وَمَا قَالَ مُوسَى إذْ أَجَابَ الْمُنَادِيَا

فَأَصْبَحَ لَا يَخْشَى مِنْ النّاسِ وَاحِدًا ** قَرِيبًا وَلَا يَخْشَى مِنْ النّاسِ نَائِيَا

بَذَلْنَا لَهُ الْأَمْوَالَ مِنْ حِلّ مَالِنَا ** وَأَنْفُسَنَا عِنْدَ الْوَغَى والتّآسِيا

وَنَعْلَمُ أَنّ اللّهَ لَا شَيْءَ غَيْرُهُ ** وَنَعْلَمُ أَنّ اللّهَ أَفْضَلُ هَادِيَا

نُعَادِي الّذِي عَادَى مِنْ النّاسِ كلّهُم ** جَمِيعًا وَإِنْ كَانَ الْحَبِيبَ الْمُصَافِيَا

أَقُولُ إذَا أَدْعُوك فِي كُلّ بَيْعَةٍ ** تَبَارَكْتَ قَدْ أَكْثَرْتُ لِاسْمِك دَاعِيَا

أَقُولُ إذَا جَاوَزْتُ أَرْضًا مَخُوفَةً ** حَنانَيْكَ لَا تُظْهِرْ عَلَيّ الْأَعَادِيَا

فَطَأْ مُعْرِضًا إنّ الْحُتُوفَ كَثِيرَةٌ ** وَإِنّك لَا تُبْقِي لِنَفْسِك بَاقِيَا

فَوَاَللّهِ مَا يَدْرِي الْفَتَى كَيْفَ يَتّقِي ** إذَا هُوَ لَمْ يَجْعَلْ لَهُ اللّهُ وَاقِيَا

وَلَا تَحْفِلُ النّخْلُ الْمُعِيمَةُ رَبّهَا ** إذَا أَصْبَحَتْ رِيّا وَأَصْبَحَ ثَاوِيَا

قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: الْبَيْتُ الّذِي أَوّلُهُ:
فَطَأْ مُعْرِضًا إنّ الْحُتُوفَ كَثِيرَةٌ

وَالْبَيْتُ الّذِي يَلِيهِ:
فَوَاَللّهِ مَا يَدْرِي الْفَتَى كَيْفَ يَتّقِي

لِأَفْنُونَ التّغْلِبِيّ وَهُوَ صُرَيْمُ بْنُ مَعْشَرٍ فِي أَبْيَاتٍ لَهُ.
.الْأَعْدَاءُ مِنْ يَهُودَ:

قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَنَصَبَتْ عِنْدَ ذَلِكَ أَحْبَارُ يَهُودَ لِرَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ الْعَدَاوَةَ بَغْيًا وَحَسَدًا وَضِغْنًا، لِمَا خَصّ اللّهُ تَعَالَى بِهِ الْعَرَبَ مِنْ أَخْذِهِ رَسُولَهُ مِنْهُمْ وَانْضَافَ إلَيْهِمْ رِجَالٌ مِنْ الْأَوْسِ وَالْخَزْرَجِ، مِمّنْ كَانَ عَسِيَ عَلَى جَاهِلِيّتِهِ فَكَانُوا أَهْلَ نِفَاقٍ عَلَى دِينِ آبَائِهِمْ مِنْ الشّرْكِ وَالتّكْذِيبِ بِالْبَعْثِ إلّا أَنّ الْإِسْلَامَ قَهَرَهُمْ بِظُهُورِهِ وَاجْتِمَاعِ قَوْمِهِمْ عَلَيْهِ فَظَهَرُوا بِالْإِسْلَامِ وَاِتّخَذُوهُ جُنّةً مِنْ الْقَتْلِ وَنَافَقُوا فِي السّرّ، وَكَانَ هَوَاهُمْ مَعَ يَهُودَ لِتَكْذِيبِهِمْ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَجُحُودِهِمْ الْإِسْلَامَ. وَكَانَتْ أَحْبَارُ يَهُودَ هُمْ الّذِينَ يَسْأَلُونَ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَيَتَعَنّتُونَهُ وَيَأْتُونَهُ بِاللّبْسِ لِيَلْبِسُوا الْحَقّ بِالْبَاطِلِ فَكَانَ الْقُرْآنُ يَنْزِلُ فِيهِمْ فِيمَا يَسْأَلُونَ عَنْهُ إلّا قَلِيلًا مِنْ الْمَسَائِلِ فِي الْحَلَالِ وَالْحَرَامِ كَانَ الْمُسْلِمُونَ يَسْأَلُونَ عَنْهَا.
.[الْأَعْدَاءُ مِنْ بَنِي النّضِيرِ]:

مِنْهُمْ حُيَيّ بْنُ أَخْطَبَ، وَأَخَوَاهُ أَبُو يَاسِرِ بْنِ أَخْطَبَ، وَجُدَيّ بْنُ أَخْطَبَ وَسَلّامُ بْنُ مُشْكِمٍ، وَكِنَانَةُ بْنُ الرّبِيعِ بْنِ أَبِي الْحُقَيْقِ وَسَلّامُ بْنُ أَبِي الْحُقَيْق ِ أَبُو رَافِعٍ الْأَعْوَرُ وَهُوَ الّذِي قَتَلَهُ أَصْحَابُ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بِخَيْبَرٍ- وَالرّبِيعُ بْنُ الرّبِيعِ بْنِ أَبِي الْحُقَيْقِ وَعَمْرُو بْنُ جَحّاشٍ، وَكَعْبُ بْنُ الْأَشْرَف ِ وَهُوَ مِنْ طَيّئ، ثُمّ أَحَدُ بَنِي نَبْهَانَ، وَأُمّهُ مِنْ بَنِي النّضِيرِ، وَالْحَجّاجُ بْنُ عَمْرٍو، حَلِيفُ كَعْبِ بْنِ الْأَشْرَف ِ وَكَرْدَمُ بْنُ قَيْسٍ، حَلِيفُ كَعْبِ بْنِ الْأَشْرَفِ، فَهَؤُلَاءِ مِنْ بَنِي النّضِيرِ. وَمِنْ بَنِي ثَعْلَبَةَ ابْنُ الفِطْيَوْن: عَبْدُ اللّهِ بْنُ صُورِيّا الْأَعْوَرُ وَلَمْ يَكُنْ بِالْحِجَازِ فِي زَمَانِهِ أَحَدٌ أَعْلَمَ بِالتّوْرَاةِ مِنْهُ وَابْنُ صَلُوبا، وَمُخَيْرِيقٌ، وَكَانَ حَبْرَهُمْ أَسْلَمَ. وَمِنْ بَنِي قَيْنُقَاعَ: زَيْدُ بْنُ اللّصِيت- وَيُقَالُ ابْنُ اللّصَيت- فِيمَا قَالَ ابْنُ هِشَامٍ- وَسَعْدُ بْنُ حُنَيْفٍ، وَمَحْمُودُ بْنُ سَيْحَانَ، وَعُزَيْزُ بْنُ أَبِي عُزَيْزٍ، وَعَبْدُ اللّهِ بْنُ صَيْفٍ. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَيُقَالُ ابْنُ ضَيْفٍ. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَسُوَيْدُ بْنُ الْحَارِثِ، وَرِفَاعَةُ بْنُ قَيْسٍ، وَفِنْحَاصُ وَأَشْيَعُ وَنُعْمَانُ بْنُ أضَا، وَبَحْرِيّ بْنُ عَمْرٍو، وَشَأْسُ بْنُ عَدِيّ، وَشَأْسُ بْنُ قَيْسٍ، وَزَيْدُ بْنُ الْحَارِثِ وَنُعْمَانُ بْنُ عَمْرٍو، وَسُكَيْنُ بْنُ أَبِي سُكَيْنٍ، وَعَدِيّ بْنُ زَيْدٍ، وَنُعْمَانُ بْنُ أَبِي أَوْفَى، أَبُو أَنَسٍ وَمَحْمُودُ بْنُ دَحْيَةَ وَمَالِكُ بْنُ صَيْفٍ. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَيُقَالُ ابْنُ ضَيْفٍ. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَكَعْبُ بْنُ رَاشِدٍ وَعَازِرٌ وَرَافِعُ بْنُ أَبِي رَافِعٍ، وَخَالِدٌ وَأَزَارُ بْنُ أَبِي أَزَارٍ. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَيُقَالُ آزِرُ بْنُ آزِرُ. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَرَافِعُ بْنُ حَارِثَةَ، وَرَافِعُ بْنُ حُرَيْمِلَةَ، وَرَافِعُ بْنُ خَارِجَةَ، وَمَالِكُ بْنُ عَوْفٍ وَرِفَاعَةُ بْنُ زَيْدِ بْنِ التّابُوتِ وَعَبْدُ اللّهِ بْنُ سَلَامِ بْنِ الْحَارِثِ، وَكَانَ حَبْرَهُمْ وَأَعْلَمَهُمْ وَكَانَ اسْمُهُ الْحُصَيْنُ فَلَمّا أَسْلَمَ سَمّاهُ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ عَبْدَ اللّهِ. فَهَؤُلَاءِ مِنْ بَنِي قَيْنُقَاعَ.
وَمِنْ بَنِي قُرَيْظَةَ: الزّبَيْرُ بْنُ بَاطَا بْنُ وَهْبٍ وَعَزّالُ بْنُ شَمْوِيلٍ، وَكَعْبُ بْنُ أَسَدٍ، وَهُوَ صَاحِبُ عَقْدِ بَنِي قُرَيْظَةَ الّذِي نُقِضَ عَامَ الْأَحْزَابِ، وَشَمْويِلُ بْنُ زَيْدٍ، وَجَبَلُ بْنُ عَمْرِو بْنِ سُكَيْنَةَ، وَالنّحّامُ بْنُ زَيْدٍ، وَقَرْدَمُ بْنُ كَعْبٍ، وَوَهْبُ بْنُ زَيْدٍ، وَنَافِعُ بْنُ أَبِي نَافِعٍ، وَأَبُو نَافِعٍ وَعَدِيّ بْنُ زَيْدٍ، وَالْحَارِثُ بْنُ عَوْفٍ، وَكَرْدَمُ بْنُ زَيْدٍ وَأُسَامَةُ بْنُ حَبِيبٍ، وَرَافِعُ بْنُ رُمَيْلَةَ وَجَبَلُ بْنُ أَبِي قُشَيْرٍ، وَوَهْبُ بْنُ يَهُوذَا، فَهَؤُلَاءِ مِنْ بَنِي قُرَيْظَةَ. وَمِنْ يَهُودِ بَنِي زُرَيْقٍ: لَبِيدُ بْنُ أَعْصَمَ، وَهُوَ الّذِي أَخّذَ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ عَنْ نِسَائِهِ. يَهُودِ بَنِي حَارِثَةَ: كِنَانَةُ بْنُ صُورِيّا. وَمِنْ يَهُودِ بَنِي عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ: قَرْدَمُ بْنُ عَمْرٍو.
وَمِنْ يَهُودِ بَنِي النّجّارِ: سِلْسِلَةُ بْنُ بَرْهَامَ. فَهَؤُلَاءِ أَحْبَارُ الْيَهُودِ، أَهْلُ الشّرُورِ وَالْعَدَاوَةِ لِرَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَأَصْحَابِهِ وَأَصْحَابُ الْمَسْأَلَةِ وَالنّصْبُ لِأَمْرِ الْإِسْلَامِ الشّرُورَ لِيُطْفِئُوهُ إلّا مَا كَانَ مِنْ عَبْدِ اللّهِ بْنِ سَلَامٍ وَمُخَيْرِيقٍ.
.إسْلَامُ عَبْدِ اللّهِ بْنِ سَلَامٍ:

قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَكَانَ مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ اللّهِ بْنِ سَلَامٍ، كَمَا حَدّثَنِي بَعْضُ أَهْلِهِ عَنْهُ وَعَنْ إسْلَامِهِ حَيْنَ أَسْلَمَ، وَكَانَ حَبْرًا عَالِمًا، قَالَ لَمّا سَمِعْتُ بِرَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ عَرَفْتُ صِفَتَهُ وَاسْمَهُ وَزَمَانَهُ الّذِي كُنّا نَتَوَكّفُ لَهُ فَكُنْت مُسِرّا لِذَلِكَ صَامِتًا عَلَيْهِ حَتّى قَدِمَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ الْمَدِينَةَ، فَلَمّا نَزَلَ بقُباءٍ، فِي بَنِي عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ، أَقْبَلَ رَجُلٌ حَتّى أَخْبَرَ بِقُدُومِهِ وَأَنَا فِي رَأْسِ نَخْلَةٍ لِي أَعَمَلُ فِيهَا، وَعَمّتِي خَالِدَةُ ابْنَةُ الْحَارِثِ تَحْتِي جَالِسَةٌ فَلَمّا سَمِعْتُ الْخَبَرَ بِقُدُومِ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ كَبّرْتُ فَقَالَتْ لِي عَمّتِي، حَيْنَ سَمِعَتْ تَكْبِيرِي: خَيّبَك اللّهُ وَاَللّهِ لَوْ كُنْتَ سَمِعْتَ بِمُوسَى بْنِ عِمْرَانَ قَادِمًا مَا زِدْت، قَالَ فَقُلْت لَهَا: أَيْ عَمّةُ هُوَ وَاَللّهِ أَخُو مُوسَى بْنِ عِمْرَانَ، وَعَلَى دِينِهِ بُعِثَ قَالَ فَقَالَتْ أَيْ ابْنَ أَخِي، أَهُوَ النّبِيّ الّذِي كُنّا نُخْبَرُ أَنّهُ يُبْعَثُ مَعَ نَفْسِ السّاعَةِ؟ قَالَ فَقُلْت لَهَا: نَعَمْ. قَالَ فَقَالَتْ فَذَاكَ إذًا. قَالَ ثُمّ خَرَجْتُ إلَى رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَأَسْلَمْتُ ثُمّ رَجَعْتُ إلَى أَهْلِ بَيْتِي، فَأَمَرْتُهُمْ فَأَسْلَمُوا.
قَالَ وَكَتَمْتُ إسْلَامِي مِنْ يَهُودَ ثُمّ جِئْتُ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَقُلْتُ لَهُ يَا رَسُولَ اللّهِ إنّ يَهُودَ قَوْمٌ بُهْتٌ وَإِنّي أُحِبّ أَنْ تُدْخِلَنِي فِي بَعْضِ بُيُوتِك، وَتُغَيّبَنِي عَنْهُمْ ثُمّ تَسْأَلُهُمْ عَنّي، حَتّى يُخْبِرُوك كَيْفَ أَنَا فِيهِمْ قَبْلَ أَنْ يَعْلَمُوا بِإِسْلَامِي، فَإِنّهُمْ إنْ عَلِمُوا بِهِ بَهَتُونِي وَعَابُونِي. قَالَ فَأَدْخَلَنِي رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فِي بَعْضِ بُيُوتِهِ وَدَخَلُوا عَلَيْهِ فَكَلّمُوهُ وَسَاءَلُوهُ ثُمّ قَالَ لَهُمْ أَيّ رَجُلٍ الْحُصَيْنُ بْنُ سَلَامٍ فِيكُمْ؟ قَالُوا: سَيّدُنَا وَابْنُ سَيّدِنَا، وَحَبْرُنَا وَعَالِمُنَا. قَالَ فَلَمّا فَرَغُوا مِنْ قَوْلِهِمْ خَرَجْتُ عَلَيْهِمْ فَقُلْت لَهُمْ يَا مَعْشَرَ يَهُودَ اتّقُوا اللّهَ وَاقْبَلُوا مَا جَاءَكُمْ بِهِ فَوَاَللّهِ إنّكُمْ لَتَعْلَمُونَ إنّهُ لَرَسُولُ اللّهِ تَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِنْدَكُمْ فِي التّوْرَاةِ بِاسْمِهِ وَصِفَتِهِ فَإِنّي أَشْهَدُ أَنّهُ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَأُومِنُ بِهِ وَأُصَدّقُهُ وَأَعْرِفُهُ فَقَالُوا: كَذَبْت ثُمّ وَقَعُوا بِي، قَالَ فَقُلْت لِرَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ أَلَمْ أُخْبِرْك يَا رَسُولَ اللّهِ أَنّهُمْ قَوْمٌ بُهْتٌ أَهْلُ غَدْرٍ وَكَذِبٍ وَفُجُورٍ قَالَ فَأَظْهَرْت إسْلَامِي وَإِسْلَامُ أَهْلِ بَيْتِي، وَأَسْلَمَتْ عَمّتِي خَالِدَةُ بِنْتُ الْحَارِثِ فَحَسُنَ إسْلَامُهَا.
.حَدِيثُ مُخَيْرِيقٍ:

قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَكَانَ مِنْ حَدِيثِ مُخَيْرِيقٍ، وَكَانَ حَبْرًا عَالِمًا، وَكَانَ رَجُلًا غَنِيّا كَثِيرَ الْأَمْوَالِ مِنْ النّخْلِ وَكَانَ يَعْرِفُ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بِصِفَتِهِ وَمَا يَجِدُ فِي عِلْمِهِ وَغَلَبَ عَلَيْهِ إلْفُ دِينِهِ فَلَمْ يَزَلْ عَلَى ذَلِكَ حَتّى إذَا كَانَ يَوْمُ أُحُدٍ، وَكَانَ يَوْمُ أُحُدٍ يَوْمَ السّبْتِ، قَالَ يَا مَعْشَرَ يَهُودَ وَاَللّهِ إنّكُمْ لَتَعْلَمُونَ أَنّ نَصْرَ مُحَمّدٍ عَلَيْكُمْ لَحَقّ. قَالُوا: إنّ الْيَوْمَ يَوْمُ السّبْتِ قَالَ لَا سَبْتَ لَكُمْ. ثُمّ أَخَذَ سِلَاحَهُ فَخَرَجَ حَتّى أَتَى رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بِأُحُدٍ وَعَهِدَ إلَى مَنْ وَرَاءَهُ مِنْ قَوْمِهِ إنْ قُتِلْتُ هَذَا الْيَوْمَ فَأَمْوَالِي لِمُحَمّدٍ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ يَصْنَعُ فِيهَا مَا أَرَاهُ اللّهُ. فَلَمّا اقْتَتَلَ النّاسُ قَاتَلَ حَتّى قُتِلَ. فَكَانَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ- فِيمَا بَلَغَنِي- يَقُولُ مُخَيْرِيقُ خَيْرُ الْيَهُودِ وَقَبَضَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ أَمْوَالَهُ فَعَامّةُ صَدَقَاتِ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بِالْمَدِينَةِ مِنْهَا.
.شَهَادَةٌ عَنْ صَفِيّةَ:

قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَحَدّثَنِي عَبْدُ اللّهِ بْنُ أَبِي بَكْرِ بْنِ مُحَمّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ قَالَ حُدّثْت عَنْ صَفِيّةَ بِنْتِ حُيَيّ بْنِ أَخْطَبَ أَنّهَا قَالَتْ كُنْت أَحَبّ وَلَدِ أَبِي إلَيْهِ وَإِلَى عَمّي أَبِي يَاسِرٍ لَمْ أَلْقَهُمَا قَطّ مَعَ وَلَدٍ لَهُمَا إلّا أَخَذَانِي دُونَهُ. قَالَتْ فَلَمّا قَدِمَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ الْمَدِينَةَ، وَنَزَلَ قُبَاءَ، فِي بَنِي عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ، غَدَا عَلَيْهِ أَبِي، حُيَيّ بْنُ أَخْطَبَ، وَعَمّي أَبُو يَاسِرِ بْنِ أَخْطَبَ، مُغَلّسَيْنِ. قَالَتْ فَلَمْ يَرْجِعَا حَتّى كَانَا مَعَ غُرُوبِ الشّمْسِ. قَالَتْ فَأَتَيَا كَالّيْنِ كَسْلَانَيْنِ سَاقِطَيْنِ يَمْشِيَانِ الْهُوَيْنَى. قَالَتْ فَهَشِشْتُ إلَيْهِمَا كَمَا كُنْتُ أَصْنَعُ فَوَاَللّهِ مَا الْتَفَتَ إلَيّ وَاحِدٌ مِنْهُمَا، مَعَ مَا بِهِمَا مِنْ الْغَمّ. قَالَتْ وَسَمِعْت عَمّي أَبَا يَاسِرٍ وَهُوَ يَقُولُ لِأَبِي حُيَيّ بْنِ أَخْطَبَ: أَهُوَ هُوَ؟ قَالَ نَعَمْ وَاَللّهِ قَالَ أَتَعْرِفُهُ وَتُثْبِتُهُ؟ قَالَ نَعَمْ قَالَ فَمَا فِي نَفْسِك مِنْهُ؟ قَالَ عَدَاوَتُهُ وَاَللّهِ مَا بَقِيتُ.
.مِنْ اجْتَمَعَ إلَى يَهُودَ مِنْ مُنَافِقِي الْأَنْصَارِ:

قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَكَانَ مِمّنْ انْضَافَ إلَى يَهُودَ مِمّنْ سُمّيَ لَنَا مِنْ الْمُنَافِقِينَ مِنْ الْأَوْسِ وَالْخَزْرَجِ، وَاَللّهُ أَعْلَمُ. مِنْ الْأَوْسِ، ثُمّ مِنْ بَنِي عَمْرِو بْنِ عَوْفِ بْنِ مَالِكِ بْنِ الْأَوْسِ، ثُمّ مِنْ بَنِي لَوْذَانِ بْنِ عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ زُوَيّ بْنُ الْحَارِثِ. وَمِنْ بَنِي خُبَيْبِ بْنِ عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ جُلَاسُ بْنُ سُوَيْدِ بْنِ الصّامِتِ، وَأَخُوهُ الْحَارِثُ بْنُ سُوَيْدٍ.
.[شَيْءٌ عَنْ جُلَاسَ]:

وَجُلَاسُ الّذِي قَالَ- وَكَانَ مِمّنْ تَخَلّفَ عَنْ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فِي غَزْوَةِ تَبُوكَ- لَئِنْ كَانَ هَذَا الرّجُلُ صَادِقًا لَنَحْنُ شَرّ مِنْ الْحُمُرِ. فَرَفَعَ ذَلِكَ مِنْ قَوْلِهِ إلَى رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ عُمَيْرُ بْنُ سَعْدٍ، أَحَدُهُمْ وَكَانَ فِي حِجْرِ جُلَاسَ خَلَفَ جُلَاسَ عَلَى أُمّهِ بَعْدَ أَبِيهِ فَقَالَ لَهُ عُمَيْرُ بْنُ سَعْدٍ: وَاَللّهِ يَا جُلَاسُ إنّك لَأَحَبّ النّاسِ إلَيّ وَأَحْسَنُهُمْ عِنْدِي يَدًا، وَأَعَزّهُمْ عَلَيّ أَنْ يُصِيبَهُ شَيْءٌ يَكْرَهُهُ وَلَقَدْ قُلْتَ مَقَالَةً لَئِنْ رَفَعْتُهَا عَلَيْك لَأَفْضَحَنّك، وَلَئِنْ صَمَتّ عَلَيْهَا دِينِي، وَلَإِحْدَاهُمَا أَيْسَرُ عَلَيّ مِنْ الْأُخْرَى. ثُمّ مَشَى إلَى رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَذَكَرَ لَهُ مَا قَالَ جُلَاسُ فَحَلَفَ جُلَاسُ بِاَللّهِ لِرَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ لَقَدْ كَذَبَ عَلَيّ عُمَيْرٌ وَمَا قُلْتُ مَا قَالَ عُمَيْرُ بْنُ سَعْدٍ. فَأَنْزَلَ اللّهُ عَزّ وَجَلّ فِيهِ {يَحْلِفُونَ بِاللّهِ مَا قَالُوا وَلَقَدْ قَالُوا كَلِمَةَ الْكُفْرِ وَكَفَرُوا بَعْدَ إِسْلَامِهِمْ وَهَمّوا بِمَا لَمْ يَنَالُوا وَمَا نَقَمُوا إِلّا أَنْ أَغْنَاهُمُ اللّهُ وَرَسُولُهُ مِنْ فَضْلِهِ فَإِنْ يَتُوبُوا يَكُ خَيْرًا لَهُمْ وَإِنْ يَتَوَلّوْا يُعَذّبْهُمُ اللّهُ عَذَابًا أَلِيمًا فِي الدّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَمَا لَهُمْ فِي الْأَرْضِ مِنْ وَلِيّ وَلَا نَصِيرٍ} قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: الْأَلِيمُ الْمُوجِعُ. قَالَ ذُو الرّمّةِ يَصِفُ إبِلًا:
وَتَرْفَعُ مِنْ صُدُورِ شَمَرْدَلَاتٍ ** يَصُكّ وُجُوهَهَا وَهَجٌ أَلِيمُ

وَهَذَا الْبَيْتُ فِي قَصِيدَةٍ لَهُ. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فَزَعَمُوا أَنّهُ تَابَ فَحَسُنَتْ تَوْبَتُهُ حَتّى عُرِفَ مِنْهُ الْخَيْرُ وَالْإِسْلَامُ.
.[شَيْءٌ عَنْ الْحَارِثِ بْنِ سُوَيْدٍ]:

وَأَخُوهُ الْحَارِثُ بْنُ سُوَيْدٍ، الّذِي قَتَلَ الْمُجَذّرَ بْنَ ذِيَادٍ الْبَلَوِيّ وَقَيْسَ بْنَ زَيْدٍ أَحَدَ بَنِي ضُبَيْعَةَ، يَوْمَ أُحُدٍ. خَرَجَ مَعَ الْمُسْلِمِينَ وَكَانَ مُنَافِقًا، فَلَمّا الْتَقَى النّاسُ عَدَا عَلَيْهِمَا، فَقَتَلَهُمَا ثُمّ لَحِقَ بِقُرَيْشٍ. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَكَانَ الْمُجَذّرُ بْنُ ذِيَادٍ قَتَلَ سُوَيْدَ بْنَ صَامِتٍ فِي بَعْضِ الْحُرُوبِ الّتِي كَانَتْ بَيْنَ الْأَوْسِ وَالْخَزْرَجِ، فَلَمّا كَانَ يَوْمُ أُحُدٍ طَلَبَ الْحَارِثُ بْنُ سُوَيْدٍ غُرّةَ الْمُجَذّرِ بْنِ ذِيَادٍ لِيَقْتُلهُ بِأَبِيهِ فَقَتَلَهُ وَحْدَهُ وَسَمِعْت غَيْرَ وَاحِدٍ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ يَقُولُ وَالدّلِيلُ عَلَى أَنّهُ لَمْ يَقْتُلْ قَيْسَ بْنَ زَيْدٍ أَنّ ابْنَ إسْحَاقَ لَمْ يَذْكُرْهُ فِي قَتْلَى أُحُدٍ. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ؛ قَتَلَ سُوَيْدَ بْنَ صَامِتٍ مُعَاذُ بْنُ عَفْرَاءَ غِيلَةً فِي غَيْرِ حَرْبٍ رَمَاهُ بِسَهْمٍ فَقَتَلَهُ قَبْلَ يَوْمِ بُعَاثٍ. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَكَانَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ- فِيمَا يَذْكُرُونَ- قَدْ أَمَرَ عُمَرَ بْنَ الْخَطّابِ بِقَتْلِهِ إنْ هُوَ ظَفِرَ بِهِ فَفَاتَهُ فَكَان َ بِمَكّةَ، ثُمّ بَعَثَ إلَى أَخِيهِ جُلَاسَ يَطْلُبُ التّوْبَةَ لِيَرْجِعَ إلَى قَوْمِهِ. فَأَنْزَلَ اللّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى فِيهِ- فِيمَا بَلَغَنِي عَنْ ابْنِ عَبّاسٍ-: {كَيْفَ يَهْدِي اللّهُ قَوْمًا كَفَرُوا بَعْدَ إِيمَانِهِمْ وَشَهِدُوا أَنّ الرّسُولَ حَقّ وَجَاءَهُمُ الْبَيّنَاتُ وَاللّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظّالِمِينَ} إلَى آخِرِ الْقِصّةِ. وَمِنْ بَنِي ضُبَيْعَةَ بْنِ زَيْدِ بْنِ مَالِكِ بْنِ عَوْفِ بْنِ عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ: بِجَادُ بْنُ  عُثْمَانَ بْنِ عَامِرٍ. وَمِنْ بَنِي لَوْذَانَ بْنِ عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ: نَبْتَلُ بْنُ الْحَارِثِ وَهُوَ الّذِي قَالَ لَهُ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ- فِيمَا بَلَغَنِي-: مَنْ أَحَبّ أَنْ يَنْظُرَ إلَى الشّيْطَانِ فَلْيَنْظُرْ إلَى نَبْتَلَ بْنِ الْحَارِثِ وَكَانَ رَجُلًا جَسِيمًا أَذْلَمَ ثَائِرَ شَعْرِ الرّأْسِ أَحْمَرَ الْعَيْنَيْنِ أَسْفَعَ الْخَدّيْنِ وَكَانَ يَأْتِي رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ يَتَحَدّثُ إلَيْهِ فَيَسْمَعُ مِنْهُ ثُمّ يَنْقُلُ حَدِيثَهُ إلَى الْمُنَافِقِينَ وَهُوَ الّذِي قَالَ إنّمَا مُحَمّدٌ أُذُنٌ مَنْ حَدّثَهُ شَيْئًا صَدّقَهُ. فَأَنْزَلَ اللّهُ عَزّ وَجَلّ فِيهِ {وَمِنْهُمُ الّذِينَ يُؤْذُونَ النّبِيّ وَيَقُولُونَ هُوَ أُذُنٌ قُلْ أُذُنُ خَيْرٍ لَكُمْ يُؤْمِنُ بِاللّهِ وَيُؤْمِنُ لِلْمُؤْمِنِينَ وَرَحْمَةٌ لِلّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالّذِينَ يُؤْذُونَ رَسُولَ اللّهِ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَحَدّثَنِي بَعْضُ رِجَالِ بَلْعِجْلَانَ أَنّهُ حُدّثَ أَنّ جِبْرِيلَ عَلَيْهِ السّلَامُ أَتَى رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ  عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَقَالَ لَهُ إنّهُ يَجْلِسُ إلَيْك رَجُلٌ أَذْلَمُ ثَائِرُ شَعْرِ الرّأْسِ أَسْفَعُ الْخَدّيْنِ أَحْمَرُ الْعَيْنَيْنِ كَأَنّهُمَا قِدْرَانِ مِنْ صُفْرٍ كَبِدُهُ وَكَانَتْ تِلْكَ صِفّةُ نَبْتَلِ بْنِ الْحَارِثِ فِيمَا يَذْكُرُونَ.
وَمِنْ بَنِي ضُبَيْعَةَ: أَبُو حَبِيبَةَ بْنُ الْأَزْعَرِ وَكَانَ مِمّنْ بَنَى مَسْجِدَ الضّرَارِ وَثَعْلَبَةُ بْنُ حَاطِبٍ، وَمُعَتّبُ بْنُ قُشَيْرٍ، وَهُمَا اللّذَانِ عَاهَدَا اللّهَ لَئِنْ آتَانَا مِنْ فَضْلِهِ لَنَصّدّقَنّ وَلَنَكُونَنّ مِنْ الصّالِحِينَ إلَخْ الْقِصّةِ. وَمُعَتّبٌ الّذِي قَالَ يَوْمَ أُحُدٍ: لَوْ كَانَ لَنَا مِنْ الْأَمْرِ شَيْءٌ مَا قُتِلْنَا هَاهُنَا. فَأَنْزَلَ اللّهُ تَعَالَى فِي ذَلِكَ مِنْ قَوْلِهِ {وَطَائِفَةٌ قَدْ أَهَمّتْهُمْ أَنْفُسُهُمْ يَظُنّونَ بِاللّهِ غَيْرَ الْحَقّ ظَنّ الْجَاهِلِيّةِ يَقُولُونَ هَلْ لَنَا مِنَ الْأَمْرِ مِنْ شَيْءٍ قُلْ إِنّ الْأَمْرَ كُلّهُ لِلّهِ يُخْفُونَ فِي أَنْفُسِهِمْ مَا لَا يُبْدُونَ لَكَ يَقُولُونَ لَوْ كَانَ لَنَا مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ مَا قُتِلْنَا هَاهُنَا} إلَى آخِرِ الْقِصّةِ. وَهُوَ الّذِي قَالَ يَوْمَ الْأَحْزَابِ: كَانَ مُحَمّدٌ يَعِدُنَا أَنْ نَأْكُلَ كُنُوزَ كِسْرَى وَقَيْصَرَ وَأَحَدُنَا لَا يَأْمَنُ أَنْ يَذْهَبَ إلَى الْغَائِطِ. فَأَنْزَلَ اللّهُ عَزّ وَجَلّ فِيهِ {وَإِذْ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ مَا وَعَدَنَا اللّهُ وَرَسُولُهُ إِلّا غُرُورًا} وَالْحَارِثُ بْنُ حَاطِبٍ.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://el-quran.ahlamontada.com
Admin
Admin
Admin


المساهمات : 4240
تاريخ التسجيل : 20/01/2018

كتاب السيرة النبوية۞ لعبد الملك ابن هشام ۞«المؤرخ» ​ - صفحة 2 Empty
مُساهمةموضوع: رد: كتاب السيرة النبوية۞ لعبد الملك ابن هشام ۞«المؤرخ» ​   كتاب السيرة النبوية۞ لعبد الملك ابن هشام ۞«المؤرخ» ​ - صفحة 2 Emptyالأحد مارس 04, 2018 6:23 am

كتاب السيرة النبوية۞ لعبد الملك ابن هشام ۞«المؤرخ» ​ - صفحة 2 SeeretIbenHisham

.[مُعَتّبٌ وَابْنَا حَاطِبٍ بَدْرِيّونَ وَلَيْسُوا مُنَافِقِينَ]:

قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: مُعَتّبُ بْنُ قُشَيْرٍ، وَثَعْلَبَةُ وَالْحَارِثُ ابْنَا حَاطِبٍ وَهُمْ مِنْ بَنِي أُمَيّةَ بْنِ زَيْدٍ مِنْ أَهْلِ بَدْرٍ وَلَيْسُوا مِنْ الْمُنَافِقِينَ فِيمَا ذَكَرَ لِي مَنْ أَثِقُ بِهِ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ وَقَدْ نَسَبَ ابْنُ إسْحَاقَ ثَعْلَبَةَ وَالْحَارِثَ فِي بَنِي أُمَيّةَ بْنِ زَيْدٍ فِي أَسْمَاءِ أَهْلِ بَدْرٍ. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَعَبّادُ بْنُ حُنَيْفٍ أَخُو سَهْلِ بْنِ حُنَيْفٍ؛ وَبَحْزَجُ وَهُمْ مِمّنْ كَانَ بَنَى مَسْجِدَ الضّرَارِ، وَعَمْرُو بْنُ خِذَامٍ، وَعَبْدُ اللّهِ بْنُ نَبْتَلَ. وَمِنْ بَنِي ثَعْلَبَةَ بْنِ عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ: جَارِيَةُ بْنُ عَامِرِ بْنِ الْعَطّافِ وَابْنَاهُ زَيْدٌ وَمُجَمّعٌ ابْنَا جَارِيَةَ وَهُمْ مِمّنْ اتّخَذَ مَسْجِدَ الضّرَارِ. وَكَانَ مُجَمّعٌ غُلَامًا حَدَثًا قَدْ جَمَعَ مِنْ الْقُرْآنِ أَكْثَرَهُ وَكَانَ يُصَلّي بِهِمْ فِيهِ ثُمّ إنّهُ لَمّا أُخْرِبَ الْمَسْجِدُ وَذَهَبَ بَنِي عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ كَانُوا يُصَلّونَ بِبَنِي عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ فِي مَسْجِدِهِمْ وَكَانَ زَمَانُ عُمَرَ بْنِ الْخَطّابِ، كُلّمَ فِي مُجَمّعٍ لِيُصَلّيَ بِهِمْ فَقَالَ لَا، أَوَلَيْسَ بِإِمَامِ الْمُنَافِقِينَ فِي مَسْجِدِ الضّرَارِ؟ فَقَالَ لِعُمَرَ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ وَاَللّهِ الّذِي لَا إلَهَ إلّا هُوَ مَا عَلِمْت بِشَيْءٍ مِنْ أَمْرِهِمْ وَلَكِنّي كُنْت غُلَامًا قَارِئًا لِلْقُرْآنِ وَكَانُوا لَا قُرْآنَ مَعَهُمْ فَقَدّمُونِي أُصَلّي بِهِمْ وَمَا أَرَى أَمْرَهُمْ إلّا عَلَى أَحْسَنِ مَا ذَكَرُوا فَزَعَمُوا أَنّ عُمَرَ تَرَكَهُ فَصَلّى بِقَوْمِهِ.
وَمِنْ بَنِي أُمَيّةَ بْنِ زَيْدِ بْنِ مَالِكٍ: وَدِيعَةُ بْنُ ثَابِتٍ، وَهُوَ مِمّنْ بَنَى مَسْجِدَ الضّرَارِ، وَهُوَ الّذِي قَالَ إنّمَا كُنّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ. فَأَنْزَلَ اللّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: {وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنّ إِنّمَا كُنّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قُلْ أَبِاللّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ} إلَى آخِرِ  الْقِصّةِ. وَمِنْ بَنِي عُبَيْدِ بْنِ زَيْدِ بْنِ مَالِكٍ: خِذَامُ بْنُ خَالِدٍ وَهُوَ الّذِي أُخْرِجَ مَسْجِدُ الضّرَارِ مِنْ دَارِهِ وَبِشْرٌ وَرَافِعٌ ابْنَا زَيْدٍ. وَمِنْ بَنِي النّبِيتِ- قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: النّبِيتُ عَمْرُو بْنُ مَالِكِ بْنِ الْأَوْسِ- قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: ثُمّ مِنْ بَنِي حَارِثَةَ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ الْخَزْرَجِ بْنِ عَمْرِو بْنِ مَالِكِ بْنِ الْأَوْسِ: مِرْبَعُ بْنُ قَيْظِيّ، وَهُوَ الّذِي قَالَ لِرَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ حَيْنَ أَجَازَ فِي حَائِطِهِ وَرَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ عَامِدٌ إلَى أُحُد: لَا أُحِلّ لَك يَا مُحَمّدُ إنْ كُنْتَ نَبِيّا، أَنْ تَمُرّ فِي حَائِطِي، وَأَخَذَ فِي يَدِهِ حَفْنَةً مِنْ تُرَابٍ ثُمّ قَالَ وَاَللّهِ لَوْ أَعْلَمُ أَنّي لَا أُصِيبُ بِهَذَا التّرَابِ غَيْرَك لَرَمَيْتُك بِهِ فَابْتَدَرَهُ الْقَوْمُ لِيَقْتُلُوهُ فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ دَعُوهُ فَهَذَا الْأَعْمَى، أَعْمَى الْقَلْبِ، أَعْمَى الْبَصِيرَةِ فَضَرَبَهُ سَعْدُ بْنُ زَيْدٍ، أَخُو بَنِي عَبْدِ الْأَشْهَلِ بِالْقَوْسِ فَشَجّهُ وَأَخُوهُ أَوْسُ بْنُ قَيْظِيّ وَهُوَ الّذِي قَالَ لِرَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ يَوْمَ الْخَنْدَقِ: يَا رَسُولَ اللّهِ إنّ بُيُوتَنَا عَوْرَةٌ، فَأْذَنْ لَنَا فَلْنَرْجِعْ إلَيْهَا فَأَنْزَلَ اللّهُ تَعَالَى فِيهِ {يَقُولُونَ إِنّ بُيُوتَنَا عَوْرَةٌ وَمَا هِيَ بِعَوْرَةٍ إِنْ يُرِيدُونَ إِلّا فِرَارًا}قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: عَوْرَةٌ أَيْ مُعْوَرَةٌ لِلْعَدُوّ وَضَائِعَةٌ وَجَمْعُهَا: عَوْرَاتٌ. قَالَ النّابِغَةُ الذّبْيَانِيّ:
مَتَى تَلْقَهُمْ لَا تَلْقَ لِلْبَيْتِ عَوْرَةً ** وَلَا الْجَارَ مَحْرُومًا وَلَا الْأَمْرَ ضَائِعًا

وَهَذَا الْبَيْتُ فِي أَبْيَاتٍ لَهُ. وَالْعَوْرَةُ أَيْضًا: عَوْرَةُ الرّجُلِ وَهِيَ حُرْمَتُهُ. وَالْعَوْرَةُ أَيْضًا السّوْأَةُ.
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَمِنْ بَنِي ظَفَرٍ، وَاسْمُ ظَفَرٍ كَعْبُ بْنُ الْحَارِثِ بْنِ الْخَزْرَجِ حَاطِبُ بْنُ أُمَيّةَ بْنِ رَافِعٍ وَكَانَ شَيْخًا جَسِيمًا قَدْ عَسَا فِي جَاهِلِيّتِهِ وَكَانَ لَهُ ابْنٌ مِنْ خِيَارِ الْمُسْلِمِينَ. يُقَالُ لَهُ يَزِيدُ بْنُ حَاطِبٍ أُصِيبَ يَوْمَ أُحُدٍ حَتّى أَثَبَتَتْهُ الْجِرَاحَاتُ فَحُمِلَ إلَى دَارِ بَنِي ظَفَرٍ. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فَحَدّثَنِي عَاصِمُ بْنُ عُمَرَ بْنِ قَتَادَةَ أَنّهُ اجْتَمَعَ إلَيْهِ مَنْ بِهَا مِنْ رِجَالِ الْمُسْلِمِينَ وَنِسَائِهِمْ وَهُوَ بِالْمَوْتِ فَجَعَلُوا يَقُولُونَ أَبْشِرْ يَا ابْنَ حَاطِبٍ بِالْجَنّةِ. قَالَ فَنَجَمَ نِفَاقُهُ حِينَئِذٍ فَجَعَلَ يَقُولُ أَبُوهُ أَجَلْ جَنّةٌ وَاَللّهِ مِنْ حَرْمَلٍ غَرَرْتُمْ وَاَللّهِ هَذَا الْمِسْكِينُ مِنْ نَفْسِهِ. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَبُشَيْرُ بْنُ أُبَيْرِقٍ وَهُوَ أَبُو طُعْمَةَ سَارِقُ الدّرْعَيْنِ الّذِي أَنْزَلَ اللّهُ تَعَالَى فِيهِ {وَلَا تُجَادِلْ عَنِ الّذِينَ يَخْتَانُونَ أَنْفُسَهُمْ إِنّ اللّهَ لَا يُحِبّ مَنْ كَانَ خَوّانًا أَثِيمًا} وَقُزْمَانُ: حَلِيفٌ لَهُمْ. قَالَ  ابْنُ إسْحَاقَ: فَحَدّثَنِي عَاصِمُ بْنُ عُمَرَ بْنِ قَتَادَةَ: أَنّ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ كَانَ يَقُولُ إنّهُ لَمِنْ أَهْلِ النّار فَلَمّا كَانَ يَوْمُ أُحُدٍ قَاتَلَ قِتَالًا شَدِيدًا حَتّى قَتَلَ بِضْعَةَ نَفَرٍ مِنْ الْمُشْرِكِينَ فَأَثْبَتَتْهُ الْجِرَاحَاتُ فَحُمِلَ إلَى دَارِ بَنِي ظَفَرٍ، فَقَالَ لَهُ رِجَالٌ مِنْ الْمُسْلِمِينَ أَبْشِرْ يَا قُزْمَانُ، فَقَدْ أَبْلَيْتَ الْيَوْمَ وَقَدْ أَصَابَك مَا تَرَى فِي اللّهِ. قَالَ بِمَاذَا أُبْشِرُ فَوَاَللّهِ مَا قَاتَلْت إلّا حَمِيّةً عَنْ قَوْمِي، فَلَمّا اشْتَدّتْ بِهِ جِرَاحَاتُهُ وَآذَتْهُ أَخَذَ سَهْمًا مِنْ كِنَانَتِهِ فَقَطَعَ بِهِ رَوَاهِشَ يَدِهِ فَقَتَلَ نَفْسَهُ.
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَلَمْ يَكُنْ فِي بَنِي عَبْدِ الْأَشْهَلِ مُنَافِقٌ وَلَا مُنَافِقَةٌ يَعْلَمُ إلّا أَنّ الضّحّاكَ بْنَ ثَابِتٍ، أَحَدِ بَنِي كَعْبٍ، رَهْطِ سَعْدِ بْنِ زَيْدٍ، قَدْ كَانَ يُتّهَمُ بِالنّفَاقِ وَحُبّ يَهُودَ. قَالَ حَسّانُ بْنُ ثَابِتٍ:
مَنْ مُبْلِغُ الضّحّاكَ أَنّ عُرُوقَهُ ** أَعْيَتْ عَلَى الْإِسْلَامِ أَنْ تَتَمَجّدَا

أَتُحِبّ يُهْدَانَ الْحِجَازِ وَدِينَهُمْ ** كِبْدَ الْحِمَارِ وَلَا تُحِبّ مُحَمّدًا

دِينًا لَعَمْرِي لَا يُوَافِقُ دِينَنَا ** مَا اسْتَنّ آلٌ فِي الْفَضَاءِ وَخَوّدَا

وَكَانَ جُلَاسُ بْنُ سُوَيْدِ بْنِ صَامِتٍ قَبْلَ تَوْبَتِهِ- فِيمَا بَلَغَنِي- وَمُعَتّبُ بْنُ قُشَيْرٍ، وَرَافِعُ بْنُ زَيْدٍ، وَبِشْرٌ وَكَانُوا يُدْعَوْنَ بِالْإِسْلَامِ فَدَعَاهُمْ رِجَالٌ مِنْ الْمُسْلِمِينَ فِي خُصُومَةٍ كَانَتْ بَيْنَهُمْ إلَى رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَدَعَوْهُمْ إلَى الْكُهّانِ حُكّامُ أَهْلِ الْجَاهِلِيّةِ فَأَنْزَلَ اللّهُ عَزّ وَجَلّ فِيهِمْ {أَلَمْ تَرَ إِلَى الّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنّهُمْ آمَنُوا بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ وَيُرِيدُ الشّيْطَانُ أَنْ يُضِلّهُمْ ضَلَالًا بَعِيدًا} إلَى آخِرِ الْقِصّةِ.  وَمِنْ الْخَزْرَجِ، ثُمّ مِنْ بَنِي النّجّارِ: رَافِعُ بْنُ وَدِيعَةَ، وَزَيْدُ بْنُ عَمْرٍو، وَعَمْرُو بْنُ قَيْسٍ، وَقَيْسُ بْنُ عَمْرِو بْنِ سَهْلٍ وَمِنْ بَنِي جُشَمِ بْنِ الْخَزْرَجِ، ثُمّ مِنْ بَنِي سَلَمَةَ: الْجَدّ بْنُ قَيْسٍ، وَهُوَ الّذِي يَقُولُ يَا مُحَمّدُ ائْذَنْ لِي، وَلَا تَفْتِنّي. فَأَنْزَلَ اللّهُ تَعَالَى فِيهِ {وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ ائْذَنْ لِي وَلَا تَفْتِنّي أَلَا فِي الْفِتْنَةِ سَقَطُوا وَإِنّ جَهَنّمَ لَمُحِيطَةٌ بِالْكَافِرِينَ} إلَى آخِرِ الْقِصّةِ.
وَمِنْ بَنِي عَوْفِ بْنِ الْخَزْرَجِ: عَبْدُ اللّهِ بْنُ أُبَيّ بْنِ سَلُول ٍ، وَكَانَ رَأْسَ الْمُنَافِقِينَ وَإِلَيْهِ يَجْتَمِعُونَ وَهُوَ الّذِي قَالَ لَئِنْ رَجَعْنَا إلَى الْمَدِينَةِ لَيُخْرِجَنّ الْأَعَزّ مِنْهَا الْأَذَلّ فِي غَزْوَةِ بَنِي الْمُصْطَلِقِ. وَفِي قَوْلِهِ ذَلِكَ نَزَلَتْ سُورَةُ الْمُنَافِقِينَ بِأَسْرِهَا. وَفِيهِ وَفِي وَدِيعَةَ- رَجُلٍ مِنْ بَنِي عَوْفٍ- وَمَالِكِ بْنِ أَبِي قَوْقَلَ وَسُوَيْدٍ، وَدَاعِسٌ وَهُمْ مِنْ رَهْطِ عَبْدِ اللّهِ بْنِ أُبَيّ بْنِ سَلُولٍ، وَعَبْدِ اللّهِ بْنِ أُبَيّ بْنِ سَلُولٍ. فَهَؤُلَاءِ النّفَرُ مِنْ قَوْمِهِ الّذِينَ كَانُوا يَدُسّونَ إلَى بَنِي النّضِيرِ حَيْنَ حَاصَرَهُمْ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ أَنْ اُثْبُتُوا، فَوَاَللّهِ لَئِنْ أُخْرِجْتُمْ لَنَخْرُجَنّ مَعَكُمْ وَلَا نُطِيعُ فِيكُمْ أَحَدًا أَبَدًا، وَإِنْ قُوتِلْتُمْ لَنَنْصُرَنّكُمْ. فَأَنْزَلَ اللّهُ تَعَالَى فِيهِمْ {أَلَمْ تَرَ إِلَى الّذِينَ نَافَقُوا يَقُولُونَ لِإِخْوَانِهِمُ الّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَئِنْ أُخْرِجْتُمْ لَنَخْرُجَنّ مَعَكُمْ وَلَا نُطِيعُ فِيكُمْ أَحَدًا أَبَدًا وَإِنْ قُوتِلْتُمْ لَنَنْصُرَنّكُمْ وَاللّهُ يَشْهَدُ إِنّهُمْ لَكَاذِبُونَ} ثُمّ الْقِصّةُ مِنْ السّورَةِ حَتّى انْتَهَى إلَى قَوْلِهِ {كَمَثَلِ الشّيْطَانِ إِذْ قَالَ لِلْإِنْسَانِ اكْفُرْ فَلَمّا كَفَرَ قَالَ إِنّي بَرِيءٌ مِنْكَ إِنّي أَخَافُ اللّهَ رَبّ الْعَالَمِينَ}
.مَنْ أَسْلَمَ مِنْ أَحْبَارِ يَهُودَ نِفَاقًا:

قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَكَانَ مِمّنْ تَعَوّذَ بِالْإِسْلَامِ وَدَخَلَ فِيهِ مَعَ الْمُسْلِمِينَ وَأَظْهَرَهُ وَهُوَ مُنَافِقٌ مِنْ أَحْبَارِ يَهُودَ. مِنْ بَنِي قَيْنُقَاعَ: سَعْدُ بْنُ حُنَيْفٍ، وَزَيْدُ بْنُ اللّصَيْتِ وَنُعْمَانُ بْنُ أَوْفَى بْنُ عَمْرٍو، وَعُثْمَانُ بْنُ أَوْفَى. وَزَيْدُ بْنُ اللّصَيْتِ الّذِي قَاتَلَ عُمَرَ بْنَ الْخَطّابِ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُ بِسُوقِ بَنِي قَيْنُقَاعَ وَهُوَ الّذِي قَالَ حَيْنَ ضَلّتْ نَاقَةُ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ يَزْعُمُ مُحَمّدٌ أَنّهُ يَأْتِيهِ خَبَرُ السّمَاءِ وَهُوَ لَا يَدْرِي أَيْنَ نَاقَتُهُ فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَجَاءَهُ الْخَبَرُ بِمَا قَالَ عَدُوّ اللّهِ فِي رَحْلِهِ وَدَلّ اللّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى رَسُولَهُ صَلّى اللّه عَلَيْهِ وَسَلّمَ عَلَى نَاقَتِهِ إنّ قَائِلًا قَالَ يَزْعُمُ مُحَمّدٌ أَنّهُ يَأْتِيهِ خَبَرُ السّمَاءِ وَلَا يَدْرِي أَيْنَ نَاقَتُهُ؟ وَإِنّي وَاَللّهِ مَا أَعْلَمُ إلّا مَا عَلّمَنِي اللّهُ وَقَدْ دَلّنِي اللّهُ عَلَيْهَا، فَهِيَ فِي هَذَا الشّعْبِ، قَدْ حَبَسَتْهَا شَجَرَةٌ بِزِمَامِهَا، فَذَهَبَ رِجَالٌ مِنْ الْمُسْلِمِينَ فَوَجَدُوهَا حَيْثُ قَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَكَمَا وَصَفَ. وَرَافِعُ بْنُ حُرَيْمِلَةَ، وَهُوَ الّذِي قَالَ لَهُ الرّسُولُ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ- فِيمَا بَلَغَنَا- حَيْنَ مَاتَ قَدْ مَاتَ الْيَوْمَ عَظِيمٌ مِنْ عُظَمَاءِ الْمُنَافِقِينَ وَرِفَاعَةُ بْنُ زَيْدِ بْنِ التّابُوتِ وَهُوَ الّذِي قَالَ لَهُ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ حَيْنَ هَبّتْ عَلَيْهِ الرّيحُ وَهُوَ قَافِلٌ مِنْ غَزْوَةِ بَنِي الْمُصْطَلِقِ، فَاشْتَدّتْ عَلَيْهِ حَتّى أَشْفَقَ الْمُسْلِمُونَ مِنْهَا، فَقَالَ لَهُمْ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ لَا تَخَافُوا، فَإِنّمَا هَبّتْ لِمَوْتِ عَظِيمٍ مِنْ عُظَمَاءِ الْكُفّارِ فَلَمّا قَدِمَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ الْمَدِينَةَ وَجَدَ رِفَاعَةَ بْنَ زَيْدِ بْنِ التّابُوتِ مَاتَ ذَلِكَ الْيَوْمَ الّذِي هَبّتْ فِيهِ الرّيحُ. وَسِلْسِلَةَ بْنَ بِرْهامٍ. وَكِنَانَةَ بْنَ صُورِيّا.
.[طَرْدُ الْمُنَافِقِينَ مِنْ مَسْجِدِ الرّسُولِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ]:

وَكَانَ هَؤُلَاءِ الْمُنَافِقُونَ يَحْضُرُونَ الْمَسْجِدَ فَيَسْتَمِعُونَ أَحَادِيثَ الْمُسْلِمِينَ وَيَسْخَرُونَ وَيَسْتَهْزِئُونَ بِدِينِهِمْ فَاجْتَمَعَ يَوْمًا فِي الْمَسْجِدِ مِنْهُمْ نَاسٌ فَرَآهُمْ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ يَتَحَدّثُونَ بَيْنَهُمْ خَافِضِي أَصْوَاتَهُمْ قَدْ لَصِقَ بَعْضُهُمْ بِبَعْضٍ فَأَمَرَ بِهِمْ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَأُخْرِجُوا مِنْ الْمَسْجِدِ إخْرَاجًا عَنِيفًا، فَقَامَ أَبُو أَيّوبَ خَالِدُ بْنُ زَيْدِ بْنِ كُلَيْبٍ إلَى عَمْرِو بْنِ قَيْسٍ، أَحَدِ بَنِي غَنْمِ بْنِ مَالِكِ بْنِ النّجّارِ- كَانَ صَاحِبَ آلِهَتِهِمْ فِي الْجَاهِلِيّةِ فَأَخَذَ بِرِجْلِهِ فَسَحَبَهُ حَتّى أَخْرَجَهُ مِنْ الْمَسْجِدِ وَهُوَ يَقُولُ أَتُخْرِجُنِي يَا أَبَا أَيّوبَ مِنْ مِرْبَدِ بَنِي ثَعْلَبَة ثُمّ أَقْبَلَ أَبُو أَيّوبَ أَيْضًا إلَى رَافِعِ بْنِ وَدِيعَةَ، أَحَدِ بَنِي النّجّارِ فَلَبّبَهُ بِرِدَائِهِ ثمَ نَتَرَهُ نَتْرًا شَدِيدًا، وَلَطَمَ وَجْهَهُ ثُمّ أَخْرَجَهُ مِنْ الْمَسْجِدِ وَأَبُو أَيّوبَ يَقُولُ لَهُ أُفّ لَك مُنَافِقًا خَبِيثًا: أَدْرَاجَك يَا مُنَافِقُ مِنْ مَسْجِدِ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: أَيْ ارْجِعْ مِنْ الطّرِيقِ الّتِي جِئْت مِنْهَا. قَالَ الشّاعِرُ:
فَوَلّى وَأَدْبَرَ أَدْرَاجَهُ ** وَقَدْ بَاءَ بِالظّلْمِ مَنْ كَانَ ثَمّ

وَقَامَ عِمَارَةُ بْنُ حَزْمٍ إلَى زَيْدِ بْنِ عَمْرٍو، وَكَانَ رَجُلًا طَوِيلَ اللّحْيَةِ فَأَخَذَ بِلِحْيَتِهِ فَقَادَهُ بِهَا قَوْدًا عَنِيفًا حَتّى أَخْرَجَهُ مِنْ الْمَسْجِدِ ثُمّ جَمَعَ عِمَارَةُ يَدَيْهِ فَلَدَمَهُ بِهِمَا فِي صَدْرِهِ لَدْمَةً خَرّ مِنْهَا. قَالَ يَقُولُ خَدَشْتَنِي يَا عِمَارَةُ قَالَ أَبْعَدَك اللّهُ يَا مُنَافِقُ فَمَا أَعَدّ اللّهُ لَك مِنْ الْعَذَابِ أَشَدّ مِنْ ذَلِكَ فَلَا تَقْرَبَنّ مَسْجِدَ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: اللّدْمُ الضّرْبُ بِبَطْنِ الْكَفّ. قَالَ تَمِيمُ بْنُ أُبَيّ بْنِ مُقْبِلٍ:
وَلِلْفُؤَادِ وَجِيبٌ تَحْتَ أَبْهَرِهِ ** لَدْمَ الْوَلِيدِ وَرَاءَ الْغَيْبِ بِالْحَجَرِ

قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: الْغَيْبُ مَا انْخَفَضَ مِنْ الْأَرْضِ. وَالْأَبْهَرُ عِرْقُ الْقَلْبِ. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَقَامَ أَبُو مُحَمّدٍ رَجُلٌ مِنْ بَنِي النّجّارِ كَانَ بَدْرِيّا، وَأَبُو مُحَمّدٍ مَسْعُودُ بْنُ أَوْسِ بْنِ زَيْدِ بْنِ أَصْرَمِ بْنِ زَيْدِ بْنِ ثَعْلَبَةَ بْنِ غَنْمِ بْنِ مَالِكِ بْنِ النّجّارِ إلَى قَيْسِ بْنِ عَمْرِو بْنِ سَهْلٍ، وَكَانَ قَيْسٌ غُلَامًا شَابّا، وَكَانَ لَا يُعْلَمُ فِي الْمُنَافِقِينَ شَابّ غَيْرُهُ فَجَعَلَ يَدْفَعُ فِي قَفَاهُ حَتّى أَخْرَجَهُ مِنْ الْمَسْجِدِ. وَقَامَ رَجُلٌ مِنْ بَلْخُدْرَةَ بْنِ الْخَزْرَجِ، رَهْطِ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيّ يُقَالُ لَهُ عَبْدُ اللّهِ بْنُ الْحَارِثِ، حَيْنَ أَمَرَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بِإِخْرَاجِ الْمُنَافِقِينَ مِنْ الْمَسْجِدِ إلَى رَجُلٍ يُقَالُ لَهُ الْحَارِثُ بْنُ عَمْرٍو، وَكَانَ ذَا جُمّةٍ فَأَخَذَ بِجُمّتِهِ فَسَحَبَهُ بِهَا سَحْبًا عَنِيفًا، عَلَى مَا مَرّ بِهِ مِنْ الْأَرْضِ حَتّى أَخْرَجَهُ مِنْ الْمَسْجِدِ. قَالَ يَقُولُ الْمُنَافِقُ لَقَدْ أَغْلَظْت يَا ابْنَ الْحَارِثِ فَقَالَ لَهُ إنّك أَهْلٌ لِذَلِكَ أَيْ عَدُوّ اللّهِ لَمّا أَنْزَلَ اللّهُ فِيك، فَلَا تَقْرَبَنّ مَسْجِدَ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ، فَإِنّك نَجِسٌ. وَقَامَ رَجُلٌ مِنْ بَنِي عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ إلَى أَخِيهِ زُوَيّ بْنِ الْحَارِثِ فَأَخْرَجَهُ مِنْ الْمَسْجِدِ إخْرَاجًا عَنِيفًا، وَأَفّفَ مِنْهُ وَقَالَ غَلَبَ عَلَيْك الشّيْطَانُ وَأَمْرُهُ. فَهَؤُلَاءِ مَنْ حَضَرَ الْمَسْجِدَ يَوْمئِذٍ مِنْ الْمُنَافِقِينَ وَأَمَرَ رَسُولُ اللّهَ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بِإِخْرَاجِهِمْ.
مَا نَزَلَ مِنْ الْبَقَرَةِ فِي الْمُنَافِقِينَ وَيَهُودَ.
.[مَا نَزَلَ فِي الْأَحْبَارِ]:

فَفِي هَؤُلَاءِ الْأَوْسِ وَالْخَزْرَجِ، نَزَلَ صَدْرُ سُورَةِ الْبَقَرَةِ إلَى الْمِئَةِ مِنْهَا- فِيمَا بَلَغَنِي- وَاَللّهُ أَعْلَمُ. يَقُولُ اللّهُ سُبْحَانَهُ وَبِحَمْدِهِ {الم ذَلِكَ الْكِتَابُ لَا رَيْبَ فِيهِ} أَيْ لَا شَكّ فِيهِ. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: قَالَ سَاعِدَةُ بْنُ جُؤَيَةَ الْهُذَلِيّ:
فَقَالُوا عَهِدْنَا الْقَوْمَ قَدْ حَصَرُوا بِهِ ** فَلَا رَيْبَ أَنْ قَدْ كَانَ ثَمّ لَحِيمُ

وَهَذَا الْبَيْتُ فِي قَصِيدَةٍ لَهُ وَالرّيْبُ أَيْضًا: الرّيبَةُ. قَالَ خَالِدُ بْنُ زُهَيْرٍ الْهُذَلِيّ:
كَأَنّنِي أَرْبِبُهُ بِرَيْبٍ

قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَمِنْهُمْ مَنْ يَرْوِيهِ:
كَأَنّنِي أَرَبْته بِرَيْبٍ

وَهَذَا الْبَيْتُ فِي أَبْيَاتٍ لَهُ. وَهُوَ ابْنُ أَخِي أَبِي ذُؤَيْبٍ الْهُذَلِيّ. {هُدًى لِلْمُتّقِينَ} أَيْ الّذِينَ يَحْذَرُونَ مِنْ اللّهِ عُقُوبَتَهُ فِي تَرْكِ مَا يَعْرِفُونَ مِنْ الْهُدَى، وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ بِالتّصْدِيقِ بِمَا جَاءَهُمْ مِنْهُ. {الّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصّلَاةَ وَمِمّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ} أَيْ يُقِيمُونَ الصّلَاةَ بِفَرْضِهَا، وَيُؤْتَوْنَ الزّكَاةَ احْتِسَابًا لَهَا. {وَالّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ} أَيْ  يُصَدّقُونَك بِمَا جِئْتَ بِهِ مِنْ اللّهِ عَزّ وَجَلّ وَمَا جَاءَ بِهِ مَنْ قَبْلُك مِنْ الْمُرْسَلِينَ لَا يُفَرّقُونَ بَيْنَهُمْ وَلَا يَجْحَدُونَ مَا جَاءُوهُمْ بِهِ مِنْ رَبّهِمْ. {وَبِالْآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ} أَيْ بِالْبَعْثِ وَالْقِيَامَةِ وَالْجَنّةِ وَالنّارِ وَالْحِسَابِ كَانَ مِنْ قَبْلِك، وَبِمَا جَاءَك مِنْ رَبّك {أُولَئِكَ عَلَى هُدًى مِنْ رَبّهِمْ} أَيْ عَلَى نُورٍ مِنْ رَبّهِمْ وَاسْتِقَامَةٍ عَلَى مَا جَاءَهُمْ {وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} أَيْ الّذِينَ أَدْرَكُوا مَا طَلَبُوا وَنَجَوْا مِنْ شَرّ مَا مِنْهُ هَرَبُوا. إنّ الّذِينَ كَفَرُوا، أَيْ بِمَا أُنْزِلَ إلَيْك، وَإِنْ قَالُوا إنّا قَدْ آمَنّا بِمَا جَاءَنَا قَبْلَك {سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ} أَيْ أَنّهُمْ قَدْ كَفَرُوا بِمَا عِنْدَهُمْ مِنْ ذِكْرِك، وَجَحَدُوا مَا أُخِذَ عَلَيْهِمْ الْمِيثَاقُ لَك، فَقَدْ كَفَرُوا بِمَا جَاءَك وَبِمَا عِنْدَهُمْ مِمّا جَاءَهُمْ بِهِ غَيْرُك، فَكَيْفَ يَسْتَمِعُونَ مِنْك إنْذَارًا أَوْ تَحْذِيرًا، وَقَدْ كَفَرُوا بِمَا عِنْدَهُمْ مِنْ عِلْمِك. {خَتَمَ اللّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ وَعَلَى سَمْعِهِمْ وَعَلَى أَبْصَارِهِمْ غِشَاوَةٌ} أَيْ عَنْ الْهُدَى أَنْ يُصِيبُوهُ أَبَدًا، يَعْنِي بِمَا كَذّبُوك بِهِ مِنْ الْحَقّ الّذِي  جَاءَك مِنْ رَبّك حَتّى يُؤْمِنُوا بِهِ وَإِنْ آمَنُوا بِكُلّ مَا كَانَ قَبْلَك، وَلَهُمْ بِمَا هُمْ عَلَيْهِ مِنْ خِلَافِك عَذَابٌ عَظِيمٌ. فَهَذَا فِي الْأَحْبَارِ مِنْ يَهُودَ فِيمَا كَذّبُوا بِهِ مِنْ الْحَقّ بَعْدَ مُعْرِفَتِهِ.
.[مَا نَزَلَ فِي مُنَافِقِي الْأَوْسِ وَالْخَزْرَجِ]:

{وَمِنَ النّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنّا بِاللّهِ وَبِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَمَا هُمْ بِمُؤْمِنِينَ} يَعْنِي الْمُنَافِقِينَ مِنْ الْأَوْسِ وَالْخَزْرَجِ، وَمَنْ كَانَ عَلَى أَمْرِهِمْ. {يُخَادِعُونَ اللّهَ وَالّذِينَ آمَنُوا وَمَا يَخْدَعُونَ إِلّا أَنْفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُونَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ} أَيْ شَكّ {فَزَادَهُمُ اللّهُ مَرَضًا}أَيْ شَكّا {وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ قَالُوا إِنّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ} أَيْ إنّمَا نُرِيدُ الْإِصْلَاحَ بَيْنَ الْفَرِيقَيْنِ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ وَأَهْلِ الْكِتَابِ. يَقُولُ اللّهُ تَعَالَى {أَلَا إِنّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ وَلَكِنْ لَا يَشْعُرُونَ وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ آمِنُوا كَمَا آمَنَ النّاسُ قَالُوا أَنُؤْمِنُ كَمَا آمَنَ السّفَهَاءُ أَلَا إِنّهُمْ هُمُ السّفَهَاءُ وَلَكِنْ لَا يَعْلَمُونَ وَإِذَا لَقُوا الّذِينَ آمَنُوا قَالُوا آمَنّا}وَإِذَا خَلَوْا إلَى شَيَاطِينِهِمْ مِنْ يَهُودَ الّذِينَ يَأْمُرُونَهُمْ بِالتّكْذِيبِ بِالْحَقّ وَخِلَافِ مَا جَاءَ بِهِ الرّسُولُ {قَالُوا إِنّا مَعَكُمْ} أَيْ إنّا عَلَى مِثْلِ مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ. {إِنّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزِئُونَ} أَيْ إنّمَا نَسْتَهْزِئُ بِالْقَوْمِ وَنَلْعَبُ بِهِمْ. يَقُولُ عَزّ وَجَلّ {اللّهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ وَيَمُدّهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ}
.[تَفْسِيرُ ابْنِ هِشَامٍ لِبَعْضِ الْغَرِيبِ]:

قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: يَعْمَهُونَ يَحَارُونَ. تَقُولُ الْعَرَبُ: رَجُلٌ عَمِهٌ وَعَامِهٌ أَيْ حَيَرَانُ قَالَ رُؤْبَةُ بْنُ الْعَجّاجِ يَصِفُ بَلَدًا:
أَعْمَى الْهُدَى بِالْجَاهِلِينَ الْعُمّهِ

وَهَذَا الْبَيْتُ فِي أُرْجُوزَةٍ لَهُ. فَالْعُمّهُ جَمْعُ عَامِهٍ وَأَمّا عَمِهٌ فَجَمْعُهُ عَمِهُونَ. وَالْمَرْأَةُ عَمِهَةٌ وَعَمْهَاءُ. {أُولَئِكَ الّذِينَ اشْتَرَوُا الضّلَالَةَ بِالْهُدَى} أَيْ الْكُفْرِ بِالْإِيمَانِ {فَمَا رَبِحَتْ تِجَارَتُهُمْ وَمَا كَانُوا مُهْتَدِينَ} قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: ثُمّ ضَرَبَ لَهُمْ مَثَلًا، فَقَالَ تَعَالَى {كَمَثَلِ الّذِي اسْتَوْقَدَ نَارًا فَلَمّا أَضَاءَتْ مَا حَوْلَهُ ذَهَبَ اللّهُ بِنُورِهِمْ وَتَرَكَهُمْ فِي ظُلُمَاتٍ لَا يُبْصِرُونَ} أَيْ لَا يُبْصِرُونَ  الْحَقّ وَيَقُولُونَ بِهِ حَتّى إذَا خَرَجُوا بِهِ مِنْ ظُلْمَةِ الْكُفْرِ أَطْفَئُوهُ بِكُفْرِهِمْ بِهِ وَنِفَاقِهِمْ فِيهِ فَتَرَكَهُمْ اللّهُ فِي ظُلُمَاتِ الْكُفْرِ فَهُمْ لَا يُبْصِرُونَ هُدًى، وَلَا يَسْتَقِيمُونَ عَلَى حَقّ. {صُمّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لَا يَرْجِعُونَ} أَيْ لَا يَرْجِعُونَ إلَى الْهُدَى، صُمّ بُكْمٌ عُمْيٌ عَنْ الْخَيْرِ لَا يَرْجِعُونَ إلَى خَيْرٍ وَلَا يُصِيبُونَ نَجَاةً مَا كَانُوا عَلَى مَا هُمْ عَلَيْهِ {أَوْ كَصَيّبٍ مِنَ السّمَاءِ فِيهِ ظُلُمَاتٌ وَرَعْدٌ وَبَرْقٌ يَجْعَلُونَ أَصَابِعَهُمْ فِي آذَانِهِمْ مِنَ الصّوَاعِقِ حَذَرَ الْمَوْتِ وَاللّهُ مُحِيطٌ بِالْكَافِرِينَ} قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: الصّيّبُ الْمَطَرُ وَهُوَ مِنْ  صَابَ يَصُوبُ مِثْلُ قَوْلِهِمْ السّيّدُ مَنْ سَادَ يَسُودُ وَالْمَيّتُ مَنْ مَاتَ يَمُوتُ وَجَمْعُهُ صَيَائِبُ. قَالَ عَلْقَمَةُ بْنُ عَبَدَةَ، أَحَدُ بَنِي رَبِيعَةَ بْنِ مَالِكِ بْنِ زَيْدِ مَنَاةَ بْنِ تَمِيمٍ:
كَأَنّهُمْ صَابَتْ عَلَيْهِمْ سَحَابَةٌ ** صَوَاعِقُهَا لِطَيْرِهِنّ دَبِيبُ

وَفِيهَا:
فَلَا تَعْدِلِي بَيْنِي وَبَيْنَ مُغَمّرٍ ** سَقَتْكَ رَوَايَا الْمُزْنِ حَيْثُ تَصُوبُ

وَهَذَانِ الْبَيْتَانِ فِي قَصِيدَةٍ لَهُ. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: أَيْ هُمْ مِنْ ظُلْمَةِ مَا هُمْ فِيهِ مِنْ الْكُفْرِ وَالْحَذَرِ مِنْ الْقَتْلِ مِنْ الّذِي هُمْ عَلَيْهِ مِنْ الْخِلَافِ وَالتّخَوّفِ لَكُمْ عَلَى مِثْلِ مَا وُصِفَ مِنْ الّذِي هُوَ فِي ظُلْمَةِ الصّيّبِ يَجْعَلُ أَصَابِعَهُ فِي أُذُنِيهِ مِنْ الصّوَاعِقِ حَذَرَ الْمَوْتِ. يَقُولُ وَاَللّهُ مُنْزِلُ ذَلِكَ بِهِمْ مِنْ النّقْمَةِ أَيْ هُوَ مُحِيطٌ بِالْكَافِرِينَ {يَكَادُ الْبَرْقُ يَخْطَفُ أَبْصَارَهُمْ} أَيْ لِشِدّةِ ضَوْءِ الْحَقّ {كُلّمَا أَضَاءَ لَهُمْ مَشَوْا فِيهِ وَإِذَا أَظْلَمَ عَلَيْهِمْ قَامُوا} أَيْ يَعْرِفُونَ الْحَقّ وَيَتَكَلّمُونَ بِهِ فَهُمْ مِنْ قَوْلِهِمْ بِهِ عَلَى اسْتِقَامَةٍ فَإِذَا ارْتَكَسُوا مِنْهُ فِي الْكُفْرِ قَامُوا مُتَحَيّرِينَ. {وَلَوْ شَاءَ اللّهُ لَذَهَبَ بِسَمْعِهِمْ وَأَبْصَارِهِمْ} أَيْ لِمَا تَرَكُوا مِنْ الْحَقّ بَعْدَ مَعْرِفَتِهِ {إِنّ اللّهَ عَلَى كُلّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} ثُمّ قَالَ {يَا أَيّهَا النّاسُ اعْبُدُوا رَبّكُمُ} لِلْفَرِيقَيْنِ جَمِيعًا، مِنْ الْكُفّارِ وَالْمُنَافِقِينَ أَيْ وَحّدُوا رَبّكُمْ {الّذِي خَلَقَكُمْ وَالّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلّكُمْ تَتّقُونَ الّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ فِرَاشًا وَالسّمَاءَ بِنَاءً وَأَنْزَلَ مِنَ السّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثّمَرَاتِ رِزْقًا لَكُمْ فَلَا تَجْعَلُوا لِلّهِ أَنْدَادًا وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ}
.[تَفْسِيرُ ابْنِ هِشَامٍ لِبَعْضِ الْغَرِيبِ]:

قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: الْأَنْدَادُ الْأَمْثَالُ وَأَحَدُهُمْ نِدّ. قَالَ لَبِيدُ بْنُ رَبِيعَةَ:
أَحْمَدُ اللّهَ فَلَا نِدّ لَهُ ** بِيَدَيْهِ الْخَيْرُ مَا شَاءَ فَعَلَ

وَهَذَا الْبَيْتُ فِي قَصِيدَةٍ لَهُ. فَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: أَيْ لَا تُشْرِكُوا بِاَللّهِ غَيْرَهُ مِنْ الْأَنْدَادِ الّتِي لَا تَنْفَعُ وَلَا تَضُرّ، وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ أَنّهُ لَا رَبّ لَكُمْ يَرْزُقكُمْ غَيْرُهُ وَقَدْ عَلِمْتُمْ أَنّ الّذِي يَدْعُوكُمْ إلَيْهِ الرّسُولُ مِنْ تَوْحِيدِهِ هُوَ الْحَقّ لَا شَكّ فِيهِ. {وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِمّا نَزّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا} أَيْ فِي شَكّ مِمّا جَاءَكُمْ بِهِ {فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ وَادْعُوا شُهَدَاءَكُمْ مِنْ دُونِ اللّهِ} {إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا وَلَنْ تَفْعَلُوا} فَقَدْ تَبَيّنَ لَكُمْ الْحَقّ {فَاتّقُوا النّارَ الّتِي وَقُودُهَا النّاسُ وَالْحِجَارَةُ أُعِدّتْ لِلْكَافِرِينَ} أَيْ لِمَنْ كَانَ عَلَى مِثْلِ  مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ مِنْ الْكُفْرِ. ثُمّ رَغّبَهُمْ وَحَذّرَهُمْ نُقْضَ الْمِيثَاقِ الّذِي أَخَذَ عَلَيْهِمْ لِنَبِيّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ إذَا جَاءَهُمْ وَذَكَرَ لَهُمْ بَدْءَ خَلْقِهِمْ حَيْنَ خَلَقَهُمْ وَشَأْنَ أَبِيهِمْ آدَمَ عَلَيْهِ السّلَامُ وَأَمْرَهُ وَكَيْفَ صَنَعَ بِهِ حَيْنَ خَالَفَ عَنْ طَاعَتِهِ ثُمّ قَالَ {يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ} لِلْأَحْبَارِ مِنْ يَهُودَ {اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ الّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ} أَيْ بَلَائِي عِنْدَكُمْ وَعِنْدَ آبَائِكُمْ لَمّا كَانَ نَجّاهُمْ بِهِ مِنْ فِرْعَوْنَ وَقَوْمِهِ {وَأَوْفُوا بِعَهْدِي} الّذِي أَخَذْت فِي أَعْنَاقِكُمْ لِنَبِيّي أَحْمَدَ إذَا جَاءَكُمْ {أُوفِ بِعَهْدِكُمْ} أُنْجِزْ لَكُمْ مَا وَعَدْتُكُمْ عَلَى تَصْدِيقِهِ وَاتّبَاعِهِ بِوَضْعِ مَا كَانَ عَلَيْكُمْ مِنْ الْآصَارِ وَالْأَغْلَالِ الّتِي كَانَتْ فِي أَعْنَاقِكُمْ بِذُنُوبِكُمْ الّتِي كَانَتْ مِنْ أَحْدَاثِكُمْ {وَإِيّايَ فَارْهَبُونِ} أَيْ أَنْ أُنْزِلَ بِكُمْ مَا أَنَزَلْت بِمَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ مِنْ آبَائِكُمْ مِنْ النّقْمَاتِ الّتِي قَدْ عَرَفْتُمْ مِنْ الْمَسْخِ وَغَيْرِهِ. {وَآمِنُوا بِمَا أَنْزَلْتُ مُصَدّقًا لِمَا مَعَكُمْ وَلَا تَكُونُوا أَوّلَ كَافِرٍ بِهِ} وَعِنْدَكُمْ مِنْ الْعِلْمِ فِيهِ مَا لَيْسَ عِنْدَ غَيْرِكُمْ {وَإِيّايَ فَاتّقُونِ وَلَا تَلْبِسُوا الْحَقّ بِالْبَاطِلِ وَتَكْتُمُوا الْحَقّ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ} أَيْ لَا تَكْتُمُوا مَا عِنْدَكُمْ مِنْ الْمُعْرِفَةِ بِرَسُولِي وَبِمَا جَاءَ بِهِ وَأَنْتُمْ تَجِدُونَهُ عِنْدَكُمْ فِيمَا تَعْلَمُونَ مِنْ الْكُتُبِ الّتِي بِأَيْدِيكُمْ {أَتَأْمُرُونَ النّاسَ بِالْبِرّ وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ وَأَنْتُمْ تَتْلُونَ الْكِتَابَ أَفَلَا تَعْقِلُونَ} أَيْ أَتَنْهَوْنَ النّاسَ  عَنْ الْكُفْرِ بِمَا عِنْدَكُمْ مِنْ النّبُوّةِ وَالْعَهْدِ مِنْ التّوْرَاةِ وَتَتْرُكُونَ أَنَفْسَكُمْ أَيْ وَأَنْتُمْ تَكْفُرُونَ بِمَا فِيهَا مِنْ عَهْدِي إلَيْكُمْ فِي تَصْدِيقِ رَسُولِي، وَتَنْقُضُونَ مِيثَاقِي، وَتَجْحَدُونَ مَا تَعْلَمُونَ مِنْ كِتَابِي. ثُمّ عَدّدَ عَلَيْهِمْ أَحْدَاثَهُمْ فَذَكَرَ لَهُمْ الْعِجْلَ وَمَا صَنَعُوا فِيهِ وَتَوْبَتَهُ عَلَيْهِمْ وَإِقَالَتَهُ إيّاهُمْ ثُمّ قَوْلَهُمْ {أَرِنَا اللّهَ جَهْرَةً}
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://el-quran.ahlamontada.com
Admin
Admin
Admin


المساهمات : 4240
تاريخ التسجيل : 20/01/2018

كتاب السيرة النبوية۞ لعبد الملك ابن هشام ۞«المؤرخ» ​ - صفحة 2 Empty
مُساهمةموضوع: رد: كتاب السيرة النبوية۞ لعبد الملك ابن هشام ۞«المؤرخ» ​   كتاب السيرة النبوية۞ لعبد الملك ابن هشام ۞«المؤرخ» ​ - صفحة 2 Emptyالأحد مارس 04, 2018 6:24 am

كتاب السيرة النبوية۞ لعبد الملك ابن هشام ۞«المؤرخ» ​ - صفحة 2 SeeretIbenHisham

.[تَفْسِيرُ ابْنِ هِشَامٍ لِبَعْضِ الْغَرِيبِ]:

قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: جَهْرَةً أَيْ ظَاهِرًا لَنَا لَا شَيْءَ يَسْتُرهُ عَنّا. قَالَ أَبُو الْأَخْزَرِ الْحَمَانِيّ، وَاسْمُهُ قُتَيْبَةُ يَجْهَرُ أَجْوَافَ الْمِيَاهِ السّدُم.
وَهَذَا الْبَيْتُ فِي أُرْجُوزَةٍ لَهُ. يَجْهَرُ يَقُولُ يُظْهِرُ الْمَاءَ وَيَكْشِفُ عَنْهُ مَا يَسْتُرُهُ مِنْ الرّمْلِ وَغَيْرِهِ. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَأَخْذَ الصّاعِقَةِ إيّاهُمْ عِنْدَ ذَلِكَ لِغِرّتِهِمْ ثُمّ إحْيَاءَهُ إيّاهُمْ بَعْدَ مَوْتِهِمْ وَتَظْلِيلَهُ عَلَيْهِمْ الْغَمَامَ وَإِنْزَالَهُ عَلَيْهِمْ الْمَنّ وَالسّلْوَى، وَقَوْلُهُ لَهُمْ{وَادْخُلُوا الْبَابَ سُجّدًا وَقُولُوا حِطّةٌ} أَيْ قُولُوا مَا آمُرُكُمْ بِهِ أَحُطّ بِهِ ذُنُوبَكُمْ عَنْكُمْ وَتَبْدِيلَهُمْ ذَلِكَ مِنْ قَوْلِهِ اسْتِهْزَاءً بِأَمْرِهِ وَإِقَالَتَهُ إيّاهُمْ ذَلِكَ بَعْدَ هُزْئِهِمْ.
.[تَفْسِيرُ ابْنِ هِشَامٍ لِبَعْضِ الْغَرِيبِ]:

قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: الْمَنّ: شَيْءٌ كَانَ يَسْقُطُ فِي السّحَرِ عَلَى شَجَرِهِمْ فَيَجْتَنُونَهُ حُلْوًا مِثْلَ الْعَسَلِ فَيَشْرَبُونَهُ وَيَأْكُلُونَهُ. قَالَ أَعْشَى بَنِي قَيْسِ بْنِ ثَعْلَبَةَ:
لَوْ أُطْعِمُوا الْمَنّ وَالسّلْوَى مَكَانَهُمْ ** مَا أَبْصَرَ النّاسُ طُعْمًا فِيهُمُ نَجَعَا

وَهَذَا الْبَيْتُ فِي قَصِيدَةٍ لَهُ. وَالسّلْوَى: طَيْرٌ وَاحِدَتُهَا: سَلْوَاةٌ وَيُقَالُ إنّهَا السّمَانِيّ؛ وَيُقَالُ لِلْعَسَلِ أَيْضًا: السّلْوَى. وَقَالَ خَالِدُ بْنُ زُهَيْرٍ الْهُذَلِيّ:
وَقَاسَمَهَا بِاَللّهِ حَقّا لَأَنْتُمْ ** أَلَذّ مِنْ السّلْوَى إذَا مَا نَشُورُهَا

وَهَذَا الْبَيْتُ فِي قَصِيدَةٍ لَهُ. وَحِطّةٌ أَيْ حُطّ عَنّا ذُنُوبَنَا. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَكَانَ مِنْ تَبْدِيلِهِمْ ذَلِكَ كَمَا حَدّثَنِي صَالِحُ بْنُ كَيْسَانَ عَنْ صَالِحٍ مَوْلَى التّوْءَمَةِ بِنْتِ أُمَيّةَ بْنِ خَلَفٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَمَنْ لَا أَتّهِمُ عَنْ ابْنِ عَبّاسٍ، عَنْ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ قَالَ دَخَلُوا الْبَابَ الّذِي أُمِرُوا أَنْ يَدْخُلُوا مِنْهُ سُجّدًا يَزْحَفُونَ وَهُمْ يَقُولُونَ حِنْطٌ فِي شَعِيرٍ قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَيُرْوَى: حِنْطَةٌ فِي شَعِيرَةٍ. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَاسْتِسْقَاءَ مُوسَى لِقَوْمِهِ وَأَمْرَهُ إيّاهُ أَنْ يَضْرِبَ بِعَصَاهُ الْحَجَرَ، فَانْفَجَرَتْ لَهُمْ مِنْهُ اثْنَتَا عَشَرَةَ عَيْنًا، لِكُلّ سِبْطٍ عَيْنٌ يَشْرَبُونَ مِنْهَا، قَدْ عَلِمَ كُلّ سِبْطٍ عَيْنَهُ الّتِي مِنْهَا يَشْرَبُ وَقَوْلَهُمْ لِمُوسَى عَلَيْهِ السّلَامُ{لَنْ نَصْبِرَ عَلَى طَعَامٍ وَاحِدٍ فَادْعُ لَنَا رَبّكَ يُخْرِجْ لَنَا مِمّا تُنْبِتُ الْأَرْضُ مِنْ بَقْلِهَا وَقِثّائِهَا وَفُومِهَا} قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: الْفُوَمُ الْحِنْطَةُ. قَالَ أُمَيّةُ بْنُ أَبِي الصّلْتِ الثّقَفِيّ:
فَوْقَ شِيزَى مِثْلِ الْجَوَابِي عَلَيْهَا ** قِطَعٌ كَالْوَذِيلِ فِي نِقْيِ فُومِ

.[تَفْسِيرُ ابْنِ هِشَامٍ لِبَعْضِ الْغَرِيبِ]:

قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: الْوَذِيلُ قِطَعُ الْفِضّةِ وَالْفُوَمُ الْقَمْحُ، وَاحِدَتُهُ فُومَةٌ. وَهَذَا الْبَيْتُ فِي قَصِيدَةٍ لَهُ. {وَعَدَسِهَا وَبَصَلِهَا قَالَ أَتَسْتَبْدِلُونَ الّذِي هُوَ أَدْنَى بِالّذِي هُوَ خَيْرٌ اهْبِطُوا مِصْرًا فَإِنّ لَكُمْ مَا سَأَلْتُمْ} قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فَلَمْ يَفْعَلُوا، وَرَفْعَهُ الطّورَ  فَوْقَهُمْ لِيَأْخُذُوا مَا أُوتُوا، وَالْمَسْخَ الّذِي كَانَ فِيهِمْ إذْ جَعَلَهُمْ قِرَدَةً بِأَحْدَاثِهِمْ وَالْبَقَرَةَ الّتِي أَرَاهُمْ اللّهُ عَزّ وَجَلّ بِهَا الْعِبْرَةَ فِي الْقَتِيلِ الّذِي اخْتَلَفُوا فِيهِ حَتّى بَيّنَ اللّهُ لَهُمْ أَمْرَهُ بَعْدَ التّرَدّدِ عَلَى مُوسَى عَلَيْهِ السّلَامُ فِي صِفّةِ الْبَقَرَةِ وَقَسْوَةَ قُلُوبِهِمْ بَعْدَ ذَلِكَ حَتّى كَانَتْ كَالْحِجَارَةِ أَوْ أَشَدّ قَسْوَةً. ثُمّ قَالَ تَعَالَى: {وَإِنّ مِنَ الْحِجَارَةِ لَمَا يَتَفَجّرُ مِنْهُ الْأَنْهَارُ وَإِنّ مِنْهَا لَمَا يَشّقّقُ فَيَخْرُجُ مِنْهُ الْمَاءُ وَإِنّ مِنْهَا لَمَا يَهْبِطُ مِنْ خَشْيَةِ اللّهِ} أَيْ وَإِنّ مِنْ الْحِجَارَةِ لَأَلْيَنُ مِنْ قُلُوبِكُمْ عَمّا تَدْعُونَ إلَيْهِ مِنْ الْحَقّ {وَمَا اللّهُ بِغَافِلٍ عَمّا تَعْمَلُونَ} قَالَ لِمُحَمّدِ عليه الصلاة والسلام وَلِمَنْ مَعَهُ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ يُؤَيّسُهُمْ مِنْهُمْ {أَفَتَطْمَعُونَ أَنْ يُؤْمِنُوا لَكُمْ وَقَدْ كَانَ فَرِيقٌ مِنْهُمْ يَسْمَعُونَ كَلَامَ اللّهِ ثُمّ يُحَرّفُونَهُ مِنْ بَعْدِ مَا عَقَلُوهُ وَهُمْ يَعْلَمُونَ} وَلَيْسَ قَوْلُهُ يَسْمَعُونَ التّوْرَاةَ، أَنّ كُلّهُمْ قَدْ سَمِعَهَا،  وَلَكِنّهُ فَرِيقٌ مِنْهُمْ أَيْ خَاصّةٌ. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ، فِيمَا بَلَغَنِي عَنْ بَعْضِ أَهْلِ الْعِلْمِ قَالُوا لِمُوسَى: يَا مُوسَى، قَدْ حِيلَ بَيْنَنَا وَبَيْنَ رُؤْيَةِ اللّهِ فَأَسْمِعْنَا كَلَامَهُ حَيْنَ يُكَلّمُك، فَطَلَبَ ذَلِكَ مُوسَى عَلَيْهِ السّلَامُ مِنْ رَبّهِ فَقَالَ لَهُ نَعَمْ مُرْهُمْ فَلْيَطّهّرُوا، أَوْ لِيُطَهّرُوا ثِيَابَهُمْ وَلْيَصُومُوا، فَفَعَلُوا. ثُمّ خَرَجَ بِهِمْ حَتّى أَتَى بِهِمْ الطّورَ؛ فَلَمّا غَشِيَهُمْ الْغَمَامُ أَمَرَهُمْ مُوسَى فَوَقَعُوا سُجّدًا، وَكَلّمَهُ رَبّهُ فَسَمِعُوا كَلَامَهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى، يَأْمُرُهُمْ وَيَنْهَاهُمْ حَتّى عَقَلُوا عَنْهُ مَا سَمِعُوا، ثُمّ انْصَرَفَ بِهِمْ إلَى بَنِي إسْرَائِيلَ فَلَمّا جَاءَهُمْ حَرّفَ فَرِيقٌ مِنْهُمْ مَا أَمَرَهُمْ بِهِ وَقَالُوا، حَيْنَ قَالَ مُوسَى لِبَنِي إسْرَائِيلَ إنّ اللّهَ قَدْ أَمَرَكُمْ بِكَذَا وَكَذَا، قَالَ ذَلِكَ الْفَرِيقُ الّذِي ذَكَرَ اللّهُ عَزّ وَجَلّ إنّمَا قَالَ كَذَا وَكَذَا، خِلَافًا لِمَا قَالَ اللّهُ لَهُمْ فَهُمْ الّذِينَ عَنَى اللّهُ عَزّ وَجَلّ لِرَسُولِهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ. ثُمّ قَالَ تَعَالَى: {وَإِذَا لَقُوا الّذِينَ آمَنُوا قَالُوا آمَنّا} أَيْ بِصَاحِبِكُمْ رَسُولِ اللّهِ وَلَكِنّهُ إلَيْكُمْ خَاصّةً. {وَإِذَا خَلَا بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ قَالُوا} لَا تُحَدّثُوا الْعَرَبَ بِهَذَا، فَإِنّكُمْ قَدْ كُنْتُمْ تَسْتَفْتِحُونَ بِهِ عَلَيْهِمْ فَكَانَ فِيهِمْ. فَأَنْزَلَ اللّهُ عَزّ وَجَلّ فِيهِمْ {وَإِذَا لَقُوا الّذِينَ آمَنُوا قَالُوا آمَنّا وَإِذَا خَلَا بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ قَالُوا أَتُحَدّثُونَهُمْ بِمَا فَتَحَ اللّهُ عَلَيْكُمْ لِيُحَاجّوكُمْ بِهِ عِنْدَ رَبّكُمْ أَفَلَا تَعْقِلُونَ} أَيْ تُقِرّونَ  بِأَنّهُ نَبِيّ، وَقَدْ عَرَفْتُمْ أَنّهُ قَدْ أُخِذَ لَهُ الْمِيثَاقُ عَلَيْكُمْ بِاتّبَاعِهِ وَهُوَ يُخْبِرُكُمْ أَنّهُ النّبِيّ الّذِي كُنّا نَنْتَظِرُ وَنَجِدُ فِي كِتَابِنَا، اجْحَدُوهُ وَلَا تُقِرّوا لَهُمْ بِهِ. يَقُولُ اللّهُ عَزّ وَجَلّ {أَوَلَا يَعْلَمُونَ أَنّ اللّهَ يَعْلَمُ مَا يُسِرّونَ وَمَا يُعْلِنُونَ وَمِنْهُمْ أُمّيّونَ لَا يَعْلَمُونَ الْكِتَابَ إِلّا أَمَانِيّ}
.[تَفْسِيرُ ابْنِ هِشَامٍ لِبَعْضِ الْغَرِيبِ]:

قَالَ ابْنُ هِشَامٍ، عَنْ أَبِي عُبَيْدَةَ إلّا أَمَانِيّ إلّا قِرَاءَةً لِأَنّ الْأُمّيّ الّذِي قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: عَنْ أَبِي عُبَيْدَةَ وَيُونُسَ أَنّهُمَا تَأَوّلَا ذَلِكَ عَنْ الْعَرَبِ فِي قَوْلِ اللّهِ عَزّ وَجَلّ حَدّثَنِي أَبُو عُبَيْدَةَ بِذَلِكَ. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَحَدّثَنِي يُونُسُ بْنُ حَبِيبٍ النّحْوِيّ وَأَبُو عُبَيْدَةَ أَنّ الْعَرَبَ تَقُولُ تَمَنّى، فِي مَعْنَى قَرَأَ. وَفِي كِتَابِ اللّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ وَلَا نَبِيّ إِلّا إِذَا تَمَنّى أَلْقَى الشّيْطَانُ فِي أُمْنِيّتِهِ} قَالَ وَأَنْشَدَنِي أَبُو عُبَيْدَةَ النّحْوِيّ:
تَمَنّى كِتَابَ اللّهِ أَوّلَ لَيْلِهِ ** وَآخِرَهُ وَافَى حِمَامُ الْمَقَادِرِ

وَأَنْشَدَنِي أَيْضًا:
تَمَنّى كِتَابَ اللّهِ فِي اللّيْلِ خَالِيًا ** تَمَنّيَ دَاوُدَ الزّبُورَ عَلَى رِسْلِ

وَوَاحِدَةُ الْأَمَانِيّ أُمْنِيّةٌ. وَالْأَمَانِيّ أَيْضًا: أَنْ يَتَمَنّى الرّجُلُ الْمَالَ أَوْ غَيْرَهُ. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: {وَإِنْ هُمْ إِلّا يَظُنّونَ} أَيْ لَا يَعْلَمُونَ الْكِتَابَ وَلَا يَدْرُونَ مَا فِيهِ وَهُمْ يَجْحَدُونَ نُبُوّتَك بِالظّنّ. {وَقَالُوا لَنْ تَمَسّنَا النّارُ إِلّا أَيّامًا مَعْدُودَةً قُلْ أَتّخَذْتُمْ عِنْدَ اللّهِ عَهْدًا فَلَنْ يُخْلِفَ اللّهُ عَهْدَهُ أَمْ تَقُولُونَ عَلَى اللّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ}
.[دَعْوَى الْيَهُودَ قِلّةَ الْعَذَابِ فِي الْآخِرَةِ وَرَدّ اللّهِ عَلَيْهِمْ]:

قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَحَدّثَنِي مَوْلًى لِزَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ عَنْ عِكْرِمَةَ، أَوْ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنْ ابْنِ عَبّاسٍ، قَالَ قَدِمَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ الْمَدِينَةَ، وَالْيَهُودُ تَقُولُ إنّمَا مُدّةُ الدّنْيَا سَبْعَةُ آلَافِ سَنَةٍ، وَإِنّمَا يُعَذّبُ اللّهُ النّاسَ فِي النّارِ بِكُلّ أَلْفِ سَنَةٍ مِنْ أَيّامِ الدّنْيَا يَوْمًا وَاحِدًا فِي النّارِ مِنْ أَيّامِ الْآخِرَةِ وَإِنّمَا هِيَ سَبْعَةُ أَيّامٍ ثُمّ يَنْقَطِعُ الْعَذَابُ. فَأَنْزَلَ اللّهُ فِي ذَلِكَ مِنْ قَوْلِهِمْ {وَقَالُوا لَنْ تَمَسّنَا النّارُ إِلّا أَيّامًا مَعْدُودَةً قُلْ أَتّخَذْتُمْ عِنْدَ اللّهِ عَهْدًا فَلَنْ يُخْلِفَ اللّهُ عَهْدَهُ أَمْ تَقُولُونَ عَلَى اللّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ بَلَى مَنْ كَسَبَ سَيّئَةً وَأَحَاطَتْ بِهِ خَطِيئَتُهُ} أَيْ وَكَفَرَ بِمِثْلِ مَا كَفَرْتُمْ بِهِ يُحِيطُ كُفْرُهُ بِمَا لَهُ عِنْدَ اللّهِ مِنْ حَسَنَةٍ{فَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ} أَيْ خُلْدٌ أَبَدًا. {وَالّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصّالِحَاتِ أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْجَنّةِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ} أَيْ مَنْ آمَنَ بِمَا كَفَرْتُمْ بِهِ وَعَمِلَ بِمَا تَرَكْتُمْ مِنْ دِينِهِ فَلَهُمْ الْجَنّةُ خَالِدِينَ فِيهَا، يُخْبِرُهُمْ أَنّ الثّوَابَ بِالْخَيْرِ وَالشّرّ مُقِيمٌ عَلَى أَهْلِهِ أَبَدًا، لَا انْقِطَاعَ لَهُ. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: ثُمّ قَالَ اللّهُ عَزّ وَجَلّ يُؤَنّبُهُمْ {وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَ بَنِي إِسْرَائِيلَ} أَيْ مِيثَاقَكُمْ {لَا تَعْبُدُونَ إِلّا اللّهَ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَقُولُوا لِلنّاسِ حُسْنًا وَأَقِيمُوا الصّلَاةَ وَآتُوا الزّكَاةَ ثُمّ تَوَلّيْتُمْ إِلّا قَلِيلًا مِنْكُمْ وَأَنْتُمْ مُعْرِضُونَ} أَيْ تَرَكْتُمْ ذَلِكَ كُلّهُ لَيْسَ بِالتّنَقّصِ. {وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَكُمْ لَا تَسْفِكُونَ دِمَاءَكُمْ}
.[تَفْسِيرُ ابْنِ هِشَامٍ لِبَعْضِ الْغَرِيبِ]:

قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: تَسْفِكُونَ تَصُبّونَ. تَقُولُ الْعَرَبُ: سَفَكَ دَمَهُ أَيْ صَبّهُ وَسَفَكَ الزّقّ أَيْ هَرَاقَهُ. قَالَ الشّاعِرُ:
وَكُنّا إذَا مَا الضّيْفُ حَلّ بِأَرْضِنَا ** سَفَكْنَا دِمَاءَ الْبُدْنِ فِي تُرْبَةِ الْحَالِ

قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: يَعْنِي بِالْحَالِ: الطّينِ الّذِي يُخَالِطُهُ الرّمْلُ وَهُوَ الّذِي تَقُولُ لَهُ الْعَرَبُ: السّهْلَةُ. وَقَدْ جَاءَ فِي الْحَدِيثِ أَنّ جِبْرِيلَ لَمّا قَالَ فِرْعَوْنُ: آمَنْتُ أَنّهُ لَا إلَهَ إلّا الّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُو إسْرَائِيلَ، أَخَذَ مِنْ حَالِ الْبَحْرِ وَحَمَأَتِهِ، فَضَرَبَ بِهِ وَجْهَ فِرْعَوْنَ وَالْحَالُ مِثْلُ الْحَمْأَةِ قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: {وَلَا تُخْرِجُونَ أَنْفُسَكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ ثُمّ أَقْرَرْتُمْ وَأَنْتُمْ تَشْهَدُونَ} عَلَى أَنّ هَذَا حَقّ مِنْ مِيثَاقِي عَلَيْكُمْ {ثُمّ أَنْتُمْ هَؤُلَاءِ تَقْتُلُونَ أَنْفُسَكُمْ وَتُخْرِجُونَ فَرِيقًا مِنْكُمْ مِنْ دِيَارِهِمْ تَظَاهَرُونَ عَلَيْهِمْ بِالْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ} أَيْ أَهْلَ الشّرْكِ حَتّى يَسْفِكُوا دِمَاءَهُمْ مَعَهُمْ وَيُخْرِجُوهُمْ مِنْ دِيَارِهِمْ مَعَهُمْ. {وَإِنْ يَأْتُوكُمْ أُسَارَى تُفَادُوهُمْ} وَقَدْ عَرَفْتُمْ أَنّ ذَلِكَ عَلَيْكُمْ فِي دِينِكُمْ {وَهُوَ مُحَرّمٌ عَلَيْكُمْ} فِي كِتَابِكُمْ إخْرَاجُهُمْ {أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ} أَيْ أَتُفَادُونَهُمْ مُؤْمِنِينَ بِذَلِكَ وَتُخْرِجُونَهُمْ كُفّارًا بِذَلِكَ. {فَمَا جَزَاءُ مَنْ يَفْعَلُ ذَلِكَ مِنْكُمْ إِلّا خِزْيٌ فِي الْحَيَاةِ الدّنْيَا وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يُرَدّونَ إِلَى أَشَدّ الْعَذَابِ وَمَا اللّهُ بِغَافِلٍ عَمّا تَعْمَلُونَ أُولَئِكَ الّذِينَ اشْتَرَوُا الْحَيَاةَ الدّنْيَا بِالْآخِرَةِ فَلَا يُخَفّفُ عَنْهُمُ الْعَذَابُ وَلَا هُمْ يُنْصَرُونَ} فَأَنّبَهُمْ اللّهُ عَزّ  وَجَلّ بِذَلِكَ مِنْ فِعْلهمْ وَقَدْ حَرّمَ عَلَيْهِمْ فِي التّوْرَاةِ سَفْكَ دِمَائِهِمْ وَافْتَرَضَ عَلَيْهِمْ فِيهَا فِدَاءَ أَسْرَاهُمْ. فَكَانُوا فَرِيقَيْنِ مِنْهُمْ بَنُو قَيْنُقَاعَ وَلَفّهُمْ حُلَفَاءُ الْخَزْرَجِ، وَالنّضِيرُ وَقُرَيْظَة ُ وَلَفّهُمْ حُلَفَاءُ الْأَوْسِ. فَكَانُوا إذَا كَانَتْ بَيْنَ الْأَوْسِ وَالْخَزْرَجِ حَرْبٌ. خَرَجَتْ بَنُو قَيْنُقَاعَ مَعَ الْخَزْرَجِ وَخَرَجَتْ النّضِيرُ وَقُرَيْظَةُ مَعَ الْأَوْسِ يُظَاهِرُ كُلّ وَاحِدٍ مِنْ الْفَرِيقَيْنِ حُلَفَاءَهُ عَلَى إخْوَانِهِ حَتّى يَتَسَافَكُوا دِمَاءَهُمْ بَيْنَهُمْ وَبِأَيْدِيهِمْ التّوْرَاةُ يَعْرِفُونَ فِيهَا مَا عَلَيْهِمْ وَمَا لَهُمْ وَالْأَوْسُ وَالْخَزْرَجُ أَهْلُ شِرْكٍ يَعْبُدُونَ الْأَوْثَانَ لَا يَعْرِفُونَ جَنّةً وَلَا نَارًا، وَلَا بَعْثًا وَلَا قِيَامَةً وَلَا كِتَابًا، وَلَا حَلَالًا وَلَا حَرَامًا، فَإِذَا وَضَعَتْ الْحَرْبُ أَوْزَارَهَا افْتَدَوْا أُسَارَاهُمْ تَصْدِيقًا لِمَا فِي التّوْرَاةِ، وَأَخَذَ بِهِ بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ يَفْتَدِي بَنُو قَيْنُقَاعَ مَنْ كَانَ مِنْ أَسْرَاهُمْ فِي أَيَدِي الْأَوْسِ وَتَفْتَدِي النّضِيرُ وَقُرَيْظَةُ مَا فِي أَيَدِي الْخَزْرَجِ مِنْهُمْ. وَيُطِلّونَ مَا أَصَابُوا مِنْ مُظَاهَرَةً لِأَهْلِ الشّرْكِ عَلَيْهِمْ. يَقُولُ اللّهُ تَعَالَى لَهُمْ حَيْنَ أَنّبَهُمْ بِذَلِكَ {أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ} أَيْ تُفَادِيهِ بِحُكْمِ التّوْرَاةِ وَتَقْتُلُهُ وَفِي حُكْمِ التّوْرَاةِ أَنْ لَا تَفْعَلَ تَقْتُلُهُ  وَتُخْرِجُهُ مِنْ دَارِهِ وَتُظَاهِرُ عَلَيْهِ مَنْ يُشْرِكُ بِاَللّهِ وَيَعْبُدُ الْأَوْثَانَ مِنْ دُونِهِ ابْتِغَاءَ عَرَضِ الدّنْيَا. فَفِي ذَلِكَ مِنْ فِعْلِهِمْ مَعَ الْأَوْسِ وَالْخَزْرَجِ- فِيمَا بَلَغَنِي- نَزَلَتْ هَذِهِ الْقِصّةُ. ثُمّ قَالَ تَعَالَى: {وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ وَقَفّيْنَا مِنْ بَعْدِهِ بِالرّسُلِ وَآتَيْنَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ الْبَيّنَاتِ} أَيْ الْآيَاتُ الّتِي وُضِعَتْ عَلَى يَدَيْهِ مِنْ إحْيَاءِ الْمَوْتَى، وَخَلْقِهِ مِنْ الطّينِ كَهَيْئَةِ الطّيْرِ ثُمّ يَنْفُخُ  فِيهِ فَيَكُونُ طَيْرًا بِإِذْنِ اللّهِ وَإِبْرَاءِ الْأَسْقَامِ وَالْخَبَرِ بِكَثِيرٍ مِنْ الْغُيُوبِ مِمّا يَدّخِرُونَ فِي بُيُوتِهِمْ وَمَا رَدّ عَلَيْهِمْ مِنْ التّوْرَاةِ مَعَ الْإِنْجِيلِ، الّذِي أَحْدَثَ اللّهُ إلَيْهِ. ثُمّ ذَكَرَ كُفْرَهُمْ بِذَلِكَ كُلّهِ فَقَالَ {أَفَكُلّمَا جَاءَكُمْ رَسُولٌ بِمَا لَا تَهْوَى أَنْفُسُكُمُ اسْتَكْبَرْتُمْ فَفَرِيقًا كَذّبْتُمْ وَفَرِيقًا تَقْتُلُونَ} ثُمّ قَالَ تَعَالَى: {وَقَالُوا قُلُوبُنَا غُلْفٌ} فِي أَكِنّةٍ. يَقُولُ اللّهُ عَزّ وَجَلّ {بَلْ لَعَنَهُمُ اللّهُ بِكُفْرِهِمْ فَقَلِيلًا مَا يُؤْمِنُونَ وَلَمّا جَاءَهُمْ كِتَابٌ مِنْ عِنْدِ اللّهِ مُصَدّقٌ لِمَا مَعَهُمْ وَكَانُوا مِنْ قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى الّذِينَ كَفَرُوا فَلَمّا جَاءَهُمْ مَا عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ فَلَعْنَةُ اللّهِ عَلَى الْكَافِرِينَ} قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: حَدّثَنِي عَاصِمُ بْنُ عُمَرَ بْنِ قَتَادَةَ عَنْ أَشْيَاخٍ مِنْ قَوْمِهِ قَالَ قَالُوا: فِينَا  وَاَللّهِ وَفِيهِمْ نَزَلَتْ هَذِهِ الْقِصّةُ كُنّا قَدْ عَلَوْنَاهُمْ ظَهْرًا فِي الْجَاهِلِيّةِ وَنَحْنُ أَهْلُ شِرْكٍ وَهُمْ أَهْلُ كِتَابٍ فَكَانُوا يَقُولُونَ لَنَا: إنّ نَبِيّا يُبْعَثُ الْآنَ نَتّبِعُهُ قَدْ أَظَلّ زَمَانَهُ نَقْتُلُكُمْ مَعَهُ قَتْلَ عَادٍ وَإِرَمَ. فَلَمّا بَعَثَ اللّهُ رَسُولَهُ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ مِنْ قُرَيْشٍ فَاتّبَعْنَاهُ كَفَرُوا بِهِ. يَقُولُ اللّهُ {فَلَمّا جَاءَهُمْ مَا عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ فَلَعْنَةُ اللّهِ عَلَى الْكَافِرِينَ بِئْسَمَا اشْتَرَوْا بِهِ أَنْفُسَهُمْ أَنْ يَكْفُرُوا بِمَا أَنْزَلَ اللّهُ بَغْيًا أَنْ يُنَزّلَ اللّهُ مِنْ فَضْلِهِ عَلَى مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ} أَيْ أَنْ جَعَلَهُ فِي غَيْرِهِمْ {فَبَاءُوا بِغَضَبٍ عَلَى غَضَبٍ وَلِلْكَافِرِينَ عَذَابٌ مُهِينٌ}


.[تَفْسِيرُ ابْنِ هِشَامٍ لِبَعْضِ الْغَرِيبِ]:

قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: فَبَاءُوا بِغَضَبٍ أَيْ اعْتَرَفُوا بِهِ وَاحْتَمَلُوهُ. قَالَ أَعْشَى بَنِي قَيْسِ بْنِ ثَعْلَبَةَ:
أُصَالِحُكُمْ حَتّى تَبُوءُوا بِمِثْلِهَا ** كَصَرْخَةِ حُبْلَى يَسّرَتْهَا قَبِيلُهَا

قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: يَسّرَتْهَا: أَجَلَسَتْهَا لِلْوِلَادَةِ. وَهَذَا الْبَيْتُ فِي قَصِيدَةٍ لَهُ. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فَالْغَضَبُ عَلَى الْغَضَبِ لِغَضَبِهِ عَلَيْهِمْ فِيمَا كَانُوا ضَيّعُوا مِنْ التّوْرَاةِ، وَهِيَ مَعَهُمْ وَغَضَبٌ بِكُفْرِهِمْ بِهَذَا النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ الّذِي أَحْدَثَ اللّهُ إلَيْهِمْ. ثُمّ أَنّبَهُمْ بِرَفْعِ الطّورِ عَلَيْهِمْ وَاِتّخَاذِهِمْ الْعِجْلَ إلَهًا دُونَ رَبّهِمْ يَقُولُ اللّهُ تَعَالَى لِمُحَمّدٍ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ {قُلْ إِنْ كَانَتْ لَكُمُ الدّارُ الْآخِرَةُ عِنْدَ اللّهِ خَالِصَةً مِنْ دُونِ النّاسِ فَتَمَنّوُا الْمَوْتَ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ} أَيْ اُدْعُوا بِالْمَوْتِ عَلَى أَيّ الْفَرِيقَيْنِ أَكْذَبُ عِنْدَ اللّهِ فَأَبَوْا ذَلِكَ عَلَى رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ. يَقُولُ اللّهُ جَلّ ثَنَاؤُهُ لِنَبِيّهِ عليه الصلاة والسلام: {وَلَنْ يَتَمَنّوْهُ أَبَدًا بِمَا قَدّمَتْ أَيْدِيهِمْ} أَيْ بِعِلْمِهِمْ بِمَا عِنْدَهُمْ مِنْ الْعِلْمِ بِك، وَالْكُفْرِ بِذَلِكَ فَيُقَالُ لَوْ تَمَنّوْهُ يَوْمَ قَالَ ذَلِكَ لَهُمْ مَا بَقِيَ عَلَى وَجْهِ الْأَرْضِ يَهُودِيّ إلّا مَاتَ. ثُمّ ذَكَرَ رَغْبَتَهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدّنْيَا وَطُولَ الْعُمْرِ فَقَالَ تَعَالَى: {وَلَتَجِدَنّهُمْ أَحْرَصَ النّاسِ عَلَى حَيَاةٍ} الْيَهُودَ {وَمِنَ الّذِينَ أَشْرَكُوا يَوَدّ أَحَدُهُمْ لَوْ يُعَمّرُ أَلْفَ سَنَةٍ وَمَا هُوَ بِمُزَحْزِحِهِ مِنَ الْعَذَابِ أَنْ يُعَمّرَ} بِمُنْجِيهِ مِنْ  الْعَذَابِ وَذَلِكَ أَنّ الْمُشْرِكَ لَا يَرْجُو بَعْثًا بَعْدَ الْمَوْتِ فَهُوَ يُحِبّ طُولَ الْحَيَاةِ وَأَنّ الْيَهُودِيّ قَدْ عَرَفَ مَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ الْخِزْيِ بِمَا ضَيّعَ مِمّا عِنْدَهُ مِنْ الْعِلْمِ. ثُمّ قَالَ اللّهُ تَعَالَى: {قُلْ مَنْ كَانَ عَدُوّا لِجِبْرِيلَ فَإِنّهُ نَزّلَهُ عَلَى قَلْبِكَ بِإِذْنِ اللّهِ}
.[سُؤَالُ الْيَهُودِ الرّسُولَ وَإِجَابَتُهُ لَهُمْ عليه الصلاة والسلام]:

قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: حَدّثَنِي عَبْدُ اللّهِ بْنُ عَبْدِ الرّحْمَنِ بْنِ أَبِي حُسَيْنٍ الْمَكّيّ، عَنْ شَهْرِ بْنِ حَوْشَبٍ الْأَشْعَرِيّ أَنّ نَفَرًا مِنْ أَحْبَارِ يَهُودَ جَاءُوا رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَقَالُوا: يَا مُحَمّدُ أَخْبِرْنَا عَنْ أَرْبَعٍ نَسْأَلُك عَنْهُنّ فَإِنْ فَعَلْتَ ذَلِكَ اتّبَعْنَاك وَصَدّقْنَاك، وَآمَنّا بِك. قَالَ فَقَالَ لَهُمْ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ عَلَيْكُمْ بِذَلِكَ عَهْدُ اللّهِ وَمِيثَاقُهُ لَئِنْ أَنَا أَخْبَرْتُكُمْ بِذَلِكَ لَتُصَدّقُنّنِي، قَالُوا: نَعَمْ قَالَ فَاسْأَلُوا عَمّا بَدَا لَكُمْ قَالُوا: فَأَخْبِرْنَا كَيْفَ يُشْبِهُ الْوَلَدُ أُمّهُ وَإِنّمَا النّطْفَةُ مِنْ الرّجُلِ؟ قَالَ فَقَالَ لَهُمْ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ أُنْشِدُكُمْ بِاَللّهِ وَبِأَيّامِهِ عِنْدَ بَنِي إسْرَائِيلَ هَلْ تَعْلَمُونَ أَنّ نُطْفَةَ الرّجُلِ بَيْضَاءُ غَلِيظَةٌ وَنُطْفَةَ الْمَرْأَةِ صَفْرَاءُ رَقِيقَةٌ فَأَيّتُهُمَا عَلَتْ صَاحِبَتَهَا كَانَ لَهَا الشّبَهُ؟ قَالُوا: اللّهُمّ نَعَمْ قَالُوا: فَأَخْبِرْنَا كَيْفَ نَوْمُك؟ فَقَالَ أَنْشُدُكُمْ بِاَللّهِ وَبِأَيّامِهِ عِنْدَ بَنِي إسْرَائِيلَ هَلْ تَعْلَمُونَ أَنّ نَوْمَ الّذِي تَزْعُمُونَ أَنّي لَسْتُ بِهِ تَنَامُ عَيْنُهُ وَقَلْبُهُ يَقْظَانُ؟ فَقَالُوا: اللّهُمّ نَعَمْ قَالَ فَكَذَلِك نَوْمِي، تَنَامُ عَيْنِيّ وَقَلْبِي يَقْظَانُ، قَالُوا: فَأَخْبِرْنَا عَمّا حَرّمَ إسْرَائِيلُ عَلَى نَفْسِهِ؟ قَالَ أَنْشُدُكُمْ بِاَللّهِ وَبِأَيّامِهِ عِنْدَ بَنِي إسْرَائِيلَ هَلْ تَعْلَمُونَ أَنّهُ كَانَ أَحَبّ الطّعَامِ وَالشّرَابِ إلَيْهِ أَلْبَانَ الْإِبِلِ وَلُحُومَهَا، وَأَنّهُ اشْتَكَى شَكْوَى، فَعَافَاهُ اللّهُ مِنْهَا، فَحَرّمَ عَلَى نَفْسِهِ أَحَبّ الطّعَامِ وَالشّرَابِ إلَيْهِ شُكْرًا لِلّهِ فَحَرّمَ عَلَى نَفْسِهِ لُحُومَ الْإِبِلِ وَأَلْبَانَهَا؟ قَالُوا: اللّهُمّ نَعَمْ قَالُوا: فَأَخْبِرْنَا عَنْ الرّوحِ؟ قَالَ أَنْشُدُكُمْ بِاَللّهِ وَبِأَيّامِهِ عِنْدَ بَنِي إسْرَائِيلَ هَلْ تَعْلَمُونَهُ جِبْرِيلُ وَهُوَ الّذِي يَأْتِينِي؟ قَالُوا: اللّهُمّ نَعَمْ وَلَكِنّهُ يَا مُحَمّدُ لَنَا عَدُوّ، وَهُوَ مَلَكٌ إنّمَا يَأْتِي بِالشّدّةِ وَبِسَفْكِ الدّمَاءِ وَلَوْلَا ذَلِكَ لَاتّبَعْنَاك، قَالَ فَأَنْزَلَ اللّهُ عَزّ وَجَلّ فِيهِمْ {قُلْ مَنْ كَانَ عَدُوّا لِجِبْرِيلَ فَإِنّهُ نَزّلَهُ عَلَى قَلْبِكَ بِإِذْنِ اللّهِ مُصَدّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ وَهُدًى وَبُشْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ} إلَى قَوْلِهِ تَعَالَى: {أَوَكُلّمَا عَاهَدُوا عَهْدًا نَبَذَهُ فَرِيقٌ مِنْهُمْ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ وَلَمّا جَاءَهُمْ رَسُولٌ مِنْ عِنْدِ اللّهِ مُصَدّقٌ لِمَا مَعَهُمْ نَبَذَ فَرِيقٌ مِنَ الّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ كِتَابَ اللّهِ وَرَاءَ ظُهُورِهِمْ كَأَنّهُمْ لَا يَعْلَمُونَ وَاتّبَعُوا مَا تَتْلُو الشّيَاطِينُ عَلَى مُلْكِ سُلَيْمَانَ} أَيْ السّحْرُ {وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ وَلَكِنّ الشّيَاطِينَ كَفَرُوا يُعَلّمُونَ النّاسَ السّحْرَ}
.[إنْكَارُ الْيَهُودِ نُبُوّةَ دَاوُدَ- عَلَيْهِ السّلَامُ- وَرَدّ اللّهِ عَلَيْهِمْ]:

قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَذَلِكَ أَنّ رَسُولَ اللّهِ- صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ- فِيمَا بَلَغَنِي- لَمّا ذَكَرَ سُلَيْمَانَ بْنَ دَاوُدَ فِي الْمُرْسَلِينَ قَالَ بَعْضُ أَحْبَارِهِمْ أَلَا تَعْجَبُونَ مِنْ مُحَمّدٍ، يَزْعُمُ أَنّ سُلَيْمَانَ بْنَ دَاوُدَ كَانَ نَبِيّا، وَاَللّهِ مَا كَانَ إلّا سَاحِرًا. فَأَنْزَلَ اللّهُ تَعَالَى فِي ذَلِكَ مِنْ قَوْلِهِمْ {وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ وَلَكِنّ الشّيَاطِينَ كَفَرُوا} أَيْ بِاتّبَاعِهِمْ السّحْرَ وَعَمَلِهِمْ بِهِ. {وَمَا أُنْزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ بِبَابِلَ هَارُوتَ وَمَارُوتَ وَمَا يُعَلّمَانِ مِنْ أَحَدٍ} قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَحَدّثَنِي بَعْضُ مَنْ لَا أَتّهِمُ عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنْ ابْنِ عَبّاسٍ، أَنّهُ كَانَ  يَقُولُ الّذِي حَرّمَ إسْرَائِيلُ عَلَى نَفْسِهِ زَائِدَتَا الْكَبِدِ وَالْكُلْيَتَانِ وَالشّحْمَ إلّا مَا كَانَ عَلَى الظّهْرِ فَإِنّ ذَلِكَ كَانَ يُقَرّبُ لِلْقُرْبَانِ فَتَأْكُلَهُ النّارُ.
.[كِتَابُهُ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ إلَى يَهُودِ خَيْبَرَ]:

قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَكَتَبَ رَسُولُ اللّهِ- صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ- إلَى يَهُودِ خَيْبَرَ، فِيمَا حَدّثَنِي مَوْلًى لِآلِ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ أَوْ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنْ ابْنِ عَبّاسٍ: بِسْمِ اللّهِ الرّحْمَنِ الرّحِيمِ مِنْ مُحَمّدٍ رَسُولِ اللّهِ- صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ- صَاحِبِ مُوسَى وَأَخِيهِ وَالْمُصَدّقُ لِمَا جَاءَ بِهِ مُوسَى: أَلَا إنّ اللّهَ قَدْ قَالَ لَكُمْ يَا مَعْشَرَ أَهْلِ التّوْرَاةِ، وَإِنّكُمْ لَتَجِدُونَ ذَلِكَ فِي كِتَابِكُمْ {مُحَمّدٌ رَسُولُ اللّهِ وَالّذِينَ مَعَهُ أَشِدّاءُ عَلَى الْكُفّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكّعًا سُجّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللّهِ وَرِضْوَانًا سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السّجُودِ ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التّوْرَاةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الْإِنْجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزّرّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفّارَ وَعَدَ اللّهُ الّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصّالِحَاتِ مِنْهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا} وَإِنّي أَنْشُدُكُمْ  بِاَللّهِ، وَأَنْشُدُكُمْ بِمَا أُنْزِلَ عَلَيْكُمْ وَأَنْشُدُكُمْ بِاَلّذِي أَطْعَمَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ مِنْ أَسْبَاطِكُمْ الْمَنّ وَالسّلْوَى، وَأَنْشُدُكُمْ بِاَلّذِي أَيْبَسَ الْبَحْرَ لِآبَائِكُمْ حَتّى أَنَجَاهُمْ مِنْ فِرْعَوْنَ وَعَمَلِهِ إلّا أَخْبَرْتُمُونِي: هَلْ تَجِدُونَ فِيمَا أَنْزَلَ اللّهُ عَلَيْكُمْ أَنْ تُؤْمِنُوا بِمُحَمّدٍ؟ فَإِنْ كُنْتُمْ لَا تَجِدُونَ ذَلِكَ فِي كِتَابِكُمْ فَلَا كُرْهَ عَلَيْكُمْ. قَدْ تَبَيّنَ الرّشْدُ مِنْ الْغَيّ- فَأَدْعُوكُمْ إلَى اللّهِ وَإِلَى نَبِيّهِ.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://el-quran.ahlamontada.com
Admin
Admin
Admin


المساهمات : 4240
تاريخ التسجيل : 20/01/2018

كتاب السيرة النبوية۞ لعبد الملك ابن هشام ۞«المؤرخ» ​ - صفحة 2 Empty
مُساهمةموضوع: رد: كتاب السيرة النبوية۞ لعبد الملك ابن هشام ۞«المؤرخ» ​   كتاب السيرة النبوية۞ لعبد الملك ابن هشام ۞«المؤرخ» ​ - صفحة 2 Emptyالأحد مارس 04, 2018 6:24 am

كتاب السيرة النبوية۞ لعبد الملك ابن هشام ۞«المؤرخ» ​ - صفحة 2 SeeretIbenHisham

.[تَفْسِيرُ ابْنِ هِشَامٍ لِبَعْضِ الْغَرِيبِ]:

قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: شَطْؤُهُ فِرَاخُهُ وَوَاحِدَتُهُ شِطْأَةٌ. تَقُولُ الْعَرَبُ: قَدْ أَشْطَأَ الزّرْعُ إذَا أَخْرَجَ فِرَاخَهُ. وَآزَرَهُ عَاوَنَهُ فَصَارَ الّذِي قَبْلَهُ مِثْلَ الْأُمّهَاتِ.
قَالَ امْرُؤُ الْقَيْسِ بْنُ حُجْرٍ الْكِنْدِيّ:
بمَحْنِيَةٍ قَدْ آزَرَ الضّالّ نَبْتُهَا ** مَجَرّ جُيُوشٍ غَانِمِينَ وَخُيّبِ

وَهَذَا الْبَيْتُ فِي قَصِيدَةٍ لَهُ.
وَقَالَ حُمَيْدُ بْنُ مَالِكٍ الْأَرْقَطُ أَحَدُ بَنِي رَبِيعَةَ بْنِ مَالِكِ بْنِ زَيْدِ مَنَاةَ زَرْعًا وَقَضْبًا مُؤْزَرَ النّبَاتِ.
وَهَذَا الْبَيْتُ فِي أُرْجُوزَةٍ لَهُ وَسُوقُهُ غَيْرُ مَهْمُوزٍ: جَمْعُ سَاقٍ لِسَاقِ الشّجَرَةِ.
.[مَا نَزَلَ فِي أَبِي يَاسِرٍ وَأَخِيهِ]:

قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَكَانَ مِمّنْ نَزَلَ فِيهِ الْقُرْآنُ بِخَاصّةٍ مِنْ الْأَحْبَارِ وَكُفّارِ يَهُودَ الّذِي كَانُوا يَسْأَلُونَهُ وَيَتَعَنّتُونَهُ لِيَلْبِسُوا الْحَقّ بِالْبَاطِلِ- فِيمَا ذُكِرَ لِي عَنْ عَبْدِ اللّهِ بْنِ عَبّاسٍ وَجَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللّهِ بْنِ رِئَابٍ- أَنّ أَبَا يَاسِرِ بْنِ أَخْطَبَ مَرّ بِرَسُولِ اللّهِ- صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ- وَهُوَ يَتْلُو فَاتِحَةَ الْبَقَرَةِ {الم ذَلِكَ الْكِتَابُ لَا رَيْبَ فِيهِ} أَخَاهُ حُيَيّ بْنَ أَخْطَبَ فِي رِجَالٍ مِنْ يَهُودَ  فَقَالَ تَعْلَمُوا وَاَللّهِ لَقَدْ سَمِعْت مُحَمّدًا يَتْلُو فِيمَا أُنْزِلَ عَلَيْهِ الم ذَلِكَ الْكِتَابُ فَقَالُوا: أَنْتَ سَمِعْتَهُ؟ فَقَالَ نَعَمْ فَمَشَى حُيَيّ بْنُ أَخْطَبَ فِي أُولَئِكَ النّفَرِ مِنْ يَهُودَ إلَى رَسُولِ اللّهِ- صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ- فَقَالُوا لَهُ يَا مُحَمّدُ أَلَمْ يُذْكَرْ لَنَا أَنّك تَتْلُو فِيمَا أُنْزِلَ إلَيْك: {الم ذَلِكَ الْكِتَابُ}؟ فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ- صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ-: بَلَى، قَالُوا: أَجَاءَك بِهَا جِبْرِيلُ مِنْ عِنْدِ اللّهِ؟ فَقَالَ نَعَمْ قَالُوا: لَقَدْ بَعَثَ اللّهُ قَبْلَك أَنْبِيَاءَ مَا نَعْلَمُهُ بَيّنَ لِنَبِيّ مِنْهُمْ مَا مُدّةُ مُلْكِهِ وَمَا أَكْلُ أُمّتِهِ غَيْرَك. فَقَالَ حُيَيّ بْنُ أَخْطَبَ، وَأَقْبَلَ عَلَى مَنْ مَعَهُ فَقَالَ لَهُمْ الْأَلِفُ وَاحِدَةٌ وَاللّامُ ثَلَاثُونَ وَالْمِيمُ أَرْبَعُونَ فَهَذِهِ إحْدَى وَسَبْعُونَ سَنَةً أَفَتَدْخُلُونَ فِي دِينٍ إنّمَا مُدّةُ مُلْكِهِ وَأَكْلُ أُمّتِهِ إحْدَى وَسَبْعُونَ سَنَةً؟ ثُمّ أَقْبَلَ عَلَى رَسُولِ اللّهِ- صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ- فَقَالَ يَا مُحَمّدُ هَلْ مَعَ هَذَا غَيْرُهُ؟ قَالَ نَعَمْ قَالَ مَاذَا؟ قَالَ المص. قَالَ هَذِهِ وَاَللّهِ أَثْقَلُ وَأَطْوَلُ الْأَلِفُ وَاحِدَةٌ وَاللّامُ ثَلَاثُونَ وَالْمِيمُ أَرْبَعُونَ وَالصّادُ تِسْعُونَ فَهَذِهِ إحْدَى وَسِتّونَ وَمِئَةُ سَنَةٍ هَلْ مَعَ هَذَا يَا مُحَمّدُ غَيْرُهُ؟ قَالَ نَعَمْ الر. قَالَ هَذِهِ وَاَللّهِ أَثْقَلُ وَأَطْوَلُ الْأَلِفُ وَاحِدَةٌ وَاللّامُ ثَلَاثُونَ وَالرّاءُ مِئَتَانِ فَهَذِهِ إحْدَى وَثَلَاثُونَ وَمِئَتَانِ هَلْ مَعَ هَذَا غَيْرُهُ يَا مُحَمّدُ؟ قَالَ نَعَمْ المر. قَالَ هَذِهِ وَاَللّهِ أَثْقَلُ وَأَطْوَلُ الْأَلِفُ وَاحِدَةٌ وَاللّامُ ثَلَاثُونَ وَالْمِيمُ أَرْبَعُونَ وَالرّاءُ مِئَتَانِ فَهَذِهِ إحْدَى وَسَبْعُونَ وَمِئَتَا سَنَةٍ ثُمّ قَالَ لَقَدْ لُبّسَ عَلَيْنَا أَمْرُك يَا مُحَمّدُ حَتّى مَا نَدْرِي أَقَلِيلًا أُعْطِيت أَمْ كَثِيرًا؟ ثُمّ قَامُوا عَنْهُ فَقَالَ أَبُو يَاسِرٍ لِأَخِيهِ حُيَيّ بْنِ أَخْطَبَ وَلِمَنْ مَعَهُ مِنْ الْأَحْبَارِ مَا يُدْرِيكُمْ لَعَلّهُ قَدْ جُمِعَ هَذَا كُلّهُ لِمُحَمّدٍ إحْدَى وَسَبْعُونَ وَإِحْدَى وَسِتّونَ وَمِئَةً وَإِحْدَى وَثَلَاثُونَ وَمِئَتَانِ وَإِحْدَى وَسَبْعُونَ وَمِئَتَانِ فَذَلِكَ سَبْعُ مِئَةٍ وَأَرْبَعٌ وَثَلَاثُونَ سَنَةً فَقَالُوا: لَقَدْ تَشَابَهَ عَلَيْنَا أَمْرُهُ. فَيَزْعُمُونَ أَنّ هَؤُلَاءِ {مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنّ أُمّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ} قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَقَدْ سَمِعْت مَنْ لَا أَتّهِمُ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ يَذْكُرُ أَنّ هَؤُلَاءِ الْآيَاتِ إنّمَا أُنْزِلْنَ فِي أَهْلِ نَجْرَانَ، حَيْنَ قَدِمُوا عَلَى رَسُولِ اللّهِ- صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ- يَسْأَلُونَهُ عَنْ عِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ- عَلَيْهِ السّلَامُ-.
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَقَدْ حَدّثَنِي مُحَمّدُ بْنُ أَبِي أُمَامَةَ بْنِ سَهْلِ بْنِ حُنَيْفٍ، أَنّهُ قَدْ سَمِعَ أَنّ هَؤُلَاءِ الْآيَاتِ إنّمَا أُنْزِلْنَ فِي نَفَرٍ مِنْ يَهُودَ وَلَمْ يُفَسّرْ ذَلِكَ لِي. فَاَللّهُ أَعْلَمُ أَيّ ذَلِكَ كَانَ.
.[كُفْرُ الْيَهُودِ بِهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بَعْدَ اسْتِفْتَاحِهِمْ بِهِ وَمَا نَزَلَ فِي ذَلِكَ]:

قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَكَانَ فِيمَا بَلَغَنِي عَنْ عِكْرِمَةَ مَوْلَى ابْنِ عَبّاسٍ، أَوْ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنْ ابْنِ عَبّاسٍ: أَنّ يَهُودَ كَانُوا يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى الْأَوْسِ وَالْخَزْرَجِ بِرَسُولِ اللّهِ- صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ- قَبْلَ مَبْعَثِهِ فَلَمّا بَعَثَهُ اللّهُ مِنْ الْعَرَبِ كَفَرُوا بِهِ وَجَحَدُوا مَا كَانُوا يَقُولُونَ فِيهِ. فَقَالَ لَهُمْ مُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ. وَبِشْرُ بْنُ الْبَرَاءِ بْنِ مَعْرُورٍ، أَخُو بَنِي سَلَمَةَ يَا مَعْشَرَ يَهُودَ اتّقُوا اللّهَ وَأَسْلِمُوا، فَقَدْ كُنْتُمْ تَسْتَفْتِحُونَ عَلَيْنَا بِمُحَمّدٍ وَنَحْنُ أَهْلُ شِرْكٍ وَتُخْبِرُونَنَا أَنّهُ مَبْعُوثٌ وَتَصِفُونَهُ لَنَا بِصِفّتِهِ فَقَالَ سَلَامُ بْنُ مِشْكَمٍ، أَحَدُ بَنِي النّضِيرِ مَا جَاءَنَا بِشَيْءٍ نَعْرِفُهُ وَمَا هُوَ بِاَلّذِي كُنّا نَذْكُرُهُ لَكُمْ فَأَنْزَلَ اللّهُ فِي ذَلِكَ مِنْ قَوْلِهِمْ {وَلَمّا جَاءَهُمْ كِتَابٌ مِنْ عِنْدِ اللّهِ مُصَدّقٌ لِمَا مَعَهُمْ وَكَانُوا مِنْ قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى الّذِينَ كَفَرُوا فَلَمّا جَاءَهُمْ مَا عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ فَلَعْنَةُ اللّهِ عَلَى الْكَافِرِينَ}
.[مَا نَزَلَ فِي نُكْرَانِ مَالِكِ بْنِ الصّيْفِ الْعَهْدَ إلَيْهِمْ بِالنّبِيّ]:

قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَقَالَ مَالِكُ بْنُ الصّيْفِ، حَيْنَ بُعِثَ رَسُولُ اللّهِ- صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ- وَذَكَرَ لَهُمْ مَا أُخِذَ عَلَيْهِمْ لَهُ مِنْ الْمِيثَاقِ وَمَا عَهِدَ اللّهُ إلَيْهِمْ فِيهِ وَاَللّهِ مَا عُهِدَ إلَيْنَا فِي مُحَمّدٍ عَهْدٌ، وَمَا أُخِذَ لَهُ عَلَيْنَا مِنْ مِيثَاقٍ. فَأَنْزَلَ اللّهُ فِيهِ {أَوَكُلّمَا عَاهَدُوا عَهْدًا نَبَذَهُ فَرِيقٌ مِنْهُمْ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ}
.[مَا نَزَلَ فِي قَوْلِ أَبِي صَلُوبا مَا جِئْتنَا بِشَيْءٍ نَعْرِفُهُ]:

وَقَالَ أَبُو صَلُوبا الْفَطْيُونِيّ لِرَسُولِ اللّهِ- صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ-:
يَا مُحَمّدُ مَا جِئْتَنَا بِشَيْءٍ نَعْرِفُهُ، وَمَا أَنْزَلَ اللّهُ عَلَيْك مِنْ آيَةٍ فَنَتّبِعَك لَهَا. فَأَنْزَلَ اللّهُ تَعَالَى فِي ذَلِكَ مِنْ قَوْلِهِ {وَلَقَدْ أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ آيَاتٍ بَيّنَاتٍ وَمَا يَكْفُرُ بِهَا إِلّا الْفَاسِقُونَ}


.[مَا نَزَلَ فِي قَوْلِ ابْنِ حُرَيْمِلَةَ وَوَهْبٍ]:

وَقَالَ رَافِعُ بْنُ حُرَيْمِلَةَ، وَوَهْبُ بْنُ زَيْدٍ لِرَسُولِ اللّهِ- صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ-: يَا مُحَمّدُ ائْتِنَا بِكِتَابٍ تُنَزّلُهُ عَلَيْنَا مِنْ السّمَاءِ نَقْرَؤُهُ وَفَجّرْ لَنَا أَنَهَارًا نَتّبِعْك وَنُصَدّقْك. فَأَنْزَلَ اللّهُ تَعَالَى فِي ذَلِكَ مِنْ قَوْلِهِمَا: {أَمْ تُرِيدُونَ أَنْ تَسْأَلُوا رَسُولَكُمْ كَمَا سُئِلَ مُوسَى مِنْ قَبْلُ وَمَنْ يَتَبَدّلِ الْكُفْرَ بِالْإِيمَانِ فَقَدْ ضَلّ سَوَاءَ السّبِيلِ}
.[تَفْسِيرُ ابْنِ هِشَامٍ لِبَعْضِ الْغَرِيبِ]:

قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: سَوَاءُ السّبِيلِ وَسَطُ السّبِيلِ. قَالَ حَسّانُ بْنُ ثَابِتٍ:
يَا وَيْحَ أَنْصَارِ النّبِيّ وَرَهْطِهِ ** بَعْدَ الْمُغَيّبِ فِي سَوَاءِ الْمُلْحَدِ

وَهَذَا الْبَيْتُ فِي قَصِيدَةٍ لَهُ سَأَذْكُرُهَا فِي مَوْضِعِهَا إنْ شَاءَ اللّهُ تَعَالَى:
.[مَا نَزَلَ فِي صَدّ حُيَيّ وَأَخِيهِ النّاسَ عَنْ الْإِسْلَامِ]:

قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَكَانَ حُيَيّ بْنُ أَخْطَبَ وَأَخُوهُ أَبُو يَاسِرِ بْنِ أَخْطَبَ، مِنْ أَشَدّ يَهُودَ لِلْعَرَبِ حَسَدًا، إذْ خَصّهُمْ اللّهُ تَعَالَى بِرَسُولِهِ- صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ- وَكَانَا جَاهِدَيْنِ فِي رَدّ النّاسِ عَنْ الْإِسْلَامِ بِمَا اسْتَطَاعَا. فَأَنْزَلَ اللّهُ تَعَالَى فِيهِمَا: {وَدّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يَرُدّونَكُمْ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفّارًا حَسَدًا مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيّنَ لَهُمُ الْحَقّ فَاعْفُوا وَاصْفَحُوا حَتّى يَأْتِيَ اللّهُ بِأَمْرِهِ إِنّ اللّهَ عَلَى كُلّ شَيْءٍ قَدِيرٌ}
.[تَنَازُعُ الْيَهُودِ وَالنّصَارَى عِنْدَ الرّسُولِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ]:

قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَلَمّا قَدِمَ أَهْلُ نَجْرَانَ مِنْ النّصَارَى عَلَى رَسُولِ اللّهِ- صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ- أَتَتْهُمْ أَحْبَارُ يَهُودَ فَتَنَازَعُوا عِنْدَ رَسُولِ اللّهِ- صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ- فَقَالَ رَافِعُ بْنُ حُرَيْمِلَةَ: مَا أَنْتُمْ عَلَى شَيْءٍ وَكَفَرَ بِعِيسَى وَبِالْإِنْجِيلِ فَقَالَ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ نَجْرَانَ مِنْ النّصَارَى لِلْيَهُودِ مَا أَنْتُمْ عَلَى شَيْءٍ وَجَحَدَ نُبُوّةَ مُوسَى وَكَفَرَ بِالتّوْرَاةِ فَأَنْزَلَ اللّهُ تَعَالَى فِي ذَلِكَ مِنْ قَوْلِهِمْ {وَقَالَتِ الْيَهُودُ لَيْسَتِ النّصَارَى عَلَى شَيْءٍ وَقَالَتِ النّصَارَى لَيْسَتِ الْيَهُودُ عَلَى شَيْءٍ وَهُمْ يَتْلُونَ الْكِتَابَ كَذَلِكَ قَالَ الّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ مِثْلَ قَوْلِهِمْ فَاللّهُ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِيمَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ} أَيْ كُلّ يَتْلُو فِي كِتَابِهِ تَصْدِيقَ مَا كَفَرَ بِهِ أَيْ  يَكْفُرُ الْيَهُودُ بِعِيسَى، وَعِنْدَهُمْ التّوْرَاةُ فِيهَا مَا أَخَذَ اللّهُ عَلَيْهِمْ عَلَى لِسَانِ مُوسَى- عَلَيْهِ السّلَامُ- بِالتّصْدِيقِ بِعِيسَى- عَلَيْهِ السّلَامُ- وَفِي الْإِنْجِيلِ مَا جَاءَ بِهِ عِيسَى- عَلَيْهِ السّلَامُ- مِنْ تَصْدِيقِ مُوسَى- عَلَيْهِ السّلَامُ- وَمَا جَاءَ بِهِ مِنْ التّوْرَاةِ مِنْ عِنْدِ اللّهِ وَكُلّ يَكْفُرُ بِمَا فِي يَدِ صَاحِبِهِ.
.[مَا نَزَلَ فِي طَلَبِ ابْنِ حُرَيْمِلَةَ أَنْ يُكَلّمَهُ اللّهُ]:

قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَقَالَ رَافِعُ بْنُ حُرَيْمِلَةَ لِرَسُولِ اللّهِ- صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ-: يَا مُحَمّدُ إنْ كُنْت رَسُولًا مِنْ اللّهِ كَمَا تَقُولُ فَقُلْ لِلّهِ فَلْيُكَلّمْنَا حَتّى نَسْمَعَ كَلَامَهُ. فَأَنْزَلَ اللّهُ تَعَالَى فِي ذَلِكَ مِنْ قَوْلِهِ {وَقَالَ الّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ لَوْلَا يُكَلّمُنَا اللّهُ أَوْ تَأْتِينَا آيَةٌ كَذَلِكَ قَالَ الّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ مِثْلَ قَوْلِهِمْ تَشَابَهَتْ قُلُوبُهُمْ قَدْ بَيّنّا الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ}
.[مَا نَزَلَ فِي سُؤَالِ ابْنِ صُورِيّا لِلنّبِيّ عليه الصلاة والسلام بِأَنْ يَتَهَوّدَ]:

وَقَالَ عَبْدُ اللّهِ بْنُ صُورِيّا الْأَعْوَرُ الْفَطْيُونِيّ لِرَسُولِ اللّهِ- صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ-: مَا الْهُدَى إلّا مَا نَحْنُ عَلَيْهِ، فَاتّبِعْنَا يَا مُحَمّدُ تَهْتَدِ وَقَالَتْ النّصَارَى مِثْلَ ذَلِكَ. فَأَنْزَلَ اللّهُ تَعَالَى فِي ذَلِكَ مِنْ قَوْلِ عَبْدِ اللّهِ بْن صُورِيّا وَمَا قَالَتْ النّصَارَى: {وَقَالُوا كُونُوا هُودًا أَوْ نَصَارَى تَهْتَدُوا قُلْ بَلْ مِلّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ} ثُمّ الْقِصّةَ إلَى قَوْلِ اللّهِ تَعَالَى: {تِلْكَ أُمّةٌ قَدْ خَلَتْ لَهَا مَا كَسَبَتْ وَلَكُمْ مَا كَسَبْتُمْ وَلَا تُسْأَلُونَ عَمّا كَانُوا يَعْمَلُونَ}
.[مَقَالَةُ الْيَهُودِ عِنْدَ صَرْفِ الْقِبْلَةِ إلَى الْكَعْبَةِ]:

قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَلَمّا صُرِفَتْ الْقِبْلَةُ عَنْ الشّامِ إلَى الْكَعْبَةِ، وَصُرِفَتْ فِي رَجَبٍ عَلَى رَأْسِ سَبْعَةَ عَشَرَ شَهْرًا مِنْ مَقْدَمِ رَسُولِ اللّهِ- صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ- الْمَدِينَةَ، أَتَى رَسُولَ اللّهِ- صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ- رِفَاعَةُ بْنُ قَيْسٍ، وَقَرْدَمُ بْنُ عَمْرٍو، وَكَعْبُ بْنُ الْأَشْرَفِ وَرَافِعُ بْنُ أَبِي رَافِعٍ، وَالْحَجّاجُ بْنُ عَمْرٍو، حَلِيفُ كَعْبِ بْنِ الْأَشْرَفِ وَالرّبِيعُ بْنُ الرّبِيعِ بْنِ أَبِي الْحُقَيْقِ وَكِنَانَةُ بْنُ الرّبِيعِ بْنِ أَبِي الْحُقَيْقِ، فَقَالُوا: يَا مُحَمّدُ مَا وَلّاك عَنْ قِبْلَتِك الّتِي كُنْت عَلَيْهَا وَأَنْتَ تَزْعُمُ أَنّك عَلَى مِلّةِ إبْرَاهِيمَ وَدِينِهِ؟ ارْجِعْ إلَى قِبْلَتِك الّتِي كُنْتَ عَلَيْهَا نَتّبِعْك وَنُصَدّقْك، وَإِنّمَا يُرِيدُونَ بِذَلِكَ فِتْنَتَهُ عَنْ دِينِهِ. فَأَنْزَلَ اللّهُ تَعَالَى فِيهِمْ {سَيَقُولُ السّفَهَاءُ مِنَ النّاسِ مَا وَلّاهُمْ عَنْ قِبْلَتِهِمُ الّتِي كَانُوا عَلَيْهَا قُلْ لِلّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النّاسِ وَيَكُونَ الرّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا وَمَا جَعَلْنَا الْقِبْلَةَ الّتِي كُنْتَ عَلَيْهَا إِلّا لِنَعْلَمَ مَنْ يَتّبِعُ الرّسُولَ مِمّنْ يَنْقَلِبُ عَلَى عَقِبَيْهِ} أَيْ ابْتِلَاءً وَاخْتِبَارًا {وَإِنْ كَانَتْ لَكَبِيرَةً إِلّا عَلَى الّذِينَ هَدَى اللّهُ}أَيْ مِنْ الْفِتَنِ أَيْ الّذِينَ ثَبّتَ اللّهُ {وَمَا كَانَ اللّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ} أَيْ إيمَانَكُمْ بِالْقِبْلَةِ الْأُولَى، وَتَصْدِيقَكُمْ نَبِيّكُمْ وَاتّبَاعَكُمْ إيّاهُ إلَى الْقِبْلَةِ الْآخِرَةِ وَطَاعَتَكُمْ نَبِيّكُمْ فِيهَا: أَيْ لَيُعْطِيَنّكُمْ أَجْرَهُمَا جَمِيعًا {إِنّ اللّهَ بِالنّاسِ لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ} ثُمّ قَالَ تَعَالَى: {قَدْ نَرَى تَقَلّبَ وَجْهِكَ فِي السّمَاءِ فَلَنُوَلّيَنّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا فَوَلّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَحَيْثُمَا كُنْتُمْ فَوَلّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ}
.[تَفْسِيرُ ابْنِ هِشَامٍ لِبَعْضِ الْغَرِيبِ]:

قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: شَطْرَهُ نَحْوَهُ وَقَصْدَهُ. قَالَ عَمْرُو بْنُ أَحْمَرَ الْبَاهِلِيّ- وَبَاهِلَةُ بْنُ يَعْصِرَ بْنِ سَعْدِ بْنِ قَيْسِ بْنِ عَيْلَانَ- يَصِفُ نَاقَةً لَهُ:
تَعْدُو بِنَا شَطْرَ جَمْعٍ وَهِيَ عَاقِدَةٌ ** قَدْ كارَبَ الْعَقْدُ مِنْ إيفَادِهَا الْحَقَبَا

وَهَذَا الْبَيْتُ فِي قَصِيدَةٍ لَهُ. وَقَالَ قَيْسُ بْنُ خُوَيْلِدٍ الْهُذَلِيّ يَصِفُ نَاقَتَهُ:
إنّ النّعُوسَ بِهَا دَاءٌ مُخَامِرُهَا ** فَشَطْرَهَا نَظَرُ الْعَيْنَيْنِ مَحْسُورُ

وَهَذَا الْبَيْتُ فِي أَبْيَاتٍ لَهُ قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَالنّعُوسُ نَاقَتُهُ وَكَانَ بِهَا دَاءٌ فَنَظَرَ إلَيْهَا نَظَرَ حَسِيرٍ مِنْ قَوْلِهِ {وَهُوَ حَسِيرٌ} {وَإِنّ الّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَيَعْلَمُونَ أَنّهُ الْحَقّ مِنْ رَبّهِمْ وَمَا اللّهُ بِغَافِلٍ عَمّا يَعْمَلُونَ وَلَئِنْ أَتَيْتَ الّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ بِكُلّ آيَةٍ مَا تَبِعُوا قِبْلَتَكَ وَمَا أَنْتَ بِتَابِعٍ قِبْلَتَهُمْ وَمَا بَعْضُهُمْ بِتَابِعٍ قِبْلَةَ بَعْضٍ وَلَئِنِ اتّبَعْتَ أَهْوَاءَهُمْ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ إِنّكَ إِذًا لَمِنَ الظّالِمِينَ}
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: إلَى قَوْلِهِ تَعَالَى: {الْحَقّ مِنْ رَبّكَ فَلَا تَكُونَنّ مِنَ الْمُمْتَرِينَ}
.[كِتْمَانُهُمْ مَا فِي التّوْرَاةِ مِنْ الْحَقّ]:

وَسَأَلَ مُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ، أَخُو بَنِي سَلَمَةَ وَسَعْدُ بْنُ مُعَاذٍ، أَخُو بَنِي عَبْدِ الْأَشْهَلِ وَخَارِجَةُ بْنُ زَيْدٍ أَخُو بَلْحَارِثِ بْنِ الْخَزْرَجِ، نَفَرًا مِنْ أَحْبَارِ يَهُودَ عَنْ بَعْضِ مَا فِي التّوْرَاةِ، فَكَتَمُوهُمْ إيّاهُ وَأَبَوْا أَنْ يُخْبِرُوهُمْ عَنْهُ.
فَأَنْزَلَ اللّهُ تَعَالَى فِيهِمْ {إِنّ الّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلْنَا مِنَ الْبَيّنَاتِ وَالْهُدَى مِنْ بَعْدِ مَا بَيّنّاهُ لِلنّاسِ فِي الْكِتَابِ أُولَئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللّاعِنُونَ} قَالَ وَدَعَا رَسُولُ اللّهِ- صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ- الْيَهُودَ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ إلَى الْإِسْلَامِ وَرَغّبَهُمْ فِيهِ وَحَذّرَهُمْ  عَذَابَ اللّهِ وَنِقْمَتَهُ فَقَالَ لَهُ رَافِعُ بْنُ خَارِجَةَ، وَمَالِكُ بْنُ عَوْفٍ بَلْ نَتْبَعُ يَا مُحَمّدُ مَا وَجَدْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا، فَهُمْ كَانُوا أَعْلَمَ وَخَيْرًا مِنّا. فَأَنْزَلَ اللّهُ- عَزّ وَجَلّ- فِي ذَلِكَ مِنْ قَوْلِهِمَا: {وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتّبِعُوا مَا أَنْزَلَ اللّهُ قَالُوا بَلْ نَتّبِعُ مَا أَلْفَيْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لَا يَعْقِلُونَ شَيْئًا وَلَا يَهْتَدُونَ} وَلَمّا أَصَابَ اللّهُ- عَزّ وَجَلّ- قُرَيْشًا يَوْمَ بَدْرٍ جَمَعَ رَسُولُ اللّهِ- صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ  وَسَلّمَ- يَهُودَ فِي سُوقِ بَنِي قَيْنُقَاعَ، حَيْنَ قَدِمَ الْمَدِينَةَ، فَقَالَ يَا مَعْشَرَ يَهُودَ أَسْلِمُوا قَبْلَ أَنْ يُصِيبَكُمْ اللّهُ بِمِثْلِ مَا أَصَابَ بِهِ قُرَيْشًا فَقَالُوا لَهُ يَا مُحَمّدُ لَا يَغِرّنّك مِنْ نَفْسِك أَنّك قَتَلْت نَفَرًا مِنْ قُرَيْشٍ، كَانُوا أَغْمَارًا لَا يَعْرِفُونَ الْقِتَالَ إنّك وَاَللّهِ لَوْ قَاتَلْتنَا لَعَرَفْت أَنّا نَحْنُ النّاسُ وَأَنّك لَمْ تَلْقَ مِثْلَنَا فَأَنْزَلَ اللّهُ تَعَالَى فِي ذَلِكَ مِنْ قَوْلِهِمْ {قُلْ لِلّذِينَ كَفَرُوا سَتُغْلَبُونَ وَتُحْشَرُونَ إِلَى جَهَنّمَ وَبِئْسَ الْمِهَادُ قَدْ كَانَ لَكُمْ آيَةٌ فِي فِئَتَيْنِ الْتَقَتَا فِئَةٌ تُقَاتِلُ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَأُخْرَى كَافِرَةٌ يَرَوْنَهُمْ مِثْلَيْهِمْ رَأْيَ الْعَيْنِ وَاللّهُ يُؤَيّدُ بِنَصْرِهِ مَنْ يَشَاءُ إِنّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً لِأُولِي الْأَبْصَارِ}
قَالَ وَدَخَلَ رَسُولُ اللّهِ- صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ- بَيْتَ الْمِدْرَاسِ عَلَى جَمَاعَةٍ مِنْ يَهُودَ فَدَعَاهُمْ إلَى اللّهِ فَقَالَ لَهُ النّعْمَانُ بْنُ عَمْرٍو، وَالْحَارِثُ بْنُ زَيْدٍ عَلَى أَيّ دِينٍ أَنْتَ يَا مُحَمّدُ؟ قَالَ عَلَى مِلّةِ إبْرَاهِيمَ وَدِينِهِ قَالَا: فَإِنّ إبْرَاهِيمَ كَانَ يَهُودِيّا، فَقَالَ لَهُمَا رَسُولُ اللّهِ- صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ-: فَهَلُمّ إلَى التّوْرَاةِ، فَهِيَ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ فَأَنْزَلَ اللّهُ تَعَالَى فِيهِمَا: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الّذِينَ أُوتُوا نَصِيبًا مِنَ الْكِتَابِ يُدْعَوْنَ إِلَى كِتَابِ اللّهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ ثُمّ يَتَوَلّى فَرِيقٌ مِنْهُمْ وَهُمْ مُعْرِضُونَ ذَلِكَ بِأَنّهُمْ قَالُوا لَنْ تَمَسّنَا النّارُ إِلّا أَيّامًا مَعْدُودَاتٍ وَغَرّهُمْ فِي دِينِهِمْ مَا كَانُوا يَفْتَرُونَ}
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://el-quran.ahlamontada.com
Admin
Admin
Admin


المساهمات : 4240
تاريخ التسجيل : 20/01/2018

كتاب السيرة النبوية۞ لعبد الملك ابن هشام ۞«المؤرخ» ​ - صفحة 2 Empty
مُساهمةموضوع: رد: كتاب السيرة النبوية۞ لعبد الملك ابن هشام ۞«المؤرخ» ​   كتاب السيرة النبوية۞ لعبد الملك ابن هشام ۞«المؤرخ» ​ - صفحة 2 Emptyالأحد مارس 04, 2018 6:25 am

كتاب السيرة النبوية۞ لعبد الملك ابن هشام ۞«المؤرخ» ​ - صفحة 2 SeeretIbenHisham

.[اخْتِلَافُ الْيَهُودِ وَالنّصَارَى فِي إبْرَاهِيمَ- عَلَيْهِ السّلَامُ-]:

وَقَالَ أَحْبَارُ يَهُودَ وَنَصَارَى نَجْرَانَ، حَيْنَ اجْتَمَعُوا عِنْدَ رَسُولِ اللّهِ- صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ- فَتَنَازَعُوا، فَقَالَتْ الْأَحْبَارُ مَا كَانَ إبْرَاهِيمُ إلّا يَهُودِيّا، وَقَالَتْ النّصَارَى مِنْ أَهْلِ نَجْرَانَ: مَا كَانَ إبْرَاهِيمُ إلّا نَصْرَانِيّا. فَأَنْزَلَ اللّهُ- عَزّ وَجَلّ- فِيهِمْ {يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تُحَاجّونَ فِي إِبْرَاهِيمَ وَمَا أُنْزِلَتِ التّوْرَاةُ وَالْإِنْجِيلُ إِلّا مِنْ بَعْدِهِ أَفَلَا تَعْقِلُونَ هَا أَنْتُمْ هَؤُلَاءِ حَاجَجْتُمْ فِيمَا لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ فَلِمَ تُحَاجّونَ فِيمَا لَيْسَ لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ وَاللّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ مَا كَانَ إِبْرَاهِيمُ يَهُودِيّا وَلَا نَصْرَانِيّا وَلَكِنْ كَانَ حَنِيفًا مُسْلِمًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ إِنّ أَوْلَى النّاسِ بِإِبْرَاهِيمَ لَلّذِينَ اتّبَعُوهُ وَهَذَا النّبِيّ وَالّذِينَ آمَنُوا وَاللّهُ وَلِيّ الْمُؤْمِنِينَ}
.[مَا نَزَلَ فِيمَا هَمّ بِهِ بَعْضُهُمْ مِنْ الْإِيمَانِ غَدْوَةً وَالْكُفْرِ عَشِيّةً]:

وَقَالَ عَبْدُ اللّهِ بْنُ صَيْفٍ، وَعَدِيّ بْنُ زَيْدٍ، وَالْحَارِثُ بْنُ عَوْفٍ، بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ تَعَالَوْا نُؤْمِنْ بِمَا أُنْزِلَ عَلَى مُحَمّدٍ وَأَصْحَابِهِ غُدْوَةً وَنَكْفُرْ بِهِ عَشِيّةً حَتّى نَلْبِسَ عَلَيْهِمْ دِينَهُمْ لَعَلّهُمْ يَصْنَعُونَ كَمَا نَصْنَعُ وَيَرْجِعُونَ عَنْ دِينِهِ. فَأَنْزَلَ اللّهُ تَعَالَى فِيهِمْ {يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تَلْبِسُونَ الْحَقّ بِالْبَاطِلِ وَتَكْتُمُونَ الْحَقّ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ وَقَالَتْ طَائِفَةٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ آمِنُوا بِالّذِي أُنْزِلَ عَلَى الّذِينَ آمَنُوا وَجْهَ النّهَارِ وَاكْفُرُوا آخِرَهُ لَعَلّهُمْ يَرْجِعُونَ وَلَا تُؤْمِنُوا إِلّا لِمَنْ تَبِعَ دِينَكُمْ قُلْ إِنّ الْهُدَى هُدَى اللّهِ أَنْ يُؤْتَى أَحَدٌ مِثْلَ مَا أُوتِيتُمْ أَوْ يُحَاجّوكُمْ عِنْدَ رَبّكُمْ قُلْ إِنّ الْفَضْلَ بِيَدِ اللّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ}
.[مَا نَزَلَ فِي قَوْلِ أَبِي رَافِعٍ وَالنّجْرَانِيّ أَتُرِيدُ أَنْ نَعْبُدَك كَمَا تَعْبُدُ النّصَارَى عِيسَى]:

وَقَالَ أَبُو رَافِعٍ الْقُرَظِيّ وَالنّصَارَى مِنْ أَهْلِ نَجْرَانَ عِنْدَ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَدَعَاهُمْ إلَى الْإِسْلَامِ أَتُرِيدُ مِنّا يَا مُحَمّدُ أَنْ نَعْبُدَك كَمَا تَعْبُدُ النّصَارَى عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ؟ وَقَالَ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ نَجْرَانَ نَصْرَانِيّ، يُقَالُ لَهُ الرّبَيّسُ وَيُرْوَى: الرّيّسُ وَالرّئِيسُ: أَوَذَاكَ تُرِيدُ مِنّا يَا مُحَمّدُ وَإِلَيْهِ تَدْعُونَا؟ أَوْ كَمَا قَالَ. فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ مَعَاذَ اللّهِ أَنْ أَعْبُدَ غَيْرَ اللّهِ أَوْ آمُرَ بِعِبَادَةِ غَيْرِهِ فَمَا بِذَلِكَ بَعَثَنِي اللّهُ وَلَا أَمَرَنِي؛ أَوْ كَمَا قَالَ.
مَرْيَمَ؟ وَقَالَ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ نَجْرَانَ نَصْرَانِيّ، يُقَالُ لَهُ الرّبَيّسُ وَيُرْوَى: الرّيّسُ وَالرّئِيسُ: أَوَذَاكَ تُرِيدُ مِنّا يَا مُحَمّدُ وَإِلَيْهِ تَدْعُونَا؟ أَوْ كَمَا قَالَ. فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ مَعَاذَ اللّهِ أَنْ أَعْبُدَ غَيْرَ اللّهِ أَوْ آمُرَ بِعِبَادَةِ غَيْرِهِ فَمَا بِذَلِكَ بَعَثَنِي اللّهُ وَلَا أَمَرَنِي أَوْ كَمَا قَالَ. فَأَنْزَلَ اللّهُ تَعَالَى فِي ذَلِكَ مِنْ قَوْلِهِمَا: {مَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُؤْتِيَهُ اللّهُ الْكِتَابَ وَالْحُكْمَ وَالنّبُوّةَ ثُمّ يَقُولَ لِلنّاسِ كُونُوا عِبَادًا لِي مِنْ دُونِ اللّهِ وَلَكِنْ كُونُوا رَبّانِيّينَ بِمَا كُنْتُمْ تُعَلّمُونَ الْكِتَابَ وَبِمَا كُنْتُمْ تَدْرُسُونَ} إلَى قَوْلِهِ تَعَالَى: {بَعْدَ إِذْ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: الرّبّانِيّونَ الْعُلَمَاءُ الْفُقَهَاءُ السّادَةُ وَاحِدُهُمْ رَبّانِيّ. قَالَ الشّاعِرُ:
لَوْ كُنْتُ مُرْتَهِنًا فِي الْقَوْسِ أَفْتَنَنِي ** مِنْهَا الْكَلَامُ وَرَبّانِيّ أَحْبَارِ

.[تَفْسِيرُ ابْنِ هِشَامٍ لِبَعْضِ الْغَرِيبِ]:

قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: الْقَوْسُ صَوْمَعَةُ الرّاهِبِ. وَأَفْتَنَنِي، لُغَةُ تَمِيمٍ. وَفَتَنَنِي، لُغَةُ قَيْسٍ. قَالَ جَرِيرٌ:
لَا وَصْلَ إذْ صَرَمَتْ هِنْدٌ وَلَوْ وَقَفَتْ ** لَاسْتَنْزَلَتْنِي وَذَا الْمِسْحَيْنِ فِي الْقَوْسِ

أَيْ صَوْمَعَةَ الرّاهِبِ. وَالرّبّانِيّ: مُشْتَقّ مِنْ الرّبّ وَهُوَ السّيّدُ. وَفِي كِتَابِ اللّهِ فَيَسْقِي رَبّهُ خَمْرًا، أَيْ سَيّدَهُ. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: {وَلَا يَأْمُرَكُمْ أَنْ تَتّخِذُوا الْمَلَائِكَةَ وَالنّبِيّينَ أَرْبَابًا أَيَأْمُرُكُمْ بِالْكُفْرِ بَعْدَ إِذْ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ}
.[مَا نَزَلَ فِي أَخْذِ الْمِيثَاقِ عَلَيْهِمْ]:

قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: ثُمّ ذَكَرَ مَا أَخَذَ اللّهُ عَلَيْهِمْ وَعَلَى أَنْبِيَائِهِمْ مِنْ الْمِيثَاقِ بِتَصْدِيقِهِ إذْ هُوَ جَاءَهُمْ وَإِقْرَارَهُمْ فَقَالَ {وَإِذْ أَخَذَ اللّهُ مِيثَاقَ النّبِيّينَ لَمَا آتَيْتُكُمْ مِنْ كِتَابٍ وَحِكْمَةٍ ثُمّ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مُصَدّقٌ لِمَا مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنّ بِهِ وَلَتَنْصُرُنّهُ قَالَ أَأَقْرَرْتُمْ وَأَخَذْتُمْ عَلَى ذَلِكُمْ إِصْرِي قَالُوا أَقْرَرْنَا قَالَ فَاشْهَدُوا وَأَنَا مَعَكُمْ مِنَ الشّاهِدِينَ} إلَى آخِرِ الْقِصّةِ. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَمَرّ شَاسُ بْنُ قَيْسٍ، وَكَانَ شَيْخًا قَدْ عَسَا، عَظِيمَ الْكُفْرِ شَدِيدَ الضّغَنِ عَلَى الْمُسْلِمِينَ شَدِيدَ الْحَسَدِ لَهُمْ عَلَى نَفَرٍ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ مِنْ الْأَوْسِ وَالْخَزْرَجِ. فِي مَجْلِسٍ قَدْ جَمَعَهُمْ يَتَحَدّثُونَ فِيهِ فَغَاظَهُ مَا رَأَى مِنْ أُلْفَتِهِمْ وَجَمَاعَتِهِمْ وَصَلَاحِ ذَاتِ بَيْنِهِمْ عَلَى الْإِسْلَامِ بَعْدَ الّذِي كَانَ بَيْنَهُمْ مِنْ الْعَدَاوَةِ فِي الْجَاهِلِيّةِ. فَقَالَ قَدْ اجْتَمَعَ مَلَأُ بَنِي قَيْلَةَ بِهَذِهِ الْبِلَادِ لَا وَاَللّهِ مَا لَنَا مَعَهُمْ إذَا اجْتَمَعَ مَلَؤُهُمْ بِهَا مِنْ قَرَارٍ. فَأَمَرَ فَتًى شَابّا مِنْ يَهُودَ كَانَ مَعَهُمْ فَقَالَ اعْمِدْ إلَيْهِمْ فَاجْلِسْ مَعَهُمْ، ثُمّ اُذْكُرْ يَوْمَ بُعَاثَ وَمَا كَانَ قَبْلَهُ وَأَنْشِدْهُمْ بَعْضَ مَا كَانُوا تَقَاوَلُوا فِيهِ مِنْ الْأَشْعَارِ.
.[شَيْءٌ عَنْ يَوْمِ بُعَاثَ]:

وَكَانَ يَوْمُ بُعَاثَ يَوْمًا اقْتَتَلَتْ فِيهِ الْأَوْسُ وَالْخَزْرَجُ، وَكَانَ الظّفْرُ فِيهِ يَوْمئِذٍ الْخَزْرَجِ، وَكَانَ عَلَى الْأَوْسِ يَوْمئِذٍ حُضَيْرُ بْنُ سِمَاكٍ الْأَشْهَلِيّ، أَبُو أُسَيْدِ بْنُ حُضَيْرٍ؛ وَعَلَى الْخَزْرَجِ عَمْرُو بْنُ النّعْمَانِ البَيَاضِيّ، فَقُتِلَا جَمِيعًا. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: قَالَ أَبُو قَيْسِ بْنُ الْأَسْلَتِ:
عَلَى أَنْ قَدْ فُجِعْتُ بِذِي حِفَاظٍ ** فَعَاوَدَنِي لَهُ حُزْنٌ رَصِينُ

فَإِمّا تَقْتُلُوهُ فَإِنّ عَمْرًا ** أَعَضّ بِرَأْسِهِ عَضْبٌ سَنِينُ

وَهَذَانِ الْبَيْتَانِ فِي قَصِيدَةٍ لَهُ. وَحَدِيثُ يَوْمِ بُعَاثَ أَطْوَلُ مِمّا ذَكَرْتُ وَإِنّمَا مَنَعَنِي مِنْ اسْتِقْصَائِهِ مَا ذَكَرْت مِنْ الْقَطْعِ.
.[تَفْسِيرُ ابْنِ هِشَامٍ لِبَعْضِ الْغَرِيبِ]:

قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: سَنِينُ مَسْنُونٌ مِنْ سَنّهُ إذَا شَحَذَهُ. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فَفَعَلَ. فَتَكَلّمَ الْقَوْمُ عِنْدَ ذَلِكَ وَتَنَازَعُوا وَتَفَاخَرُوا حَتّى تَوَاثَبَ رَجُلَانِ مِنْ الْحَيّيْنِ عَلَى الرّكْبِ أَوْسُ بْنُ قَيْظِيّ أَحَدُ بَنِي حَارِثَةَ بْنِ الْحَارِثِ مِنْ الْأَوْسِ، وَجَبّارُ بْنُ صَخْرٍ، أَحَدُ بَنِي سَلَمَةَ مِنْ الْخَزْرَجِ، فَتَقَاوَلَا ثُمّ قَالَ أَحَدُهُمَا لِصَاحِبِهِ إنْ شِئْتُمْ رَدَدْنَاهَا الْآنَ جَذَعَةً فَغَضِبَ الْفَرِيقَانِ جَمِيعًا، وَقَالُوا: قَدْ فَعَلْنَا، مَوْعِدُكُمْ الظّاهِرَةُ- وَالظّاهِرَةُ الْحرّةُ- السّلَاحَ السّلَاحَ. فَخَرَجُوا إلَيْهَا. فَبَلَغَ ذَلِكَ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَخَرَجَ إلَيْهِمْ فِيمَنْ مَعَهُ مِنْ أَصْحَابِهِ الْمُهَاجِرِينَ حَتّى جَاءَهُمْ فَقَالَ يَا مَعْشَرَ الْمُسْلِمِينَ اللّهَ اللّهَ أَبِدَعْوَى الْجَاهِلِيّةِ وَأَنَا بَيْنَ أَظْهُرِكُمْ بَعْدَ أَنْ هَدَاكُمْ اللّهُ لِلْإِسْلَامِ وَأَكْرَمَكُمْ بِهِ وَقَطَعَ بِهِ عَنْكُمْ أَمْرَ الْجَاهِلِيّةِ وَاسْتَنْقَذَكُمْ بِهِ مِنْ الْكُفْرِ وَأَلّفَ بِهِ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَعَرَفَ الْقَوْمُ أَنّهَا نَزْغَةٌ مِنْ الشّيْطَانِ وَكَيْدٌ مِنْ عَدُوّهِمْ فَبَكَوْا وَعَانَقَ الرّجَالُ مِنْ الْأَوْسِ وَالْخَزْرَجِ بَعْضُهُمْ بَعْضًا، ثُمّ انْصَرَفُوا مَعَ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ سَامِعِينَ مُطِيعِينَ قَدْ أَطْفَأَ اللّهُ عَنْهُمْ كَيْدَ عَدُوّ اللّهِ شَأْسِ بْنِ قَيّسْ. فَأَنْزَلَ اللّهُ شَأْسِ بْنِ قَيْسٍ وَمَا صَنَعَ {قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللّهِ وَاللّهُ شَهِيدٌ عَلَى مَا تَعْمَلُونَ قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تَصُدّونَ عَنْ سَبِيلِ اللّهِ مَنْ آمَنَ تَبْغُونَهَا عِوَجًا وَأَنْتُمْ شُهَدَاءُ وَمَا اللّهُ بِغَافِلٍ عَمّا تَعْمَلُونَ} وَأَنْزَلَ اللّهُ فِي أَوْسِ بْنِ قَيْظِيّ وَجَبّارِ بْنِ صَخْرٍ وَمَنْ كَانَ مَعَهُمَا مِنْ قَوْمِهِمَا الّذِينَ صَنَعُوا مَا صَنَعُوا عَمّا أَدْخَلَ عَلَيْهِمْ شَأْسٌ مِنْ أَمْرِ الْجَاهِلِيّةِ {يَا أَيّهَا الّذِينَ آمَنُوا إِنْ تُطِيعُوا فَرِيقًا مِنَ الّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ يَرُدّوكُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ كَافِرِينَ وَكَيْفَ تَكْفُرُونَ وَأَنْتُمْ تُتْلَى عَلَيْكُمْ آيَاتُ اللّهِ وَفِيكُمْ رَسُولُهُ وَمَنْ يَعْتَصِمْ بِاللّهِ فَقَدْ هُدِيَ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ يَا أَيّهَا الّذِينَ آمَنُوا اتّقُوا اللّهَ حَقّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنّ إِلّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} إلَى قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَأُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ}
.[مَا نَزَلَ فِي قَوْلِهِمْ مَا آمَنَ إلّا شِرَارُنَا]:

قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَلَمّا أَسْلَمَ عَبْدُ اللّهِ بْنُ سَلَامٍ وَثَعْلَبَةُ بْنُ سَعْيَةَ، وَأُسَيْدُ بْنُ سَعْيَةَ. وَأَسَدُ بْنُ عُبَيْدٍ. وَمَنْ أَسْلَمَ مِنْ يَهُودَ مَعَهُمْ. فَآمَنُوا وَصَدّقُوا وَرَغِبُوا فِي الْإِسْلَامِ. وَرَسَخُوا فِيهِ قَالَتْ أَحْبَارُ يَهُودَ أَهْلِ الْكُفْرِ مِنْهُمْ مَا آمَنَ بِمُحَمّدٍ وَلَا اتّبَعَهُ إلّا شِرَارُنَا، وَلَوْ كَانُوا مِنْ أَخْيَارِنَا مَا تَرَكُوا دِينَ آبَائِهِمْ وَذَهَبُوا إلَى غَيْرِهِ. فَأَنْزَلَ اللّهُ تَعَالَى فِي ذَلِكَ مِنْ قَوْلِهِمْ {لَيْسُوا سَوَاءً مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ أُمّةٌ قَائِمَةٌ يَتْلُونَ آيَاتِ اللّهِ آنَاءَ اللّيْلِ وَهُمْ يَسْجُدُونَ}.
.[تَفْسِيرُ ابْنِ هِشَامٍ لِبَعْضِ الْغَرِيبِ]:

قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: آنَاءَ اللّيْلِ سَاعَاتِ اللّيْلِ وَوَاحِدُهَا: إنْيٌ. قَالَ الْمُتَنَخّلُ الْهُذَلِيّ، وَاسْمُهُ مَالِكُ بْنُ عُوَيْمِرٍ يَرْثِي أُثَيْلَةَ ابْنَهُ:
حُلْوٌ وَمُرّ كَعَطْفِ الْقِدْحِ شِيمَتُهُ ** فِي كُلّ إنْيٍ قَضَاهُ اللّيْلُ يَنْتَعِلُ

وَهَذَا الْبَيْتُ فِي قَصِيدَةٍ لَهُ. وَقَالَ لَبِيدُ بْنُ رَبِيعَةَ، يَصِفُ حِمَارَ وَحْشٍ:
يُطَرّبُ آنَاءَ النّهَارِ كَأَنّهُ ** غَوِيّ سَقَاهُ فِي التّجَارِ نَدِيمُ

وَهَذَا الْبَيْتُ فِي قَصِيدَةٍ لَهُ وَيُقَالُ إنًى مَقْصُورٌ، فِيمَا أَخْبَرَنِي يُونُسُ. {يُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَأُولَئِكَ مِنَ الصّالِحِينَ}
.[مَا نَزَلَ فِي نَهْيِ الْمُسْلِمِينَ عَنْ مُبَاطَنَةِ الْيَهُودِ]:

قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَكَانَ رِجَالٌ مِنْ الْمُسْلِمِينَ يُوَاصِلُونَ رِجَالًا مِنْ الْيَهُودِ، لِمَا كَانَ بَيْنَهُمْ مِنْ الْجِوَارِ وَالْحِلْفِ فَأَنْزَلَ اللّهُ تَعَالَى فِيهِمْ يَنْهَاهُمْ عَنْ مُبَاطَنَتِهِمْ {يَا أَيّهَا الّذِينَ آمَنُوا لَا تَتّخِذُوا بِطَانَةً مِنْ دُونِكُمْ لَا يَأْلُونَكُمْ خَبَالًا وَدّوا مَا عَنِتّمْ قَدْ بَدَتِ الْبَغْضَاءُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ قَدْ بَيّنّا لَكُمُ الْآيَاتِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْقِلُونَ هَا أَنْتُمْ أُولَاءِ تُحِبّونَهُمْ وَلَا يُحِبّونَكُمْ وَتُؤْمِنُونَ بِالْكِتَابِ كُلّهِ} أَيْ تُؤْمِنُونَ بِكِتَابِكُمْ وَبِمَا مَضَى مِنْ الْكُتُبِ قَبْلَ ذَلِكَ وَهُمْ يَكْفُرُونَ بِكِتَابِكُمْ فَأَنْتُمْ كُنْتُمْ أَحَقّ بِالْبَغْضَاءِ لَهُمْ مِنْهُمْ لَكُمْ {وَإِذَا لَقُوكُمْ قَالُوا آمَنّا وَإِذَا خَلَوْا عَضّوا عَلَيْكُمُ الْأَنَامِلَ مِنَ الْغَيْظِ قُلْ مُوتُوا بِغَيْظِكُمْ} إلَى آخِرِ الْقِصّةِ.
.[مَا كَانَ بَيْنَ أَبِي بَكْرٍ وَفِنْحَاصٍ]:

وَدَخَلَ أَبُو بَكْرٍ الصّدّيقُ بَيْتَ الْمِدْرَاسِ عَلَى يَهُودَ فَوَجَدَ مِنْهُمْ نَاسًا كَثِيرًا قَدْ اجْتَمَعُوا إلَى رَجُلٍ مِنْهُمْ يُقَالُ لَهُ فِنْحَاصُ وَكَانَ مِنْ عُلَمَائِهِمْ وَأَحْبَارِهِمْ وَمَعَهُ حَبْرٌ مِنْ أَحْبَارِهِمْ يُقَالُ لَهُ أَشْيَعُ فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ لِفِنْحَاصٍ وَيْحَك يَا فَنُحَاصُ اتّقِ اللّهَ وَأَسْلِمْ، فَوَاَللّهِ إنّك لَتَعْلَمُ أَنّ مُحَمّدًا لَرَسُولُ اللّهِ قَدْ جَاءَكُمْ بِالْحَقّ مِنْ عِنْدِهِ تَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِنْدَكُمْ فِي التّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ، فَقَالَ فِنْحَاصُ لِأَبِي بَكْرٍ وَاَللّهِ يَا أَبَا بَكْرٍ مَا بِنَا إلَى اللّهِ مِنْ فَقْرٍ وَإِنّهُ إلَيْنَا لَفَقِيرٌ وَمَا نَتَضَرّعُ إلَيْهِ كَمَا يَتَضَرّعُ إلَيْنَا، وَإِنّا عَنْهُ لَأَغْنِيَاءُ وَمَا هُوَ عَنّا بِغَنِيّ وَلَوْ كَانَ عَنّا غَنِيّا مَا اسْتَقْرَضَنَا أَمْوَالَنَا، كَمَا يَزْعُمُ صَاحِبُكُمْ يَنْهَاكُمْ عَنْ الرّبَا وَيُعْطِينَاهُ وَلَوْ كَانَ عَنّا غَنِيّا مَا أَعْطَانَا الرّبَا. قَالَ فَغَضِبَ أَبُو بَكْرٍ فَضَرَبَ وَجْهَ فِنْحَاصَ ضَرْبًا شَدِيدًا، وَقَالَ وَاَلّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَوْلَا الْعَهْدُ الّذِي بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ لَضَرَبْتُ رَأْسَك، أَيْ عَدُوّ اللّهِ. قَالَ فَذَهَبَ فِنْحَاصُ إلَى رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَقَالَ يَا مُحَمّدُ اُنْظُرْ مَا صَنَعَ بِي صَاحِبُك؛ فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ لِأَبِي بَكْرٍ مَا حَمَلَك عَلَى مَا صَنَعْت؟ فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ يَا رَسُولَ اللّهِ إنّ عَدُوّ اللّهِ قَالَ قَوْلًا عَظِيمًا، إنّهُ زَعَمَ أَنّ اللّهَ فَقِيرٌ وَأَنّهُمْ أَغْنِيَاءُ فَلَمّا قَالَ ذَلِكَ غَضِبْتُ لِلّهِ مِمّا قَالَ وَضَرَبْتُ وَجْهَهُ فَجَحَدَ ذَلِكَ فِنْحَاصُ وَقَالَ مَا قُلْتُ ذَلِكَ. فَأَنْزَلَ اللّهُ تَعَالَى فِيمَا قَالَ فِنْحَاصُ رَدّا عَلَيْهِ وَتَصْدِيقًا لِأَبِي بَكْرٍ {لَقَدْ سَمِعَ اللّهُ قَوْلَ الّذِينَ قَالُوا إِنّ اللّهَ فَقِيرٌ وَنَحْنُ أَغْنِيَاءُ سَنَكْتُبُ مَا قَالُوا وَقَتْلَهُمُ الْأَنْبِيَاءَ بِغَيْرِ حَقّ وَنَقُولُ ذُوقُوا عَذَابَ الْحَرِيقِ} وَنَزَلَ فِي أَبِي بَكْرٍ الصّدّيقِ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُ وَمَا بَلَغَهُ فِي ذَلِكَ مِنْ الْغَضَبِ {وَلَتَسْمَعُنّ مِنَ الّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَمِنَ الّذِينَ أَشْرَكُوا أَذًى كَثِيرًا وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتّقُوا فَإِنّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ}. ثُمّ قَالَ فِيمَا قَالَ فِنْحَاصُ وَالْأَحْبَارُ مَعَهُ مِنْ يَهُودَ {وَإِذْ أَخَذَ اللّهُ مِيثَاقَ الّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَتُبَيّنُنّهُ لِلنّاسِ وَلَا تَكْتُمُونَهُ فَنَبَذُوهُ وَرَاءَ ظُهُورِهِمْ وَاشْتَرَوْا بِهِ ثَمَنًا قَلِيلًا فَبِئْسَ مَا يَشْتَرُونَ لَا تَحْسَبَنّ الّذِينَ يَفْرَحُونَ بِمَا أَتَوْا وَيُحِبّونَ أَنْ يُحْمَدُوا بِمَا لَمْ يَفْعَلُوا فَلَا تَحْسَبَنّهُمْ بِمَفَازَةٍ مِنَ الْعَذَابِ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} يَعْنِي فِنْحَاصَ وَأَشْيَعَ وَأَشْبَاهَهُمَا مِنْ الْأَحْبَارِ الّذِينَ يَفْرَحُونَ بِمَا يُصِيبُونَ مِنْ الدّنْيَا عَلَى مَا زَيّنُوا لِلنّاسِ مِنْ الضّلَالَةِ وَيُحِبّونَ أَنْ يُحْمَدُوا بِمَا لَمْ يَفْعَلُوا، أَنْ يَقُولَ النّاسُ عُلَمَاءُ وَلَيْسُوا بِأَهْلِ عِلْمٍ لَمْ يَحْمِلُوهُمْ عَلَى هُدًى وَلَا حَقّ وَيُحِبّونَ أَنْ يَقُولَ النّاسُ قَدْ فَعَلُوا.
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ وَكَانَ كَرْدَمُ بْنُ قَيْسٍ، حَلِيفُ كَعْبِ بْنِ الْأَشْرَفِ وَأُسَامَةُ بْنُ حَبِيبٍ، وَنَافِعُ بْنُ أَبِي نَافِعٍ، وَبَحْرِيّ بْنُ عَمْرٍو، وَحُيَيّ بْنُ أَخْطَبَ، وَرِفَاعَةُ بْن زَيْدِ بْنِ التّابُوتِ يَأْتُونَ رِجَالًا مِنْ الْأَنْصَارِ كَانُوا يُخَالِطُونَهُمْ يَنْتَصِحُونَ لَهُمْ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّم، فَيَقُولُونَ لَهُمْ لَا تُنْفِقُوا أَمْوَالَكُمْ فَإِنّا نَخْشَى عَلَيْكُمْ الْفَقْرَ فِي ذَهَابِهَا، وَلَا تُسَارِعُوا فِي النّفَقَةِ فَإِنّكُمْ لَا تَدْرُونَ عَلَامَ يَكُونُ. فَأَنْزَلَ اللّهُ فِيهِمْ {الّذِينَ يَبْخَلُونَ وَيَأْمُرُونَ النّاسَ بِالْبُخْلِ وَيَكْتُمُونَ مَا آتَاهُمُ اللّهُ مِنْ فَضْلِهِ} أَيْ مِنْ التّوْرَاةِ، الّتِي فِيهَا تَصْدِيقُ مَا جَاءَ بِهِ مُحَمّدٌ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ {وَأَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ عَذَابًا مُهِينًا وَالّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ رِئَاءَ النّاسِ وَلَا يُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَلَا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ} إلَى قَوْلِهِ {وَكَانَ اللّهُ بِهِمْ عَلِيمًا} قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَكَانَ رِفَاعَةُ بْنُ زَيْدِ بْنِ التّابُوتِ مِنْ عُظَمَاءِ يَهُودَ إذَا كَلّمَ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ لَوَى لِسَانَهُ وَقَالَ أَرْعِنَا سَمْعَك يَا مُحَمّدُ حَتّى نُفْهِمَك، ثُمّ طَعَنَ فِي الْإِسْلَامِ وَعَابَهُ. فَأَنْزَلَ اللّهُ فِيهِ {أَلَمْ تَرَ إِلَى الّذِينَ أُوتُوا نَصِيبًا مِنَ الْكِتَابِ يَشْتَرُونَ الضّلَالَةَ وَيُرِيدُونَ أَنْ تَضِلّوا السّبِيلَ وَاللّهُ أَعْلَمُ بِأَعْدَائِكُمْ وَكَفَى بِاللّهِ وَلِيّا وَكَفَى بِاللّهِ نَصِيرًا مِنَ الّذِينَ هَادُوا يُحَرّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَوَاضِعِهِ وَيَقُولُونَ سَمِعْنَا وَعَصَيْنَا وَاسْمَعْ غَيْرَ مُسْمَعٍ وَرَاعِنَا} أَيْ رَاعِنَا سَمْعَك {لَيّا بِأَلْسِنَتِهِمْ وَطَعْنًا فِي الدّينِ وَلَوْ أَنّهُمْ قَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَاسْمَعْ وَانْظُرْنَا لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ وَأَقْوَمَ وَلَكِنْ لَعَنَهُمُ اللّهُ بِكُفْرِهِمْ فَلَا يُؤْمِنُونَ إِلّا قَلِيلًا}. وَكَلّمَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ رُؤَسَاءَ مِنْ أَحْبَارِ يَهُودَ مِنْهُمْ عَبْدُ اللّهِ بْنُ صُورِيّا الْأَعْوَرُ وَكَعْبُ بْنُ أَسَدٍ. فَقَالَ لَهُمْ يَا مَعْشَرَ يَهُودَ اتّقُوا اللّهَ وَأَسْلِمُوا، فَوَاَللّهِ إنّكُمْ لَتَعْلَمُونَ أَنّ الّذِي جِئْتُكُمْ بِهِ لَحَقّ قَالُوا: مَا نَعْرِفُ ذَلِكَ يَا مُحَمّدُ فَجَحَدُوا مَا عَرَفُوا، وَأَصَرّوا عَلَى الْكُفْرِ فَأَنْزَلَ اللّهُ تَعَالَى فِيهِمْ {يَا أَيّهَا الّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ آمِنُوا بِمَا نَزّلْنَا مُصَدّقًا لِمَا مَعَكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَطْمِسَ وُجُوهًا فَنَرُدّهَا عَلَى أَدْبَارِهَا أَوْ نَلْعَنَهُمْ كَمَا لَعَنّا أَصْحَابَ السّبْتِ وَكَانَ أَمْرُ اللّهِ مَفْعُولًا}.
.[تَفْسِيرُ ابْنِ هِشَامٍ لِبَعْضِ الْغَرِيب ِ]:

قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: نَطْمِسَ نَمْسَحَهَا فَنُسَوّيهَا، فَلَا يُرَى فِيهَا عَيْنٌ وَلَا أَنْفٌ وَلَا فَمٌ وَلَا شَيْءٌ مِمّا يُرَى فِي الْوَجْهِ وَكَذَلِكَ {فَطَمَسْنَا أَعْيُنَهُمْ}. الْمَطْمُوسُ الْعَيْنُ الّذِي لَيْسَ بَيْنَ جَفْنَيْهِ شِقّ. وَيُقَالُ طَمَسْت الْكِتَابَ وَالْأَثَرَ فَلَا يُرَى مِنْهُ شَيْءٌ. قَالَ الْأَخْطَلُ وَاسْمُهُ الْغَوْثُ بْنُ هُبَيْرَةَ بْنِ الصّلْتِ التّغْلِبِيّ، يَصِفُ إبِلًا كَلّفَهَا مَا ذَكَرَ:
وتَكْلِيفُناها كُلّ طَامِسَةٍ الصّوَى ** شَطُونٍ تَرَى حِرْبَاءَهَا يَتَمَلْمَلُ

وَهَذَا الْبَيْتُ فِي قَصِيدَةٍ لَهُ. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَاحِدَةُ الصّوَى: صُوّةٌ. وَالصّوَى: الْأَعْلَامُ الّتِي يُسْتَدَلّ بِهَا عَلَى الطّرُقِ وَالْمِيَاهِ. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: يَقُولُ مُسِحَتْ فَاسْتَوَتْ بِالْأَرْضِ فَلَيْسَ فِيهَا شَيْءٌ نَاتِئٌ.
.[النّفَرُ الّذِينَ حَزّبُوا الْأَحْزَابَ]:

قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَكَانَ الّذِينَ حَزّبُوا الْأَحْزَابَ مِنْ قُرَيْشٍ وَغَطَفَانَ وَبَنْي قُرَيْظَةَ حُيَيّ بْنُ أَخْطَبَ، وَسِلَامُ بْنُ أَبِي الْحُقَيْقِ أَبُو رَافِعٍ وَالرّبِيعُ بْنُ الرّبِيعِ بْنِ أَبِي الْحُقَيْقِ وَأَبُو عَمّارٍ وَوَحْوَحُ بْنُ عَامِرٍ وَهَوْذَةُ بْنُ قَيْسٍ. فَأَمّا وَحْوَحُ بَنِي وَائِلٍ وَكَانَ سَائِرُهُمْ مِنْ بَنِي النّضِيرِ. فَلَمّا قَدِمُوا عَلَى قُرَيْشٍ قَالُوا: هَؤُلَاءِ أَحْبَارُ يَهُودَ وَأَهْلُ الْعِلْمِ بِالْكِتَابِ الْأَوّلِ فَسَلُوهُمْ دِينُكُمْ خَيْرٌ أَمْ دِينُ مُحَمّدٍ؟ فَسَأَلُوهُمْ فَقَالُوا: بَلْ دِينُكُمْ خَيْرٌ مِنْ دِينِهِ وَأَنْتُمْ أَهْدَى مِنْهُ وَمِمّنْ اتّبَعَهُ. فَأَنْزَلَ اللّهُ تَعَالَى فِيهِمْ {أَلَمْ تَرَ إِلَى الّذِينَ أُوتُوا نَصِيبًا مِنَ الْكِتَابِ يُؤْمِنُونَ بِالْجِبْتِ وَالطّاغُوتِ}
.[تَفْسِيرُ ابْنِ هِشَامٍ لِبَعْضِ الْغَرِيبِ]:

قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: الْجِبْتُ عِنْدَ الْعَرَبِ: مَا عُبِدَ مِنْ دُونِ اللّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى، وَالطّاغُوتُ كُلّ مَا أَضَلّ عَنْ الْحَقّ. وَجَمْعُ الْجِبْتِ جُبُوتٌ وَجَمْعُ الطّاغُوتِ طَوَاغِيتُ. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَبَلَغَنَا عَنْ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ أَنّهُ قَالَ الْجِبْتُ السّحَرُ وَالطّاغُوتُ الشّيْطَانُ. {وَيَقُولُونَ لِلّذِينَ كَفَرُوا هَؤُلَاءِ أَهْدَى مِنَ الّذِينَ آمَنُوا سَبِيلًا} قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: إلَى قَوْلِهِ تَعَالَى: {أَمْ يَحْسُدُونَ النّاسَ عَلَى مَا آتَاهُمُ اللّهُ مِنْ فَضْلِهِ فَقَدْ آتَيْنَا آلَ إِبْرَاهِيمَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَآتَيْنَاهُمْ مُلْكًا عَظِيمًا} قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَقَالَ سُكَيْنٌ وَعَدِيّ بْنُ زَيْدٍ: يَا مُحَمّدُ مَا نَعْلَمُ أَنّ اللّهَ أَنْزَلَ عَلَى بَشَرٍ مِنْ شَيْءٍ بَعْدَ مُوسَى. فَأَنْزَلَ اللّهُ تَعَالَى فِي ذَلِكَ مِنْ قَوْلِهِمَا: {إِنّا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ كَمَا أَوْحَيْنَا إِلَى نُوحٍ وَالنّبِيّينَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَوْحَيْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطِ وَعِيسَى وَأَيّوبَ وَيُونُسَ وَهَارُونَ وَسُلَيْمَانَ وَآتَيْنَا دَاوُدَ زَبُورًا وَرُسُلًا قَدْ قَصَصْنَاهُمْ عَلَيْكَ مِنْ قَبْلُ وَرُسُلًا لَمْ نَقْصُصْهُمْ عَلَيْكَ وَكَلّمَ اللّهُ مُوسَى تَكْلِيمًا رُسُلًا مُبَشّرِينَ وَمُنْذِرِينَ لِئَلّا يَكُونَ لِلنّاسِ عَلَى اللّهِ حُجّةٌ بَعْدَ الرّسُلِ وَكَانَ اللّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا} وَدَخَلَتْ عَلَى رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ جَمَاعَةٌ مِنْهُمْ فَقَالَ لَهُمْ أَمَا وَاَللّهِ إنّكُمْ لَتَعْلَمُونَ أَنّي رَسُولٌ مِنْ اللّهِ إلَيْكُمْ قَالُوا: مَا نَعْلَمُهُ وَمَا نَشْهَدُ عَلَيْهِ فَأَنْزَلَ اللّهُ تَعَالَى فِي ذَلِكَ مِنْ قَوْلِهِمْ {لَكِنِ اللّهُ يَشْهَدُ بِمَا أَنْزَلَ إِلَيْكَ أَنْزَلَهُ بِعِلْمِهِ وَالْمَلَائِكَةُ يَشْهَدُونَ وَكَفَى بِاللّهِ شَهِيدًا}
.[اجْتِمَاعُهُمْ عَلَى طَرْحِ الصّخْرَةِ عَلَى رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ]:

وَخَرَجَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ إلَى بَنِي النّضِيرِ يَسْتَعِينُهُمْ فِي دِيَةِ الْعَامِرِيّيْنِ اللّذَيْنِ قَتَلَ عَمْرُو بْنُ أُمَيّةَ الضّمْرِيّ. فَلَمّا خَلَا بَعْضُهُمْ بِبَعْضٍ قَالُوا: لَنْ تَجِدُوا مُحَمّدًا أَقْرَبَ مِنْهُ الْآنَ فَمَنْ رَجُلٌ يَظْهَرُ عَلَى هَذَا الْبَيْتِ فَيَطْرَحَ عَلَيْهِ صَخْرَةً فَيُرِيحَنَا مِنْهُ؟ فَقَالَ عَمْرُو بْنُ جَحّاشِ بْنِ كَعْبٍ: أَنَا، فَأَتَى رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ الْخَبَرُ، فَانْصَرَفَ عَنْهُمْ. فَأَنْزَلَ اللّهُ تَعَالَى فِيهِ وَفِيمَا أَرَادَ هُوَ وَقَوْمُهُ {يَا أَيّهَا الّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ هَمّ قَوْمٌ أَنْ يَبْسُطُوا إِلَيْكُمْ أَيْدِيَهُمْ فَكَفّ أَيْدِيَهُمْ عَنْكُمْ وَاتّقُوا اللّهَ وَعَلَى اللّهِ فَلْيَتَوَكّلِ الْمُؤْمِنُونَ}
.[ادّعَاؤُهُمْ أَنّهُمْ أَحِبّاءُ اللّهِ]:

وَأَتَى رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ نُعْمَانُ بْنُ أَضَاءَ وَبَحْرِيّ بْنُ عَمْرٍو، وَشَأْسُ بْنُ عَدِيّ، فَكَلّمُوهُ وَكَلّمَهُمْ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَدَعَاهُمْ إلَى اللّهِ وَحَذّرَهُمْ نِقْمَتَهُ فَقَالُوا مَا تُخَوّفُنَا يَا مُحَمّدُ، نَحْنُ وَاَللّهِ أَبْنَاءُ اللّهِ وَأَحِبّاؤُهُ كَقَوْلِ النّصَارَى. فَأَنْزَلَ اللّهُ تَعَالَى فِيهِمْ {وَقَالَتِ الْيَهُودُ وَالنّصَارَى نَحْنُ أَبْنَاءُ اللّهِ وَأَحِبّاؤُهُ قُلْ فَلِمَ يُعَذّبُكُمْ بِذُنُوبِكُمْ بَلْ أَنْتُمْ بَشَرٌ مِمّنْ خَلَقَ يَغْفِرُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيُعَذّبُ مَنْ يَشَاءُ وَلِلّهِ مُلْكُ السّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ}
.[إنْكَارُهُمْ نُزُولَ كِتَابٍ بَعْدَ مُوسَى عَلَيْهِ السّلَامُ]:

قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَدَعَا رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ يَهُودَ إلَى الْإِسْلَامِ وَرَغّبَهُمْ فِيهِ وَحَذّرَهُمْ غَيْرَ اللّهِ وَعُقُوبَتَهُ فَأَبَوْا عَلَيْهِ وَكَفَرُوا بِمَا جَاءَهُمْ بِهِ فَقَالَ لَهُمْ مُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ، وَسَعْدُ بْنُ عُبَادَةَ وَعُقْبَةُ بْنُ وَهْبٍ: يَا مَعْشَرَ يَهُودَ اتّقُوا اللّهَ، فَوَاَللّهِ إنّكُمْ لَتَعْلَمُونَ أَنّهُ رَسُولُ اللّهِ وَلَقَدْ كُنْتُمْ تَذْكُرُونَهُ لَنَا قَبْلَ مَبْعَثِهِ وَتَصِفُونَهُ لَنَا بِصِفَتِهِ فَقَالَ رَافِعُ بْنُ حُرَيْمِلَةَ، وَوَهْبُ بْنُ يَهُوذَا: مَا قُلْنَا لَكُمْ هَذَا قَطّ، وَمَا أَنْزَلَ اللّهُ مِنْ كِتَابٍ بَعْدَ مُوسَى، وَلَا أَرْسَلَ بَشِيرًا وَلَا نَذِيرًا بَعْدَهُ. فَأَنْزَلَ اللّهُ تَعَالَى فِي ذَلِكَ مِنْ قَوْلِهِمَا: {يَا أَهْلَ الْكِتَابِ قَدْ جَاءَكُمْ رَسُولُنَا يُبَيّنُ لَكُمْ عَلَى فَتْرَةٍ مِنَ الرّسُلِ أَنْ تَقُولُوا مَا جَاءَنَا مِنْ بَشِيرٍ وَلَا نَذِيرٍ فَقَدْ جَاءَكُمْ بَشِيرٌ وَنَذِيرٌ وَاللّهُ عَلَى كُلّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} ثُمّ قَصّ عَلَيْهِمْ خَبَرَ مُوسَى وَمَا لَقِيَ مِنْهُمْ وَانْتِقَاضَهُمْ عَلَيْهِ وَمَا رَدّوا عَلَيْهِ مِنْ أَمْرِ اللّهِ حَتّى تَاهُوا فِي الْأَرْضِ أَرْبَعِينَ سَنَةً عُقُوبَةً.
.[رُجُوعُهُمْ إلَى النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فِي حُكْمِ الرّجْمِ]:

قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَحَدّثَنِي ابْنُ شِهَابٍ الزّهْرِيّ أَنّهُ سَمِعَ رَجُلًا مِنْ مُزَيْنَةَ، مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ يُحَدّثُ سَعِيدَ بْنَ الْمُسَيّبِ، أَنّ أَبَا هُرَيْرَةَ حَدّثَهُمْ أَنّ أَحْبَارَ يَهُودَ اجْتَمَعُوا فِي بَيْتِ الْمِدْرَاسِ حَيْنَ قَدِمَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ الْمَدِينَةَ، وَقَدْ زَنَى رَجُلٌ مِنْهُمْ بَعْدَ إحْصَانِهِ بِامْرَأَةٍ مِنْ يَهُودَ قَدْ أَحْصَنَتْ فَقَالُوا: ابْعَثُوا بِهَذَا الرّجُلِ وَهَذِهِ الْمَرْأَةِ إلَى مُحَمّدٍ فَسَلُوهُ كَيْفَ الْحُكْمُ فِيهِمَا، وَوَلّوهُ الْحُكْمَ عَلَيْهِمَا، فَإِنْ عَمِلَ فِيهِمَا بِعَمَلِكُمْ مِنْ التّجْبِيَةِ- وَالتّجْبِيَةُ الْجَلْدُ بِحَبْلٍ مِنْ لِيفٍ مَطْلِيّ بِقَارٍ ثُمّ تُسَوّدُ وُجُوهُهُمَا، ثُمّ يُحْمَلَانِ عَلَى حِمَارَيْنِ وَتُجْعَلُ وُجُوهُهُمَا مِنْ قِبَلِ أَدْبَارِ الْحِمَارَيْنِ- فَاتّبِعُوهُ فَإِنّمَا هُوَ مَلَكٌ وَصَدّقُوهُ وَإِنْ هُوَ حَكَمَ فِيهِمَا بِالرّجْمِ فَإِنّهُ نَبِيّ، فَاحْذَرُوهُ عَلَى مَا فِي أَيْدِيكُمْ أَنْ يَسْلُبَكُمُوهُ. فَأَتَوْهُ فَقَالُوا: يَا مُحَمّدُ هَذَا رَجُلٌ قَدْ زَنَى بَعْدَ إحْصَانِهِ بِامْرَأَةٍ قَدْ أَحْصَنَتْ فَاحْكُمْ فِيهِمَا، فَقَدْ وَلّيْنَاك الْحُكْمَ فِيهِمَا. فَمَشَى رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ حَتّى أَتَى أَحْبَارَهُمْ فِي بَيْتِ الْمِدْرَاسِ فَقَالَ يَا مَعْشَرَ يَهُودَ أَخْرِجُوا إلَيّ عُلَمَاءَكُمْ فَأُخْرِجَ لَهُ عَبْدُ اللّهِ بْنُ صُورِيّا. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَقَدْ حَدّثَنِي بَعْضُ بَنِي قُرَيْظَةَ أَنّهُمْ قَدْ أَخَرَجُوا إلَيْهِ يَوْمئِذٍ مَعَ ابْنِ صُورِيّا، أَبَا يَاسِرِ بْنِ أَخْطَبَ وَوَهْبَ بْنَ يَهُوذَا، فَقَالُوا: هَؤُلَاءِ عُلَمَاؤُنَا. صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ حَتّى حَصّلَ أَمْرَهُمْ إلَى أَنْ قَالُوا لِعَبْدِ اللّهِ بْنِ صُورِيّا: هَذَا أَعْلَمُ مَنْ بَقِيَ بِالتّوْرَاةِ. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: مِنْ قوله: وَحَدّثَنِي بَعْضُ بَنِي قُرَيْظَةَ- إلَى: أَعْلَمُ مَنْ بَقِيَ بِالتّوْرَاةِ مِنْ قَوْلِ ابْنِ إسْحَاقَ، وَمَا بَعْدَهُ مِنْ الْحَدِيثِ الّذِي قَبْلَهُ. فَخَلَا بِهِ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَكَانَ غُلَامًا شَابّا مِنْ أَحْدَثِهِمْ سِنّا، فَأَلَظّ بِهِ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ الْمَسْأَلَةَ يَقُولُ لَهُ يَا ابْنَ صُورِيّا، أَنْشُدُك اللّهَ وَأُذَكّرُك بِأَيّامِهِ عِنْدَ بَنِي إسْرَائِيلَ هَلْ تَعْلَمُ أَنّ اللّهَ حَكَمَ فِيمَنْ زَنَى بَعْدَ إحْصَانِهِ بِالرّجْمِ فِي التّوْرَاةِ؟ قَالَ اللّهُمّ نَعَمْ أَمَا وَاَللّهِ يَا أَبَا الْقَاسِمِ إنّهُمْ لَيَعْرِفُونَ أَنّك لَنَبِيّ مُرْسَلٌ وَلَكِنّهُمْ يَحْسُدُونَك. قَالَ فَخَرَجَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَأَمَرَ بِهِمَا فَرُجِمَا عِنْدَ بَابِ مَسْجِدِهِ فِي بَنِي غَنْمِ بْنِ مَالِكِ بْنِ النّجّارِ. ثُمّ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ ابْنُ صُورِيّا، وَجَحَدَ نُبُوّةَ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فَأَنْزَلَ اللّهُ تَعَالَى فِيهِمْ {يَا أَيّهَا الرّسُولُ لَا يَحْزُنْكَ الّذِينَ يُسَارِعُونَ فِي الْكُفْرِ مِنَ الّذِينَ قَالُوا آمَنّا بِأَفْوَاهِهِمْ وَلَمْ تُؤْمِنْ قُلُوبُهُمْ وَمِنَ الّذِينَ هَادُوا سَمّاعُونَ لِلْكَذِبِ سَمّاعُونَ لِقَوْمٍ آخَرِينَ لَمْ يَأْتُوكَ} أَيْ الّذِينَ بَعَثُوا مِنْهُمْ مَنْ بَعَثُوا وَتَخَلّفُوا، وَأَمَرُوهُمْ بِمَا أَمَرُوهُمْ بِهِ مِنْ تَحْرِيفِ الْحُكْمِ عَنْ مَوَاضِعِهِ. ثُمّ قَالَ {يُحَرّفُونَ الْكَلِمَ مِنْ بَعْدِ مَوَاضِعِهِ يَقُولُونَ إِنْ أُوتِيتُمْ هَذَا فَخُذُوهُ وَإِنْ لَمْ تُؤْتَوْهُ} أَيْ الرّجْمَ {فَاحْذَرُوا} إلَى آخِرِ الْقِصّةِ. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَحَدّثَنِي مُحَمّدُ بْنُ طَلْحَةَ بْنِ يَزِيدَ بْنِ رُكَانَةَ عَنْ إسْمَاعِيلَ بْنِ إبْرَاهِيمَ عَنْ ابْنِ عَبّاسٍ، قَالَ أَمَرَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بِرَجْمِهِمَا، فَرُجِمَا بِبَابِ مَسْجِدِهِ فَلَمّا وَجَدَ الْيَهُودِيّ مَسّ الْحِجَارَةِ قَامَ إلَى صَاحِبَتِهِ فَجَنَأَ عَلَيْهَا، يَقِيهَا مَسّ الْحِجَارَةِ حَتّى قُتِلَا جَمِيعًا قَالَ وَكَانَ ذَلِكَ مِمّا صَنَعَ اللّهُ لِرَسُولِهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فِي تَحْقِيقِ الزّنَا مِنْهُمَا. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَحَدّثَنِي صَالِحُ بْنُ كَيْسَانَ، عَنْ نَافِعٍ مَوْلَى عَبْدِ اللّهِ بْنِ عُمَرَ عَنْ عَبْدِ اللّهِ بْنِ عُمَرَ، قَالَ لَمّا حَكّمُوا رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فِيهِمَا، دَعَاهُمْ بِالتّوْرَاةِ وَجَلَسَ حَبْرٌ مِنْهُمْ يَتْلُوهَا، وَقَدْ وَضَعَ يَدَهُ عَلَى آيَةِ الرّجْمِ قَالَ فَضَرَبَ عَبْدُ اللّهِ بْنُ سَلَامٍ يَدَ الْحَبْرِ ثُمّ قَالَ هَذِهِ يَا نَبِيّ اللّهِ آيَةُ الرّجْمِ يَأْبَى أَنْ يَتْلُوَهَا عَلَيْك؛ فَقَالَ لَهُمْ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَيْحَكُمْ يَا مَعْشَرَ يَهُودَ مَا دَعَاكُمْ إلَى تَرْكِ حُكْمِ اللّهِ وَهُوَ بِأَيْدِيكُمْ؟ قَالَ فَقَالُوا: أَمَا وَاَللّهِ إنّهُ قَدْ كَانَ فِينَا يُعْمَلُ بِهِ حَتّى زَنَى رَجُلٌ مِنّا بَعْدَ إحْصَانِهِ مِنْ بُيُوتِ الْمُلُوكِ وَأَهْلِ الشّرَفِ فَمَنَعَهُ الْمُلْكُ مِنْ الرّجْمِ ثُمّ زَنَى رَجُلٌ بَعْدَهُ فَأَرَادَ أَنْ يَرْجُمَهُ فَقَالُوا: لَا وَاَللّهِ حَتّى تَرْجُمَ فُلَانًا، فَلَمّا قَالُوا لَهُ ذَلِكَ اجْتَمَعُوا فَأَصْلَحُوا أَمْرَهُمْ عَلَى التّجْبِيَةِ وَأَمَاتُوا ذِكْرَ الرّجْمِ وَالْعَمَلَ بِهِ. قَالَ فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَأَنَا أَوّلُ مَنْ أَحْيَا أَمْرَ اللّهِ وَكِتَابَهُ وَعَمِلَ بِهِ ثُمّ أَمَرَ بِهِمَا فَرُجِمَا عِنْدَ بَابِ مَسْجِدِهِ قَالَ عَبْدُ اللّهِ بْنُ عُمَرَ: فَكُنْت فِيمَنْ رَجَمَهُمَا.
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَحَدّثَنِي داوُدَ بْنُ الْحُصَيْنِ عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنْ ابْنِ عَبّاسٍ: أَنّ الْآيَاتِ مِنْ الْمَائِدَةِ الّتِي قَالَ اللّهُ فِيهَا: {فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ أَوْ أَعْرِضْ عَنْهُمْ وَإِنْ تُعْرِضْ عَنْهُمْ فَلَنْ يَضُرّوكَ شَيْئًا وَإِنْ حَكَمْتَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ إِنّ اللّهَ يُحِبّ الْمُقْسِطِينَ} إنّمَا أُنْزِلَتْ فِي الدّيَةِ بَيْن بَنِي النّضِيرِ وَبَيْنَ بَنِي قُرَيْظَةَ، وَذَلِكَ أَنّ قَتْلَى بَنِي النّضِيرِ وَكَانَ لَهُمْ شَرَفٌ يُؤَدّونَ الدّيَةَ كَامِلَةً وَأَنّ بَنِي قُرَيْظَةَ كَانُوا يُؤَدّونَ نِصْفَ الدّيَةِ فَتَحَاكَمُوا فِي ذَلِكَ إلَى رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَأَنْزَلَ اللّهُ ذَلِكَ فِيهِمْ فَحَمَلَهُمْ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ عَلَى الْحَقّ فِي ذَلِكَ فَجَعَلَ الدّيَةَ سَوَاءً. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فَاَللّهُ أَعْلَمُ أَيّ ذَلِكَ كَانَ.
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ وَقَالَ كَعْبُ بْنُ أَسَدٍ، وَابْنُ صَلُوبَا، وَعَبْدُ اللّهِ بْنُ صُورِيّا، وَشَأْسُ بْنُ قَيْسٍ، بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ اذْهَبُوا بِنَا إلَى مُحَمّدٍ، لَعَلّنَا نَفْتِنَهُ عَنْ دِينِهِ فَإِنّمَا هُوَ بَشَرٌ فَأَتَوْهُ فَقَالُوا لَهُ يَا مُحَمّدُ إنّك قَدْ عَرَفْت أَنّا أَحْبَارُ يَهُودَ وَأَشْرَافُهُمْ وَسَادَتُهُمْ وَأَنّا إنْ اتّبَعْنَاك اتّبَعَتْك يَهُودُ وَلَمْ يُخَالِفُونَا، وَأَنّ بَيْنَنَا وَبَيْنَ بَعْضِ قَوْمِنَا خُصُومَةٌ أَفَنُحَاكِمُهُمْ إلَيْك فَتَقْضِيَ لَنَا عَلَيْهِمْ وَنُؤْمِنُ بِك وَنُصَدّقُك، فَأَبَى ذَلِكَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ عَلَيْهِمْ. فَأَنْزَلَ اللّهُ فِيهِمْ {وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللّهُ وَلَا تَتّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ وَاحْذَرْهُمْ أَنْ يَفْتِنُوكَ عَنْ بَعْضِ مَا أَنْزَلَ اللّهُ إِلَيْكَ فَإِنْ تَوَلّوْا فَاعْلَمْ أَنّمَا يُرِيدُ اللّهُ أَنْ يُصِيبَهُمْ بِبَعْضِ ذُنُوبِهِمْ وَإِنّ كَثِيرًا مِنَ النّاسِ لَفَاسِقُونَ أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللّهِ حُكْمًا لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ} قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَأَتَى رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ نَفَرٌ مِنْهُمْ أَبُو يَاسِرِ بْنُ أَخْطَبَ، وَنَافِعُ بْنُ أَبِي نَافِعٍ، وَعَازِرُ بْنُ أَبِي عَازِرٍ وَخَالِدٌ وَزَيْدٌ وَإِزَارُ بْنُ أَبِي إزَارٍ وَأَشْيَعُ فَسَأَلُوهُ عَمّنْ يُؤْمِنُ بِهِ مِنْ الرّسُلِ فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ {آمَنّا بِاللّهِ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنْزِلَ إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطِ وَمَا أُوتِيَ مُوسَى وَعِيسَى وَمَا أُوتِيَ النّبِيّونَ مِنْ رَبّهِمْ لَا نُفَرّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ} فَلَمّا ذَكَرَ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ جَحَدُوا نُبُوّتَهُ وَقَالُوا: لَا نُؤْمِنُ بِعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ وَلَا بِمَنْ آمَنَ بِهِ. فَأَنْزَلَ اللّهُ تَعَالَى فِيهِمْ {قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ هَلْ تَنْقِمُونَ مِنّا إِلّا أَنْ آمَنّا بِاللّهِ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلُ وَأَنّ أَكْثَرَكُمْ فَاسِقُونَ}
وَأَتَى رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ رَافِعُ بْنُ حَارِثَةَ، وَسَلَامُ بْنُ مِشْكَمٍ،، وَرَافِعُ بْنُ حُرَيْمِلَةَ، فَقَالُوا: يَا مُحَمّدُ أَلَسْتَ تَزْعُمُ أَنّك عَلَى مِلّةِ إبْرَاهِيمَ وَدِينِهِ وَتُؤْمِنُ بِمَا عِنْدَنَا مِنْ التّوْرَاةِ، وَتَشْهَدُ أَنّهَا مِنْ اللّهِ حَقّ؟ قَالَ بَلَى، وَلَكِنّكُمْ أَحْدَثْتُمْ وَجَحَدْتُمْ مَا فِيهَا مِمّا أَخَذَ اللّهُ عَلَيْكُمْ مِنْ الْمِيثَاقِ فِيهَا، وَكَتَمْتُمْ مِنْهَا مَا أُمِرْتُمْ أَنْ تُبَيّنُوهُ لِلنّاسِ فَبَرِئْتُ مِنْ إحْدَاثِكُمْ قَالُوا: فَإِنّا نَأْخُذُ بِمَا فِي أَيْدِينَا، فَإِنّا عَلَى الْهُدَى وَالْحَقّ وَلَا نُؤْمِنُ بِك، وَلَا نَتّبِعُك. فَأَنْزَلَ اللّهُ تَعَالَى فِيهِمْ {قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لَسْتُمْ عَلَى شَيْءٍ حَتّى تُقِيمُوا التّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبّكُمْ وَلَيَزِيدَنّ كَثِيرًا مِنْهُمْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبّكَ طُغْيَانًا وَكُفْرًا فَلَا تَأْسَ عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ} قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَأَتَى رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ النّحّامُ بْنُ زَيْدٍ، وَقَرْدَمُ بْنُ كَعْبٍ، وَبَحْرِيّ بْنُ عَمْرٍو، فَقَالُوا لَهُ يَا مُحَمّدُ أَمَا تَعْلَمُ مَعَ اللّهِ إلَهًا غَيْرَهُ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ اللّهُ لَا إلَهَ إلّا هُوَ بِذَلِكَ بُعِثْت، وَإِلَى ذَلِكَ أَدْعُو. فَأَنْزَلَ اللّهُ فِيهِمْ وَفِي قَوْلِهِمْ {قُلْ أَيّ شَيْءٍ أَكْبَرُ شَهَادَةً قُلِ اللّهُ شَهِيدٌ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَأُوحِيَ إِلَيّ هَذَا الْقُرْآنُ لِأُنْذِرَكُمْ بِهِ وَمَنْ بَلَغَ أَئِنّكُمْ لَتَشْهَدُونَ أَنّ مَعَ اللّهِ آلِهَةً أُخْرَى قُلْ لَا أَشْهَدُ قُلْ إِنّمَا هُوَ إِلَهٌ وَاحِدٌ وَإِنّنِي بَرِيءٌ مِمّا تُشْرِكُونَ الّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهُمُ الّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ فَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ}. وَكَانَ رِفَاعَةُ بْنُ زَيْدِ بْنِ التّابُوتِ وَسُوَيْدُ بْنُ الْحَارِثِ قَدْ أَظْهَرَا الْإِسْلَامَ وَنَافَقَا فَكَانَ رِجَالٌ مِنْ الْمُسْلِمِينَ يُوَادّونَهُمَا. فَأَنْزَلَ اللّهُ تَعَالَى فِيهِمَا: {يَا أَيّهَا الّذِينَ آمَنُوا لَا تَتّخِذُوا الّذِينَ اتّخَذُوا دِينَكُمْ هُزُوًا وَلَعِبًا مِنَ الّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَالْكُفّارَ أَوْلِيَاءَ وَاتّقُوا اللّهَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ} إلَى قَوْلِهِ {وَإِذَا جَاءُوكُمْ قَالُوا آمَنّا وَقَدْ دَخَلُوا بِالْكُفْرِ وَهُمْ قَدْ خَرَجُوا بِهِ وَاللّهُ أَعْلَمُ بِمَا كَانُوا يَكْتُمُونَ}
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://el-quran.ahlamontada.com
Admin
Admin
Admin


المساهمات : 4240
تاريخ التسجيل : 20/01/2018

كتاب السيرة النبوية۞ لعبد الملك ابن هشام ۞«المؤرخ» ​ - صفحة 2 Empty
مُساهمةموضوع: رد: كتاب السيرة النبوية۞ لعبد الملك ابن هشام ۞«المؤرخ» ​   كتاب السيرة النبوية۞ لعبد الملك ابن هشام ۞«المؤرخ» ​ - صفحة 2 Emptyالأحد مارس 04, 2018 6:26 am

كتاب السيرة النبوية۞ لعبد الملك ابن هشام ۞«المؤرخ» ​ - صفحة 2 SeeretIbenHisham

.[سُؤَالُهُمْ عَنْ قِيَامِ السّاعَةِ]:

وَقَالَ جَبَلُ بْنُ أَبِي قُشَيْرٍ، وَشَمْويِلُ بْنُ زَيْدٍ، لِرَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ يَا مُحَمّدُ أَخْبِرْنَا، مَتَى تَقُومُ السّاعَةُ إنْ كُنْتَ نَبِيّا كَمَا تَقُولُ؟ فَأَنْزَلَ اللّهُ تَعَالَى فِيهِمَا: {يَسْأَلُونَكَ عَنِ السّاعَةِ أَيّانَ مُرْسَاهَا قُلْ إِنّمَا عِلْمُهَا عِنْدَ رَبّي لَا يُجَلّيهَا لِوَقْتِهَا إِلّا هُوَ ثَقُلَتْ فِي السّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَا تَأْتِيكُمْ إِلّا بَغْتَةً يَسْأَلُونَكَ كَأَنّكَ حَفِيّ عَنْهَا قُلْ إِنّمَا عِلْمُهَا عِنْدَ اللّهِ وَلَكِنّ أَكْثَرَ النّاسِ لَا يَعْلَمُونَ}.
.[تَفْسِيرُ ابْنِ هِشَامٍ لِبَعْضِ الْغَرِيبِ]:

قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: أَيّانَ مُرْسَاهَا: مَتَى مُرْسَاهَا. قَالَ قَيْسُ بْنُ الْحُدَادِيّةِ الْخُزَاعِيّ:
فَجِئْتُ وَمُخْفَى السّرّ بَيْنِي وَبَيْنَهَا ** لِأَسْأَلَهَا أَيّانَ مَنْ سَارَ رَاجِعُ؟

وَهَذَا الْبَيْتُ فِي قَصِيدَةٍ لَهُ. وَمُرْسَاهَا: مُنْتَهَاهَا، وَجَمْعُهُ مَرَاسٍ. قَالَ الْكُمَيْتُ بْنُ زَيْدٍ الْأَسْدِيّ:
وَالْمُصِيبِينَ بَابَ مَا أَخْطَأَ النّا ** سُ وَمُرْسَى قَوَاعِدِ الْإِسْلَامِ

وَهَذَا الْبَيْتُ فِي قَصِيدَةٍ لَهُ. وَمُرْسَى السّفِينَةِ حَيْثُ تَنْتَهِي. وَحَفِيّ عَنْهَا عَلَى التّقْدِيمِ وَالتّأْخِيرِ. يَقُولُ يَسْأَلُونَك عَنْهَا كَأَنّك حَفِيّ بِهِمْ فَتُخْبِرَهُمْ بِمَا لَا تُخْبِرُ بِهِ غَيْرَهُمْ. وَالْحَفِيّ: الْبَرّ الْمُتَعَهّدُ. وَفِي كِتَابِ اللّهِ {إِنّهُ كَانَ بِي حَفِيّا} وَجَمْعُهُ أَحْفِيَاءُ. وَقَالَ أُعْشَى بَنِي قَيْسِ بْنِ ثَعْلَبَةَ:
فَإِنْ تَسْأَلِي عَنّي فَيَا رُبّ سَائِلٍ ** حَفِيّ عَنْ الْأَعْشَى بِهِ حَيْثُ أَصْعَدَا

وَهَذَا الْبَيْتُ فِي قَصِيدَةٍ لَهُ. وَالْحَفِيّ أَيْضًا: الْمُسْتَحْفِي عَنْ عِلْمِ الشّيْءِ الْمُبَالِغِ فِي طَلَبِهِ. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَأَتَى رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ سَلَامُ بْنُ مِشْكَمٍ، وَنُعْمَانُ بْنُ أَوْفَى أَبُو أَنَسٍ وَمَحْمُودُ بْنُ دِحْيَةَ وَشَأْسُ بْنُ قَيْسٍ، وَمَالِكُ بْنُ الصّيْفِ، فَقَالُوا لَهُ كَيْفَ نَتّبِعُك وَقَدْ تَرَكْت قِبْلَتَنَا، وَأَنْتَ لَا تَزْعُمُ أَنّ عُزَيْرًا ابْنُ اللّهِ؟ فَأَنْزَلَ اللّهُ عَزّ وَجَلّ فِي ذَلِكَ مِنْ قَوْلِهِمْ {وَقَالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللّهِ وَقَالَتِ النّصَارَى الْمَسِيحُ ابْنُ اللّهِ ذَلِكَ قَوْلُهُمْ بِأَفْوَاهِهِمْ يُضَاهِئُونَ قَوْلَ الّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَبْلُ قَاتَلَهُمُ اللّهُ أَنّى يُؤْفَكُونَ} إلَى آخِرِ الْقِصّةِ.
.[تَفْسِيرُ ابْنِ هِشَامٍ لِبَعْضِ الْغَرِيبِ]:

قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: يُضَاهِئُونَ أَيْ يُشَاكِلُ قَوْلُهُمْ قَوْلَ الّذِينَ كَفَرُوا، نَحْوَ أَنْ تُحَدّثَ بِحَدِيثٍ فَيُحَدّثَ آخَرُ بِمِثْلِهِ فَهُوَ يُضَاهِيك.
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَأَتَى رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ مَحْمُودُ بْنُ سَيْحَانَ، وَنُعْمَانُ بْنُ أَضَاءَ وَبَحْرِيّ بْنُ عَمْرٍو، وَعُزَيْرُ بْنُ أَبِي عُزَيْرٍ، وَسَلّامُ بْنُ مِشْكَمٍ، فَقَالُوا: أَحَقّ يَا مُحَمّدُ أَنّ هَذَا الّذِي جِئْتَ بِهِ لَحَقّ مِنْ عِنْدِ اللّهِ فَإِنّا لَا نَرَاهُ مُتّسِقًا كَمَا تَتّسِقُ التّوْرَاةُ؟ فَقَالَ لَهُمْ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ أَمَا وَاَللّهِ إنّكُمْ لَتَعْرِفُونَ أَنّهُ مِنْ عِنْدِ اللّهِ. تَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِنْدَكُمْ فِي التّوْرَاةِ، وَلَوْ اجْتَمَعَتْ الْإِنْسُ وَالْجِنّ عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِهِ مَا جَاءُوا بِهِ فَقَالُوا عِنْدَ ذَلِكَ وَهُمْ جَمِيعٌ فَتَحَاصّ وَعَبْدُ اللّهِ بْنُ صُورِيّا، وَابْنُ صَلُوبَا، وَكِنَانَةُ بْنُ الرّبِيعِ بْنِ أَبِي الْحُقَيْقِ، وَأَشْيَعُ وَكَعْبُ بْنُ أَسَدٍ، وَشَمْويِلُ بْنُ زَيْدٍ، وَجَبَلُ بْنُ عَمْرِو بْنِ سُكَيْنَةَ: يَا مُحَمّدُ أَمَا يُعَلّمُك هَذَا إنْسٌ وَلَا جِنّ؟ قَالَ فَقَالَ لَهُمْ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ أَمَا وَاَللّهِ إنّكُمْ لَتَعْلَمُونَ أَنّهُ مِنْ عِنْدِ اللّهِ وَإِنّي لَرَسُولُ اللّهِ تَجِدُونَ ذَلِكَ مَكْتُوبًا عِنْدَكُمْ فِي التّوْرَاةِ، فَقَالُوا: يَا مُحَمّدُ فَإِنّ اللّهَ يَصْنَعُ لِرَسُولِهِ إذَا بَعَثَهُ مَا يَشَاءُ أَرَادَ فَأَنْزِلْ عَلَيْنَا كِتَابًا مِنْ السّمَاءِ نَقْرَؤُهُ وَنَعْرِفُهُ وَإِلّا جِئْنَاك بِمِثْلِ مَا تَأْتِي بِهِ. فَأَنْزَلَ اللّهُ تَعَالَى فِيهِمْ وَفِيمَا قَالُوا: {قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنّ عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ لَا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا}
.[تَفْسِيرُ ابْنِ هِشَامٍ لِبَعْضِ الْغَرِيبِ]:

قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: الظّهِيرُ الْعَوْنُ. وَمِنْهُ قَوْلُ الْعَرَبِ: تَظَاهَرُوا عَلَيْهِ أَيْ تَعَاوَنُوا عَلَيْهِ. قَالَ الشّاعِرُ:
يَا سَمِيّ النّبِيّ أَصْبَحْتَ لِلدّينِ ** قَوّامًا وَلِلْإِمَامِ ظَهِيرَا

أَيْ عَوْنًا؛ وَجَمْعُهُ ظُهَرَاءُ.
.[سُؤَالُهُمْ لَهُ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ عَنْ ذِي الْقَرْنَيْنِ]:

قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَقَالَ حُيَيّ بْنُ أَخْطَبَ، وَكَعْبُ بْنُ أَسَدٍ، وَأَبُو رَافِعٍ وَأَشْيَعُ وَشَمْويِلُ بْنُ زَيْدٍ، لِعَبْدِ اللّهِ بْنِ سَلَامٍ حَيْن أَسْلَمَ: مَا تَكُونُ النّبُوّةُ فِي الْعَرَبِ وَلَكِنّ صَاحِبَك مَلَكٌ. ثُمّ جَاءُوا رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَسَأَلُوهُ عَنْ ذِي الْقَرْنَيْنِ فَقَصّ عَلَيْهِمْ مَا جَاءَهُ مِنْ اللّهِ تَعَالَى فِيهِ مِمّا كَانَ قَصّ عَلَى قُرَيْشٍ، وَهُمْ كَانُوا مِمّنْ أَمَرَ قُرَيْشًا أَنْ يَسْأَلُوا رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ عَنْهُ حَيْنَ بَعَثُوا إلَيْهِمْ النّضْرَ بْنَ الْحَارِثِ وعُتْبَةَ بْنَ أَبِي مُعَيْطٍ.
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَحُدّثْت عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ أَنّهُ قَالَ أَتَى رَهْطٌ مِنْ يَهُودَ إلَى رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَقَالُوا: يَا مُحَمّدُ هَذَا اللّهُ خَلَقَ الْخَلْقَ، فَمَنْ خَلَقَ اللّهَ؟ قَالَ فَغَضِبَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ حَتّى اُنْتُقِعَ لَوْنُهُ ثُمّ سَاوَرَهُمْ غَضَبًا لِرَبّهِ. قَالَ فَجَاءَهُ جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السّلَامُ فَسَكّنَهُ فَقَالَ خَفّضْ عَلَيْك يَا مُحَمّدُ وَجَاءَهُ مِنْ اللّهِ بِجَوَابِ مَا سَأَلُوهُ عَنْهُ {قُلْ هُوَ اللّهُ أَحَدٌ} قَالَ فَلَمّا تَلَاهَا عَلَيْهِمْ قَالُوا: فَصِفْ لَنَا يَا مُحَمّدُ كَيْفَ خَلْقُهُ؟ كَيْفَ ذِرَاعُهُ؟ كَيْفَ عَضُدُهُ؟ فَغَضِبَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ أَشَدّ مِنْ غَضَبِهِ الْأَوّلِ وَسَاوَرَهُمْ. فَأَتَاهُ جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السّلَامُ، فَقَالَ لَهُ مِثْلَ مَا قَالَ لَهُ أَوّلَ مَرّةٍ وَجَاءَهُ مِنْ اللّهِ تَعَالَى بِجَوَابِ مَا سَأَلُوهُ. يَقُولُ اللّهُ تَعَالَى: {وَمَا قَدَرُوا اللّهَ حَقّ قَدْرِهِ وَالْأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسّماوَاتُ مَطْوِيّاتٌ بِيَمِينِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمّا يُشْرِكُونَ}. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَحَدّثَنِي عُتْبَةُ بْنُ مُسْلِمٍ مَوْلَى بَنِي تَيْمٍ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرّحْمَنِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ يَقُولُ يُوشِكُ النّاسُ أَنْ يَتَسَاءَلُوا بَيْنَهُمْ حَتّى يَقُولَ قَائِلُهُمْ هَذَا اللّهُ خَلَقَ الْخَلْقَ فَمَنْ خَلَقَ اللّهَ؟ فَإِذَا قَالُوا ذَلِكَ فَقُولُوا: {قُلْ هُوَ اللّهُ أَحَدٌ اللّهُ الصّمَدُ لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ} ثُمّ لِيَتْفُلْ الرّجُلُ عَنْ يَسَارِهِ ثَلَاثًا، وَلِيَسْتَعِذْ بِاَللّهِ مِنْ الشّيْطَانِ الرّجِيمِ.
.[تَفْسِيرُ ابْنِ هِشَامٍ لِبَعْضِ الْغَرِيبِ]:

قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: الصّمَدُ الّذِي يُصْمَدُ إلَيْهِ وَيُفْزَعُ إلَيْهِ قَالَتْ هِنْدُ بِنْتُ مَعْبَدِ بْنِ نَضْلَةَ تَبْكِي عَمْرَو بْنَ مَسْعُودٍ وَخَالِدَ بْنَ نَضْلَةَ عَمّيْهَا الْأَسَدِيّيْنِ وَهُمَا اللّذَانِ قَتَلَ النّعْمَانُ بْنُ الْمُنْذِرِ اللّخْمِيّ، وَبَنَى الْغَرِيّيْنِ اللّذَيْنِ بِالْكُوفَةِ عَلَيْهِمَا:
أَلَا بَكَرَ النّاعِي بِخَيْرَيْ بَنِي أَسَدْ ** بِعَمْرِو بْنِ مَسْعُودٍ وَبِالسّيّدِ الصّمَدْ

.[أَمْرُ السّيّدِ وَالْعَاقِبِ وَذِكْرُ الْمُبَاهَلَةِ]:

قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَقَدِمَ عَلَى رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَفْدُ نَصَارَى نَجْرَانَ، سِتّونَ رَاكِبًا، فِيهِمْ أَرْبَعَةَ عَشَرَ رَجُلًا مِنْ أَشْرَافِهِمْ فِي الْأَرْبَعَةَ عَشَرَ مِنْهُمْ ثَلَاثَةُ نَفَرٍ إلَيْهِمْ يَئُولُ أَمْرُهُمْ الْعَاقِبُ أَمِيرُ الْقَوْمِ وَذُو رَأْيِهِمْ وَصَاحِبُ مَشُورَتِهِمْ وَاَلّذِي لَا يُصْدِرُونَ إلّا عَنْ رَأْيِهِ وَاسْمُهُ عَبْدُ الْمَسِيحِ وَالسّيّدُ لَهُمْ ثِمَالُهُمْ وَصَاحِبُ رَحْلِهِمْ وَمُجْتَمَعِهِمْ وَاسْمُهُ الْأَيْهَمُ، وَأَبُو حَارِثَةَ بْنُ عَلْقَمَةَ، أَحَدُ بَنِي بَكْرِ بْنِ وَائِلٍ، أَسْقُفُهُمْ وَحَبْرُهُمْ وَإِمَامُهُمْ وَصَاحِبُ مِدْرَاسِهِمْ.
.[مَنْزِلَةُ أَبِي حَارِثَةَ عِنْدَ مُلُوكِ الرّومِ]:

وَكَانَ أَبُو حَارِثَةَ قَدْ شَرُفَ فِيهِمْ وَدَرَسَ كُتُبَهُمْ حَتّى حَسُنَ عِلْمُهُ فِي دِينِهِمْ فَكَانَتْ مُلُوكُ الرّومِ مِنْ النّصْرَانِيّةِ قَدْ شَرّفُوهُ وَمَوّلُوهُ وَأَخْدَمُوهُ وَبَنَوْا لَهُ الْكَنَائِسَ وَبَسَطُوا عَلَيْهِ الْكَرَامَاتِ لِمَا يَبْلُغُهُمْ عَنْهُ مِنْ عِلْمِهِ وَاجْتِهَادِهِ فِي دِينِهِمْ.
.[سَبَبُ إسْلَامِ كُوزِ بْنِ عَلْقَمَةَ]:

فَلَمّا رَجَعُوا إلَى رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ مِنْ نَجْرَانَ، جَلَسَ أَبُو حَارِثَةَ عَلَى بَغْلَةٍ لَهُ مُوَجّهًا إلَى رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ، وَإِلَى جَنْبِهِ أَخٌ لَهُ يُقَالُ لَهُ كُوزُ بْنُ عَلْقَمَةَ- قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَيُقَالُ كُرْزٌ- فَعَثَرَتْ بَغْلَةُ أَبِي حَارِثَةَ فَقَالَ كُوزٌ تَعِسَ الْأَبْعَدُ: يُرِيدُ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَقَالَ لَهُ أَبُو حَارِثَةَ بَلْ أَنْتَ تَعِسْت فَقَالَ وَلِمَ يَا أَخِي؟ قَالَ وَاَللّهِ إنّهُ لَلنّبِيّ الّذِي كُنّا نَنْتَظِرُ فَقَالَ لَهُ كُوزٌ مَا يَمْنَعُك مِنْهُ وَأَنْتَ تَعْلَمُ هَذَا؟ قَالَ مَا صَنَعَ بِنَا هَؤُلَاءِ الْقَوْمُ شَرّفُونَا وَمَوّلُونَا وَأَكْرَمُونَا، وَقَدْ أَبَوْا إلّا خِلَافَهُ فَلَوْ فَعَلْتُ تَرَى. فَأَضْمَرَ عَلَيْهَا مِنْهُ أَخُوهُ كُوزُ بْنُ عَلْقَمَةَ، حَتّى أَسْلَمَ بَعْدَ ذَلِكَ. فَهُوَ كَانَ يُحَدّثُ عَنْهُ هَذَا الْحَدِيثَ فِيمَا بَلَغَنِي.
.[رُؤَسَاءُ نَجْرَانَ وَإِسْلَامُ أَحَدِهِمْ]:

قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَبَلَغَنِي أَنّ رُؤَسَاءَ نَجْرَانَ كَانُوا يَتَوَارَثُونَ كُتُبًا عِنْدَهُمْ. فَكُلّمَا مَاتَ رَئِيسٌ مِنْهُمْ فَأَفْضَتْ الرّيَاسَةُ إلَى غَيْرِهِ خَتَمَ عَلَى تِلْكَ الْكُتُبِ خَاتَمًا مَعَ الْخَوَاتِمِ الّتِي كَانَتْ قَبْلَهُ وَلَمْ يَكْسِرْهَا، فَخَرَجَ الرّئِيسُ الّذِي كَانَ عَلَى عَهْدِ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ يَمْشِي فَعَثَرَ فَقَالَ لَهُ ابْنُهُ تَعِسَ الْأَبْعَدُ يُرِيدُ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَقَالَ لَهُ أَبُوهُ لَا تَفْعَلْ فَإِنّهُ نَبِيّ، وَاسْمُهُ فِي الْوَضَائِعِ يَعْنِي الْكُتُبَ فَلَمّا مَاتَ لَمْ تَكُنْ لِابْنِهِ هِمّةٌ إلّا أَنْ شَدّ فَكَسَرَ الْخَوَاتِمَ فَوَجَدَ فِيهَا ذِكْرَ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَأَسْلَمَ فَحَسُنَ إسْلَامُهُ وَحَجّ وَهُوَ الّذِي يَقُولُ:
إلَيْك تَعْدُو قَلِقًا وَضِينُهَا ** مُعْتَرِضًا فِي بَطْنِهَا جَنِينُهَا

مُخَالِفًا دِينَ النّصَارَى دِينُهَا قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: الْوَضِينُ الْحِزَامُ حِزَامُ النّاقَةِ. وَقَالَ هِشَامُ بْنُ عُرْوَةَ: وَزَادَ فِيهِ أَهْلُ الْعِرَاقِ:
مُعْتَرِضًا فِي بَطْنِهَا جَنِينُهَا

فَأَمّا أَبُو عُبَيْدَةَ فَأَنْشَدْنَاهُ فِيهِ. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَحَدّثَنِي مُحَمّدُ بْنُ جَعْفَرِ بْنِ الزّبَيْرِ، قَالَ لَمّا قَدِمُوا عَلَى رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ الْمَدِينَةَ، فَدَخَلُوا عَلَيْهِ مَسْجِدَهُ حَيْنَ صَلّى الْعَصْرَ عَلَيْهِمْ ثِيَابُ الْحِبَرَاتِ جُبَبٌ وَأَرْدِيَةٌ فِي جَمَالِ رِجَالِ بَنِي الْحَارِثِ بْنِ كَعْبِ. قَالَ يَقُولُ بَعْضُ مَنْ رَآهُمْ مِنْ أَصْحَابِ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ يَوْمئِذٍ مَا رَأَيْنَا وَفْدًا مِثْلَهُمْ وَقَدْ حَانَتْ صَلَاتُهُمْ فَقَامُوا فِي مَسْجِدِ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ يُصَلّونَ فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ دَعُوهُمْ فَصَلّوْا إلَى الْمَشْرِقِ.
.[أَسْمَاءُ الْوَفْدِ وَمُعْتَقَدِهِمْ وَمُنَاقَشَتِهِمْ الرّسُولَ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ]:

قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فَكَانَتْ تَسْمِيَةُ الْأَرْبَعَةَ عَشَرَ الّذِينَ يَئُولُ إلَيْهِمْ أَمْرُهُمْ الْعَاقِبُ وَهُوَ عَبْدُ الْمَسِيحِ وَالسّيّدُ وَهُوَ الْأَيْهَمُ، وَأَبُو حَارِثَةَ بْنُ عَلْقَمَةَ أَخُو بَنِي بَكْرِ بْنِ وَائِلٍ، وَأَوْسٌ وَالْحَارِثُ وَزَيْدٌ وَقَيْسٌ، وَيَزِيدُ وَنَبِيّهُ وَخُوَيْلِدٌ وَعَمْرو، وَخَالِدٌ وَعَبْدُ اللّهِ وَيُحَنّسُ فِي سِتّينَ رَاكِبًا. فَكَلّمَ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ مِنْهُمْ أَبُو حَارِثَةَ بْنُ عَلْقَمَةَ، وَالْعَاقِبُ عَبْدُ الْمَسِيحِ وَالْأَيْهَمُ السّيّدُ- وَهُمْ مِنْ النّصْرَانِيّةِ عَلَى دِينِ الْمَلِكِ مَعَ اخْتِلَافِ مَنْ أَمَرَهُمْ يَقُولُونَ هُوَ اللّهُ وَيَقُولُونَ هُوَ وَلَدُ اللّهِ وَيَقُولُونَ هُوَ ثَالِثُ ثَلَاثَةٍ. وَكَذَلِكَ قَوْلُ النّصْرَانِيّةِ. فَهُمْ يَحْتَجّونَ فِي قَوْلِهِمْ: هُوَ اللّهُ، بِأَنّهُ كَانَ يُحْيِي الْمَوْتَى، وَيُبْرِئُ الْأَسْقَامَ. وَيُخْبِرُ بِالْغُيُوبِ وَيَخْلُقُ مِنْ الطّينِ كَهَيْئَةِ الطّيْرِ ثُمّ يَنْفُخُ فِيهِ فَيَكُونُ طَائِرًا، وَذَلِكَ كُلّهُ بِأَمْرِ اللّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: {وَلِنَجْعَلَهُ آيَةً لِلنّاسِ} وَيَحْتَجّونَ فِي قَوْلِهِمْ: إنّهُ وَلَدُ اللّهِ بِأَنّهُمْ يَقُولُونَ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَبٌ يُعْلَمُ وَقَدْ تَكَلّمَ فِي الْمَهْدِ وَهَذَا لَمْ يَصْنَعْهُ أَحَدٌ مِنْ وَلَدِ آدَمَ قَبْلَهُ. وَيَحْتَجّونَ فِي قَوْلِهِمْ: إنّهُ ثَالِثُ ثَلَاثَةٍ بِقَوْلِ اللّهِ فَعَلْنَا، وَأَمَرْنَا، وَخَلَقْنَا، وَقَضَيْنَا. فَيَقُولُونَ لَوْ كَانَ وَاحِدًا مَا قَالَ إلّا فَعَلْتُ وَقَضَيْت، وَأَمَرْت، وَخَلَقْت؛ وَلَكِنّهُ هُوَ وَعِيسَى وَمَرْيَمُ. فَفِي كُلّ ذَلِكَ مِنْ قَوْلِهِمْ قَدْ نَزَلَ الْقُرْآنُ- فَلَمّا كَلّمَهُ الْحَبْرَانِ، قَالَ لَهُمَا رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ أَسْلِمَا؛ قَالَا: قَدْ أَسْلَمْنَا؛ قَالَ إنّكُمَا لَمْ تُسْلِمَا فَأَسْلِمَا؛ قَالَا: بَلَى، قَدْ أَسْلَمْنَا قَبْلَك: قَالَ كَذَبْتُمَا، يَمْنَعُكُمَا مِنْ الْإِسْلَامِ دُعَاؤُكُمَا لِلّهِ وَلَدًا، وَعِبَادَتُكُمَا الصّلِيبَ وَأَكْلُكُمَا الْخِنْزِيرَ قَالَا: فَمَنْ أَبُوهُ يَا مُحَمّدُ؟ فَصَمَتَ عَنْهُمَا رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَلَمْ يُجِبْهُمَا.
.[مَا نَزَلَ مِنْ آلِ عِمْرَانَ فِيهِمْ]:

فَأَنْزَلَ اللّهُ تَعَالَى فِي ذَلِكَ مِنْ قَوْلِهِمْ وَاخْتِلَافِ أَمْرِهِمْ كُلّهِ صَدْرَ سُورَةِ آلِ عِمْرَانَ إلَى بِضْعٍ وَثَمَانِينَ آيَةً مِنْهَا، فَقَالَ جَلّ وَعَزّ {الم اللّهُ لَا إِلَهَ إِلّا هُوَ الْحَيّ الْقَيّومُ} فَافْتَتَحَ السّورَةَ بِتَنْزِيهِ نَفْسِهِ عَمّا قَالُوا، وَتَوْحِيدِهِ إيّاهَا بِالْخَلْقِ وَالْأَمْرِ لَا شَرِيكَ لَهُ فِيهِ رَدّا عَلَيْهِمْ مَا ابْتَدَعُوا مِنْ الْكُفْرِ وَجَعَلُوا مَعَهُ مِنْ الْأَنْدَادِ وَاحْتِجَاجًا بِقَوْلِهِمْ عَلَيْهِمْ فِي صَاحِبِهِمْ لِيُعَرّفَهُمْ بِذَلِكَ ضَلَالَتَهُمْ فَقَالَ {الم اللّهُ لَا إِلَهَ إِلّا هُوَ} لَيْسَ مَعَهُ غَيْرُهُ شَرِيكٌ فِي أَمْرِهِ {الْحَيّ الْقَيّومُ} الْحَيّ الّذِي لَا يَمُوتُ وَقَدْ مَاتَ عِيسَى وَصُلِبَ فِي قَوْلِهِمْ. وَالْقَيّومُ الْقَائِمُ عَلَى مَكَانِهِ مِنْ سُلْطَانِهِ فِي خَلْقِهِ لَا يَزُولُ وَقَدْ زَالَ عِيسَى فِي قَوْلِهِمْ عَنْ مَكَانِهِ الّذِي كَانَ بِهِ وَذَهَبَ عَنْهُ إلَى غَيْرِهِ. {نَزّلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقّ} أَيْ بِالصّدْقِ فِيمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ {وَأَنْزَلَ التّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ} التّوْرَاةُ عَلَى مُوسَى، وَالْإِنْجِيلُ عَلَى عِيسَى، كَمَا أَنْزَلَ الْكُتُبَ عَلَى مَنْ كَانَ قَبْلَهُ {وَأَنْزَلَ الْفُرْقَانَ} أَيْ الْفَصْلَ بَيْنَ الْحَقّ وَالْبَاطِلِ فِيمَا اخْتَلَفَ فِيهِ الْأَحْزَابُ مِنْ أَمْرِ عِيسَى وَغَيْرِهِ. {إِنّ الّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِ اللّهِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَاللّهُ عَزِيزٌ ذُو انْتِقَامٍ} أَيْ أَنّ اللّهَ مُنْتَقِمٌ مِمّنْ كَفَرَ بِآيَاتِهِ بَعْدَ عِلْمِهِ بِهَا، وَمَعْرِفَتِهِ بِمَا جَاءَ مِنْهُ فِيهَا. {إِنّ اللّهَ لَا يَخْفَى عَلَيْهِ شَيْءٌ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي السّمَاءِ} أَيْ قَدْ عَلِمَ مَا يُرِيدُونَ وَمَا يَكِيدُونَ وَمَا يُضَاهُونَ بِقَوْلِهِمْ فِي عِيسَى، إذْ جَعَلُوهُ إلَهًا وَرَبّا، وَعِنْدَهُمْ مِنْ عِلْمِهِ غَيْرُ ذَلِكَ غِرّةً بِاَللّهِ وَكُفْرًا بِهِ. {هُوَ الّذِي يُصَوّرُكُمْ فِي الْأَرْحَامِ كَيْفَ يَشَاءُ} أَيْ قَدْ كَانَ عِيسَى مِمّنْ صُوّرَ فِي الْأَرْحَامِ لَا يَدْفَعُونَ ذَلِكَ وَلَا يُنْكِرُونَهُ كَمَا صُوّرَ غَيْرُهُ مِنْ وَلَدِ آدَمَ فَكَيْفَ يَكُونُ إلَهًا وَقَدْ كَانَ بِذَلِكَ الْمَنْزِلِ. ثُمّ قَالَ تَعَالَى إنْزَاهًا لِنَفْسِهِ وَتَوْحِيدًا لَهَا مِمّا جَعَلُوا مَعَهُ {لَا إِلَهَ إِلّا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} الْعَزِيزُ فِي انْتِصَارِهِ مِمّنْ كَفَرَ بِهِ إذَا شَاءَ الْحَكِيمُ فِي حُجّتِهِ وَعُذْرِهِ إلَى عِبَادِهِ.{هُوَ الّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنّ أُمّ الْكِتَابِ} فِيهِنّ حُجّةُ الرّبّ وَعِصْمَةُ الْعِبَادِ وَدَفْعُ الْخُصُومِ وَالْبَاطِلِ لَيْسَ لَهُنّ تَصْرِيفٌ وَلَا تَحْرِيفٌ عَمّا وُضِعْنَ عَلَيْهِ {وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ} لَهُنّ تَصْرِيفٌ وَتَأْوِيلٌ ابْتَلَى اللّهُ عَزّ وَجَلّ {فَأَمّا الّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ} أَيْ مَيْلٌ عَنْ الْهُدَى {فَيَتّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ} أَيْ مَا تَصَرّفَ مِنْهُ لِيُصَدّقُوا بِهِ مَا ابْتَدَعُوا وَأَحْدَثُوا، لِتَكُونَ لَهُمْ حُجّةٌ وَلَهُمْ عَلَى مَا قَالُوا شُبْهَة {ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ} أَيْ اللّبْسِ {وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ} ذَلِكَ عَلَى مَا رَكِبُوا مِنْ الضّلَالَةِ فِي قَوْلِهِمْ خَلَقْنَا وَقَضَيْنَا. يَقُولُ {وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ} أَيْ الّذِي بِهِ أَرَادُوا مَا أَرَادُوا {إِلّا اللّهُ وَالرّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنّا بِهِ كُلّ مِنْ عِنْدِ رَبّنَا} فَكَيْفَ يَخْتَلِفُ وَهُوَ قَوْلٌ وَاحِدٌ مِنْ رَبّ وَاحِدٍ. ثُمّ رَدّوا تَأْوِيلَ الْمُتَشَابِهِ عَلَى مَا عَرَفُوا مِنْ تَأْوِيلِ الْمُحَكّمَةِ الّتِي لَا تَأْوِيلَ لِأَحَدٍ فِيهَا إلّا تَأْوِيلٌ وَاحِدٌ وَاتّسَقَ بِقَوْلِهِمْ الْكِتَابُ وَصَدّقَ بَعْضُهُ بَعْضًا، فَنَفَذَتْ بِهِ الْحُجّةُ وَظَهَرَ بِهِ الْعُذْرُ وَزَاحَ بِهِ الْبَاطِلَ وَدَمَغَ بِهِ الْكُفْرَ. يَقُولُ اللّهُ تَعَالَى فِي مِثْلِ هَذَا: وَمَا يَذّكّرُ فِي مِثْلِ هَذَا إلّا أُولُو الْأَلْبَابِ. {رَبّنَا لَا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا} أَيْ لَا تُمِلْ قُلُوبَنَا، وَإِنْ مِلْنَا بِأَحْدَاثِنَا. {وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنّكَ أَنْتَ الْوَهّابُ} ثُمّ قَالَ {شَهِدَ اللّهُ أَنّهُ لَا إِلَهَ إِلّا هُوَ وَالْمَلَائِكَةُ وَأُولُو الْعِلْمِ} بِخِلَافِ مَا قَالُوا {قَائِمًا بِالْقِسْطِ} أَيْ بِالْعَدْلِ فِيمَا يُرِيدُ {لَا إِلَهَ إِلّا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ إِنّ الدّينَ عِنْدَ اللّهِ الْإِسْلَامُ} أَيْ مَا أَنْتَ عَلَيْهِ يَا مُحَمّدُ التّوْحِيدُ لِلرّبّ وَالتّصْدِيقُ لِلرّسُلِ. {وَمَا اخْتَلَفَ الّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ إِلّا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْعِلْمُ} أَيْ الّذِي جَاءَك، أَيْ أَنّ اللّهَ الْوَاحِدَ الّذِي لَيْسَ لَهُ شَرِيكٌ {بَغْيًا بَيْنَهُمْ وَمَنْ يَكْفُرْ بِآيَاتِ اللّهِ فَإِنّ اللّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ فَإِنْ حَاجّوكَ} أَيْ بِمَا يَأْتُونَ بِهِ مِنْ الْبَاطِلِ مِنْ قَوْلِهِمْ خَلَقْنَا وَفَعَلْنَا وَأَمَرْنَا، فَإِنّمَا هِيَ شُبْهَةُ بَاطِلٍ قَدْ عَرَفُوا مَا فِيهَا مِنْ الْحَقّ {فَقُلْ أَسْلَمْتُ وَجْهِيَ لِلّهِ} أَيْ وَحْدَه {وَمَنِ اتّبَعَنِ وَقُلْ لِلّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ وَالْأُمّيّينَ} {أَأَسْلَمْتُمْ فَإِنْ أَسْلَمُوا فَقَدِ اهْتَدَوْا وَإِنْ تَوَلّوْا فَإِنّمَا عَلَيْكَ الْبَلَاغُ وَاللّهُ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ}
.[مَا نَزَلَ مِنْ الْقُرْآنِ فِيمَا أَحْدَثَ الْيَهُودُ وَالنّصَارَى]:

ثُمّ جَمَعَ أَهْلَ الْكِتَابَيْنِ جَمِيعًا، وَذَكَرَ مَا أَحْدَثُوا وَمَا ابْتَدَعُوا، مِنْ الْيَهُودِ وَالنّصَارَى، فَقَالَ {إِنّ الّذِينَ يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللّهِ وَيَقْتُلُونَ النّبِيّينَ بِغَيْرِ حَقّ وَيَقْتُلُونَ الّذِينَ يَأْمُرُونَ بِالْقِسْطِ مِنَ النّاسِ} إلَى قَوْلِهِ {قُلِ اللّهُمّ مَالِكَ الْمُلْكِ} أَيْ رَبّ الْعِبَادِ وَالْمَلِكُ الّذِي لَا يَقْضِي فِيهِمْ غَيْرُهُ {تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمّنْ تَشَاءُ وَتُعِزّ مَنْ تَشَاءُ وَتُذِلّ مَنْ تَشَاءُ بِيَدِكَ الْخَيْرُ} أَيْ لَا إلَهَ غَيْرُك {إِنّكَ عَلَى كُلّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} أَيْ لَا يَقْدِرُ عَلَى هَذَا غَيْرُك بِسُلْطَانِك وَقُدْرَتِك. تُولِجُ اللّيْلَ فِي النّهَارِ وَتُولِجُ النّهَارَ فِي اللّيْلِ وَتُخْرِجُ الْحَيّ مِنْ الْمَيّتِ وَتُخْرِجُ الْمَيّتَ مِنْ الْحَيّ بِتِلْكَ الْقُدْرَةِ {وَتَرْزُقُ مَنْ تَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ} لَا يَقْدِرُ عَلَى ذَلِكَ غَيْرُك، وَلَا يَصْنَعُهُ إلّا أَنْتَ أَيْ فَإِنْ كُنْتُ سَلّطْت عِيسَى عَلَى الْأَشْيَاءِ الّتِي بِهَا يَزْعُمُونَ أَنّهُ إلَهٌ مِنْ إحْيَاءِ الْمَوْتَى، وَإِبْرَاءِ الْأَسْقَامِ وَالْخَلْقِ لِلطّيْرِ مِنْ الطّينِ وَالْإِخْبَارِ عَنْ الْغُيُوبِ لِأَجْعَلَهُ بِهِ آيَةً لِلنّاسِ وَتَصْدِيقًا لَهُ فِي نُبُوّتِهِ الّتِي بَعَثْته بِهَا إلَى قَوْمِهِ فَإِنّ مِنْ سُلْطَانِي وَقُدْرَتِي مَا لَمْ أُعْطِهِ تَمْلِيكَ الْمُلُوكِ بِأَمْرِ النّبُوّةِ وَوَضْعَهَا حَيْثُ شِئْت، وَإِيلَاجَ اللّيْلِ فِي النّهَارِ وَالنّهَارِ فِي اللّيْلِ وَإِخْرَاجَ الْحَيّ مِنْ الْمَيّتِ وَإِخْرَاجَ الْمَيّت مِنْ الْحَيّ وَرِزْقَ مَنْ شِئْت مِنْ بَرّ أَوْ فَاجِرٍ بِغَيْرِ حِسَابٍ فَكُلّ ذَلِكَ لَمْ أُسَلّطْ عِيسَى عَلَيْهِ وَلَمْ أُمَلّكْهُ إيّاهُ أَفَلَمْ تَكُنْ لَهُمْ فِي ذَلِكَ عِبْرَةٌ وَبَيّنَةٌ أَنْ لَوْ كَانَ إلَهًا كَانَ ذَلِكَ كُلّهُ إلَيْهِ وَهُوَ فِي عِلْمِهِمْ يَهْرَبُ مِنْ الْمُلُوكِ وَيَنْتَقِلُ مِنْهُمْ فِي الْبِلَادِ مِنْ بَلَدٍ إلَى بَلَدٍ.
.[مَا نَزَلَ مِنْ الْقُرْآنِ فِي وَعْظِ الْمُؤْمِنِينَ]:

ثُمّ وَعَظَ الْمُؤْمِنِينَ وَحَذّرَهُمْ ثُمّ قَالَ {قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبّونَ اللّهَ} كَانَ هَذَا مِنْ قَوْلِكُمْ حَقّا، حُبّا لِلّهِ وَتَعْظِيمًا لَهُ {فَاتّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ} أَيْ مَا مَضَى مِنْ كُفْرِكُمْ {وَاللّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ} {قُلْ أَطِيعُوا اللّهَ وَالرّسُولَ} فَأَنْتُمْ تَعْرِفُونَهُ وَتَجِدُونَهُ فِي كِتَابِكُمْ فَإِنْ تَوَلّوْا، أَيْ عَلَى كُفْرِهِمْ {فَإِنّ اللّهَ لَا يُحِبّ الْكَافِرِينَ}
.[مَا نَزَلَ مِنْ الْقُرْآنِ فِي خَلْقِ عِيسَى]:

ثُمّ اسْتَقْبَلَ لَهُمْ أَمْرَ عِيسَى عَلَيْهِ السّلَامُ، وَكَيْفَ كَانَ بَدْءُ مَا أَرَادَ اللّهُ بِهِ فَقُلْ {إِنّ اللّهَ اصْطَفَى آدَمَ وَنُوحًا وَآلَ إِبْرَاهِيمَ وَآلَ عِمْرَانَ عَلَى الْعَالَمِينَ ذُرّيّةً بَعْضُهَا مِنْ بَعْضٍ وَاللّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ} ثُمّ ذَكَرَ أَمْرَ امْرَأَةِ عِمْرَانَ وَقَوْلَهَا: {رَبّ إِنّي نَذَرْتُ لَكَ مَا فِي بَطْنِي مُحَرّرًا} أَيْ نَذَرْته فَجَعَلْته عَتِيقًا، تَعَبّدُهُ لِلّهِ لَا يَنْتَفِعُ بِهِ لِشَيْءٍ مِنْ الدّنْيَا {فَتَقَبّلْ مِنّي إِنّكَ أَنْتَ السّمِيعُ الْعَلِيمُ فَلَمّا وَضَعَتْهَا قَالَتْ رَبّ إِنّي وَضَعْتُهَا أُنْثَى وَاللّهُ أَعْلَمُ بِمَا وَضَعَتْ وَلَيْسَ الذّكَرُ كَالْأُنْثَى} أَيْ لَيْسَ الذّكَرُ كَالْأُنْثَى لِمَا جَعَلْتهَا مُحَرّرًا لَك نَذِيرَةً {وَإِنّي سَمّيْتُهَا مَرْيَمَ وَإِنّي أُعِيذُهَا بِكَ وَذُرّيّتَهَا مِنَ الشّيْطَانِ الرّجِيمِ} يَقُولُ اللّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: {فَتَقَبّلَهَا رَبّهَا بِقَبُولٍ حَسَنٍ وَأَنْبَتَهَا نَبَاتًا حَسَنًا وَكَفّلَهَا زَكَرِيّا} بَعْدَ أَبِيهَا وَأُمّهَا. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: كَفّلَهَا: ضَمّهَا.
.[خَبَرُ زَكَرِيّا وَمَرْيَمَ]:

قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فَذَكّرَهَا بِالْيُتْمِ ثُمّ قَصّ خَبَرَهَا وَخَبَرَ زَكَرِيّا، وَمَا دَعَا بِهِ وَمَا أَعْطَاهُ إذْ وَهَبَ لَهُ يَحْيَى. ثُمّ ذَكَرَ مَرْيَمَ، وَقَوْلَ الْمَلَائِكَةِ لَهَا: {يَا مَرْيَمُ إِنّ اللّهَ اصْطَفَاكِ وَطَهّرَكِ وَاصْطَفَاكِ عَلَى نِسَاءِ الْعَالَمِينَ يَا مَرْيَمُ اقْنُتِي لِرَبّكِ وَاسْجُدِي وَارْكَعِي مَعَ الرّاكِعِينَ} عَزّ وَجَلّ {ذَلِكَ مِنْ أَنْبَاءِ الْغَيْبِ نُوحِيهِ إِلَيْكَ وَمَا كُنْتَ لَدَيْهِمْ} أَيْ مَا كُنْت مَعَهُمْ {إِذْ يُلْقُونَ أَقْلَامَهُمْ أَيّهُمْ يَكْفُلُ مَرْيَمَ}
.[تَفْسِيرُ ابْنِ هِشَامٍ لِبَعْضِ الْغَرِيبِ]:

قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: أَقْلَامَهُمْ سِهَامَهُمْ يَعْنِي قِدَاحَهُمْ الّتِي اسْتَهَمُوا بِهَا عَلَيْهَا، فَخَرَجَ قَدَحُ زَكَرِيّا فَضَمّهَا، فِيمَا قَالَ الْحَسَنُ بْنُ أَبِي الْحَسَنِ الْبَصْرِيّ.
.[كَفَالَةُ جُرَيْجٍ الرّاهِبِ لِمَرْيَمَ]:

قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: كَفّلَهَا هَاهُنَا جُرَيْجٌ الرّاهِبُ رَجُلٌ مِنْ بَنِي إسْرَائِيلَ نَجّارٌ خَرَجَ السّهْمُ عَلَيْهِ بِحَمْلِهَا، فَحَمَلَهَا، وَكَانَ زَكَرِيّا قَدْ كَفّلَهَا قَبْلَ ذَلِكَ فَأَصَابَتْ بَنِي إسْرَائِيلَ أَزْمَةٌ شَدِيدَةٌ فَعَجَزَ زَكَرِيّا عَنْ حَمْلِهَا، فَاسْتَهَمُوا عَلَيْهَا أَيّهُمْ يَكْفُلُهَا فَخَرَجَ السّهْمُ عَلَى جُرَيْجٍ الرّاهِبِ بِكُفُولِهَا فَكَفَلَهَا. {وَمَا كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يَخْتَصِمُونَ} أَيْ مَا كُنْت مَعَهُمْ إذْ يَخْتَصِمُونَ فِيهَا. يُخْبِرُهُ بِخَفِيّ مَا كَتَمُوا مِنْهُ مِنْ الْعِلْمِ عِنْدَهُمْ لِتَحْقِيقِ نُبُوّتِهِ وَالْحُجّةِ عَلَيْهِمْ بِمَا يَأْتِيهِمْ بِهِ مِمّا أَخْفَوْا مِنْهُ. ثُمّ قَالَ {إِذْ قَالَتِ الْمَلَائِكَةُ يَا مَرْيَمُ إِنّ اللّهَ يُبَشّرُكِ بِكَلِمَةٍ مِنْهُ اسْمُهُ الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ} أَيْ هَكَذَا كَانَ أَمْرُهُ لَا كَمَا تَقُولُونَ فِيهِ {وَجِيهًا فِي الدّنْيَا وَالْآخِرَةِ} أَيْ عِنْدَ اللّهِ {وَمِنَ الْمُقَرّبِينَ وَيُكَلّمُ النّاسَ فِي الْمَهْدِ وَكَهْلًا وَمِنَ الصّالِحِينَ} يُخْبِرُهُمْ بِحَالَاتِهِ الّتِي يَتَقَلّبُ فِيهَا فِي عُمْرِهِ كَتَقَلّبِ بَنِي آدَمَ فِي أَعْمَارِهِمْ صِغَارًا وَكِبَارًا، إلّا أَنّ اللّهَ خَصّهُ بِالْكَلَامِ فِي مَهْدِهِ آيَةً لِنُبُوّتِهِ وَتَعْرِيفًا لِلْعِبَادِ بِمَوَاقِعِ قُدْرَتِهِ. {قَالَتْ رَبّ أَنّى يَكُونُ لِي وَلَدٌ وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ؟ قَالَ كَذَلِكِ اللّهُ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ} أَيْ يَصْنَعُ مَا أَرَادَ وَيَخْلُقُ مَا يَشَاءُ مِنْ بَشَرٍ أَوْ غَيْرِ بَشَرٍ{إِذَا قَضَى أَمْرًا فَإِنّمَا يَقُولُ لَهُ كُنْ} مِمّا يَشَاءُ وَكَيْفَ شَاءَ {فَيَكُونُ} كَمَا أَرَادَ.
.[مَا نَزَلَ مِنْ الْقُرْآنِ فِي بَيَانِ آيَاتِ عِيسَى عَلَيْهِ السّلَامُ]:

ثُمّ أَخْبَرَهَا بِمَا يُرِيدُ بِهِ فَقَالَ {وَيُعَلّمُهُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَالتّوْرَاةَ} الّتِي كَانَتْ فِيهِمْ مِنْ عَهْدِ مُوسَى قَبْلَهُ {وَالْإِنْجِيلَ} كِتَابًا آخَرَ أَحْدَثَهُ اللّهُ عَزّ وَجَلّ إلَيْهِ لَمْ يَكُنْ عِنْدَهُمْ إلّا ذِكْرُهُ أَنّهُ كَائِنٌ مِنْ الْأَنْبِيَاءِ بَعْدَهُ {وَرَسُولًا إِلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنّي قَدْ جِئْتُكُمْ بِآيَةٍ مِنْ رَبّكُمْ} أَيْ يُحَقّقُ بِهَا نُبُوّتِي، أَنّي رَسُولٌ مِنْهُ إلَيْكُمْ {أَنّي أَخْلُقُ لَكُمْ مِنَ الطّينِ كَهَيْئَةِ الطّيْرِ فَأَنْفُخُ فِيهِ فَيَكُونُ طَيْرًا بِإِذْنِ اللّهِ} الّذِي بَعَثَنِي إلَيْكُمْ وَهُوَ رَبّي وَرَبّكُمْ {وَأُبْرِئُ الْأَكْمَهَ وَالْأَبْرَصَ}
.[تَفْسِيرُ ابْنِ هِشَامٍ لِبَعْضِ الْغَرِيبِ]:

قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: الْأَكْمَهَ الّذِي يُولَدُ أَعْمَى. قَالَ رُؤْبَةُ بْنُ الْعَجّاجِ:
هَرّجْتُ فَارْتَدّ ارْتِدَادَ الْأَكْمَهِ

وَجَمْعُهُ كُمْهٌ. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: هَرّجْت: صِحْت بِالْأَسَدِ وَجَلَبْتُ عَلَيْهِ. وَهَذَا الْبَيْتُ فِي أُرْجُوزَةٍ لَهُ. {وَأُحْيِي الْمَوْتَى بِإِذْنِ اللّهِ وَأُنَبّئُكُمْ بِمَا تَأْكُلُونَ وَمَا تَدّخِرُونَ فِي بُيُوتِكُمْ إِنّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لَكُمْ} أَنّي رَسُولُ اللّهِ مِنْ اللّهِ إلَيْكُمْ {إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ وَمُصَدّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيّ مِنَ التّوْرَاةِ} أَيْ لِمَا سَبَقَنِي عَنْهَا {وَلِأُحِلّ لَكُمْ بَعْضَ الّذِي حُرّمَ عَلَيْكُمْ} أَيْ أُخْبِرُكُمْ بِهِ أَنّهُ كَانَ عَلَيْكُمْ حَرَامًا فَتَرَكْتُمُوهُ ثُمّ أُحِلّهُ لَكُمْ تَخْفِيفًا عَنْكُمْ فَتُصِيبُونَ يُسْرَهُ وَتَخْرُجُونَ مِنْ تِبَاعَاتِهِ {وَجِئْتُكُمْ بِآيَةٍ مِنْ رَبّكُمْ فَاتّقُوا اللّهَ وَأَطِيعُونِ إِنّ اللّهَ رَبّي وَرَبّكُمْ} أَيْ تبريّا مِنْ الّذِينَ يَقُولُونَ فِيهِ وَاحْتِجَاجًا لِرَبّهِ عَلَيْهِمْ {فَاعْبُدُوهُ هَذَا صِرَاطٌ مُسْتَقِيمٌ} أَيْ هَذَا الّذِي قَدْ حَمَلْتُكُمْ عَلَيْهِ وَجِئْتُكُمْ بِهِ. {فَلَمّا أَحَسّ عِيسَى مِنْهُمُ الْكُفْرَ} وَالْعُدْوَانَ عَلَيْهِ {قَالَ مَنْ أَنْصَارِي إِلَى اللّهِ قَالَ الْحَوَارِيّونَ نَحْنُ أَنْصَارُ اللّهِ آمَنّا بِاللّهِ} هَذَا قَوْلُهُمْ الّذِي أَصَابُوا بِهِ الْفَضْلَ مِنْ رَبّهِمْ {وَاشْهَدْ بِأَنّا مُسْلِمُونَ} لَا مَا يَقُولُ هَؤُلَاءِ الّذِينَ يُحَاجّونَك فِيهِ {رَبّنَا آمَنّا بِمَا أَنْزَلْتَ وَاتّبَعْنَا الرّسُولَ فَاكْتُبْنَا مَعَ الشّاهِدِينَ} أَيْ هَكَذَا كَانَ قَوْلُهُمْ وَإِيمَانُهُمْ.
.[رَفْعُ عِيسَى عَلَيْهِ السّلَامُ]:

ثُمّ ذَكَرَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى رَفْعَهُ عِيسَى إلَيْهِ حَيْنَ اجْتَمَعُوا لِقَتْلِهِ فَقَالَ {وَمَكَرُوا وَمَكَرَ اللّهُ وَاللّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ} ثُمّ أَخْبَرَهُمْ وَرَدّ عَلَيْهِمْ فِيمَا أَقَرّوا لِلْيَهُودِ بِصَلْبِهِ كَيْفَ رَفَعَهُ وَطَهّرَهُ مِنْهُمْ فَقَالَ {إِذْ قَالَ اللّهُ يَا عِيسَى إِنّي مُتَوَفّيكَ وَرَافِعُكَ إِلَيّ وَمُطَهّرُكَ مِنَ الّذِينَ كَفَرُوا} إذْ هَمّوا مِنْك بِمَا هَمّوا {وَجَاعِلُ الّذِينَ اتّبَعُوكَ فَوْقَ الّذِينَ كَفَرُوا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ} ثُمّ الْقِصّةُ حَتّى انْتَهَى إلَى قَوْلِهِ {ذَلِكَ نَتْلُوهُ عَليْكَ} يَا مُحَمّدُ {مِنَ الْآيَاتِ وَالذّكْرِ الْحَكِيمِ} الْقَاطِعِ الْفَاصِلِ الْحَقّ الّذِي لَا يُخَالِطُهُ الْبَاطِلُ مِنْ الْخَبَرِ عَنْ عِيسَى، وَعَمّا اخْتَلَفُوا فِيهِ مِنْ أَمْرِهِ فَلَا تَقْبَلَنّ خَبَرًا غَيْرَهُ. {إِنّ مَثَلَ عِيسَى عِنْدَ اللّهِ} فَاسْتَمِعْ {كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرَابٍ ثُمّ قَالَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ الْحَقّ مِنْ رَبّكَ} أَيْ مَا جَاءَك مِنْ الْخَبَرِ عَنْ عِيسَى {فَلَا تَكُنْ مِنَ الْمُمْتَرِينَ} أَيْ قَدْ جَاءَك الْحَقّ مِنْ رَبّك فَلَا تَمْتَرِيَنّ فِيهِ وَإِنْ قَالُوا: خُلِقَ عِيسَى مِنْ غَيْرِ ذَكَرٍ فَقَدْ خَلَقْتُ آدَمَ مِنْ تُرَابٍ بِتِلْكَ الْقُدْرَةِ مِنْ غَيْرِ أُنْثَى وَلَا ذَكَرٍ فَكَانَ كَمَا كَانَ عِيسَى لَحْمًا وَدَمًا، وَشَعْرًا وَبَشَرًا، فَلَيْسَ خَلْقُ عِيسَى مِنْ غَيْرِ ذَكَرٍ بِأَعْجَبَ مِنْ هَذَا. {فَمَنْ حَاجّكَ فِيهِ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ} أَيْ مِنْ بَعْدِ مَا قَصَصْتُ عَلَيْك مِنْ خَبَرِهِ وَكَيْفَ كَانَ أَمْرُهُ {فَقُلْ تَعَالَوْا نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ وَنِسَاءَنَا وَنِسَاءَكُمْ وَأَنْفُسَنَا وَأَنْفُسَكُمْ ثُمّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَلْ لَعْنَةَ اللّهِ عَلَى الْكَاذِبِينَ}
.[تَفْسِيرُ ابْنِ هِشَامٍ لِبَعْضِ الْغَرِيبِ]:

ابْنُ هِشَامٍ: قَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ نَبْتَهِلْ نَدْعُو بِاللّعْنَةِ قَالَ أَعْشَى بَنِي قَيْسِ بْنِ ثَعْلَبَةَ:
لَا تَقْعُدَنّ وَقَدْ أَكّلْتَهَا حَطَبًا ** نَعُوذُ مِنْ شَرّهَا يَوْمًا وَنَبْتَهِلُ

وَهَذَا الْبَيْتُ فِي قَصِيدَةٍ لَهُ. يَقُولُ نَدْعُو بِاللّعْنَةِ. وَتَقُولُ الْعَرَبُ: بَهَلَ اللّهُ فُلَانًا، أَيْ لَعَنَهُ وَعَلَيْهِ بَهْلَةُ اللّهِ. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَيُقَالُ بَهْلَةُ اللّهِ أَيْ لَعْنَةُ اللّهِ وَنَبْتَهِلْ أَيْضًا: نَجْتَهِدْ فِي الدّعَاءِ. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: {إِنّ هَذَا} الّذِي جِئْتُ بِهِ مِنْ الْخَبَرِ عَنْ عِيسَى {لَهُوَ الْقَصَصُ الْحَقّ} مِنْ أَمْرِهِ {وَمَا مِنْ إِلَهٍ إِلّا اللّهُ وَإِنّ اللّهَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ فَإِنْ تَوَلّوْا فَإِنّ اللّهَ عَلِيمٌ بِالْمُفْسِدِينَ قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلّا نَعْبُدَ إِلّا اللّهَ وَلَا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا وَلَا يَتّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضًا أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللّهِ فَإِنْ تَوَلّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنّا مُسْلِمُونَ} فَدَعَاهُمْ إلَى النّصَفِ وَقَطَعَ عَنْهُمْ الْحُجّةَ.
.[إبَاؤُهُمْ الْمُلَاعَنَةَ]:

فَلَمّا أَتَى رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ الْخَبَرُ مِنْ اللّهِ عَنْهُ وَالْفَصْلُ مِنْ الْقَضَاءِ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُمْ وَأَمَرَ بِمَا أُمِرَ بِهِ مِنْ مُلَاعَنَتِهِمْ إنْ رَدّوا ذَلِكَ عَلَيْهِ دَعَاهُمْ إلَى ذَلِكَ فَقَالُوا لَهُ يَا أَبَا الْقَاسِمِ دَعْنَا نَنْظُرْ فِي أَمْرِنَا، ثُمّ نَأْتِيك بِمَا نُرِيدُ أَنْ نَفْعَلَ فِيمَا دَعَوْتنَا إلَيْهِ. فَانْصَرَفُوا عَنْهُ ثُمّ خَلَوْا بِالْعَاقِبِ وَكَانَ ذَا رَأْيِهِمْ فَقَالُوا: يَا عَبْدَ الْمَسِيحِ مَاذَا تَرَى؟ فَقَالَ وَاَللّهِ يَا مَعْشَرَ النّصَارَى لَقَدْ عَرَفْتُمْ أَنّ مُحَمّدًا لَنَبِيّ مُرْسَلٌ وَلَقَدْ جَاءَكُمْ بِالْفَصْلِ مِنْ خَبَرِ صَاحِبِكُمْ وَلَقَدْ عَلِمْتُمْ مَا لَاعَنَ قَوْمٌ نَبِيّا قَطّ فَبَقِيَ كَبِيرُهُمْ وَلَا نَبَتَ صَغِيرُهُمْ وَإِنّهُ لَلِاسْتِئْصَالُ مِنْكُمْ إنْ فَعَلْتُمْ فَإِنْ كُنْتُمْ قَدْ أَبَيْتُمْ إلّا إلْفَ دِينِكُمْ وَالْإِقَامَةَ عَلَى مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ مِنْ الْقَوْلِ فِي صَاحِبِكُمْ فَوَادِعُوا الرّجُلَ ثُمّ انْصَرِفُوا إلَى بِلَادِكُمْ. فَأَتَوْا رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ، فَقَالُوا: يَا أَبَا الْقَاسِمِ قَدْ رَأَيْنَا أَلّا نُلَاعِنَك، وَأَنْ نَتْرُكَك عَلَى دِينِك وَنَرْجِعَ عَلَى دِينِنَا، وَلَكِنْ ابْعَثْ مَعَنَا رَجُلًا مِنْ أَصْحَابِك تَرْضَاهُ لَنَا، يَحْكُمْ بَيْنَنَا فِي أَشْيَاءَ اخْتَلَفْنَا فِيهَا مِنْ أَمْوَالِنَا، فَإِنّكُمْ عِنْدَنَا رِضًا.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://el-quran.ahlamontada.com
Admin
Admin
Admin


المساهمات : 4240
تاريخ التسجيل : 20/01/2018

كتاب السيرة النبوية۞ لعبد الملك ابن هشام ۞«المؤرخ» ​ - صفحة 2 Empty
مُساهمةموضوع: رد: كتاب السيرة النبوية۞ لعبد الملك ابن هشام ۞«المؤرخ» ​   كتاب السيرة النبوية۞ لعبد الملك ابن هشام ۞«المؤرخ» ​ - صفحة 2 Emptyالأحد مارس 04, 2018 6:27 am

كتاب السيرة النبوية۞ لعبد الملك ابن هشام ۞«المؤرخ» ​ - صفحة 2 SeeretIbenHisham

.[تَوْلِيَةُ أَبِي عُبَيْدَةَ أُمُورَهُمْ]:

قَالَ مُحَمّدُ بْنُ جَعْفَرٍ فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ ائْتُونِي الْعَشِيّةَ أَبْعَثْ مَعَكُمْ الْقَوِيّ الْأَمِينَ. قَالَ فَكَانَ عُمَرُ بْنُ الْخَطّابِ يَقُولُ مَا أَحْبَبْت الْإِمَارَةَ قَطّ حُبّي إيّاهَا يَوْمئِذٍ رَجَاءَ أَنْ أَكُونَ صَاحِبَهَا، فَرُحْتُ إلَى الظّهْرِ مُهَجّرًا، فَلَمّا صَلّى بِنَا رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ الظّهْرَ سَلّمَ ثُمّ نَظَرَ عَنْ يَمِينِهِ وَعَنْ يَسَارِهِ فَجَعَلْت أَتَطَاوَلُ لَهُ لِيَرَانِي، فَلَمْ يَزَلْ يَلْتَمِسُ بِبَصَرِهِ حَتّى رَأَى أَبَا عُبَيْدَةَ بْنَ الْجَرّاحِ فَدَعَاهُ فَقَالَ اُخْرُجْ مَعَهُمْ فَاقْضِ بَيْنَهُمْ بِالْحَقّ فِيمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ. قَالَ عُمَرُ فَذَهَبَ بِهَا أَبُو عُبَيْدَةَ.
.نُبَذٌ مِنْ ذِكْرِ الْمُنَافِقِينَ:

قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَقَدِمَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ الْمَدِينَةَ- كَمَا حَدّثَنِي عَاصِمُ بْنُ عُمَرَ بْنِ قَتَادَةَ- وَسَيّدُ أَهْلِهَا عَبْدُ اللّهِ بْنُ أُبَيّ ابْنُ سَلُولَ الْعَوْفِيّ. ثُمّ أَحَدُ بَنِي الْحُبْلَى، لَا يَخْتَلِفُ عَلَيْهِ فِي شَرَفِهِ مِنْ قَوْمِهِ اثْنَانِ لَمْ تَجْتَمِعْ الْأَوْسُ وَالْخَزْرَجُ قَبْلَهُ وَلَا بَعْدَهُ عَلَى رَجُلٍ مِنْ أَحَدِ الْفَرِيقَيْنِ حَتّى جَاءَ الْإِسْلَامُ غَيّرَهُ وَمَعَهُ فِي الْأَوْسِ رَجُلٌ هُوَ فِي قَوْمِهِ مِنْ الْأَوْسِ شَرِيفٌ مُطَاعٌ أَبُو عَامِرٍ عَبْدُ عَمْرِو بْنِ صَيْفِيّ بْنِ النّعْمَانِ أَحَدُ بَنِي ضُبَيْعَةَ بْنِ زَيْدٍ وَهُوَ أَبُو حَنْظَلَةَ، الْغَسِيلُ يَوْمَ أُحُد ٍ، وَكَانَ قَدْ تَرَهّبَ فِي الْجَاهِلِيّةِ وَلَبِسَ الْمُسُوحَ وَكَانَ يُقَالُ لَهُ الرّاهِبُ. فَشَقِيَا بِشَرَفِهِمَا وَضَرّهُمَا.
.[إسْلَامُ ابْنِ أُبَيّ]:

فَأَمّا عَبْدُ اللّهِ بْنُ أُبَيّ فَكَانَ قَوْمُهُ قَدْ نَظَمُوا لَهُ الْخَرَزَ لِيُتَوّجُوهُ ثُمّ يُمَلّكُوهُ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَهُمْ عَلَى ذَلِكَ. فَلَمّا انْصَرَفَ قَوْمُهُ عَنْهُ إلَى الْإِسْلَامِ ضَغِنَ وَرَأَى أَنّ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ قَدْ اسْتَلَبَهُ مُلْكًا. فَلَمّا رَأَى قَوْمَهُ قَدْ أَبَوْا إلّا الْإِسْلَامِ دَخَلَ فِيهِ كَارِهًا مُصِرّا عَلَى نِفَاقٍ وَضِغْنٍ.
.[إصْرَارُ ابْنِ صَيْفِيّ عَلَى كُفْرِهِ]:

وَأَمّا أَبُو عَامِرٍ فَأَبَى إلّا الْكُفْرَ وَالْفِرَاقَ لِقَوْمِهِ حِينَ اجْتَمَعُوا عَلَى الْإِسْلَامِ فَخَرَجَ مِنْهُمْ إلَى مَكّةَ بِبِضْعَةَ عَشَرَ رَجُلًا مُفَارِقًا لِلْإِسْلَامِ وَلِرَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ- كَمَا حَدّثَنِي مُحَمّدُ بْنُ أَبِي أُمَامَةَ عَنْ بَعْضِ آلِ حَنْظَلَةَ بْنِ أَبِي عَامِرٍ-: لَا تَقُولُوا: الرّاهِبَ وَلَكِنْ قُولُوا: الْفَاسِقَ.
.[مَا نَالَ ابْنَ صَيْفِيّ جَزَاءَ تَعْرِيضِهِ بِالرّسُولِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ]:

قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَحَدّثَنِي جَعْفَرُ بْنُ عَبْدِ اللّهِ بْنِ أَبِي الْحَكَمِ وَكَانَ قَدْ أَدْرَكَ وَسَمِعَ وَكَانَ رَاوِيَةً أَنّ أَبَا عَامِرٍ أَتَى رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ حِينَ قَدِمَ الْمَدِينَةَ، قَبْلَ أَنْ يَخْرُجَ إلَى مَكّةَ، فَقَالَ مَا هَذَا الدّينُ الّذِي جِئْتَ بِهِ؟ فَقَالَ جِئْتُ بِالْحَنِيفِيّةِ دِينِ إبْرَاهِيمَ قَالَ فَأَنَا عَلَيْهَا؛ فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ إنّك لَسْتَ عَلَيْهَا؛ قَالَ بَلَى قَالَ إنّك أَدَخَلْتَ يَا مُحَمّدُ فِي الْحَنِيفِيّةِ مَا لَيْسَ مِنْهَا قَالَ مَا فَعَلْتُ وَلَكِنّي جِئْت بِهَا بَيْضَاءَ نَقِيّةً قَالَ الْكَاذِبُ أَمَاتَهُ اللّهُ طَرِيدًا غَرِيبًا وَحِيدًا- يُعَرّض بِرَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ- أَيْ أَنّك جِئْتَ بِهَا كَذَلِكَ. قَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ أَجَلْ فَمَنْ كَذَبَ فَفَعَلَ اللّهُ تَعَالَى ذَلِكَ بِهِ. فَكَانَ هُوَ ذَلِكَ عَدُوّ اللّهِ خَرَجَ إلَى مَكّةَ، فَلَمّا افْتَتَحَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ مَكّةَ خَرَجَ إلَى الطّائِفِ. فَلَمّا أَسْلَمَ أَهْلُ الطّائِفِ لَحِقَ بِالشّامِ. فَمَاتَ بِهَا طَرِيدًا غَرِيبًا وَحِيدًا.
.الِاحْتِكَامُ إلَى قَيْصَرَ فِي مِيرَاثِهِ:

وَكَانَ قَدْ خَرَجَ مَعَهُ عَلْقَمَةُ بْنُ عُلَاثَةَ بْنِ عَوْفِ بْنِ الْأَحْوَصِ بْنِ جَعْفَرِ بْنِ كِلَابٍ وَكِنَانَةُ بْنُ عَبْدِ يالَيْل بْنِ عَمْرِو بْنِ عُمَيْرٍ الثّقَفِيّ، فَلَمّا مَاتَ اخْتَصَمَا فِي مِيرَاثِهِ إلَى قَيْصَرَ صَاحِبِ الرّومِ. فَقَالَ قَيْصَرُ يَرِثُ أَهْلُ الْمَدَرِ أَهْلَ الْمَدَرِ، وَيَرِثُ أَهْلُ الْوَبَرِ أَهْلَ الْوَبَرِ فَوَرِثَهُ كِنَانَةُ بْنُ عَبْدِ يالَيْل بِالْمَدَرِ دُونَ عَلْقَمَةَ.
.[هِجَاءُ كَعْبٍ لِابْنِ صَيْفِيّ]:

فَقَالَ كَعْبُ بْنُ مَالِكٍ لِأَبِي عَامِرٍ فِيمَا صَنَعَ:
مَعَاذَ اللّهِ مِنْ عَمَلٍ خَبِيثٍ ** كَسَعْيِك فِي الْعَشِيرَةِ عَبْدَ عَمْرٍو

فَإِمّا قُلْتَ لِي شَرَفٌ وَنَخْلٌ ** فَقِدْمًا بِعْتَ إيمَانًا بِكُفْرِ

قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَيُرْوَى:
فَإِمّا قُلْت لِي شَرَفٌ وَمَالٌ

قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَأَمّا عَبْدُ اللّهِ بْنُ أُبَيّ فَأَقَامَ عَلَى شَرَفِهِ فِي قَوْمِهِ مُتَرَدّدًا، حَتّى غَلَبَهُ الْإِسْلَامُ فَدَخَلَ فِيهِ كَارِهًا.
.[خُرُوجُ قَوْمِ ابْنِ أُبَيّ عَلَيْهِ وَشِعْرُهُ فِي ذَلِكَ]:

قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فَحَدّثَنِي مُحَمّدُ بْنُ مُسْلِمٍ الزّهْرِيّ، عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزّبَيْرِ، عَنْ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدِ بْنِ حَارِثَةَ، حِبّ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ قَالَ رَكِبَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ إلَى سَعْدِ بْنِ عُبَادَةَ يَعُودُهُ مِنْ شَكْوٍ أَصَابَهُ عَلَى قَطِيفَةٌ فَدَكِيّةٌ مُخْتَطِمَةٌ بِحَبْلِ مِنْ لِيفٍ وَأَرْدَفَنِي رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ خَلْفَهُ. قَالَ فَمَرّ بِعَبْدِ اللّهِ بْنِ أُبَي ّ، وَهُوَ فِي ظِلّ مُزَاحِمٍ أُطُمِهِ. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: مُزَاحِمٌ اسْمُ الْأُطُمِ. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَحَوْلَهُ رِجَالٌ مِنْ قَوْمِهِ. فَلَمّا رَآهُ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ تَذَمّمَ مِنْ أَنْ يُجَاوِزَهُ حَتّى يَنْزِلَ فَنَزَلَ فَسَلّمَ ثُمّ جَلَسَ قَلِيلًا فَتَلَا الْقُرْآنَ وَدَعَا إلَى اللّهِ عَزّ وَجَلّ وَذَكّرَ بِاَللّهِ وَحَذّرَ وَبَشّرَ وَأَنْذَرَ قَالَ وَهُوَ زَامّ لَا يَتَكَلّمُ حَتّى إذَا فَرَغَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ مِنْ مَقَالَتِهِ قَالَ يَا هَذَا، إنّهُ لَا أَحْسَنُ مِنْ حَدِيثِك هَذَا إنْ كَانَ حَقّا فَاجْلِسْ فِي بَيْتِك فَمَنْ جَاءَك لَهُ فَحَدّثْهُ إيّاهُ ومَنْ لَمْ يَأْتِك فَلَا تَغْتُتْهُ بِهِ وَلَا تَأْتِهِ فِي مَجْلِسِهِ بِمَا يَكْرَهُ مِنْهُ. قَالَ فَقَالَ عَبْدُ اللّهِ بْنُ رَوَاحَةَ فِي رِجَالٍ كَانُوا عِنْدَهُ مِنْ الْمُسْلِمِينَ بَلَى، فَاغْشَنَا بِهِ وَأْتِنَا فِي مَجَالِسِنَا وَدُورِنَا وَبُيُوتِنَا، فَهُوَ وَاَللّهِ مِمّا نُحِبّ، وَمِمّا أَكْرَمَنَا اللّهُ بِهِ وَهَدَانَا لَهُ فَقَالَ عَبْدُ اللّهِ بْنُ أُبَيّ حِينَ رَأَى مِنْ خِلَافِ قَوْمِهِ مَا رَأَى:
مَتَى مَا يَكُنْ مَوْلَاك خَصْمَك لَا تَزَلْ ** تَذِلّ وَيَصْرَعْك الّذِينَ تُصَارِعُ

وَهَلْ يَنْهَضُ الْبَازِي بِغَيْرِ جَنَاحِهِ ** وَإِنْ جُذّ يَوْمًا رِيشُهُ فَهُوَ وَاقِعُ

قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: الْبَيْتُ الثّانِي عَنْ غَيْرِ ابْنِ إسْحَاقَ.
.[غَضَبُ الرّسُولِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ مِنْ كَلَامِ ابْنِ أُبَيّ]:

قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ الزّهْرِيّ، عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزّبَيْرِ، عَنْ أُسَامَةَ قَالَ وَقَامَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَدَخَلَ عَلَى سَعْدِ بْنِ عُبَادَةَ، وَفِي وَجْهِهِ مَا قَالَ عَدُوّ اللّهِ ابْنُ أُبَيّ، فَقَالَ وَاَللّهِ يَا رَسُولَ اللّهِ إنّي لَأَرَى فِي وَجْهِك شَيْئًا، لَكَأَنّك سَمِعْتَ شَيْئًا تَكْرَهُهُ قَالَ أَجَلْ ثُمّ أَخْبَرَهُ بِمَا قَالَ ابْنُ أُبَيّ: فَقَالَ سَعْدٌ يَا رَسُولَ اللّهِ اُرْفُقْ بِهِ فَوَاَللّهِ لَقَدْ جَاءَنَا اللّهُ بِك، وَإِنّا لَنَنْظِمُ لَهُ الْخَرَزَ لِنُتَوّجَهُ فَوَاَللّهِ إنّهُ لَيَرَى أَنْ قَدْ سَلَبْته مُلْكًا.
.ذِكْرُ مَنْ اعْتَلّ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ:

قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَحَدّثَنِي هِشَامُ بْنُ عُرْوَةَ، وَعُمَرُ بْنُ عَبْدِ اللّهِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزّبَيْرِ، عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللّهُ عَنْهَا، قَالَتْ لَمّا قَدِمَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ الْمَدِينَةَ، قَدِمَهَا وَهِيَ أَوْبَأَ أَرْضِ اللّهِ مِنْ الْحُمّى، فَأَصَابَ أَصْحَابَهُ مِنْهَا بَلَاءٌ وَسَقَمٌ فَصَرَفَ اللّهُ تَعَالَى ذَلِكَ عَنْ نَبِيّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ. قَالَتْ فَكَانَ أَبُو بَكْرٍ، وَعَامِرُ بْنُ فُهَيْرَةَ، وَبِلَالٍ، مَوْلَيَا أَبِي بَكْرٍ مَعَ أَبِي بَكْرٍ فِي بَيْتٍ وَاحِدٍ فَأَصَابَتْهُمْ الْحُمّى، فَدَخَلْتُ عَلَيْهِمْ أَعُودُهُمْ وَذَلِكَ قَبْلَ أَنْ يُضْرَبَ عَلَيْنَا الْحِجَابُ وَبِهِمْ مَا لَا يَعْلَمُهُ إلّا اللّهُ مِنْ شِدّةِ الْوَعْكِ فَدَنَوْتُ مِنْ أَبِي بَكْرٍ فَقُلْتُ لَهُ كَيْفَ تَجِدُك يَا أَبَتْ؟ فَقَالَ:
كُلّ امْرِئٍ مُصَبّحٌ فِي أَهْلِهِ ** وَالْمَوْتُ أَدْنَى مِنْ شِرَاكِ نَعْلِهِ

قَالَتْ فَقُلْت: وَاَللّهِ مَا يَدْرِي أَبِي مَا يَقُولُ. قَالَتْ ثُمّ دَنَوْتُ إلَى عَامِرِ بْنِ فُهَيْرَةَ فَقُلْت لَهُ كَيْفَ تَجِدُك يَا عَامِرُ؟ فَقَالَ:
لَقَدْ وَجَدْتُ الْمَوْتَ قَبْلَ ذَوْقِهِ ** إنّ الْجَبَانَ حَتْفُهُ مِنْ فَوْقِهِ

كُلّ امْرِئٍ مُجَاهَدٌ بِطَوْقِهِ ** كَالثّوْرِ يَحْمِي جِلْدَهُ بِرَوْقِهِ

بِطَوْقِهِ يُرِيدُ بِطَاقَتِهِ فِيمَا قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: قَالَتْ فَقُلْت: وَاَللّهِ مَا يَدْرِي عَامِرٌ مَا يَقُولُ قَالَتْ وَكَانَ بِلَالٌ إذَا تَرَكَتْهُ الْحُمّى اضْطَجَعَ بِفِنَاءِ الْبَيْتِ ثُمّ رَفَعَ عَقِيرَتَهُ فَقَالَ:
أَلَا لَيْتَ شِعْرِي هَلْ أَبِيتَن لَيْلَةً ** بِفَخّ وَحَوْلِي إذْخِرٌ وَجَلِيلُ

وَهَلْ أَرِدَنْ يَوْمًا مِيَاهَ مَجِنّةٍ ** وَهَلْ يَبْدُونَ لِي شَامَةٌ وَطُفَيْلُ

قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: شَامَةٌ وَطُفَيْلٌ جَبَلَانِ بِمَكّةَ.
.[دُعَاءُ الرّسُولِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بِنَقْلِ وَبَاءِ الْمَدِينَةِ إلَى مَهْيَعَةَ]:

قَالَتْ عَائِشَةُ رَضِيَ اللّهُ عَنْهَا: فَذَكَرْتُ لِرَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ مَا سَمِعْتُ مِنْهُمْ فَقُلْت: إنّهُمْ لَيَهْذُونَ وَمَا يَعْقِلُونَ مِنْ شِدّةِ الْحُمّى. قَالَتْ فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ اللّهُمّ حَبّبْ إلَيْنَا الْمَدِينَةَ كَمَا حَبّبْتَ إلَيْنَا مَكّةَ، أَوْ أَشَدّ وَبَارِكْ لَنَا فِي مُدّهَا وَصَاعِهَا وَانْقُلْ وَبَاءَهَا إلَى مَهْيَعَةَ ومَهْيَعَةُ، الْجُحْفَةُ.
.[مَا جَهَدَ الْمُسْلِمِينَ مِنْ الْوَبَاءِ]:

قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ شِهَابٍ الزّهْرِيّ، عَنْ عَبْدِ اللّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ: أَنّ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ لَمّا قَدِمَ الْمَدِينَةَ هُوَ وَأَصْحَابُهُ أَصَابَتْهُمْ حُمّى الْمَدِينَةِ، حَتّى جَهَدُوا مَرَضًا، وَصَرَفَ اللّهُ تَعَالَى ذَلِكَ عَنْ نَبِيّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ حَتّى كَانُوا مَا يُصَلّونَ إلّا وَهُمْ قُعُودٌ قَالَ فَخَرَجَ عَلَيْهِمْ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَهُمْ يُصَلّونَ كَذَلِكَ فَقَالَ لَهُمْ اعْلَمُوا أَنّ صَلَاةَ الْقَاعِدِ عَلَى النّصْفِ مِنْ صَلَاةِ الْقَائِمِ. قَالَ فَتَجَشّمَ الْمُسْلِمُونَ الْقِيَامَ عَلَى مَا بِهِمْ مِنْ الضّعْفِ وَالسّقَمِ الْتِمَاسَ الْفَضْلِ.
.[بَدْءُ قِتَالِ الْمُشْرِكِينَ]:

قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: ثُمّ إنّ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ تَهَيّأَ لِحَرْبِهِ قَامَ فِيمَا أَمَرَهُ اللّهُ بِهِ مِنْ جِهَادِ عَدُوّهِ وَقِتَالِ مَنْ أَمَرَهُ اللّهُ بِهِ مِمّنْ يَلِيهِ مِنْ الْمُشْرِكِينَ مُشْرِكِي الْعَرَبِ، وَذَلِكَ بَعْدَ أَنْ بَعَثَهُ اللّهُ تَعَالَى بِثَلَاثَ عَشْرَةَ سَنَةً.
.[تَارِيخُ الْهِجْرَةِ]:

بِالْإِسْنَادِ الْمُتَقَدّمِ عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ هِشَامٍ قَالَ حَدّثَنَا زِيَادُ بْنُ عَبْدِ اللّهِ الْبَكّائِيّ، عَنْ مُحَمّدِ بْنِ إسْحَاقَ الْمُطّلِبِيّ قَالَ قَدِمَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ الْمَدِينَةَ يَوْمَ الِاثْنَيْنِ حِينَ اشْتَدّ الضّحَاءُ وَكَادَتْ الشّمْسُ تَعْتَدِلَ لِثِنْتَيْ عَشْرَةَ لَيْلَةً مَضَتْ مِنْ شَهْرِ رَبِيعٍ الْأَوّلِ وَهُوَ التّارِيخُ فِيمَا قَالَ ابْنُ هِشَامٍ. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَرَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ يَوْمَئِذٍ ابْنُ ثَلَاثٍ وَخَمْسِينَ سَنَةً وَذَلِكَ بَعْدَ أَنْ بَعَثَهُ اللّهُ عَزّ وَجَلّ بِثَلَاثَ عَشْرَةَ سَنَةً فَأَقَامَ بِهَا بَقِيّةَ شَهْرِ رَبِيعٍ الْأَوّلِ وَشَهْرَ رَبِيعٍ الْآخَرِ وَجُمَادَيَيْنِ وَرَجَبًا، وَشَعْبَانَ وَشَهْرَ رَمَضَانَ وَشَوّالًا، وَذَا الْقِعْدَةِ وَذَا الْحَجّةِ- وَوَلِيَ تِلْكَ الْحَجّةَ الْمُشْرِكُونَ- وَالْمُحَرّمَ ثُمّ خَرَجَ غَازِيًا فِي صَفَرَ عَلَى رَأْسِ اثْنَيْ عَشَرَ شَهْرًا مِنْ مَقْدَمِهِ الْمَدِينَةَ. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَاسْتَعْمَلَ عَلَى الْمَدِينَةِ سَعْدَ بْنَ عُبَادَةَ.
.غَزْوَةُ وَدّانَ:

وَهِيَ أَوّلُ غَزَوَاتِهِ عليه الصلاة والسلام.
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: حَتّى بَلَغَ وَدّانَ، وَهِيَ غَزْوَةُ الْأَبْوَاءِ، يُرِيدُ قُرَيْشًا وَبَنِيّ ضَمْرَةَ بْنِ بَكْرِ بْنِ عَبْدِ مَنَاةَ بْنِ كِنَانَةَ فَوَادَعَتْهُ فِيهَا بَنُو ضَمْرَةَ، وَكَانَ الّذِي وَادَعَهُ مِنْهُمْ عَلَيْهِمْ مَخْشِيّ بْنُ عَمْرٍو الضّمَرِيّ، وَكَانَ سَيّدَهُمْ فِي زَمَانِهِ ذَلِكَ. ثُمّ رَجَعَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ إلَى الْمَدِينَةِ، وَلَمْ يَلْقَ كَيْدًا، فَأَقَامَ بِهَا بَقِيّةَ صَفَرٍ وَصَدْرًا مِنْ شَهْرِ رَبِيعٍ الْأَوّلِ. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَهِيَ أَوّلُ غَزْوَةٍ غَزَاهَا.
.سَرِيّةُ عُبَيْدَةَ بْنِ الْحَارِثِ وَهِيَ أَوّلُ رَايَةٍ عَقَدَهَا عَلَيْهِ الصّلَا ةُ وَالسّلَامُ:

قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَبَعَثَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فِي مُقَامِهِ ذَلِكَ بِالْمَدِينَةِ عُبَيْدَةَ بْنَ الْحَارِثِ بْنِ الْمُطّلِبِ بْنِ عَبْدِ مَنَافِ بْنِ قُصَيّ فِي سِتّينَ أَوْ ثَمَانِينَ رَاكِبًا مِنْ الْمُهَاجِرِينَ لَيْسَ فِيهِمْ مِنْ الْأَنْصَارِ أَحَدٌ، فَسَارَ حَتّى بَلَغَ مَاءً بِالْحِجَازِ بِأَسْفَلَ ثَنِيّةِ الْمُرّةِ، فَلَقِيَ بِهَا جَمْعًا عَظِيمًا مِنْ قُرَيْشٍ، فَلَمْ يَكُنْ بَيْنَهُمْ قِتَالٌ إلّا أَنّ سَعْدَ بْنَ أَبِي وَقّاصٍ قَدْ رُمِيَ يَوْمَئِذٍ بِسَهْمٍ فَكَانَ أَوّلَ سَهْمٍ رُمِيَ بِهِ فِي الْإِسْلَامِ.
.[مَنْ فَرّ مِنْ الْمُشْرِكِينَ إلَى الْمُسْلِمِينَ]:

ثُمّ وَفَرّ مِنْ الْمُشْرِكِينَ إلَى الْمُسْلِمِينَ الْمِقْدَادُ بْنُ عَمْرِو الْبَهْرَانِيّ حَلِيفُ بَنِي زُهْرَةَ، وَعُتْبَةُ بْنُ غَزْوَانَ بْنِ جَابِرٍ الْمَازِنِيّ حَلِيفُ بَنِي نَوْفَلِ بْنِ عَبْدِ مَنَافٍ، وَكَانَا مُسْلِمَيْنِ وَلَكِنّهُمَا خَرَجَا لِيَتَوَصّلَا بِالْكُفّارِ. وَكَانَ عَلَى الْقَوْمِ عِكْرِمَةُ بْنُ أَبِي جَهْلٍ. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: حَدّثَنِي ابْنُ أَبِي عَمْرِو بْنِ الْعَلَاءِ عَنْ أَبِي عَمْرٍو الْمَدَنِيّ أَنّهُ كَانَ عَلَيْهِمْ مِكْرَزُ بْنُ حَفْصِ بْنِ الْأَخْيَفِ أَحَدُ بَنِي مَعِيصِ بْنِ عَامِرِ بْنِ لُؤَيّ بْنِ غَالِبِ بْنِ فِهْرٍ.
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ الصّدّيقُ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُ فِي غَزْوَةِ عُبَيْدَةَ بْنِ الْحَارِثِ- قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَأَكْثَرُ أَهْلِ الْعِلْمِ بِالشّعْرِ يُنْكِرُ هَذِهِ الْقَصِيدَةَ لِأَبِي بَكْرٍ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُ:
أَمِنْ طَيْفِ سَلْمَى بِالْبِطَاحِ الدّمَائِثِ ** أَرِقْتَ وَأَمْرٍ فِي الْعَشِيرَةِ حَادِثِ

تَرَى مِنْ لُؤَيّ فِرْقَةً لَا يَصُدّهَا ** عَنْ الْكُفْرِ تَذْكِيرٌ وَلَا بَعْثُ بَاعِثِ

رَسُولٌ أَتَاهُمْ صَادِقٌ فَتَكَذّبُوا ** عَلَيْهِ وَقَالُوا: لَسْتَ فِينَا بِمَاكِثِ

إذَا مَا دَعَوْنَاهُمْ إلَى الْحَقّ أَدْبَرُوا ** وَهَرّوا هَرِيرَ الْمُجْحَرَاتِ اللّوَاهِثِ

فَكَمْ قَدْ مَتَتْنَا فِيهِمْ بِقَرَابَةٍ ** وَتَرْكُ التّقَى شَيْءٌ لَهُمْ غَيْرُ كَارِثِ

فَإِنْ يَرْجِعُوا عَنْ كُفْرِهِمْ وَعُقُوقِهِمْ ** فَمَا طَيّبَاتُ الْحِلّ مِثْلُ الْخَبَائِثِ

وَإِنْ يَرْكَبُوا طُغْيَانَهُمْ وَضَلَالَهُمْ ** فَلَيْسَ عَذَابُ اللّهِ عَنْهُمْ بِلَابِثِ

وَنَحْنُ أَنَاسٌ مِنْ ذُؤَابَةَ غَالِبٌ ** لَنَا الْعِزّ مِنْهَا فِي الْفُرُوعِ الْأَثَائِثِ

فَأُولِي بِرَبّ الرّاقِصَاتِ عَشِيّةً ** حَراجِيجُ تُحْدَى فِي السّرِيحِ الرّثَائِثِ

كَأُدْمِ ظِبَاءٍ حَوْلَ مَكّةَ عُكّفٍ ** يَرِدْنَ حِيَاضَ الْبِئْرِ ذَاتِ النّبَائِثِ

لَئِنْ لَمْ يُفِيقُوا عَاجِلًا مِنْ ضَلَالِهِمْ ** وَلَسْتُ إذَا آلَيْتُ قَوْلًا بِحَانِثِ

لَتَبْتَدِرَنّهُمْ غَارَةٌ ذَاتُ مَصْدَقٍ ** تُحَرّمُ أَطْهَارَ النّسَاءِ الطّوَامِثِ

تُغَادِرُ قَتْلَى تَعْصِبُ الطّيْرُ حَوْلَهُمْ ** وَلَا تَرْأَفُ الْكُفّارَ رَأَفَ ابْنِ حَارِثِ

فَأَبْلِغْ بَنِي سَهْمٍ لَدَيْك رِسَالَةً ** وَكُلّ كَفُورٍ يَبْتَغِي الشّرّ بَاحِثِ

فَإِنْ تَشْعَثُوا عِرْضِي عَلَى سُوءِ رَأْيكُمْ ** فَإِنّي مِنْ أَعْرَاضِكُمْ غَيْرُ شَاعِثِ

.[شِعْرُ ابْنِ الزّبَعْرَى فِي الرّدّ عَلَى أَبِي بَكْرٍ]:

فَأَجَابَهُ عَبْدُ اللّهِ بْنُ الزّبَعْرَى السّهْمِيّ، فَقَالَ:
أَمِنْ رَسْمِ دَارٍ أَقْفَرَتْ بِالْعَثَاعِثِ ** بَكَيْتَ بِعَيْنٍ دَمْعُهَا غَيْرُ لَابِثِ

وَمِنْ عَجَبِ الْأَيّامِ وَالدّهْرُ كُلّهُ ** لَهُ عَجَبٌ مِنْ سَابِقَاتٍ وَحَادِثِ

لِجَيْشٍ أَتَانَا ذِي عُرَامٍ يَقُودُهُ ** عُبَيْدَةُ يُدْعَى فِي الْهِيَاجِ ابْنَ حَارِثِ

لِنَتْرُكَ أَصْنَامًا بِمَكّةَ عُكّفَا ** مَوَارِيثَ مَوْرُوثٍ كَرِيمٍ لِوَارِثِ

فَلَمّا لَقِينَاهُمْ بِسُمْرِ رُدَيْنَةَ ** وَجُرْدٍ عِتَاقٍ فِي الْعَجَاجِ لَوَاهِثِ

وَبِيضٍ كَأَنّ الْمِلْحَ فَوْقَ مُتُونِهَا ** بِأَيْدِي كُمَاةٍ كَاللّيُوثِ الْعَوَائِثِ

نُقِيمُ بِهَا إصْعَارَ مَنْ كَانَ مَائِلًا ** وَنَشْفِي الذّحُولَ عَاجِلًا غَيْرَ لَابِثِ

فَكَفَوْا عَلَى خَوْفٍ شَدِيدٍ وَهَيْبَةٍ ** وَأَعْجَبَهُمْ أَمْرٌ لَهُمْ أَمْرُ رَائِثِ

وَلَوْ أَنّهُمْ لَمْ يَفْعَلُوا نَاحَ نِسْوَةٌ ** أَيَامَى لَهُمْ مِنْ بَيْنِ نَسْءٍ وَطَامِثِ

وَقَدْ غُودِرَتْ قَتْلَى يُخْبِرُ عَنْهُمْ ** حَفِيّ بِهِمْ أَوْ غَافِلٌ غَيْرُ بَاحِثِ

فَأَبْلِغْ أَبَا بَكْرٍ لَدَيْكَ رِسَالَةً ** فَمَا أَنْتَ عَنْ أَعْرَاضِ فِهْرٍ بِمَاكِثِ

وَلَمّا تَجِبْ مِنّي يَمِينٌ غَلِيظَةٌ ** تُجَدّدُ حَرْبًا حَلْفَةً غَيْرَ حَانِثِ

قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: تَرَكْنَا مِنْهَا بَيْتًا وَاحِدًا، وَأَكْثَرُ أَهْلِ الْعِلْمِ بِالشّعْرِ يُنْكِرُ هَذِهِ الْقَصِيدَةَ لِابْنِ الزّبَعْرَى.
.[شِعْرُ ابْنُ أَبِي وَقّاصٍ فِي رَمْيَتِهِ]:

قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَقَالَ سَعْدُ بْنُ أَبِي وَقّاصٍ فِي رَمْيَتِهِ تِلْكَ فِيمَا يَذْكُرُونَ:
أَلَا هَلْ أَتَى رَسُولَ اللّهِ أَنّي ** حَمَيْتُ صَحَابَتِي بِصُدُورِ نَبْلِي

أَذُودُ بِهَا أَوَائِلَهُمْ ذِيَادًا ** بِكُلّ حُزُونَةٍ وَبِكُلّ سَهْلِ

فَمَا يَعْتَدّ رَامٍ فِي عَدُوّ ** بِسَهْمٍ يَا رَسُولَ اللّهِ قَبْلِي

وَذَلِكَ أَنّ دِينَك دِينُ صِدْقٍ ** وَذُو حَقّ أَتَيْتَ بِهِ وَعَدْلِ

يُنَجّى الْمُؤْمِنُونَ بِهِ وَيُجْزَى ** بِهِ الْكُفّارُ عِنْدَ مَقَامِ مَهْلِ

فَمَهْلًا قَدْ غَوِيتَ فَلَا تَعِبْنِي ** غَوِيّ الْحَيّ وَيْحَك يَا بْنَ جَهْلِ

قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَأَكْثَرُ أَهْلِ الْعِلْمِ بِالشّعْرِ يُنْكِرُهَا لِسَعْدٍ.
.[أَوّلُ رَايَةٍ فِي الْإِسْلَامِ كَانَتْ لِعُبَيْدَةَ]:

قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فَكَانَتْ رَايَةُ عُبَيْدَةَ بْنِ الْحَارِثِ- فِيمَا بَلَغَنِي- أَوّلَ رَايَةٍ عَقَدَهَا رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فِي الْإِسْلَامِ لِأَحَدِ مِنْ الْمُسْلِمِينَ. وَبَعْضُ الْعُلَمَاءِ يَزْعُمُ أَنّ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بَعَثَهُ حِينَ أَقْبَلَ مِنْ غَزْوَةِ الْأَبْوَاءِ، قَبْلَ أَنْ يَصِلَ إلَى الْمَدِينَةِ.
.[سَرِيّةُ حَمْزَةَ إلَى سَيْفِ الْبَحْرِ]:

وَبَعَثَ فِي مَقَامِهِ ذَلِكَ حَمْزَةَ بْنَ عَبْدِ الْمُطّلِبِ بْنِ هَاشِمٍ، إلَى سَيْفِ الْبَحْرِ، مِنْ نَاحِيَةِ الْعِيصِ، فِي ثَلَاثِينَ رَاكِبًا مِنْ الْمُهَاجِرِينَ لَيْسَ فِيهِمْ مِنْ الْأَنْصَارِ أَحَدٌ. فَلَقِيَ أَبَا جَهْلِ بْنَ هِشَامٍ بِذَلِك السّاحِلِ فِي ثَلَاثِ مِئَةِ رَاكِبٍ مِنْ أَهْلِ مَكّةَ. فَحَجَزَ بَيْنَهُمْ مَجْدِيّ بْنُ عَمْرٍو الْجُهَنِيّ. وَكَانَ مُوَادِعًا لِلْفَرِيقَيْنِ جَمِيعًا، فَانْصَرَفَ بَعْضُ الْقَوْمِ عَنْ بَعْضٍ وَلَمْ يَكُنْ بَيْنَهُمْ قِتَالٌ.
.[كَانَتْ رَايَةُ حَمْزَةَ أَوّلَ رَايَةٍ فِي الْإِسْلَامِ وَشِعْرُ حَمْزَةَ فِي ذَلِكَ]:

وَبَعْضُ النّاسِ يَقُولُ كَانَتْ رَايَةُ حَمْزَةَ أَوّلَ رَايَةٍ عَقَدَهَا رَسُولُ اللّهِ لِأَحَدِ مِنْ الْمُسْلِمِينَ. وَذَلِكَ أَنّ بَعْثَهُ وَبَعْثَ عُبَيْدَةَ كَانَا مَعًا، فَشُبّهَ قَالَ فِي ذَلِكَ شِعْرًا يَذْكُرُ فِيهِ أَنّ رَايَتَهُ أَوّلُ رَايَةٍ عَقَدَهَا رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَإِنْ كَانَ حَمْزَةُ قَدْ قَالَ ذَلِكَ فَقَدْ صَدَقَ إنْ شَاءَ اللّهُ لَمْ يَكُنْ يَقُولُ إلّا حَقّا، فَاَللّهُ أَعْلَمُ أَيّ ذَلِكَ كَانَ. فَأَمّا مَا سَمِعْنَا مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ عِنْدَنَا. فَعُبَيْدَةُ بْنُ الْحَارِثِ أَوّلُ مَنْ عُقِدَ لَهُ. فَقَالَ حَمْزَةُ فِي ذَلِكَ فِيمَا يَزْعُمُونَ قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَأَكْثَرُ أَهْلِ الْعِلْمِ بِالشّعْرِ يُنْكِرُ هَذَا الشّعْرَ لِحَمْزَةِ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُ:
أَلَا يَا لَقَوْمِي لِلتّحَلّمِ وَالْجَهْلِ ** وَلِلنّقْصِ مِنْ رَأْيِ الرّجَالِ وَلِلْعَقْلِ

وَلِلرّاكِبِينَا بِالْمَظَالِمِ لَمْ نَطَأْ ** لَهُمْ حُرُمَاتٍ مِنْ سَوَامٍ وَلَا أَهْلِ

كَأَنّا تَبَلْنَاهُمْ وَلَا تَبْلَ عِنْدَنَا ** لَهُمْ غَيْرُ أَمْرٍ بِالْعَفَافِ وَبِالْعَدْلِ

وَأَمْرٍ بِإِسْلَامٍ فَلَا يَقْبَلُونَهُ ** وَيَنْزِلُ مِنْهُمْ مِثْلَ مَنْزِلَةِ الْهَزْلِ

فَمَا بَرِحُوا حَتّى انْتَدَبْتُ لِغَارَةِ ** لَهُمْ حَيْثُ حَلّوا ابْتَغَى رَاحَةَ الْفَضْلِ

بِأَمْرِ رَسُولِ اللّهِ أَوّلُ خَافِقٍ ** عَلَيْهِ لِوَاءٌ لَمْ يَكُنْ لَاحَ مِنْ قَبْلِي

لِوَاءٌ لَدَيْهِ النّصْرُ مِنْ ذِي كَرَامَةٍ ** إلَهٍ عَزِيزٍ فِعْلُهُ أَفَضْلُ الْفِعْلِ

عَشِيّةَ سَارُوا حَاشِدِينَ وَكُلّنَا ** مَرَاجِلُهُ مِنْ غَيْظِ أَصْحَابِهِ تَغْلِي

فَلَمّا تَرَاءَيْنَا أَنَاخُوا فَعَقّلُوا ** مَطَايَا وَعَقّلْنَا مُدَى غَرَضِ النّبْلِ

فَقُلْنَا لَهُمْ حَبْلُ الْإِلَهِ نَصِيرُنَا ** وَمَا لَكُمْ إلّا الضّلَالَةُ مِنْ حَبْلٍ

فَثَارَ أَبُو جَهْلٍ هُنَالِكَ بَاغِيًا ** فَخَابَ وَرَدّ اللّهُ كَيْدَ أَبِي جَهْلِ

وَمَا نَحْنُ إلّا فِي ثَلَاثِينَ رَاكِبًا ** وَهُمْ مِئَتَانِ بَعْدُ وَاحِدَةٍ فَضْلِ

فَيَا لَلُؤَىَ لَا تُطِيعُوا غُوَاتَكُمْ ** وَفِيئُوا إلَى الْإِسْلَامِ وَالْمَنْهَجِ السّهْلِ

فَإِنّي أَخَافُ أَنْ يُصَبّ عَلَيْكُمْ ** عَذَابٌ فَتَدْعُوَا بِالنّدَامَةِ وَالثّكْلِ
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://el-quran.ahlamontada.com
Admin
Admin
Admin


المساهمات : 4240
تاريخ التسجيل : 20/01/2018

كتاب السيرة النبوية۞ لعبد الملك ابن هشام ۞«المؤرخ» ​ - صفحة 2 Empty
مُساهمةموضوع: رد: كتاب السيرة النبوية۞ لعبد الملك ابن هشام ۞«المؤرخ» ​   كتاب السيرة النبوية۞ لعبد الملك ابن هشام ۞«المؤرخ» ​ - صفحة 2 Emptyالأحد مارس 04, 2018 6:30 am

كتاب السيرة النبوية۞ لعبد الملك ابن هشام ۞«المؤرخ» ​ - صفحة 2 SeeretIbenHisham

.[شِعْرُ ابْنُ أَبِي وَقّاصٍ فِي رَمْيَتِهِ]:

قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَقَالَ سَعْدُ بْنُ أَبِي وَقّاصٍ فِي رَمْيَتِهِ تِلْكَ فِيمَا يَذْكُرُونَ:
أَلَا هَلْ أَتَى رَسُولَ اللّهِ أَنّي ** حَمَيْتُ صَحَابَتِي بِصُدُورِ نَبْلِي

أَذُودُ بِهَا أَوَائِلَهُمْ ذِيَادًا ** بِكُلّ حُزُونَةٍ وَبِكُلّ سَهْلِ

فَمَا يَعْتَدّ رَامٍ فِي عَدُوّ ** بِسَهْمٍ يَا رَسُولَ اللّهِ قَبْلِي

وَذَلِكَ أَنّ دِينَك دِينُ صِدْقٍ ** وَذُو حَقّ أَتَيْتَ بِهِ وَعَدْلِ

يُنَجّى الْمُؤْمِنُونَ بِهِ وَيُجْزَى ** بِهِ الْكُفّارُ عِنْدَ مَقَامِ مَهْلِ

فَمَهْلًا قَدْ غَوِيتَ فَلَا تَعِبْنِي ** غَوِيّ الْحَيّ وَيْحَك يَا بْنَ جَهْلِ

قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَأَكْثَرُ أَهْلِ الْعِلْمِ بِالشّعْرِ يُنْكِرُهَا لِسَعْدٍ.
.[أَوّلُ رَايَةٍ فِي الْإِسْلَامِ كَانَتْ لِعُبَيْدَةَ]:

قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فَكَانَتْ رَايَةُ عُبَيْدَةَ بْنِ الْحَارِثِ- فِيمَا بَلَغَنِي- أَوّلَ رَايَةٍ عَقَدَهَا رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فِي الْإِسْلَامِ لِأَحَدِ مِنْ الْمُسْلِمِينَ. وَبَعْضُ الْعُلَمَاءِ يَزْعُمُ أَنّ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بَعَثَهُ حِينَ أَقْبَلَ مِنْ غَزْوَةِ الْأَبْوَاءِ، قَبْلَ أَنْ يَصِلَ إلَى الْمَدِينَةِ.
.[سَرِيّةُ حَمْزَةَ إلَى سَيْفِ الْبَحْرِ]:

وَبَعَثَ فِي مَقَامِهِ ذَلِكَ حَمْزَةَ بْنَ عَبْدِ الْمُطّلِبِ بْنِ هَاشِمٍ، إلَى سَيْفِ الْبَحْرِ، مِنْ نَاحِيَةِ الْعِيصِ، فِي ثَلَاثِينَ رَاكِبًا مِنْ الْمُهَاجِرِينَ لَيْسَ فِيهِمْ مِنْ الْأَنْصَارِ أَحَدٌ. فَلَقِيَ أَبَا جَهْلِ بْنَ هِشَامٍ بِذَلِك السّاحِلِ فِي ثَلَاثِ مِئَةِ رَاكِبٍ مِنْ أَهْلِ مَكّةَ. فَحَجَزَ بَيْنَهُمْ مَجْدِيّ بْنُ عَمْرٍو الْجُهَنِيّ. وَكَانَ مُوَادِعًا لِلْفَرِيقَيْنِ جَمِيعًا، فَانْصَرَفَ بَعْضُ الْقَوْمِ عَنْ بَعْضٍ وَلَمْ يَكُنْ بَيْنَهُمْ قِتَالٌ.
.[كَانَتْ رَايَةُ حَمْزَةَ أَوّلَ رَايَةٍ فِي الْإِسْلَامِ وَشِعْرُ حَمْزَةَ فِي ذَلِكَ]:

وَبَعْضُ النّاسِ يَقُولُ كَانَتْ رَايَةُ حَمْزَةَ أَوّلَ رَايَةٍ عَقَدَهَا رَسُولُ اللّهِ لِأَحَدِ مِنْ الْمُسْلِمِينَ. وَذَلِكَ أَنّ بَعْثَهُ وَبَعْثَ عُبَيْدَةَ كَانَا مَعًا، فَشُبّهَ قَالَ فِي ذَلِكَ شِعْرًا يَذْكُرُ فِيهِ أَنّ رَايَتَهُ أَوّلُ رَايَةٍ عَقَدَهَا رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَإِنْ كَانَ حَمْزَةُ قَدْ قَالَ ذَلِكَ فَقَدْ صَدَقَ إنْ شَاءَ اللّهُ لَمْ يَكُنْ يَقُولُ إلّا حَقّا، فَاَللّهُ أَعْلَمُ أَيّ ذَلِكَ كَانَ. فَأَمّا مَا سَمِعْنَا مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ عِنْدَنَا. فَعُبَيْدَةُ بْنُ الْحَارِثِ أَوّلُ مَنْ عُقِدَ لَهُ. فَقَالَ حَمْزَةُ فِي ذَلِكَ فِيمَا يَزْعُمُونَ قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَأَكْثَرُ أَهْلِ الْعِلْمِ بِالشّعْرِ يُنْكِرُ هَذَا الشّعْرَ لِحَمْزَةِ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُ:
أَلَا يَا لَقَوْمِي لِلتّحَلّمِ وَالْجَهْلِ ** وَلِلنّقْصِ مِنْ رَأْيِ الرّجَالِ وَلِلْعَقْلِ

وَلِلرّاكِبِينَا بِالْمَظَالِمِ لَمْ نَطَأْ ** لَهُمْ حُرُمَاتٍ مِنْ سَوَامٍ وَلَا أَهْلِ

كَأَنّا تَبَلْنَاهُمْ وَلَا تَبْلَ عِنْدَنَا ** لَهُمْ غَيْرُ أَمْرٍ بِالْعَفَافِ وَبِالْعَدْلِ

وَأَمْرٍ بِإِسْلَامٍ فَلَا يَقْبَلُونَهُ ** وَيَنْزِلُ مِنْهُمْ مِثْلَ مَنْزِلَةِ الْهَزْلِ

فَمَا بَرِحُوا حَتّى انْتَدَبْتُ لِغَارَةِ ** لَهُمْ حَيْثُ حَلّوا ابْتَغَى رَاحَةَ الْفَضْلِ

بِأَمْرِ رَسُولِ اللّهِ أَوّلُ خَافِقٍ ** عَلَيْهِ لِوَاءٌ لَمْ يَكُنْ لَاحَ مِنْ قَبْلِي

لِوَاءٌ لَدَيْهِ النّصْرُ مِنْ ذِي كَرَامَةٍ ** إلَهٍ عَزِيزٍ فِعْلُهُ أَفَضْلُ الْفِعْلِ

عَشِيّةَ سَارُوا حَاشِدِينَ وَكُلّنَا ** مَرَاجِلُهُ مِنْ غَيْظِ أَصْحَابِهِ تَغْلِي

فَلَمّا تَرَاءَيْنَا أَنَاخُوا فَعَقّلُوا ** مَطَايَا وَعَقّلْنَا مُدَى غَرَضِ النّبْلِ

فَقُلْنَا لَهُمْ حَبْلُ الْإِلَهِ نَصِيرُنَا ** وَمَا لَكُمْ إلّا الضّلَالَةُ مِنْ حَبْلٍ

فَثَارَ أَبُو جَهْلٍ هُنَالِكَ بَاغِيًا ** فَخَابَ وَرَدّ اللّهُ كَيْدَ أَبِي جَهْلِ

وَمَا نَحْنُ إلّا فِي ثَلَاثِينَ رَاكِبًا ** وَهُمْ مِئَتَانِ بَعْدُ وَاحِدَةٍ فَضْلِ

فَيَا لَلُؤَىَ لَا تُطِيعُوا غُوَاتَكُمْ ** وَفِيئُوا إلَى الْإِسْلَامِ وَالْمَنْهَجِ السّهْلِ

فَإِنّي أَخَافُ أَنْ يُصَبّ عَلَيْكُمْ ** عَذَابٌ فَتَدْعُوَا بِالنّدَامَةِ وَالثّكْلِ


.[شِعْرُ أَبِي جَهْلٍ فِي الرّدّ عَلَى حَمْزَةَ]:

فَأَجَابَهُ أَبُو جَهْلِ بْنُ هِشَامٍ فَقَالَ:
عَجِبْتُ لِأَسْبَابِ الْحَفِيظَةِ وَالْجَهْلِ ** وَلِلشّاغِبِينَ بِالْخِلَافِ وَبِالْبُطْلِ

وَلِلتّارِكِينَ مَا وَجَدْنَا جُدُودَنَا ** عَلَيْهِ ذَوِي الْأَحْسَابِ وَالسّؤْدُدِ الْجَزْلِ

أَتَوْنَا بِإِفْكٍ كَيْ يُضِلّوا عُقُولَنَا ** وَلَيْسَ مُضِلّا إفْكُهُمْ عَقْلَ ذِي عَقْلِ

فَقُلْنَا لَهُمْ يَا قَوْمَنَا لَا تُخَالِفُوا ** عَلَى قَوْمِكُمْ إنّ الْخِلَافَ مُدَى الْجَهْلِ

فَإِنّكُمْ إنْ تَفْعَلُوا تَدْعُ نِسْوَةٌ ** لَهُنّ بَوَاكٍ بِالرّزِيّةِ وَالثّكْلِ

وَإِنْ تَرْجِعُوا عَمّا فَعَلْتُمْ فَإِنّنَا ** بَنُو عَمّكُمْ أَهْلُ الْحَفَائِظِ وَالْفَضْلِ

فَقَالُوا لَنَا: إنّا وَجَدْنَا مُحَمّدًا ** رِضًا لِذَوِي الْأَحْلَامِ مِنّا وَذِي الْعَقْلِ

فَلَمّا أَبَوْا إلّا الْخِلَافَ وَزَيّنُوا ** جِمَاعَ الْأُمُورِ بِالْقَبِيحِ مِنْ الْفِعْلِ

تَيَمّمْتُهُمْ بِالسّاحِلَيْنِ بِغَارَةٍ ** لِأَتْرُكَهُمْ كَالْعَصْفِ لَيْسَ بِذِي أَصْلِ

فَوَزّعَنِي مَجْدِيّ عَنْهُمْ وَصُحْبَتِي ** وَقَدْ وَازَرُونِي بِالسّيُوفِ وَبِالنّبْلِ

لِإِلّ عَلَيْنَا وَاجِبٍ لَا نُضَيّعُهُ ** أَمِينٌ قَوَاهُ غَيْرُ مُنْتَكِثِ الْحَبْلِ

فَلَوْلَا ابْنُ عَمْرٍو كُنْتُ غَادَرْتُ مِنْهُمْ ** مَلَاحِمَ لِلطّيْرِ الْعُكُوفِ بِلَا تَبْلِ

وَلَكِنّهُ آلَى بِإِلّ فَقَلّصَتْ ** بِأَيْمَانِنَا حَدّ السّيُوفِ عَنْ الْقَتْلِ

فَإِنْ تُبْقِنِي الْأَيّامُ أَرْجِعْ عَلَيْهِمْ ** بِبِيضٍ رِقَاقِ الْحَدّ مُحْدَثَةِ الصّقْلِ

بِأَيْدِي حُمَاةٍ مِنْ لُؤَيّ بْنِ غَالِبٍ ** كِرَامٍ الْمَسَاعِي فِي الْجُدُوبَةِ وَالْمَحْلِ

قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَأَكْثَرُ أَهْلِ الْعِلْمِ بِالشّعْرِ يُنْكِرُ هَذَا الشّعْرَ لِأَبِي جَهْلٍ.
.[غَزْوَةُ بُوَاطٍ]:

قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: ثُمّ غَزَا رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فِي شَهْرِ رَبِيعٍ الْأَوّلِ يُرِيدُ قُرَيْشًا. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَاسْتَعْمَلَ عَلَى الْمَدِينَةِ السّائِبَ بْنَ عُثْمَانَ بْنِ مَظْعُونٍ. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: حَتّى بَلَغَ بُوَاطٍ، مِنْ نَاحِيَةِ رَضْوَى، ثُمّ رَجَعَ إلَى الْمَدِينَةِ وَلَمْ يَلْقَ كَيْدًا، فَلَبِثَ بِهَا بَقِيّةَ شَهْرِ رَبِيعٍ الْآخَرِ وَبَعْضَ جُمَادَى الْأُولَى.
.[غَزْوَةُ الْعَشِيرَةِ]:

ثُمّ غَزَا قُرَيْشًا، فَاسْتَعْمَلَ عَلَى الْمَدِينَةِ أَبَا سَلَمَةَ بْنَ عَبْدِ الْأَسَدِ فِيمَا قَالَ ابْنُ هِشَامٍ.
.[الطّرِيقُ إلَى الْعَشِيرَةِ]:

قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فَسَلَكَ عَلَى نَقْبِ بَنِي دِينَارٍ، ثُمّ عَلَى فَيْفَاءِ الْخَبَارِ فَنَزَلَ تَحْتَ شَجَرَةٍ بِبَطْحَاءِ ابْنِ أَزْهَرَ يُقَالُ لَهَا: ذَاتُ السّاقِ فَصَلّى عِنْدَهَا. فَثَمّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَصُنِعَ لَهُ عِنْدَهَا طَعَامٌ فَأَكَلَ مِنْهُ وَأَكَلَ النّاسُ مَعَهُ فَمَوْضِعُ أَثَافِيّ الْبُرْمَةِ مَعْلُومٌ هُنَالِكَ وَاسْتُقِيَ لَهُ مِنْ مَاءٍ بِهِ يُقَالُ لَهُ الْمُشْتَرِبُ، ثُمّ ارْتَحَلَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَتَرَكَ الْخَلَائِقَ بِيَسَارِ وَسَلَكَ شُعْبَةً يُقَالُ لَهَا: شُعْبَةُ عَبْدِ اللّهِ، وَذَلِكَ اسْمُهَا الْيَوْمُ ثُمّ صَبّ لِلْيَسَارِ حَتّى هَبَطَ يَلَيْلَ، فَنَزَلَ بِمُجْتَمَعِهِ وَمُجْتَمَعِ الضّبُوعَةِ، وَاسْتَقَى مِنْ بِئْرٍ بِالضّبُوعَةِ ثُمّ سَلَكَ الْفَرْشَ فَرْشَ مَلَلٍ، حَتّى لَقِيَ الطّرِيقَ بِصُحَيْرَاتِ الْيَمَامِ ثُمّ اعْتَدَلَ بِهِ الطّرِيقُ حَتّى نَزَلَ الْعُشَيْرَةَ مِنْ بَطْن يَنْبُعَ. فَأَقَامَ بِهَا جُمَادَى الْأُولَى وَلَيَالِيَ مِنْ جُمَادَى الْآخِرَةِ وَدَعَا فِيهَا بَنِي مُدْلِجٍ وَحُلَفَاءَهُمْ مِنْ بَنِي ضَمْرَةَ، ثُمّ رَجَعَ إلَى الْمَدِينَةِ، وَلَمْ يَلْقَ كَيْدًا.
.[تَكْنِيَةُ الرّسُولِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ لِعَلِيّ بِأَبِي تُرَابٍ]:

وَفِي تِلْكَ الْغَزْوَةِ قَالَ لِعَلِيّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ عَلَيْهِ السّلَامُ مَا قَالَ. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فَحَدّثَنِي يَزِيدُ بْنُ مُحَمّدِ بْنِ خَيْثَمٍ الْمُحَارِبِيّ، عَنْ مُحَمّدِ بْنِ كَعْبٍ الْقُرَظِيّ، عَنْ مُحَمّدِ بْنِ خَيْثَمٍ أَبِي يَزِيدَ عَنْ عَمّارِ بْنِ يَاسِرٍ، قَالَ كُنْت أَنَا وَعَلِيّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ رَفِيقَيْنِ فِي غَزْوَةِ الْعُشَيْرَةِ فَلَمّا نَزَلَهَا رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَأَقَامَ بِهَا؛ رَأَيْنَا أُنَاسًا مِنْ بَنِي مُدْلِج ٍ يَعْمَلُونَ فِي عَيْنٍ لَهُمْ وَفِي نَخْلٍ؛ فَقَالَ لِي عَلِيّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ: يَا أَبَا الْيَقْظَانِ هَلْ لَك فِي أَنْ تَأْتِيَ هَؤُلَاءِ الْقَوْمَ فَنَنْظُرُ كَيْفَ يَعْمَلُونَ؟ قَالَ قُلْت: إنْ شِئْتَ قَالَ فَجِئْنَاهُمْ فَنَظَرْنَا إلَى عَمَلِهِمْ سَاعَةً ثُمّ غَشِيَنَا النّوْمُ. فَانْطَلَقْتُ أَنَا وَعَلِيّ حَتّى اضْطَجَعْنَا فِي صُورٍ مِنْ النّخْلِ وَفِي دَقْعَاءَ مِنْ التّرَابِ فَنِمْنَا، فَوَاَللّهِ مَا أَهَبّنَا إلّا رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ يُحَرّكُنَا بِرِجْلِهِ. وَقَدْ تَتَرّبْنَا مِنْ تِلْكَ الدّقْعَاءِ الّتِي نِمْنَا فِيهَا، فَيَوْمَئِذٍ قَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ لِعَلِيّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ مَا لَكَ يَا أَبَا تُرَابٍ؟ لِمَا يَرَى عَلَيْهِ مِنْ التّرَابِ ثُمّ قَالَ أَلَا أُحَدّثُكُمَا بِأَشْقَى النّاسِ رَجُلَيْنِ؟ قُلْنَا: بَلَى يَا رَسُولَ اللّهِ قَالَ أُحَيْمِرُ ثَمُودٍ الّذِي عَقَرَ النّاقَةَ وَاَلّذِي يَضْرِبُك يَا عَلِيّ عَلَى هَذِهِ- وَوَضَعَ يَدَهُ عَلَى قَرْنِهِ- حَتّى يَبُلّ مِنْهَا هَذِهِ. وَأَخَذَ بِلِحْيَتِهِ قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَقَدْ حَدّثَنِي بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ أَنّ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ إنّمَا سَمّى عَلِيّا أَبَا تُرَابٍ، أَنّهُ كَانَ إذَا عَتَبَ عَلَى فَاطِمَةَ فِي شَيْءٍ لَمْ يُكَلّمْهَا، وَلَمْ يَقُلْ لَهَا شَيْئًا تَكْرَهُهُ إلّا أَنّهُ يَأْخُذُ تُرَابًا فَيَضَعُهُ عَلَى رَأْسِهِ. قَالَ فَكَانَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ إذَا رَأَى عَلَيْهِ التّرَابَ عَرَفَ أَنّهُ عَاتِبٌ عَلَى فَاطِمَةَ فَيَقُولُ مَا لَك يَا أَبَا تُرَابٍ؟ فَاَللّهُ أَعْلَمُ أَيّ ذَلِكَ كَانَ.
.[سَرِيّةُ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقّاصٍ]:

قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَقَدْ كَانَ بَعَثَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فِيمَا بَيْنَ ذَلِكَ مِنْ غَزْوَةِ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقّاصٍ، فِي ثَمَانِيَةِ رَهْطٍ مِنْ الْمُهَاجِرِينَ فَخَرَجَ حَتّى بَلَغَ الْخَرّارَ مِنْ أَرْضِ الْحِجَازِ، ثُمّ رَجَعَ وَلَمْ يَلْقَ كَيْدًا. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: ذَكَرَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ أَنّ بَعْثَ سَعْدٍ هَذَا كَانَ بَعْدَ حَمْزَةَ.
.[غَزْوَةُ سَفْوَانَ وَهِيَ غَزْوَةُ بَدْرٍ الْأُولَى]:

قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بِالْمَدِينَةِ حِينَ قَدِمَ مِنْ غَزْوَةِ الْعُشَيْرَةِ إلّا لَيَالِيَ قَلَائِلَ لَا تَبْلُغُ الْعَشْرَ حَتّى أَغَارَ كُرْزُ بْنُ جَابِرٍ الْفِهْرِيّ عَلَى سَرْحِ الْمَدِينَةِ، فَخَرَجَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فِي طَلَبِهِ وَاسْتَعْمَلَ عَلَى الْمَدِينَةِ زَيْدَ بْنَ حَارِثَةَ، فِيمَا قَالَ ابْنُ هِشَامٍ.
.[فَوَاتُ كُرْزٍ وَالرّجُوعُ مِنْ غَيْرِ حَرْبٍ]:

قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: حَتّى بَلَغَ وَادِيًا، يُقَالُ لَهُ سَفْوَانُ، مِنْ نَاحِيَةِ بَدْرٍ وَفَاتَهُ كُرْزُ بْنُ جَابِرٍ، فَلَمْ يُدْرِكْهُ وَهِيَ غَزْوَةُ بَدْرٍ الْأُولَى. ثُمّ رَجَعَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ إلَى الْمَدِينَةِ، فَأَقَامَ بِهَا بَقِيّةَ جُمَادَى الْآخِرَةِ وَرَجَبًا وَشَعْبَانَ.
سَرِيّةُ عَبْدِ اللّهِ بْنِ جَحْشٍ وَنُزُولُ {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الشّهْرِ الْحَرَامِ}
وَبَعَثَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ عَبْدَ اللّهِ بْنَ جَحْشِ بْنِ رِئَابٍ الْأَسَدِيّ فِي رَجَبٍ مَقْفَلَهُ مِنْ بَدْرٍ الْأُولَى، وَبَعَثَ مَعَهُ ثَمَانِيَةَ رَهْطٍ مِنْ الْمُهَاجِرِينَ لَيْسَ فِيهِمْ مِنْ الْأَنْصَارِ أَحَدٌ، وَكَتَبَ لَهُ كِتَابًا وَأَمَرَهُ أَنْ لَا يَنْظُرَ فِيهِ حَتّى يَسِيرَ يَوْمَيْنِ ثُمّ يَنْظُرَ فِيهِ فَيَمْضِيَ لِمَا أَمَرَهُ بِهِ وَلَا يَسْتَكْرِهَ مِنْ أَصْحَابِهِ أَحَدًا.
.[أَصْحَابُ ابْنِ جَحْشٍ فِي سَرِيّتِهِ]:

وَكَانَ أَصْحَابُ عَبْدِ اللّهِ بْنِ جَحْشٍ مِنْ الْمُهَاجِرِينَ. ثُمّ مِنْ بَنِي عَبْدِ شَمْسِ بْنِ عَبْدِ مَنَافٍ أَبُو حُذَيْفَةَ بْنُ عُتْبَةَ بْنِ رَبِيعَةَ بْنِ عَبْدِ شَمْسٍ، وَمِنْ حَلْفَائِهِمْ عَبْدُ اللّهِ بْنُ جَحْشٍ، وَهُوَ أَمِيرُ الْقَوْمِ وَعُكّاشَةُ بْنُ مِحْصَنِ بْنِ حُرْثَانَ أَحَدُ بَنِي أَسَدِ خُزَيْمَةَ، حَلِيفٌ لَهُمْ. وَمِنْ بَنِي نَوْفَلِ بْنِ عَبْدِ مَنَافٍ عُتْبَةُ بْنُ غَزْوَانَ بْنِ جَابِرٍ حَلِيفٌ لَهُمْ. وَمِنْ بَنِي زُهْرَةَ بْنِ كِلَابٍ: سَعْدُ بْنُ أَبِي وَقّاصٍ. وَمِنْ بَنِي عَدِيّ بْنِ كَعْبٍ عَامِرُ بْنُ رَبِيعَةَ، حَلِيفٌ لَهُمْ مِنْ عَنْزِ بْنِ وَائِلٍ، وَوَاقِدُ بْنُ عَبْدِ اللّهِ بْنِ عَبْدِ مَنَافِ بْنِ عَرِينِ بْنِ ثَعْلَبَةَ بْنِ يَرْبُوعٍ، أَحَدُ بَنِي تَمِيمٍ حَلِيفٌ لَهُمْ وَخَالِدُ بْنُ الْبُكَيْرِ أَحَدُ بَنِي سَعْدِ بْنِ لَيْثٍ حَلِيفٌ لَهُمْ. وَمِنْ بَنِي الْحَارِثِ بْنِ فِهْرٍ: سُهَيْلُ بْنُ بَيْضَاءَ.
.[فَضّ ابْنِ جَحْشٍ كِتَابَ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَمُضِيّهُ لِطَيّتِهِ]:

فَلَمّا سَارَ عَبْدُ اللّهِ بْنُ جَحْشٍ يَوْمَيْنِ فَتَحَ الْكِتَابَ فَنَظَرَ فِيهِ فَإِذَا فِيهِ إذَا نَظَرْت فِي كِتَابِي هَذَا فَامْضِ حَتّى تَنْزِلَ نَخْلَةَ، بَيْنَ مَكّةَ وَالطّائِفِ، فَتَرَصّدْ بِهَا قُرَيْشًا وَتَعَلّمْ لَنَا مِنْ أَخْبَارِهِمْ فَلَمّا نَظَرَ عَبْدُ اللّهِ بْنُ جَحْشٍ فِي الْكِتَابِ قَالَ سَمْعًا وَطَاعَةً ثُمّ قَالَ لِأَصْحَابِهِ قَدْ أَمَرَنِي رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ أَنْ أَمْضِيَ إلَى نَخْلَةَ، أَرْصُدَ بِهَا قُرَيْشًا، حَتّى آتِيَهُ مِنْهُمْ بِخَبَرِ وَقَدْ نَهَانِي أَنْ أَسْتَكْرِهَ أَحَدًا مِنْكُمْ. فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ يُرِيدُ الشّهَادَةَ وَيَرْغَبُ فِيهَا فَلْيَنْطَلِقْ وَمَنْ كَرِهَ ذَلِكَ فَلْيَرْجِعْ فَأَمّا أَنَا فَمَاضٍ لِأَمْرِ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَمَضَى وَمَضَى مَعَهُ أَصْحَابُهُ لَمْ يَتَخَلّفْ عَنْهُ مِنْهُمْ أَحَدٌ.
.[تَخَلّفُ الْقَوْمِ بِمَعْدِنَ]:

وَسَلَكَ عَلَى الْحِجَازِ، حَتّى إذَا كَانَ بِمَعْدِنَ فَوْقَ الْفُرُعِ، يُقَالُ لَهُ بَحْرَانُ، أَضَلّ سَعْدُ بْنُ أَبِي وَقّاصٍ، وَعُتْبَةُ بْنُ غَزْوَانَ بَعِيرًا لَهُمَا، كَانَا يَعْتَقِبَانِهِ. فَتَخَلّفَا عَلَيْهِ فِي طَلَبِهِ. وَمَضَى عَبْدُ اللّهِ بْنُ جَحْشٍ وَبَقِيّةُ أَصْحَابِهِ حَتّى نَزَلَ بِنَخْلَةَ فَمَرّتْ بِهِ عِيرٌ لِقُرَيْشِ تَحْمِلُ زَبِيبًا وَأَدَمًا، وَتِجَارَةً مِنْ تِجَارَةِ قُرَيْشٍ، فِيهَا عَمْرُو بْنُ الْحَضْرَمِيّ.
.[اسْمُ الْحَضْرَمِيّ وَنَسَبُهُ]:

قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَاسْمُ الْحَضْرَمِيّ عَبْدُ اللّهِ بْنُ عَبّادٍ، وَيُقَالُ مَالِكُ بْنُ عَبّادٍ أَحَدُ الصّدِفِ، وَاسْمُ الصّدِفِ عَمْرُو بْنُ مَالِكٍ، أَحَدُ السّكُونِ بْنِ أَشْرَسَ بْنِ كِنْدَةَ، وَيُقَالُ كِنْدِيّ. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَعُثْمَانُ بْنُ عَبْدِ اللّهِ بْنِ الْمُغِيرَةِ، وَأَخُوهُ نَوْفَلُ بْنُ عَبْدِ اللّهِ الْمَخْزُومِيّانِ وَالْحَكَمُ بْنُ كَيْسَانَ، مَوْلَى هِشَامِ بْنِ الْمُغِيرَةِ.
.[مَا جَرَى بَيْنَ الْفَرِيقَيْنِ وَمَا خَلَصَ بِهِ ابْنُ جَحْشٍ]:

فَلَمّا رَآهُمْ الْقَوْمُ هَابُوهُمْ وَقَدْ نَزَلُوا قَرِيبًا مِنْهُمْ فَأَشْرَفَ لَهُمْ عُكّاشَةُ بْنُ مُحْصَنٍ وَكَانَ قَدْ حَلَقَ رَأْسَهُ فَلَمّا رَأَوْهُ أَمِنُوا، وَقَالُوا عَمّارٌ لَا بَأْسَ عَلَيْكُمْ مِنْهُمْ. وَتَشَاوَرَ الْقَوْمُ فِيهِمْ وَذَلِكَ فِي آخِرِ يَوْمٍ مِنْ رَجَبٍ فَقَالَ الْقَوْمُ وَاَللّهِ لَئِنْ تَرَكْتُمْ الْقَوْمَ هَذِهِ اللّيْلَةَ لَيَدْخُلُنّ الْحَرَمَ، فَلَيَمْتَنِعُنّ مِنْكُمْ بِهِ وَلَئِنْ قَتَلْتُمُوهُمْ لَتَقْتُلُنّهُمْ فِي الشّهْرِ الْحَرَامِ فَتَرَدّدَ الْقَوْمُ وَهَابُوا الْإِقْدَامَ عَلَيْهِمْ ثُمّ شَجّعُوا أَنْفُسَهُمْ عَلَيْهِمْ وَأَجْمَعُوا عَلَى قَتْلِ مَنْ قَدَرُوا عَلَيْهِ مِنْهُمْ وَأَخْذِ مَا مَعَهُمْ. فَرَمَى وَاقِدُ بْنُ عَبْدِ اللّهِ التّمِيمِيّ عَمْرَو بْنَ الْحَضْرَمِيّ بِسَهْمِ فَقَتَلَهُ وَاسْتَأْسَرَ عُثْمَانَ بْنَ عَبْدِ اللّهِ، وَالْحَكَمَ ابْنَ كَيْسَانَ وَأَفْلَتَ الْقَوْمَ نَوْفَلُ بْنُ عَبْدِ اللّهِ فَأَعْجَزَهُمْ. وَأَقْبَلَ عَبْدُ اللّهِ بْنُ جَحْشٍ وَأَصْحَابُهُ بِالْعِيرِ وَبِالْأَسِيرَيْنِ حَتّى قَدِمُوا عَلَى رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ الْمَدِينَةَ. وَقَدْ ذَكَرَ بَعْضُ آلِ عَبْدِ اللّهِ بْنِ جَحْشٍ: أَنّ عَبْدَ اللّهِ قَالَ لِأَصْحَابِهِ إنّ لِرَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ مِمّا غَنِمْنَا الْخُمُسَ وَذَلِكَ قَبْلَ أَنْ يَفْرِضَ اللّهُ تَعَالَى الْخُمُسَ مِنْ الْمَغَانِمِ- فَعَزَلَ لِرَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ خُمُسَ الْعِيرِ وَقَسّمَ سَائِرَهَا بَيْنَ أَصْحَابِهِ.
.[نُكْرَانُ الرّسُولِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ عَلَى ابْنِ جَحْشٍ قِتَالَهُ فِي الشّهْرِ الْحَرَامِ]:

قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فَلَمّا قَدمِوا عَلَى رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ الْمَدِينَةَ، قَالَ مَا أَمَرْتُكُمْ بِقِتَالٍ فِي الشّهْرِ الْحَرَامِ. فَوَقّفَ الْعِيرَ وَالْأَسِيرَيْنِ. وَأَبَى أَنْ يَأْخُذَ مِنْ ذَلِكَ شَيْئًا فَلَمّا قَالَ ذَلِكَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ سُقِطَ فِي أَيْدِي الْقَوْمِ وَقَالَتْ قُرَيْشٌ قَدْ اسْتَحَلّ مُحَمّدٌ وَأَصْحَابُهُ الشّهْرَ الْحَرَامَ وَسَفَكُوا فِيهِ الدّمَ وَأَخَذُوا فِيهِ الْأَمْوَالَ وَأَسَرُوا فِيهِ الرّجَالَ فَقَالَ مَنْ يَرُدّ عَلَيْهِمْ مِنْ الْمُسْلِمِينَ مِمّنْ كَانَ بِمَكّةَ إنّمَا أَصَابُوا مَا أَصَابُوا فِي شَعْبَانَ.
.[تَوَقّعَ الْيَهُودُ بِالْمُسْلِمِينَ الشّرّ]:

وَقَالَتْ يَهُودُ- تَفَاءَلَ بِذَلِكَ عَلَى رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ- عَمْرُو بْنُ الْحَضْرَمِيّ قَتَلَهُ وَاقِدُ بْنُ عَبْدِ اللّهِ، عَمْرٌو، عَمُرَتْ الْحَرْبُ وَالْحَضْرَمِيّ، حَضَرَتْ الْحَرْبُ وَوَاقِدُ بْنُ عَبْدِ اللّهِ، وَقَدَتْ الْحَرْبُ. فَجَعَلَ اللّهُ ذَلِكَ عَلَيْهِمْ لَا لَهُمْ.
.[نُزُولُ الْقُرْآنِ فِي فِعْلِ ابْنِ جَحْشٍ وَإِقْرَارُ الرّسُولِ لَهُ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فِي فِعْلِهِ]:

فَلَمّا أَكْثَرَ النّاسُ فِي ذَلِكَ أَنْزَلَ اللّهُ عَلَى رَسُولِهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الشّهْرِ الْحَرَامِ قِتَالٍ فِيهِ قُلْ قِتَالٌ فِيهِ كَبِيرٌ وَصَدّ عَنْ سَبِيلِ اللّهِ وَكُفْرٌ بِهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَإِخْرَاجُ أَهْلِهِ مِنْهُ أَكْبَرُ عِنْدَ اللّهِ} أَيْ إنْ كُنْتُمْ قَتَلْتُمْ فِي الشّهْرِ الْحَرَامِ فَقَدْ صَدّوكُمْ عَنْ سَبِيلِ اللّهِ مَعَ الْكُفْرِ بِهِ وَعَنْ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ، وَإِخْرَاجُكُمْ مِنْهُ وَأَنْتُمْ أَهْلُهُ أَكْبَرُ عِنْدَ اللّهِ مِنْ قَتْلِ مَنْ قَتَلْتُمْ مِنْهُمْ {وَالْفِتْنَةُ أَكْبَرُ مِنَ الْقَتْلِ} أَيْ قَدْ كَانُوا يَفْتِنُونَ الْمُسْلِمَ فِي دِينِهِ حَتّى يَرُدّوهُ إلَى الْكُفْرِ بَعْدَ إيمَانِهِ فَذَلِكَ أَكْبَرُ عِنْدَ اللّهِ مِنْ الْقَتْلِ {وَلَا يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتّى يَرُدّوكُمْ عَنْ دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُوا} أَيْ ثُمّ هُمْ مُقِيمُونَ عَلَى أَخْبَثِ ذَلِكَ وَأَعْظَمِهِ غَيْرَ تَائِبِينَ وَلَا نَازِعِينَ. فَلَمّا نَزَلَ الْقُرْآنُ بِهَذَا مِنْ الْأَمْرِ وَفَرّجَ اللّهُ تَعَالَى عَنْ الْمُسْلِمِينَ مَا كَانُوا فِيهِ مِنْ الشّفَقِ قَبَضَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ الْعِيرَ وَالْأَسِيرَيْنِ وَبَعَثَتْ إلَيْهِ قُرَيْشٌ فِي فِدَاءِ عُثْمَانَ بْنِ عَبْدِ اللّهِ وَالْحَكَمِ ابْنِ كَيْسَانَ فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ لَا نُفْدِيكُمُوهَا حَتّى يَقْدَمَ صَاحِبَانَا- يَعْنِي سَعْدَ بْنَ أَبِي وَقّاصٍ، وَعُتْبَةَ بْنَ غَزْوَانَ- فَإِنّا نَخْشَاكُمْ عَلَيْهِمَا، فَإِنْ تَقْتُلُوهُمَا، نَقْتُلْ صَاحِبَيْكُمْ فَقَدِمَ سَعْدٌ وَعُتْبَةُ فَأُفْدَاهُمَا رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ مِنْهُمْ.
.[إسْلَامُ ابْنِ كَيْسَانَ وَمَوْتُ عُثْمَانَ كَافِرًا]:

الْحَكَمُ بْنُ كَيْسَانَ فَأَسْلَمَ فَحَسُنَ إسْلَامُهُ وَأَقَامَ عِنْدَ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ حَتّى قُتِل َ يَوْمَ بِئْرِ مَعُونَةَ شَهِيدًا. وَأَمّا عُثْمَانُ بْنُ عَبْدِ اللّهِ فَلَحِقَ بِمَكّةَ فَمَاتَ بِهَا كَافِرًا.
.[طَمَعُ ابْنِ جَحْشٍ فِي الْأَجْرِ وَمَا نَزَلَ فِي ذَلِكَ]:

فَلَمّا تَجَلّى عَنْ عَبْدِ اللّهِ بْنِ جَحْشٍ وَأَصْحَابِهِ مَا كَانُوا فِيهِ حِينَ نَزَلَ الْقُرْآنُ طَمِعُوا فِي الْأَجْرِ فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللّهِ أَنَطْمَعُ أَنْ تَكُونَ لَنَا غَزْوَةٌ نُعْطَى فِيهَا أَجْرَ الْمُجَاهِدِينَ؟ فَأَنْزَلَ اللّهُ عَزّ وَجَلّ فِيهِمْ {إِنّ الّذِينَ آمَنُوا وَالّذِينَ هَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللّهِ أُولَئِكَ يَرْجُونَ رَحْمَةَ اللّهِ وَاللّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ} فَوَضَعَهُمْ اللّهُ عَزّ وَجَلّ مِنْ ذَلِكَ عَلَى أَعْظَمِ الرّجَاءِ. وَالْحَدِيثُ فِي هَذَا عَنْ الزّهْرِيّ وَيَزِيدَ بْنِ رُومَانَ، عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزّبَيْرِ. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَقَدْ ذَكَرَ بَعْضُ آلِ عَبْدِ اللّهِ بْنِ جَحْشٍ: أَنّ اللّهَ عَزّ وَجَلّ قَسَمَ الْفَيْءَ حِينَ أَحَلّهُ فَجَعَلَ أَرْبَعَةَ أَخْمَاسٍ لِمَنْ أَفَاءَهُ اللّهُ وَخُمُسًا إلَى اللّهِ وَرَسُولِهِ فَوَقَعَ عَلَى مَا كَانَ عَبْدُ اللّهِ بْنُ جَحْشٍ صَنَعَ فِي تِلْكَ الْعِيرِ. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَهِيَ أَوّلُ غَنِيمَةٍ غَنِمَهَا الْمُسْلِمُونَ. وَعَمْرُو بْنُ الْحَضْرَمِيّ أَوّلُ مَنْ قَتَلَهُ الْمُسْلِمُونَ وَعُثْمَانُ بْنُ عَبْدِ اللّهِ، وَالْحَكَمُ بْنُ كَيْسَانَ أَوّلُ مَنْ أَسَرَ الْمُسْلِمُونَ.
.[شِعْرٌ فِي هَذِهِ السّرِيّةِ يُنْسَبُ إلَى أَبِي بَكْرٍ وَإِلَى ابْنِ جَحْشٍ]:

قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ الصّدّيقُ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُ فِي غَزْوَةِ عَبْدِ اللّهِ بْنِ جَحْشٍ، وَيُقَالُ بَلْ عَبْدُ اللّهِ بْنُ جَحْشٍ قَالَهَا، حِينَ قَالَتْ قُرَيْشٌ: قَدْ أَحَلّ مُحَمّدٌ وَأَصْحَابُهُ الشّهْرَ الْحَرَامَ وَسَفَكُوا فِيهِ الدّمَ وَأَخَذُوا فِيهِ الْمَالَ وَأَسَرُوا فِيهِ الرّجَالَ- قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: هِيَ لِعَبْدِ اللّهِ بْنِ جَحْشٍ:
تَعُدّونَ قَتْلًا فِي الْحَرَامِ عَظِيمَةً ** وَأَعْظَمُ مِنْهُ لَوْ يَرَى الرّشْدَ رَاشِدُ

صُدُودُكُمْ عَمّا يَقُولُ مُحَمّدٌ ** وَكُفْرٌ بِهِ وَاَللّهُ رَاءٍ وَشَاهِدُ

وَإِخْرَاجُكُمْ مِنْ مَسْجِدِ اللّهِ أَهْلَهُ ** لِئَلّا يُرَى لِلّهِ فِي الْبَيْتِ سَاجِدُ

فَإِنّا وَإِنْ عَيّرْتُمُونَا بِقَتْلِهِ ** وَأَرْجَفَ بِالْإِسْلَامِ بَاغٍ وَحَاسِدُ

سَقَيْنَا مِنْ ابْنِ الْحَضْرَمِيّ رِمَاحَنَا ** بِنَخْلَةَ لَمّا أَوْقَدَ الْحَرْبَ وَاقِدُ

دَمًا وَابْنُ عَبْدِ اللّهِ عُثْمَانُ بَيْنَنَا ** يُنَازِعُهُ غُلّ مِنْ الْقَدّ عَانِدُ

.[صَرْفُ الْقِبْلَةِ إلَى الْكَعْبَةِ]:

قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَيُقَالُ صُرِفَتْ الْقِبْلَةُ فِي شَعْبَانَ عَلَى رَأْسِ ثَمَانِيَةَ عَشَرَ شَهْرًا مِنْ مَقْدَمِ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ الْمَدِينَةَ.
.[غَزْوَةُ بَدْرٍ الْكُبْرَى]:

قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: ثُمّ إنّ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ سَمِعَ بِأَبِي سُفْيَانَ بْنِ حَرْبٍ مُقْبِلًا مِنْ الشّأْمِ فِي عِيرٍ لِقُرَيْشٍ عَظِيمَةٍ فِيهَا أَمْوَالٌ لِقُرَيْشِ وَتِجَارَةٌ مِنْ تِجَارَاتِهِمْ وَفِيهَا ثَلَاثُونَ رَجُلًا مِنْ قُرَيْشٍ أَوْ أَرْبَعُونَ مِنْهُمْ مَخْرَمَةُ بْنُ نَوْفَلِ بْنُ أُهَيْبِ بْنِ عَبْدِ مَنَافِ بْنِ زُهْرَةَ، وَعَمْرُو بْنُ الْعَاصِ بْنِ وَائِلِ بْنِ هِشَامٍ.
.[نَدْبُ الْمُسْلِمِينَ لِلْعِيرِ وَحَذَرُ أَبِي سُفْيَانَ]:

قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَيُقَالُ عَمْرُو بْنُ الْعَاصِ بْنِ وَائِلِ بْنِ هَاشِمٍ قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فَحَدّثَنِي مُحَمّدُ بْنُ مُسْلِمٍ الزّهْرِيّ، وَعَاصِمُ بْنُ عُمَرَ بْنِ قَتَادَةَ، وَعَبْدُ اللّهِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ وَيَزِيدُ بْنُ رُومَانَ عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزّبَيْرِ وَغَيْرِهِمْ مِنْ عُلَمَائِنَا عَنْ ابْنِ عَبّاسٍ، كُلّ قَدْ حَدّثَنِي بَعْضَ هَذَا الْحَدِيثِ فَاجْتَمَعَ حَدِيثُهُمْ فِيمَا سُقْت مِنْ حَدِيثِ بَدْرٍ، قَالُوا: لَمّا سَمِعَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بِأَبِي سُفْيَانَ الشّامِ، نَدَبَ الْمُسْلِمِينَ إلَيْهِمْ وَقَالَ هَذِهِ عِيرُ قُرَيْشٍ فِيهَا أَمْوَالُهُمْ فَاخْرُجُوا إلَيْهَا لَعَلّ اللّهَ يُنْفِلُكُمُوهَا. فَانْتَدَبَ النّاسُ فَخَفّ بَعْضُهُمْ وَثَقُلَ بَعْضُهُمْ وَذَلِكَ أَنّهُمْ لَمْ يَظُنّوا أَنّ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ يَلْقَى حَرْبًا وَكَانَ أَبُو سُفْيَانَ حِينَ دَنَا مِنْ الْحِجَازِ يُتَحَسّسُ الْأَخْبَارَ وَيَسْأَلُ مَنْ لَقِيَ مِنْ الرّكْبَانِ تَخَوّفًا عَلَى أَمْرِ النّاسِ. حَتّى أَصَابَ خَبَرًا مِنْ بَعْضِ الرّكْبَانِ أَنّ مُحَمّدًا قَدْ اسْتَنْفَرَ أَصْحَابَهُ لَك وَلِعِيرِك فَحَذِرَ عِنْدَ ذَلِكَ. فَاسْتَأْجَرَ ضَمْضَمَ بْنَ عَمْرٍو الْغِفَارِيّ، فَبَعَثَهُ إلَى مَكّةَ، وَأَمَرَ أَنْ يَأْتِيَ قُرَيْشًا فَيَسْتَنْفِرَهُمْ إلَى أَمْوَالِهِمْ وَيُخْبِرَهُمْ أَنّ مُحَمّدًا قَدْ عَرَضَ لَهَا فِي أَصْحَابِهِ. فَخَرَجَ ضَمْضَمُ بْنُ عَمْرٍو سَرِيعًا إلَى مَكّةَ.
.[ذِكْرُ رُؤْيَا عَاتِكَةَ بِنْتِ عَبْدِ الْمُطّلِبِ]:

قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فَأَخْبَرَنِي مَنْ لَا أَتّهِمُ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ ابْنِ عَبّاسٍ، وَيَزِيدُ ابْنُ رُومَانَ، عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزّبَيْرِ، قَالَا: وَقَدْ رَأَتْ عَاتِكَةُ بِنْتُ عَبْدِ الْمُطّلِب ِ، قَبْلَ قُدُومِ ضَمْضَمٍ مَكّةَ بِثَلَاثِ لَيَالٍ رُؤْيَا أَفْزَعَتْهَا. فَبَعَثَتْ إلَى أَخِيهَا الْعَبّاسِ بْنِ عَبْدِ الْمُطّلِبِ فَقَالَتْ لَهُ يَا أَخِي، وَاَللّهِ لَقَدْ رَأَيْت اللّيْلَةَ رُؤْيَا أَفْظَعَتْنِي، وَتَخَوّفْتُ أَنْ يَدْخُلَ عَلَى قَوْمِك مِنْهَا شَرّ وَمُصِيبَةٌ فَاكْتُمْ عَنّي مَا أُحَدّثُك بِهِ فَقَالَ لَهَا: وَمَا رَأَيْتِ؟ قَالَتْ رَأَيْتُ رَاكِبًا أَقْبَلَ عَلَى بَعِيرٍ لَهُ حَتّى وَقَفَ بِالْأَبْطَحِ ثُمّ صَرَخَ بِأَعْلَى صَوْتِهِ أَلَا انْفِرُوا يَا لَغُدُرَ لِمَصَارِعِكُمْ فِي ثَلَاثٍ فَأَرَى النّاسَ اجْتَمَعُوا إلَيْهِ دَخَلَ الْمَسْجِدَ وَالنّاسُ يَتْبَعُونَهُ فَبَيْنَمَا هُمْ حَوْلَهُ مَثَلَ بِهِ بَعِيرُهُ عَلَى ظَهْرِ الْكَعْبَةِ، ثُمّ صَرَخَ بِمِثْلِهَا: أَلَا انْفِرُوا يَا لَغُدُرَ لِمَصَارِعِكُمْ فِي ثَلَاثٍ ثُمّ مَثَلَ بِهِ بَعِيرُهُ عَلَى رَأْسِ أَبِي قُبَيْسٍ فَصَرَخَ بِمِثْلِهَا. ثُمّ أَخَذَ صَخْرَةً فَأَرْسَلَهَا. فَأَقْبَلَتْ تَهْوِي، حَتّى إذَا كَانَتْ بِأَسْفَلِ الْجَبَلِ ارْفَضّتْ فَمَا بَقِيَ بَيْتٌ مِنْ بُيُوتِ مَكّةَ وَلَا دَارٌ إلّا دَخَلَتْهَا مِنْهَا فَلِقَةٌ قَالَ الْعَبّاسُ وَاَللّهِ إنّ هَذِهِ لَرُؤْيَا، وَأَنْتِ فَاكْتُمِيهَا، وَلَا تَذْكُرِيهَا لِأَحَدِ.
.[الرّؤْيَا تَذِيعُ فِي قُرَيْشٍ]:

ثُمّ خَرَجَ الْعَبّاسُ فَلَقِيَ الْوَلِيدَ بْنَ عُتْبَةَ بْنِ رَبِيعَةَ، وَكَانَ لَهُ صِدّيقًا، فَذَكَرَهَا لَهُ وَاسْتَكْتَمَهُ إيّاهَا. فَذَكَرَهَا الْوَلِيدُ لِأَبِيهِ عُتْبَةَ فَفَشَا الْحَدِيثُ بِمَكّةَ حَتّى تَحَدّثَتْ بِهِ قُرَيْشٌ فِي أَنْدِيَتِهَا.
.[مَا جَرَى بَيْنَ أَبِي جَهْلٍ وَالْعَبّاسِ بِسَبَبِ الرّؤْيَا]:

قَالَ الْعَبّاسُ فَغَدَوْت لِأَطُوفَ بِالْبَيْتِ وَأَبُو جَهْلِ بْنُ هِشَامٍ فِي رَهْطٍ مِنْ قُرَيْشٍ قُعُودٌ يَتَحَدّثُونَ بِرُؤْيَا عَاتِكَةَ، فَلَمّا رَآنِي أَبُو جَهْلٍ قَالَ يَا أَبَا الْفَضْلِ إذَا فَرَغْت مِنْ طَوَافِك فَأَقْبِلْ إلَيْنَا، فَلَمّا فَرَغْتُ أَقْبَلْتُ حَتّى جَلَسْتُ مَعَهُمْ فَقَالَ لِي أَبُو جَهْلٍ يَا بَنِي عَبْدِ الْمُطّلِبِ، مَتَى حَدَثَتْ فِيكُمْ هَذِهِ النّبِيّةَ؟ قَالَ قُلْت: وَمَا ذَاكَ؟ قَالَ تِلْكَ الرّؤْيَا الّتِي رَأَتْ عَاتِكَةُ؛ قَالَ فَقُلْت: وَمَا رَأَتْ؟ قَالَ يَا بَنِي عَبْدِ الْمُطّلِبِ، أَمَا رَضِيتُمْ أَنْ يَتَنَبّأَ رِجَالُكُمْ حَتّى تَتَنَبّأَ نِسَاؤُكُمْ قَدْ زَعَمَتْ عَاتِكَةُ فِي رُؤْيَاهَا أَنّهُ قَالَ انْفِرُوا فِي ثَلَاثٍ فَسَنَتَرَبّصُ بِكُمْ هَذِهِ الثّلَاثَ فَإِنْ يَكُ حَقّا مَا تَقُولُ فَسَيَكُونُ وَإِنْ تَمْضِ الثّلَاثُ وَلَمْ يَكُنْ مِنْ ذَلِكَ شَيْءٌ نَكْتُبْ الْعَرَبِ. قَالَ الْعَبّاسُ فَوَاَللّهِ مَا كَانَ مِنّي إلَيْهِ كَبِيرٌ إلّا أَنّي جَحَدْتُ ذَلِكَ وَأَنْكَرْت أَنْ تَكُونَ رَأَتْ شَيْئًا. قَالَ ثُمّ تَفَرّقْنَا.
.[نِسَاءُ عَبْدِ الْمُطّلِبِ يَلُمْنَ الْعَبّاسَ لِلِينِهِ مَعَ أَبِي جَهْلٍ]:

فَلَمّا أَمْسَيْتُ لَمْ تَبْقَ امْرَأَةٌ مِنْ بَنِي عَبْدِ الْمُطّلِبِ إلّا أَتَتْنِي، فَقَالَتْ أَقْرَرْتُمْ لِهَذَا الْفَاسِقِ الْخَبِيثِ أَنْ يَقَعَ فِي رِجَالِكُمْ ثُمّ قَدْ تَنَاوَلَ النّسَاءَ وَأَنْتَ تَسْمَعُ ثُمّ لَمْ يَكُنْ عِنْدَك غِيَرٌ لِشَيْءِ مِمّا سَمِعْت، قَالَ قُلْت: قَدْ وَاَللّهِ فَعَلْتُ مَا كَانَ مِنّي إلَيْهِ مِنْ كَبِيرٍ. وَاَيْمُ اللّهِ لَأَتَعَرّضَنّ لَهُ فَإِنْ عَادَ لأكْفِينّكُنّه.
.[الْعَبّاسُ يَقْصِدُ أَبَا جَهْلٍ لِيَنَالَ مِنْهُ فَيَصْرِفُهُ عَنْهُ تَحَقّقُ الرّؤْيَا]:

قَالَ فَغَدَوْتُ فِي الْيَوْمِ الثّالِثِ مِنْ رُؤْيَا عَاتِكَةَ، وَأَنَا حَدِيدٌ مُغْضَبٌ أُرَى أَنّي قَدْ فَاتَنِي مِنْهُ أَمْرٌ أُحِبّ أَنْ أُدْرِكَهُ مِنْهُ. قَالَ فَدَخَلْتُ الْمَسْجِدَ فَرَأَيْته، فَوَاَللّهِ إنّي لَأَمْشِي نَحْوَهُ أَتَعَرّضُهُ لِيَعُودَ لِبَعْضِ مَا قَالَ فَأَقَعَ بِهِ وَكَانَ رَجُلًا خَفِيفًا، حَدِيدَ الْوَجْهِ حَدِيدَ اللّسَانِ حَدِيدَ النّظَرِ. قَالَ إذْ خَرَجَ نَحْوَ بَابِ الْمَسْجِدِ يَشْتَدّ. قَالَ فَقُلْت فِي نَفْسِي: مَا لَهُ لَعَنَهُ اللّهُ أَكُلّ هَذَا فَرَقٌ مِنّي أَنْ أُشَاتِمَهُ قَالَ وَإِذَا هُوَ قَدْ سَمِعَ مَا لَمْ أَسْمَعْ صَوْتَ ضَمْضَمِ بْنِ عَمْرٍو الْغِفَارِيّ، وَهُوَ يَصْرُخُ بِبَطْنِ الْوَادِي وَاقِفًا عَلَى بَعِيرِهِ قَدْ جَدّعَ بَعِيرَهُ وَحَوّلَ رَحْلَهُ وَشَقّ قَمِيصَهُ وَهُوَ يَقُولُ يَا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ، اللّطِيمَةَ اللّطِيمَةَ أَمْوَالُكُمْ مَعَ أَبِي سُفْيَانَ قَدْ عَرَضَ لَهَا مُحَمّدٌ فِي أَصْحَابِهِ لَا أَرَى أَنْ تُدْرِكُوهَا، الْغَوْثَ الْغَوْثَ. قَالَ فَشَغَلَنِي عَنْهُ وَشَغَلَهُ عَنّي مَا جَاءَ مِنْ الْأَمْرِ.
.[تَجَهّزُ قُرَيْشٍ لِلْخُرُوجِ]:

فَتَجَهّزَ النّاسُ سِرَاعًا، وَقَالُوا: أَيَظُنّ مُحَمّدٌ وَأَصْحَابُهُ أَنْ تَكُونَ كَعِيرِ ابْنِ الْحَضْرَمِيّ كَلّا وَاَللّهِ لِيَعْلَمُنّ غَيْرَ ذَلِكَ. فَكَانُوا بَيْنَ رَجُلَيْنِ إمّا خَارِجٍ وَإِمّا بَاعِثٍ مَكَانَهُ رَجُلًا. وَأَوْعَبَتْ قُرَيْشٌ، فَلَمْ يَتَخَلّفْ مِنْ أَشْرَافِهَا أَحَدٌ. أَبَا لَهَبِ بْنَ عَبْدِ الْمُطّلِبِ تَخَلّفَ وَبَعَثَ مَكَانَهُ الْعَاصِيَ بْنَ هِشَامِ بْنِ الْمُغِيرَةِ وَكَانَ قَدْ لَاطَ لَهُ بِأَرْبَعَةِ آلَافِ دِرْهَمٍ كَانَتْ لَهُ عَلَيْهِ أَفْلَسَ بِهَا، فَاسْتَأْجَرَهُ بِهَا عَلَى أَنْ يُجْزِئَ عَنْهُ بَعَثَهُ فَخَرَجَ عَنْهُ وَتَخَلّفَ أَبُو لَهَبٍ.
.[عُقْبَةُ يَتَهَكّمُ بِأُمَيّةِ لِقُعُودِهِ فَيَخْرُجُ]:

قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَحَدّثَنِي عَبْدُ اللّهِ بْنُ أَبِي نَجِيحٍ: أَنّ أُمَيّةَ بْنَ خَلَفٍ كَانَ أَجْمَعَ الْقُعُودَ وَكَانَ شَيْخًا جَلِيلًا جَسِيمًا ثَقِيلًا، فَأَتَاهُ عُقْبَةُ بْنُ أَبِي مُعَيْطٍ، وَهُوَ جَالِسٌ فِي الْمَسْجِدِ بَيْنَ ظَهْرَانَيْ قَوْمِهِ بِمَجْمَرَةٍ يَحْمِلُهَا، فِيهَا نَارٌ وَمَجْمَرٌ حَتّى وَضَعَهَا بَيْنَ يَدَيْهِ ثُمّ قَالَ يَا أَبَا عَلِيّ اسْتَجْمِرْ فَإِنّمَا أَنْتَ مِنْ النّسَاءِ قَالَ قَبّحَك اللّهُ وَقَبّحَ مَا جِئْتَ بِهِ قَالَ ثُمّ تَجَهّزَ فَخَرَجَ مَعَ النّاسِ.
.[الْحَرْبُ بَيْنَ كِنَانَةَ وَقُرَيْشٍ وَتَحَاجُزُهُمْ يَوْمَ بَدْرٍ]:

قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَلَمّا فَرَغُوا مِنْ جَهَازِهِمْ وَأَجْمَعُوا الْمَسِيرَ ذَكَرُوا مَا كَانَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ بَنِي بَكْرِ بْنِ عَبْدِ مَنَاةَ بْنِ كِنَانَةَ مِنْ الْحَرْبِ فَقَالُوا: إنّا نَخْشَى أَنْ يَأْتُونَا مِنْ خَلْفِنَا وَكَانَتْ الْحَرْبُ الّتِي كَانَتْ بَيْنَ قُرَيْشٍ وَبَيْنَ بَنِي بَكْرٍ- كَمَا حَدّثَنِي بَعْضُ بَنِي عَامِرِ بْنِ لُؤَيّ، عَنْ مُحَمّدِ بْنِ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيّبِ- فِي ابْنٍ لِحَفْصِ بْنِ الْأَخْيَفِ أَحَدِ بَنِي مَعِيصِ بْنِ عَامِرِ بْنِ لُؤَيّ، خَرَجَ يَبْتَغِي ضَالّةً لَهُ بِضَجْنَانَ وَهُوَ غُلَامٌ حَدَثَ فِي رَأْسِهِ ذُؤَابَةٌ وَعَلَيْهِ حُلّةٌ لَهُ وَكَانَ غُلَامًا وَضِيئًا نَظِيفًا، فَمَرّ بِعَامِرِ بْنِ يَزِيدَ بْنِ عَامِرِ بْنِ الْمُلَوّحِ أَحَدِ بَنِي يَعْمُرَ بْنِ عَوْفِ بْنِ كَعْبِ بْنِ عَامِرِ بْنِ لَيْثِ بْنِ بَكْرِ بْنِ عَبْدِ مَنَاةَ بْنِ كِنَانَةَ وَهُوَ بِضَجْنَانَ وَهُوَ سَيّدُ بَنِي بَكْر ٍ يَوْمَئِذٍ فَرَآهُ فَأَعْجَبَهُ فَقَالَ مَنْ أَنْتَ يَا غُلَامُ؟ قَالَ أَنَا ابْنٌ لِحَفْصِ ابْنِ الْأَخْيَفِ الْقُرَشِيّ. فَلَمّا وَلّى الْغُلَامُ قَالَ عَامِرُ بْنُ زَيْدٍ: يَا بَنِي بَكْرٍ مَا لَكُمْ فِي قُرَيْشٍ مِنْ دَمٍ؟ قَالُوا: بَلَى وَاَللّهِ إنّ لَنَا فِيهِمْ لَدِمَاءً قَالَ مَا كَانَ رَجُلٌ لِيَقْتُلَ هَذَا الْغُلَامَ بِرَجُلِهِ إلّا كَانَ قَدْ اسْتَوْفَى دَمَهُ. قَالَ فَتَبِعْهُ رَجُلٌ مِنْ بَنِي بَكْرٍ فَقَتَلَهُ كَانَ لَهُ فِي قُرَيْشٍ، فَتَكَلّمَتْ فِيهِ قُرَيْشٌ، فَقَالَ عَامِرُ بْنُ يَزِيدَ يَا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ قَدْ كَانَتْ لَنَا فِيكُمْ دِمَاءٌ فَمَا شِئْتُمْ. إنْ شِئْتُمْ فَأَدّوا عَلَيْنَا مَا لَنَا قِبَلَكُمْ وَنُؤَدّي مَا لَكُمْ قِبَلَنَا، وَإِنْ شِئْتُمْ فَإِنّمَا هِيَ الدّمَاءُ رَجُلٌ بِرَجُلِ فَتَجَافَوْا عَمّا لَكُمْ قِبَلَنَا، وَنَتَجَافَى عَمّا لَنَا قِبَلَكُمْ فَهَانَ ذَلِكَ الْغُلَامُ عَلَى هَذَا الْحَيّ مِنْ قُرَيْشٍ، وَقَالُوا: صَدَقَ رَجُلٌ بِرَجُلِ. فَلَهَوْا عَنْهُ فَلَمْ يُطْلِبُوا بِهِ. قَالَ فَبَيْنَمَا أَخُوهُ مِكْرَزُ بْنُ حَفْصِ بْنِ الْأَخْيَف يَسِيرُ بِمَرّ الظّهْرَانِ، إذْ نَظَرَ إلَى عَامِرِ بْنِ يَزِيدَ بْنِ عَامِرِ بْنِ الْمُلَوّحِ عَلَى جَمَلٍ لَهُ فَلَمّا رَآهُ أَقْبَلَ إلَيْهِ حَتّى أَنَاخَ بِهِ وَعَامِرٌ مُتَوَشّحٌ سَيْفَهُ فَعَلَاهُ مِكْرَزٌ بِسَيْفِهِ حَتّى قَتَلَهُ ثُمّ خَاضَ بَطْنَهُ بِسَيْفِهِ ثُمّ أَتَى بِهِ مَكّةَ، فَعَلّقَهُ مِنْ اللّيْلِ بِأَسْتَارِ الْكَعْبَةِ. فَلَمّا أَصْبَحَتْ قُرَيْشٌ رَأَوْا سَيْفَ عَامِرِ بْنِ يَزِيدَ بْنِ عَامِرٍ مُعَلّقًا بِأَسْتَارِ الْكَعْبَةِ، فَعَرَفُوهُ فَقَالُوا: إنّ هَذَا لَسَيْفُ عَامِرِ بْنِ يَزِيدَ عَدَا عَلَيْهِ مِكْرَزُ بْنُ حَفْصٍ فَقَتَلَهُ فَكَانَ ذَلِكَ مِنْ أَمْرِهِمْ. فَبَيْنَمَا هُمْ فِي ذَلِكَ مِنْ حَرْبِهِمْ حَجَزَ الْإِسْلَامُ بَيْنَ النّاسِ فَتَشَاغَلُوا بِهِ حَتّى أَجَمَعَتْ قُرَيْشٌ الْمَسِيرَ إلَى بَدْرٍ فَذَكَرُوا الّذِي بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ بَنِي بَكْرٍ فَخَافُوهُمْ.
.[شِعْرُ مِكْرَزٍ فِي قَتْلِهِ عَامِرًا]:

وَقَالَ مِكْرَزُ بْنُ حَفْصٍ فِي قَتْلِهِ عَامِرًا:
لَمّا رَأَيْتُ أَنّهُ هُوَ عَامِرٌ ** تَذَكّرْتُ أَشْلَاءَ الْحَبِيبِ الْمُلَحّبِ

وَقُلْتُ لِنَفْسِي: إنّهُ هُوَ عَامِرٌ ** فَلَا تَرْهَبِيهِ وَانْظُرِي أَيّ مَرْكَبِ

وَأَيْقَنْتُ أَنّي إنْ أُجَلّلَهُ ضَرْبَةً ** مَتَى مَا أُصِبْهُ بِالْفَرَافِرِ يَعْطَبْ

خَفَضْتُ لَهُ جَأْشِي وَأَلْقَيْتُ كَلْكَلِي ** عَلَى بَطَلٍ شَاكّي السّلَاحِ مُجَرّبِ

وَلَمْ أَكُ لَمّا الْتَفّ رُوعِي وَرُوعُهُ ** عُصَارَةَ هُجُنٍ مِنْ نِسَاءٍ وَلَا أَبِ

حَلَلْتُ بِهِ وِتْرِي وَلَمْ أَنْسَ ذَحْلَهُ ** إذَا مَا تَنَاسَى ذَحْلَهُ كُلّ عَيْهَبِ

قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: الْفَرَافِرُ في غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ: الرّجُلُ الْأَضْبَطُ وَفِي هَذَا الْمَوْضِعِ: السّيْفُ، وَالْعَيْهَبُ الّذِي لَا عَقْلَ لَهُ وَيُقَالُ لِتَيْسِ الظّبَاءِ وَفَحْلِ النّعَامِ الْعَيْهَبُ. قَالَ الْخَلِيلُ الْعَيْهَبُ الرّجُلُ الضّعِيفُ عَنْ إدْرَاكِ وِتْرِهِ.
.[إبْلِيسُ يُغْرِي قُرَيْشًا بِالْخُرُوجِ]:

قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ وَحَدّثَنِي يَزِيدُ بْنُ رُومَانَ، عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزّبَيْرِ، قَالَ لَمّا أَجَمَعَتْ قُرَيْشٌ الْمَسِيرَ ذَكَرَتْ الّذِي كَانَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ بَنِي بَكْرٍ فَكَادَ ذَلِكَ يُثْنِيهِمْ فَتَبَدّى لَهُمْ إبْلِيسُ فِي صُورَةِ سُرَاقَةَ بْنِ مَالِكِ بْنِ جُعْشُمٍ الْمُدْلِجِيّ، وَكَانَ مِنْ أَشْرَافِ بَنِي كِنَانَةَ فَقَالَ لَهُمْ أَنَا لَكُمْ جَارٌ مِنْ أَنْ تَأْتِيَكُمْ كِنَانَةُ مِنْ خَلْفِكُمْ بِشَيْءٍ تَكْرَهُونَهُ فَخَرَجُوا سِرَاعًا.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://el-quran.ahlamontada.com
Admin
Admin
Admin


المساهمات : 4240
تاريخ التسجيل : 20/01/2018

كتاب السيرة النبوية۞ لعبد الملك ابن هشام ۞«المؤرخ» ​ - صفحة 2 Empty
مُساهمةموضوع: رد: كتاب السيرة النبوية۞ لعبد الملك ابن هشام ۞«المؤرخ» ​   كتاب السيرة النبوية۞ لعبد الملك ابن هشام ۞«المؤرخ» ​ - صفحة 2 Emptyالأحد مارس 04, 2018 6:31 am

كتاب السيرة النبوية۞ لعبد الملك ابن هشام ۞«المؤرخ» ​ - صفحة 2 SeeretIbenHisham

.[خُرُوجُ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ]:

قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَخَرَجَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فِي لَيَالٍ مَضَتْ مِنْ شَهْرِ رَمَضَانَ فِي أَصْحَابِهِ- قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: خَرَجَ يَوْمَ الِاثْنَيْنِ لِثَمَانِ لَيَالٍ خَلَوْنَ مِنْ شَهْرِ رَمَضَانَ- وَاسْتَعْمَلَ عَمْرُو بْنُ أُمّ مَكْتُومٍ- وَيُقَالُ اسْمُهُ عَبْدُ اللّهِ بْنُ أُمّ مَكْتُومٍ أَخَا بَنِي عَامِرِ بْنِ لُؤَيّ، عَلَى الصّلَاةِ بِالنّاسِ ثُمّ رَدّ أَبَا لُبَابَةَ مِنْ الرّوْحَاءِ، وَاسْتَعْمَلَهُ عَلَى الْمَدِينَةِ.
.[صَاحِبُ اللّوَاءِ]:

قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَدَفَعَ اللّوَاءَ إلَى مُصْعَبِ بْنِ عُمَيْرِ بْنِ هَاشِمِ بْنِ عَبْدِ مَنَافِ بْنِ عَبْدِ الدّارِ قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَكَانَ أَبْيَضَ.
.[رَايَتَا الرّسُولِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ]:

قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَكَانَ أَمَامَ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ رَايَتَانِ سَوْدَاوَانِ عَلِيّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ، يُقَالُ لَهَا: الْعُقَابُ وَالْأُخْرَى مَعَ بَعْضِ الْأَنْصَارِ.
.[عَدَدُ إبِلِ الْمُسْلِمِينَ]:

قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَكَانَتْ إبِلُ أَصْحَابِ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ يَوْمَئِذٍ سَبْعِينَ بَعِيرًا، فَاعْتَقَبُوهَا، فَكَانَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَعَلِيّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ، وَمَرْثَدُ بْنُ أَبِي مَرْثَدٍ الْغَنَوِيّ يَعْتَقِبُونَ بَعِيرًا، وَكَانَ حَمْزَةُ بْنُ عَبْدِ الْمُطّلِبِ، وَزَيْدُ بْنُ حَارِثَةَ، وَأَبُو كَبْشَةَ، وَأَنَسَةُ مَوْلَيَا رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ يَعْتَقِبُونَ بَعِيرًا، وَكَانَ أَبُو بَكْرٍ، وَعُمَرُ، وَعَبْدُ الرّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ يَعْتَقِبُونَ بَعِيرًا. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَجَعَلَ عَلَى السّاقَةِ قَيْسَ بْنَ أَبِي صَعْصَعَةَ أَخَا بَنِي مَازِنِ بْنِ النّجّارِ. وَكَانَتْ رَايَةُ الْأَنْصَارِ مَعَ سَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ، فِيمَا قَالَ ابْنُ هِشَامٍ.
.[طَرِيقُ الْمُسْلِمِينَ إلَى بَدْرٍ]:

قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فَسَلَكَ طَرِيقَهُ مِنْ الْمَدِينَةِ إلَى مَكّةَ، عَلَى نَقْبِ الْمَدِينَةِ، ثُمّ عَلَى الْعَقِيقِ، ثُمّ عَلَى ذِي الْحُلَيْفَةِ ثُمّ عَلَى أُولَاتِ الْجَيْشِ. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: ذَاتِ الْجَيْشِ.
.[الرّجُلُ الّذِي اعْتَرَضَ الرّسُولَ وَجَوَابُ سَلَمَةَ لَهُ]:

قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: ثُمّ مَرّ عَلَى تُرْبَانَ، ثُمّ عَلَى مَلَلٍ، ثُمّ غَمِيسِ الْحَمَامِ مِنْ مَرَيَيْنِ، ثُمّ عَلَى صُخَيْرَاتِ الْيَمَامِ، ثُمّ عَلَى السّيّالَةِ، ثُمّ عَلَى فَجّ الرّوْحَاءِ، ثُمّ عَلَى شَنُوكَةَ، وَهِيَ الطّرِيقُ الْمُعْتَدِلَةُ حَتّى إذَا كَانَ بِعِرْقِ الظّبْيَةِ- قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: الظّبْيَةُ: عَنْ غَيْرِ ابْنِ إسْحَاقَ- لَقُوا رَجُلًا مِنْ الْأَعْرَابِ، فَسَأَلُوهُ عَنْ النّاسِ فَلَمْ يَجِدُوا عِنْدَهُ خَبَرًا؛ فَقَالَ لَهُ النّاسُ سَلّمْ عَلَى رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ قَالَ أَوَفِيكُمْ رَسُولُ اللّهِ؟ قَالُوا: نَعَمْ فَسَلّمَ عَلَيْهِ ثُمّ قَالَ إنْ كُنْتَ رَسُولَ اللّهِ فَأَخْبِرْنِي عَمّا فِي بَطْنِ نَاقَتِي هَذِهِ. قَالَ لَهُ سَلَمَةُ بْنُ سَلَامَةَ بْنِ وَقَشٍ لَا تَسْأَلْ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَأَقْبِلْ عَلَيّ فَأَنَا أُخْبِرُك عَنْ ذَلِكَ. نَزَوْتَ عَلَيْهَا، فَفِي بَطْنِهَا مِنْك سَخْلَةٌ فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ مَهْ أَفْحَشْت عَلَى الرّجُلِ ثُمّ أَعَرَضَ عَنْ سَلَمَةِ.
.[بَقِيّةُ الطّرِيقِ إلَى بَدْرٍ]:

وَنَزَلَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ سَجْسَجَ، وَهِيَ بِئْرُ الرّوْحَاءِ كَانَ بِالْمُنْصَرَفِ تَرَكَ طَرِيقَ مَكّةَ بِيَسَارٍ وَسَلَكَ ذَاتَ الْيَمِينِ عَلَى النّازِيَةِ يُرِيدُ بَدْرًا، فَسَلَكَ فِي نَاحِيَةٍ مِنْهَا، حَتّى جَزَعَ وَادِيًا، يُقَالُ لَهُ رُحْقَانُ، بَيْنَ النّازِيَةِ وَبَيْنَ مَضِيقِ الصّفْرَاءِ، ثُمّ عَلَى الْمَضِيقِ، ثُمّ انْصَبّ مِنْهُ حَتّى إذَا كَانَ قَرِيبًا مِنْ الصّفْرَاءِ، بَعَثَ بَسْبَسَ بْنَ الْجُهَنِيّ حَلِيفَ بَنِي سَاعِدَةَ وَعَدِيّ بْنَ أَبِي الزّغْبَاءِ الْجُهَنِيّ حَلِيفَ بَنِي النّجّارِ إلَى بَدْرٍ يَتَحَسّسَانِ لَهُ الْأَخْبَارَ عَنْ أَبِي سُفْيَانَ بْنِ حَرْبٍ وَغَيْرِهِ. ثُمّ ارْتَحَلَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَقَدْ قَدِمَهَا. فَلَمّا اسْتَقْبَلَ الصّفْرَاءَ، وَهِيَ قَرْيَةٌ بَيْنَ جَبَلَيْنِ سَأَلَ عَنْ جَبَلَيْهِمَا مَا اسْمَاهُمَا؟ فَقَالُوا: يُقَالُ لِأَحَدِهِمَا، هَذَا مُسْلِحٌ، وَلِلْآخَرِ هَذَا مُخْرِئٌ، وَسَأَلَ عَنْ أَهْلِهِمَا، فَقِيلَ بَنُو النّارِ وَبَنُو حُرَاقٍ، بَطْنَانِ مِنْ بَنِي غِفَارٍ فَكَرِهَهُمَا رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَالْمُرُورُ بَيْنَهُمَا، وَتَفَاءَلَ بِأَسْمَائِهِمَا وَأَسْمَاءِ أَهْلِهِمَا. فَتَرَكَهُمَا رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَالصّفْرَاءَ بِيَسَارِ وَسَلَكَ ذَاتَ الْيَمِينِ عَلَى وَادٍ يُقَالُ لَهُ ذَفِرَانَ، فَجَزَعَ فِيهِ ثُمّ نَزَلَ.
.[أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ وَالْمِقْدَادُ وَكَلِمَاتُهُمْ فِي الْجِهَادِ]:

وَأَتَاهُ الْخَبَرُ عَنْ قُرَيْشٍ بِمَسِيرِهِمْ لِيَمْنَعُوا عِيرَهُمْ فَاسْتَشَارَ النّاسَ وَأَخْبَرَهُمْ قُرَيْشٍ فَقَامَ أَبُو بَكْرٍ الصّدّيقُ، فَقَالَ وَأَحْسَنُ. ثُمّ قَامَ عُمَرُ بْنُ الْخَطّابِ، فَقَالَ وَأَحْسَنُ ثُمّ قَامَ الْمِقْدَادُ بْنُ عَمْرٍو فَقَالَ يَا رَسُولَ اللّهِ امْضِ لِمَا أَرَاك اللّهُ فَنَحْنُ مَعَك، وَاَللّهِ لَا نَقُولُ لَك كَمَا قَالَتْ بَنُو إسْرَائِيلَ لِمُوسَى: {اذْهَبْ أَنْتَ وَرَبّكَ فَقَاتِلَا إنّا هَهُنَا قَاعِدُونَ} وَلَكِنْ اذْهَبْ أَنْتَ وَرَبّك فَقَاتِلَا إنّا مَعَكُمَا  مُقَاتِلُونَ فَوَاَلّذِي بَعَثَك بِالْحَقّ لَوْ سِرْت بِنَا إلَى بِرْكِ الْغِمَادِ لَجَالَدْنَا مَعَك مِنْ دُونِهِ حَتّى تَبْلُغَهُ فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ خَيْرًا، وَدَعَا لَهُ بِهِ.
.[اسْتِيثَاقُ الرّسُولِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ مِنْ أَمْرِ الْأَنْصَارِ]:

ثُمّ قَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ «أَشِيرُوا عَلَيّ أَيّهَا النّاس» وَإِنّمَا يُرِيدُ الْأَنْصَارَ، وَذَلِكَ أَنّهُمْ عَدَدُ النّاسِ وَأَنّهُمْ حِينَ  بَايَعُوهُ بِالْعَقَبَةِ قَالُوا: يَا رَسُولَ اللّهِ إنّا بُرَاءٌ مِنْ ذِمَامِك حَتّى تَصِلَ إلَى دِيَارِنَا، فَإِذَا وَصَلْتَ إلَيْنَا، فَأَنْتَ فِي ذِمّتِنَا نَمْنَعُك مِمّا نَمْنَعُ مِنْهُ أَبْنَاءَنَا وَنِسَاءَنَا. فَكَانَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ يَتَخَوّفُ أَلّا تَكُونَ الْأَنْصَارُ تَرَى عَلَيْهَا نَصْرَهُ إلّا مِمّنْ دَهَمَهُ بِالْمَدِينَةِ مِنْ عَدُوّهِ وَأَنْ لَيْسَ عَلَيْهِمْ أَنْ يَسِيرَ بِهِمْ إلَى عَدُوّ مِنْ بِلَادِهِمْ. فَلَمّا قَالَ ذَلِكَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ قَالَ لَهُ سَعْدُ بْنُ مُعَاذٍ: وَاَللّهِ لَكَأَنّك تُرِيدُنَا يَا رَسُولَ اللّهِ؟ قَالَ «أَجَلْ» قَالَ فَقَدْ آمَنّا بِك وَصَدّقْنَاك، وَشَهِدْنَا أَنّ مَا جِئْتَ  بِهِ هُوَ الْحَقّ، وَأَعْطَيْنَاك عَلَى ذَلِكَ عُهُودَنَا وَمَوَاثِيقَنَا، عَلَى السّمْعِ وَالطّاعَةِ فَامْضِ يَا رَسُولَ اللّهِ لِمَا أَرَدْتَ فَنَحْنُ مَعَك، فَوَاَلّذِي بَعَثَك بِالْحَقّ لَوْ اسْتَعْرَضْتَ بِنَا هَذَا الْبَحْرَ فَخُضْتَهُ لَخُضْنَاهُ مَعَك، مَا تَخَلّفَ مِنّا رَجُلٌ وَاحِدٌ وَمَا نَكْرَهُ أَنْ تَلْقَى بِنَا عَدُوّنَا غَدًا، إنّا لَصُبُرٌ فِي الْحَرْبِ صُدُقٌ فِي اللّقَاءِ. لَعَلّ اللّهَ يُرِيك مِنّا مَا تَقَرّ بِهِ عَيْنُك، فَسِرْ بِنَا عَلَى بَرَكَةِ اللّهِ. فَسُرّ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بِقَوْلِ سَعْدٍ وَنَشّطَهُ ذَلِكَ. ثُمّ قَالَ «سِيرُوا وَأَبْشِرُوا، فَإِنّ اللّهَ تَعَالَى قَدْ وَعَدَنِي إحْدَى الطّائِفَتَيْنِ وَاَللّهِ لَكَأَنّي الْآنَ أَنْظُرُ إلَى مَصَارِعِ الْقَوْمِ».
.[الرّسُولُ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَأَبُو بَكْرٍ يَتَعَرّفَانِ أَخْبَارَ قُرَيْشٍ]:

ثُمّ ارْتَحَلَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ مِنْ ذَفِرَانَ، فَسَلَكَ عَلَى ثَنَايَا. يُقَالُ لَهَا الْأَصَافِرُ، ثُمّ انْحَطّ مِنْهَا إلَى بَلَدٍ يُقَالُ لَهُ الدّبّةُ وَتَرَكَ الْحَنّانَ بِيَمِينٍ وَهُوَ كَثِيبٌ عَظِيمٌ كَالْجَبَلِ الْعَظِيمِ ثُمّ نَزَلَ قَرِيبًا مِنْ بَدْرٍ فَرَكِبَ هُوَ وَرَجُلٌ مِنْ أَصْحَابِهِ قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: الرّجُلُ هُوَ أَبُو بَكْرٍ الصّدّيقُ. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ كَمَا حَدّثَنِي مُحَمّدُ بْنُ يَحْيَى بْن حِبّانَ: حَتّى وَقَفَ عَلَى شَيْخٍ مِنْ الْعَرَبِ، فَسَأَلَهُ عَنْ قُرَيْشٍ، وَعَنْ مُحَمّدٍ وَأَصْحَابِهِ وَمَا بَلَغَهُ عَنْهُمْ فَقَالَ الشّيْخُ لَا أُخْبِرُكُمَا حَتّى تُخْبِرَانِي مِمّنْ أَنْتُمَا؟ فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ إذَا أَخْبَرْتنَا أَخْبَرْنَاك قَالَ أَذَاكَ بِذَاكَ؟ قَالَ نَعَمْ قَالَ الشّيْخُ فَإِنّهُ بَلَغَنِي أَنّ مُحَمّدًا وَأَصْحَابَهُ خَرَجُوا يَوْمَ كَذَا وَكَذَا، فَإِنْ كَانَ صَدَقَ الّذِي أَخْبَرَنِي، فَهُمْ الْيَوْمَ بِمَكَانِ كَذَا وَكَذَا، لِلْمَكَانِ الّذِي بِهِ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَبَلَغَنِي أَنّ قُرَيْشًا خَرَجُوا يَوْمَ كَذَا وَكَذَا، فَإِنْ كَانَ الّذِي أَخْبَرَنِي صَدَقَنِي فَهُمْ الْيَوْمَ بِمَكَانِ كَذَا وَكَذَا لِلْمَكَانِ الّذِي فِيهِ قُرَيْشٌ. فَلَمّا فَرَغَ مِنْ خَبَرِهِ قَالَ مِمّنْ أَنْتُمَا؟ فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ نَحْنُ مِنْ مَاءٍ ثُمّ انْصَرَفَ عَنْهُ قَالَ يَقُولُ الشّيْخُ مَا مِنْ مَاءٍ أَمِنْ مَاءِ الْعِرَاقِ؟ قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: يُقَالُ ذَلِكَ الشّيْخُ سُفْيَانُ الضّمَرِيّ.
.[ظَفَرُ الْمُسْلِمِينَ بِرَجُلَيْنِ مِنْ قُرَيْشٍ يَقِفَانِهِمْ عَلَى أَخْبَارِهِمْ]:

قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: ثُمّ رَجَعَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ إلَى أَصْحَابِهِ فَلَمّا أَمْسَى بَعَثَ عَلِيّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ، وَالزّبَيْرَ بْنَ الْعَوّامِ، وَسَعْدَ بْنَ أَبِي وَقّاصٍ، فِي نَفَرٍ مِنْ أَصْحَابِهِ إلَى مَاءِ بَدْرٍ يَلْتَمِسُونَ الْخَبَرَ لَهُ عَلَيْهِ- كَمَا حَدّثَنِي يَزِيدُ بْنُ رُومَانَ، عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزّبَيْرِ- فَأَصَابُوا رَاوِيَةً لِقُرَيْشٍ فِيهَا أَسْلَمَ، غُلَامُ بَنِي الْحَجّاجِ وَعَرِيضٌ أَبُو يَسَارٍ، غُلَامُ بَنِي الْعَاصِ بْنِ سَعِيدٍ فَأَتَوْا بِهِمَا فَسَأَلُوهُمَا، وَرَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ قَائِمٌ يُصَلّي، فَقَالَا: نَحْنُ سُقَاةُ قُرَيْشٍ، بَعَثُونَا نَسْقِيهِمْ مِنْ الْمَاءِ. فَكَرِهَ الْقَوْمُ خَبَرَهُمَا، وَرَجَوْا أَنْ يَكُونَا لِأَبِي سُفْيَانَ فَضَرَبُوهُمَا. فَلَمّا أَذْلَقُوهُمَا قَالَا: نَحْنُ لِأَبِي سُفْيَانَ فَتَرَكُوهُمَا. وَرَكَعَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَسَجَدَ سَجْدَتَيْهِ ثُمّ سَلّمَ وَقَالَ إذَا صَدَقَاكُمْ ضَرَبْتُمُوهُمَا، وَإِذَا كَذَبَاكُمْ تَرَكْتُمُوهُمَا، صَدَقَا، وَاَللّهِ إنّهُمَا لِقُرَيْشِ أَخْبِرَانِي عَنْ قُرَيْشٍ؟ قَالَا: هُمْ وَاَللّهِ وَرَاءَ هَذَا الْكَثِيبِ الّذِي تَرَى بِالْعُدْوَةِ الْقُصْوَى- وَالْكَثِيبُ الْعَقَنْقَلُ- فَقَالَ لَهُمَا رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ كَمْ الْقَوْمُ؟ قَالَا: كَثِيرٌ قَالَ مَا عِدّتُهُمْ؟ قَالَا: لَا نَدْرِي؛ قَالَ كَمْ يَنْحَرُونَ كُلّ يَوْمٍ؟ قَالَا: يَوْمًا تِسْعًا، وَيَوْمًا عَشْرًا، فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ الْقَوْمُ فِيمَا بَيْنَ التّسْعِ مِئَةٍ وَالْأَلْفِ. ثُمّ قَالَ لَهُمَا: فَمَنْ فِيهِمْ مِنْ أَشْرَافِ قُرَيْشٍ؟ قَالَا: عُتْبَةُ بْنُ رَبِيعَةَ، وَشَيْبَةُ بْنُ رَبِيعَةَ، وَأَبُو الْبَخْتَرِيّ بْنُ هِشَامٍ وَحَكِيمُ بْنُ حِزَامٍ، وَنَوْفَلُ بْنُ خُوَيْلِدٍ، وَالْحَارِثُ بْنُ عَامِرِ بْنِ نَوْفَلٍ، وَطُعَيْمَةُ بْنُ عَدِيّ بْنِ نَوْفَلٍ وَالنّضْرُ بْنِ الْحَارِثِ وَزَمَعَةُ بْنُ الْأَسْوَدِ، وَأَبُو جَهْلِ بْنُ هِشَامٍ وَأُمَيّةُ بْنُ خَلَفٍ، وَنُبَيْهُ وَمُنَبّهٌ ابْنَا الْحَجّاجِ، وَسُهَيْلُ بْنُ عَمْرٍو، وَعَمْرُو بْنُ عَبْدِ وُدّ. فَأَقْبَلَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ عَلَى النّاسِ فَقَالَ هَذِهِ مَكّةُ قَدْ أَلْقَتْ إلَيْكُمْ أَفْلَاذَ كَبِدِهَا.
.[بَسْبَسُ وَعَدِيّ يَتَجَسّسَانِ الْأَخْبَارَ]:

قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَكَانَ بَسْبَسُ بْنُ عَمْرٍو، وَعَدِيّ بْنُ أَبِي الزّغْبَاءِ قَدْ مَضَيَا حَتّى نَزَلَا بَدْرًا، فَأَنَاخَا إلَى تَلّ قَرِيبٍ مِنْ الْمَاءِ ثُمّ أَخَذَا شَنّا لَهُمَا يَسْتَقِيَانِ فِيهِ ومَجْدِيّ بْنُ عَمْرٍو الْجُهَنِيّ عَلَى الْمَاءِ. فَسَمِعَ عَدِيّ وَبَسْبَسُ جَارِيَتَيْنِ مِنْ جِوَارِي الْحَاضِرِ وَهُمَا يَتَلَازَمَانِ عَلَى الْمَاءِ وَالْمَلْزُومَةُ تَقُولُ لِصَاحِبَتِهَا: إنّمَا تَأْتِي الْعِيرُ غَدًا أَوْ بَعْدَ غَدٍ، فَأَعْمَلُ لَهُمْ ثُمّ أَقْضِيك الّذِي لَك. قَالَ مَجْدِيّ: صَدَقْتِ ثُمّ خَلّصَ بَيْنَهُمَا. وَسَمِعَ ذَلِكَ عَدِيّ وَبَسْبَسُ فَجَلَسَا عَلَى بَعِيرَيْهِمَا، ثُمّ انْطَلَقَا حَتّى أَتَيَا رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَأَخْبَرَاهُ بِمَا سَمِعَا.
.[حَذَرُ أَبِي سُفْيَانَ وَهَرَبُهُ بِالْعِيرِ]:

وَأَقْبَلَ أَبُو سُفْيَانَ بْنُ حَرْبٍ حَتّى تَقَدّمَ الْعِيرَ حَذَرًا، حَتّى وَرَدَ الْمَاءَ فَقَالَ لِمَجْدِيّ بْنِ عَمْرٍو: هَلْ أَحْسَسْت أَحَدًا، فَقَالَ مَا رَأَيْت أَحَدًا أَنْكَرَهُ إلّا أَنّي قَدْ رَأَيْتُ رَاكِبَيْنِ قَدْ أَنَاخَا إلَى هَذَا التّلّ ثُمّ اسْتَقَيَا فِي شَنّ لَهُمَا، ثُمّ انْطَلَقَا. فَأَتَى أَبُو سُفْيَانَ مُنَاخَهُمَا، فَأَخَذَ مِنْ أَبْعَارِ بَعِيرَيْهِمَا، فَفَتّهُ فَإِذَا فِيهِ النّوَى؛ فَقَالَ هَذِهِ وَاَللّهِ عَلَائِفُ يَثْرِبَ. فَرَجَعَ إلَى أَصْحَابِهِ سَرِيعًا، فَضَرَبَ وَجْهَ عِيرِهِ عَنْ الطّرِيقِ فَسَاحَلَ بِهَا، وَتَرَكَ بَدْرًا بِيَسَارِ وَانْطَلَقَ حَتّى أَسْرَعَ.
.[رُؤْيَا جُهَيْمِ بْنِ الصّلْتِ فِي مَصَارِعِ قُرَيْشٍ]:

قَالَ: وَأَقْبَلَتْ قُرَيْشٌ، فَلَمّا نَزَلُوا الْجُحْفَةَ، رَأَى جُهَيْمُ بْنُ الصّلْتِ ابْنِ مَخْرَمَةَ بْنِ الْمُطّلِبِ بْنِ عَبْدِ مَنَافٍ رُؤْيَا، فَقَالَ إنّي رَأَيْتُ فِيمَا يَرَى النّائِمُ وَإِنّي لَبَيْنَ النّائِمِ وَالْيَقِظَانِ. إذْ نَظَرْت إلَى رَجُلٍ قَدْ أَقْبَلَ عَلَى فَرَسٍ حَتّى وَقَفَ وَمَعَهُ بَعِيرٌ لَهُ ثُمّ قَالَ قُتِلَ عُتْبَةُ بْنُ رَبِيعَةَ، وَشَيْبَةُ بْنُ رَبِيعَةَ، وَأَبُو الْحَكَمِ بْنُ هِشَامٍ وَأُمَيّةُ بْنُ خَلَفٍ، وَفُلَانٌ وَفُلَانٌ فَعَدّدَ رِجَالًا مِمّنْ قُتِلَ يَوْمَ بَدْرٍ مِنْ أَشْرَافِ قُرَيْشٍ، ثُمّ رَأَيْتُهُ ضَرَبَ فِي لَبّةِ بَعِيرِهِ ثُمّ أَرْسَلَهُ فِي الْعَسْكَرِ فَمَا بَقِيَ خِبَاءٌ مِنْ أَخْبِيَةِ الْعَسْكَرِ إلّا أَصَابَهُ نَضْحٌ مِنْ دَمِهِ. قَالَ فَبَلّغْت أَبَا جَهْلٍ فَقَالَ وَهَذَا أَيْضًا نَبِيّ آخَرُ مِنْ بَنِي الْمُطّلِبِ سَيَعْلَمُ غَدًا مَنْ الْمَقْتُولُ إنْ نَحْنُ الْتَقَيْنَا.
.[رِسَالَةُ أَبِي سُفْيَانَ إلَى قُرَيْش ٍ]:

قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَلَمّا رَأَى أَبُو سُفْيَانَ أَنّهُ قَدْ أَحْرَزَ عِيرَهُ أَرْسَلَ إلَى قُرَيْشٍ: إنّكُمْ إنّمَا خَرَجْتُمْ لِتَمْنَعُوا عِيرَكُمْ وَرِجَالَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ فَقَدْ نَجّاهَا اللّهُ فَارْجِعُوا، فَقَالَ أَبُو جَهْلِ بْنُ هِشَامٍ وَاَللّهِ لَا نَرْجِعُ حَتّى نَرِدَ بَدْرًا- وَكَانَ بَدْرٌ مَوْسِمًا مِنْ مَوَاسِمِ الْعَرَبِ، يَجْتَمِعُ لَهُمْ بِهِ سُوقٌ كُلّ عَامٍ- فَنُقِيمُ عَلَيْهِ ثَلَاثًا، فَنَنْحَرُ الْجُزُرَ الْعَرَبُ وَبِمَسِيرِنَا وَجَمْعِنَا، فَلَا يَزَالُونَ يَهَابُونَنَا أَبَدًا بَعْدَهَا، فَامْضُوا.
.[رُجُوعُ الْأَخْنَسِ بِبَنِي زُهْرَةَ]:

وَقَالَ الْأَخْنَسُ بْنُ شَرِيقِ بْنِ عَمْرِو بْنِ وَهْبٍ الثّقَفِيّ، وَكَانَ حَلِيفًا لِبَنِي زُهْرَةَ وَهُمْ بِالْجُحْفَةِ يَا بَنِي زُهْرَةَ قَدْ نَجّى اللّهُ لَكُمْ أَمْوَالَكُمْ وَخَلّصَ لَكُمْ صَاحِبَكُمْ مَخْرَمَةَ بْنَ نَوْفَلٍ وَإِنّمَا نَفَرْتُمْ لِتَمْنَعُوهُ وَمَالَهُ فَاجْعَلُوا لِي جُبْنَهَا وَارْجِعُوا، فَإِنّهُ لَا حَاجَةَ لَكُمْ بِأَنْ تَخْرُجُوا فِي غَيْرِ ضَيْعَةٍ لَا مَا يَقُولُ هَذَا، يَعْنِي أَبَا جَهْلٍ. فَرَجَعُوا، فَلَمْ يَشْهَدْهَا زُهْرِيّ وَاحِدٌ أَطَاعُوهُ وَكَانَ فِيهِمْ مُطَاعًا. وَلَمْ يَكُنْ بَقِيَ مِنْ قُرَيْشٍ بَطْنٌ إلّا وَقَدْ نَفَرَ مِنْهُمْ نَاسٌ إلّا بَنِي عَدِيّ بْنِ كَعْبٍ، لَمْ يَخْرُجْ مِنْهُمْ رَجُلٌ وَاحِدٌ فَرَجَعَتْ بَنُو زُهْرَةَ مَعَ الْأَخْنَسِ بْنِ شَرِيقٍ، فَلَمْ يَشْهَدْ بَدْرًا مِنْ هَاتَيْنِ الْقَبِيلَتَيْنِ أَحَدٌ، وَمَشَى الْقَوْمُ. وَكَانَ بَيْنَ طَالِبِ بْنِ أَبِي طَالِبٍ- وَكَانَ فِي الْقَوْمِ- وَبَيْنَ بَعْضِ قُرَيْشٍ مُحَاوَرَةٌ فَقَالُوا: وَاَللّهِ لَقَدْ عَرَفْنَا يَا بَنِي هَاشِمٍ وَإِنْ خَرَجْتُمْ مَعَنَا، أَنّ هَوَاكُمْ لَمَعَ مُحَمّدٍ. فَرَجَعَ طَالِبٌ إلَى مَكّةَ مَعَ مَنْ رَجَعَ. وَقَالَ طَالِبُ ابْنُ أَبِي طَالِبٍ:
لَا هُمّ إمّا يَغْزُوَنّ طَالِبْ ** فِي عُصْبَةٍ مُحَالِفٌ مُحَارِبْ

فِي مِقْنَبٍ مِنْ هَذِهِ الْمَقَانِبِ ** فَلْيَكُنْ الْمَسْلُوبُ غَيْرَ السّالِبِ

وَلْيَكُنْ الْمَغْلُوبُ غَيْرَ الْغَالِبِ قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: قوله: فَلْيَكُنْ الْمَسْلُوبُ، وَقوله: وَلْيَكُنْ الْمَغْلُوبُ، عَنْ غَيْرِ وَاحِدٍ مِنْ الرّوَاةِ لِلشّعْرِ.
.[نُزُولُ قُرَيْشٍ بِالْعُدْوَةِ وَالْمُسْلِمِينَ بِبَدْرِ]:

قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَمَضَتْ قُرَيْشٌ حَتّى نَزَلُوا بِالْعُدْوَةِ الْقُصْوَى مِنْ الْوَادِي، خَلْفَ الْعَقَنْقَلِ وَبَطْنِ الْوَادِي، وَهُوَ يَلَيْلُ، بَيْنَ بَدْرٍ وَبَيْنَ الْعَقَنْقَلِ، قُرَيْشٌ، وَالْقُلُبُ بِبَدْرِ فِي الْعُدْوَةِ الدّنْيَا مِنْ بَطْنِ يَلَيْلَ إلَى الْمَدِينَةِ. وَبَعَثَ اللّهُ السّمَاءَ وَكَانَ الْوَدْيُ دَهْسًا، فَأَصَابَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَأَصْحَابُهُ مِنْهَا مَا لَبّدَ لَهُمْ الْأَرْضَ وَلَمْ يَمْنَعْهُمْ عَنْ السّيْرِ وَأَصَابَ قُرَيْشًا مِنْهَا مَا لَمْ يَقْدِرُوا عَلَى أَنْ يَرْتَحِلُوا مَعَهُ. فَخَرَجَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ يُبَادِرُهُمْ إلَى السّمَاءِ حَتّى إذَا جَاءَ أَدُنَى مَاءٍ مِنْ بَدْرٍ نَزَلَ بِهِ.
.[مَشُورَةُ الْحُبَابِ عَلَى رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ]:

قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فَحُدّثْت عَنْ رِجَالٍ مِنْ بَنِي سَلَمَةَ أَنّهُمْ ذَكَرُوا: أَنّ الْحُبَابَ بْنَ الْمُنْذِرِ بْنِ الْجَمُوحِ قَالَ يَا رَسُولَ اللّهِ أَرَأَيْتَ هَذَا الْمَنْزِلَ أَمَنْزِلًا أَنْزَلَكَهُ اللّهُ لَيْسَ لَنَا أَنْ نَتَقَدّمَهُ وَلَا نَتَأَخّرَ عَنْهُ أَمْ هُوَ الرّأْيُ وَالْحَرْبُ وَالْمَكِيدَةُ؟ قَالَ بَلْ هُوَ الرّأْيُ وَالْحَرْبُ وَالْمَكِيدَةُ؟ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللّهِ فَإِنّ هَذَا لَيْسَ بِمَنْزِلِ فَانْهَضْ بِالنّاسِ حَتّى نَأْتِيَ أَدْنَى مَاءٍ مِنْ الْقَوْمِ، فَنَنْزِلَهُ ثُمّ نُغَوّرُ مَا وَرَاءَهُ مِنْ الْقُلُبِ ثُمّ نَبْنِي عَلَيْهِ حَوْضًا فَنَمْلَؤُهُ مَاءً ثُمّ نُقَاتِلُ الْقَوْمَ فَنَشْرَبُ وَلَا يَشْرَبُونَ فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ لَقَدْ أَشَرْتَ بِالرّأْيِ. فَنَهَضَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَمَنْ مَعَهُ مِنْ النّاسِ فَسَارَ حَتّى إذَا أَتَى أَدْنَى مَاءٍ مِنْ الْقَوْمِ نَزَلَ عَلَيْهِ ثُمّ أَمَرَ بِالْقُلُبِ فَغُوّرَتْ وَبَنَى حَوْضًا عَلَى الْقَلِيبِ الّذِي نَزَلَ عَلَيْهِ فَمُلِئَ مَاءً ثُمّ قَذَفُوا فِيهِ الْآنِيَةَ.
.[بِنَاءُ الْعَرِيشِ لِرَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ]:

قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فَحَدّثَنِي عَبْدُ اللّهِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ أَنّهُ حُدّثَ أَنّ سَعْدَ بْنَ مُعَاذٍ قَالَ يَا نَبِيّ اللّهِ أَلَا نَبْنِي لَك عَرِيشًا تَكُونُ فِيهِ وَنُعِدّ عِنْدَك رَكَائِبَك، ثُمّ نَلْقَى عَدُوّنَا، فَإِنْ أَعَزّنَا اللّهُ وَأَظْهَرَنَا عَلَى عَدُوّنَا، كَانَ ذَلِكَ مَا أَحْبَبْنَا، وَإِنْ كَانَتْ الْأُخْرَى، جَلَسْت عَلَى رَكَائِبِك، فَلَحِقْت بِمَنْ وَرَاءَنَا، فَقَدْ تَخَلّفَ عَنْك أَقْوَامٌ يَا نَبِيّ اللّهِ مَا نَحْنُ بِأَشَدّ لَك حُبّا مِنْهُمْ وَلَوْ ظَنّوا أَنّك تَلْقَى حَرْبًا مَا تَخَلّفُوا عَنْك، يَمْنَعُك اللّهُ بِهِمْ يُنَاصِحُونَكَ وَيُجَاهِدُونَ مَعَك. فَأَثْنَى عَلَيْهِ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ خَيْرًا، وَدَعَا لَهُ بِخَيْرِ. ثُمّ بُنِيَ لِرَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ عَرِيشٌ فَكَانَ فِيهِ.
.[ارْتِحَالُ قُرَيْشٍ]:

قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَقَدْ ارْتَحَلَتْ قُرَيْشٌ حِينَ أَصْبَحَتْ فَأَقْبَلَتْ فَلَمّا رَآهَا رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ تَصَوّبَ مِنْ الْعَقَنْقَلِ- وَهُوَ الْكَثِيبُ الّذِي جَاءُوا مِنْهُ إلَى الْوَادِي- قَالَ اللّهُمّ هَذِهِ قُرَيْشٌ قَدْ أَقْبَلَتْ بِخُيَلَائِهَا وَفَخْرِهَا، تُحَادّك وَتُكَذّبُ رَسُولَك، اللّهُمّ فَنَصْرَك الّذِي وَعَدْتنِي، اللّهُمّ أَحِنْهُمْ الْغَدَاةَ. وَقَدْ قَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ- وَقَدْ رَأَى عُتْبَةُ بْنُ رَبِيعَةَ فِي الْقَوْمِ عَلَى جَمَلٍ لَهُ أَحْمَرَ- إنْ يَكُنْ فِي أَحَدٍ مِنْ الْقَوْمِ خَيْرٌ فَعِنْدَ صَاحِبِ الْجَمَلِ الْأَحْمَرِ إنْ يُطِيعُوهُ يَرْشُدُوا وَقَدْ كَانَ خُفَافُ بْنُ أَيْمَاءَ بْنِ رَحَضَةَ الْغِفَارِيّ، أَوْ أَبُوهُ أَيْمَاءُ بْنُ رَحَضَةَ الْغِفَارِيّ، بَعَثَ إلَى قُرَيْشٍ، حِينَ مَرّوا بِهِ ابْنَا لَهُ بِجَزَائِرِهِ أَهْدَاهَا لَهُمْ وَقَالَ إنْ أَحْبَبْتُمْ أَنْ نُمِدّكُمْ بِسِلَاحِ وَرِجَالٍ فَعَلْنَا. قَالَ فَأَرْسَلُوا إلَيْهِ مَعَ ابْنِهِ أَنْ وَصَلَتْك رَحِمٌ قَدْ قَضَيْت الّذِي عَلَيْك، فَلَعَمْرِي لَئِنْ كُنّا إنّمَا نُقَاتِلُ النّاسَ فَمَا بِنَا مِنْ ضَعْفٍ عَنْهُمْ وَلَئِنْ كُنّا إنّمَا نُقَاتِلُ اللّهَ كَمَا يَزْعُمُ مُحَمّدٌ فَمَا لِأَحَدِ بِاَللّهِ مِنْ طَاقَةٍ.
.[إسْلَامُ ابْنِ حِزَامٍ]:

فَلَمّا نَزَلَ النّاسُ أَقْبَلَ نَفَرٌ مِنْ قُرَيْشٍ حَتّى وَرَدُوا حَوْضَ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فِيهِمْ حَكِيمُ بْنُ حِزَامٍ، فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ دَعُوهُمْ. فَمَا شَرِبَ مِنْهُ رَجُلٌ يَوْمَئِذٍ إلّا قُتِلَ إلّا مَا كَانَ مِنْ حَكِيمِ بْنِ حِزَامٍ، فَإِنّهُ لَمْ يُقْتَلْ ثُمّ أَسْلَمَ بَعْدَ ذَلِكَ فَحَسُنَ إسْلَامُهُ. فَكَانَ إذَا اجْتَهَدَ فِي يَمِينِهِ قَالَ لَا وَاَلّذِي نَجّانِي مِنْ يَوْمِ بَدْرٍ.
.[تَشَاوُرُ قُرَيْشٍ فِي الرّجُوعِ عَنْ الْقِتَالِ]:

قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَحَدّثَنِي أَبِي إسْحَاقَ بْنِ يَسَارٍ وَغَيْرُهُ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ عَنْ أَشْيَاخٍ مِنْ الْأَنْصَارِ، قَالُوا: لَمّا اطْمَأَنّ الْقَوْمُ بَعَثُوا عُمَيْرَ بْنَ وَهْبٍ الجُمَحِيّ فَقَالُوا: احْزُرُوا لَنَا أَصْحَابَ مُحَمّدٍ، قَالَ فَاسْتَجَالَ بِفَرَسِهِ حَوْلَ الْعَسْكَرِ ثُمّ رَجَعَ إلَيْهِمْ فَقَالَ ثَلَاثُ مِئَةٍ رَجُلٍ يَزِيدُونَ قَلِيلًا أَوْ يَنْقُصُونَ وَلَكِنْ أَمْهِلُونِي حَتّى أَنْظُرَ أَلِلْقَوْمِ كَمِينٌ أَوْ مَدَدٌ؟ قَالَ فَضَرَبَ فِي الْوَادِي حَتّى أَبْعَدَ فَلَمْ يَرَ شَيْئًا، فَرَجَعَ إلَيْهِمْ فَقَالَ مَا وَجَدْتُ شَيْئًا، وَلَكِنّي قَدْ رَأَيْتُ يَا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ، الْبَلَايَا تَحْمِلُ الْمَنَايَا، نَوَاضِحُ يَثْرِبَ تَحْمِلُ الْمَوْتَ النّاقِعَ قَوْمٌ لَيْسَ مَعَهُمْ مَنَعَةٌ وَلَا مَلْجَأٌ إلّا سُيُوفُهُمْ وَاَللّهِ مَا أَرَى أَنْ يُقْتَلَ رَجُلٌ مِنْهُمْ حَتّى يَقْتُلَ رَجُلًا مِنْكُمْ فَإِذَا أَصَابُوا مِنْكُمْ أَعْدَادَهُمْ فَمَا خَيْرُ الْعَيْشِ بَعْدَ ذَلِكَ؟ فَرُوا رَأْيَكُمْ. فَلَمّا سَمِعَ حَكِيمُ بْنُ حِزَامٍ ذَلِكَ مَشَى فِي النّاسِ فَأَتَى عُتْبَةَ بْنَ رَبِيعَةَ، فَقَالَ يَا أَبَا الْوَلِيدِ إنّك كَبِيرُ قُرَيْشٍ وَسَيّدُهَا، وَالْمُطَاعُ فِيهَا، هَلْ لَك إلَى أَنْ لَا تَزَالَ تُذْكَرُ فِيهَا بِخَيْرِ إلَى آخِرِ الدّهْرِ؟ قَالَ وَمَا ذَاكَ يَا حَكِيمُ؟ قَالَ تَرْجِعُ بِالنّاسِ وَتَحْمِلُ أَمْرَ حَلِيفِك عَمْرِو بْنِ الْحَضْرَمِيّ، قَالَ قَدْ فَعَلْتُ أَنْتَ عَلَيّ بِذَلِكَ إنّمَا هُوَ حَلِيفِي، فَعَلَيّ عَقْلُهُ وَمَا أُصِيبَ مِنْ مَالِهِ فَأْتِ ابْنَ الْحَنْظَلِيّةِ.
.[نَسَبُ الْحَنْظَلِيّةِ]:

قَالَ ابْنُ هِشَامٍ وَالْحَنْظَلِيّةُ أُمّ أَبِي جَهْلٍ وَهِيَ أَسَمَاءُ بِنْتُ مُخَرّبَةَ أَحَدُ بَنِي نَهْشِلْ بْنِ دَارِمِ بْنِ مَالِكِ بْنِ حَنْظَلَةَ بْنِ مَالِكِ بْنِ زَيْدِ مَنَاةَ بْنِ تَمِيمٍ- فَإِنّي لَا أَخْشَى أَنْ يَشْجُرَ أَمْرَ النّاسِ غَيْرُهُ يَعْنِي أَبَا جَهْلِ بْنَ هِشَام ٍ. ثُمّ قَامَ عُتْبَةُ بْنُ رَبِيعَةَ خَطِيبًا، فَقَالَ يَا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ، إنّكُمْ وَاَللّهِ مَا تَصْنَعُونَ بِأَنْ تَلَقّوْا مُحَمّدًا وَأَصْحَابَهُ شَيْئًا، وَاَللّهِ لَئِنْ أَصَبْتُمُوهُ لَا يَزَالُ الرّجُلُ يَنْظُرُ فِي وَجْهِ رَجُلٍ يَكْرَهُ النّظَرَ إلَيْهِ قَتَلَ ابْنَ عَمّهِ أَوْ ابْنَ خَالِهِ أَوْ رَجُلًا مِنْ عَشِيرَتِهِ فَارْجِعُوا وَخَلّوا بَيْنَ مُحَمّدٍ وَبَيْنَ سَائِرِ الْعَرَبِ، فَإِنْ أَصَابُوهُ فَذَاكَ الّذِي أَرَدْتُمْ وَإِنْ كَانَ غَيْرَ ذَلِكَ أَلْفَاكُمْ وَلَمْ تَعَرّضُوا مِنْهُ مَا تُرِيدُونَ. قَالَ حَكِيمٌ فَانْطَلَقْتُ حَتّى جِئْت أَبَا جَهْل ٍ فَوَجَدْته قَدْ نَثَلَ دِرْعًا لَهُ مِنْ جِرَابِهَا، فَهُوَ يُهَنّئُهَا.- قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: يُهَيّئُهَا- فَقُلْتُ لَهُ يَا أَبَا الْحَكَم ِ إنّ عُتْبَةَ أَرْسَلَنِي إلَيْك بِكَذَا وَكَذَا، لِلّذِي قَالَ فَقَالَ انْتَفَخَ وَاَللّهِ سَحْرُهُ حِينَ رَأَى مُحَمّدًا وَأَصْحَابَهُ كَلّا وَاَللّهِ لَا نَرْجِعُ حَتّى يَحْكُمَ اللّهُ بَيْنَنَا وَبَيْنَ مُحَمّدٍ وَمَا بِعُتْبَةَ مَا قَالَ وَلَكِنّهُ قَدْ رَأَى أَنّ مُحَمّدًا وَأَصْحَابَهُ أَكَلَةُ جَزُورٍ وَفِيهِمْ ابْنُهُ فَقَدْ تَخَوّفَكُمْ عَلَيْهِ. ثُمّ بَعَثَ إلَى عَامِرِ بْنِ الْحَضْرَمِيّ، فَقَالَ هَذَا حَلِيفُك يُرِيدُ أَنْ يَرْجِعَ بِالنّاسِ وَقَدْ رَأَيْتَ ثَأْرَك بِعَيْنِك، فَقُمْ فَانْشُدْ خُفْرَتَكَ وَمَقْتَلَ أَخِيك. فَقَامَ عَامِرُ بْنُ الْحَضْرَمِيّ فَاكْتَشَفَ ثُمّ صَرَخَ وَاعَمْرَاه، وَاعَمْرَاه، فَحَمِيَتْ الْحَرْبُ وَحَقِبَ النّاسُ وَاسْتَوْسَقُوا عَلَى مَا هُمْ عَلَيْهِ مِنْ الشّرّ وَأُفْسِدَ عَلَى النّاسِ الرّأْيُ الّذِي دَعَاهُمْ إلَيْهِ عُتْبَةُ. عُتْبَةَ قَوْلُ أَبِي جَهْلٍ انْتَفَخَ وَاَللّهِ سَحْرُهُ قَالَ سَيَعْلَمُ مُصَفّرُ اسْتِهِ مَنْ انْتَفَخَ سَحْرُهُ أَنَا أَمْ هُوَ؟. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: السّحْرُ الرّئَةُ وَمَا حَوْلَهَا مِمّا يَعْلَقُ بِالْحُلْقُومِ مِنْ فَوْقِ السّرّةِ. وَمَا كَانَ تَحْتَ السّرّةِ فَهُوَ الْقُصْبُ وَمِنْهُ قَوْلُهُ رَأَيْت عَمْرَو بْنَ لُحَيّ يَجُرّ قُصْبَهُ فِي النّارِ قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: حَدّثَنِي بِذَلِكَ أَبُو عُبَيْدَةَ. ثُمّ الْتَمَسَ عُتْبَةُ بَيْضَةً لِيُدْخِلَهَا فِي رَأْسِهِ فَمَا وَجَدَ فِي الْجَيْشِ بَيْضَةً تَسَعُهُ مِنْ عِظَمِ هَامَتِهِ فَلَمّا رَأَى ذَلِكَ اعْتَجَرَ عَلَى رَأْسِهِ بِبُرْدٍ لَهُ.
.[مَقْتَلُ الْأَسْوَدِ الْمَخْزُومِيّ]:

قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَقَدْ خَرَجَ الْأَسْوَدُ بْنُ عَبْدِ الْأَسَدِ الْمَخْزُومِيّ، وَكَانَ رَجُلًا شَرِسًا سَيّئَ الْخُلُقِ فَقَالَ أُعَاهِدُ اللّهَ لَأَشْرَبَن مِنْ حَوْضِهِمْ أَوْ لَأَهْدِمَنّهُ أَوْ لَأَمُوتَنّ دُونَهُ فَلَمّا خَرَجَ خَرَجَ إلَيْهِ حَمْزَةُ بْنُ عَبْدِ الْمُطّلِبِ، فَلَمّا الْتَقَيَا ضَرَبَهُ حَمْزَةُ فَأَطَنّ قَدَمَهُ بِنِصْفِ سَاقِهِ وَهُوَ دُونَ الْحَوْضِ فَوَقَعَ عَلَى ظَهْرِهِ تَشْخَبُ رِجْلُهُ دَمًا نَحْوَ أَصْحَابِهِ ثُمّ حَبَا إلَى الْحَوْضِ حَتّى اقْتَحَمَ فِيهِ يُرِيدُ زَعَمَ أَنْ يُبِرّ يَمِينَهُ وَأَتْبَعَهُ حَمْزَةُ فَضَرَبَهُ حَتّى قَتَلَهُ فِي الْحَوْضِ.
.[دُعَاءُ عُتْبَةَ إلَى الْمُبَارَزَةِ]:

قَالَ ثُمّ خَرَجَ بَعْدَ عُتْبَةَ بْنِ رَبِيعَةَ، بَيْنَ أَخِيهِ شَيْبَةَ بْنِ رَبِيعَةَ وَابْنِهِ الْوَلِيدِ بْنِ عُتْبَةَ، حَتّى إذَا فَصَلَ مِنْ الصّفّ دَعَا إلَى الْمُبَارَزَةِ فَخَرَجَ إلَيْهِ فِتْيَةٌ مِنْ الْأَنْصَارِ ثَلَاثَةٌ وَهُمْ عَوْفٌ وَمُعَوّذٌ ابْنَا الْحَارِثِ- وَأُمّهُمَا عَفْرَاءُ- وَرَجُلٌ آخَرُ يُقَالُ هُوَ عَبْدُ اللّهِ بْنُ رَوَاحَةَ، فَقَالُوا: مَنْ أَنْتُمْ؟ فَقَالُوا: رَهْطٌ مِنْ الْأَنْصَارِ، قَالُوا: مَا لَنَا بِكُمْ مِنْ حَاجَةٍ. ثُمّ نَادَى مُنَادِيهِمْ يَا مُحَمّدُ أَخْرِجْ إلَيْنَا أَكْفَاءَنَا مِنْ قَوْمِنَا، فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ قُمْ يَا عُبَيْدَةُ بْنَ الْحَارِثِ، وَقُمْ يَا حَمْزَةُ وَقُمْ يَا عَلِيّ، فَلَمّا قَامُوا وَدَنَوْا مِنْهُمْ قَالُوا: مَنْ أَنْتُمْ؟ قَالَ عُبَيْدَةُ عُبَيْدَةُ وَقَالَ حَمْزَةُ حَمْزَةُ وَقَالَ عَلِيّ: عَلِيّ، قَالُوا: نَعَمْ أَكْفَاءٌ كِرَامٌ. فَبَارَزَ عُبَيْدَةُ وَكَانَ أَسَنّ الْقَوْمِ عُتْبَةَ بْنَ رَبِيعَةَ، وَبَارَزَ حَمْزَةُ شَيْبَةَ بْنَ رَبِيعَةَ، وَبَارَزَ عَلِيّ الْوَلِيدَ بْنَ عُتْبَةَ. فَأَمّا حَمْزَةُ فَلَمْ يُمْهِلْ شَيْبَةَ أَنْ قَتَلَهُ وَأَمّا عَلِيّ فَلَمْ يُمْهِلْ الْوَلِيدَ أَنْ قَتَلَهُ وَاخْتَلَفَ عُبَيْدَةُ وَعُتْبَةُ بَيْنَهُمَا ضَرْبَتَيْنِ كِلَاهُمَا أَثْبَتَ صَاحِبَهُ وَكَرّ حَمْزَةُ وَعَلِيّ بِأَسْيَافِهِمَا عَلَى عُتْبَةَ فَذَفّفَا عَلَيْهِ وَاحْتَمَلَا صَاحِبَهُمَا فَحَازَاهُ إلَى أَصْحَابِهِ. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَحَدّثَنِي عَاصِمُ بْنُ عُمَرَ بْنِ قَتَادَةَ: أَنّ عُتْبَةَ بْنَ رَبِيعَةَ قَالَ لِلْفِتْيَةِ مِمّنْ الْأَنْصَارُ، حِينَ انْتَسَبُوا: أَكْفَاءٌ كِرَامٌ إنّمَا نُرِيدُ قَوْمَنَا.
.[الْتِقَاءُ الْفَرِيقَيْنِ]:

قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: ثُمّ تَزَاحَفَ النّاسُ وَدَنَا بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ وَقَدْ أَمَرَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ أَصْحَابَهُ أَنْ لَا يَحْمِلُوا حَتّى يَأْمُرَهُمْ وَقَالَ إنْ اكْتَنَفَكُمْ الْقَوْمُ فَانْضَحُوهُمْ عَنْكُمْ بِالنّبْلِ وَرَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فِي الْعَرِيشِ مَعَهُ أَبُو بَكْرٍ الصّدّيقُ فَكَانَتْ وَقْعَةُ بَدْرٍ يَوْمَ الْجُمُعَةِ صَبِيحَةَ سَبْعَ عَشْرَةَ مِنْ شَهْرِ رَمَضَانَ. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: كَمَا حَدّثَنِي أَبُو جَعْفَرٍ مُحَمّدُ بْنُ عَلِيّ بْنِ الْحُسَيْنِ.
.[ابْنُ غَزِيّةَ وَضَرْبُ الرّسُولِ لَهُ فِي بَطْنِهِ بِالْقَدَحِ]:

قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَحَدّثَنِي حِبّانُ بْنُ وَاسِعِ بْنِ حِبّانَ عَنْ أَشْيَاخٍ مِنْ قَوْمِهِ أَنّ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ عَدّلَ صُفُوفَ أَصْحَابِهِ يَوْمَ بَدْرٍ، وَفِي يَدِهِ قِدْحٌ يُعَدّلُ بِهِ الْقَوْمَ فَمَرّ بِسَوَادِ بْنِ غَزِيّةَ حَلِيفِ بَنِي عَدِيّ بْنِ النّجّارِ- قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: يُقَالُ سَوّادٌ مُثَقّلَةٌ وَسَوَادٌ فِي الْأَنْصَارِ غَيْرُ هَذَا، مُخَفّفٌ- وَهُوَ مُسْتَنْتِلٌ مِنْ الصّفّ- قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَيُقَالُ مُسْتَنْصِلٌ مِنْ الصّفّ- فَطُعِنَ فِي بَطْنِهِ بِالْقِدْحِ وَقَالَ اسْتَوِ يَا سَوّادُ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللّهِ أَوْجَعْتنِي وَقَدْ بَعَثَك اللّهُ بِالْحَقّ وَالْعَدْلِ قَالَ فَأَقِدْنِي. فَكَشَفَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ عَنْ بَطْنِهِ وَقَالَ اسْتَقِدْ قَالَ فَاعْتَنَقَهُ فَقَبّلَ بَطْنَهُ فَقَالَ مَا حَمَلَك عَلَى هَذَا يَا سَوّادُ؟ قَالَ يَا رَسُولَ اللّهَ حَضَرَ مَا تَرَى، فَأَرَدْتُ أَنْ يَكُونَ آخِرُ الْعَهْدِ بِك أَنْ يَمَسّ جِلْدِي جِلْدَك. فَدَعَا لَهُ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بِخَيْرِ وَقَالَهُ لَهُ.
.[مُنَاشَدَةُ الرّسُولِ رَبّهُ النّصْرَ]:

قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: ثُمّ عَدّلَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ الصّفُوفَ وَرَجَعَ إلَى فَدَخَلَهُ وَمَعَهُ فِيهِ أَبُو بَكْرٍ الصّدّيقُ، لَيْسَ مَعَهُ فِيهِ غَيْرُهُ وَرَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ يُنَاشِدُ رَبّهُ مَا وَعَدَهُ مِنْ النّصْرِ وَيَقُولُ فِيمَا يَقُولُ اللّهُمّ إنْ تَهْلِكْ هَذِهِ الْعِصَابَةُ الْيَوْمَ لَا تُعْبَدْ وَأَبُو بَكْرٍ يَقُولُ يَا نَبِيّ اللّهِ بَعْضَ مُنَاشَدَتِك رَبّك، فَإِنّ اللّهَ مُنْجّزٌ لَك مَا وَعَدَك. وَقَدْ خَفَقَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ خَفْقَةً وَهُوَ فِي الْعَرِيشِ ثُمّ انْتَبَهَ فَقَالَ أَبْشِرْ يَا أَبَا بَكْرٍ أَتَاك نَصْرُ اللّهِ. هَذَا جِبْرِيلُ آخِذٌ بِعَنَانِ فَرَسٍ يَقُودُهُ عَلَى ثَنَايَاهُ النّقْعُ.
.[مَقْتَلُ مِهْجَعٍ وَابْنِ سُرَاقَةَ]:

قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَقَدْ رُمِيَ مِهْجَعٌ مَوْلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطّاب بِسَهْمِ فَقُتِلَ فَكَانَ أَوّلَ قَتِيلٍ مِنْ الْمُسْلِمِينَ ثُمّ رُمِيَ حَارِثَةُ بْنُ سُرَاقَةَ أَحَدُ بَنِي عَدِيّ بْنِ النّجّارِ وَهُوَ يَشْرَبُ مِنْ الْحَوْضِ بِسَهْمِ فَأَصَابَ نَحْرَهُ فَقُتِلَ.
.[تَحْرِيضُ الْمُسْلِمِينَ عَلَى الْقِتَالِ]:

قَالَ ثُمّ خَرَجَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ إلَى النّاسِ فَحَرّضَهُمْ وَقَالَ وَاَلّذِي نَفْسُ مُحَمّدٍ بِيَدِهِ لَا يُقَاتِلُهُمْ الْيَوْمَ رَجُلٌ فَيُقْتَلُ صَابِرًا مُحْتَسِبًا، مُقْبِلًا غَيْرَ مُدْبِرٍ إلّا أَدْخَلَهُ اللّهُ الْجَنّةَ. فَقَالَ عُمَيْرُ بْنُ الْحُمَامِ، أَخُو بَنِي سَلَمَةَ وَفِي يَدِهِ تَمَرَاتٍ يَأْكُلُهُنّ بَخْ بَخْ أَفَمَا بَيْنِي وَبَيْنَ أَنْ أَدْخُلَ الْجَنّةَ إلّا أَنْ يَقْتُلَنِي هَؤُلَاءِ ثُمّ قَذَفَ التّمَرَاتِ مِنْ يَدِهِ وَأَخَذَ سَيْفَهُ فَقَاتَلَ الْقَوْمَ حَتّى قُتِلَ قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَحَدّثَنِي عَاصِمُ بْنُ عُمَرَ بْنِ قَتَادَةَ: أَن عَوْفَ بْنَ الْحَارِثِ، وَهُوَ ابْنُ عَفْرَاءَ قَالَ يَا رَسُولَ اللّهِ مَا يُضْحِكُ الرّبّ مِنْ عَبْدِهِ؟ قَالَ غَمْسُهُ يَدَهُ فِي الْعَدُوّ حَاسِرًا. فَنَزَعَ دِرْعًا كَانَتْ عَلَيْهِ فَقَذَفَهَا، ثُمّ أَخَذَ سَيْفَهُ فَقَاتَلَ الْقَوْمَ حَتّى قُتِل.

.[اسْتِفْتَاحُ أَبِي جَهْلٍ بِالدّعَاءِ]:

قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَحَدّثَنِي مُحَمّدُ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ شِهَابٍ الزّهْرِيّ، عَنْ عَبْدِ اللّهِ بْنِ ثَعْلَبَةَ بْنِ صُعَيْرٍ الْعُذْرِيّ حَلِيفِ بَنِي زُهْرَةَ أَنّهُ حَدّثَهُ أَنّهُ لَمّا الْتَقَى النّاسُ وَدَنَا بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ قَالَ أَبُو جَهْلِ بْنُ هِشَامٍ اللّهُمّ أَقْطَعَنَا لِلرّحِمِ وَآتَانَا بِمَا لَا يُعْرَفُ فَأَحِنْهُ الْغَدَاةَ. فَكَانَ هُوَ الْمُسْتَفْتِحَ.
.[رَمْيُ الرّسُولِ لِلْمُشْرِكِينَ بِالْحَصْبَاءِ]:

قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: ثُمّ إنّ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ أَخَذَ حَفْنَةً مِنْ الْحَصْبَاءِ فَاسْتَقْبَلَ قُرَيْشًا بِهَا، ثُمّ قَالَ شَاهَتْ الْوُجُوهُ، ثُمّ نَفَحَهُمْ بِهَا، وَأَمَرَ أَصْحَابَهُ فَقَالَ شِدّوا، فَكَانَتْ الْهَزِيمَةُ فَقَتَلَ اللّهُ تَعَالَى مَنْ قُتِلَ مِنْ صَنَادِيدِ قُرَيْشٍ، وَأَسَرَ مَنْ أَسَرَ مِنْ أَشْرَافِهِمْ. فَلَمّا وَضَعَ الْقَوْمُ أَيْدِيَهُمْ يَأْسِرُونَ وَرَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فِي الْعَرِيشِ وَسَعْدُ بْنُ مُعَاذٍ قَائِمٌ عَلَى بَابِ الْعَرِيشِ الّذِي فِيهِ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ مُتَوَشّحَ السّيْفِ فِي نَفَرٍ مِنْ الْأَنْصَارِ يَحْرُسُونَ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ يَخَافُونَ عَلَيْهِ كَرّةَ الْعَدُوّ وَرَأَى رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ- فِيمَا ذُكِرَ لِي- فِي وَجْهِ سَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ الْكَرَاهِيَةَ لِمَا يَصْنَعُ النّاسَ فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَاَللّهِ لَكَأَنّك يَا سَعْدُ تَكْرَهُ مَا يَصْنَعُ الْقَوْمَ قَالَ أَجَلْ وَاَللّهِ يَا رَسُولَ اللّهِ كَانَتْ أَوّلَ وَقْعَةٍ أَوْقَعَهَا اللّهُ بِأَهْلِ الشّرْكِ. فَكَانَ الْإِثْخَانُ فِي الْقَتْلِ بِأَهْلِ الشّرْكِ أَحَبّ إلَيّ مِنْ اسْتِبْقَاءِ الرّجَالِ.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://el-quran.ahlamontada.com
Admin
Admin
Admin


المساهمات : 4240
تاريخ التسجيل : 20/01/2018

كتاب السيرة النبوية۞ لعبد الملك ابن هشام ۞«المؤرخ» ​ - صفحة 2 Empty
مُساهمةموضوع: رد: كتاب السيرة النبوية۞ لعبد الملك ابن هشام ۞«المؤرخ» ​   كتاب السيرة النبوية۞ لعبد الملك ابن هشام ۞«المؤرخ» ​ - صفحة 2 Emptyالأحد مارس 04, 2018 6:32 am

كتاب السيرة النبوية۞ لعبد الملك ابن هشام ۞«المؤرخ» ​ - صفحة 2 SeeretIbenHisham

.[نَهْيُ النّبِيّ أَصْحَابَهُ عَنْ قَتْلِ نَاسٍ مِنْ الْمُشْرِكِينَ]:

قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَحَدّثَنِي الْعَبّاسُ بْنُ عَبْدِ اللّهِ بْنِ مَعْبَدٍ، عَنْ بَعْضِ أَهْلِهِ ابْنِ عَبّاسٍ: أَنّ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ قَالَ لِأَصْحَابِهِ يَوْمَئِذٍ «إنّي قَدْ عَرَفْت أَنّ رِجَالًا مِنْ بَنِي هَاشِمٍ وَغَيْرِهِمْ قَدْ أَخْرَجُوا كُرْهًا، لَا حَاجَةَ لَهُمْ بِقِتَالِنَا، فَمَنْ لَقِيَ مِنْكُمْ أَحَدًا مِنْ بَنِي هَاشِمٍ فَلَا يَقْتُلْهُ وَمَنْ لَقِيَ أَبَا الْبَخْتَرِيّ بْنَ هِشَامِ بْنِ الْحَارِثِ ابْنِ أَسَدٍ فَلَا يَقْتُلْهُ وَمَنْ لَقِيَ الْعَبّاسَ بْنَ عَبْدِ الْمُطّلِبِ، عَمّ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَلَا يَقْتُلْهُ فَإِنّهُ إنّمَا أُخْرِجَ مُسْتَكْرَهًا». قَالَ فَقَالَ أَبُو حُذَيْفَةَ: أَنَقْتُلُ آبَاءَنَا وَأَبْنَاءَنَا وَإِخْوَتَنَا وَعَشِيرَتَنَا وَنَتْرُكُ الْعَبّاسَ وَاَللّهِ لَئِنْ لَقِيتُهُ لَأُلْحِمَنّهُ السّيْفَ- قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَيُقَالُ لَأُلْجِمَنّهُ السّيْفَ- قَالَ فَبَلَغَتْ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَقَالَ لِعُمَرِ بْنِ الْخَطّابِ «يَا أَبَا حَفْصٍ» قَالَ عُمَرُ وَاَللّهِ إنّهُ لَأَوّلُ يَوْمٍ كَنّانِي فِيهِ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بِأَبِي حَفْصٍ «أَيُضْرَبُ وَجْهُ عَمّ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بِالسّيْفِ؟» فَقَالَ عُمَرُ  يَا رَسُولَ اللّهِ دَعْنِي فَلْأَضْرِبْ عُنُقَهُ بِالسّيْفِ فَوَاَللّهِ لَقَدْ نَافَقَ. فَكَانَ أَبُو حُذَيْفَةَ يَقُولُ مَا أَنَا بِآمِنٍ مِنْ تِلْكَ الْكَلِمَةِ الّتِي قُلْتُ يَوْمَئِذٍ وَلَا أَزَالُ مِنْهَا خَائِفًا، إلّا أَنْ تُكَفّرَهَا عَنّي الشّهَادَةُ. فَقُتِلَ يَوْمَ الْيَمَامَةِ شَهِيدًا. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَإِنّمَا نَهَى رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ عَنْ قَتْلِ أَبِي الْبَخْتَرِيّ لِأَنّهُ كَانَ أَكَفّ الْقَوْمِ عَنْ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَهُوَ بِمَكّةَ وَكَانَ لَا يُؤْذِيهِ وَلَا يَبْلُغُهُ عَنْهُ شَيْءٌ يَكْرَهُهُ وَكَانَ مِمّنْ قَامَ فِي نَقْضِ الصّحِيفَةِ الّتِي كَتَبَتْ قُرَيْشٌ عَلَى بَنِي هَاشِمٍ وَبَنِيّ الْمُطّلِبِ. فَلَقِيَهُ الْمُجَذّرُ بْنُ ذِيَادٍ الْبَلَوِيّ، حَلِيفُ الْأَنْصَارِ، ثُمّ مِنْ بَنِي سَالِمِ بْنِ عَوْفٍ فَقَالَ الْمُجَذّرُ لِأَبِي الْبَخْتَرِيّ إنّ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ قَدْ نَهَانَا عَنْ قَتْلِك- وَمَعَ أَبِي الْبَخْتَرِيّ زَمِيلٌ لَهُ قَدْ خَرَجَ مَعَهُ مِنْ مَكّةَ، وَهُوَ جُنَادَةُ بْنُ مُلَيْحَةَ بِنْتِ زُهَيْرِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ أَسَدٍ، وَجُنَادَةُ رَجُلٌ مِنْ بَنِي لَيْثٍ. وَاسْمُ أَبِي الْبَخْتَرِيّ الْعَاصِ- قَالَ وَزَمِيلِي؟ فَقَالَ لَهُ الْمُجَذّرُ لَا وَاَللّهِ مَا نَحْنُ بِتَارِكِي زَمِيلِك، مَا أَمَرَنَا رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ إلّا بِك وَحْدَك، فَقَالَ لَا وَاَللّهِ إذَنْ لَأَمُوتَن أَنَا وَهُوَ جَمِيعًا، لَا تَتَحَدّثُ عَنّي نِسَاءُ مَكّةَ أَنّي تَرَكْت زَمِيلِي حِرْصًا عَلَى الْحَيَاةِ. فَقَالَ أَبُو الْبَخْتَرِيّ حِينَ نَازَلَهُ الْمُجَذّرُ وَأَبَى إلّا الْقِتَالَ يَرْتَجِزُ:
لَنْ يُسْلِمَ ابْنُ حُرّةَ زَمِيلَهُ ** حَتّى يَمُوتَ أَوْ يَرَى سَبِيلَهُ

فَاقْتَتَلَا، فَقَتَلَهُ الْمُجَذّرُ بْنُ ذِيَادٍ. وَقَالَ الْمُجَذّرُ بْنُ ذِيَادٍ فِي قَتْلِهِ أَبَا الْبَخْتَرِيّ:
إمّا جَهِلْتَ أَوْ نَسِيتَ نَسَبِي ** فَأَثْبِتْ النّسْبَةَ أَنّي مَنْ بَلِيَ

الطّاعِنِينَ بِرِمَاحِ الْيَزْنِيّ ** وَالضّارِبِينَ الْكَبْشَ حَتّى يَنْحَنِيَ

بَشّرْ بِيُتْمِ مَنْ أَبُوهُ الْبَخْتَرِيّ ** أَوْ بَشّرْنَ بِمِثْلِهَا مِنّي بَنِي

أَنَا الّذِي يُقَالُ أَصْلِي مَنْ بَلِيَ ** أَطْعَنُ بِالصّعْدَةِ حَتّى تَنْثَنِيَ

وَأَعْبِطْ الْقِرْنَ بِعَضْبِ مَشْرَفِيّ ** أُرْزِمُ لِلْمَوْتِ كَإِرْزَامِ الْمَرِيّ

فَلَا تَرَى مُجَذّرًا يَفْرِي فَرِيّ

قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: الْمَرِيّ عَنْ غَيْرِ ابْنِ إسْحَاقَ. وَالْمَرِيّ: النّاقَةُ الّتِي يُسْتَنْزَلُ لَبَنُهَا عَلَى عُسْرٍ. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: ثُمّ إنّ الْمُجَذّرَ أَتَى رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَقَالَ وَاَلّذِي بَعَثَك بِالْحَقّ لَقَدْ جَهَدْتُ عَلَيْهِ أَنْ يَسْتَأْسِرَ فَآتِيك بِهِ فَأَبَى إلّا أَنْ يُقَاتِلَنِي، فَقَاتَلْتُهُ فَقَتَلْتُهُ. قَالَ ابْنَ هِشَامٌ: أَبُو الْبَخْتَرِيّ الْعَاصِ بْنُ هِشَامِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ أَسَدٍ.
.[مَقْتَلُ أُمَيّةَ بْنِ خَلَفٍ]:

قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: حَدّثَنِي يَحْيَى بْنُ عَبّادِ بْنِ عَبْدِ اللّهِ بْنِ الزّبَيْرِ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَحَدّثَنِيهِ أَيْضًا عَبْدُ اللّهِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ وَغَيْرُهُمَا، عَنْ عَبْدِ الرّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ قَالَ كَانَ أُمَيّةُ بْنُ خَلَفٍ لِي صَدِيقًا بِمَكّةَ وَكَانَ اسْمِي عَبْدَ عَمْرٍو، فَتَسَمّيْت، حِينَ أَسْلَمْتُ عَبْدَ الرّحْمَنِ وَنَحْنُ بِمَكّةَ فَكَانَ يَلْقَانِي إذْ نَحْنُ بِمَكّةَ فَيَقُولُ يَا عَبْدَ عَمْرٍو، أَرَغِبْتَ عَنْ اسْمٍ سَمّاكَهُ أَبَوَاك؟ فَأَقُولُ نَعَمْ فَيَقُولُ فَإِنّي لَا أَعْرِفُ الرّحْمَنَ فَاجْعَلْ بَيْنِي وَبَيْنَك شَيْئًا أَدْعُوك بِهِ أَمّا أَنْتَ فَلَا تُجِيبُنِي بِاسْمِك الْأَوّلِ وَأَمّا أَنَا فَلَا أَدْعُوك بِمَا لَا أَعْرِفُ قَالَ فَكَانَ إذَا دَعَانِي: يَا عَبْدَ عَمْرٍو، لَمْ أُجِبْهُ. قَالَ فَقُلْت لَهُ يَا أَبَا عَلِيّ اجْعَلْ مَا شِئْت، قَالَ فَأَنْتَ عَبْدُ الْإِلَهِ قَالَ فَقُلْت: نَعَمْ قَالَ فَكُنْت إذَا مَرَرْتُ بِهِ قَالَ يَا عَبْدَ الْإِلَهِ فَأُجِيبُهُ فَأَتَحَدّثُ مَعَهُ. حَتّى إذَا كَانَ يَوْمَ بَدْرٍ مَرَرْتُ بِهِ وَهُوَ وَاقِفٌ مَعَ ابْنِهِ عَلِيّ بْنُ أُمَيّةَ آخُذُ بِيَدِهِ وَمَعِي أَدْرَاعٌ قَدْ اسْتَلَبْتُهَا، فَأَنَا أَحْمِلُهَا. فَلَمّا رَآنِي قَالَ لِي: يَا عَبْدَ عَمْرٍو، فَلَمْ أُجِبْهُ فَقَالَ يَا عَبْدَ الْإِلَهِ؟ فَقُلْت: نَعَمْ قَالَ هَلْ لَك فِيّ فَأَنَا خَيْرٌ لَك مِنْ هَذِهِ الْأَدْرَاعِ الّتِي مَعَك؟ قَالَ قُلْت: نَعَمْ هَا اللّهِ ذَا. قَالَ فَطَرَحْتُ الْأَدْرَاعَ مِنْ يَدِي، وَأَخَذْت بِيَدِهِ وَيَدِ ابْنِهِ وَهُوَ يَقُولُ مَا رَأَيْت كَالْيَوْمِ قَطّ، أَمَا لَكُمْ حَاجَةٌ فِي اللّبَنِ؟ قَالَ: ثُمّ خَرَجْت أَمْشِي بِهِمَا قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: يُرِيدُ بِاللّبَنِ أَنّ مَنْ أَسَرَنِي افْتَدَيْتُ مِنْهُ بِإِبِلِ كَثِيرَةِ اللّبَنِ. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: حَدّثَنِي عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَبِي عَوْنٍ عَنْ سَعْدِ بْنِ إبْرَاهِيمَ عَنْ أَبِيهِ عَبْدِ الرّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ، قَالَ قَالَ لِي أُمَيّةُ بْنُ خَلَفٍ، وَأَنَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ ابْنِهِ آخِذٌ بِأَيْدِيهِمَا: يَا عَبْدَ الْإِلَهِ مَنْ الرّجُلُ مِنْكُمْ الْمُعْلَمُ بِرِيشَةِ نَعَامَةٍ فِي صَدْرِهِ؟ قَالَ قُلْت: ذَاكَ حَمْزَةُ بْنُ عَبْدِ الْمُطّلِبِ، قَالَ ذَاكَ الّذِي فَعَلَ بِنَا الْأَفَاعِيلَ قَالَ عَبْدُ الرّحْمَنِ فَوَاَللّهِ إنّي لَأَقُودُهُمَا إذْ رَآهُ بِلَالٌ مِعَى- وَكَانَ هُوَ الّذِي يُعَذّبُ بِلَالًا بِمَكّةَ عَلَى تَرْكِ الْإِسْلَامِ فَيُخْرِجُهُ إلَى رَمْضَاءَ مَكّةَ إذَا حَمَيْت، فَيُضْجِعُهُ عَلَى ظَهْرِهِ ثُمّ يَأْمُرُ بِالصّخْرَةِ الْعَظِيمَةِ فَتُوضَعُ عَلَى صَدْرِهِ ثُمّ يَقُولُ لَا تَزَالُ هَكَذَا أَوْ تُفَارِقَ دِينَ مُحَمّدٍ فَيَقُولُ بِلَالٌ أَحَدٌ أَحَدٌ. قَالَ فَلَمّا رَآهُ قَالَ رَأْسُ الْكُفْرِ أُمَيّةُ بْنُ خَلَفٍ، لَا نَجَوْتُ إنْ نَجَا. قَالَ قُلْت: أَيْ بِلَالٌ أَبِأَسِيرَيّ قَالَ لَا نَجَوْت إنْ نَجَا. قَالَ قُلْت: أَتَسْمَعُ يَا ابْنَ السّوْدَاءِ قَالَ لَا نَجَوْت إنْ نَجَا. قَالَ ثُمّ صَرَخَ بِأَعْلَى صَوْتِهِ يَا أَنْصَارَ اللّهِ رَأْسُ الْكُفْرِ أُمَيّةُ بْنُ خَلَفٍ، لَا نَجَوْتُ إنْ نَجَا. قَالَ فَأَحَاطُوا بِنَا حَتّى جَعَلُونَا فِي مِثْلِ الْمُسْكَةِ وَأَنَا أَذُبّ عَنْهُ. قَالَ فَأَخْلَفَ رَجُلٌ السّيْفَ فَضَرَبَ رِجْلَ ابْنِهِ فَوَقَعَ وَصَاحَ أُمَيّةُ صَيْحَةً مَا سَمِعْتُ مِثْلَهَا قَطّ. قَالَ فَقُلْت: اُنْجُ بِنَفْسِك، وَلَا نُجَاءَ بِك فَوَاَللّهِ مَا أُغْنِي عَنْك شَيْئًا. قَالَ فَهَبِرُوهُمَا بِأَسْيَافِهِمْ حَتّى فَرَغُوا مِنْهُمَا. قَالَ فَكَانَ عَبْدُ الرّحْمَنِ يَقُولُ يَرْحَمُ اللّهُ بِلَالًا، ذَهَبَتْ أَدْرَاعِي وَفَجَعَنِي بِأَسِيرَيّ.
.[شُهُودُ الْمَلَائِكَةِ وَقْعَةَ بَدْرٍ]:

قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَحَدّثَنِي عَبْدُ اللّهِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ أَنّهُ حُدّثَ عَنْ ابْنِ عَبّاسٍ قَالَ حَدّثَنِي رَجُلٌ مِنْ بَنِي غِفَارٍ، قَالَ أَقْبَلْت أَنَا وَابْنُ عَمّ لِي حَتّى أَصْعَدْنَا فِي جَبَلٍ يُشْرِفُ بِنَا عَلَى بَدْرٍ وَنَحْنُ مُشْرِكَانِ نَنْتَظِرُ الْوَقْعَةَ عَلَى مَنْ تَكُونُ الدّبْرَةُ فَنَنْتَهِبُ مَعَ مَنْ يَنْتَهِبُ. قَالَ فَبَيْنَا نَحْنُ فِي الْجَبَلِ إذْ دَنَتْ مِنّا سَحَابَةٌ فَسَمِعْنَا فِيهَا حَمْحَمَةَ الْخَيْلِ فَسَمِعْت قَائِلًا يَقُولُ أَقَدِمَ حَيْزُومُ فَأَمّا ابْنُ عَمّي فَانْكَشَفَ قِنَاعُ قَلْبِهِ فَمَاتَ مَكَانَهُ وَأَمّا أَنَا فَكِدْت أَهْلَكَ ثُمّ تَمَاسَكْتُ. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَحَدّثَنِي عَبْدُ اللّهِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ، عَنْ بَعْضِ بَنِي سَاعِدَةَ عَنْ أَبِي أُسَيْدٍ مَالِكِ بْنِ رَبِيعَةَ، وَكَانَ شَهِدَ بَدْرًا، قَالَ بَعْدَ أَنْ ذَهَبَ بَصَرُهُ لَوْ كُنْت الْيَوْمَ بِبَدْرِ وَمَعِي بَصَرِي لَأَرَيْتُكُمْ الشّعْبَ الّذِي خَرَجَتْ مِنْهُ الْمَلَائِكَةُ لَا أَشُكّ فِيهِ وَلَا أَتَمَارَى. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَحَدّثَنِي أَبِي إسْحَاقُ بْنُ يَسَارٍ، عَنْ رِجَالٍ مِنْ بَنِي مَازِنِ بْنِ النّجّارِ عَنْ أَبِي دَاوُد الْمَازِنِيّ وَكَانَ شَهِدَ بَدْرًا، قَالَ إنّي لَأَتّبِعُ رَجُلًا مِنْ الْمُشْرِكِينَ يَوْمَ بَدْرٍ لِأَضْرِبَهُ إذْ وَقَعَ رَأْسُهُ قَبْلَ أَنْ يَصِلَ إلَيْهِ سَيْفِي، فَعَرَفْتُ أَنّهُ قَدْ قَتَلَهُ غَيْرِي قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَحَدّثَنِي مَنْ لَا أَتّهِمُ عَنْ مِقْسَمٍ، مَوْلَى عَبْدِ اللّهِ بْنِ الْحَارِثِ، عَنْ عَبْدِ اللّهِ بْنِ عَبّاسٍ، قَالَ كَانَتْ سِيمَا الْمَلَائِكَةِ يَوْمَ بَدْرٍ عَمَائِمَ بِيضًا قَدْ أَرْسَلُوهَا عَلَى ظُهُورِهِمْ وَيَوْمَ حُنَيْنٍ عَمَائِمَ حُمْرًا قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَحَدّثَنِي بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ أَنّ عَلِيّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ قَالَ الْعَمَائِمُ تِيجَانُ الْعَرَبِ، وَكَانَتْ سِيمَا الْمَلَائِكَةِ يَوْمَ بَدْرٍ عَمَائِمَ بِيضًا قَدْ أَرْخَوْهَا عَلَى ظُهُورِهِمْ إلّا جِبْرِيلُ فَإِنّهُ كَانَتْ عَلَيْهِ عِمَامَةٌ صَفْرَاءُ قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَحَدّثَنِي مَنْ لَا أَتّهِمُ عَنْ مِقْسَمٍ، عَنْ ابْنِ عَبّاسٍ، قَالَ وَلَمْ تُقَاتِلْ الْمَلَائِكَةُ فِي يَوْمٍ سِوَى بَدْرٍ مِنْ الْأَيّامِ وَكَانُوا يَكُونُونَ فِيمَا سِوَاهُ مِنْ الْأَيّامِ عَدَدًا وَمَدَدًا لَا يَضْرِبُونَ.
.[مَقْتَلُ أَبِي جَهْلٍ]:

قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَأَقْبَلَ أَبُو جَهْلٍ يَوْمَئِذٍ يَرْتَجِزُ وَهُوَ يُقَاتِلُ وَيَقُولُ:
مَا تَنْقِمُ الْحَرْبُ الْعَوَانُ مِنّي ** بَازِلُ عَامَيْنِ حَدِيثٌ سنى

لِمِثْلِ هَذَا وَلَدَتْنِي أُمّي.
.[شِعَارُ الْمُسْلِمِينَ بِبَدْرِ]:

قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَكَانَ شِعَارُ أَصْحَابِ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ يَوْمَ بَدْرٍ أَحَدٌ أَحَدٌ.
.[عَوْدٌ إلَى مَقْتَلِ أَبِي جَهْلٍ]:

قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فَلَمّا فَرَغَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ مِنْ عَدُوّهِ أَمَرَ بِأَبِي جَهْلٍ أَنْ يُلْتَمَسَ فِي الْقَتْلَى. وَكَانَ أَوّلَ مَنْ لَقِيَ أَبَا جَهْلٍ كَمَا حَدّثَنِي ثَوْرُ بْنُ يَزِيدَ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنْ ابْنِ عَبّاسٍ، وَعَبْدِ اللّهِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ أَيْضًا قَدْ حَدّثَنِي ذَلِكَ قَالَا: قَالَ مُعَاذُ ابْنُ عَمْرِو بْنِ الْجَمُوحِ، أَخُو بَنِي سَلَمَةَ سَمِعْتُ الْقَوْمَ وَأَبُو جَهْلٍ فِي مِثْلِ الْحَرَجَةِ- قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: الْحَرَجَةُ الشّجَرُ الْمُلْتَفّ. وَفِي الْحَدِيثِ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطّابِ: أَنّهُ سَأَلَ أَعْرَابِيّا عَنْ الْحَرَجَةِ فَقَالَ هِيَ شَجَرَةٌ مِنْ الْأَشْجَارِ لَا يُوصَلُ إلَيْهَا- وَهُمْ يَقُولُونَ أَبُو الْحَكَمِ لَا يُخْلَصُ إلَيْهِ. قَالَ فَلَمّا سَمِعْتُهَا جَعَلْتُهُ مِنْ شَأْنِي، فَصَمَدْت نَحْوَهُ فَلَمّا أَمْكَنَنِي حَمَلْتُ عَلَيْهِ فَضَرَبْته ضَرْبَةً أَطَنّتْ قَدَمَهُ بِنِصْفِ سَاقِهِ فَوَاَللّهِ مَا شَبّهْتهَا حِينَ طَاحَتْ إلّا بِالنّوَاةِ تُطِيحُ مِنْ تَحْتِ مِرْضَخَةِ النّوَى حِينَ يُضْرَبُ بِهَا قَالَ وَضَرَبَنِي ابْنُهُ عِكْرِمَةُ عَلَى عَاتِقِي، فَطَرَح يَدِي، فَتَعَلّقَتْ بِجَلْدَةٍ مِنْ جَنْبِي، وَأَجْهَضَنِي الْقِتَالُ عَنْهُ فَلَقَدْ قَاتَلْتُ عَامّةَ يَوْمِي، وَإِنّي لَأَسْحَبُهَا خَلْفِي، فَلَمّا آذَتْنِي وَضَعْتُ عَلَيْهَا قَدَمِي، ثُمّ تَمَطّيْتُ بِهَا عَلَيْهَا حَتّى طَرَحْتُهَا. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: ثُمّ عَاشَ بَعْدَ ذَلِكَ حَتّى كَانَ زَمَانُ عُثْمَانَ. ثُمّ مَرّ بِأَبِي جَهْلٍ وَهُوَ عَقِيرٌ مُعَوّذُ بْنُ عَفْرَاءَ، فَضَرَبَهُ حَتّى أَثْبَتَهُ فَتَرَكَهُ وَبِهِ رَمَقٌ. وَقَاتَلَ مُعَوّذٌ حَتّى قُتِلَ.
فَمَرّ عَبْدُ اللّهِ بْنُ مَسْعُودٍ بِأَبِي جَهْلٍ حِينَ أَمَرَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ أَنْ يُلْتَمَسَ فِي الْقَتْلَى، وَقَدْ قَالَ لَهُمْ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ- فِيمَا بَلَغَنِي- اُنْظُرُوا، إنْ خَفِيَ عَلَيْكُمْ فِي الْقَتْلَى، إلَى أَثَرِ جُرْحٍ فِي رُكْبَتِهِ فَإِنّي ازْدَحَمْتُ يَوْمًا أَنَا وَهُوَ عَلَى مَأْدُبَةٍ لِعَبْدِ اللّهِ بْنِ جُدْعَانَ وَنَحْنُ غُلَامَانِ وَكُنْتُ أَشَفّ مِنْهُ بِيَسِيرٍ فَدَفَعْتُهُ فَوَقَعَ عَلَى رُكْبَتَيْهِ فَجُحِشَ فِي إحْدَاهُمَا جَحْشًا لَمْ يَزَلْ أَثَرُهُ بِهِ. قَالَ عَبْدُ اللّهِ بْنُ مَسْعُودٍ: فَوَجَدْته بِآخِرِ رَمَقٍ فَعَرَفْتُهُ فَوَضَعْتُ رِجْلِي عَلَى عُنُقِهِ- قَالَ وَقَدْ كَانَ ضَبَثَ بِي مَرّةً بِمَكّةَ فَآذَانِي وَلَكَزَنِي، ثُمّ قُلْت لَهُ هَلْ أَخْزَاك اللّهُ يَا عَدُوّ اللّهِ؟ قَالَ وَبِمَاذَا أَخْزَانِي، أَعْمَدُ مِنْ رَجُلٍ قَتَلْتُمُوهُ أَخْبِرْنِي لِمَنْ الدّائِرَةُ الْيَوْمَ؟ قَالَ قُلْت: لِلّهِ وَلِرَسُولِهِ قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: ضَبَثَ قَبَضَ عَلَيْهِ وَلَزِمَهُ. قَالَ ضَابِئُ بْنُ الْحَارِثِ الْبُرْجُمِيّ:
فَأَصْبَحْتُ مِمّا كَانَ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ ** مِنْ الْوُدّ مِثْلَ الضّابِثِ الْمَاءَ بِالْيَدِ

قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَيُقَالُ أَعَارٌ عَلَى رَجُلٍ قَتَلْتُمُوهُ أَخْبِرْنِي لِمَنْ الدّائِرَةُ الْيَوْمَ؟ قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَزَعَمَ رِجَالٌ مِنْ بَنِي مَخْزُومٍ أَنّ ابْنَ مَسْعُودٍ كَانَ يَقُولُ قَالَ لِي: لَقَدْ ارْتَقَيْتَ مُرْتَقًى صَعْبًا يَا رُوَيْعِي الْغَنَمِ قَالَ ثُمّ احْتَرَزْت رَأْسَهُ ثُمّ جِئْتُ بِهِ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَقُلْت: يَا رَسُولَ اللّهِ هَذَا رَأْسُ عَدُوّ اللّهِ أَبِي جَهْلٍ قَالَ فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ آللّهِ الّذِي لَا إلَهَ غَيْرُهُ- قَالَ وَكَانَتْ يَمِينَ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ- قَالَ قُلْت نَعَمْ وَاَللّهِ الّذِي لَا إلَهَ غَيْرُهُ ثُمّ أَلْقَيْتُ رَأْسَهُ بَيْنَ يَدَيْ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَحَمِدَ اللّهَ. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَحَدّثَنِي أَبُو عُبَيْدَةَ وَغَيْرُهُ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ بِالْمَغَازِي: أَنّ عُمَرَ ابْنَ الْخَطّابِ قَالَ لِسَعِيدِ بْنِ الْعَاصِ وَمَرّ بِهِ إنّي أَرَاك كَأَنّ فِي نَفْسِك شَيْئًا، أَرَاك تَظُنّ أَنّي قَتَلْتُ أَبَاك، إنّي لَوْ قَتَلْته لَمْ أَعْتَذِرْ إلَيْك مِنْ قَتْلِهِ وَلَكِنّي قَتَلْتُ خَالِي الْعَاصِ بْنَ هِشَامِ بْنِ الْمُغِيرَةِ، فَأَمّا أَبُوك فَإِنّي مَرَرْتُ بِهِ وَهُوَ يَبْحَثُ بَحْثَ الثّوْرِ بِرَوْقِهِ فَحُدْتُ عَنْهُ وَقَصَدَ لَهُ ابْنُ عَمّهِ عَلِيّ فَقَتَلَهُ.
.[قِصّةُ سَيْفِ عُكّاشَةَ]:

قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَقَاتَلَ عُكّاشَةُ بْنُ مِحْصَنِ بْنِ حُرْثَانَ الْأَسَدِيّ، حَلِيفُ بَنِي عَبْدِ شَمْسِ بْنِ عَبْدِ مَنَافٍ يَوْمَ بَدْرٍ بِسَيْفِهِ حَتّى انْقَطَعَ فِي يَدِهِ فَأَتَى رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَأَعْطَاهُ جِذْلًا مِنْ حَطَبٍ فَقَالَ قَاتِلْ بِهَذَا يَا عُكّاشَةُ فَلَمّا أَخَذَهُ مِنْ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ هَزّهُ فَعَادَ سَيْفًا فِي يَدِهِ طَوِيلَ الْقَامَةِ شَدِيدَ الْمَتْنِ أَبْيَضَ الْحَدِيدَةِ فَقَاتَلَ بِهِ حَتّى فَتَحَ اللّهُ تَعَالَى عَلَى الْمُسْلِمِينَ وَكَانَ ذَلِكَ السّيْفُ يُسَمّى: الْعَوْنَ. ثُمّ لَمْ يَزَلْ عِنْدَهُ يَشْهَدُ بِهِ الْمَشَاهِدَ مَعَ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ حَتّى قُتِلَ فِي الرّدّةِ وَهُوَ عِنْدَهُ قَتَلَهُ طُلَيْحَةُ بْنُ خُوَيْلِدٍ الْأَسَدِيّ، فَقَالَ طُلَيْحَةُ فِي ذَلِكَ:
فَمَا ظَنّكُمْ بِالْقَوْمِ إذْ تَقْتُلُونَهُمْ ** أَلَيْسُوا وَإِنْ لَمْ يُسْلِمُوا بِرِجَالِ

فَإِنْ تَكُ أَذَاوُدٌ أُصِبْنَ وَنِسْوَةٌ ** فَلَنْ تَذْهَبُوا فِرْغًا بِقَتْلِ حِبَالِ

نَصَبْتُ لَهُمْ صَدْرَ الْحِمَالَةِ إنّهَا ** مُعَاوِدَةٌ قِيلَ الْكُمَاةُ نَزَال

فَيَوْمًا تَرَاهَا فِي الْجِلَالِ مَصُونَةً ** وَيَوْمًا تَرَاهَا غَيْرَ ذَاتِ جِلَالِ

عَشِيّةَ غَادَرْتُ ابْنَ أَقْرَمَ ثَاوِيًا ** وَعُكّاشَةُ الْغَنْمِيّ عِنْدَ حِجَالِ

قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: حِبَالُ ابْنُ طُلَيْحَةَ بْنِ خُوَيْلِدٍ. وَابْنُ أَقْرَمَ ثَابِتُ بْنُ أَقْرَمَ الْأَنْصَارِيّ. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَعُكّاشَةُ بْنُ مُحْصَنٍ الّذِي قَالَ لِرَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ حِينَ قَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ يَدْخُلُ الْجَنّةَ سَبْعُونَ أَلْفًا مِنْ أُمّتِي عَلَى صُورَةِ الْقَمَرِ لَيْلَةَ الْبَدْرِ قَالَ يَا رَسُولَ اللّهِ اُدْعُ اللّهَ أَنْ يَجْعَلَنِي مِنْهُمْ قَالَ إنّك مِنْهُمْ أَوْ اللّهُمّ اجْعَلْهُ مِنْهُمْ فَقَامَ رَجُلٌ مِنْ الْأَنْصَارِ. فَقَالَ يَا رَسُولَ اللّهِ اُدْعُ اللّهَ أَنْ يَجْعَلَنِي مِنْهُمْ فَقَالَ سَبَقَك بِهَا عُكّاشَةُ وَبَرَدَتْ الدّعْوَةُ. وَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فِيمَا بَلَغَنَا عَنْ أَهْلِهِ مِنّا خَيْرُ فَارِسٍ فِي الْعَرَبِ، قَالُوا: وَمَنْ هُوَ يَا رَسُولَ اللّهِ؟ قَالَ عُكّاشَةُ بْنُ مِحْصَنٍ فَقَالَ ضِرَارُ بْنُ الْأَزْوَرِ الْأَسَدِيّ: ذَاكَ رَجُلٌ مِنّا يَا رَسُولَ اللّهِ قَالَ لَيْسَ مِنْكُمْ وَلَكِنّهُ مِنّا لِلْحِلْفِ.
.[حَدِيثٌ بَيْنَ أَبِي بَكْرٍ وَابْنِهِ عَبْدِ الرّحْمَنِ يَوْمَ بَدْرٍ]:

قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَنَادَى أَبُو بَكْرٍ الصّدّيقُ ابْنَهُ عَبْدَ الرّحْمَنِ وَهُوَ يَوْمَئِذٍ مَعَ الْمُشْرِكِينَ فَقَالَ أَيْنَ مَالِي يَا خَبِيثُ؟ فَقَالَ عَبْدُ الرّحْمَنِ:
لَمْ يَبْقَ غَيْرُ شِكّةٍ ويَعْبُوبْ ** وَصَارِمٌ يَقْتُلُ ضُلّالِ الشّيبْ

فِيمَا ذُكِرَ لِي عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ مُحَمّدٍ الدّرَاوَرْدِيّ.
.[طَرْحُ الْمُشْرِكِينَ فِي الْقَلِيبِ]:

قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَحَدّثَنِي يَزِيدُ بْنُ رُومَانَ عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزّبَيْرِ عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ لَمّا أَمَرَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بِالْقَتْلَى أَنْ يُطْرَحُوا فِي الْقَلِيبِ، طُرِحُوا فِيهِ إلّا مَا كَانَ مِنْ أُمَيّةَ بْنِ خَلَفٍ، فَإِنّهُ انْتَفَخَ فِي دِرْعِهِ فَمَلَأَهَا، فَذَهَبُوا لِيُحَرّكُوهُ فَتَزَايَلَ لَحْمُهُ فَأَقَرّوهُ وَأَلْقَوْا عَلَيْهِ مَا غَيّبَهُ مِنْ التّرَابِ أَلْقَاهُمْ فِي الْقَلِيبِ، وَقَفَ عَلَيْهِمْ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَقَالَ يَا أَهْلَ الْقَلِيبِ، هَلْ وَجَدْتُمْ مَا وَعَدَكُمْ رَبّكُمْ حَقّا؟ فَإِنّي قَدْ وَجَدْتُ مَا وَعَدَنِي رَبّي حَقّا. قَالَتْ فَقَالَ لَهُ أَصْحَابُهُ يَا رَسُولَ اللّهِ أَتُكَلّمُ قَوْمًا مَوْتَى؟ فَقَالَ لَهُمْ لَقَدْ عَلِمُوا أَنّ مَا وَعَدَهُمْ رَبّهُمْ حَقّا. قَالَتْ عَائِشَةُ: وَالنّاسُ يَقُولُونَ لَقَدْ سَمِعُوا مَا قُلْت لَهُمْ وَإِنّمَا قَالَ لَهُمْ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ لَقَدْ عَلِمُوا قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَحَدّثَنِي حُمَيْدٌ الطّوِيلُ. عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ سَمِعَ أَصْحَابُ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ مِنْ جَوْفِ اللّيْلِ وَهُوَ يَقُولُ يَا أَهْلَ الْقَلِيبِ، يَا عُتْبَةُ بْنَ رَبِيعَةَ وَيَا شَيْبَةُ بْنَ رَبِيعَةَ، وَيَا أُمَيّةُ بْنَ خَلَفٍ، وَيَا أَبَا جَهْلِ بْنَ هِشَامٍ، فَعَدّدَ مَنْ كَانَ مِنْهُمْ فِي الْقَلِيبِ: هَلْ وَجَدْتُمْ مَا وَعَدَ رَبّكُمْ حَقّا، فَإِنّي قَدْ وَجَدْتُ مَا وَعَدَنِي رَبّي حَقّا؟ فَقَالَ الْمُسْلِمُونَ يَا رَسُولَ اللّهِ أَتُنَادِي قَوْمًا قَدْ جَيّفُوا؟ قَالَ مَا أَنْتُمْ بِأَسْمَعَ لِمَا أَقُولُ مِنْهُمْ وَلَكِنّهُمْ لَا يَسْتَطِيعُونَ أنُ يُجِيبُونِي. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَحَدّثَنِي بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ أَنّ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ قَالَ يَوْمَ هَذِهِ الْمَقَالَةِ «يَا أَهْلَ الْقَلِيبِ بِئْسَ عَشِيرَةُ النّبِيّ كُنْتُمْ لِنَبِيّكُمْ، كَذّبْتُمُونِي وَصَدّقَنِي النّاسُ وَأَخْرَجْتُمُونِي وَآوَانِي النّاسُ وَقَاتَلْتُمُونِي وَنَصَرَنِي النّاسُ ثُمّ قَالَ هَلْ وَجَدْتُمْ مَا وَعَدَكُمْ رَبّكُمْ حَقّا؟» لِلْمَقَالَةِ الّتِي قَالَ.
.[شِعْرُ حَسّانَ فِيمَنْ أَلَقُوا فِي الْقَلِيبِ]:

قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَقَالَ حَسّانُ بْنُ ثَابِتٍ:
عَرَفْتُ دِيَارَ زَيْنَبَ بِالْكَثِيبِ ** كَخَطّ الْوَحْيِ فِي الْوَرَقِ الْقَشِيبِ

تَدَاوَلُهَا الرّيَاحُ وَكُلّ جَوْنٍ ** مِنْ الْوَسْمِيّ مُنْهَمِرٍ سَكُوبِ

فَأَمْسَى رَسْمُهَا خَلَقًا وَأَمْسَتْ ** يَبَابًا بَعْدَ سَاكِنِهَا الْحَبِيبِ

فَدَعْ عَنْك التّذَكّرَ كُلّ يَوْمٍ ** وَرُدّ حَرَارَةَ الصّدْرِ الْكَئِيبِ

وَخَبّرَ بِاَلّذِي لَا عَيْبَ فِيهِ ** بِصِدْقِ غَيْرِ إخْبَارِ الْكَذُوبِ

بِمَا صَنَعَ الْمَلِيكُ غَدَاةَ بَدْرٍ ** لَنَا فِي الْمُشْرِكِينَ مِنْ النّصِيبِ

غَدَاةَ كَأَنّ جَمْعَهُمْ حِرَاءٌ ** بَدَتْ أَرْكَانُهُ جُنْحَ الْغُرُوبِ

فَلَاقَيْنَاهُمْ مِنّا بِجَمْعٍ ** كَأُسْدِ الْغَابِ مُرْدَانٍ وَشِيبِ

أَمَامَ مُحَمّدٍ قَدْ وَازَرُوه ** عَلَى الْأَعْدَاءِ فِي لَفْحِ الْحُرُوبِ

بِأَيْدِيهِمْ صَوَارِمُ مُرْهَفَاتٌ ** وَكُلّ مُجَرّبٍ خَاظِي الْكُعُوبِ

بَنُو الْأَوْسِ الْغَطَارِفُ وَازَرَتْهَا ** بَنُو النّجّارِ فِي الدّينِ الصّلِيبِ

فَغَادَرْنَا أَبَا جَهْلٍ صَرِيعًا ** وَعُتْبَةَ قَدْ تَرَكْنَا بِالْجَبُوبِ

وَشَيْبَةَ قَدْ تَرَكْنَا فِي رِجَالٍ ** ذَوِي حَسَبٍ إذَا نُسِبُوا حَسِيبِ

يُنَادِيهِمْ رَسُولُ اللّهِ لَمّا ** قَذَفْنَاهُمْ كَبَاكِبَ فِي الْقَلِيبِ

أَلَمْ تَجِدُوا كَلَامِي كَانَ حَقّا ** وَأَمْرُ اللّهِ يَأْخُذُ بِالْقُلُوبِ؟

فَمَا نَطَقُوا، وَلَوْ نَطَقُوا لَقَالُوا ** صَدَقْتَ وَكُنْتَ ذَا رَأْيٍ مُصِيبِ

قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَلَمّا أَمَرَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ أَنْ يُلْقَوْا فِي الْقَلِيبِ، أُخِذَ عُتْبَةُ بْنُ رَبِيعَةَ، فَسُحِبَ إلَى الْقَلِيبِ، فَنَظَرَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ- فِيمَا بَلَغَنِي- فِي وَجْهِ أَبِي حُذَيْفَةَ بْنِ عُتْبَةَ فَإِذَا هُوَ كَئِيبٌ قَدْ تَغَيّرَ لَوْنُهُ فَقَالَ يَا أَبَا حُذَيْفَةَ لَعَلّك قَدْ دَخَلَك مِنْ شَأْنِ أَبِيك شَيْءٌ؟ أَوْ كَمَا قَالَ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَقَالَ لَا، وَاَللّهِ يَا رَسُولَ اللّهِ مَا شَكَكْتُ فِي أَبِي وَلَا فِي مَصْرَعِهِ كُنْتُ أَعْرِفُ مَنْ أَبِي رَأْيًا وَحِلْمًا وَفَضْلًا، فَكُنْت أَرْجُو أَنْ يَهْدِيَهُ ذَلِكَ إلَى الْإِسْلَامِ فَلَمّا رَأَيْتُ مَا أَصَابَهُ وَذَكَرْتُ مَا مَاتَ عَلَيْهِ مِنْ الْكُفْرِ بَعْدَ الّذِي كُنْتُ أَرْجُو لَهُ أَحْزَنَنِي ذَلِكَ فَدَعَا لَهُ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بِخَيْرٍ وَقَالَ لَهُ خَيْرًا.
.[ذِكْرُ الْفِتْيَةِ الّذِينَ نَزَلَ فِيهِمْ إنّ الّذِينَ تَوَفّاهُمْ الْمَلَائِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ]:

وَكَانَ الْفِتْيَةُ الّذِينَ قُتِلُوا بِبَدْرِ فَنَزَلَ فِيهِمْ مِنْ الْقُرْآن، فِيمَا ذُكِرَ لَنَا: {إِنّ الّذِينَ تَوَفّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ قَالُوا فِيمَ كُنْتُمْ قَالُوا كُنّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الْأَرْضِ قَالُوا أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُوا فِيهَا فَأُولَئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنّمُ وَسَاءَتْ مَصِيرًا} فِتْيَةً  مُسْلِمِينَ مِنْ بَنِي أَسَدِ بْنِ عَبْدِ الْعُزّى بْنِ قُصَيّ: الْحَارِثُ بْنُ زَمَعَةَ بْنِ الْأَسْوَدِ بْنِ عَبْدِ الْمُطّلِبِ ابْنِ أَسَدٍ. وَمِنْ بَنِي مَخْزُومٍ أَبُو قَيْسِ بْنُ الْفَاكِهِ بْنِ الْمُغِيرَةِ بْنِ عَبْدِ اللّهِ بْنِ عُمَرَ بْنِ مَخْزُومٍ، وَأَبُو قَيْسِ بْنُ الْوَلِيدِ بْنِ الْمُغِيرَةِ بْنِ عَبْدِ اللّهِ بْنِ عُمَرَ بْنِ مَخْزُومٍ. وَمِنْ بَنِي جُمَحَ عَلِيّ بْنُ أُمَيّةَ بْنِ خَلَفِ بْنِ وَهْبِ بْنِ حُذَافَةَ بْنِ جُمَحَ وَمِنْ بَنِي سَهْمٍ الْعَاصِ بْنُ مُنَبّهِ بْنِ الْحَجّاجِ بْنِ عَامِرِ بْنِ حُذَيْفَةَ بْنِ سَعْدِ ابْنِ سَهْمٍ. وَذَلِكَ أَنّهُمْ كَانُوا أَسْلَمُوا، وَرَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بِمَكّةَ فَلَمّا هَاجَرَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ إلَى الْمَدِينَةِ حَبَسَهُمْ آبَاؤُهُمْ وَعَشَائِرُهُمْ بِمَكّةَ وَفَتَنُوهُمْ فَافْتَتَنُوا، ثُمّ سَارُوا مَعَ قَوْمِهِمْ إلَى بَدْرٍ فَأُصِيبُوا بِهِ جَمِيعًا.
.[ذِكْرُ الْفَيْءِ بِبَدْرِ وَالْأُسَارَى]:

ثُمّ إنّ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ أَمَرَ بِمَا فِي الْعَسْكَرِ مِمّا جَمَعَ النّاسُ فَجَمَعَ فَاخْتَلَفَ الْمُسْلِمُونَ فِيهِ فَقَالَ مَنْ جَمَعَهُ هُوَ لَنَا، وَقَالَ الّذِينَ كَانُوا يُقَاتِلُونَ الْعَدُوّ وَيَطْلُبُونَهُ وَاَللّهِ لَوْلَا نَحْنُ مَا أَصَبْتُمُوهُ لَنَحْنُ شَغَلَنَا عَنْكُمْ الْقَوْمُ حَتّى أَصَبْتُمْ مَا أَصَبْتُمْ وَقَالَ الّذِينَ كَانُوا يَحْرُسُونَ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ مَخَافَةَ أَنْ خِفْنَا عَلَى رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ كَرّةَ الْعَدُوّ فَقُمْنَا دُونَهُ فَمَا أَنْتُمْ بِأَحَقّ بِهِ مِنّا. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَحَدّثَنِي عَبْد الرّحْمَنِ بْنُ الْحَارِثِ وَغَيْرُهُ مِنْ أَصْحَابِنَا عَنْ سُلَيْمَانَ ابْنِ مُوسَى، عَنْ مَكْحُولٍ، عَنْ أَبِي أُمَامَةَ الْبَاهِلِيّ- وَاسْمُهُ صُدَيّ بْنُ عَجْلَانَ فِيمَا قَالَ ابْنُ هِشَامٍ- قَالَ سَأَلْت عُبَادَةَ بْنَ الصّامِتِ عَنْ الْأَنْفَالِ فَقَالَ فِينَا أَصْحَابُ بَدْرٍ نَزَلَتْ حِينَ اخْتَلَفْنَا فِي النّفَلِ وَسَاءَتْ فِيهِ أَخْلَاقُنَا، فَنَزَعَهُ اللّهُ مِنْ أَيْدِينَا، فَجَعَلَهُ إلَى رَسُولِهِ فَقَسَمَهُ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ عَنْ بَوَاءٍ يَقُولُ عَلَى السّوَاءِ. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَحَدّثَنِي عَبْدُ اللّهِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ، قَالَ حَدّثَنِي بَعْضُ بَنِي سَاعِدَةَ عَنْ أَبِي أُسَيْدٍ السّاعِدِيّ مَالِكِ بْنِ رَبِيعَةَ، قَالَ أَصَبْتُ سَيْفَ بَنِي عَائِذٍ الْمَخْزُومِيّينَ الّذِي يُسَمّى الْمَرْزُبَانَ يَوْمَ بَدْرٍ فَلَمّا أَمَرَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ النّاسَ أَنْ يَرُدّوا مَا فِي أَيْدِيهِمْ مِنْ النّفَلِ أَقْبَلْتُ حَتّى أَلْقَيْتُهُ فِي النّفَلِ. قَالَ وَكَانَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ لَا يَمْنَعُ شَيْئًا سُئِلَهُ فَعَرَفَهُ الْأَرْقَمُ بْنُ أَبِي الْأَرْقَمِ، فَسَأَلَهُ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَأَعْطَاهُ إيّاهُ.
.[بَعْثُ ابْنِ رَوَاحَةَ وَزَيْدِ بَشِيرِينَ]:

قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: ثُمّ بَعَثَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ عِنْدَ الْفَتْحِ عَبْدَ اللّهِ ابْنَ رَوَاحَةَ بَشِيرًا إلَى أَهْلِ الْعَالِيَةِ، بِمَا فَتَحَ اللّهُ عَزّ وَجَلّ عَلَى رَسُولِهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَعَلَى الْمُسْلِمِينَ وَبَعَثَ زَيْدَ بْنَ حَارِثَةَ إلَى أَهْلِ السّافِلَةِ. قَالَ أُسَامَةُ بْنُ زَيْدٍ فَأَتَانَا الْخَبَرُ- حِينَ سَوّيْنَا التّرَابَ عَلَى رُقَيّةَ ابْنَةِ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ الّتِي كَانَتْ عِنْدَ عُثْمَانَ بْنِ عَفّانَ. كَانَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ خَلّفَنِي عَلَيْهَا مَعَ زَيْدَ بْنَ حَارِثَةَ قَدْ قَدِمَ. قَالَ فَجِئْته وَهُوَ وَاقِفٌ بِالْمُصَلّى قَدْ غَشِيَهُ النّاسُ وَهُوَ يَقُولُ قُتِلَ عُتْبَةُ بْنُ رَبِيعَةَ، وَشَيْبَةُ بْنُ رَبِيعَةَ، وَأَبُو جَهْلِ بْنُ هِشَامٍ وَزَمَعَةُ بْنُ الْأَسْوَدِ، وَأَبُو الْبَخْتَرِيّ الْعَاصِ بْنُ هِشَامٍ وَأُمَيّةُ بْنُ خَلَفٍ، وَنُبَيْهُ وَمُنَبّهٌ ابْنَا الْحَجّاجِ. قَالَ قُلْت: يَا أَبَتْ أَحَقّ هَذَا؟ قَالَ نَعَمْ وَاَللّهِ يَا بُنَيّ.
.[قُفُولُ رَسُولِ اللّهِ مِنْ بَدْرٍ]:

ثُمّ أَقْبَلَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ قَافِلًا إلَى الْمَدِينَةِ، وَمَعَهُ الْأُسَارَى مِنْ الْمُشْرِكِينَ وَفِيهِمْ عُقْبَةُ بْنُ أَبِي مُعَيْطٍ، وَالنّضْرُ بْنُ الْحَارِثِ وَاحْتَمَلَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ مَعَهُ النّفَلَ الّذِي أُصِيبَ مِنْ الْمُشْرِكِينَ وَجَعَلَ عَلَى النّفَلِ عَبْدَ اللّهِ بْنَ كَعْبِ بْنِ عَمْرِو بْنِ عَوْفِ بْنِ مَبْذُولِ بْنِ عَمْرِو بْن غَنْمِ بْنِ مَازِنِ بْنِ النّجّارِ فَقَالَ رَاجِزٌ مِنْ الْمُسْلِمِينَ- قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: يُقَال: إنّهُ عَدِيّ بْنُ أَبِي الزّغْبَاءِ:
أَقِمْ لَهَا صُدُورَهَا يَا بَسْبَسُ ** لَيْسَ بِذِي الطّلْحِ لَهَا مُعَرّسُ

وَلَا بِصَحْرَاءِ غُمَيرٍ مَحْبَسُ ** إنّ مَطَايَا الْقَوْمِ لَا تُخَيّسُ

فَحَمْلُهَا عَلَى الطّرِيقِ أَكْيَسُ ** قَدْ نَصَرَ اللّهُ وَفَرّ الْأَخْنَسُ

ثُمّ أَقْبَلَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ- حَتّى إذَا خَرَجَ مِنْ مَضِيقِ الصّفْرَاءِ نَزَلَ عَلَى كَثِيبٍ بَيْنَ الْمَضِيقِ وَبَيْنَ النّازِيَةِ- يُقَالُ لَهُ سَيْرٌ- إلَى سَرْحَةٍ بِهِ. فَقَسَمَ هُنَالِكَ النّفَلَ الّذِي أَفَاءَ اللّهُ عَلَى الْمُسْلِمِينَ مِنْ الْمُشْرِكِينَ عَلَى السّوَاءِ ثُمّ ارْتَحَلَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ حَتّى إذَا كَانَ بِالرّوْحَاءِ لَقِيَهُ الْمُسْلِمُونَ يُهَنّئُونَهُ بِمَا فَتَحَ اللّهُ عَلَيْهِ وَمَنْ مَعَهُ مِنْ الْمُسْلِمِينَ فَقَالَ لَهُمْ سَلَمَةُ بْنُ سَلَامَةَ- كَمَا حَدّثَنِي عَاصِمُ بْنُ عُمَرَ بْنِ قَتَادَةَ، وَيَزِيدُ بْنُ رُومَانَ-: مَا الّذِي تُهَنّئُونَنَا بِهِ؟ فَوَاَللّهِ إنْ لَقِينَا صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ ثُمّ قَالَ أَيْ ابْنَ أَخِي، أُولَئِكَ الْمَلَأُ. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: الْمَلَأُ الْأَشْرَافُ وَالرّؤَسَاءُ.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://el-quran.ahlamontada.com
Admin
Admin
Admin


المساهمات : 4240
تاريخ التسجيل : 20/01/2018

كتاب السيرة النبوية۞ لعبد الملك ابن هشام ۞«المؤرخ» ​ - صفحة 2 Empty
مُساهمةموضوع: رد: كتاب السيرة النبوية۞ لعبد الملك ابن هشام ۞«المؤرخ» ​   كتاب السيرة النبوية۞ لعبد الملك ابن هشام ۞«المؤرخ» ​ - صفحة 2 Emptyالأحد مارس 04, 2018 6:33 am

كتاب السيرة النبوية۞ لعبد الملك ابن هشام ۞«المؤرخ» ​ - صفحة 2 SeeretIbenHisham

.[مَقْتَلُ النّضْرِ وَعُقْبَةَ]:

قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: حَتّى إذَا كَانَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بِالصّفْرَاءِ قُتِلَ النّضْرُ بْنُ الْحَارِثِ قَتَلَهُ عَلِيّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ، كَمَا أَخْبَرَنِي بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ مِنْ أَهْلِ مَكّةَ. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: ثُمّ خَرَجَ حَتّى إذَا كَانَ بِعِرْقِ الظّبْيَةِ قُتِلَ عُقْبَةُ بْنُ أَبِي مُعَيْطٍ. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: عِرْقُ الظّبْيَةِ عَنْ غَيْرِ ابْنِ إسْحَاقَ. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَاَلّذِي أَسَرَ عُقْبَةَ عَبْدُ اللّهِ بْنُ سَلِمَةَ أَحَدُ بَنِي الْعَجْلَانِ. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فَقَالَ عُقْبَةُ حِينَ أَمَرَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بِقَتْلِهِ فَمَنْ لِلصّبْيَةِ يَا مُحَمّدُ؟ قَالَ النّارُ. فَقَتَلَهُ عَاصِمُ بْنُ ثَابِتِ بْنِ أَبِي الْأَقْلَحِ الْأَنْصَارِيّ، أَخُو بَنِي عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ كَمَا حَدّثَنِي أَبُو عُبَيْدَةَ بْنُ مُحَمّدِ بْنِ عَمّارِ بْنِ يَاسِرٍ. قَالَ ابْنُ هِشَامَ: وَيُقَالُ قَتَلَهُ عَلِيّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ فِيمَا ذَكَرَ لِي ابْنُ شِهَابٍ الزّهْرِيّ وَغَيْرُهُ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَلَقِيَ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بِذَلِكَ الْمَوْضِعِ أَبُو هِنْدٍ، مَوْلَى فَرْوَةَ بْنِ عَمْرٍو الْبَيّاضِي بِحَمِيتٍ مَمْلُوءٍ حَيْسًا. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: الْحَمِيتُ الزّقّ، وَكَانَ قَدْ تَخَلّفَ عَنْ بَدْرٍ ثُمّ شَهِدَ الْمَشَاهِدَ كُلّهَا مَعَ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَهُوَ كَانَ حَجّامَ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ إنّمَا هُوَ أَبُو هِنْدٍ امْرِئِ مِنْ الْأَنْصَارِ فَأَنْكِحُوهُ وَأَنْكِحُوا إلَيْهِ فَفَعَلُوا. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: ثُمّ مَضَى رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ حَتّى قَدِمَ الْمَدِينَةَ قَبْلَ الْأُسَارَى بِيَوْمِ. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ وَحَدّثَنِي عَبْدُ اللّهِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ أَنّ يَحْيَى بْنَ عَبْدِ اللّهِ بْنِ عَبْدِ الرّحْمَنِ ابْنِ أَسَعْدَ بْنِ زُرَارَةَ قَالَ قُدِمَ بِالْأُسَارَى حِينَ قُدِمَ بِهِمْ وَسَوْدَةُ بِنْتُ زَمَعَةَ زَوْجُ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ عِنْدَ آلِ عَفْرَاءَ، فِي مَنَاحَتِهِمْ عَلَى عَوْفٍ وَمُعَوّذٍ ابْنَيْ عَفْرَاءَ، وَذَلِكَ قَبْلَ أَنْ يُضْرَبَ عَلَيْهِنّ الْحِجَابُ. قَالَ تَقُولُ سَوْدَةُ وَاَللّهِ إنّي لَعِنْدَهُمْ إذْ أُتِينَا، فَقِيلَ هَؤُلَاءِ الْأُسَارَى، قَدْ أُتِيَ بِهِمْ. قَالَتْ فَرَجَعْت إلَى بَيْتِي، وَرَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فِيهِ وَإِذَا أَبُو يَزِيدَ سُهَيْلُ بْنُ عَمْرٍو فِي نَاحِيَةِ الْحُجْرَةِ مَجْمُوعَةً يَدَاهُ إلَى عُنُقِهِ بِحَبْلٍ قَالَتْ فَلَا وَاَللّهِ مَا مَلَكْتُ نَفْسِي حِينَ رَأَيْت أَبَا يَزِيدَ كَذَلِكَ أَنْ قُلْت: أَيْ أَبَا يَزِيدَ أَعْطَيْتُمْ بِأَيْدِيكُمْ أَلَا مُتّمْ كِرَامًا، فَوَاَللّهِ مَا أَنْبَهَنِي إلّا قَوْلُ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ مِنْ الْبَيْتِ يَا سَوْدَةُ أَعَلَى اللّهِ وَرَسُولِهِ تُحَرّضِينَ؟ قَالَتْ قُلْت: يَا رَسُولَ اللّهِ وَاَلّذِي بَعَثَك بِالْحَقّ مَا مَلَكْتُ نَفْسِي حِينَ رَأَيْتُ أَبَا يَزِيدَ مَجْمُوعَةً يَدَاهُ إلَى عُنُقِهِ أَنْ قُلْت مَا قُلْت قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَحَدّثَنِي نُبِيّهُ بْنُ وَهْبٍ أَخُو بَنِي عَبْدِ الدّارِ. أَنّ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ حِينَ أَقْبَلَ بِالْأُسَارَى فَرّقَهُمْ بَيْنَ أَصْحَابِهِ وَقَالَ اسْتَوْصُوا بِالْأُسَارَى خَيْرًا قَالَ وَكَانَ أَبُو عَزِيزٍ بْنُ عُمَيْرِ بْنِ هَاشِمٍ، أَخُو مُصْعَبِ بْنِ عُمَيْرٍ لِأَبِيهِ وَأُمّهِ فِي الْأُسَارَى. قَالَ فَقَالَ أَبُو عَزِيزٍ مَرّ بِي أَخِي مُصْعَبُ بْنُ عُمَيْرٍ وَرَجُلٌ مِنْ الْأَنْصَارِ يَأْسِرُنِي، فَقَالَ شُدّ يَدَيْك بِهِ فَإِنّ أُمّهُ ذَاتُ مَتَاعٍ لَعَلّهَا تَفْدِيهِ مِنْك، قَالَ وَكُنْتُ فِي رَهْطٍ مِنْ الْأَنْصَارِ حِينَ أَقْبَلُوا بِي مِنْ بَدْرٍ فَكَانُوا إذَا قَدّمُوا غَدَاءَهُمْ وَعَشَاءَهُمْ خَصّونِي بِالْخُبْزِ وَأَكَلُوا التّمْرَ لِوَصِيّةِ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ إيّاهُمْ بِنَا، مَا تَقَعُ فِي يَدِ رَجُلٍ مِنْهُمْ كِسْرَةُ خُبْزٍ إلّا نَفَحَنِي بِهَا. قَالَ فَأَسْتَحْيِيَ فَأَرُدّهَا عَلَى أَحَدِهِمْ فَيَرُدّهَا عَلَيّ ما يَمَسّهَا.
.[بُلُوغُ مُصَابِ قُرَيْشٍ إلَى مَكّةَ]:

قَالَ ابْنُ هِشَامٍ وَكَانَ أَبُو عَزِيزٍ صَاحِبَ لِوَاءِ الْمُشْرِكِينَ بِبَدْرِ بَعْدً النّضْرِ بْنِ الْحَارِثِ فَلَمّا قَالَ أَخُوهُ مُصْعَبُ بْنُ عُمَيْرٍ لِأَبِي الْيَسَرِ وَهُوَ الّذِي أَسَرَهُ مَا قَالَ قَالَ لَهُ أَبُو عَزِيزٍ يَا أَخِي، هَذِهِ وَصَاتُك بِي، فَقَالَ لَهُ مُصْعَبٌ إنّهُ أَخِي دُونَك. فَسَأَلَتْ أُمّهُ عَنْ أَغْلَى مَا فُدِيَ بِهِ قُرَشِيّ، فَقِيلَ لَهَا: أَرْبَعَةُ آلَافِ دِرْهَمٍ فَبَعَثَتْ بِأَرْبَعَةِ آلَافِ دِرْهَمٍ فَفَدَتْهُ بِهَا. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَكَانَ أَوّلُ مَنْ قَدِمَ مَكّةَ بِمُصَابِ قُرَيْشٍ الْحَيْسُمَانَ بْنُ عَبْدِ اللّهِ الْخُزَاعِيّ، فَقَالُوا: مَا وَرَاءَك؟ قَالَ قُتِلَ عُتْبَةُ بْنُ رَبِيعَةَ، وَشَيْبَةُ بْنُ رَبِيعَةَ، وَأَبُو الْحَكَمِ بْنُ هِشَامٍ وَأُمَيّةُ بْنُ خَلَفٍ، وَزَمَعَةُ بْنُ الْأَسْوَدِ، وَنُبَيّهٌ وَمُنَبّهٌ ابْنَا الْحَجّاجِ، وَأَبُو الْبَخْتَرِيّ بْنُ هِشَامٍ فَلَمّا جَعَلَ يُعَدّدُ أَشْرَافَ قُرَيْشٍ، قَالَ صَفْوَانُ بْنُ أُمَيّةَ، وَهُوَ قَاعِدٌ فِي الْحِجْرِ: وَاَللّهِ إنْ يَعْقِلُ هَذَا فَاسْأَلُوهُ عَنّي؛ فَقَالُوا: ومَا فَعَلَ صَفْوَانُ بْنُ أُمَيّةَ؟ قَالَ هَا هُوَ ذَاكَ جَالِسًا فِي الْحِجْرِ، وَقَدْ وَاَللّهِ رَأَيْتُ أَبَاهُ وَأَخَاهُ حِينَ قُتِلَا قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَحَدّثَنِي حُسَيْنُ بْنُ عَبْدِ اللّهِ بْنِ عُبَيْدِ اللّهِ بْنِ عَبّاسٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ مَوْلَى ابْنِ عَبّاسٍ، قَالَ قَالَ أَبُو رَافِعٍ مَوْلَى رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ كُنْت غُلَامًا لِلْعَبّاسِ بْنِ عَبْدِ الْمُطّلِبِ، وَكَانَ الْإِسْلَامُ قَدْ دَخَلَنَا أَهْلَ الْبَيْتِ، فَأَسْلَمَ الْعَبّاسُ وَأَسْلَمَتْ أُمّ الْفَضْلِ وَأَسْلَمْتُ وَكَانَ الْعَبّاسُ يَهَابُ قَوْمَهُ وَيَكْرَهُ خِلَافَهُمْ وَكَانَ يَكْتُمُ إسْلَامَهُ وَكَانَ ذَا مَالٍ كَثِيرٍ مُتَفَرّقٍ فِي قَوْمِهِ وَكَانَ أَبُو لَهَبٍ قَدْ تَخَلّفَ عَنْ بَدْرٍ فَبَعَثَ مَكَانَهُ الْعَاصِي بْنَ هِشَامِ بْنِ الْمُغِيرَةِ وَكَذَلِك كَانُوا صَنَعُوا، لَمْ يَتَخَلّفْ رَجُلٌ إلّا بَعَثَ مَكَانَهُ رَجُلًا، فَلَمّا جَاءَهُ الْخَبَرُ عَنْ مُصَابِ أَصْحَابِ بَدْرٍ مِنْ قُرَيْشٍ، كَبَتَهُ اللّهُ وَأَخْزَاهُ وَوَجَدْنَا فِي أَنْفُسِنَا قُوّةً وَعِزّا. قَالَ وَكُنْت رَجُلًا ضَعِيفًا، وَكُنْت أَعْمَلُ الْأَقْدَاحَ. أَنْحَتُهَا فِي حُجْرَةِ زَمْزَمَ، فَوَاَللّهِ إنّي لَجَالِسٌ فِيهَا أنْحَتُ أَقْدَاحِي، وَعِنْدِي أُمّ الْفَضْلِ جَالِسَةٌ وَقَدْ سَرّنَا مَا جَاءَنَا مِنْ الْخَبَرِ، إذْ أَقْبَلَ أَبُو لَهَبٍ يَجُرّ رِجْلَيْهِ بِشَرّ حَتّى جَلَسَ عَلَى طُنُبِ الْحُجْرَةِ فَكَانَ ظَهْرُهُ إلَى ظَهْرِي، فَبَيْنَمَا هُوَ جَالِسٌ إذْ قَالَ النّاسُ هَذَا أَبُو سُفْيَانَ ابْنُ الْحَارِثِ بْنِ عَبْدِ الْمُطّلِبِ- قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَاسْمُ أَبِي سُفْيَانَ الْمُغِيرَةُ- قَدْ قَدِمَ قَالَ فَقَالَ أَبُو لَهَبٍ هَلُمّ إلَيّ فَعِنْدَك لَعَمْرِي الْخَبَرُ، قَالَ فَجَلَسَ إلَيْهِ وَالنّاسُ قِيَامٌ عَلَيْهِ فَقَالَ يَا ابْنَ أَخِي، أَخْبِرْنِي كَيْفَ كَانَ أَمْرُ النّاسِ؟ قَالَ وَاَللّهِ مَا هُوَ إلّا أَنْ لَقِينَا الْقَوْمَ فَمَنَحْنَاهُمْ أَكْتَافَنَا يَقُودُونَنَا كَيْفَ شَاءُوا، وَيَأْسِرُونَنَا كَيْفَ شَاءُوا، وَاَيْمُ اللّهِ مَعَ ذَلِكَ مَا لُمْت النّاسَ لَقِينَا رِجَالًا بِيضًا، عَلَى خَيْلٍ بَلْقٍ بَيْنَ السّمَاءِ وَالْأَرْضِ وَاَللّهِ مَا تُلِيقُ شَيْئًا، وَلَا يَقُومُ لَهَا شَيْءٌ. قَالَ أَبُو رَافِعٍ فَرَفَعْت طُنُبَ الْحُجْرَةِ بِيَدَيّ ثُمّ قُلْتُ تِلْكَ وَاَللّهِ الْمَلَائِكَةُ قَالَ فَرَفَعَ أَبُو لَهَبٍ يَدَهُ فَضَرَبَ بِهَا وَجْهِي ضَرْبَةً شَدِيدَةً. قَالَ وَشَاوَرْتُهُ فَاحْتَمَلَنِي فَضَرَبَ بِي الْأَرْضَ ثُمّ بَرَكَ عَلَيّ يَضْرِبُنِي، وَكُنْت رَجُلًا ضَعِيفًا، فَقَامَتْ أُمّ الْفَضْلِ إلَى عَمُودٍ مِنْ عُمُدِ الْحُجْرَةِ فَأَخَذَتْهُ فَضَرَبَتْهُ بِهِ ضَرْبَةً فَعَلَتْ فِي رَأْسِهِ شَجّةً مُنْكَرَةً وَقَالَتْ اسْتَضْعَفَتْهُ أَنْ غَابَ عَنْهُ سَيّدُهُ فَقَامَ مُوَلّيًا ذَلِيلًا، فَوَاَللّهِ مَا عَاشَ إلّا سَبْعَ لَيَالٍ حَتّى رَمَاهُ اللّهُ بِالْعَدَسَةِ فَقَتَلَتْهُ.
.[نُوَاحُ قُرَيْشٍ عَلَى قَتْلَاهُمْ]:

قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَحَدّثَنِي يَحْيَى بْنُ عَبّادِ بْنِ عَبْدِ اللّهِ بْنِ الزّبَيْرِ، عَنْ أَبِيهِ عَبّادٍ قَالَ نَاحَتْ قُرَيْشٌ عَلَى قَتْلَاهُمْ، ثُمّ قَالُوا: لَا تَفْعَلُوا فَيَبْلُغُ مُحَمّدًا وَأَصْحَابَهُ فَيَشْمَتُوا بِكُمْ وَلَا تَبْعَثُوا فِي أَسْرَاكُمْ حَتّى تَسْتَأْنُوا بِهِمْ لَا يَأْرَبُ عَلَيْكُمْ مُحَمّدٌ وَأَصْحَابُهُ فِي الْفِدَاءِ قَالَ وَكَانَ الْأَسْوَدُ بْنُ الْمُطّلِبِ قَدْ أُصِيبَ لَهُ ثَلَاثَةٌ مِنْ وَلَدِهِ زَمَعَةُ بْنُ الْأَسْوَدِ، وَعَقِيلُ بْنُ الْأَسْوَدِ وَالْحَارِثُ بْنُ زَمَعَةَ وَكَانَ يُحِبّ أَنْ يَبْكِيَ عَلَى بَنِيهِ فَبَيْنَمَا هُوَ كَذَلِكَ إذْ سَمِعَ نَائِحَةً مِنْ اللّيْلِ فَقَالَ لِغُلَامِ لَهُ وَقَدْ ذَهَبَ بَصَرُهُ اُنْظُرْ هَلْ أُحِلّ النّحْبُ هَلْ بَكَتْ قُرَيْشٌ عَلَى قَتْلَاهَا؟ لَعَلّي أَبْكِي عَلَى أَبِي حَكِيمَةَ يَعْنِي زَمَعَةَ فَإِنّ جَوْفِي قَدْ احْتَرَقَ. قَالَ فَلَمّا رَجَعَ إلَيْهِ الْغُلَامُ قَالَ إنّمَا هِيَ امْرَأَةٌ تَبْكِي عَلَى بَعِيرٍ لَهَا أَضَلّتْهُ. قَالَ فَذَاكَ حِينَ يَقُولُ الْأَسْوَدُ:
أَتَبْكِي أَنْ يَضِلّ لَهَا بَعِيرٌ ** وَيَمْنَعُهَا مِنْ النّوْمِ السّهُودُ

فَلَا تَبْكِي عَلَى بَكْرٍ وَلَكِنْ ** عَلَى بَدْرٍ تَقَاصَرَتْ الْجُدُودُ

عَلَى بَدْرٍ سَرَاةِ بَنِي هُصَيْصٍ ** وَمَخْزُومٍ وَرَهْطِ أَبِي الْوَلِيدِ

وَبَكّي إنْ بَكّيْتِ عَلَى عَقِيلٍ ** وَبَكّي حَارِثًا أَسَدَ الْأُسُودِ

وَبَكّيهِمْ وَلَا تَسَمِي جَمِيعًا ** وَمَا لِأَبِي حَكِيمَةَ مِنْ نَدِيدِ

أَلَا قَدْ سَادَ بَعْدَهُمْ رِجَالٌ ** وَلَوْلَا يَوْمُ بَدْرٍ لَمْ يَسُودُوا

قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: هَذَا إقْوَاءٌ وَهِيَ مَشْهُورَةٌ مِنْ أَشْعَارِهِمْ وَهِيَ عِنْدَنَا إكْفَاءٌ. وَقَدْ أَسْقَطْنَا مِنْ رِوَايَةِ ابْنِ إسْحَاقَ مَا هُوَ أَشْهَرُ مِنْ هَذَا. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَكَانَ فِي الْأُسَارَى أَبُو وَدَاعَةَ بْنُ ضُبَيْرَةَ السّهْمِيّ، فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ إنّ لَهُ بِمَكّةَ ابْنَا كَيّسًا تَاجِرًا ذَا مَالٍ وَكَأَنّكُمْ لَهُ قَدْ جَاءَكُمْ فِي طَلَبِ فِدَاءِ أَبِيهِ فَلَمّا قَالَتْ قُرَيْشٌ لَا تَعْجَلُوا بِفِدَاءِ أُسَرَائِكُمْ قَالَ الْمُطّلِبُ بْنُ أَبِي وَدَاعَةَ- وَهُوَ الّذِي كَانَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ عَنّي-: صَدَقْتُمْ لَا تَعْجَلُوا، وَانْسَلّ مِنْ اللّيْلِ فَقَدِمَ الْمَدِينَةَ، فَأَخَذَ أَبَاهُ بِأَرْبَعَةِ آلَافِ دِرْهَمٍ فَانْطَلَقَ بِهِ.
.[أَمْرُ سُهَيْلِ بْنِ عَمْرٍو وَفِدَاؤُهُ]:

قَالَ: ثُمّ بَعَثَتْ قُرَيْشٌ فِي فِدَاءِ الْأُسَارَى، فَقَدِمَ مِكْرَزُ بْنُ حَفْصِ بْنِ الْأَخْيَفِ فِي فَدَاءِ سُهَيْلِ بْنِ عَمْرٍو، وَكَانَ الّذِي أَسَرَهُ مَالِكُ بْنُ الدّخْشُمِ، أَخُو بَنِي سَالِمِ بْنِ عَوْفٍ فَقَالَ:
أَسَرْتُ سُهَيْلًا فَلَا أَبْتَغِي ** أَسِيرًا بِهِ مِنْ جَمِيعِ الْأُمَمِ

وَخِنْدَفُ تَعْلَمُ أَنّ الْفَتَى ** فَتَاهَا سُهَيْلٌ إذَا يُظّلَمْ

ضَرَبْتُ بِذِي الشّفْرِ حَتّى انْثَنَى ** وَأَكْرَهْت نَفْسِي عَلَى ذِي الْعَلَمِ

وَكَانَ سُهَيْلٌ رَجُلًا أَعْلَمَ مِنْ شَفَتِهِ السّفْلَى. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَبَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ بِالشّعْرِ يُنْكِرُ هَذَا الشّعْرَ لِمَالِكِ بْنِ الدّخْشُمِ. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَحَدّثَنِي مُحَمّدُ بْنُ عَمْرِو بْنِ عَطَاءٍ أَخُو بَنِي عَامِرِ بْنِ لُؤَيّ: أَنّ عُمَرَ بْنَ الْخَطّابِ قَالَ لِرَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ يَا رَسُولَ اللّهِ دَعْنِي أَنْزِعْ ثَنِيّتَيْ سُهَيْلِ بْنِ عَمْرٍو، وَيَدْلَعُ لِسَانَهُ فَلَا يَقُومُ عَلَيْك خَطِيبًا فِي مَوْطِنٍ أَبَدًا، قَالَ فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهِ عَلَيْهِ وَسَلّمَ «لَا أُمَثّلُ بِهِ فَيُمَثّلُ اللّهُ بِي وَإِنْ كُنْتُ نَبِيّا» قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَقَدْ بَلَغَنِي أَنّ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ قَالَ لِعُمَرِ فِي هَذَا الْحَدِيثِ «إنّهُ عَسَى أَنْ يَقُومَ مَقَامًا لَا تَذُمّهُ» قَالَ ابْنُ هِشَامٍ:  وَسَأَذْكُرُ حَدِيثَ ذَلِكَ الْمَقَامِ فِي مَوْضِعِهِ إنْ شَاءَ اللّهُ تَعَالَى. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فَلَمّا قَاوَلَهُمْ فِيهِ مِكْرَزٌ وَانْتَهَى إلَى رِضَاهُمْ قَالُوا: هَاتِ الّذِي قَالَ اجْعَلُوا رِجْلِي مَكَانَ رِجْلِهِ وَخَلّوا سَبِيلَهُ حَتّى يَبْعَثَ إلَيْكُمْ بِفِدَائِهِ. فَخَلّوْا سَبِيلَ سُهَيْلٍ وَحَبَسُوا مِكْرِزًا مَكَانَهُ عِنْدَهُمْ فَقَالَ مِكْرَزٌ:
فَدَيْت بِأَذْوَادٍ ثَمَانٍ سِبَا فَتَى ** يَنَالُ الصّمِيمَ غُرْمُهَا لَا الْمُوَالَيَا

رَهَنْتُ يَدَيّ وَالْمَالُ أَيْسَرُ مِنْ يَدَيّ ** عَلَيّ وَلَكِنّي خَشِيت الْمَخَازِيَا

وَقُلْتُ سُهَيْلٌ خَيْرُنَا فَاذْهَبُوا بِهِ ** لِأَبْنَائِنَا حَتّى نُدِيرُ الْأَمَانِيَا

قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَبَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ بِالشّعْرِ يُنْكِرُ هَذَا لِمِكْرِزٍ.
.[أَسْرُ عَمْرِو بْنِ أَبِي سُفْيَانَ وَإِطْلَاقُهُ]:

قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَحَدّثَنِي عَبْدُ اللّهِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ، قَالَ كَانَ عَمْرُو بْنُ أَبِي سُفْيَانَ بْنِ حَرْبٍ، وَكَانَ لِبِنْتِ عُقْبَةَ بْنِ أَبِي مُعَيْطٍ- قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: أُمّ عَمْرِو بْنِ أَبِي سُفْيَانَ بِنْتُ أَبِي عَمْرٍو، وَأُخْتُ أَبِي مُعَيْطِ بْنِ أَبِي عَمْرٍو- أَسِيرًا فِي يَدَيْ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ مِنْ أَسْرَى بَدْرٍ. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: أَسَرَهُ عَلِيّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: حَدّثَنِي عَبْدُ اللّهِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ، قَالَ فَقِيلَ لِأَبِي سُفْيَانَ افْدِ عَمْرًا ابْنَك؛ قَالَ أَيُجْمَعُ عَلَيّ دَمِي وَمَالِي قَتَلُوا حَنْظَلَةَ وَأَفْدِي عَمْرًا دَعُوهُ فِي أَيْدِيهِمْ يُمْسِكُوهُ مَا بَدَا لَهُمْ. قَالَ فَبَيْنَمَا هُوَ كَذَلِكَ مَحْبُوسٌ بِالْمَدِينَةِ عِنْدَ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ إذْ خَرَجَ سَعْدُ بْنُ النّعْمَانِ بْنِ أَكّالٍ، أَخُو بَنِي عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ ثُمّ أَحَدُ بَنِي مُعَاوِيَةَ مُعْتَمِرًا وَمَعَهُ مُرَيّةٌ لَهُ وَكَانَ شَيْخًا مُسْلِمًا، فِي غَنَمٍ لَهُ بِالنّقِيعِ فَخَرَجَ مِنْ كَانَ عَهِدَ قُرَيْشًا لَا يَعْرِضُونَ لِأَحَدٍ جَاءَ حَاجّا، أَوْ مُعْتَمِرًا إلّا بِخَيْرٍ فَعَدَا عَلَيْهِ أَبُو سُفْيَانَ بْنُ حَرْبٍ بِمَكّةَ فَحَبَسَهُ بِابْنِهِ عَمْرٍو، ثُمّ قَالَ أَبُو سُفْيَانَ:
أَرَهْطَ ابْنِ أَكّالٍ أَجِيبُوا دُعَاءَهُ ** تَعَاقَدْتُمْ لَا تُسْلِمُوا السّيّدَ الْكَهْلَا

فَإِنّ بَنِي عَمْرٍو لِئَامٌ أَذِلّةٌ ** لَئِنْ لَمْ يَفُكّوا عَنْ أَسِيرِهِمْ الْكَبْلَا

فَأَجَابَهُ حَسّانُ بْنُ ثَابِتٍ فَقَالَ:
لَوْ كَانَ سَعْدٌ يَوْمَ مَكّةَ مُطْلَقًا ** لَأَكْثَرَ فِيكُمْ قَبْلَ أَنْ يُؤْسَرَ الْقَتْلَا

بِعَضْبِ حُسَامٍ أَوْ بِصَفْرَاءَ نَبْعَةٍ ** تَحِنّ إذَا مَا أُنْبِضَتْ تَحْفِزُ النّبْلَا

وَمَشَى بَنُو عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ إلَى رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَأَخْبَرُوهُ خَبَرَهُ وَسَأَلُوهُ أَنْ يُعْطِيَهُمْ عَمْرَو بْنَ أَبِي سُفْيَانَ فَيَفُكّوا بِهِ صَاحِبَهُمْ فَفَعَلَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ. فَبَعَثُوا بِهِ إلَى أَبِي سُفْيَانَ فَخَلّى سَبِيلَ سَعْدٍ.
.[أَسْرُ أَبِي الْعَاصِ بْنِ الرّبِيعِ]:

قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَقَدْ كَانَ فِي الْأُسَارَى أَبُو الْعَاصِ بْنُ الرّبِيعِ بْنِ عَبْدِ الْعُزّى بْنِ عَبْدِ شَمْسٍ، خَتَنُ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَزَوْجُ ابْنَتِهِ زَيْنَبَ. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: أَسَرَهُ خِرَاشُ بْنُ الصّمّةَ، أَحَدُ بَنِي حَرَامٍ.
.[سَبَبُ زَوَاجِ أَبِي الْعَاصِ مِنْ زَيْنَبَ]:

قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَكَانَ أَبُو الْعَاصِ مِنْ رِجَالِ مَكّةَ الْمَعْدُودِينَ مَالًا، وَأَمَانَةً وَتِجَارَةً وَكَانَ لِهَالَةَ بِنْتِ خُوَيْلِدٍ وَكَانَتْ خَدِيجَةُ خَالَتَهُ. فَسَأَلَتْ خَدِيجَةُ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ أَنْ يُزَوّجَهُ وَكَانَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ لَا يُخَالِفُهَا، وَذَلِكَ قَبْلَ أَنْ يَنْزِلَ عَلَيْهِ الْوَحْيُ فَزَوّجَهُ وَكَانَتْ تَعُدّهُ بِمَنْزِلَةِ وَلَدِهَا. فَلَمّا أَكْرَمَ اللّهُ رَسُولَهُ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بِنُبُوّتِهِ آمَنَتْ بِهِ خَدِيجَةُ وَبَنَاتُهُ فَصَدّقَتْهُ وَشَهِدْنَ أَنّ مَا جَاءَ بِهِ الْحَقّ، وَدِنّ بِدِينِهِ وَثَبَتَ أَبُو الْعَاصِ عَلَى شِرْكِهِ.
.[سَعْيُ قُرَيْشٍ فِي تَطْلِيقِ بَنَاتِ الرّسُولِ مِنْ أَزْوَاجِهِنّ]:

وَكَانَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ قَدْ زَوّجَ عُتْبَةَ بْنَ أَبِي لَهَبٍ رُقَيّةَ أَوْ أُمّ كُلْثُومٍ. فَلَمّا بَادَى قُرَيْشًا بِأَمْرِ اللّهِ تَعَالَى وَبِالْعَدَاوَةِ قَالُوا: إنّكُمْ قَدْ قَرّغْتُمْ مُحَمّدًا مِنْ هَمّهِ فَرُدّوا عَلَيْهِ بَنَاتِهِ فَاشْغَلُوهُ بِهِنّ. فَمَشَوْا إلَى أَبِي الْعَاصِ فَقَالُوا لَهُ فَارِقْ صَاحِبَتَك وَنَحْنُ نُزَوّجُك أَيّ امْرَأَةٍ مِنْ قُرَيْشٍ شِئْتَ قَالَ لَا وَاَللّهِ إنّي لَا أُفَارِقُ صَاحِبَتِي، وَمَا أُحِبّ أَنّ لِي بِامْرَأَتِي امْرَأَةً مِنْ قُرَيْشٍ. وَكَانَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ يُثْنِي عَلَيْهِ فِي صِهْرِهِ خَيْرًا، فِيمَا بَلَغَنِي. ثُمّ مَشَوْا إلَى عُتْبَةَ بْنِ أَبِي لَهَبٍ، فَقَالُوا لَهُ طَلّقْ بِنْتَ مُحَمّدٍ وَنَحْنُ نُنْكِحُك أَيّ امْرَأَةٍ مِنْ قُرَيْشٍ شِئْت، فَقَالَ إنْ زَوّجْتُمُونِي بِنْتَ أَبَانَ بْنِ سَعِيدِ بْنِ الْعَاصِ، أَوْ بِنْتَ سَعِيدِ بْنِ الْعَاصِ فَارَقْتُهَا. فَزَوّجُوهُ بِنْتَ سَعِيدِ بْنِ الْعَاصِ وَفَارَقَهَا، وَلَمْ يَكُنْ دَخَلَ بِهَا، فَأَخْرَجَهَا اللّهُ مِنْ يَدِهِ كَرَامَةً لَهَا، وَهَوَانًا لَهُ وَخَلَفَ عَلَيْهَا عُثْمَانُ بْنُ عَفّانَ بَعْدَهُ.
.[أَبُو الْعَاصِ عِنْدَ الرّسُولِ وَبَعْثُ زَيْنَبَ فِي فِدَائِهِ]:

وَكَانَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ لَا يُحِلّ بِمَكّةَ وَلَا يُحَرّمُ مَغْلُوبًا عَلَى أَمْرِهِ وَكَانَ الْإِسْلَامُ قَدْ فَرّقَ بَيْنَ زَيْنَبَ بِنْتِ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ حِينَ أَسْلَمَتْ وَبَيْنَ أَبِي الْعَاصِ بْنِ الرّبِيعِ، إلّا أَنّ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ كَانَ لَا يَقْدِرُ أَنْ يُفَرّقَ بَيْنَهُمَا، فَأَقَامَتْ مَعَهُ عَلَى إسْلَامِهَا وَهُوَ عَلَى شِرْكِهِ حَتّى هَاجَرَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَلَمّا صَارَتْ قُرَيْشٌ إلَى بَدْرٍ صَارَ فِيهِمْ أَبُو الْعَاصِ بْنُ الرّبِيعِ فَأُصِيبَ فِي الْأُسَارَى يَوْمَ بَدْرٍ فَكَانَ بِالْمَدِينَةِ عِنْدَ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَحَدّثَنِي يَحْيَى بْنُ عَبّادِ بْنِ عَبْدِ اللّهِ بْنِ الزّبَيْرِ، عَنْ أَبِيهِ عَبّادٍ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ لَمّا بَعَثَ أَهْلُ مَكّةَ فِي فِدَاءِ أُسَرَائِهِمْ بَعَثَتْ زَيْنَبُ بِنْتُ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فِي فِدَاءِ أَبِي الْعَاصِ بْنِ الرّبِيعِ بِمَالٍ وَبَعَثَتْ فِيهِ بِقِلَادَةٍ لَهَا كَانَتْ خَدِيجَةُ أَدْخَلَتْهَا بِهَا عَلَى أَبِي الْعَاصِ حِينَ بَنَى عَلَيْهَا، قَالَتْ فَلَمّا رَآهَا رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ رَقّ لَهَا رِقّةً شَدِيدَةً وَقَالَ إنْ رَأَيْتُمْ أَنْ تُطْلِقُوا لَهَا أَسِيرَهَا، وَتَرُدّوا عَلَيْهَا مَالَهَا، فَافْعَلُوا فَقَالُوا: نَعَمْ يَا رَسُولَ اللّهِ. فَأَطْلَقُوهُ وَرَدّوا عَلَيْهَا الّذِي لَهَا.
.خُرُوجُ زَيْنَبَ إلَى الْمَدِينَةِ:

قَالَ: وَكَانَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ قَدْ أَخَذَ عَلَيْهِ أَوْ وَعَدَ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ ذَلِكَ أَنْ يُخَلّيَ سَبِيلَ زَيْنَبَ إلَيْهِ أَوْ كَانَ فِيمَا شَرَطَ عَلَيْهِ فِي إطْلَاقِهِ وَلَمْ يَظْهَرْ ذَلِكَ مِنْهُ وَلَا مِنْ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَيُعْلَمُ مَا هُوَ إلّا أَنّهُ لَمّا خَرَجَ أَبُو الْعَاصِ إلَى مَكّةَ وَخُلّيَ سَبِيلُهُ بَعَثَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ زَيْدَ بْنَ حَارِثَةَ وَرَجُلًا مِنْ الْأَنْصَارِ مَكَانَهُ فَقَالَ كُونَا بِبَطْنِ يَأْجَجَ حَتّى تَمُرّ بِكُمَا زَيْنَبُ فَتَصْحَبَاهَا حَتّى تَأْتِيَانِي بِهَا. فَخَرَجَا مَكَانَهُمَا، وَذَلِكَ بَعْدَ بَدْرٍ بِشَهْرِ أَوْ شَيْعِهِ فَلَمّا قَدِمَ أَبُو الْعَاصِ مَكّةَ أَمَرَهَا بِاللّحُوقِ بِأَبِيهَا، فَخَرَجَتْ تَجَهّزَ.
.[هِنْدُ تُحَاوِلُ تَعْرِفَ أَمْرَ زَيْنَبَ]:

قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فَحَدّثَنِي عَبْدُ اللّهِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ، قَالَ حُدّثْت عَنْ زَيْنَبَ قَالَتْ بَيْنَا أَنَا أَتَجَهّزُ بِمَكّةَ لِلّحُوقِ بِأَبِي لَقِيَتْنِي هِنْدُ بِنْتُ عُتْبَةَ، فَقَالَتْ يَا بِنْتَ مُحَمّدٍ أَلَمْ يَبْلُغْنِي أَنّك تُرِيدِينَ اللّحُوقَ بِأَبِيك؟ قَالَتْ فَقُلْت: مَا أَرَدْت ذَلِكَ فَقَالَتْ أَيْ ابْنَةَ عَمّي، لَا تَفْعَلِي، إنْ كَانَتْ لَك حَاجَةٌ بِمَتَاعِ مِمّا يَرْفُقُ بِك فِي سَفَرِك، أَوْ بِمَالٍ تَتَبَلّغِينَ بِهِ إلَى أَبِيك، فَإِنّ عِنْدِي حَاجَتَك، فَلَا تَضْطَنِي مِنّي، فَإِنّهُ لَا يَدْخُلُ بَيْنَ النّسَاءِ مَا بَيْنَ الرّجَالِ. قَالَتْ وَاَللّهِ مَا أَرَاهَا قَالَتْ ذَلِكَ إلّا لِتَفْعَلَ قَالَتْ وَلَكِنّي خِفْتُهَا، فَأَنْكَرْتُ أَنْ أَكُونَ أُرِيدُ ذَلِكَ وَتَجَهّزْت.
.[مَا أَصَابَ زَيْنَبَ مِنْ قُرَيْشٍ عِنْدَ خُرُوجِهَا وَمَشُورَةُ أَبِي سُفْيَانَ]:

فَلَمّا فَرَغَتْ بِنْتُ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ مِنْ جَهَازِهَا قَدّمَ لَهَا حَمُوهَا كِنَانَةُ بْنُ الرّبِيعِ أَخُو زَوْجِهَا بَعِيرًا، فَرَكِبَتْهُ وَأَخَذَ قَوْسَهُ وَكِنَانَتَهُ ثُمّ خَرَجَ بِهَا نَهَارًا يَقُودُ بِهَا، وَهِيَ فِي هَوْدَجٍ لَهَا. وَتَحَدّثَ بِذَلِكَ رِجَالٌ مِنْ قُرَيْشٍ، فَخَرَجُوا فِي طَلَبِهَا حَتّى أَدْرَكُوهَا بِذِي طُوًى، فَكَانَ أَوّلَ مَنْ سَبَقَ إلَيْهَا هَبّارُ بْنُ الْأَسْوَدِ بْنِ الْمُطّلِبِ بْنِ أَسَدِ بْنِ عَبْدِ الْعُزّى، وَالْفِهْرِيّ، فَرَوّعَهَا هَبّارٌ بِالرّمْحِ وَهِيَ فِي هَوْدَجِهَا، وَكَانَتْ الْمَرْأَةُ حَامِلًا- فِيمَا يَزْعُمُونَ- فَلَمّا رِيعَتْ طَرَحَتْ ذَا بَطْنِهَا، وَبَرَكَ حَمُوهَا كِنَانَةُ وَنَثَرَ كِنَانَتَهُ ثُمّ قَالَ وَاَللّهِ لَا يَدْنُو مِنّي رَجُلٌ إلّا وَضَعْتُ فِيهِ سَهْمًا، فَتَكَرْكَرَ النّاسُ عَنْهُ. وَأَتَى أَبُو سُفْيَانَ فِي جُلّةٍ مِنْ قُرَيْشٍ فَقَالَ أَيّهَا الرّجُلُ كُفّ عَنّا نَبْلَك حَتّى نُكَلّمَك، فَكَفّ فَأَقْبَلَ أَبُو سُفْيَانَ حَتّى وَقَفَ عَلَيْهِ فَقَالَ إنّك لَمْ تُصِبْ خَرَجْتَ بِالْمَرْأَةِ عَلَى رُءُوسِ النّاسِ عَلَانِيَةً وَقَدْ عَرَفْتَ مُصِيبَتَنَا وَنَكْبَتَنَا، وَمَا دَخَلَ عَلَيْنَا مِنْ مُحَمّدٍ فَيَظُنّ النّاسُ إذَا خَرَجْتَ بِابْنَتِهِ إلَيْهِ عَلَانِيَةً عَلَى رُءُوسِ النّاسِ مِنْ بَيْنِ أَظْهُرِنَا، أَنّ ذَلِكَ عَنْ ذُلّ أَصَابَنَا عَنْ مُصِيبَتِنَا الّتِي كَانَتْ وَأَنّ ذَلِكَ مِنّا ضَعْفٌ وَوَهْنٌ وَلَعَمْرِي مَا لَنَا بِحَبْسِهَا عَنْ أَبِيهَا مِنْ حَاجَةٍ وَمَا لَنَا فِي ذَلِكَ مِنْ ثَوْرَةٍ وَلَكِنْ ارْجِعْ بِالْمَرْأَةِ حَتّى إذَا هَدَأَتْ الْأَصْوَاتُ وَتَحَدّثَ النّاسُ أَنْ قَدْ رَدَدْنَاهَا، فَسُلّهَا سِرّا، وَأَلْحِقْهَا بِأَبِيهَا؛ قَالَ فَفَعَلَ. فَأَقَامَتْ لَيَالِيَ حَتّى إذَا هَدَأَتْ الْأَصْوَاتُ خَرَجَ بِهَا لَيْلًا حَتّى أَسْلَمَهَا إلَى زَيْدِ بْنِ حَارِثَةَ وَصَاحِبِهِ فَقَدِمَا بِهَا عَلَى رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ.
.[شِعْرٌ لِأَبِي خَيْثَمَةَ فِيمَا حَدَثَ لِزَيْنَبَ]:

قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فَقَالَ عَبْدُ اللّهِ بْنُ رَوَاحَةَ، أَوْ أَبُو خَيْثَمَةَ أَخُو بَنِي سَالِمِ ابْنِ عَوْفٍ فِي الّذِي كَانَ مِنْ أَمْرِ زَيْنَبَ- قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: هِيَ لِأَبِي خَيْثَمَةَ:
أَتَانِي الّذِي لَا يَقْدُرُ النّاسُ قَدْرَهُ ** لِزَيْنَبَ فِيهِمْ مِنْ عُقُوقٍ وَمَأْثَمِ

وَإِخْرَاجُهَا لَمْ يُخْزَ فِيهَا مُحَمّدٌ ** عَلَى مَأْقِطٍ وَبَيْنَنَا عِطْرُ مَنْشَمِ

وَأَمْسَى أَبُو سُفْيَانَ مِنْ حِلْفِ ضَمْضَمٍ ** وَمِنْ حَرْبِنَا فِي رَغْمِ أَنْفٍ وَمَنْدَمٍ

قَرَنّا ابْنَهُ عَمْرًا وَمَوْلَى يَمِينِهِ ** بِذِي حَلَقٍ جَلْدِ الصّلَاصِلِ مُحْكَمِ

فَأَقْسَمْتُ لَا تَنْفَكّ مِنّا كَتَائِبُ ** سُرَاةُ خَمِيسٍ فِي لُهَامٍ مُسَوّمِ

نَزُوعُ قُرَيْشَ الْكُفْرَ حَتّى نَعُلّهَا ** بِخَاطِمَةٍ فَوْقَ الْأُنُوفِ بِمِيسَمِ

نُنَزّلُهُمْ أَكْنَافَ نَجْدٍ وَنَخْلَةٍ ** وَإِنْ يُتْهِمُوا بِالْخَيْلِ وَالرّجْلِ نُتْهِم

يَدَ الدّهْرِ حَتّى لَا يُعَوّجَ سِرْبُنَا ** وَنُلْحِقُهُمْ آثَارَ عَادٍ وَجُرْهُمِ

وَيَنْدَمَ قَوْمٌ لَمْ يُطِيعُوا مُحَمّدًا ** عَلَى أَمْرِهِمْ وَأَيّ حِينٍ تَنَدّم

فَأَبْلِغْ أَبَا سُفْيَانَ إمّا لَقِيته ** لَئِنْ أَنْتَ لَمْ تُخْلِصْ سُجُودًا وَتُسْلِمْ

فَأَبْشِرْ بِخِزْيٍ فِي الْحَيَاةِ مُعَجّلِ ** وَسِرْبَالِ قَارٍ خَالِدًا فِي جَهَنّمَ

قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَيُرْوَى: وَسِرْبَالِ نَارٍ.
.[الْخِلَافُ بَيْنَ ابْنِ إسْحَاقَ وَابْنِ هِشَامٍ فِي مَوْلَى يَمِينِ أَبِي سُفْيَانَ]:

قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَمَوْلَى يَمِينِ أَبِي سُفْيَانَ الّذِي يَعْنِي: عَامِرَ بْنَ الْحَضْرَمِيّ: كَانَ فِي الْأُسَارَى، وَكَانَ حِلْفُ الْحَضْرَمِيّ إلَى حَرْبِ بْنِ أُمَيّةَ. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: مَوْلَى يَمِينِ أَبِي سُفْيَانَ الّذِي يَعْنِي: عُقْبَةَ بْنَ عَبْدِ الْحَارِثِ بْنِ الْحَضْرَمِيّ فَأَمّا عَامِرُ بْنُ الْحَضْرَمِيّ فَقُتِلَ يَوْمَ بَدْرٍ.
.[شِعْرُ هِنْدٍ وَكِنَانَةُ فِي خُرُوجِ زَيْنَبَ]:

وَلَمّا انْصَرَفَ الّذِينَ خَرَجُوا إلَى زَيْنَبَ لَقِيَتْهُمْ هِنْدُ بِنْتُ عُتْبَةَ، فَقَالَتْ لَهُمْ:
أَفِي السّلْمِ أَعْيَارٌ جَفَاءً وَغِلْظَةً ** وَفِي الْحَرْبِ أَشْبَاهُ النّسَاءِ الْعَوَارِكِ

وَقَالَ كِنَانَةُ بْنُ الرّبِيعِ فِي أَمْرِ زَيْنَبَ حِينَ دَفَعَهَا إلَى الرّجُلَيْنِ:
عَجِبْتُ لِهَبّارٍ وَأَوْبَاشِ قَوْمِهِ ** يُرِيدُونَ إخْفَارِي بِبِنْتِ مُحَمّدِ

وَلَسْتُ أُبَالِي مَا حَيِيتُ عَدِيدَهُمْ ** وَمَا اسْتَجْمَعْت قَبْضًا يَدِي بِالْمُهَنّدِ
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://el-quran.ahlamontada.com
Admin
Admin
Admin


المساهمات : 4240
تاريخ التسجيل : 20/01/2018

كتاب السيرة النبوية۞ لعبد الملك ابن هشام ۞«المؤرخ» ​ - صفحة 2 Empty
مُساهمةموضوع: رد: كتاب السيرة النبوية۞ لعبد الملك ابن هشام ۞«المؤرخ» ​   كتاب السيرة النبوية۞ لعبد الملك ابن هشام ۞«المؤرخ» ​ - صفحة 2 Emptyالأحد مارس 04, 2018 6:34 am

كتاب السيرة النبوية۞ لعبد الملك ابن هشام ۞«المؤرخ» ​ - صفحة 2 SeeretIbenHisham
.[الرّسُولُ يُحِلّ دَمَ هَبّارٍ]:

قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: حَدّثَنِي يَزِيدُ بْنُ أَبِي حَبِيبٍ، عَنْ بُكَيْرِ بْنِ عَبْدِ اللّهِ بْنِ الْأَشَجّ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ عَنْ أَبِي إسْحَاقَ الدّوْسِيّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ بَعَثَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ سَرِيّةً أَنَا فِيهَا، فَقَالَ لَنَا: إنْ ظَفِرْتُمْ بِهَبّارِ بْنِ الْأَسْوَدِ أَوْ الرّجُلِ الْآخَرِ الّذِي سَبَقَ مَعَهُ إلَى زَيْنَبَ- قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَقَدْ سَمّى ابْنُ إسْحَاقَ الرّجُلَ فِي حَدِيثِهِ وَقَالَ هُوَ نَافِعُ بْنُ عَبْدِ قَيْسٍ- فَحَرّقُوهُمَا بِالنّارِ. قَالَ فَلَمّا كَانَ الْغَدُ بَعَثَ إلَيْنَا، فَقَالَ إنّي كُنْت أَمَرْتُكُمْ بِتَحْرِيقِ هَذَيْنِ الرّجُلَيْنِ إنْ أَخَذْتُمُوهُمَا، ثُمّ رَأَيْتُ أَنّهُ لَا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ أَنْ يُعَذّبَ بِالنّارِ إلّا اللّهُ فَإِنْ ظَفَرْتُمْ بِهِمَا فَاقْتُلُوهُمَا.
.إسْلَامُ أَبِي الْعَاصِ بْنِ الرّبِيعِ:

قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَأَقَامَ أَبُو الْعَاصِ بِمَكّةَ، وَأَقَامَتْ زَيْنَبُ عِنْدَ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بِالْمَدِينَةِ، حِينَ فَرّقَ بَيْنَهُمَا الْإِسْلَامُ حَتّى إذَا كَانَ قُبَيْلَ الْفَتْحِ خَرَجَ أَبُو الْعَاصِ تَاجِرًا إلَى الشّامِ، وَكَانَ رَجُلًا مَأْمُونًا، بِمَالٍ لَهُ وَأَمْوَالٍ لِرِجَالٍ مِنْ قُرَيْشٍ، أَبْضَعُوهَا مَعَهُ فَلَمّا فَرَغَ مِنْ تِجَارَتِهِ وَأَقْبَلَ قَافِلًا، لَقِيَتْهُ سَرِيّةٌ لِرَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَأَصَابُوا مَا مَعَهُ وَأَعْجَزَهُمْ هَارِبًا، فَلَمّا قَدِمَتْ السّرِيّةُ بِمَا أَصَابُوا مِنْ مَالِهِ أَقْبَلَ أَبُو الْعَاصِ تَحْتَ اللّيْلِ حَتّى دَخَلَ عَلَى زَيْنَبَ بِنْتِ رَسُولِ اللّه ِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَاسْتَجَارَ بِهَا، فَأَجَارَتْهُ وَجَاءَ فِي طَلَبِ مَالِهِ فَلَمّا خَرَجَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ إلَى الصّبْحِ- كَمَا حَدّثَنِي يَزِيدُ بْنُ رُومَانَ النّسَاءِ أَيّهَا النّاسُ إنّي قَدْ أَجَرْتُ أَبَا الْعَاصِ بْنَ الرّبِيعِ. قَالَ فَلَمّا سَلّمَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ مِنْ الصّلَاةِ أَقْبَلَ عَلَى النّاسِ فَقَالَ أَيّهَا النّاسِ هَلْ سَمِعْتُمْ مَا سَمِعْتُ؟ قَالُوا: نَعَمْ قَالَ أَمَا وَاَلّذِي نَفْسُ مُحَمّدٍ بِيَدِهِ مَا عَلِمْتُ بِشَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ حَتّى سَمِعْتُ مَا سَمِعْتُمْ إنّهُ يُجِيرُ عَلَى الْمُسْلِمِينَ أَدْنَاهُمْ. ثُمّ انْصَرَفَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَدَخَلَ عَلَى ابْنَتِهِ فَقَالَ أَيْ بُنَيّةُ أَكْرِمِي مَثْوَاهُ وَلَا يَخْلُصُنّ إلَيْك، فَإِنّك لَا تَحِلّينَ لَهُ.
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَحَدّثَنِي عَبْدُ اللّهِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ: أَنّ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بَعَثَ إلَى السّرِيّةِ الّذِينَ أَصَابُوا مَالَ أَبِي الْعَاصِ فَقَالَ لَهُمْ إنّ هَذَا الرّجُلَ مِنّا حَيْثُ قَدْ عَلِمْتُمْ، وَقَدْ أَصَبْتُمْ لَهُ مَالًا، فَإِنْ تُحْسِنُوا وَتَرُدّوا عَلَيْهِ الّذِي لَهُ فَإِنّا نُحِبّ ذَلِكَ وَإِنْ أَبَيْتُمْ فَهُوَ فَيْءُ اللّهِ الّذِي أَفَاءَ عَلَيْكُمْ فَأَنْتُمْ أَحَقّ بِهِ فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللّهِ بَلْ نَرُدّهُ عَلَيْهِ فَرَدّوهُ عَلَيْهِ حَتّى إنّ الرّجُلَ لِيَأْتِيَ بِالدّلْوِ وَيَأْتِيَ الرّجُلُ بِالشّنّةِ وَبِالْإِدَاوَةِ حَتّى إنّ أَحَدَهُمْ لِيَأْتِيَ بِالشّظَاظِ حَتّى رَدّوا عَلَيْهِ مَالَهُ بِأَسْرِهِ لَا يَفْقِدُ مِنْهُ شَيْئًا ثُمّ احْتَمَلَ إلَى مَكّةَ، فَأَدّى إلَى كُلّ ذِي مَالٍ مِنْ قُرَيْشٍ مَالَهُ وَمَنْ كَانَ أَبْضَعَ مَعَهُ ثُمّ قَالَ يَا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ، هَلْ بَقِيَ لِأَحَدٍ مِنْكُمْ عِنْدِي مَالٌ لَمْ يَأْخُذْهُ قَالُوا: لَا. فَجَزَاك اللّهُ خَيْرًا، فَقَدْ وَجَدْنَاك وَفِيّا كَرِيمًا قَالَ فَأَنَا أَشْهَدُ أَنْ لَا إلَهَ إلّا اللّهُ، وَأَنّ مُحَمّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ وَاَللّهِ مَا مَنَعَنِي مِنْ الْإِسْلَامِ عِنْدَهُ إلّا تَخَوّفُ أَنْ تَظُنّوا أَنّي إنّمَا أَرَدْت أَنْ آكُلَ أَمْوَالَكُمْ فَلَمّا أَدّاهَا اللّهُ إلَيْكُمْ وَفَرَغْتُ مِنْهَا أَسْلَمْتُ. ثُمّ خَرَجَ حَتّى قَدِمَ عَلَى رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَحَدّثَنِي دَاوُد بْنُ الْحُصَيْنِ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ ابْنِ عَبّاسٍ قَالَ رَدّ عَلَيْهِ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ زَيْنَبَ عَلَى النّكَاحِ الْأَوّلِ لَمْ يُحْدِثْ شَيْئًا بَعْدَ سِتّ سِنِينَ.
.[مَثَلٌ مِنْ أَمَانَةِ أَبِي الْعَاصِ]:

قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَحَدّثَنِي أَبُو عُبَيْدَةَ أَنّ أَبَا الْعَاصِ بْنَ الرّبِيعِ لَمّا قَدِمَ مِنْ الشّامِ وَمَعَهُ أَمْوَالُ الْمُشْرِكِينَ قِيلَ لَهُ هَلْ لَك أَنْ تُسْلِمَ وَتَأْخُذَ هَذِهِ الْأَمْوَالَ، فَإِنّهَا أَمْوَالُ الْمُشْرِكِينَ؟ فَقَالَ أَبُو الْعَاصِ بِئْسَ مَا أَبْدَأُ بِهِ إسْلَامِي أَنْ أَخُونَ أَمَانَتِي قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَحَدّثَنِي عَبْدُ الْوَارِثِ بْنُ سَعِيدٍ التّنّورِيّ، عَنْ دَاوُد بْنِ أَبِي هِنْدٍ، عَنْ عَامِرٍ الشّعْبِيّ، بِنَحْوِ مِنْ حَدِيثِ أَبِي عُبَيْدَةَ عَنْ أَبِي الْعَاصِ.
.[الّذِينَ أَطْلَقُوا مِنْ غَيْرِ فِدَاءٍ]:

قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فَكَانَ مِمّنْ سُمّيَ لَنَا مِنْ الْأُسَارَى مِمّنْ مُنّ عَلَيْهِ بِغَيْرِ فِدَاءٍ مِنْ بَنِي عَبْدِ شَمْسِ بْنِ عَبْدِ مَنَافٍ: أَبُو الْعَاصِ بْنُ الرّبِيعِ بْنِ عَبْدِ الْعُزّى بْنِ عَبْدِ شَمْسِ مَنّ عَلَيْهِ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بَعْدَ أَنْ بُعِثَتْ زَيْنَبُ بِنْتُ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بِفِدَائِهِ. وَمِنْ بَنِي مَخْزُومِ بْنِ يَقَظَةَ: الْمُطّلِبُ بْنُ حَنْطَبِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ عُبَيْدَةَ بْنِ عُمَرَ بْنِ مَخْزُومٍ، كَانَ لِبَعْضِ بَنِي الْحَارِثِ بْنِ الْخَزْرَجِ، فَتَرَكَ فِي أَيْدِيهِمْ حَتّى خَلّوْا سَبِيلَهُ. فَلَحِقَ بِقَوْمِهِ. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: أَسَرَهُ خَالِدُ بْنُ زَيْدٍ، أَبُو أَيّوبَ الْأَنْصَارِيّ، أَخُو بَنِي النّجّارِ. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَصَيْفِيّ بْنُ أَبِي رِفَاعَةَ بْنِ عَابِدِ بْنِ عَبْدِ اللّهِ بْنِ عُمَرَ بْنِ مَخْزُومٍ، تُرِكَ فِي أَيْدِي أَصْحَابِهِ فَلَمّا لَمْ يَأْتِ أَحَدٌ فِي فِدَائِهِ أَخَذُوا عَلَيْهِ لِيَبْعَثُنّ إلَيْهِمْ بِفِدَائِهِ فَخَلّوْا سَبِيلَهُ فَلَمْ يَفِ لَهُمْ بِشَيْءٍ فَقَالَ حَسّانُ بْنُ ثَابِتٍ فِي ذَلِكَ:
وَمَا كَانَ صَيْفِيّ لِيُوفِيَ ذِمّةً ** قَفَا ثَعْلَبٍ أَعْيَا بِبَعْضِ الْمَوَارِدِ

قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَهَذَا الْبَيْتُ فِي أَبْيَاتٍ لَهُ. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَأَبُو عَزّةَ عَمْرُو بْنُ عَبْدِ اللّهِ بْنِ عُثْمَانَ بْنِ أُهَيْبِ بْنِ حُذَافَةَ بْنِ جُمَحَ كَانَ مُحْتَاجًا ذَا بَنَاتٍ فَكَلّمَ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللّهِ لَقَدْ عَرَفْتَ مَا لِي مِنْ مَالٍ، وَإِنّي لَذُو حَاجَةٍ وَذُو عِيَالٍ فَامْنُنْ عَلَيّ فَمَنّ عَلَيْهِ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَأَخَذَ عَلَيْهِ أَلّا يُظَاهِرَ عَلَيْهِ أَحَدًا فَقَالَ أَبُو عَزّةَ فِي ذَلِكَ يَمْدَحُ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَيَذْكُرُ فَضْلَهُ فِي قَوْمِهِ:
مَنْ مُبَلّغٌ عَنّي الرّسُولَ مُحَمّدًا ** بِأَنّك حَقّ وَالْمَلِيكُ حَمِيدُ

وَأَنْتَ امْرُؤٌ تَدْعُو فِي الْحَقّ وَالْهُدَى ** عَلَيْك مِنْ اللّهِ الْعَظِيمِ شَهِيدُ

وَأَنْتَ امْرُؤُ بُوّئْتَ فِينَا مَبَاءَةً ** لَهَا دَرَجَاتٌ سَهْلَةٌ وَصُعُودُ

فَإِنّك مَنْ حَارَبْتَهُ لَمُحَارَبٌ ** شَقِيّ وَمَنْ سَالَمَتْهُ لَسَعِيدُ

وَلَكِنْ إذَا ذُكّرْتُ بَدْرًا وَأَهْلَهُ ** تَأَوّبَ مَا بِي: حَسْرَةٌ وَقُعُودُ

.[ثَمَنُ الْفِدَاءِ]:

قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: كَانَ فِدَاءُ الْمُشْرِكِينَ يَوْمَئِذٍ أَرْبَعَةَ آلَافِ دِرْهَمٍ لِلرّجُلِ إلَى أَلْفِ دِرْهَمٍ إلّا مَنْ لَا شَيْءَ لَهُ فَمَنّ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ عَلَيْهِ.
.إسْلَامُ عُمَيْرِ بْنِ وَهْبٍ:

قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ مُحَمّدُ بْنُ جَعْفَرِ بْنِ الزّبَيْرِ، عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزّبَيْرِ قَالَ جَلَسَ عُمَيْرُ بْنُ وَهْبٍ الْجُمَحِيّ مَعَ صَفْوَانَ بْنِ أُمَيّةَ بَعْدَ مُصَابِ أَهْلِ بَدْرٍ مِنْ قُرَيْشٍ فِي الْحِجْرِ بِيَسِيرٍ وَكَانَ عُمَيْرُ بْنُ وَهْبٍ شَيْطَانًا مِنْ شَيَاطِينِ قُرَيْشٍ، وَمِمّنْ كَانَ يُؤْذِي رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَأَصْحَابَهُ وَيَلْقَوْنَ مِنْهُ عَنَاءً وَهُوَ بِمَكّةَ وَكَانَ ابْنُهُ وَهْبُ بْنُ عُمَيْرٍ فِي أُسَارَى بَدْرٍ. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: أَسَرَهُ رِفَاعَةُ بْنُ رَافِعٍ أَحَدُ بَنِي زُرَيْقٍ. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: حَدّثَنِي مُحَمّدُ بْنُ جَعْفَرِ بْنِ الزّبَيْرِ، عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزّبَيْرِ، قَالَ فَذَكَرَ أَصْحَابَ الْقَلِيبِ وَمُصَابَهُمْ فَقَالَ صَفْوَانُ وَاَللّهِ إنْ فِي الْعَيْشِ بَعْدَهُمْ خَيْرٌ قَالَ لَهُ عُمَيْرٌ صَدَقَتْ وَاَللّهِ أَمَا وَاَللّهِ لَوْلَا دَيْنٌ عَلَيّ لَيْسَ لَهُ عِنْدِي قَضَاءٌ وَعِيَالٌ أَخْشَى عَلَيْهِمْ الضّيْعَةَ بَعْدِي، لَرَكِبْتُ إلَى مُحَمّدٍ حَتّى أَقْتُلَهُ فَإِنّ لِي قِبَلَهُمْ عِلّةً ابْنِي أَسِيرٌ فِي أَيْدِيهِمْ قَالَ فَاغْتَنَمَهَا صَفْوَانُ وَقَالَ عَلَيّ دَيْنُك، أَنَا أَقْضِيهِ عَنْك، وَعِيَالُك مَعَ عِيَالِي أُوَاسِيهِمْ مَا بَقُوا، لَا يَسَعُنِي شَيْءٌ وَيَعْجِزُ عَنْهُمْ فَقَالَ لَهُ عُمَيْرٌ فَاكْتُمْ شَأْنِي وَشَأْنَك، قَالَ أَفْعَلُ.
قَالَ ثُمّ أَمَرَ عُمَيْرٌ بِسَيْفِهِ فَشُحِذَ لَهُ وَسُمّ ثُمّ انْطَلَقَ حَتّى قَدِمَ الْمَدِينَةَ، فَبَيْنَا عُمَرُ بْنُ الْخَطّابِ فِي نَفَرٍ مِنْ الْمُسْلِمِينَ يَتَحَدّثُونَ عَنْ يَوْمِ بَدْرٍ وَيَذْكُرُونَ مَا أَكْرَمَهُمْ اللّهُ بِهِ وَمَا أَرَاهُمْ مِنْ عَدُوّهِمْ إذْ نَظَرَ عُمَرُ إلَى عُمَيْرِ بْنِ وَهْبٍ حِينَ أَنَاخَ عَلَى بَابِ الْمَسْجِدِ مُتَوَشّحًا السّيْف، فَقَالَ هَذَا الْكَلْبُ عَدُوّ اللّهِ عُمَيْرُ بْنُ وَهْبٍ وَاَللّهِ مَا جَاءَ إلّا لِشَرّ وَهُوَ الّذِي حَرّشَ بَيْنَنَا، وَحَزَرْنَا لِلْقَوْمِ يَوْمَ بَدْرٍ. ثُمّ دَخَلَ عُمَرُ عَلَى رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَقَالَ يَا نَبِيّ اللّهِ هَذَا عَدُوّ قَالَ فَأَدْخَلَهُ عَلَيّ قَالَ فَأَقْبَلَ عُمَرُ حَتّى أَخَذَ بِحِمَالَةِ سَيْفِهِ فِي عُنُقِهِ فَلَبّبَهُ بِهَا، وَقَالَ لِرِجَالٍ مِمّنْ كَانُوا مَعَهُ مِنْ الْأَنْصَارِ: اُدْخُلُوا عَلَى رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَاجْلِسُوا عِنْدَهُ وَاحْذَرُوا عَلَيْهِ مِنْ هَذَا الْخَبِيثِ فَإِنّهُ غَيْرُ مَأْمُونٍ ثُمّ دَخَلَ بِهِ عَلَى رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ.
فَلَمّا رَآهُ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَعُمَرُ آخِذٌ بِحِمَالَةِ سَيْفِهِ فِي عُنُقِهِ قَالَ أَرْسِلْهُ يَا عُمَرُ اُدْنُ يَا عُمَيْرُ، فَدَنَا ثُمّ قَالَ انْعَمُوا صَبَاحًا، وَكَانَتْ تَحِيّةُ أَهْلِ الْجَاهِلِيّةِ بَيْنَهُمْ فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ قَدْ أَكْرَمَنَا اللّهُ بِتَحِيّةِ خَيْرٍ مِنْ تَحِيّتِك يَا عُمَيْرُ بِالسّلَامِ تَحِيّةُ أَهْلِ الْجَنّةِ فَقَالَ أَمَا وَاَللّهِ يَا مُحَمّدُ إنْ كُنْتُ بِهَا لَحَدِيثُ عَهْدٍ قَالَ فَمَا جَاءَ بِك يَا عُمَيْرُ؟ قَالَ جِئْت لِهَذَا الْأَسِيرِ الّذِي فِي أَيْدِيكُمْ فَأَحْسِنُوا فِيهِ قَالَ فَمَا بَالُ السّيْفِ فِي عُنُقِك؟ قَالَ قَبّحَهَا اللّهُ مِنْ سُيُوفٍ وَهَلْ أَغْنَتْ عَنّا شَيْئًا؟ قَالَ اُصْدُقْنِي، مَا الّذِي جِئْتَ لَهُ؟ قَالَ مَا جِئْتُ إلّا لِذَلِك، قَالَ بَلْ قَعَدْتَ أَنْتَ وَصَفْوَانُ بْنُ أُمَيّةَ فِي الْحِجْرِ، فَذَكَرْتُمَا أَصْحَابَ الْقَلِيبِ مِنْ قُرَيْشٍ، ثُمّ قُلْت: لَوْلَا دَيْنٌ عَلَيّ وَعِيَالٌ عِنْدِي لَخَرَجْتُ حَتّى أَقْتُلَ مُحَمّدًا، فَتَحَمّلَ لَك صَفْوَانُ بِدَيْنِك وَعِيَالِك، عَلَى أَنْ تَقْتُلَنِي لَهُ وَاَللّهُ حَائِلٌ بَيْنَك وَبَيْنَ ذَلِكَ قَالَ عُمَيْرٌ أَشْهَدُ أَنّك رَسُولُ اللّهِ قَدْ كُنّا يَا رَسُولَ اللّهِ نُكَذّبُك بِمَا كُنْت تَأْتِينَا بِهِ مِنْ خَبَرِ السّمَاءِ وَمَا يَنْزِلُ عَلَيْك مِنْ الْوَحْيِ وَهَذَا أَمْرٌ لَمْ يَحْضُرْهُ إلّا أَنَا وَصَفْوَانُ فَوَاَللّهِ إنّي لَأَعْلَمُ مَا أَتَاك بِهِ إلّا اللّهُ فَالْحَمْدُ لِلّهِ الّذِي هَدَانِي لِلْإِسْلَامِ وَسَاقَنِي هَذَا الْمَسَاقَ ثُمّ شَهِدَ شَهَادَةَ الْحَقّ. فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَقّهُوا أَخَاكُمْ فِي دِينِهِ. وَأَقْرِئُوهُ الْقُرْآنَ وَأَطْلِقُوا لَهُ أَسِيرَهُ فَفَعَلُوا.
ثُمّ قَالَ يَا رَسُولَ اللّهِ إنّي كُنْت جَاهِدًا عَلَى إطْفَاءِ نُورِ اللّهِ شَدِيدَ الْأَذَى لِمَنْ كَانَ عَلَى دِينِ اللّهِ عَزّ وَجَلّ وَأَنَا أُحِبّ أَنْ تَأْذَنَ لِي، فَأَقْدَمَ مَكّةَ، فَأَدْعُوهُمْ إلَى اللّهِ تَعَالَى، وَإِلَى رَسُولِهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَإِلَى الْإِسْلَامِ لَعَلّ اللّهَ يَهْدِيهِمْ كُنْت أُوذِي أَصْحَابَك فِي دِينِهِمْ؟ قَالَ فَأَذِنَ لَهُ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَلَحِقَ بِمَكّةَ. وَكَانَ صَفْوَانُ بْنُ أُمَيّةَ حِينَ خَرَجَ عُمَيْرُ بْنُ وَهْبٍ، يَقُولُ أَبْشِرُوا بِوَقْعَةٍ تَأْتِيكُمْ الْآنَ فِي أَيّامٍ تُنْسِيكُمْ وَقْعَةَ بَدْرٍ وَكَانَ صَفْوَانُ يَسْأَلُ عَنْهُ الرّكْبَانَ حَتّى قَدِمَ رَاكِبٌ فَأَخْبَرَهُ عَنْ إسْلَامِهِ فَحَلَفَ أَنْ لَا يُكَلّمَهُ أَبَدًا، وَلَا يَنْفَعَهُ بِنَفْعِ أَبَدًا. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فَلَمّا قَدِمَ عُمَيْرٌ مَكّةَ، أَقَامَ بِهَا يَدْعُو إلَى الْإِسْلَامِ وَيُؤْذِي مَنْ خَالَفَهُ أَذًى شَدِيدًا، فَأَسْلَمَ عَلَى يَدَيْهِ نَاسٌ كَثِيرٌ.
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَعُمَيْرُ بْنُ وَهْبٍ، أَوْ الْحَارِثُ بْنُ هِشَامٍ، قَدْ ذُكِرَ لِي أَحَدُهُمَا، الّذِي رَأَى إبْلِيسَ حِينَ نَكَصَ عَلَى عَقِبَيْهِ يَوْمَ بَدْرٍ فَقَالَ أَيْنَ أَيْ سُرَاقَةُ؟ وَمَثَلَ عَدُوّ اللّهِ فَذَهَبَ فَأَنْزَلَ اللّهُ تَعَالَى فِيهِ. {وَإِذْ زَيّنَ لَهُمُ الشّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ وَقَالَ لَا غَالِبَ لَكُمُ الْيَوْمَ مِنَ النّاسِ وَإِنّي جَارٌ لَكُمْ} فَذَكَرَ اسْتِدْرَاجَ إبْلِيسَ إيّاهُمْ وَتَشَبّهَهُ بِسُرَاقَةَ بْنِ مَالِكِ بْنِ جُعْشُمٍ لَهُمْ حِينَ ذَكَرُوا مَا بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ بَنِي بَكْرِ بْنِ عَبْدِ مَنَاةَ بْنِ كِنَانَةَ فِي الْحَرْبِ الّتِي كَانَتْ بَيْنَهُمْ. يَقُولُ اللّهُ تَعَالَى: {فَلَمّا تَرَاءَتِ الْفِئَتَانِ} وَنَظَرَ عَدُوّ اللّهِ إلَى جُنُودِ اللّهِ مِنْ الْمَلَائِكَةِ قَدْ أَيّدَ اللّهُ بِهِمْ رَسُولَهُ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَالْمُؤْمِنِينَ عَلَى عَدُوّهِمْ {نَكَصَ عَلَى عَقِبَيْهِ وَقَالَ إِنّي بَرِيءٌ مِنْكُمْ إِنّي أَرَى مَا لَا تَرَوْنَ} وَصَدَقَ عَدُوّ اللّهِ رَأَى مَا لَمْ يَرَوْا، وَقَالَ {إِنّي أَخَافُ اللّهَ وَاللّهُ شَدِيدُ الْعِقَابِ} فَذُكِرَ لِي أَنّهُمْ كَانُوا يَرَوْنَهُ فِي كُلّ مَنْزِلٍ فِي صُورَةِ سُرَاقَةَ لَا يُنْكِرُونَهُ حَتّى إذَا كَانَ يَوْمُ بَدْرٍ وَالْتَقَى الْجَمْعَانِ نَكَصَ عَلَى عَقِبَيْهِ فَأَوْرَدَهُمْ ثُمّ أَسْلَمَهُمْ.
.[تَفْسِيرُ ابْنِ هِشَامٍ لِبَعْضِ الْغَرِيبِ]:

قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: نَكَصَ رَجَعَ. قَالَ أَوْسُ بْنُ حَجَرٍ أَحَدُ بَنِي أُسَيْدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ تَمِيمٍ:
نَكَصْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ يَوْمَ جِئْتُمْ ** تُزَجّونَ أَنْفَالَ الْخَمِيسِ الْعَرَمْرَمِ

وَهَذَا الْبَيْتُ فِي قَصِيدَةٍ لَهُ.
.[شِعْرٌ لِحَسّانَ فِي الْفَخْرِ بِقَوْمِهِ وَمَا كَانَ مِنْ تَغْرِيرِ إبْلِيسَ بِقُرَيْشٍ]:

قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَقَالَ حَسّانُ بْنُ ثَابِتٍ:
قَوْمِي الّذِينَ هُمْ آوَوْا نَبِيّهُمْ ** وَصَدّقُوهُ وَأَهْلُ الْأَرْضِ كُفّارُ

إلّا خَصَائِصَ أَقْوَامٍ هُمْ سَلَفٌ ** لِلصّالِحِينَ مَعَ الْأَنْصَارِ أَنْصَارُ

مُسْتَبْشِرِينَ بِقَسْمِ اللّهِ قَوْلُهُمْ ** لَمّا أَتَاهُمْ كَرِيمُ الْأَصْلِ مُخْتَارُ

أَهْلًا وَسَهْلًا فَفِي أَمْنٍ وَفِي سَعَةٍ ** نِعْمَ النّبِيّ وَنِعْمَ الْقَسْمُ وَالْجَارُ

فَأَنْزَلُوهُ بِدَارِ لَا يُخَافُ بِهَا ** مَنْ كَانَ جَارَهُمْ دَارًا هِيَ الدّارُ

وَقَاسَمُوهُ بِهَا الْأَمْوَالَ إذْ قَدِمُوا ** مُهَاجِرِينَ وَقَسْمُ الْجَاحِدِ النّارُ

سِرْنَا وَسَارُوا إلَى بَدْرٍ لِحَيْنِهِمْ ** لَوْ يَعْلَمُونَ يَقِينَ الْعِلْمِ مَا سَارُوا

دَلّاهُمْ بِغُرُورٍ ثُمّ أَسْلَمَهُمْ ** إنّ الْخَبِيثَ لِمَنْ وَالَاهُ غَرّارُ

وَقَالَ إنّي لَكُمْ جَارٌ فَأَوْرَدَهُمْ ** شَرّ الْمَوَارِدِ فِيهِ الْخِزْي وَالْعَارُ

ثُمّ الْتَقَيْنَا فَوَلّوْا عَنْ سَرَاتِهِمْ ** مِنْ مُنْجِدِينَ وَمِنْهُمْ فِرْقَةٌ غَارُوا

قَالَ ابْنُ هِشَامٍ أَنْشَدَنِي قوله: لَمّا أَتَاهُمْ كَرِيمُ الْأَصْلِ مُخْتَارُ أَبُو زَيْدٍ الْأَنْصَارِيّ.
.الْمُطْعِمُونَ مِنْ قُرَيْشٍ:

قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَكَانَ الْمُطْعِمُونَ مِنْ قُرَيْشٍ، ثُمّ مِنْ بَنِي هَاشِمِ بْنِ عَبْدِ مَنَافٍ: الْعَبّاسَ بْنَ عَبْدِ الْمُطّلِبِ بْنِ هَاشِمٍ. وَمِنْ بَنِي عَبْدِ شَمْسِ بْنِ عَبْدِ مَنَافٍ: عُتْبَةَ بْنَ رَبِيعَةَ بْنِ عَبْدِ شَمْسٍ. وَمِنْ بَنِي نَوْفَلِ بْنِ عَبْدِ مَنَافٍ: الْحَارِثَ بْنَ عَامِرِ بْنِ نَوْفَلٍ، وَطُعَيْمَةَ بْنَ عَدِيّ بْنِ نَوْفَلٍ، يَعْتَقِبَانِ ذَلِكَ. وَمِنْ بَنِي أَسَدِ بْنِ عَبْدِ الْعُزّى: أَبَا الْبَخْتَرِيّ بْنَ هِشَامِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ أَسَدٍ. وَحَكِيمَ بْنَ حِزَامِ بْنِ خُوَيْلِدِ بْنِ أَسَدٍ: يَعْتَقِبَانِ ذَلِكَ. وَمِنْ بَنِي عَبْدِ الدّارِ بْنِ قُصَيّ: النّضْرَ بْنَ الْحَارِثِ بْنِ كَلَدَةَ بْنِ عَلْقَمَةَ بْنِ عَبْدِ مَنَافِ بْنِ عَبْدِ الدّارِ.
.[نَسَبُ النّضْرِ]:

قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَيُقَالُ النّضْرُ بْنُ الْحَارِثِ بْنِ عَلْقَمَةَ بْنِ كَلَدَةَ بْنِ عَبْدِ مَنَافِ بْنِ عَبْدِ الدّارِ قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَمِنْ بَنِي مَخْزُومِ بْنِ يَقَظَةَ: أَبَا جَهْلِ بْنَ هِشَامِ بْنِ الْمُغِيرَةِ بْنِ عَبْدِ اللّهِ بْنِ عُمَرَ بْنِ مَخْزُومٍ. وَمِنْ بَنَى جُمَحَ: أُمَيّةَ بْنَ خَلَفِ بْنِ وَهْبِ بْنِ حُذَافَةَ بْنِ جُمَحَ وَمِنْ بَنِي سَهْمِ بْنِ عَمْرٍو: نُبَيْهًا وَمُنَبّهًا ابْنَيْ الْحَجّاجِ بْنِ عَامِرِ بْنِ حُذَيْفَةَ بْنِ سَعْدِ بْنِ سَهْمٍ، يَعْتَقِبَانِ ذَلِكَ. وَمُنَبّهًا ابْنَيْ الْحَجّاجِ بْنِ عَامِرِ بْنِ حُذَيْفَةَ بْنِ سَعْدِ بْنِ سَهْمٍ، يَعْتَقِبَانِ ذَلِكَ. وَمِنْ بَنِي عَامِرِ بْنِ لُؤَيّ: سُهَيْلَ بْنَ عَمْرِو بْنِ عَبْدِ شَمْسِ بْنِ عَبْدِ وُدّ بْنِ نَصْرِ بْنِ مَالِكِ بْنِ حِسْلِ بْنِ عَامِرٍ.
.أَسَمَاءُ خَيْلِ الْمُسْلِمِينَ يَوْمَ بَدْرٍ:

قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَحَدّثَنِي بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ أَنّهُ كَانَ مَعَ الْمُسْلِمِينَ يَوْمَ بَدْرٍ مِنْ الْخَيْلِ فَرَسُ مَرْثَدِ بْنِ أَبِي مَرْثَدٍ الْغَنَوِيّ، وَكَانَ يُقَالُ لَهُ السّبَلُ وَفَرَسُ الْمِقْدَادِ بْنِ عَمْرٍو الْبَهْرَانِيّ وَكَانَ يُقَالُ لَهُ بَعْزَجَةُ وَيُقَالُ سَبْحَةُ وَفَرَسُ الزّبَيْرِ بْنِ الْعَوّامِ، وَكَانَ يُقَالُ لَهُ الْيَعْسُوبُ.
.[خَيْلُ الْمُشْرِكِينَ]:

قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَمَعَ الْمُشْرِكِينَ مِئَةُ فَرَسٍ.
.نُزُولُ سُورَةِ الْأَنْفَالِ:

قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فَلَمّا انْقَضَى أَمْرُ بَدْرٍ أَنْزَلَ اللّهُ عَزّ وَجَلّ فِيهِ مِنْ الْقُرْآنِ الْأَنْفَالَ بِأَسْرِهَا، فَكَانَ مِمّا نَزَلَ مِنْهَا فِي اخْتِلَافِهِمْ فِي النّفَلِ حِينَ اخْتَلَفُوا فِيهِ {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْأَنْفَالِ قُلِ الْأَنْفَالُ لِلّهِ وَالرّسُولِ فَاتّقُوا اللّهَ وَأَصْلِحُوا ذَاتَ بَيْنِكُمْ وَأَطِيعُوا اللّهَ وَرَسُولَهُ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ} فَكَانَ عُبَادَةُ بْنُ الصّامِتِ- فِيمَا بَلَغَنِي- إذَا سُئِلَ عَنْ الْأَنْفَالِ قَالَ فِينَا مَعْشَرَ أَهْلِ بَدْرٍ نَزَلَتْ  حِينَ اخْتَلَفْنَا فِي النّفَلِ يَوْمَ بَدْرٍ فَانْتَزَعَهُ اللّهُ مِنْ أَيْدِينَا حِينَ سَاءَتْ فِيهِ أَخْلَاقُنَا، فَرَدّهُ عَلَى رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَقَسَمَهُ بَيْنَنَا السّوَاءِ- وَكَانَ فِي ذَلِكَ تَقْوَى اللّهِ وَطَاعَتُهُ وَطَاعَةُ رَسُولِهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَصَلَاحُ ذَاتِ الْبَيْنِ.
.[مَا نَزَلَ فِي خُرُوجِ الْقَوْمِ مَعَ الرّسُولِ لِمُلَاقَاةِ قُرَيْشٍ]:

ثُمّ ذَكَرَ الْقَوْمَ وَمَسِيرَهُمْ مَعَ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ حِينَ عَرَفَ الْقَوْمُ أَنّ قُرَيْشًا قَدْ سَارُوا إلَيْهِمْ وَإِنّمَا خَرَجُوا يُرِيدُونَ الْعِيرَ طَمَعًا فِي الْغَنِيمَةِ فَقَالَ {كَمَا أَخْرَجَكَ رَبّكَ مِنْ بَيْتِكَ بِالْحَقّ وَإِنّ فَرِيقًا مِنَ الْمُؤْمِنِينَ لَكَارِهُونَ يُجَادِلُونَكَ فِي الْحَقّ بَعْدَمَا تَبَيّنَ كَأَنّمَا يُسَاقُونَ إِلَى الْمَوْتِ وَهُمْ يَنْظُرُونَ} أَيْ كَرَاهِيَةً لِلِقَاءِ الْقَوْمِ وَإِنْكَارًا لِمَسِيرِ قُرَيْشٍ، حِين ذُكِرُوا لَهُمْ {وَإِذْ يَعِدُكُمُ اللّهُ إِحْدَى الطّائِفَتَيْنِ أَنّهَا لَكُمْ وَتَوَدّونَ أَنّ غَيْرَ ذَاتِ الشّوْكَةِ تَكُونُ لَكُمْ} أَيْ الْغَنِيمَةَ دُونَ الْحَرْبِ {وَيُرِيدُ اللّهُ أَنْ يُحِقّ الْحَقّ بِكَلِمَاتِهِ وَيَقْطَعَ دَابِرَ الْكَافِرِينَ} أَيّ بِالْوَقْعَةِ الّتِي أَوْقَعَ بِصَنَادِيدِ قُرَيْشٍ وَقَادَتِهِمْ يَوْمَ بَدْرٍ {إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبّكُمْ} أَيْ لِدُعَائِهِمْ حِينَ نَظَرُوا إلَى كَثْرَةِ عَدُوّهِمْ وَقِلّةِ عَدَدِهِمْ {فَاسْتَجَابَ لَكُمْ} بِدُعَاءِ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَدُعَائِكُمْ {أَنّي مُمِدّكُمْ بِأَلْفٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ مُرْدِفِينَ} {إِذْ يُغَشّيكُمُ النّعَاسَ أَمَنَةً مِنْهُ} أَيْ أَنْزَلْت عَلَيْكُمْ الْأَمَنَةَ حِينَ نِمْتُمْ لَا تَخَافُونَ {وَيُنَزّلُ عَلَيْكُمْ مِنَ السّمَاءِ مَاءً} لِلْمَطَرِ الّذِي أَصَابَهُمْ تِلْكَ اللّيْلَةَ فَحَبَسَ الْمُشْرِكِينَ أَنْ يَسْبِقُوا إلَى الْمَاءِ وَخَلّى سَبِيلَ الْمُسْلِمِينَ إلَيْهِ {لِيُطَهّرَكُمْ بِهِ وَيُذْهِبَ عَنْكُمْ رِجْزَ الشّيْطَانِ وَلِيَرْبِطَ عَلَى قُلُوبِكُمْ وَيُثَبّتَ بِهِ الْأَقْدَامَ} أَيّ لِيُذْهِبَ عَنْكُمْ شَكّ الشّيْطَانِ لِتَخْوِيفِهِ إيّاهُمْ عَدُوّهُمْ وَاسْتِجْلَادِ الْأَرْضِ لَهُمْ حَتّى انْتَهَوْا إلَى مَنْزِلِهِمْ الّذِي سَبَقُوا إلَيْهِ عَدُوّهُمْ.
.[مَا نَزَلَ فِي تَبْشِيرِ الْمُسْلِمِينَ بِالْمُسَاعَدَةِ وَالنّصْرِ وَتَحْرِيضِهِمْ]:

ثُمّ قَالَ تَعَالَى: {إِذْ يُوحِي رَبّكَ إِلَى الْمَلَائِكَةِ أَنّي مَعَكُمْ فَثَبّتُوا الّذِينَ آمَنُوا} {سَأُلْقِي فِي قُلُوبِ الّذِينَ كَفَرُوا الرّعْبَ فَاضْرِبُوا فَوْقَ الْأَعْنَاقِ وَاضْرِبُوا مِنْهُمْ كُلّ بَنَانٍ ذَلِكَ بِأَنّهُمْ شَاقّوا اللّهَ وَرَسُولَهُ وَمَنْ يُشَاقِقِ اللّهَ وَرَسُولَهُ فَإِنّ اللّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ} ثُمّ قَالَ{يَا أَيّهَا الّذِينَ آمَنُوا إِذَا لَقِيتُمُ الّذِينَ كَفَرُوا زَحْفًا فَلَا تُوَلّوهُمُ الْأَدْبَارَ وَمَنْ يُوَلّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ إِلّا مُتَحَرّفًا لِقِتَالٍ أَوْ مُتَحَيّزًا إِلَى فِئَةٍ فَقَدْ بَاءَ بِغَضَبٍ مِنَ اللّهِ وَمَأْوَاهُ جَهَنّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ} أَيْ تَحْرِيضًا لَهُمْ عَلَى عَدُوّهِمْ لِئَلّا يَنْكُلُوا عَنْهُمْ إذَا لَقُوهُمْ وَقَدْ وَعَدَهُمْ اللّهُ فِيهِمْ مَا وَعَدَهُمْ.
.[مَا نَزَلَ فِي رَمْيِ الرّسُولِ لِلْمُشْرِكِينَ بِالْحَصْبَاءِ]:

ثُمّ قَالَ تَعَالَى فِي رَمْيِ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ إيّاهُمْ بِالْحَصْبَاءِ مِنْ يَدِهِ حِينَ رَمَاهُمْ {وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَكِنّ اللّهَ رَمَى} أَيْ لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ بِرَمْيَتِك، لَوْلَا الّذِي جَعَلَ اللّهُ فِيهَا مِنْ نَصْرِك، وَمَا أَلْقَى فِي صُدُورِ عَدُوّك مِنْهَا حِينَ هَزَمَهُمْ اللّهُ{وَلِيُبْلِيَ الْمُؤْمِنِينَ مِنْهُ بَلَاءً حَسَنًا} أَيْ لِيُعَرّفَ الْمُؤْمِنِينَ مِنْ نِعْمَتِهِ عَلَيْهِمْ فِي إظْهَارِهِمْ عَلَى عَدُوّهِمْ وَقِلّةِ عَدَدِهِمْ لِيَعْرِفُوا بِذَلِكَ حَقّهُ وَيَشْكُرُوا بِذَلِكَ نِعْمَتَهُ.
.[مَا نَزَلَ فِي الِاسْتِفْتَاحِ]:

ثُمّ قَالَ {إِنْ تَسْتَفْتِحُوا فَقَدْ جَاءَكُمُ الْفَتْحُ} أَيْ لِقَوْلِ أَبِي جَهْلٍ: اللّهُمّ أَقْطَعَنَا لِلرّحِمِ وَآتَانَا بِمَا لَا يُعْرَفُ فَأَحِنْهُ الْغَدَاةَ. وَالِاسْتِفْتَاحُ الْإِنْصَافُ فِي الدّعَاءِ. يَقُولُ اللّهُ جَلّ ثَنَاؤُهُ {وَإِنْ تَنْتَهُوا} أَيْ لِقُرَيْشِ {فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَإِنْ تَعُودُوا نَعُدْ} أَيْ بِمِثْلِ الْوَقْعَةِ الّتِي أَصَبْنَاكُمْ بِهَا يَوْمَ بَدْرٍ {وَلَنْ تُغْنِيَ عَنْكُمْ فِئَتُكُمْ شَيْئًا وَلَوْ كَثُرَتْ وَأَنّ اللّهَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ} أَيْ أَنّ عَدَدَكُمْ وَكَثْرَتَكُمْ فِي أَنْفُسِكُمْ لَنْ تُغْنِيَ عَنْكُمْ شَيْئًا، وَإِنّي مَعَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْصُرهُمْ عَلَى مَنْ خَالَفَهُمْ.
.[مَا نَزَلَ فِي حَضّ الْمُسْلِمِينَ عَلَى طَاعَةِ الرّسُولِ]:

ثُمّ قَالَ تَعَالَى {يَا أَيّهَا الّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللّهَ وَرَسُولَهُ وَلَا تَوَلّوْا عَنْهُ وَأَنْتُمْ تَسْمَعُونَ} أَيْ لَا تُخَالِفُوا أَمْرَهُ وَأَنْتُمْ تَسْمَعُونَ لِقَوْلِهِ وَتَزْعُمُونَ أَنّكُمْ مِنْهُ {وَلَا تَكُونُوا كَالّذِينَ قَالُوا سَمِعْنَا وَهُمْ لَا يَسْمَعُونَ} أَيْ كَالْمُنَافِقِينَ الّذِينَ يُظْهِرُونَ لَهُ الطّاعَةَ وَيُسِرّونَ لَهُ الْمَعْصِيَةَ {إِنّ شَرّ الدّوَابّ عِنْدَ اللّهِ الصّمّ الْبُكْمُ الّذِينَ لَا يَعْقِلُونَ} أَيْ الْمُنَافِقُونَ الّذِينَ نَهَيْتُكُمْ أَنْ تَكُونُوا مِثْلَهُمْ بُكْمٌ عَنْ الْخَيْرِ صُمّ عَنْ الْحَقّ لَا يَعْقِلُونَ لَا يَعْرِفُونَ مَا عَلَيْهِمْ فِي ذَلِكَ مِنْ النّقْمَةِ وَالتّبَاعَةِ {وَلَوْ عَلِمَ اللّهُ فِيهِمْ خَيْرًا لَأَسْمَعَهُمْ} أَيْ لَأَنْفَذَ لَهُمْ قَوْلَهُمْ الّذِي قَالُوا بِأَلْسِنَتِهِمْ وَلَكِنّ الْقُلُوبَ خَالَفَتْ ذَلِكَ مِنْهُمْ {وَلَوْ أَسْمَعَهُمْ لَتَوَلّوْا وَهُمْ مُعْرِضُونَ} مَا وَفَوْا لَكُمْ بِشَيْءٍ مِمّا خَرَجُوا عَلَيْهِ. {يَا أَيّهَا الّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلّهِ وَلِلرّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ} أَيْ لِلْحَرْبِ الّتِي أَعَزّكُمْ اللّهُ بِهَا بَعْدَ الذّلّ وَقَوّاكُمْ بِهَا بَعْدَ الضّعْفِ وَمَنَعَكُمْ بِهَا مِنْ عَدُوّكُمْ بَعْدَ الْقَهْرِ مِنْهُمْ لَكُمْ {وَاذْكُرُوا إِذْ أَنْتُمْ قَلِيلٌ مُسْتَضْعَفُونَ فِي الْأَرْضِ تَخَافُونَ أَنْ يَتَخَطّفَكُمُ النّاسُ فَآوَاكُمْ وَأَيّدَكُمْ بِنَصْرِهِ وَرَزَقَكُمْ مِنَ الطّيّبَاتِ لَعَلّكُمْ تَشْكُرُونَ يَا أَيّهَا الّذِينَ آمَنُوا لَا تَخُونُوا اللّهَ وَالرّسُولَ وَتَخُونُوا أَمَانَاتِكُمْ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ} أَيْ لَا تُظْهِرُوا لَهُ مِنْ الْحَقّ مَا يَرْضَى بِهِ مِنْكُمْ ثُمّ تُخَالِفُوهُ فِي السّرّ إلَى غَيْرِهِ فَإِنّ ذَلِكَ هَلَاكٌ لِأَمَانَاتِكُمْ وَخِيَانَةٌ لِأَنْفُسِكُمْ. {يَا أَيّهَا الّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَتّقُوا اللّهَ يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقَانًا وَيُكَفّرْ عَنْكُمْ سَيّئَاتِكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ} أَيْ فَصْلًا بَيْنَ الْحَقّ وَالْبَاطِلِ لِيُظْهِرَ اللّهُ بِهِ حَقّكُمْ وَيُطْفِئَ بِهِ بَاطِلَ مَنْ خَالَفَكُمْ.
.[مَا نَزَلَ فِي ذِكْرِ نِعْمَةِ اللّهِ عَلَى الرّسُولِ]:

ثُمّ ذَكّرَ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بِنِعْمَتِهِ عَلَيْهِ حِينَ مَكَرَ بِهِ الْقَوْمُ لِيَقْتُلُوهُ أَوْ يُثْبِتُوهُ أَوْ يُخْرِجُوهُ {وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللّهُ وَاللّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ} أَيْ فَمَكَرْتُ بِهِمْ بِكَيْدِي الْمَتِينِ حَتّى خَلّصْتُك مِنْهُمْ.
.[مَا نَزَلَ فِي غِرّةِ قُرَيْشٍ وَاسْتِفْتَاحِهِمْ]:

ثُمّ ذَكَرَ غِرّةَ قُرَيْشٍ قَالُوا: {اللّهُمّ إِنْ كَانَ هَذَا هُوَ الْحَقّ مِنْ عِنْدِكَ} أَيْ مَا جَاءَ بِهِ مُحَمّدٌ {فَأَمْطِرْ عَلَيْنَا حِجَارَةً مِنَ السّمَاءِ}كَمَا أَمْطَرْتهَا عَلَى قَوْمِ لُوطٍ {أَوِ ائْتِنَا بِعَذَابٍ أَلِيمٍ} أَيْ بَعْضِ مَا عَذّبْت بِهِ الْأُمَمَ قَبْلَنَا، وَكَانُوا يَقُولُونَ إنّ اللّهَ لَا يُعَذّبُنَا  وَنَحْنُ نَسْتَغْفِرُهُ وَلَمْ يُعَذّبْ أُمّةً وَنَبِيّهَا مَعَهَا حَتّى يُخْرِجَهُ عَنْهَا. وَذَلِكَ مِنْ قَوْلِهِمْ وَرَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بَيْنَ أَظْهُرِهِمْ فَقَالَ تَعَالَى لِنَبِيّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ يَذْكُرُ جَهَالَتَهُمْ وَغِرّتَهُمْ وَاسْتِفْتَاحَهُمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ حِينَ نَعَى سُوءَ أَعْمَالِهِمْ{وَمَا كَانَ اللّهُ لِيُعَذّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ وَمَا كَانَ اللّهُ مُعَذّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ} أَيْ لِقَوْلِهِمْ إنّا نَسْتَغْفِرُ وَمُحَمّدٌ بَيْنَ أَظْهُرِنَا، ثُمّ قَالَ{وَمَا لَهُمْ أَلّا يُعَذّبَهُمُ اللّهُ} وَإِنْ كُنْتَ بَيْنَ أَظْهُرِهِمْ وَإِنْ كَانُوا يَسْتَغْفِرُونَ كَمَا يَقُولُونَ {وَهُمْ يَصُدّونَ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ} أَيْ مَنْ آمَنَ بِاَللّهِ وَعَبْدَهُ أَيْ أَنْتَ وَمَنْ اتّبَعَك، {وَمَا كَانُوا أَوْلِيَاءَهُ إِنْ أَوْلِيَاؤُهُ إِلّا الْمُتّقُونَ} الّذِينَ يُحَرّمُونَ حُرْمَتَهُ وَيُقِيمُونَ الصّلَاةَ عِنْدَهُ أَيْ أَنْتَ وَمَنْ آمَنَ بِك {وَلَكِنّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ} {وَمَا كَانَ صَلَاتُهُمْ عِنْدَ الْبَيْتِ} الّتِي يَزْعُمُونَ أَنّهُ يَدْفَعُ بِهَا عَنْهُمْ {إِلّا مُكَاءً وَتَصْدِيَةً}
.[تَفْسِيرُ ابْنِ هِشَامٍ لِبَعْضِ الْغَرِيبِ]:

قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: الْمُكَاءُ الصّفِيرُ. وَالتّصْدِيَةُ التّصْفِيقُ. قَالَ عَنْتَرَةُ بْنُ عَمْرٍو ابْنُ شَدّادٍ الْعَبْسِيّ:
وَلَرُبّ قِرْنٍ قَدْ تَرَكْتُ مُجَدّلًا ** تَمْكُو فَرِيصَتُهُ كَشِدْقِ الْأَعْلَمِ

يَعْنِي: صَوْتَ خُرُوجِ الدّمِ مِنْ الطّعْنَةِ كَأَنّهُ الصّفِيرُ. وَهَذَا الْبَيْتُ فِي قَصِيدَةٍ لَهُ. وَقَالَ الطّرِمّاحُ بْنُ حَكِيمٍ الطّائِيّ:
لَهَا كُلّمَا رِيعَتْ صَدَاةٌ وَرَكْدَةٌ ** بِمُصْدَانَ أَعْلَى ابْنَيْ شَمَامِ الْبَوَائِنِ

وَهَذَا الْبَيْتُ فِي قَصِيدَةٍ لَهُ. يَعْنِي الْأُرْوِيّةَ يَقُولُ إذَا فَزِعَتْ قَرَعَتْ بِيَدِهَا الصّفَاةَ ثُمّ رَكَدَتْ تَسْمَعُ صَدَى قَرْعِهَا بِيَدِهَا الصّفَاةَ مِثْلُ التّصْفِيقِ. وَالْمُصْدَانَ الْحِرْزُ. وَابْنَا شَمَامِ جَبَلَانِ. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَذَلِكَ مَا لَا يُرْضِي اللّهَ عَزّ وَجَلّ وَلَا يُحِبّهُ وَلَا مَا افْتَرَضَ عَلَيْهِمْ وَلَا مَا أَمَرَهُمْ بِهِ {فَذُوقُوا الْعَذَابَ بِمَا كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ} أَيْ لِمَا أَوْقَعَ بِهِمْ يَوْمَ بَدْرٍ مِنْ الْقَتْلِ.
.[الْمُدّةُ بَيْنَ يَا أَيّهَا الْمُزّمّلُ وَبَدْرٌ]:

قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَحَدّثَنِي يَحْيَى بْنُ عَبّادِ بْنِ عَبْدِ اللّهِ بْنِ الزّبَيْرِ، عَنْ أَبِيهِ عَبّادٍ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ مَا كَانَ بَيْنَ نُزُولِ {يَا أَيّهَا الْمُزّمّلُ} وَقَوْلِ اللّهِ تَعَالَى فِيهَا: {وَذَرْنِي وَالْمُكَذّبِينَ أُولِي النّعْمَةِ وَمَهّلْهُمْ قَلِيلًا إِنّ لَدَيْنَا أَنْكَالًا وَجَحِيمًا وَطَعَامًا ذَا غُصّةٍ وَعَذَابًا أَلِيمًا} إلّا يَسِيرٌ حَتّى أَصَابَ اللّهُ قُرَيْشًا بِالْوَقْعَةِ يَوْمَ بَدْرٍ.
.[تَفْسِيرُ ابْنِ هِشَامٍ لِبَعْضِ الْغَرِيبِ]:

قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: الْأَنْكَالُ الْقُيُودُ وَاحِدُهَا: نِكْلٌ. قَالَ رُؤْبَةُ بْنُ الْعَجّاجِ: يَكْفِيك نِكْلِي بَغْيَ كُلّ نِكْلِ وَهَذَا الْبَيْتُ فِي أُرْجُوزَةٍ لَهُ.
.[مَا نَزَلَ فِيمَنْ عَاوَنُوا أَبَا سُفْيَانَ]:

قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: ثُمّ قَالَ اللّهُ عَزّ وَجَلّ {إِنّ الّذِينَ كَفَرُوا يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ لِيَصُدّوا عَنْ سَبِيلِ اللّهِ فَسَيُنْفِقُونَهَا ثُمّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً ثُمّ يُغْلَبُونَ وَالّذِينَ كَفَرُوا إِلَى جَهَنّمَ يُحْشَرُونَ} يَعْنِي النّفَرَ الّذِينَ مَشَوْا إلَى أَبِي سُفْيَانَ وَإِلَى مَنْ كَانَ لَهُ مَالٌ مِنْ قُرَيْشٍ فِي تِلْكَ التّجَارَةِ فَسَأَلُوهُمْ أَنْ يُقَوّوهُمْ بِهَا عَلَى حَرْبِ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَفَعَلُوا. قَالَ {قُلْ لِلّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ مَا قَدْ سَلَفَ وَإِنْ يَعُودُوا} لِحَرْبِك {فَقَدْ مَضَتْ سُنّةُ الْأَوّلِينَ} أَيْ مَنْ قُتِلَ مِنْهُمْ يَوْمَ بَدْرٍ.
.[الْأَمْرُ بِقِتَالِ الْكُفّارِ]:

ثُمّ قَالَ تَعَالَى {وَقَاتِلُوهُمْ حَتّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدّينُ كُلّهُ لِلّهِ} أَيْ حَتّى لَا يُفْتَنَ مُؤْمِنٌ عَنْ دِينِهِ وَيَكُونَ التّوْحِيدُ لِلّهِ خَالِصًا لَيْسَ لَهُ فِيهِ شَرِيكٌ وَيُخْلَعَ مَا دُونَهُ مِنْ الْأَنْدَادِ {فَإِنِ انْتَهَوْا فَإِنّ اللّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ بَصِيرٌ وَإِنْ تَوَلّوْا} عَنْ أَمْرِك إلَى مَا هُمْ عَلَيْهِ مِنْ كُفْرِهِمْ {فَاعْلَمُوا أَنّ اللّهَ مَوْلَاكُمْ} الّذِي أَعَزّكُمْ وَنَصَرَكُمْ عَلَيْهِمْ يَوْمَ بَدْرٍ فِي كَثْرَةِ عَدَدِهِمْ وَقِلّةِ عَدَدِكُمْ {نِعْمَ الْمَوْلَى وَنِعْمَ النّصِيرُ}
.[مَا نَزَلَ فِي تَقْسِيمِ الْفَيْءِ]:

ثُمّ أَعْلَمَهُمْ مَقَاسِمَ الْفَيْءِ وَحُكْمَهُ فِيهِ حِينَ أَحَلّهُ لَهُمْ فَقَالَ {وَاعْلَمُوا أَنّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنّ لِلّهِ خُمُسَهُ وَلِلرّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السّبِيلِ إِنْ كُنْتُمْ آمَنْتُمْ بِاللّهِ وَمَا أَنْزَلْنَا عَلَى عَبْدِنَا يَوْمَ الْفُرْقَانِ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ وَاللّهُ عَلَى كُلّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} أَيْ يَوْمَ فَرّقْتُ فِيهِ بَيْنَ الْحَقّ وَالْبَاطِلِ بِقُدْرَتِي يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ مِنْكُمْ وَمِنْهُمْ {إِذْ أَنْتُمْ بِالْعُدْوَةِ الدّنْيَا}مِنْ الْوَادِي {وَهُمْ بِالْعُدْوَةِ الْقُصْوَى} مِنْ الْوَادِي إلَى مَكّةَ {وَالرّكْبُ أَسْفَلَ مِنْكُمْ} أَيْ عِيرُ أَبِي سُفْيَانَ الّتِي خَرَجْتُمْ لِتَأْخُذُوهَا وَخَرَجُوا لِيَمْنَعُوهَا عَنْ غَيْرِ مِيعَادٍ مِنْكُمْ وَلَا مِنْهُمْ {وَلَوْ تَوَاعَدْتُمْ لَاخْتَلَفْتُمْ فِي الْمِيعَادِ} أَيْ وَلَوْ كَانَ ذَلِكَ عَنْ مِيعَادٍ مِنْكُمْ وَمِنْهُمْ ثُمّ بَلَغَكُمْ كَثْرَةُ عَدَدِهِمْ وَقِلّةُ عَدَدِكُمْ مَا لَقِيتُمُوهُمْ {وَلَكِنْ لِيَقْضِيَ اللّهُ أَمْرًا كَانَ مَفْعُولًا} أَيْ لِيَقْضِيَ مَا أَرَادَ بِقُدْرَتِهِ مِنْ إعْزَازِ الْإِسْلَامِ وَأَهْلِهِ وَإِذْلَالِ الْكُفْرِ وَأَهْلِهِ عَنْ غَيْرِ بَلَاءٍ مِنْكُمْ فَفَعَلَ مَا أَرَادَ مِنْ ذَلِكَ بِلُطْفِهِ ثُمّ قَالَ {لِيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَنْ بَيّنَةٍ وَيَحْيَا مَنْ حَيّ عَنْ بَيّنَةٍ وَإِنّ اللّهَ لَسَمِيعٌ عَلِيمٌ} كَفَرَ بَعْدَ الْحُجّةِ لِمَا رَأَى مِنْ الْآيَةِ وَالْعِبْرَةِ وَيُؤْمِنُ مَنْ آمَنَ عَلَى مِثْلِ ذلك.
.[مَا نَزَلَ فِي لُطْفِ اللّهِ بِالرّسُولِ]:

ثُمّ ذَكَرَ لُطْفَهُ بِهِ وَكَيْدَهُ لَهُ ثُمّ قَالَ {إِذْ يُرِيكَهُمُ اللّهُ فِي مَنَامِكَ قَلِيلًا وَلَوْ أَرَاكَهُمْ كَثِيرًا لَفَشِلْتُمْ وَلَتَنَازَعْتُمْ فِي الْأَمْرِ وَلَكِنّ اللّهَ سَلّمَ إِنّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصّدُورِ} فَكَانَ مَا أَرَاك مِنْ ذَلِكَ نِعْمَةً مِنْ نِعَمِهِ عَلَيْهِمْ شَجّعَهُمْ بِهَا عَلَى عَدُوّهِمْ وَكَفّ بِهَا عَنْهُمْ مَا تُخُوّفَ عَلَيْهِمْ مِنْ ضَعْفِهِمْ لِعِلْمِهِ بِمَا فِيهِمْ. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: تُخُوّفَ مُبَدّلَةٌ مِنْ كَلِمَةٍ ذَكَرَهَا ابْنُ إسْحَاقَ وَلَمْ أَذْكُرْهَا {وَإِذْ يُرِيكُمُوهُمْ إِذِ الْتَقَيْتُمْ فِي أَعْيُنِكُمْ قَلِيلًا وَيُقَلّلُكُمْ فِي أَعْيُنِهِمْ لِيَقْضِيَ اللّهُ أَمْرًا كَانَ مَفْعُولًا} أَيْ لِيُؤَلّفَ بَيْنَهُمْ عَلَى الْحَرْبِ لِلنّقْمَةِ مِمّنْ أَرَادَ الِانْتِقَامَ مِنْهُ وَالْإِنْعَامَ عَلَى مَنْ أَرَادَ إتْمَامَ النّعْمَةِ عَلَيْهِ مِنْ أَهْلِ وِلَايَتِهِ.
.[مَا نَزَلَ فِي وَعْظِ الْمُسْلِمِينَ وَتَعْلِيمِهِمْ خُطَطَ الْحَرْبِ]:

ثُمّ وَعَظَهُمْ وَفَهّمَهُمْ وَأَعْلَمَهُمْ الّذِي يَنْبَغِي لَهُمْ أَنْ يَسِيرُوا بِهِ فِي حَرْبِهِمْ فَقَالَ تَعَالَى: {يَا أَيّهَا الّذِينَ آمَنُوا إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً}تُقَاتِلُونَهُمْ فِي سَبِيل اللّهِ عَزّ وَجَلّ {فَاثْبُتُوا وَاذْكُرُوا اللّهَ كَثِيرًا} الّذِي لَهُ بَذَلْتُمْ أَنْفُسَكُمْ وَالْوَفَاءَ لَهُ بِمَا أَعْطَيْتُمُوهُ مِنْ بَيْعَتِكُمْ لَعَلّكُمْ تُفْلِحُونَ. {وَأَطِيعُوا اللّهَ وَرَسُولَهُ وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا} أَيْ لَا تَخْتَلِفُوا فَيَتَفَرّقَ أَمْرُكُمْ {وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ} أَيْ وَتَذْهَبَ حِدّتُكُمْ{وَاصْبِرُوا إِنّ اللّهَ مَعَ الصّابِرِينَ} أَيْ إنّي مَعَكُمْ إذَا فَعَلْتُمْ ذَلِكَ {وَلَا تَكُونُوا كَالّذِينَ خَرَجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ بَطَرًا وَرِئَاءَ النّاسِ} أَيْ  لَا تَكُونُوا كَأَبِي جَهْلٍ وَأَصْحَابِهِ الّذِينَ قَالُوا: لَا نَرْجِعُ حَتّى نَأْتِيَ بَدْرًا فَنَنْحَرَ بِهَا الْعَرَبُ: أَيْ لَا يَكُونُ أَمْرُكُمْ رِيَاءً وَلَا سُمْعَةً وَلَا الْتِمَاسَ مَا عِنْدَ النّاسِ وَأَخْلِصُوا لِلّهِ النّيّةَ وَالْحِسْبَةَ فِي نَصْرِ دِينِكُمْ وَمُوَازَرَةِ نَبِيّكُمْ لَا تَعْمَلُوا إلّا لِذَلِك وَلَا تَطْلُبُوا غَيْرَهُ. ثُمّ قَالَ تَعَالَى: {وَإِذْ زَيّنَ لَهُمُ الشّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ وَقَالَ لَا غَالِبَ لَكُمُ الْيَوْمَ مِنَ النّاسِ وَإِنّي جَارٌ لَكُمْ} قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَقَدْ مَضَى  تَفْسِيرُ هَذِهِ الْآيَةِ. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: ثُمّ ذَكَرَ اللّهُ تَعَالَى أَهْلَ الْكُفْرِ وَمَا يَلْقَوْنَ عِنْدَ مَوْتِهِمْ وَوَصَفَهُمْ بِصِفَتِهِمْ وَأَخْبَرَ نَبِيّهُ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ عَنْهُمْ حَتّى انْتَهَى إلَى أَنْ قَالَ {فَإِمّا تَثْقَفَنّهُمْ فِي الْحَرْبِ فَشَرّدْ بِهِمْ مَنْ خَلْفَهُمْ لَعَلّهُمْ يَذّكّرُونَ} أَيْ فَنَكّلْ بِهِمْ مِنْ وَرَائِهِمْ لَعَلّهُمْ يَعْقِلُونَ {وَأَعِدّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوّ اللّهِ وَعَدُوّكُمْ} إلَى قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ شَيْءٍ فِي سَبِيلِ اللّهِ يُوَفّ إِلَيْكُمْ وَأَنْتُمْ لَا تُظْلَمُونَ} أَيْ لَا يَضِيعُ لَكُمْ عِنْدَ اللّهِ أَجْرُهُ فِي الْآخِرَةِ وَعَاجِلٌ خِلَفَهُ فِي الدّنْيَا ثُمّ قَالَ تَعَالَى: {وَإِنْ جَنَحُوا لِلسّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا} أَيْ إنْ دَعَوْك إلَى السّلْمِ عَلَى الْإِسْلَامِ فَصَالِحْهُمْ عَلَيْهِ{وَتَوَكّلْ عَلَى اللّهِ} إنّ اللّهَ كَافِيك {إِنّهُ هُوَ السّمِيعُ الْعَلِيمُ}
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://el-quran.ahlamontada.com
Admin
Admin
Admin


المساهمات : 4240
تاريخ التسجيل : 20/01/2018

كتاب السيرة النبوية۞ لعبد الملك ابن هشام ۞«المؤرخ» ​ - صفحة 2 Empty
مُساهمةموضوع: رد: كتاب السيرة النبوية۞ لعبد الملك ابن هشام ۞«المؤرخ» ​   كتاب السيرة النبوية۞ لعبد الملك ابن هشام ۞«المؤرخ» ​ - صفحة 2 Emptyالأحد مارس 04, 2018 6:35 am

كتاب السيرة النبوية۞ لعبد الملك ابن هشام ۞«المؤرخ» ​ - صفحة 2 SeeretIbenHisham

.[تَفْسِيرُ ابْنِ هِشَامٍ لِبَعْضِ الْغَرِيبِ]:

قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: {جَنَحُوا لِلسّلْمِ} مَالُوا إلَيْك لِلسّلْمِ. الْجُنُوحُ الْمَيْلُ. قَالَ لَبِيدُ بْنُ رَبِيعَةَ:
جُنُوحُ الْهَالِكِيّ عَلَى يَدَيْهِ ** مُكِبّا يَجْتَلِي نُقَبَ النّصَالِ

وَهَذَا الْبَيْتُ فِي قَصِيدَةٍ لَهُ يُرِيدُ الصّيْقَلَ الْمُكِبّ عَلَى عَمَلِهِ. النّقْبُ صَدَأُ السّيْفِ. يَجْتَلِي: يَجْلُو السّيْفَ. وَالسّلْمُ أَيْضًا: الصّلْحُ وَفِي كِتَابِ اللّهِ عَزّ وَجَلّ {فَلَا تَهِنُوا وَتَدْعُوا إِلَى السّلْمِ وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ} وَيُقْرَأُ إلَى السّلْمِ وَهُوَ ذَلِكَ الْمَعْنَى. قَالَ زُهَيْرُ بْنُ أَبِي سُلْمَى:
وَقَدْ قُلْتُمَا إنْ نُدْرِكْ السّلْمَ وَاسِعًا ** بِمَالٍ وَمَعْرُوفٍ مِنْ الْقَوْلِ نَسْلَمْ

وَهَذَا الْبَيْتُ فِي قَصِيدَةٍ لَهُ. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَبَلَغَنِي عَنْ الْحَسَنِ بْنِ أَبِي الْحَسَنِ الْبَصْرِيّ، أَنّهُ كَانَ يَقُولُ {وَإِنْ جَنَحُوا لِلسّلْمِ} لِلْإِسْلَام. وَفِي كِتَابِ اللّهِ تَعَالَى: {يَا أَيّهَا الّذِينَ آمَنُوا ادْخُلُوا فِي السّلْمِ كَافّةً} وَيُقْرَأُ فِي السّلْمِ وَهُوَ الْإِسْلَامُ. قَالَ أُمَيّةُ بْنُ أَبِي الصّلْتِ:
فَمَا أَنَابُوا لِسَلْمٍ حِينَ تُنْذِرُهُمْ ** رُسْلَ الْإِلَهِ وَمَا كَانُوا لَهُ عَضُدَا

وَهَذَا الْبَيْتُ فِي قَصِيدَةٍ لَهُ. وَتَقُولُ الْعَرَبُ لِدَلْوٍ تُعْمَلُ مُسْتَطِيلَةً السّلْمُ. قَالَ طَرَفَةُ بْنُ الْعَبْدِ أَحَدُ بَنِي قَيْسِ بْنِ ثَعْلَبَةَ، يَصِفُ نَاقَةً لَهُ:
لَهَا مِرْفَقَانِ أَفْتَلَانِ كَأَنّمَا ** تَمُرّ بِسَلْمَى دَالِحٍ مُتَشَدّدٍ

وَيُرْوَى: دَالِجٍ. وَهَذَا الْبَيْتُ فِي قَصِيدَةٍ لَهُ. {وَإِنْ يُرِيدُوا أَنْ يَخْدَعُوكَ فَإِنّ حَسْبَكَ اللّهُ} هُوَ مِنْ وَرَاءِ ذَلِكَ. {هُوَ الّذِي أَيّدَكَ بِنَصْرِهِ} بَعْدَ الضّعْفِ {وَبِالْمُؤْمِنِينَ وَأَلّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ} عَلَى الْهُدَى الّذِي بَعَثَك اللّهُ بِهِ إلَيْهِمْ {لَوْ أَنْفَقْتَ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مَا أَلّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلَكِنّ اللّهَ أَلّفَ بَيْنَهُمْ} بِدِينِهِ الّذِي جَمَعَهُمْ عَلَيْهِ {إِنّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ} ثُمّ قَالَ تَعَالَى: {يَا أَيّهَا النّبِيّ حَسْبُكَ اللّهُ وَمَنِ اتّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ يَا أَيّهَا النّبِيّ حَرّضِ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى الْقِتَالِ إِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ عِشْرُونَ صَابِرُونَ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ وَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِائَةٌ يَغْلِبُوا أَلْفًا مِنَ الّذِينَ كَفَرُوا بِأَنّهُمْ قَوْمٌ لَا يَفْقَهُونَ} أَيْ لَا يُقَاتِلُونَ عَلَى نِيّةٍ وَلَا حَقّ وَلَا مَعْرِفَةٍ بِخَيْرٍ وَلَا شَرّ. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: حَدّثَنِي عَبْدُ اللّهِ بْنُ أَبِي نَجِيحٍ عَنْ عَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ، عَنْ عَبْدِ اللّهِ بْنِ عَبّاسٍ قَالَ لَمّا نَزَلَتْ هَذّ الْآيَةُ اشْتَدّ عَلَى الْمُسْلِمِينَ وَأَعْظَمُوا أَنْ يُقَاتِلَ عِشْرُونَ مِئَتَيْنِ وَمِئَةٌ أَلْفًا، فَخَفّفَ اللّهُ عَنْهُمْ فَنَسَخَتْهَا الْآيَةُ الْأُخْرَى، فَقَالَ {الْآنَ خَفّفَ اللّهُ عَنْكُمْ وَعَلِمَ أَنّ فِيكُمْ ضَعْفًا فَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِائَةٌ صَابِرَةٌ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ وَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ أَلْفٌ يَغْلِبُوا أَلْفَيْنِ بِإِذْنِ اللّهِ وَاللّهُ مَعَ الصّابِرِينَ} قَالَ فَكَانُوا إذَا كَانُوا عَلَى الشّطْرِ مِنْ عَدُوّهِمْ لَمْ يَنْبَغِ لَهُمْ أَنْ يَفِرّوا مِنْهُمْ وَإِذَا كَانُوا دُونَ ذَلِكَ لَمْ يَجِبْ عَلَيْهِمْ قِتَالُهُمْ وَجَازَ لَهُمْ أَنْ يَتَحَوّزُوا عَنْهُمْ.
.[مَا نَزَلَ فِي الْأُسَارَى وَالْمَغَانِمِ]:

قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: ثُمّ عَاتَبَهُ اللّهُ تَعَالَى فِي الْأُسَارَى، وَأَخْذِ الْمَغَانِمِ وَلَمْ يَكُنْ أَحَدٌ قَبْلَهُ مِنْ الْأَنْبِيَاءِ يَأْكُلُ مَغْنَمًا، مِنْ عَدُوّ لَهُ. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: حَدّثَنِي مُحَمّدٌ أَبُو جَعْفَرِ بْنُ عَلِيّ بْنِ الْحُسَيْنِ، قَالَ قَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ نُصِرْت بِالرّعْبِ وَجُعِلَتْ لِي الْأَرْضُ مَسْجِدًا وَطَهُورًا، وَأُعْطِيت جَوَامِعَ الْكَلِمِ وَأُحِلّتْ لِي الْمَغَانِمُ وَلَمْ تُحْلَلْ لِنَبِيّ كَانَ قَبْلِي، وَأُعْطِيت الشّفَاعَةَ خَمْسٌ لَمْ يُؤْتَهُنّ نَبِيّ قَبْلِي قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فَقَالَ {مَا كَانَ لِنَبِيّ} أَيْ قَبْلَك أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرَى مِنْ عَدُوّهِ حَتّى يُثْخِنَ فِي الْأَرْضِ أَيْ يُثْخِنَ عَدُوّهُ حَتّى يَنْفِيَهُ مِنْ الْأَرْضِ {تُرِيدُونَ عَرَضَ الدّنْيَا} أَيْ الْمَتَاعَ الْفِدَاءَ بِأَخْذِ الرّجَالِ {وَاللّهُ يُرِيدُ الْآخِرَةَ}أَيْ قَتْلَهُمْ لِظُهُورِ الدّينِ الّذِي يُرِيدُ إظْهَارَهُ وَاَلّذِي تُدْرَكُ بِهِ الْآخِرَةُ {لَوْلَا كِتَابٌ مِنَ اللّهِ سَبَقَ لَمَسّكُمْ فِيمَا أَخَذْتُمْ} أَيْ مِنْ الْأُسَارَى وَالْمَغَانِمِ {عَذَابٌ عَظِيمٌ} أَيْ لَوْلَا أَنّهُ سَبَقَ مِنّي أَنّي لَا أُعَذّبُ إلّا بَعْدَ النّهْيِ وَلَمْ يَكُ نَهَاهُمْ لَعَذّبْتُكُمْ فِيمَا صَنَعْتُمْ ثُمّ أَحَلّهَا لَهُ وَلَهُمْ رَحْمَةً مِنْهُ وَعَائِدَةٌ مِنْ الرّحْمَنِ الرّحِيمِ فَقَالَ {فَكُلُوا مِمّا غَنِمْتُمْ حَلَالًا طَيّبًا وَاتّقُوا اللّهَ إِنّ اللّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} {يَا أَيّهَا النّبِيّ قُلْ لِمَنْ فِي أَيْدِيكُمْ مِنَ الْأَسْرَى إِنْ يَعْلَمِ اللّهُ فِي قُلُوبِكُمْ خَيْرًا يُؤْتِكُمْ خَيْرًا مِمّا أُخِذَ مِنْكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ}
.[مَا نَزَلَ فِي التّوَاصُلِ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ]:

وَحَضّ الْمُسْلِمِينَ عَلَى التّوَاصُلِ وَجَعَلَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارَ أَهْلَ وِلَايَةٍ فِي الدّينِ دُونَ مَنْ سِوَاهُمْ وَجَعَلَ الْكُفّارَ بَعْضَهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ ثُمّ قَالَ {إِلّا تَفْعَلُوهُ تَكُنْ فِتْنَةٌ فِي الْأَرْضِ وَفَسَادٌ كَبِيرٌ} أَيْ إلّا يُوَالِ الْمُؤْمِنُ الْمُؤْمِنَ مِنْ دُونِ الْكَافِرِ وَإِنْ كَانَ ذَا رَحِمٍ بِهِ {تَكُنْ فِتْنَةٌ فِي الْأَرْضِ} أَيْ شُبْهَةٌ فِي الْحَقّ وَالْبَاطِلِ وَظُهُورِ الْفَسَادِ فِي الْأَرْضِ بِتَوَلّي الْمُؤْمِنِ الْكَافِرَ دُونَ الْمُؤْمِنِ. ثُمّ رَدّ الْمَوَارِيثَ إلَى الْأَرْحَامِ مِمّنْ أَسْلَمَ بَعْدَ الْوَلَايَةِ مِنْ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ دُونَهُمْ إلَى الْأَرْحَامِ الّتِي بَيْنَهُمْ فَقَالَ {وَالّذِينَ آمَنُوا مِنْ بَعْدُ وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا مَعَكُمْ فَأُولَئِكَ مِنْكُمْ وَأُولُو الْأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللّهِ} أَيْ بِالْمِيرَاثِ {إِنّ اللّهَ بِكُلّ شَيْءٍ عَلِيمٌ}.
.مَنْ حَضَرَ بَدْرًا مِنْ الْمُسْلِمِينَ:

قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَهَذِهِ تَسْمِيَةُ مَنْ شَهِدَ بَدْرًا مِنْ الْمُسْلِمِينَ، ثُمّ مِنْ قُرَيْشٍ، ثُمّ مِنْ بَنِي هَاشِمِ بْنِ عَبْدِ مَنَافٍ وَبَنِي الْمُطّلِبِ بْنِ عَبْدِ مَنَافِ بْنِ قُصَيّ بْنِ كِلَابِ بْنِ مُرّةَ بْنِ كَعْبِ بْنِ لُؤَيّ بْنِ غَالِبِ بْنِ فِهْرِ بْنِ مَالِكِ بْنِ النّضْرِ بْنِ كِنَانَةَ. مُحَمّدٌ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ سَيّدُ الْمُرْسَلِينَ ابْنُ عَبْدِ اللّهِ بْنِ عَبْدِ الْمُطّلِبِ بْنِ هَاشِمٍ، وَحَمْزَةُ بْنُ عَبْدِ الْمُطّلِبِ بْنِ هَاشِمٍ، أَسَدُ اللّهِ وَأَسَدُ رَسُولِهِ عَمّ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَعَلِيّ بْنُ أَبِي طَالِبِ بْنِ عَبْدِ الْمُطّلِبِ بْنِ هَاشِمٍ، وَزَيْدُ بْنِ حَارِثَةَ بْنِ شُرَحْبِيلَ بْنِ كَعْبِ بْنِ عَبْدِ الْعُزّى بْنِ امْرِئِ الْقَيْسِ الْكَلْبِيّ أَنْعَمَ اللّهُ عَلَيْهِ وَرَسُولُهُ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: زَيْدُ بْنُ حَارِثَةَ بْنِ شَرَاحِيلَ بْنِ كَعْبِ بْنِ عَبْدِ الْعُزّى بْنِ امْرِئِ الْقَيْسِ بْنِ عَامِرِ بْنِ النّعْمَانِ بْنِ عَامِرِ بْنِ عَبْدِ وُدّ بْنِ عَوْفِ بْنِ كِنَانَةَ بْنِ بَكْرِ بْنِ عَوْفِ بْنِ عُذْرَةَ بْنِ زَيْدِ اللّهِ بْنِ رُفَيْدَةَ بْنِ ثَوْرِ بْنِ كَعْبِ بْنِ وَبْرَةَ قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَأَنَسَةُ مَوْلَى رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ: وَأَبُو كَبْشَةَ، مَوْلَى رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ. كَبْشَةَ، مَوْلَى رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: أَنَسَةُ: حَبَشِيّ، وَأَبُو كَبْشَةَ: فَارِسِيّ. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ وَأَبُو مَرْثَدٍ كَنّازُ بْنُ حِصْنِ بْنِ يَرْبُوعِ بْنِ عَمْرِو بْنِ يَرْبُوعِ بْنِ خَرَشَةَ بْنِ سَعْدِ بْنِ طَرِيفِ بْنِ جِلّانَ بْنِ غَنْمِ بْنِ غَنِيّ بْنِ يَعْصُرَ بْنِ سَعْدِ بْنِ قَيْسِ بْنِ عَيْلَانَ. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: كَنّازُ بْنُ حُصَيْنٍ. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَابْنُهُ مَرْثَدُ بْنُ أَبِي مَرْثَدٍ، حَلِيفَا حَمْزَةَ بْنِ عَبْدِ الْمُطّلِبِ؛ وَعُبَيْدَةَ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ الْمُطّلِبِ وَأَخَوَاهُ الطّفَيْلُ بْنُ الْحَارِثِ، وَالْحُصَيْنُ بْنُ الْحَارِثِ، وَمِسْطَحٌ، وَاسْمُهُ عَوْفُ بْنُ أُثَاثَةَ بْنِ عَبّادِ بْنِ الْمُطّلِبِ. اثْنَا عَشَرَ رَجُلًا.
وَمِنْ بَنِي عَبْدِ شَمْسِ بْنِ عَبْدِ مَنَافٍ: عُثْمَانُ بْنُ عَفّانَ بْنِ أَبِي الْعَاصِ بْنِ أُمَيّةَ بْنِ عَبْدِ شَمْسٍ، تَخَلّفَ عَلَى امْرَأَتِهِ رُقَيّةَ بِنْتِ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَضَرَبَ لَهُ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بِسَهْمِهِ قَالَ وَأَجْرِي يَا رَسُولَ اللّهِ؟ قَالَ وَأَجْرُك وَأَبُو حُذَيْفَةَ بْنُ عُتْبَةَ بْنِ رَبِيعَةَ بْنِ عَبْدِ شَمْسٍ، وَسَالِمٌ مَوْلَى أَبِي حُذَيْفَةَ. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَاسْمُ أَبِي حُذَيْفَةَ مِهْشَمٌ.
.[نَسَبُ سَالِمٍ]:

قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَسَالِمٌ سَائِبَةٌ لِثُبَيْتَةَ بِنْتِ يَعَارَ بْنِ زَيْدِ بْنِ عُبَيْدِ بْنِ زَيْدِ بْنِ مَالِكِ بْنِ عَوْفِ بْنِ عَمْرِو بْنِ عَوْفِ بْنِ مَالِكِ بْنِ الْأَوْسِ، سَيّبَتْهُ فَانْقَطَعَ إلَى أَبِي حُذَيْفَةَ فَتَبَنّاهُ وَيُقَالُ كَانَتْ ثُبَيْتَةُ بِنْتُ يَعَارَ تَحْتَ أَبِي حُذَيْفَةَ بْنِ عُتْبَةَ فَأَعْتَقَتْ سَالِمًا سَائِبَةً فَقِيلَ سَالِمٌ مَوْلَى أَبِي حُذَيْفَةَ.
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَزَعَمُوا أَنّ صُبَيْحًا مَوْلَى أَبِي الْعَاصِ بْنِ أُمَيّةَ بْنِ عَبْدِ شَمْسٍ تَجَهّزَ لِلْخُرُوجِ مَعَ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ ثُمّ مَرِضَ فَحَمَلَ عَلَى بَعِيرِهِ أَبَا سَلَمَةَ بْنَ عَبْدِ الْأَسَدِ بْنِ هِلَالِ بْنِ عَبْدِ اللّهِ بْنِ عُمَرَ بْنِ مَخْزُومٍ، ثُمّ شَهِدَ صُبَيْحٌ بَعْدَ ذَلِكَ الْمَشَاهِدَ كُلّهَا مَعَ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ.
وَشَهِدَ بَدْرًا مِنْ حُلَفَاءِ بَنِي عَبْدِ شَمْسٍ، ثُمّ مِنْ بَنِي أَسَدِ بْنِ خُزَيْمَةَ: عَبْدُ اللّهِ بْنُ جَحْشِ بْنِ رِئَابِ بْنِ يَعْمُرَ بْنِ صَبْرَةَ بْنِ مُرّةَ بْنِ كَبِيرِ بْنِ غَنْمِ بْنِ دُودَانَ بْنِ أَسَدٍ، وَعُكّاشَةُ بْنُ مِحْصَنِ بْنِ حُرْثَانَ بْنِ قَيْسِ بْنِ مُرّةَ بْنِ كَبِيرِ بْنِ غَنْمِ بْنِ دُودَانَ بْنِ أَسَدٍ، وَشُجَاعُ بْنُ وَهْبِ بْنِ رَبِيعَةَ بْنِ أَسَدِ بْنِ صُهَيْبِ بْنِ مَالِكِ بْنِ كَبِيرِ بْنِ غَنْمِ بْنِ دُودَانَ بْنِ أَسَدِ، وَأَخُوهُ عُقْبَةُ بْنُ وَهْبٍ، وَيَزِيدُ بْنُ رُقَيْشِ بْنِ رِئَابِ بْنِ يَعْمُرَ بْنِ صَبْرَةَ بْن مُرّةَ بْنِ كَبِيرِ بْنِ غَنْمِ بْنِ دُودَانَ بْنِ أَسَدٍ، وَأَبُو سِنَانِ بْنُ مِحْصَنِ بْنِ حُرْثَانَ بْنِ قَيْسٍ، أَخُو عُكّاشَةَ بْنِ مِحْصَنٍ وَابْنُهُ سِنَانُ بْنُ أَبِي سِنَانٍ وَمُحْرِزُ بْنُ نَضْلَةَ بْنِ عَبْدِ اللّهِ بْنِ مُرّةَ بْنِ كَبِيرِ دُودَانَ بْنِ أَسَدٍ وَرَبِيعَةُ بْنُ أَكْثَمَ بْنِ سَخْبَرَةَ بْنِ عَمْرِو بْنِ لُكَيْزِ بْنِ عَامِرِ بْنِ غَنْمِ بْنِ دُودَانَ بْنِ أَسَدٍ.
وَمِنْ حُلَفَاءِ بَنِي كَبِيرِ بْنِ غَنْمِ بْنِ دُودَانَ بْنِ أَسَدٍ: ثَقْفُ بْنُ عَمْرٍو، وَأَخَوَاهُ مَالِكُ بْنُ عَمْرٍو، وَمُدْلِجُ بْنُ عَمْرٍو.
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: مِدْلَاجُ بْنُ عَمْرٍو.
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَهُمْ مِنْ بَنِي حَجْرٍ آلِ بَنِي سُلَيْمٍ. وَأَبُو مَخْشِيّ حَلِيفٌ لَهُمْ. سِتّةَ عَشَرَ رَجُلًا.
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: أَبُو مَخْشِيّ طَائِيّ، وَاسْمُهُ سُوَيْدُ بْنُ مَخْشِيّ. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَمِنْ بَنِي نَوْفَلِ بْنِ عَبْدِ مَنَافٍ عُتْبَةُ بْنُ غَزْوَانَ بْنِ جَابِرِ بْنِ وَهْبِ بْنِ نُسَيْبِ بْنِ مَالِكِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ مَازِنِ بْنِ مَنْصُورِ بْنِ عِكْرِمَةَ بْنِ خَصَفَةَ بْنِ قَيْسِ بْنِ عَيْلَانَ وَخَبّابٌ مَوْلَى عُتْبَةَ بْنِ غَزْوَانَ- رَجُلَانِ.
وَمِنْ بَنِي أَسَدِ بْنِ عَبْدِ الْعُزّى بْنِ قُصَيّ: الزّبَيْرُ بْنُ الْعَوّامِ بْنِ خُوَيْلِدِ بْنِ أَسَدٍ، وَحَاطِبُ بْنُ أَبِي بَلْتَعَةَ، وَسَعْدٌ مَوْلَى حَاطِبٍ. ثَلَاثَةُ نَفَرٍ.
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: حَاطِبُ بْنُ أَبِي بَلْتَعَةَ، وَاسْمُ أَبِي بَلْتَعَةَ عَمْرٌو، لَخْمِيّ، وَسَعْدٌ مَوْلَى حَاطِبٍ كَلْبِيّ. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَمِنْ بَنِي عَبْدِ الدّارِ بْنِ قُصَيّ: مُصْعَبُ بْنُ عُمَيْرِ بْنِ هَاشِمِ بْنِ عَبْدِ مَنَافِ بْنِ عَبْدِ الدّارِ بْنِ قُصَيّ، وَسُوَيْبِطُ بْنُ سَعْدِ بْنِ حُرَيْمِلَةَ بْنِ مَالِكِ بْنِ عُمَيْلَةَ بْنِ السّبّاقِ بْنِ عَبْدِ الدّارِ بْنِ قُصَيّ. رَجُلَانِ.
وَمِنْ بَنِي زُهْرَةَ بْنِ كِلَابٍ: عَبْدُ الرّحْمَنِ بْنُ عَوْفِ بْنِ عَبْدِ عَوْفِ بْنِ عَبْدِ وَسَعْدُ بْنُ أَبِي وَقّاصٍ- وَأَبُو وَقّاصٍ مَالِكُ بْنُ أُهَيْبِ بْنِ عَبْدِ مَنَافِ بْنِ زُهْرَةَ. وَأَخُوهُ عُمَيْرُ بْنُ أَبِي وَقّاصٍ. وَمِنْ حُلَفَائِهِمْ الْمِقْدَادُ بْنُ عَمْرِو بْنِ ثَعْلَبَةَ بْنِ مَالِكِ بْنِ رَبِيعَةَ بْنِ ثُمَامَةَ بْنِ مَطْرُودِ بْنِ عَمْرِو بْنِ سَعْدِ بْنِ زُهَيْرِ بْنِ ثَوْرِ بْنِ ثَعْلَبَةَ بْنِ مَالِكِ بْنِ الشّرِيدِ بْنِ هَزْلِ بْنِ قَائِشِ بْنِ دُرَيْمِ بْنِ الْقَيْنِ بْنِ أَهْوَدَ بْنِ بَهْرَاءَ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْحَافّ بْنِ قُضَاعَةَ. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَيُقَالُ هَزْلُ بْنُ قَاسِ بْنِ ذَرّ- وَدَهِيرُ بْنُ ثَوْرٍ. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَعَبْدُ اللّهِ بْنُ مَسْعُودِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ شَمْخِ بْنِ مَخْزُومِ بْنِ صَاهِلَةَ بْنِ كَاهِلِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ تَمِيمِ بْنِ سَعْدِ بْنِ هُذَيْلٍ، وَمَسْعُودُ بْنُ رَبِيعَةَ بْنِ عَمْرِو بْنِ سَعْدِ بْنِ عَبْدِ الْعُزّى بْنِ حَمَالَةَ بْنِ غَالِبِ بْنِ مُحَلّمِ بْنِ عَائِذَةَ بْنِ سُبَيْعِ بْنِ الْهُونِ بْنِ خُزَيْمَةَ، مِنْ الْقَارَةِ. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: الْقَارَةُ: لَقَبٌ لَهُمْ. وَيُقَالُ:
قَدْ أَنْصَفَ الْقَارَةَ مَنْ رَامَاهَا

وَكَانُوا رُمَاةً. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَذُو الشّمَالَيْنِ بْنُ عَبْدِ عَمْرِو بْنِ نَضْلَةَ بْنِ غُبْشَانَ بْنِ سُلَيْمِ بْنِ مَلَكَانِ بْنِ أَفْصَى بْنِ حَارِثَةَ بْنِ عَمْرِو بْنِ عَامِرٍ، مِنْ خُزَاعَةَ. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَإِنّمَا قِيلَ لَهُ ذُو الشّمَالَيْنِ لِأَنّهُ كَانَ أَعْسَرَ وَاسْمُهُ عُمَيْرٌ. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَخَبّابُ بْنُ الْأَرَتّ، ثَمَانِيَةُ نَفَرٍ. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: خَبّابُ بْنُ الْأَرَتّ، مِنْ بَنِي تَمِيمٍ وَلَهُ عَقِبٌ وَهُمْ بِالْكُوفَةِ وَيُقَالُ خَبّابٌ مِنْ خُزَاعَةَ.
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ بَنِي تَيْمِ بْنِ مُرّةَ أَبُو بَكْرٍ الصّدّيقُ، وَاسْمُهُ عَتِيقُ بْنُ عُثْمَانَ بْنِ عَامِرِ بْنِ عَمْرِو بْنِ كَعْبِ بْنِ سَعْدِ بْنِ تَيْمٍ. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: اسْمُ أَبِي بَكْرٍ عَبْدُ اللّهِ وَعَتِيقٌ لَقَبٌ لِحُسْنِ وَجْهِهِ وَعِتْقِهِ. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَبِلَالٌ مَوْلَى أَبِي بَكْرٍ- وَبِلَالٌ مُوَلّدٌ مِنْ مُوَلّدِي بَنِي جُمَحَ اشْتَرَاهُ أَبُو بَكْرٍ مِنْ أُمَيّةَ بْنِ خَلَفٍ، وَهُوَ بِلَالُ بْنُ رَبَاحٍ، لَا عَقِبَ لَهُ- وَعَامِرُ بْنُ فُهَيْرَةَ.
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: عَامِرُ بْنُ فُهَيْرَةَ، مُوَلّدٌ مِنْ مُوَلّدِي الْأَسْدِ أَسْوَدُ اشْتَرَاهُ أَبُو بَكْرٍ مِنْهُمْ.
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَصُهَيْبُ بْنُ سِنَانٍ، مِنْ النّمِرِ بْنِ قَاسِطٍ. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: النّمِرُ ابْنُ قَاسِطِ بْنِ هِنْبِ بْنِ أَفْصَى بْنِ جَدِيلَةَ بْنِ أَسَدِ بْنِ رَبِيعَةَ بْنِ نِزَارٍ وَيُقَالُ أَفْصَى بْنُ دُعْمِيّ بْنِ جَدِيلَةَ بْنِ أَسَدِ بْنِ رَبِيعَةَ بْنِ نِزَارٍ وَيُقَالُ صُهَيْبٌ مَوْلَى عَبْدِ اللّهِ بْنِ جُدْعَانَ بْنِ عَمْرِو بْنِ كَعْبِ بْنِ سَعْدِ بْنِ تَيْمٍ وَيُقَالُ إنّهُ رُومِيّ. فَقَالَ بَعْضُ مَنْ ذَكَرَ أَنّهُ مِنْ النّمِرِ بْنِ قَاسِطٍ: إنّمَا كَانَ أَسِيرًا فِي الرّومِ فَاشْتُرِيَ مِنْهُمْ. وَجَاءَ فِي الْحَدِيثِ عَنْ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ صُهَيْبٌ سَابِقُ الرّومِ قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَطَلْحَةُ بْنُ عُبَيْدِ اللّهِ بْنِ عُثْمَانَ بْنِ عَمْرِو بْنِ كَعْبِ بْنِ سَعْدِ بْنِ تَيْمٍ كَانَ بِالشّأْمِ فَقَدِمَ بَعْدَ أَنْ رَجَعَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ مِنْ بَدْرٍ فَكَلّمَهُ فَضَرَبَ لَهُ بِسَهْمِهِ فَقَالَ وَأَجْرِي يَا رَسُولَ اللّهِ؟ قَالَ وَأَجْرُك. خَمْسَةُ نَفَرٍ.
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَمِنْ بَنِي مَخْزُومِ بْنِ يَقَظَةَ بْنِ مُرّةَ أَبُو سَلَمَةَ بْنُ عَبْدِ الْأَسَدِ وَاسْمُ أَبِي سَلَمَةَ عَبْدُ اللّهِ بْنُ عَبْدِ الْأَسَدِ بْنِ هِلَالِ بْنِ عَبْدِ اللّهِ بْنِ عُمَرَ بْنِ مَخْزُومٍ، وَشَمّاسُ بْنُ عُثْمَانَ بْنِ الشّرِيدِ بْنِ سُوَيْدِ بْنِ هَرْمِيّ بْنِ عَامِرِ بْنِ مَخْزُومٍ.
.[سَبَبُ تَسْمِيَةِ الشّمّاسِ]:

قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَاسْمُ شَمّاسٍ عُثْمَانُ وَإِنّمَا سُمّيَ شَمّاسًا، لِأَنّ شَمّاسًا مِنْ الشّمَامِسَةِ قَدِمَ مَكّةَ فِي الْجَاهِلِيّةِ وَكَانَ جَمِيلًا، فَعَجِبَ النّاسُ مِنْ جَمَالِهِ. فَقَالَ عُتْبَةُ بْنُ رَبِيعَةَ، وَكَانَ خَالَ شَمّاسٍ هَا أَنَا آتِيكُمْ بِشَمّاسٍ أَحْسَنَ مِنْهُ فَأَتَى بِابْنِ أُخْتِهِ عُثْمَانَ بْنِ عُثْمَانَ فَسُمّيَ شَمّاسًا، فِيمَا ذَكَرَ ابْنُ شِهَابٍ الزّهْرِيّ وَغَيْرُهُ. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَالْأَرْقَمُ بْنُ أَبِي الْأَرْقَمِ، وَاسْمُ أَبِي الْأَرْقَمِ عَبْدُ مَنَافِ بْنِ أَسَدٍ، وَكَانَ أَسَدٌ يُكَنّى: أَبَا جُنْدُبِ بْنَ عَبْدِ اللّهِ بْنِ عُمَرَ بْنِ مَخْزُومٍ، وَعَمّارُ بْنُ يَاسِرٍ.
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: عَمّارُ بْنُ يَاسِرٍ، عَنْسِيّ، مِنْ مَدْحِجٍ.
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَمُعَتّبُ بْنُ عَوْفِ بْنِ عَامِرِ بْنِ الْفَضْلِ بْنِ عَفِيفِ بْنِ كُلَيْبِ بْنِ حُبْشِيّةَ ابْنِ سَلُولَ بْنِ كَعْبِ بْنِ عَمْرٍو، حَلِيفٌ لَهُمْ مِنْ خُزَاعَةَ، وَهُوَ الّذِي يُدْعَى: عَيْهَامَةَ. خَمْسَةُ نَفَرٍ.
وَمِنْ بَنِي عَدِيّ بْنِ كَعْبٍ: عُمَرُ بْنُ الْخَطّابِ بْنِ نُفَيْلِ بْنِ عَبْدِ الْعُزّى بْنِ رِيَاحِ بْنِ عَبْدِ اللّهِ بْنِ قُرْطِ بْنِ رَزَاحِ بْنِ عَدِيّ وَأَخُوهُ زَيْدُ بْنُ الْخَطّابِ، وَمِهْجَعٌ مَوْلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطّابِ، مِنْ أَهْلِ الْيَمَنِ، وَكَانَ أَوّلَ قَتِيلٍ مِنْ الْمُسْلِمِينَ بَيْنَ الصّفّيْنِ يَوْمَ بَدْرٍ. رُمِيَ بِسَهْمٍ. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: مِهْجَعٌ مِنْ عَكّ بْنِ عَدْنَانَ.
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَعَمْرُو بْنُ سُرَاقَةَ بْنِ الْمُعْتَمِرِ بْنِ أَنَسِ بْنِ أَذَاةَ بْنِ عَبْدِ اللّهِ بْنِ رِيَاحِ بْنِ رَزَاحِ بْنِ عَدِيّ بْنِ كَعْبٍ، وَأَخُوهُ عَبْدُ اللّهِ بْنُ سُرَاقَةَ، وَوَاقِدُ بْنُ عَبْدِ اللّهِ بْنِ عَبْدِ مَنَافِ بْنِ عَرِينِ بْنِ ثَعْلَبَةَ بْنِ يَرْبُوعِ بْنِ حَنْظَلَةَ بْنِ مَالِكِ بْنِ زَيْدِ مَنَاةَ بْنِ تَمِيمٍ، حَلِيفٌ لَهُمْ وَخَوْلِيّ بْنُ أَبِي خَوْلِيّ وَمَالِكُ بْنُ أَبِي خَوْلِيّ حَلِيفَانِ لَهُمْ. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: أَبُو خَوْلِيّ مِنْ بَنِي عِجْلِ بْنِ لُجَيْمِ بْنِ صَعْبِ بْنِ عَلِيّ بْنِ بَكْرِ بْنِ وَائِلٍ.
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَعَامِرُ بْنُ رَبِيعَةَ، حَلِيفُ آلِ الْخَطّابِ، مِنْ عَنْزِ بْنِ وَائِلٍ.
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: عَنْزُ بْنُ وَائِلٍ: ابْنُ قَاسِطِ بْنِ هِنْبِ بْنِ أَفْصَى بْنِ جَدِيلَةَ بْنِ أَسَدِ بْنِ رَبِيعَةَ بْنِ نِزَارٍ وَيُقَالُ أَفْصَى: ابْنُ دُعْمِيّ بْنِ جَدِيلَةَ. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَعَامِرُ بْنُ الْبُكَيْرِ بْنِ عَبْدِ ياليل بْنِ نَاشِبِ بْنِ غَيْرَةَ مِنْ بَنِي سَعْدِ بْنِ لَيْثٍ وَعَاقِلُ بْنُ الْبُكَيْرِ، وَخَالِدُ بْنُ الْبُكَيْرِ وَإِيَاسُ بْنُ الْبُكَيْرِ، حُلَفَاءُ بَنِي عَدِيّ بْنِ كَعْبٍ، وَسَعِيدُ بْنُ زَيْدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ نُفَيْلِ بْنِ عَبْدِ الْعُزّى بْنِ عَبْدِ اللّهِ بْنِ قُرْطِ بْنِ رِيَاحِ بْنِ رَزَاحِ بْنِ عَدِيّ بْنِ كَعْبٍ، قَدِمَ مِنْ الشّأْمِ بَعْدَ مَا قَدِمَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ مِنْ بَدْرٍ فَكَلّمَهُ فَضَرَبَ لَهُ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بِسَهْمِهِ قَالَ وَأَجْرِي يَا رَسُولَ اللّهِ؟ قَالَ وَأَجْرُك. أَرْبَعَةَ عَشَرَ رَجُلًا.
وَمِنْ بَنِي جُمَحَ بْنِ عَمْرِو بْنِ هُصَيْصِ بْنِ كَعْبِ عُثْمَانُ بْنُ مَظْعُونِ بْنِ حَبِيبِ بْنِ وَهْبِ بْنِ حُذَافَةَ بْنِ جُمَحَ وَابْنُهُ السّائِبُ بْنُ عُثْمَانَ وَأَخَوَاهُ قُدَامَةُ بْنُ مَظْعُونٍ، وَعَبْدُ اللّهِ بْنُ مَظْعُونٍ، وَمَعْمَرُ بْنُ الْحَارِثِ بْنِ مَعْمَرِ بْنِ حَبِيبِ بْنِ وَهْبِ بْنِ حُذَافَةَ بْنِ جُمَحَ. خَمْسَةُ نَفَرٍ. وَمِنْ بَنِي سَهْمِ بْنِ عَمْرِو بْنِ هُصَيْصِ بْنِ كَعْبِ بْنِ خُنَيْسِ بْنِ حُذَافَةَ بْنِ قَيْسِ بْنِ عَدِيّ بْنِ سَعْدِ بْنِ سَهْمٍ. رَجُلٌ قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: مِنْ بَنِي عَامِرِ بْنِ لُؤَيّ، ثُمّ مِنْ بَنِي مَالِكِ بْنِ حِسْلِ بْنِ عَامِرٍ أَبُو سَبْرَةَ بْنِ أَبِي رُهْمِ بْنِ عَبْدِ الْعُزّى بْنِ أَبِي قَيْسِ بْنِ عَبْدِ وُدّ بْنِ نَصْرِ بْنِ مَالِكِ بْنِ حِسْلِ عَبْدِ اللّهِ بْنِ مَخْرَمَةَ بْنِ عَبْدِ الْعُزّى بْنِ أَبِي قَيْسِ بْنِ عَبْدِ وُدّ بْنِ نَصْرِ بْنِ مَالِكٍ وَعَبْدِ اللّهِ بْنِ سُهَيْلِ بْنِ عَمْرِو بْنِ عَبْدِ شَمْسِ بْنِ عَبْدِ وُدّ بْنِ نَصْرِ بْنِ مَالِكِ بْنِ حِسْلٍ- كَانَ خَرَجَ مَعَ أَبِيهِ سُهَيْلُ بْنُ عَمْرٍو، فَلَمّا نَزَلَ النّاسُ بَدْرًا فَرّ إلَى رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَشَهِدَهَا مَعَهُ- وَعُمَيْرُ بْنُ عَوْفٍ، مَوْلَى سُهَيْلِ بْنِ عَمْرٍو، وَسَعْدُ بْنُ خَوْلَةَ، حَلِيفٌ لَهُمْ. خَمْسَةُ نَفَرٍ.
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: سَعْدُ بْنُ خَوْلَةَ، مِنْ الْيَمَنِ.
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَمِنْ بَنِي الْحَارِثِ بْنِ فِهْرٍ: أَبُو عُبَيْدَةَ بْنُ الْجَرّاحِ، وَهُوَ عَامِرُ بْنُ عَبْدِ اللّهِ بْنِ الْجَرّاحِ بْنِ هِلَالِ بْنِ أُهَيْبِ بْنِ ضَبّةَ بْنِ الْحَارِثِ وَعَمْرُو بْنُ الْحَارِثِ بْنِ زُهَيْرِ بْنِ أَبِي شَدّادِ بْنِ رَبِيعَةَ بْنِ هِلَالِ بْنِ أُهَيْبِ بْنِ ضَبّةَ بْنِ الْحَارِثِ وَسُهَيْلُ بْنُ وَهْبِ بْنِ رَبِيعَةَ بْنِ هِلَالِ بْنِ أَبِي أُهَيْبِ بْنِ ضَبّةَ بْنِ الْحَارِثِ وَأَخُوهُ صَفْوَانُ بْنُ وَهْبٍ وَهُمَا ابْنَا بَيْضَاءَ وَعَمْرُو بْنُ أَبِي سَرْحِ بْنِ رَبِيعَةَ بْنِ هِلَالِ بْنِ أُهَيْبِ بْنِ ضَبّةَ بْن الْحَارِثِ. خَمْسَةُ نَفَرٍ.
.[عَدَدُ مَنْ شَهِدَ بَدْرًا مِنْ الْمُهَاجِرِينَ]:

فَجَمِيعُ مَنْ شَهِدَ بَدْرًا مِنْ الْمُهَاجِرِينَ وَمَنْ ضَرَبَ لَهُ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بِسَهْمِهِ وَأَجْرِهِ ثَلَاثَةٌ وَثَمَانُونَ رَجُلًا.
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ غَيْرَ ابْنِ إسْحَاقَ، يَذْكُرُونَ فِي الْمُهَاجِرِينَ بِبَدْرٍ فِي بَنِي عَامِرِ بْنِ لُؤَيّ: وَهْبَ بْنَ سَعْدِ بْنِ أَبِي سَرْحٍ، وَحَاطِبَ بْنَ عَمْرٍو، وَفِي بَنِي الْحَارِثِ بْنِ فِهْرٍ: عِيَاضَ بْنَ زُهَيْرٍ.
.الْأَنْصَارُ وَمَنْ مَعَهُمْ:

قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ مِنْ الْمُسْلِمِينَ ثُمّ مِنْ الْأَنْصَارِ، ثُمّ مِنْ الْأَوْسِ بْنِ حَارِثَةَ بْنِ ثَعْلَبَةَ بْنِ عَمْرِو بْنِ عَامِرٍ، ثُمّ مِنْ بَنِي عَبْدِ الْأَشْهَلِ بْنِ جُشَمِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ الْخَزْرَجِ بْنِ عَمْرِو بْنِ مَالِكِ بْنِ الْأَوْسِ سَعْدُ بْنُ مُعَاذِ بْنِ النّعْمَانِ بْنِ امْرِئِ الْقَيْسِ بْنِ زَيْدِ بْنِ عَبْدِ الْأَشْهَلِ وَعَمْرُو بْنُ مُعَاذِ بْنِ النّعْمَانِ وَالْحَارِثُ بْنُ أَوْسِ بْنِ مُعَاذِ بْنِ النّعْمَانِ وَالْحَارِثُ بْنِ أَنَسِ بْنِ رَافِعِ بْنِ امْرِئِ الْقَيْسِ.
وَمِنْ بَنِي عُبَيْدِ بْنِ كَعْبِ بْنِ عَبْدِ الْأَشْهَلِ سَعْدُ بْنُ زَيْدِ بْنِ مَالِكِ بْنِ عُبَيْدِ، وَمِنْ بَنِي زَعُورَا بْنِ عَبْدِ الْأَشْهَلِ- قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَيُقَالُ زَعْوَرَا- سَلَمَةُ بْنُ سَلَامَةَ بْنِ وَقَشِ بْنِ زُغْبَةَ وَعَبّادُ بْنُ بِشْرِ بْنِ وَقَشٍ بْنِ زُغْبَةَ بْنِ زَعُورَا، وَسَلَمَةُ بْنُ ثَابِتِ بْنِ وَقَشٍ وَرَافِعُ بْنُ يَزِيدَ بْنِ كُرْزِ بْنِ سَكَنِ بْنِ زَعُورَا، وَالْحَارِثُ بْنُ خَزْمَةَ بْنِ عَدِيّ بْنِ أُبَيّ بْنِ غَنْمِ بْنِ سَالِمِ بْنِ عَوْفِ بْنِ عَمْرِو بْنِ عَوْفِ بْنِ الْخَزْرَجِ حَلِيفٌ لَهُمْ مِنْ بَنِي عَوْفِ بْنِ الْخَزْرَجِ وَمُحَمّدُ بْنُ مَسْلَمَةَ بْنِ خَالِدِ بْنِ عَدِيّ بْنِ مَجْدَعَةَ بْنِ حَارِثَةَ بْنِ الْحَارِثِ حَلِيفٌ لَهُمْ مِنْ بَنِي حَارِثَةَ بْنِ الْحَارِثِ وَسَلَمَةُ بْنُ أَسْلَمَ بْنِ حَرِيسِ بْنِ عَدِيّ بْنِ مَجْدَعَةَ بْنِ حَارِثَةَ بْنِ الْحَارِثِ حَلِيفٌ لَهُمْ مِنْ بَنِي حَارِثَةَ بْنِ الْحَارِثِ. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: أَسْلَمُ: بْنُ حَرِيسِ بْنِ عَدِيّ.
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: أَبُو الْهَيْثَمِ بْنُ التّيْهَانِ، وَعُبَيْدُ بْنُ التّيْهَانِ.
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَيُقَالُ عَتِيكُ بْنُ التّيْهَانِ.
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَعَبْدُ اللّهِ بْنُ سَهْلٍ. خَمْسَةَ عَشَرَ رَجُلًا.
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: عَبْدُ اللّهِ بْنُ سَهْلٍ: أَخُو بَنِي زَعُورَا، وَيُقَالُ مِنْ غَسّانَ َ. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَمَنْ بَنِي ظَفَرٍ ثُمّ مِنْ بَنِي سَوَادِ بْنِ كَعْبٍ وَكَعْبٌ هُوَ ظَفَرٌ- قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: ظَفَرٌ ابْنُ الْخَزْرَجِ بْنِ عَمْرِو بْنِ مَالِكِ الْأَوْسِ: قَتَادَةُ بْنُ النّعْمَانِ بْنِ زَيْدِ بْنِ عَامِرِ بْنِ سَوَادٍ وَعُبَيْدُ بْنُ أَوْسِ بْنِ مَالِكِ بْنِ سَوَادٍ. رَجُلَانِ.
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: عُبَيْدُ بْنُ أَوْسٍ الّذِي يُقَالُ لَهُ مُقَرّنٌ لِأَنّهُ قَرَنَ أَرْبَعَةَ أَسْرَى فِي يَوْمِ بَدْرٍ. وَهُوَ الّذِي أَسَرَ عَقِيلَ بْنَ أَبِي طَالِبٍ يَوْمَئِذٍ. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَمِنْ بَنِي عَبْدِ بْنِ رَزَاحِ بْنِ كَعْبٍ نَصْرُ بْنُ الْحَارِثِ بْنِ عَبْدٍ وَمُعَتّبُ بْنُ عَبْدٍ.
وَمِنْ حُلَفَائِهِمْ مِنْ بَلِيّ: عَبْدُ اللّهِ بْنُ طَارِقٍ. ثَلَاثَةُ نَفَرٍ. وَمِنْ بَنِي حَارِثَةَ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ الْخَزْرَجِ بْنِ عَمْرِو بْنِ مَالِكِ بْنِ الْأَوْسِ: مَسْعُودُ بْنُ سَعْدِ بْنِ عَامِرِ بْنِ عَدِيّ بْنِ جُشَمِ بْنِ مَجْدَعَةَ بْنِ حَارِثَةَ.
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَيُقَالُ مَسْعُودُ بْنُ عَبْدِ سَعْدٍ.
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَأَبُو عَبْسِ بْنُ جَبْرِ بْنِ عَمْرِو بْنِ زَيْدِ بْنِ جُشَمِ بْنِ مَجْدَعَةَ بْنِ حَارِثَةَ. وَمِنْ حُلَفَائِهِمْ ثُمّ مِنْ بَلِيّ: أَبُو بُرْدَةَ بْنُ نَيّارٍ وَاسْمُهُ هَانِئُ بْنُ نَيّارِ بْنِ عَمْرِو بْنِ عُبَيْدِ بْنِ كِلَابِ بْنِ دُهْمَانَ بْنِ غَنَمِ بْنِ ذُبْيَانَ بْنِ هُمَيْمِ بْنِ كَاهِلِ بْنِ ذُهْلِ بْنِ هُنَيّ بْنِ بَلِيّ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْحَافّ بْنِ قُضَاعَةَ. ثَلَاثَةُ نَفَرٍ.
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ بَنِي عَمْرِو بْنِ عَوْفِ بْنِ مَالِكِ بْنِ الْأَوْسِ، ثُمّ مِنْ بَنِي ضُبَيْعَةَ بْنِ زَيْدِ بْنِ مَالِكِ بْنِ عَوْفِ بْنِ عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ عَاصِمُ بْنُ ثَابِتِ بْنِ قَيْسِ وَقَيْسُ أَبُو الْأَقْلَحِ بْنُ عِصْمَةَ بْنِ مَالِكِ بْنِ أَمَةَ بْنِ ضُبَيْعَةَ- وَمُعَتّبُ بْنُ قُشَيْرِ بْنِ مُلَيْلِ بْنِ زَيْدِ بْنِ الْعَطّافِ بْنِ ضُبَيْعَةَ وَأَبُو مُلَيْلِ بْنُ الْأَزْعَرِ بْنِ زَيْدِ بْنِ الْعَطّافِ بْنِ ضُبَيْعَةَ وَعَمْرُو بْنُ مَعْبَدِ بْنِ الْأَزْعَرِ بْنِ زَيْدِ بْنِ الْعَطّافِ بْنِ ضُبَيْعَةَ. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: عُمَيْرُ بْنُ مَعْبَدٍ.
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَسَهْلُ بْنُ حُنَيْفِ بْنِ وَاهِبِ بْنِ الْعُكَيْمِ بْنِ ثَعْلَبَةَ بْنِ مَجْدَعَةَ بْنِ الْحَارِثِ ابْنِ عَمْرٍو، وَعَمْرٌو الّذِي يُقَالُ لَهُ بحزج بْنُ حَنَسِ بْنِ عَوْفِ بْنِ عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ. خَمْسَةُ نَفَرٍ.
وَمِنْ بَنِي أُمَيّةَ بْنِ زَيْدِ بْنِ مَالِكٍ مُبَشّرُ بْنُ عَبْدِ الْمُنْذِرِ بْنِ زَنْبَرِ بْنِ زَيْدِ بْنِ أُمَيّةَ وَرِفَاعَةُ بْنُ عَبْدِ الْمُنْذِرِ بْنِ زَنْبَرٍ، وَسَعْدُ بْنُ عُبَيْدِ بْنِ النّعْمَانِ بْنِ قَيْسِ بْنِ عَمْرِو بْنِ زَيْدِ بْنِ أُمَيّةَ وَعُوَيْمُ بْنُ سَاعِدَةَ وَرَافِعُ بْنُ عُنْجُدَةَ- وَعُنْجُدَةُ أُمّهُ فِيمَا قَالَ ابْنُ هِشَامٍ- وَعُبَيْدُ بْنُ أَبِي عُبَيْدٍ، وَثَعْلَبَةُ بْنُ حَاطِبٍ. وَزَعَمُوا أَنّ أَبَا لُبَابَةَ بْنَ عَبْدِ الْمُنْذِرِ وَالْحَارِثَ بْنَ حَاطِبٍ خَرَجَا مَعَ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَرَجّعَهُمَا، وَأَمّرَ أَبَا لُبَابَةَ عَلَى الْمَدِينَةِ، فَضَرَبَ لَهُمَا بِسَهْمَيْنِ مَعَ أَصْحَابِ بَدْرٍ. تِسْعَةُ نَفَرٍ. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: رَدّهُمَا مِنْ الرّوْحَاءِ.
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَحَاطِبُ بْنُ عَمْرِو بْنِ عُبَيْدِ بْنِ أُمَيّةَ وَاسْمُ أَبِي لُبَابَةَ بَشِيرٌ.
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ بَنِي عُبَيْدِ بْنِ زَيْدِ بْنِ مَالِكٍ أُنَيْسُ بْنُ قَتَادَةَ بْنِ رَبِيعَةَ بْنِ خَالِدِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ عُبَيْدٍ.
وَمِنْ حُلَفَائِهِمْ مِنْ بَلِيّ: مَعْنُ بْنُ عَدِيّ بْنِ الْجَدّ بْنِ الْعَجْلَانِ بْنِ ضُبَيْعَةَ وَثَابِتُ بْنُ أَقْرَمَ بْنِ ثَعْلَبَةَ بْنِ عَدِيّ بْنِ الْعَجْلَانِ وَعَبْدُ اللّهِ بْنُ سَلَمَةَ بْنِ مَالِكِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ عَدِيّ بْنِ الْعَجْلَانِ وَزَيْدُ بْنُ أَسْلَمَ بْنِ ثَعْلَبَةَ بْنِ عَدِيّ بْنِ الْعَجْلَانِ وَرِبْعِيّ ابْنُ رَافِعِ بْنِ زَيْدِ بْنِ حَارِثَةَ بْنِ الْجَدّ بْنِ الْعَجْلَانِ. وَخَرَجَ عَاصِمُ بْنُ عَدِيّ بْنِ الْجَدّ بْنِ الْعَجْلَانِ فَرَدّهُ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَضَرَبَ لَهُ بِسَهْمِهِ مَعَ أَصْحَابِ بَدْرٍ. سَبْعَةُ نَفَرٍ.
وَمِنْ بَنِي ثَعْلَبَةَ بْنِ عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ عَبْدُ اللّهِ بْنُ جُبَيْرِ بْنِ النّعْمَانِ بْنِ أُمَيّةَ بْنِ الْبُرَكِ- وَاسْمُ الْبُرَكِ امْرُؤُ الْقَيْسِ بْنُ ثَعْلَبَةَ- وَعَاصِمُ بْنُ قَيْسٍ. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: عَاصِمُ بْنُ قَيْسٍ: ابْنُ ثَابِتِ بْنِ النّعْمَانِ بْنِ أُمَيّةَ بْنِ امْرِئِ الْقَيْسِ بْنِ ثَعْلَبَةَ. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَأَبُو ضَيّاحِ بْنُ ثَابِتِ بْنِ النّعْمَانِ بْنِ أُمَيّةَ بْنِ امْرِئِ الْقَيْسِ بْنِ ثَعْلَبَةَ وَأَبُو حَنّةَ. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَهُوَ أَخُو أَبِي ضَيّاحٍ وَيُقَالُ أَبُو حَبّةَ. وَيُقَالُ لِامْرِئِ الْقَيْسِ الْبُرَكُ بْنُ ثَعْلَبَةَ. قال ابْنُ إسْحَاقَ: وَسَالِمُ بْنُ عُمَيْرِ بْنِ ثَابِتِ بْنِ النّعْمَانِ بْنِ أُمَيّةَ بْنِ امْرِئِ الْقَيْسِ بْنِ ثَعْلَبَةَ. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَيُقَالُ ثَابِتٌ ابْنُ عَمْرِو بْنِ ثَعْلَبَةَ. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَالْحَارِثُ بْنُ النّعْمَانِ بْنِ أُمَيّةَ بْنِ امْرِئِ الْقَيْسِ بْنِ ثَعْلَبَةَ وَخَوّاتُ بْنُ جُبَيْرِ بْنِ النّعْمَانِ ضَرَبَ لَهُ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بِسَهْمٍ مَعَ أَصْحَابِ بَدْرٍ. سَبْعَةُ نَفَرٍ.
وَمِنْ بَنِي جَحْجَبِيّ بْنِ كُلْفَةَ بْنِ عَوْفِ بْنِ عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ مُنْذِرُ بْنُ مُحَمّدِ بْنِ عُقْبَةَ بْنِ أُحَيْحَةَ بْنِ الْجِلَاحِ بْنِ الْحَرِيشِ بْنِ جَحْجَبِيّ بْنِ كُلْفَةَ.
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَيُقَالُ الْحَرِيسُ بْنُ جَحْجَبِيّ. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَمِنْ حُلَفَائِهِمْ مِنْ بَنِي أُنَيْفٍ أَبُو عُقَيْلِ بْنُ عَبْدِ اللّهِ بْنِ ثَعْلَبَةَ بْنِ بَيْحَانَ بْنِ عَامِرِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ مَالِكِ بْنِ عَامِرِ بْنِ أُنَيْفِ بْنِ جُشَمِ بْنِ عَبْدِ اللّهِ بْنِ تَيْمِ بْنِ إرَاشِ بْنِ عَامِرِ بْنِ عُمَيْلَةَ بْنِ قَسْمِيلِ بْنِ فَرَانَ بْنِ بَلِيّ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْحَافّ بْنِ قُضَاعَةَ. رَجُلَانِ.
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَيُقَالُ تَمِيمُ بْنُ إرَاشَةَ وَقِسْمِيلُ بْنُ فَارَانَ.
وَقَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَمِنْ بَنِي غَنْمِ بْنِ السّلْمِ بْنِ امْرِئِ الْقَيْسِ بْنِ مَالِكِ بْنِ الْأَوْسِ سَعْدُ بْنُ خَيْثَمَةَ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ مَالِكِ بْنِ كَعْبِ بْنِ النّحّاط بْنِ كَعْبِ بْنِ حَارِثَةَ بْنِ غَنْمٍ وَمُنْذِرُ بْنُ قُدَامَةَ بْنِ عَرْفَجَةَ وَمَالِكُ بْنُ قُدَامَةَ بْنِ عَرْفَجَةَ. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: عَرْفَجَةُ ابْنُ كَعْبِ بْنِ النّحّاطِ بْنِ كَعْبِ بْنِ حَارِثَةَ بْنِ غَنَمٍ.
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَالْحَارِثُ بْنُ عَرْفَجَةَ وَتَمِيمٌ مَوْلَى بَنِي غَنَمٍ. خَمْسَةُ نَفَرٍ.
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: تَمِيمٌ مَوْلَى سَعْدِ بْنِ خَيْثَمَةَ.
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ بَنِي مُعَاوِيَةَ بْنِ مَالِكِ بْنِ عَوْفِ بْنِ عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ جَبْرُ بْنُ عَتِيكِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ قَيْسِ بْنِ هَيْشَةَ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ أُمَيّةَ بْنِ مُعَاوِيَةَ وَمَالِكُ بْنُ نُمَيْلَةَ، حَلِيفٌ لَهُمْ مِنْ مُزَيْنَةَ، وَالنّعْمَانُ بْنُ عَصَرٍ، حَلِيفٌ لَهُمْ مِنْ بَلِيّ. ثَلَاثَةُ نَفَرٍ.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://el-quran.ahlamontada.com
Admin
Admin
Admin


المساهمات : 4240
تاريخ التسجيل : 20/01/2018

كتاب السيرة النبوية۞ لعبد الملك ابن هشام ۞«المؤرخ» ​ - صفحة 2 Empty
مُساهمةموضوع: رد: كتاب السيرة النبوية۞ لعبد الملك ابن هشام ۞«المؤرخ» ​   كتاب السيرة النبوية۞ لعبد الملك ابن هشام ۞«المؤرخ» ​ - صفحة 2 Emptyالأحد مارس 04, 2018 6:36 am

كتاب السيرة النبوية۞ لعبد الملك ابن هشام ۞«المؤرخ» ​ - صفحة 2 SeeretIbenHisham

.[عَدَدُ مَنْ شَهِدَ بَدْرًا مِنْ الْأَوْسِ]:

فَجَمِيعُ مَنْ شَهِدَ بَدْرًا مِنْ الْأَوْسِ مَعَ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَمَنْ ضُرِبَ لَهُ بِسَهْمِهِ وَأَجْرِهِ أَحَدٌ وَسِتّونَ رَجُلًا. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَشَهِدَ بَدْرًا مَعَ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ مِنْ الْمُسْلِمِينَ ثُمّ مِنْ الْأَنْصَارِ، ثُمّ مِنْ الْخَزْرَجِ بْنِ حَارِثَةَ بْنِ ثَعْلَبَةَ بْنِ عَمْرِو بْنِ عَامِرٍ، ثُمّ مِنْ بَنِي الْحَارِثِ بْنِ الْخَزْرَجِ، ثُمّ مِنْ بَنِي امْرِئِ الْقَيْسِ بْنِ مَالِكِ بْنِ ثَعْلَبَةَ بْنِ كَعْبِ بْنِ الْخَزْرَجِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ الْخَزْرَجِ: خَارِجَةُ بْنُ زَيْدِ بْنِ أَبِي زُهَيْرِ بْنِ مَالِكِ بْنِ امْرِئِ الْقَيْسِ وَسَعْدُ بْنُ رَبِيعِ بْنِ عَمْرِو بْنِ أَبِي زُهَيْرِ بْنِ مَالِكِ بْنِ امْرِئِ الْقَيْسِ وَعَبْدُ اللّهِ بْنُ رَوَاحَةَ بْنِ ثَعْلَبَةَ بْنِ امْرِئِ الْقَيْسِ بْنِ عَمْرِو بْنِ امْرِئِ الْقَيْسِ، وَخَلّادُ بْنُ سُوَيْدِ بْنِ ثَعْلَبَةَ بْنِ عَمْرِو بْنِ حَارِثَةَ بْنِ امْرِئِ الْقَيْسِ أَرْبَعَةُ نَفَرٍ.
وَمِنْ بَنِي زَيْدِ بْنِ مَالِكِ بْنِ ثَعْلَبَةَ بْنِ كَعْبِ بْنِ الْخَزْرَجِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ الْخَزْرَجِ: بَشِيرُ بْنُ سَعْدِ بْنِ ثَعْلَبَةَ بْنِ خِلَاسِ بْنِ زَيْدٍ- قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَيُقَالُ جُلَاسٌ وَهُوَ عِنْدَنَا خَطَأٌ- وَأَخُوهُ سِمَاكُ بْنُ سَعْدٍ. رَجُلَانِ. وَمِنْ بَنِي عَدِيّ بْنِ كَعْبِ بْنِ الْخَزْرَجِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ الْخَزْرَجِ: سُبَيْعُ بْنُ قَيْسِ بْنِ عَيْشَةَ بْنِ أُمَيّةَ بْنِ مَالِكِ بْنِ عَامِرِ بْنِ عَدِيّ وَعَبّادُ بْنُ قَيْسِ بْنِ عَيْشَةَ، أَخُوهُ. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَيُقَالُ قَيْسٌ: ابْنُ عَبَسَةَ بْنِ أُمَيّةَ. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَعَبْدُ اللّهِ بْنُ عَبْسٍ. ثَلَاثَةُ نَفَرٍ.
وَمِنْ بَنِي أَحْمَرَ بْنِ حَارِثَةَ بْنِ ثَعْلَبَةَ بْنِ كَعْبِ بْنِ الْخَزْرَجِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ الْخَزْرَجِ: يَزِيدُ بْنُ الْحَارِثِ بْنِ قَيْسِ بْنِ مَالِكِ بْنِ أَحْمَرَ وَهُوَ الّذِي يُقَالُ لَهُ ابْنُ فُسْحُمَ. رَجُلٌ. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: فُسْحُمُ أُمّهُ وَهِيَ امْرَأَةٌ مِنْ الْقَيْنِ بْنِ جَسْرٍ. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَمِنْ بَنِي جُشَمِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ الْخَزْرَجِ، وَزَيْدِ بْنِ الْحَارِث بْنِ الْخَزْرَجِ، وَهُمَا التّوْأَمَانِ خُبَيْبُ بْنُ إسَافِ بْنِ عُتْبَةَ بْنِ عَمْرِو بْنِ خَدِيجِ بْنِ عَامِرِ بْنِ جُشَمٍ، وَعَبْدُ اللّهِ بْنُ زَيْدِ بْنِ ثَعْلَبَةَ بْنِ عَبْدِ رَبّهِ بْنِ زَيْدٍ، وَأَخُوهُ حُرَيْثُ بْنُ زَيْدِ بْنِ ثَعْلَبَةَ؛ زَعَمُوا، وَسُفْيَانُ بْنُ بَشْرٍ. أَرْبَعَةُ نَفَرٍ. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: سُفْيَانُ بْنُ نَسْرِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْحَارِثِ بْنِ كَعْبِ بْنِ زَيْدٍ.
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَمِنْ بَنِي جِدَارَةَ بْنِ عَوْفِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ الْخَزْرَجِ: تَمِيمُ بْنُ يَعَارَ بْنِ قَيْسِ بْنِ عَدِيّ بْنِ أُمَيّةَ بْنِ جِدَارَةَ وَعَبْدُ اللّهِ بْنُ عُمَيْرٍ مِنْ بَنِي حَارِثَةَ. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَيُقَالُ عَبْدُ اللّهِ بْنُ عُمَيْرِ بْنِ عَدِيّ بْنِ أُمَيّةَ بْنِ جِدَارَةَ قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَزَيْدُ بْنُ الْمُزَيّنِ بْنِ قَيْسِ بْنِ عَدِيّ بْنِ أُمَيّةَ بْنِ جِدَارَةَ. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: زَيْدُ بْنُ الْمُرّيّ. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَعَبْدُ اللّهِ بْنُ عُرْفُطَةَ بْنِ عَدِيّ بْنِ أُمَيّةَ بْنِ جِدَارَةَ أَرْبَعَةُ نَفَرٍ.
وَمِنْ بَنِي الْأَبْجَرِ وَهُمْ بَنُو خُدْرَةَ بْنِ عَوْفِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ الْخَزْرَجِ عَبْدِ اللّهِ بْنِ رَبِيعِ بْنِ قَيْسِ بْنِ عَمْرِو بْنِ عَبّادِ بْنِ الْأَبْجَرِ رَجُلٌ. وَمِنْ بَنِي عَوْفِ بْنِ الْخَزْرَجِ، ثُمّ مِنْ بَنِي عُبَيْدِ بْنِ مَالِكِ بْنِ سَالِمِ بْنِ غَنْمِ بْنِ عَوْفِ بْنِ الْخَزْرَجِ، وَهُمْ بَنُو الْحُبْلَى- قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: الْحُبْلَى: سَالِمُ بْنُ غَنْمِ بْنِ عَوْفٍ وَإِنّمَا سُمّيَ الْحُبْلَى، لِعِظَمِ بَطْنِهِ-: عَبْدُ اللّهِ بْنُ عَبْدِ اللّهِ بْنِ أُبَيّ بْنِ مَالِكِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ عُبَيْدٍ الْمَشْهُورُ بِابْنِ سَلُولَ، وَإِنّمَا سَلُولُ امْرَأَةٌ وَهِيَ أُمّ أُبَيّ وَأَوْسُ بْنُ خَوْلِيّ بْنِ عَبْدِ اللّهِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ عُبَيْدٍ. رَجُلَانِ.
وَمِنْ بَنِي جَزْءِ بْنِ عَدِيّ بْنِ مَالِكِ بْنِ سَالِمِ بْنِ غَنْمٍ: زَيْدُ بْنُ وَدِيعَةَ بْنِ عَمْرِو بْنِ قَيْسِ بْنِ جَزْءٍ وَعُقْبَةُ بْنُ وَهْبِ بْنِ كَلَدَةَ حَلِيفٌ لَهُمْ مِنْ بَنِي عَبْدِ اللّهِ بْنِ غَطَفَانَ، وَرِفَاعَةُ بْنُ عَمْرِو بْنِ زَيْدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ ثَعْلَبَةَ بْنِ مَالِكِ بْنِ سَالِمِ بْنِ غَنْمٍ، وَعَامِرُ بْنُ سَلَمَةَ بْنِ عَامِرٍ حَلِيفٌ لَهُمْ مِنْ أَهْلِ الْيَمَنِ. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَيُقَالُ عَمْرُو بْنُ سَلَمَةَ وَهُوَ مِنْ بَلِيّ، مِنْ قُضَاعَةَ. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَأَبُو حُمَيْضَةَ مَعْبَدُ بْنُ عَبّادِ بْنِ قُشَيْرِ بْنِ الْمُقَدّمِ بْنِ سَالِمِ ابْنِ غَنْمٍ. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: مَعْبَدُ بْنُ عُبَادَةَ بْنِ قَشْغَرَ بْنِ الْمُقَدّمِ، وَيُقَالُ عُبَادَةُ بْنُ قَيْسِ بْنِ الْقُدْمِ. وَقَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَعَامِرُ بْنُ الْبُكَيْرِ، حَلِيفٌ لَهُمْ. سِتّةُ نَفَرٍ. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: عَامِرُ بْنُ الْعُكَيْرِ وَيُقَالُ عَاصِمُ بْنُ الْعُكَيْرِ.
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَمِنْ بَنِي سَالِمِ بْنِ عَوْفِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْخَزْرَجِ، ثُمّ مِنْ بَنِي الْعَجْلَانِ بْنِ زَيْدِ بْنِ غَنْمِ بْنِ سَالِمٍ نَوْفَلُ بْنُ عَبْدِ اللّهِ بْنِ نَضْلَةَ بْنِ مَالِكِ بْنِ الْعَجْلَانِ بْنِ الْعَجْلَانِ. رَجُلٌ. وَمِنْ بَنِي أَصْرَمَ بْنِ فِهْرِ بْنِ ثَعْلَبَةَ بْنِ غَنْمِ بْنِ سَالِمِ بْنِ عَوْفٍ- قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: هَذَا غَنْمُ بْنُ عَوْفٍ، أَخُو سَالِمِ بْنِ عَوْفِ بْنِ عَمْرِو بْنِ عَوْفِ بْنِ الْخَزْرَجِ، وَغَنْمُ بْنُ سَالِمٍ الّذِي قَبْلَهُ عَلَى مَا قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ-: عُبَادَةُ بْنُ الصّامِتِ بْنِ قَيْسِ بْنِ أَصْرَمَ، وَأَخُوهُ أَوْسُ بْنُ الصّامِتِ. رَجُلَانِ. وَمِنْ بَنِي دَعْدِ بْنِ فِهْرِ بْنِ ثَعْلَبَةَ بْنِ غَنَمٍ النّعْمَانُ بْنُ مَالِكِ بْنِ ثَعْلَبَةَ بْنِ دَعْدٍ وَالنّعْمَانُ الّذِي يُقَالُ لَهُ. قَوْقَلُ. رَجُلٌ. وَمِنْ بَنِي قُرْيُوشِ بْنِ غَنْمِ بْنِ أُمَيّةَ بْنِ لَوْذَانَ بْنِ سَالِمٍ- قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَيُقَالُ قُرْيُوسُ بْنُ غَنْمٍ- ثَابِتُ بْنُ هَزّالِ بْنِ عَمْرِو بْنِ قُرْيُوشٍ. رَجُلٌ. وَمِنْ بَنِي مَرْضَخَةَ بْنِ غَنْمِ بْنِ سَالِمٍ مَالِكُ بْنُ الدّخْشُمِ بْنِ مَرْضَخَةَ رَجُلٌ. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: مَالِكُ بْنُ الدّخْشُمِ: ابْنُ مَالِكِ بْنِ الدّخْشُمِ بْنِ مَرْضَخَةَ.
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَمِنْ بَنِي لَوْذَانَ بْنِ سَالِمٍ رَبِيعُ بْنُ إيَاسِ بْنِ عَمْرِو بْنِ غَنْمِ بْنِ أُمَيّةَ بْنِ لَوْذَانَ، وَأَخُوهُ وَرَقَةُ بْنُ إيَاسٍ، وَعَمْرُو بْنُ إيَاسٍ، حَلِيفٌ لَهُمْ مِنْ أَهْلِ الْيَمَنِ. ثَلَاثَةُ نَفَرٍ. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَيُقَالُ عَمْرُو بْنُ إيَاسٍ، أَخُو رَبِيعٍ وَوَرَقَةَ. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَمِنْ حُلَفَائِهِمْ مِنْ بَلِيّ، ثُمّ مِنْ بَنِي غُصَيْنَةَ- قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: غُصَيْنَةُ أُمّهُمْ وَأَبُوهُمْ عَمْرُو بْنُ عِمَارَةَ- الْمُجَذّرُ بْنُ ذِيَادِ بْنِ عَمْرِو بْنِ زُمْزُمَةَ بْنِ عَمْرِو بْنِ عِمَارَةَ بْنِ مَالِكِ بْنِ غُصَيْنَةَ بْنِ عَمْرِو بْنِ بُتَيْرَةَ بْنِ مَشْنُوّ بْنِ قَسْرِ بْنِ تَيْمِ بْنِ إرَاشِ بْنِ عَامِرِ بْنِ عُمَيْلَةَ بْنِ قِسْمِيلِ بْنِ فَرَانَ بْنِ بَلِيّ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْحَافّ بْنِ قُضَاعَةَ. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَيُقَالُ قَسْرُ بْنُ تَمِيمِ بْنِ إرَاشَةَ وَقِسْمِيلُ بْنُ فَارَانَ. وَاسْمُ الْمُجَذّرِ عَبْدُ اللّهِ. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَعُبَادَةُ بْنُ الْخَشْخَاشِ بْنِ عَمْرِو بْنِ زُمْزُمَةَ، وَنَحّابُ بْنُ ثَعْلَبَةَ بْنِ حَزَمَةَ بْنِ أَصْرَمَ بْنِ عَمْرِو بْنِ عِمَارَةَ. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَيُقَالُ بَحّاثُ بْنُ ثَعْلَبَةَ. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَعَبْدُ اللّهِ بْنُ ثَعْلَبَةَ بْنِ حَزَمَةَ بْنِ أَصْرَمَ. وَزَعَمُوا أَنّ عُتْبَةَ بْنَ رَبِيعَةَ بْنِ خَالِدِ بْنِ مُعَاوِيَةَ- حَلِيفٌ لَهُمْ- مِنْ بَهْرَاءَ، قَدْ شَهِدَ بَدْرًا، خَمْسَةُ نَفَرٍ. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: عُتْبَةَ بْنُ بَهْزٍ، مِنْ بَنِي سُلَيْمٍ.
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَمِنْ بَنِي سَاعِدَةَ بْنِ كَعْبِ بْنِ الْخَزْرَجِ، ثُمّ مِنْ بَنِي ثَعْلَبَةَ بْنِ الْخَزْرَجِ بْنِ سَاعِدَةَ أَبُو دُجَانَةَ سِمَاكُ بْنُ خَرَشَةَ. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: أَبُو دُجَانَةَ سِمَاكُ بْنُ أَوْسِ بْنِ خَرَشَةَ بْنِ لَوْذَانَ بْنِ عَبْدِ وُدّ بْنِ زَيْدِ بْنِ ثَعْلَبَةَ. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَالْمُنْذِرُ بْنُ عَمْرِو بْنِ خُنَيْسِ بْنِ حَارِثَةَ بْنِ لَوْذَانَ بْنِ عَبْدِ وُدّ ابْنِ زَيْدِ بْنِ ثَعْلَبَةَ رَجُلَانِ. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَيُقَالُ الْمُنْذِرُ ابْنُ عَمْرِو بْنِ خَنْبَشَ.
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَمِنْ بَنِي الْبَدِيّ بْنِ عَامِرِ بْنِ عَوْفِ بْنِ حَارِثَةَ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْخَزْرَجِ بْنِ سَاعِدَةَ أَبُو أُسَيْدٍ مَالِكُ بْنُ رَبِيعَةَ بْنِ الْبَدِيّ وَمَالِكُ بْنُ مَسْعُودٍ وَهُوَ إلَى الْبَدِيّ. رَجُلَانِ. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: مَالِكُ بْنُ مَسْعُودٍ: ابْنُ الْبَدِيّ فِيمَا ذَكَرَ لِي بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَمِنْ بَنِي طَرِيفِ بْنِ الْخَزْرَجِ بْنِ سَاعِدَةَ عَبْدُ رَبّهِ بْنِ حَقّ بْنِ أَوْسِ بْنِ وَقَشٍ بْنِ ثَعْلَبَةَ بْنِ طَرِيفٍ رَجُلٌ. وَمِنْ حُلَفَائِهِمْ مِنْ جُهَيْنَةَ: كَعْبُ بْنُ حِمَارِ بْنِ ثَعْلَبَةَ. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَيُقَالُ كَعْبٌ ابْنُ جَمّازٍ وَهُوَ مِنْ غُبْشَانَ. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَضَمْرَةُ وَزِيَادٌ وَبَسْبَسُ بَنُو عَمْرٍو. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: ضَمْرَةُ وَزِيَادٌ ابْنَا بَشْرٍ. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَعَبْدُ اللّهِ بْنُ عَامِرٍ مِنْ بَلِيّ. خَمْسَةُ نَفَرٍ.
وَمِنْ بَنِي جُشَمِ بْنِ الْخَزْرَجِ، ثُمّ مِنْ بَنِي سَلِمَةَ بْنِ سَعْدِ بْنِ عَلِيّ بْنِ أَسَدِ بْنِ سَارِدَةَ بْنِ تَزِيدَ بْنِ جُشَمِ بْنِ الْخَزْرَجِ ثُمّ مِنْ بَنِي حَرَامِ بْنِ كَعْبِ بْنِ غَنْمِ بْنِ كَعْبِ بْنِ سَلَمَةَ خِرَاشُ بْنُ الصّمّةِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْجَمُوحِ بْنِ زَيْدِ بْنِ حَرَامٍ، وَالْحُبَابُ بْنُ الْمُنْذِرِ بْنِ الْجَمُوحِ بْنِ زَيْدِ بْنِ حَرَامٍ، وَعُمَيْرُ بْنُ الْحُمَامِ بْنِ الْجَمُوحِ بْنِ زَيْدِ ابْنِ حَرَامٍ، وَتَمِيمٌ مَوْلَى خِرَاشِ بْنِ الصّمّةِ وَعَبْدُ اللّهِ بْنُ عَمْرِو بْنِ حَرَامِ بْنِ ثَعْلَبَةَ بْنِ حَرَامٍ وَمُعَاذُ بْنُ عَمْرِو بْنِ الْجَمُوحِ، وَمُعَوّذُ بْنُ عَمْرِو بْنِ الْجَمُوحِ بْنِ زَيْدِ بْنِ حَرَامِ وَخَلّادُ بْنُ عَمْرِو بْنِ الْجَمُوحِ بْنِ زَيْدِ بْنِ حَرَامٍ وَعُقْبَةُ بْنُ عَامِرِ بْنِ نَابِي بْنِ زَيْدِ بْنِ حَرَامٍ وَحَبِيبُ بْنُ أَسْوَدَ مَوْلَى لَهُمْ وَثَابِتُ بْنُ ثَعْلَبَةَ بْنِ زَيْدِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ حَرَامٍ وَثَعْلَبَةُ الّذِي يُقَالُ لَهُ الْجَذَعُ وَعُمَيْرُ بْنُ الْحَارِثِ بْنِ ثَعْلَبَةَ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ حَرَامٍ. اثْنَا عَشَرَ رَجُلًا.
.[نَسَبُ الْجَمُوحِ]:

قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَكُلّ مَا كَانَ هَاهُنَا الْجَمُوحُ فَهُوَ الْجَمُوحُ بْنُ زَيْدِ بْنِ حَرَامٍ إلّا مَا كَانَ مِنْ جَدّ الصّمّةِ بْنِ عَمْرٍو، فَإِنّهُ الْجَمُوحُ بْنُ حَرَامٍ. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: عُمَيْرُ بْنُ الْحَارِثِ ابْنُ لَبْدَةَ بْنِ ثَعْلَبَةَ. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَمِنْ بَنِي عُبَيْدِ بْنِ عَدِيّ بْنِ غَنْمِ بْنِ كَعْبِ بْنِ سَلِمَةَ ثُمّ مِنْ بَنِي خَنْسَاءَ بْنِ سِنَانِ بْنِ عُبَيْدٍ: بُشْرُ بْنُ الْبَرَاءِ بْنِ مَعْرُورِ بْنِ صَخْرِ بْنِ مَالِكِ بْنِ خَنْسَاءَ وَالطّفَيْلُ بْنُ مَالِكِ بْنِ خَنْسَاءَ وَالطّفَيْلُ بْنُ النّعْمَانِ بْنِ خَنْسَاءَ وَسِنَانُ بْنُ صَيْفِيّ بْنِ صَخْرِ بْنِ خَنْسَاءَ وَعَبْدُ اللّهِ بْنُ الْجَدّ بْنِ قَيْسِ بْنِ صَخْرِ بْنِ خَنْسَاءَ وَعُتْبَةُ بْنُ عَبْدِ اللّهِ بْنِ صَخْرِ بْنِ خَنْسَاءَ وَجَبّارُ بْنُ صَخْرِ بْنِ أُمَيّةَ بْنِ خَنْسَاءَ، وَخَارِجَةُ بْنُ حُمَيّرَ، وَعَبْدُ اللّهِ بْنُ حُمَيّرَ، حَلِيفَانِ لَهُمْ مِنْ أَشْجَعَ مِنْ بَنِي دُهْمَانَ. تِسْعَةُ نَفَرٍ. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَيُقَالُ جَبّارٌ ابْنُ صَخْرِ بْنِ أُمَيّةَ بْنِ خُنَاسٍ.
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَمِنْ بَنِي خُنَاسِ بْنِ سِنَانَ بْنِ عُبَيْدِ: يَزِيدُ بْنُ الْمُنْذِرِ بْنِ سَرْحِ بْنِ خِنَاسٍ، وَمَعْقِلُ بْنُ الْمُنْذِرِ بْنِ سَرْحِ بْنِ خِنَاسٍ، وَعَبْدُ اللّهِ بْنُ النّعْمَانِ بْنِ بَلْدَمَةَ. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَيُقَالُ بُلْذُمَةُ وَبُلْدُمَةُ. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَالضّحّاكُ بْنُ حَارِثَةَ بْنِ زَيْدِ بْنِ ثَعْلَبَةَ بْنِ عُبَيْدِ بْنِ عَدِيّ، وَسَوَادُ بْنُ زُرَيْقِ بْنِ ثَعْلَبَةَ بْنِ عُبَيْدِ بْنِ عَدِيّ. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَيُقَالُ سَوَادٌ ابْنُ رِزْنِ بْنِ زَيْدِ بْنِ ثَعْلَبَةَ. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَمَعْبَدُ بْنُ قَيْسِ بْنِ صَخْرِ بْنِ حَرَامِ بْنِ رَبِيعَةَ بْنِ عَدِيّ بْنِ غَنْمِ بْنِ كَعْبِ بْنِ سَلِمَةَ. وَيُقَالُ مَعْبَدُ بْنُ قَيْسٍ: ابْنُ صَيْفِيّ بْنِ صَخْرِ بْنِ حَرَامِ ابْنِ رَبِيعَةَ، فِيمَا قَالَ ابْنُ هِشَامٍ. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَعَبْدُ اللّهِ بْنُ قَيْسِ بْنِ صَخْرِ بْنِ حَرَامِ بْنِ رَبِيعَةَ بْنِ عَدِيّ بْنِ غَنْمٍ. سَبْعَةُ نَفَرٍ.
وَمِنْ بَنِي النّعْمَانِ بْنِ سِنَانِ بْنِ عُبَيْدٍ: عَبْدُ اللّهِ بْنُ عَبْدِ مَنَافِ بْنِ النّعْمَانِ وَجَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللّهِ بْنِ رِئَابِ بْنِ النّعْمَانِ وَخُلَيْدَةُ بْنُ قَيْسِ بْنِ النّعْمَانِ. وَالنّعْمَانُ بْنُ سِنَانٍ مَوْلَى لَهُمْ. أَرْبَعَةُ نَفَرٍ. وَمِنْ بَنِي سَوَادِ بْنِ غَنْمِ بْنِ كَعْبِ بْنِ سَلِمَةَ ثُمّ مِنْ بَنِي حَدِيدَةَ بْنِ عَمْرِو قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: عَمْرُو بْنُ سَوَادٍ، لَيْسَ لِسَوَادٍ ابْنٌ يُقَالُ لَهُ غَنْمٌ-: أَبُو الْمُنْذِرِ وَهُوَ يَزِيدُ بْنُ عَامِرِ بْنِ حَدِيدَةَ وَسُلَيْمُ بْنُ عَمْرِو بْنِ حَدِيدَةَ، وَقُطْبَةُ بْنُ عَامِرِ بْنِ حَدِيدَةَ وَعَنْتَرَةُ مَوْلَى سُلَيْمِ بْنِ عَمْرٍو. أَرْبَعَةُ نَفَرٍ. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: عَنْتَرَةُ، مِنْ بَنِي سُلَيْمِ بْنِ مَنْصُورٍ ثُمّ مِنْ بَنِي ذَكْوَانَ.
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَمِنْ بَنِي عَدِيّ بْنِ نَابِي بْنِ عَمْرِو بْنِ سَوَادِ بْنِ غَنْمٍ عَبْسُ بْنُ عَامِرِ بْنِ عَدِيّ، وَثَعْلَبَةُ بْنُ غَنَمَةَ بْنِ عَدِيّ وَأَبُو الْيَسَرِ وَهُوَ كَعْبُ بْنُ عَمْرِو بْنِ عَبّادِ بْنِ عَمْرِو بْنِ غَنْمِ بْنِ سَوَادٍ وَسَهْلُ بْنُ قَيْسِ بْنِ أَبِي كَعْبِ بْنِ الْقَيْنِ بْنِ كَعْبِ بْنِ سَوَادٍ، وَعَمْرُو بْنِ طَلْقِ بْنِ زَيْدِ بْنِ أُمَيّةَ بْنِ سِنَانِ بْنِ كَعْبِ بْنِ غَنْمٍ؛ وَمُعَاذُ بْنُ جَبَلِ بْنِ عَمْرِو بْنِ أَوْسِ بْنِ عَائِذِ بْنِ عَدِيّ بْنِ كَعْبِ بْنِ عَدِيّ بْنِ أُدَيّ بْنِ سَعْدِ بْنِ عَلِيّ بْنِ أَسَدِ بْنِ سَارِدَةَ بْنِ تَرِيدَ بْنِ جُشَمِ بْنِ الْخَزْرَجِ بْنِ حَارِثَةَ بْنِ ثَعْلَبَةَ بْنِ عَمْرِو بْنِ عَامِرٍ. سِتّةُ نَفَرٍ. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: أَوْسٌ ابْنُ عَبّادِ بْنِ عَدِيّ بْنِ كَعْبِ بْنِ عَمْرِو بْنِ أُدَيّ بْنِ سَعْدٍ. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَإِنّمَا نَسَبَ ابْنُ إسْحَاقَ مُعَاذَ بْنَ جَبَلٍ فِي بَنِي سَوَادٍ وَلَيْسَ مِنْهُمْ لِأَنّهُ فِيهِمْ.
.[تَسْمِيَةُ مَنْ كَسَرُوا آلِهَةَ بَنِي سَلِمَةَ]:

قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَاَلّذِينَ كَسَرُوا آلِهَةَ بَنِي سَلِمَةَ مُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ، وَعَبْدُ اللّهِ بْنُ أُنَيْسٍ وَثَعْلَبَةُ بْنُ غَنَمَةَ وَهُمْ فِي بَنِي سَوَادِ بْنِ غَنَمٍ. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَمِنْ بَنِي زُرَيْقِ بْنِ عَامِرِ بْنِ زُرَيْقِ بْنِ عَبْدِ حَارِثَةَ بْنِ مَالِكِ غَضْبِ بْنِ جُشَمِ بْنِ الْخَزْرَجِ، ثُمّ مِنْ بَنِي مُخَلّدِ بْنِ عَامِرِ بْنِ زُرَيْقٍ- قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَيُقَالُ عَامِرٌ ابْنُ الْأَزْرَقِ-: قَيْسُ بْنُ مُحْصِنِ بْنِ خَالِدِ بْنِ مُخَلّدٍ. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَيُقَالُ قَيْسٌ: ابْنُ حِصْنٍ. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَأَبُو خَالِدٍ وَهُوَ الْحَارِثُ بْنُ قَيْسِ بْنِ خَالِدِ بْنِ مُخَلّدِ وَجُبَيْرُ بْنُ إيَاسِ بْنِ خَالِدِ بْنِ مُخَلّدٍ وَأَبُو عُبَادَةَ وَهُوَ سَعْدُ بْنُ عُثْمَانَ بْنِ خَلَدَةَ بْنِ مُخَلّدٍ وَأَخُوهُ عُقْبَةُ بْنُ عُثْمَانَ بْنُ خَلَدَةَ بْنِ مُخَلّدٍ، وَذَكْوَانُ بْنُ عَبْدِ قَيْسِ بْنِ خَلَدَةَ بْنِ مُخَلّدٍ وَمَسْعُودُ بْنُ خَلَدَةَ بْنِ عَامِرِ بْنِ مُخَلّدٍ. سَبْعَةُ نَفَرٍ.
وَمِنْ بَنِي خَالِدِ بْنِ عَامِرِ بْنِ زُرَيْقٍ: عَبّادُ بْنُ قَيْسِ بْنِ عَامِرِ بْنِ خَالِدٍ. رَجُلٌ. وَمِنْ بَنِي خَلَدَة بْنِ عَامِرِ بْنِ زُرَيْقٍ: أَسَعْدُ بْنُ يَزِيدَ بْنِ الْفَاكِهِ بْنِ زَيْدِ بْنِ خَلَدَةَ وَالْفَاكِهُ بْنُ بِشْرِ بْنِ الْفَاكِهِ بْنِ زَيْدِ بْنِ خَلَدَةَ. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: بُسْرُ بْنُ الْفَاكِهِ. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَمُعَاذُ بْنُ مَاعِصِ بْنِ قَيْسِ بْنِ خَلَدَةَ وَأَخُوهُ عَائِذُ بْنُ مَاعِصِ بْنِ قَيْسِ بْنِ خَلَدَةَ وَمَسْعُودُ بْنُ سَعْدِ بْنِ قَيْسِ بْنِ خَلَدَةَ. خَمْسَةُ نَفَرٍ. وَمِنْ بَنِي الْعَجْلَانِ بْنِ عَمْرِو بْنِ عَامِرِ بْنِ زُرَيْقٍ رِفَاعَةُ بْنُ رَافِعِ بْنِ الْعَجْلَانِ وَأَخُوهُ خَلّادُ بْنُ رَافِعِ بْنِ مَالِكِ بْنِ الْعَجْلَانِ وَعُبَيْدُ بْنُ زَيْدِ بْنِ عَامِرِ بْنِ الْعَجْلَانِ. ثَلَاثَةُ نَفَرٍ.
وَمِنْ بَنِي بَيَاضَةَ بْنِ عَامِرِ بْنِ زُرَيْقٍ: زِيَادُ بْنُ لَبِيَدِ بْنِ ثَعْلَبَةَ بْنِ سِنَانِ بْنِ عَامِرِ بْنِ عَدِيّ بْنِ أُمَيّةَ بْنِ بَيَاضَةَ؛ وَفَرْوَةُ بْنُ عَمْرِو بْنِ وَذْفَةَ بْنِ عُبَيْدِ بْنِ عَامِرِ بْنِ بَيَاضَةَ. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَيُقَالُ وَدْفَةُ. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَخَالِدُ بْنُ قَيْسِ بْنِ مَالِكِ بْنِ الْعَجْلَانِ بْنِ عَامِرِ بْنِ بَيَاضَةَ، وَرُجَيْلَةُ بْنُ ثَعْلَبَةَ بْنِ خَالِدِ بْنِ ثَعْلَبَةَ بْنِ عَامِرِ بْنِ بَيَاضَةَ. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَيُقَالُ رُخَيْلَةُ. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَعَطِيّةُ بْنُ نُوَيْرَةَ بْنِ عَامِرِ بْنِ عَطِيّةَ بْنِ عَامِرِ بْنِ بَيَاضَةَ، وَخُلَيْفَةُ بْنُ عَدِيّ بْنِ عَمْرِو بْنِ مَالِكِ بْنِ عَامِرِ بْنِ فُهَيْرَةَ بْنِ بَيَاضَةَ. سِتّةُ نَفَرٍ. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَيُقَالُ عُلَيْفَةُ. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَمِنْ بَنِي حَبِيبِ بْنِ عَبْدِ حَارِثَةَ بْنِ مَالِكِ بْنِ غَضْبِ بْنِ جُشَمِ بْنِ الْخَزْرَجِ: رَافِعُ بْنُ الْمُعَلّى بْنِ لَوْذَانَ بْنِ حَارِثَةَ بْنِ عَدِيّ بْنِ زَيْدِ بْنِ ثَعْلَبَةَ بْنِ زَيْدِ مَنَاةَ بْنِ حَبِيبٍ. رَجُلٌ.
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَمِنْ بَنِي النّجّارِ وَهُوَ تَيْمُ اللّهِ بْنُ ثَعْلَبَةَ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْخَزْرَجِ ثُمّ مِنْ بَنِي غَنْمِ بْنِ مَالِكِ بْنِ النّجّارِ ثُمّ مِنْ بَنِي ثَعْلَبَةَ بْنِ عَبْدِ عَوْفِ بْنِ غَنْمٍ أَبُو أَيّوب خَالِدُ بْنُ زَيْدِ بْنِ كُلَيْبِ بْنِ ثَعْلَبَةَ. رَجُلٌ. وَمِنْ بَنِي عُسَيْرَةَ بْنِ عَبْدِ عَوْفِ بْنِ غَنْمٍ ثَابِتُ بْنُ خَالِدِ بْنِ النّعْمَانِ بْنِ خَنْسَاءَ بْنِ عُسَيْرَةَ. رَجُلٌ. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَيُقَالُ عُسَيْرٌ وَعُشَيْرَةُ قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَمِنْ بَنِي عَمْرِو بْنِ عَبْدِ عَوْفِ بْنِ غَنْمٍ عُمَارَةُ بْنُ حَزْمِ بْنِ زَيْدِ بْنِ لَوْذَانَ بْنِ عَمْرٍو، وَسُرَاقَةُ بْنُ كَعْبِ بْنِ عَبْدِ الْعُزّى بْنِ غَزِيّةَ بْنِ عَمْرٍو. رَجُلَانِ.
وَمِنْ بَنِي عُبَيْد ِ بْنِ ثَعْلَبَةَ بْنِ غَنْمٍ: حَارِثَةُ بْنُ النّعْمَانِ بْنِ زَيْدِ بْنِ عُبَيْدٍ؛ وَسُلَيْمُ بْنُ قَيْسِ بْنِ قَهْدٍ وَاسْمُ قَهْدٍ خَالِدُ بْنُ قَيْسِ بْنِ عُبَيْدٍ. رَجُلَانِ. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: حَارِثَةُ بْنُ النّعْمَانِ: ابْنُ نَفْعِ بْنِ زَيْدٍ. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَمِنْ بَنِي عَائِذِ بْنِ ثَعْلَبَةَ بْنِ غَنْمٍ- وَيُقَالُ عَابِدٌ فِيمَا قَالَ ابْنُ هِشَامٍ-: سُهَيْلُ بْنُ رَافِعِ بْنِ أَبِي عَمْرِو بْنِ عَائِذٍ وَعَدِيّ بْنُ الزّغْبَاءِ حَلِيفٌ لَهُمْ مِنْ جُهَيْنَةَ. رَجُلَانِ.
وَمِنْ بَنِي زَيْدِ بْنِ ثَعْلَبَةَ بْنِ غَنْمٍ: مَسْعُودُ بْنُ أَوْسِ بْنِ زَيْدٍ وَأَبُو خُزَيْمَةَ بْنُ أَوْسِ بْنِ زَيْدِ بْنِ أَصْرَمَ بْنِ زَيْدِ وَرَافِعُ بْنُ الْحَارِثِ بْنِ سَوَادِ بْنِ زَيْدٍ. ثَلَاثَةُ نَفَرٍ. وَمِنْ بَنِي سَوَادِ بْنِ مَالِكِ بْنِ غَنْمٍ: عَوْفٌ وَمُعَوّذٌ وَمُعَاذٌ بَنُو الْحَارِثِ بْنِ رِفَاعَةَ بْنِ سَوَادٍ وَهُمْ بَنُو عَفْرَاءَ.
.[نَسَبُ عَفْرَاءَ]:

قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: عَفْرَاءُ بِنْتُ عُبَيْدِ بْنِ ثَعْلَبَةَ بْنِ عُبَيْدِ بْنِ ثَعْلَبَةَ بْنِ غَنْمِ بْنِ مَالِكِ بْنِ النّجّارِ، وَيُقَالُ رِفَاعَةُ ابْنُ الْحَارِثِ بْنِ سَوَادٍ. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَالنّعْمَانُ بْنُ عَمْرِو بْنِ رِفَاعَةَ بْنِ سَوَادٍ وَيُقَالُ نُعَيْمَانُ فِيمَا قَالَ ابْنُ هِشَامٍ. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ وَعَامِرُ بْنُ مُخَلّدِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ سَوَادٍ، وَعَبْدُ اللّهِ بْنُ قَيْسِ بْنِ خَالِدِ بْنِ خَلّدَةَ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ سَوَادٍ وَعُصَيْمَةُ حَلِيفٌ لَهُمْ مِنْ أَشْجَعَ وَوَدِيعَةُ بْنُ عَمْرٍو، حَلِيفٌ لَهُمْ مِنْ جُهَيْنَةَ؛ وَثَابِتُ بْنُ عَمْرِو بْنِ زَيْدِ بْنِ عَدِيّ بْنِ سَوَادٍ وزَعَمُوا أَنّ أَبَا الْحَمْرَاءِ مَوْلَى الْحَارِثِ بْنِ عَفْرَاءَ، قَدْ شَهِدَ بَدْرًا. عَشَرَةُ نَفَرٍ. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: أَبُو الْحَمْرَاءِ مَوْلَى الْحَارِثِ بْنِ رِفَاعَةَ.
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَمِنْ بَنِي عَامِرِ بْنِ مَالِكِ بْنِ النّجّارِ- وَعَامِرٌ مَبْذُولٌ- ثُمّ مِنْ بَنِي عَتِيكِ بْنِ عَمْرِو بْنِ مَبْذُول ٍ ثَعْلَبَةُ بْنُ عَمْرِو بْنِ مُحْصَنِ بْنِ عَمْرِو بْنِ عَتِيكٍ وَسَهْلُ بْنُ عَتِيكِ بْنِ عَمْرِو بْنِ النّعْمَانِ بْنِ عَتِيكِ وَالْحَارِثُ بْنُ الصّمّةَ بْنِ عَمْرِو بْنِ عَتِيكٍ كُسِرَ بِهِ بِالرّوْحَاءِ فَضَرَبَ لَهُ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بِسَهْمِهِ. ثَلَاثَةُ نَفَرٍ. وَمِنْ بَنِي عَمْرِو بْنِ مَالِكِ بْنِ النّجّار ِ- وَهُمْ بَنُو حُدَيْلَةَ- ثُمّ مِنْ بَنِي قَيْسِ بْنِ عُبَيْدِ بْنِ زَيْدِ بْنِ مُعَاوِيَةَ بْنِ عَمْرِو بْنِ مَالِكِ بْنِ النّجّارِ. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: حُدَيْلَةُ بِنْتُ مَالِكِ بْنِ زَيْدِ اللّهِ بْنِ حَبِيبِ بْنِ عَبْدِ حَارِثَةَ بْنِ مَالِكِ بْنِ غَضْبِ بْنِ جُشَمِ بْنِ الْخَزْرَجِ، وَهِيَ أُمّ مُعَاوِيَةَ بْنِ عَمْرِو بْنِ مَالِكِ بْنِ النّجّارِ، فَبَنُو مُعَاوِيَةَ يَنْتَسِبُونَ إلَيْهَا. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: أُبَيّ بْنُ كَعْبِ بْنِ قَيْسٍ، وَأَنَسُ بْنُ مُعَاذِ بْنِ أَنَسِ بْنِ قَيْسٍ. رَجُلَانِ.
وَمِنْ بَنِي عَدِيّ بْنِ عَمْرِو بْنِ مَالِكِ بْنِ النّجّارِ: قَالَ ابْنُ هِشَامٍ بَنُو مَغَالَةَ بِنْتِ عَوْفِ بْنِ عَبْدِ مَنَاةَ بْنِ عَمْرِو بْنِ مَالِكِ بْنِ كِنَانَةَ بْنِ خُزَيْمَةَ؛ وَيُقَالُ إنّهَا مِنْ بَنِي زُرَيْقٍ وَهِيَ أُمّ عَدِيّ بْنِ عَمْرِو بْنِ مَالِكِ بْنِ النّجّارِ فَبَنُو عَدِيّ يُنْسَبُونَ إلَيْهَا-: أَوْسُ بْنُ ثَابِتِ بْنِ الْمُنْذِرِ بْنِ حَرَامِ بْنِ عَمْرِو بْنِ زَيْدِ مَنَاةَ بْنِ عَدِيّ وَأَبُو شَيْخِ أُبَيّ بْنِ ثَابِتِ بْنِ الْمُنْذِرِ بْنِ حَرَامِ بْنِ عَمْرِو بْنِ زَيْدِ مَنَاةَ بْنِ عَدِيّ. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: أَبُو شَيْخِ أُبَيّ بْنِ ثَابِتٍ أَخُو حَسّانَ بْنِ ثَابِتٍ. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَأَبُو طَلْحَةَ وَهُوَ زَيْدُ بْنُ سَهْلِ بْنِ الْأَسْوَدِ بْنِ حَرَامِ بْنِ عَمْرِو بْنِ زَيْدِ مَنَاةَ بْنِ عَدِيّ ثَلَاثَةُ نَفَرٍ.
وَمِنْ بَنِي عَدِيّ بْنِ النّجّار ِ ثُمّ مِنْ بَنِي عَدِيّ بْنِ عَامِرِ بْنِ غَنْمِ بْنِ النّجّارِ حَارِثَةُ بْنُ سُرَاقَةَ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ عَدِيّ بْنِ مَالِكِ بْنِ عَدِيّ بْنِ عَامِرٍ، وَعَمْرُو بْنُ ثَعْلَبَةَ بْنِ وَهْبِ بْنِ عَدِيّ بْنِ مَالِكِ بْنِ عَدِيّ بْنِ عَامِرٍ وَهُوَ أَبُو حَكِيمٍ وَسَلِيطُ بْنُ قَيْسِ بْنِ عَمْرِو بْنِ عَتِيكِ بْنِ مَالِكِ بْنِ عَدِيّ بْنِ عَامِرٍ وَأَبُو سَلِيطٍ وَهُوَ أُسَيْرَةُ بْنُ عَمْرٍو، وَعَمْرُو أَبُو خَارِجَةَ بْنِ قَيْسِ بْنِ مَالِكِ بْنِ عَدِيّ بْنِ عَامِر ٍ وَثَابِتُ بْنُ خَنْسَاءَ بْنِ عَمْرِو بْنِ مَالِكِ بْنِ عَدِيّ بْنِ عَامِرٍ وَعَامِرُ بْنُ أُمَيّةَ بْنِ زَيْدِ بْنِ الْحَسْحَاسِ بْنِ مَالِكِ بْنِ عَدِيّ بْنِ عَامِرٍ وَمُحْرِزُ بْنُ عَامِرِ بْنِ مَالِكِ بْنِ عَدِيّ بْنِ عَامِرٍ وَسَوَادُ بْنُ غَزِيّةَ بْنِ أُهَيْبٍ حَلِيفٌ لَهُمْ مِنْ بَلِيّ. ثَمَانِيَةُ نَفَرٍ. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَيُقَالُ سَوّادٌ.
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَمِنْ بَنِي حَرَامِ بْنِ جُنْدُبِ بْنِ عَامِرِ بْنِ غَنْمِ بْنِ عَدِيّ: أَبُو زَيْدٍ. قَيْسُ بْنُ سَكَنِ بْنِ قَيْسِ بْنِ زَعُورَاءَ بْنِ حَرَامٍ وَأَبُو الْأَعْوَرِ بْنُ الْحَارِثِ بْنِ ظَالِمِ بْنِ عَبْسِ بْنِ حَرَامٍ. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَيُقَالُ أَبُو الْأَعْوَرِ الْحَارِثُ بْنُ ظَالِمٍ. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَسُلَيْمُ بْنُ مِلْحَانَ؛ وَحَرَامُ بْنُ مِلْحَانَ- وَاسْمُ مِلْحَانَ مَالِكُ بْنُ خَالِدِ بْنِ زَيْدِ بْنِ حَرَامٍ. أَرْبَعَةُ نَفَرٍ.
وَمِنْ بَنِي مَازِنِ بْنِ النّجّار ِ ثُمّ مِنْ بَنِي عَوْفِ بْنِ مَبْذُولِ بْنِ عَمْرِو بْنِ غَنْمِ بْنِ مَازِنِ بْنِ النّجّارِ قَيْسُ بْنُ أَبِي صَعْصَعَةَ- وَاسْمُ أَبِي صَعْصَعَةَ عَمْرُو بْنُ زَيْدِ بْنِ عَوْفٍ- وَعَبْدُ اللّهِ بْنُ كَعْبِ بْنِ عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ وَعُصَيْمَةُ حَلِيفٌ لَهُمْ مِنْ بَنِي أَسَدِ بْنِ خُزَيْمَةَ. ثَلَاثَةُ نَفَرٍ.
وَمِنْ بَنِي خَنْسَاءَ بْنِ مَبْذُولِ بْنِ عَمْرِو بْنِ غَنْمِ بْنِ مَازِنٍ: أَبُو دَاوُد عُمَيْرُ بْنُ عَامِرِ بْنِ مَالِكِ بْنِ خَنْسَاءَ وَسُرَاقَةُ بْنُ عَمْرِو بْنِ عَطِيّةَ بْنِ خَنْسَاءَ: رَجُلَانِ.
وَمِنْ بَنِي ثَعْلَبَةَ بْنِ مَازِنِ بْنِ النّجّارِ: قَيْسُ بْنُ مُخَلّدِ بْنِ ثَعْلَبَةَ بْنِ صَخْرِ بْنِ حَبِيبِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ ثَعْلَبَةَ. رَجُلٌ.
وَمِنْ بَنِي دِينَارِ بْنِ النّجّارِ، ثُمّ مِنْ بَنِي مَسْعُودِ بْنِ عَبْدِ الْأَشْهَلِ بْنِ حَارِثَةَ ابْنِ دِينَارِ بْنِ النّجّارِ النّعْمَانُ بْنُ عَبْدِ عَمْرِو بْنِ مَسْعُودٍ وَالضّحّاكُ بْنُ عَبْدِ عَمْرِو بْنِ مَسْعُودٍ وَسُلَيْمُ بْنُ الْحَارِثِ بْنِ ثَعْلَبَةَ بْنِ كَعْبِ بْنِ حَارِثَةَ بْنِ دِينَارٍ، وَهُوَ أَخُو الضّحّاكِ وَالنّعْمَانُ ابْنَيْ عَبْدِ عَمْرٍو، لِأُمّهِمَا، وَجَابِرُ بْنُ خَالِدِ بْنِ عَبْدِ الْأَشْهَلِ ابْنِ حَارِثَةَ وَسَعْدُ بْنُ سُهَيْلِ بْنِ عَبْدِ الْأَشْهَلِ. خَمْسَةُ نَفَرٍ. بَنِي قَيْسِ بْنِ مَالِكِ بْنِ كَعْبِ بْنِ حَارِثَةَ بْنِ دِينَارِ بْنِ النّجّارِ: كَعْبُ بْنُ زَيْدِ بْنِ قَيْسٍ: وَبُجَيْرُ بْنُ أَبِي بُجَيْرٍ حَلِيفٌ لَهُمْ. رَجُلَانِ. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ بُجَيْرٌ مِنْ عَبْسِ بْنِ بَغِيضِ بْنِ رَيْثِ بْنِ غَطَفَانَ، ثُمّ مِنْ بَنِي جَذِيمَةَ بْنِ رَوَاحَةَ. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فَجَمِيعُ مَنْ شَهِدَ بَدْرًا مِنْ الْخَزْرَجِ مِئَةٌ وَسَبْعُونَ رَجُلًا.
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَأَكْثَرُ أَهْلِ الْعِلْمِ يَذْكُرُ فِي الْخَزْرَجِ بِبَدْرٍ فِي بَنِي الْعَجْلَانِ ابْنَ زَيْدِ بْنِ غَنْمِ بْنِ سَالِمِ بْنِ عَوْفِ بْنِ عَمْرِو بْنِ عَوْفِ بْنِ الْخَزْرَجِ: عِتْبَانُ بْنُ مَالِكِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَجْلَانِ، وَمُلَيْلُ بْنُ وَبَرَةَ بْنِ خَالِدِ بْنِ الْعَجْلَانِ، وَعِصْمَةَ بْنَ الْحُصَيْنِ بْنِ وَبَرَةَ بْنِ خَالِدِ بْنِ الْعَجْلَانِ. وَفِي بَنِي حَبِيبِ بْنِ عَبْدِ حَارِثَةَ بْنِ مَالِكِ بْنِ غَضْبِ بْنِ جُشَمِ بْنِ الْخَزْرَجِ، وَهُمْ فِي بَنِي زُرَيْقِ هِلَالِ بْنِ الْمُعَلّى بْنِ لَوْذَانَ بْنِ حَارِثَةَ بْنِ عَدِيّ بْنِ زَيْدِ بْنِ ثَعْلَبَةَ بْنِ مَالِكِ بْنِ زَيْدِ مَنَاةَ بْنِ حَبِيبٍ.
.[عَدَدُ الْبَدْرِيّينَ جَمِيعًا]:

قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فَجَمِيعُ مَنْ شَهِدَ بَدْرًا مِنْ الْمُسْلِمِينَ مِنْ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ مَنْ شَهِدَهَا مِنْهُمْ وَمَنْ ضُرِبَ لَهُ بِسَهْمِهِ وَأَجْرِهِ ثَلَاثَةُ مِئَةِ رَجُلٍ وَأَرْبَعَةَ عَشَرَ رَجُلًا، مِنْ الْمُهَاجِرِينَ ثَلَاثَةٌ وَثَمَانُونَ رَجُلًا، وَمِنْ الْأَوْسِ وَاحِدٌ وَسِتّونَ رَجُلًا، وَمِنْ الْخَزْرَجِ مِئَةٌ وَسَبْعُونَ رَجُلًا.
.[مَنْ اُسْتُشْهِدَ مِنْ الْمُسْلِمِينَ يَوْمَ بَدْرٍ]:

وَاسْتُشْهِدَ مِنْ الْمُسْلِمِينَ يَوْمَ بَدْرٍ مَعَ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ مِنْ قُرَيْشٍ، ثُمّ مِنْ بَنِي الْمُطّلِبِ بْنِ عَبْدِ مَنَافٍ: عُبَيْدَةُ بْنُ الْحَارِثِ بْنِ الْمُطّلِبِ، قَتَلَهُ عُتْبَةُ بْنُ رَبِيعَةَ، قَطَعَ رِجْلَهُ فَمَاتَ بِالصّفْرَاءِ. رَجُلٌ. بَنِي زُهْرَةَ بْنِ كِلَابٍ. عُمَيْرُ بْنُ أَبِي وَقّاصِ بْنِ أُهَيْبِ بْنِ عَبْدِ مَنَافِ بْنِ زُهْرَةَ، وَهُوَ أَخُو سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقّاصٍ، فِيمَا قَالَ ابْنُ هِشَامٍ، وَذُو الشّمَالَيْنِ ابْنُ عَبْدِ عَمْرِو بْنِ نَضْلَةَ حَلِيفٌ لَهُمْ مِنْ خُزَاعَةَ، ثُمّ مِنْ بَنِي غُبْشَانَ. رَجُلَانِ. وَمِنْ بَنِي عَدِيّ بْنِ كَعْبِ بْنِ لُؤَيّ: عَاقِلُ بْنُ الْبُكَيْرِ، حَلِيفٌ لَهُمْ مِنْ بَنِي سَعْدِ بْنِ لَيْثِ بْنِ بَكْرِ بْنِ عَبْدِ مَنَاةَ بْنِ كِنَانَة َ وَمِهْجَعٌ مَوْلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطّابِ. رَجُلَانِ. وَمِنْ بَنِي الْحَارِثِ بْنِ فِهْرٍ: صَفْوَانُ بْنُ بَيْضَاءَ رَجُلٌ. سِتّةُ نَفَرٍ.
وَمِنْ الْأَنْصَارِ، ثُمّ مِنْ بَنِي عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ: سَعْدُ بْنُ خَيْثَمَةَ، وَمُبَشّرُ بْنُ عَبْدِ الْمُنْذِرِ بْنِ زَنْبَرٍ رَجُلَانِ. وَمِنْ بَنِي الْحَارِثِ بْنِ الْخَزْرَجِ: يَزِيدُ بْنُ الْحَارِثِ، وَهُوَ الّذِي يُقَالُ لَهُ ابْنُ فُسْحُمَ. رَجُلٌ. وَمِنْ بَنِي سَلَمَةَ، ثُمّ مِنْ بَنِي حَرَامِ بْنِ كَعْبِ بْنِ غَنَمِ بْنِ كَعْبِ بْنِ سَلَمَةَ: عُمَيْرُ بْنُ الْحُمَامِ. رَجُلٌ. وَمِنْ بَنِي حَبِيبِ بْنِ عَبْدِ حَارِثَةَ بْنِ مَالِكِ بْنِ غَضْبِ بْنِ جُشَمٍ: رَافِعُ بْنُ الْمُعَلّى. رَجُلٌ. بَنِي النّجّارِ: حَارِثَةُ بْنُ سُرَاقَةَ بْنِ الْحَارِثِ. رَجُلٌ. وَمِنْ بَنِي غَنَمِ بْنِ مَالِكِ بْنِ النّجّار ِ عَوْفٌ وَمُعَوّذٌ ابْنَا الْحَارِثِ بْنِ رِفَاعَةَ بْنِ سَوَادٍ، وَهُمَا ابْنَا عَفْرَاءَ. رَجُلَانِ. ثَمَانِيَةُ نَفَرٍ.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://el-quran.ahlamontada.com
Admin
Admin
Admin


المساهمات : 4240
تاريخ التسجيل : 20/01/2018

كتاب السيرة النبوية۞ لعبد الملك ابن هشام ۞«المؤرخ» ​ - صفحة 2 Empty
مُساهمةموضوع: رد: كتاب السيرة النبوية۞ لعبد الملك ابن هشام ۞«المؤرخ» ​   كتاب السيرة النبوية۞ لعبد الملك ابن هشام ۞«المؤرخ» ​ - صفحة 2 Emptyالأحد مارس 04, 2018 6:36 am

كتاب السيرة النبوية۞ لعبد الملك ابن هشام ۞«المؤرخ» ​ - صفحة 2 SeeretIbenHisham

.[مَنْ قُتِلَ بِبَدْرٍ مِنْ الْمُشْرِكِينَ]:

وَقُتِلَ مِنْ الْمُشْرِكِينَ يَوْمَ بَدْرٍ مِنْ قُرَيْشٍ، ثُمّ مِنْ بَنِي عَبْدِ شَمْسِ بْنِ عَبْدِ مَنَافٍ: حَنْظَلَةُ بْنُ أَبِي سُفْيَانَ بْنِ حَرْبِ بْنِ أُمَيّةَ بْنِ عَبْدِ شَمْسٍ، قَتَلَهُ زَيْدُ بْنُ حَارِثَةَ، مَوْلَى رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فِيمَا قَالَ ابْنُ هِشَامٍ وَيُقَالُ اشْتَرَكَ فِيهِ حَمْزَةُ وَعَلِيّ وَزَيْدٌ فِيمَا قَالَ ابْنُ هِشَامٍ. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَالْحَارِثُ بْنُ الْحَضْرَمِيّ وَعَامِرُ بْنُ الْحَضْرَمِيّ حَلِيفَانِ لَهُمْ قَتَلَ عَامِرًا: عَمّارُ بْنُ يَاسِرٍ، وَقَتَلَ الْحَارِثَ النّعْمَانُ بْنُ عَصْرٍ، حَلِيفٌ لِلْأَوْسِ فِيمَا قَالَ ابْنُ هِشَامٍ. وَعُمَيْرُ بْنُ أَبِي عُمَيْرٍ، وَابْنُهُ مَوْلَيَانِ لَهُمْ. قَتَلَ عُمَيْرَ بْنَ أَبِي عُمَيْرٍ: سَالِمٌ مَوْلَى أَبِي حُذَيْفَةَ؛ فِيمَا قَالَ ابْنُ هِشَامٍ. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَعُبَيْدَةُ بْنُ سَعِيدِ بْنِ الْعَاصِ بْنِ أُمَيّةَ بْنِ عَبْدِ شَمْسٍ، قَتَلَهُ الزّبَيْرُ بْنُ الْعَوّامِ، وَالْعَاصِ بْنَ سَعِيدِ بْنِ الْعَاصِ بْنِ أُمَيّةَ قَتَلَهُ عَلِيّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ. وَعُقْبَةُ بْنُ أَبِي مُعَيْطِ بْنِ أَبِي عَمْرِو بْنِ أُمَيّةَ بْنِ عَبْدِ شَمْسٍ، قَتَلَهُ عَاصِمُ بْنُ ثَابِتِ بْنِ أَبِي الْأَقْلَحِ، أَخُو بَنِي عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ صَبْرًا. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَيُقَالُ قَتَلَهُ عَلِيّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَعُتْبَةُ بْنُ رَبِيعَةَ بْنِ عَبْدِ شَمْسٍ، قَتَلَهُ عُبَيْدَةُ بْنُ الْحَارِثِ بْنِ الْمُطّلِبِ. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: اشْتَرَكَ فِيهِ هُوَ وَحَمْزَةُ وَعَلِيّ. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَشَيْبَةُ بْنُ رَبِيعَةَ بْنِ عَبْدِ شَمْسٍ، قَتَلَهُ حَمْزَةُ بْنُ عَبْدِ الْمُطّلِبِ، وَالْوَلِيدُ بْنُ عُتْبَةَ بْنِ رَبِيعَةَ، قَتَلَهُ عَلِيّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ؛ وَعَامِرُ بْنُ عَبْدِ اللّهِ حَلِيفٌ لَهُمْ مِنْ بَنِي أَنْمَارِ بْنِ بَغِيضٍ قَتَلَهُ عَلِيّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ. اثْنَا عَشَرَ رَجُلًا.
وَمِنْ بَنِي نَوْفَلِ بْنِ عَبْدِ مَنَافٍ: الْحَارِثُ بْنُ عَامِرِ بْنِ نَوْفَلٍ، قَتَلَهُ- فِيمَا يَذْكُرُونَ- خَبِيبُ بْنُ إسَافٍ، أَخُو بَنِي الْحَارِثِ بْنِ الْخَزْرَجِ؛ وَطُعَيْمَةُ بْنُ عَدِيّ بْنِ نَوْفَلٍ، قَتَلَهُ عَلِيّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ، وَيُقَالُ حَمْزَةُ بْنُ عَبْدِ الْمُطّلِبِ. رَجُلَانِ. وَمِنْ بَنِي أَسَدِ بْنِ عَبْدِ الْعُزّى بْنِ قُصَيّ: زَمَعَةُ بْنُ الْأَسْوَدِ بْنِ الْمُطّلِبِ بْنِ أَسَدٍ. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: قَتَلَهُ ثَابِتُ بْنُ الْجِذْعِ، أَخُو بَنِي حَرَامٍ فِيمَا قَالَ ابْنُ هِشَامٍ. وَيُقَالُ اشْتَرَكَ فِيهِ حَمْزَةُ وَعَلِيّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ وَثَابِتٌ. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَالْحَارِثُ بْنُ زَمَعَةَ قَتَلَهُ عَمّارُ بْنُ يَاسِرٍ- فِيمَا قَالَ ابْنُ هِشَامٍ- وَعُقَيْلُ بْنُ الْأَسْوَدِ بْنِ الْمُطّلِبِ، قَتَلَهُ حَمْزَةُ وَعَلِيّ، اشْتَرَكَا فِيهِ- فِيمَا قَالَ ابْنُ هِشَامٍ- وَأَبُو الْبَخْتَرِيّ وَهُوَ الْعَاصِ بْنُ هِشَامِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ أَسَدٍ، قَتَلَهُ الْمُجَذّرُ بْنُ ذِيَادٍ الْبَلَوِيّ. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: أَبُو الْبَخْتَرِيّ الْعَاصِ بْنُ هَاشِمٍ. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَنَوْفَلُ بْنُ خُوَيْلِدِ بْنِ أَسَدٍ، وَهُوَ ابْنُ الْعَدَوِيّةِ عَدِيّ خُزَاعَةَ، وَهُوَ الّذِي قَرَنَ أَبَا بَكْرٍ الصّدّيق، وَطَلْحَةَ بْنَ عُبَيْدِ اللّهِ حِينَ أَسْلَمَا فِي حَبْلٍ فَكَانَا يُسَمّيَانِ الْقَرِينَيْنِ لِذَلِكَ وَكَانَ مِنْ شَيَاطِينِ قُرَيْشٍ- قَتَلَهُ عَلِيّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ. خَمْسَةُ نَفَرٍ.
وَمِنْ عَبْدِ الدّارِ بْنِ قُصَيّ النّضْرُ بْنُ الْحَارِثِ بْنِ كَلَدَةَ بْنِ عَلْقَمَةَ بْنِ عَبْدِ مَنَافِ بْنِ عَبْدِ الدّارِ قَتَلَهُ عَلِيّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ صَبْرًا عِنْدَ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بِالصّفْرَاءِ فِيمَا يَذْكُرُونَ. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: بِالْأُثَيْلِ. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَيُقَالُ النّضْرُ بْنُ الْحَارِثِ ابْنُ عَلْقَمَةَ بْنِ كَلَدَةَ بْنِ عَبْدِ مَنَافٍ. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَزَيْدُ بْنُ مُلَيْصٍ مَوْلَى عُمَيْرِ بْنِ هَاشِمِ بْنِ عَبْدِ مَنَافِ بْنِ عَبْدِ الدّارِ. رَجُلَانِ. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: قَتَلَ زَيْدَ بْنَ مُلَيْصٍ بِلَالُ بْنُ رَبَاحٍ، مَوْلَى أَبِي بَكْرٍ وَزَيْدٌ حَلِيفٌ لِبَنِي عَبْدِ الدّارِ مِنْ بَنِي مَازِنِ بْنِ مَالِكِ بْنِ عَمْرِو بْنِ تَمِيمٍ وَيُقَالُ قَتَلَهُ الْمِقْدَادُ بْنُ عَمْرٍو. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَمِنْ بَنِي تَيْمِ بْنِ مُرّةَ: عُمَيْرُ بْنُ عُثْمَانَ بْنِ عَمْرِو بْنِ كَعْبِ بْنِ سَعْدِ بْنِ تَيْمٍ. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: قَتَلَهُ عَلِيّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ، وَيُقَالُ عَبْدُ الرّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَعُثْمَانُ بْنُ مَالِكِ بْنِ عُبَيْدِ اللّهِ بْنِ عُثْمَانَ بْنِ عَمْرِو بْنِ كَعْبٍ قَتَلَهُ صُهَيْبُ بْنُ سِنَانٍ. رَجُلَانِ.
وَمِنْ بَنِي مَخْزُومِ بْنِ يَقَظَةَ بْنِ مُرّةَ: أَبُو جَهْلِ بْنُ هِشَام ٍ- وَاسْمُهُ عَمْرُو بْنُ هِشَامِ بْنِ الْمُغِيرَةِ بْنِ عَبْدِ اللّه بْنِ عَمْرِو بْنِ مَخْزُومٍ- ضَرَبَهُ مُعَاذُ بْنُ عَمْرِو بْنِ الْجَمُوحِ، فَقَطَعَ رِجْلَهُ وَضَرَبَ ابْنُهُ عِكْرِمَةُ يَدَ مُعَاذٍ فَطَرَحَهَا، ثُمّ ضَرَبَهُ مُعَوّذُ بْنُ عَفْرَاءَ حَتّى أَثْبَتَهُ ثُمّ تَرَكَهُ وَبِهِ رَمَقٌ ثُمّ ذَفّفَ عَلَيْهِ عَبْدُ اللّهِ بْنُ مَسْعُودٍ، أَمَرَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ أَنْ يُلْتَمَسَ فِي الْقَتْلَى- وَالْعَاصِ بْنُ هِشَامِ بْنِ الْمُغِيرَةِ بْنِ عَبْدِ اللّهِ بْنِ عُمَرَ بْنِ مَخْزُومٍ، قَتَلَهُ عُمَرُ بْنُ الْخَطّابِ وَيَزِيدُ بْنُ عَبْدِ اللّهِ حَلِيفٌ لَهُمْ مِنْ بَنِي تَمِيمٍ. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: ثُمّ أَحَدُ بَنِي عَمْرِو بْنِ تَمِيمٍ، وَكَانَ شُجَاعًا، قَتَلَهُ عَمّارُ بْنُ يَاسِرٍ. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَأَبُو مُسَافِعٍ الْأَشْعَرِيّ، حَلِيفٌ لَهُمْ قَتَلَهُ أَبُو دُجَانَةَ السّاعِدِيّ- فِيمَا قَالَ ابْنُ هِشَامٍ- وَحَرْمَلَةُ بْنُ عَمْرٍو، حَلِيفٌ لَهُمْ. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: قَتَلَهُ خَارِجَةُ بْنُ زَيْدِ بْنِ أَبِي زُهَيْرٍ أَخُو بَالْحَارِثِ بْنِ الْخَزْرَجِ، وَيُقَالُ بَلْ عَلِيّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ- فِيمَا قَالَ ابْنُ هِشَامٍ- وَحَرْمَلَةُ، مِنْ الْأَسَدِ. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَمَسْعُودُ بْنُ أَبِي أُمَيّةَ بْنِ الْمُغِيرَةِ، قَتَلَهُ عَلِيّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ- فِيمَا قَالَ ابْنُ هِشَامٍ- وَأَبُو قَيْسِ بْنُ الْوَلِيدِ بْنِ الْمُغِيرَةِ. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: قَتَلَهُ حَمْزَةُ بْنُ عَبْدِ الْمُطّلِبِ. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَأَبُو قَيْسِ بْنُ الْفَاكِهِ بْنِ الْمُغِيرَةِ، قَتَلَهُ عَلِيّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ، وَيُقَالُ قَتَلَهُ عَمّارُ بْنُ يَاسِرٍ، فِيمَا قَالَ ابْنُ هِشَامٍ. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَرِفَاعَةُ بْنُ أَبِي رِفَاعَةَ بْنِ عَابِدِ بْنِ عَبْدِ اللّهِ بْنِ عُمَرَ بْنِ مَخْزُومٍ قَتَلَهُ سَعْدُ بْنُ الرّبِيعِ، أَخُو بَالْحَارِثِ بْنِ الْخَزْرَجِ، فِيمَا قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَالْمُنْذِرُ بْنُ أَبِي رِفَاعَةَ بْنِ عَابِدٍ قَتَلَهُ مَعْنُ بْنُ عَدِيّ بْنِ الْجَدّ بْنِ الْعَجْلَانِ حَلِيفُ بَنِي عُبَيْدِ بْنِ زَيْدِ بْنِ مَالِكِ بْنِ عَوْفِ بْنِ عَمْرِو بْن عَوْفٍ فِيمَا قَالَ ابْنُ هِشَامٍ، وَعَبْدُ اللّهِ بْنُ الْمُنْذِرِ بْنِ أَبِي رِفَاعَةَ بْنِ عَابِدٍ، قَتَلَهُ عَلِيّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ، فِيمَا قَالَ ابْنُ هِشَامٍ. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَالسّائِبُ بْنُ أَبِي السّائِبِ بْنِ عَابِدِ بْنِ عَبْدِ اللّهِ بْنِ عُمَرَ بْنِ مَخْزُومٍ. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: السّائِبُ بْنُ أَبِي السّائِبِ شَرِيكُ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ الّذِي جَاءَ فِيهِ الْحَدِيثُ عَنْ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ نِعْمَ الشّرِيكُ السّائِبُ لَا يُشَارَى وَلَا يُمَارَى، وَكَانَ أَسْلَمَ فَحَسُنَ إسْلَامُهُ- فِيمَا بَلَغَنَا- وَاَللّهُ أَعْلَمُ وَذَكَرَ ابْنُ شِهَابٍ الزّهْرِيّ عَنْ عُبَيْدِ اللّهِ بْنِ عُتْبَةَ عَنْ ابْنِ عَبّاسٍ: أَنّ السّائِبَ بْنَ أَبِي السّائِبِ بْنِ عَابِدِ بْنِ عَبْدِ اللّهِ بْنِ عُمَرَ بْنِ مَخْزُومٍ مِمّنْ بَايَعَ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ مِنْ قُرَيْشٍ، وَأَعْطَاهُ يَوْمَ الْجِعِرّانَةِ مِنْ غَنَائِمِ حُنَيْنٍ. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَذَكَرَ غَيْرُ ابْنِ إسْحَاقَ: أَنّ الّذِي قَتَلَهُ الزّبَيْرُ بْنُ الْعَوّامِ. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَالْأَسْوَدُ بْنُ عَبْدِ الْأَسَدِ بْنِ هِلَالِ بْنِ عَبْدِ اللّهِ بْنِ عُمَرَ بْنِ مَخْزُومٍ، قَتَلَهُ حَمْزَةُ بْنُ عَبْدِ الْمُطّلِبِ، وَحَاجِبُ بْنُ السّائِبِ بْنِ عُوَيْمِرِ بْنِ عَمْرِو بْنِ عَائِذِ بْنِ عَبْدِ بْنِ عِمْرَانَ بْنِ مَخْزُومٍ- قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَيُقَالُ عَائِذٌ ابْنُ عِمْرَانَ بْنِ مَخْزُومٍ، وَيُقَالُ حَاجِزُ بْنُ السّائِبِ- وَاَلّذِي قَتَلَ حَاجِبَ بْنَ السّائِبِ عَلِيّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَعُوَيْمِرُ بْنُ السّائِبِ بْنِ عُوَيْمِرٍ قَتَلَهُ النّعْمَانُ بْنُ مَالِكٍ الْقَوْقَلِيّ مُبَارَزَةً فِيمَا قَالَ ابْنُ هِشَامٍ. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَعَمْرُو بْنُ سُفْيَانَ، وَجَابِرُ بْنُ سُفْيَانَ حَلِيفَانِ لَهُمْ مِنْ طَيّئٍ قَتَلَ عَمْرًا يَزِيدُ بْنُ رُقَيْشٍ، وَقَتَلَ جَابِرًا أَبُو بُرْدَةَ بْنُ نَيّارٍ فِيمَا قَالَ ابْنُ هِشَامٍ. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: سَبْعَةَ عَشَرَ رَجُلًا.
وَمِنْ بَنِي سَهْمِ بْنِ عَمْرِو بْنِ هُصَيْصِ بْنِ كَعْبِ بْنِ لُؤَيّ: مُنَبّهُ بْنُ الْحَجّاجِ بْنِ عَامِرِ بْنِ حُذَيْفَةَ بْنِ سَعْدِ بْنِ سَهْمٍ، قَتَلَهُ أَبُو الْيَسَرِ أَخُو بَنِي سَلِمَة َ وَابْنُهُ الْعَاصِ بْنُ مُنَبّهِ بْنِ الْحَجّاجِ، قَتَلَهُ عَلِيّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ فِيمَا قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَنُبَيْهُ بْنُ الْحَجّاجِ بْنِ عَامِرٍ، قَتَلَهُ حَمْزَةُ بْنُ عَبْدِ الْمُطّلِبِ وَسَعْدُ بْنُ أَبِي وَقّاصٍ اشْتَرَكَا فِيهِ فِيمَا قَالَ ابْنُ هِشَامٍ، وَأَبُو الْعَاصِ بْنُ قَيْسِ بْنِ عَدِيّ بْنِ سَعْدِ بْنِ سَهْمٍ.
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: قَتَلَهُ عَلِيّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ، وَيُقَالُ النّعْمَانُ بْنُ مَالِكٍ الْقَوْقَلِيّ، وَيُقَالُ أَبُو دُجَانَةَ.
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَعَاصِمُ بْنُ عَوْفِ بْنِ ضُبَيْرَةَ بْنِ سَعِيدِ بْنِ سَعْدِ بْنِ سَهْمٍ قَتَلَهُ أَبُو الْيَسَرِ أَخُو بَنِي سَلِمَةَ، فِيمَا قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: خَمْسَةُ نَفَرٍ.
وَمِنْ بَنِي جُمَحَ بْنِ عَمْرِو بْنِ هُصَيْصِ بْنِ كَعْبِ بْنِ لُؤَيّ: أُمَيّةُ بْنُ خَلَفِ بْنِ وَهْبِ بْنِ حُذَافَةَ بْنِ جُمَحَ، قَتَلَهُ رَجُلٌ مِنْ الْأَنْصَارِ مِنْ بَنِي مَازِنٍ. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَيُقَالُ بَلْ قَتَلَهُ مُعَاذُ بْنُ عَفْرَاءَ وَخَارِجَةُ بْنُ زَيْدٍ وَخَبِيبُ بْنُ إسَافٍ، اشْتَرَكُوا فِي قَتْلِهِ. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَابْنُهُ عَلِيّ بْنُ أُمَيّةَ بْنِ خَلَفٍ، قَتَلَهُ عَمّارُ بْنُ يَاسِرٍ؛ وَأَوْسُ بْنُ مِعْيَرِ بْنِ لَوْذَانَ بْنِ سَعْدِ بْنِ جُمَحَ قَتَلَهُ عَلِيّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ فِيمَا قَالَ ابْنُ هِشَامٍ، وَيُقَالُ قَتَلَهُ الْحُصَيْنُ بْنُ الْحَارِثِ بْنِ الْمُطّلِبِ وَعُثْمَانُ بْنُ مَظْعُونٍ، اشْتَرَكَا فِيهِ فِيمَا قَالَ ابْنُ هِشَامٍ. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: ثَلَاثَةُ نَفَرٍ.
وَمِنْ بَنِي عَامِرِ بْنِ لُؤَيّ: مُعَاوِيَةُ بْنُ عَامِرٍ، حَلِيفٌ لَهُمْ مِنْ عَبْدِ الْقَيْس ِ قَتَلَهُ عَلِيّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ؛ وَيُقَالُ قَتَلَهُ عُكّاشَةُ بْنُ مِحْصَنٍ فِيمَا قَالَ ابْنُ هِشَامٍ. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَمَعْبَدُ بْنُ وَهْبٍ، حَلِيفٌ لَهُمْ مِنْ بَنِي كَلْبِ بْنِ عَوْفِ بْنِ كَعْبِ بْنِ عَامِرِ بْنِ لَيْثٍ قَتَلَ مَعْبَدًا خَالِدٌ وَإِيَاسُ ابْنَا الْبُكَيْرِ وَيُقَالُ أَبُو دُجَانَةَ فِيمَا قَالَ ابْنُ هِشَامٍ رَجُلَانِ. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: فَجَمِيعُ مَنْ أُحْصِيَ لَنَا مِنْ قَتْلَى قُرَيْشٍ يَوْمَ بَدْرٍ. خَمْسُونَ رَجُلًا. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: حَدّثَنِي أَبُو عُبَيْدَةَ عَنْ أَبِي عَمْرٍو: أَنّ قَتْلَى بَدْرٍ مِنْ الْمُشْرِكِينَ كَانُوا سَبْعِينَ رَجُلًا، وَالْأَسْرَى كَذَلِكَ وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ عَبّاسٍ، وَسَعِيدِ بْنِ الْمُسَيّبِ وَفِي كِتَابِ اللّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى:{أَوَلَمّا أَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُمْ مِثْلَيْهَا} يَقُولُهُ لِأَصْحَابِ أُحُدٍ- وَكَانَ مَنْ اُسْتُشْهِدَ مِنْهُمْ سَبْعِينَ رَجُلًا- يَقُولُ قَدْ أَصَبْتُمْ يَوْمَ بَدْرٍ مِثْلَيْ مَنْ اُسْتُشْهِدَ مِنْكُمْ يَوْمَ أُحُدٍ، سَبْعِينَ قَتِيلًا وَسَبْعِينَ أَسِيرًا. وَأَنْشَدَنِي أَبُو زَيْدٍ الْأَنْصَارِيّ لِكَعْبِ بْنِ مَالِكٍ:
فَأَقَامَ بِالْعَطَنِ الْمُعَطّنِ مِنْهُمْ ** سَبْعُونَ عُتْبَةُ مِنْهُمْ وَالْأَسْوَدُ

قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: يَعْنِي قَتْلَى بَدْرٍ. وَهَذَا الْبَيْتُ فِي قَصِيدَةٍ لَهُ فِي حَدِيثِ يَوْمِ أُحُدٍ سَأَذْكُرُهَا إنْ شَاءَ اللّهُ تَعَالَى فِي مَوْضِعِهَا.
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَمِمّنْ لَمْ يَذْكُرْ ابْنُ إسْحَاقَ مِنْ هَؤُلَاءِ السّبْعِينَ الْقَتْلَى:: مِنْ بَنِي عَبْدِ شَمْسِ بْنِ عَبْدِ مَنَاف ٍ وَهْبُ بْنُ الْحَارِثِ مِنْ بَنِي أَنْمَارِ بْنِ بَغِيضٍ، حَلِيفٌ لَهُمْ وَعَامِرُ بْنُ زَيْدٍ، حَلِيفٌ لَهُمْ مِنْ الْيَمَنِ. رَجُلَانِ.
وَمِنْ بَنِي أَسَدِ بْنِ عَبْدِ الْعُزّى: عُقْبَةُ بْنُ زَيْدٍ، حَلِيفٌ لَهُمْ مِنْ الْيَمَنِ، وَعُمَيْرٌ مَوْلًى لَهُمْ. رَجُلَانِ.
بَنِي عَبْدِ الدّارِ بْنِ قُصَيّ: نُبَيْهُ بْنُ زَيْدِ بْنِ مُلَيْصٍ وَعُبَيْدُ بْنُ سَلِيطٍ، حَلِيفٌ لَهُمْ مِنْ قَيْسٍ. رَجُلَانِ.
وَمِنْ بَنِي تَيْمِ بْنِ مُرّةَ: مَالِكُ بْنُ عُبَيْدِ اللّهِ بْنِ عُثْمَانَ وَهُوَ أَخُو طَلْحَةَ بْنِ عُبَيْدِ اللّهِ بْنِ عُثْمَانَ أُسِرَ فَمَاتَ فِي الْأُسَارَى، فَعُدّ فِي الْقَتْلَى، وَيُقَالُ وَعَمْرُو بْنُ عَبْدِ اللّهِ بْنِ جُدْعَانَ. رَجُلَانِ.
وَمِنْ بَنِي مَخْزُومِ بْنِ يَقَظَةَ: حُذَيْفَةُ بْنُ أَبِي حُذَيْفَةَ بْنِ الْمُغِيرَةِ قَتَلَهُ سَعْدُ بْنُ أَبِي وَقّاصٍ وَهِشَامُ بْنُ أَبِي حُذَيْفَةَ بْنِ الْمُغِيرَةِ، قَتَلَهُ صُهَيْبُ بْنُ سِنَانٍ؛ وَزُهَيْرُ بْنُ أَبِي رِفَاعَةَ قَتَلَهُ أَبُو أُسَيْدٍ مَالِكُ بْنُ رَبِيعَةَ، وَالسّائِبُ بْنُ أَبِي رِفَاعَةَ قَتَلَهُ عَبْدُ الرّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ، وَعَائِذُ بْنُ السّائِبِ بْنِ عُوَيْمِرٍ، أُسِرَ ثُمّ اُفْتُدِيَ فَمَاتَ فِي الطّرِيقِ مِنْ جِرَاحَةٍ جَرَحَهُ إيّاهَا حَمْزَةُ بْنُ عَبْدِ الْمُطّلِبِ، وَعُمَيْرٌ حَلِيفٌ لَهُمْ مِنْ طَيّئٍ وَخِيَارٌ حَلِيفٌ لَهُمْ مِنْ الْقَارّةِ. سَبْعَةُ نَفَرٍ.
وَمِنْ بَنِي جُمَحَ بْنِ عَمْرٍو: سَبْرَةُ بْنُ مَالِكٍ حَلِيفٌ لَهُمْ. رَجُلٌ.
وَمِنْ بَنِي سَهْمِ بْنِ عَمْرٍو. الْحَارِثُ بْنُ مُنَبّهِ بْنِ الْحَجّاجِ، قَتَلَهُ صُهَيْبُ بْنُ سِنَانٍ؛ وَعَامِرُ بْنُ عَوْفِ بْنِ ضُبَيْرَةَ أَخُو عَاصِمِ بْنِ ضُبَيْرَةَ، قَتَلَهُ عَبْدُ اللّهِ بْنُ سَلَمَةَ الْعَجْلَانِيّ، وَيُقَالُ أَبُو دُجَانَةَ. رَجُلَانِ.
بِسْمِ اللّهِ الرّحْمَنِ الرّحِيمِ.
.[ذِكْرُ أَسْرَى قُرَيْشٍ يَوْمَ بَدْرٍ]:

قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَأُسِرَ مِنْ الْمُشْرِكِينَ مِنْ قُرَيْشٍ يَوْم بَدْر، مِنْ بَنِي هَاشِمِ بْنِ عَبْدِ مَنَافٍ عَقِيلُ بْنُ أَبِي طَالِبِ بْنِ عَبْدِ الْمُطّلِبِ بْنِ هَاشِمٍ؛ وَنَوْفَلُ بْنُ الْحَارِثِ بْنِ عَبْدِ الْمُطّلِبِ بْنِ هَاشِمٍ. وَمِنْ بَنِي الْمُطّلِبِ بْنِ عَبْدِ مَنَاف ٍ: السّائِبُ بْنُ عُبَيْدِ بْنِ عَبْدِ يَزِيدَ بْنِ هَاشِمِ بْنِ الْمُطّلِبِ وَنُعْمَانُ بْنُ عَمْرِو بْنِ عَلْقَمَةَ بْنِ الْمُطّلِبِ. رَجُلَانِ.
بَنِي عَبْدِ شَمْسِ بْنِ عَبْدِ مَنَافٍ: عَمْرُو بْنُ أَبِي سُفْيَانَ بْنِ حَرْبِ بْنِ أُمَيّةَ بْنِ عَبْدِ شَمْسٍ؛ وَالْحَارِثُ بْنُ أَبِي وَجْزَةَ بْنِ أَبِي عَمْرِو بْنِ أُمَيّةَ بْنِ عَبْدِ شَمْسٍ. وَيُقَالُ ابْنُ أَبِي وَحْرَةَ، فِيمَا قَالَ ابْنُ هِشَامٍ. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَأَبُو الْعَاصِ بْنِ الرّبِيعِ بْنِ عَبْدِ الْعُزّى بْنِ عَبْدِ شَمْسٍ؛ وَأَبُو الْعَاصِ بْنِ نَوْفَلِ بْنِ عَبْدِ شَمْسٍ. وَمِنْ حُلَفَائِهِمْ أَبُو رِيشَةَ بْنُ أَبِي عَمْرٍو؛ وَعَمْرُو بْنُ الْأَزْرَقِ؛ وَعُقْبَةُ بْنُ عَبْدِ الْحَارِثِ بْنِ الْحَضْرَمِيّ. سَبْعَةُ نَفَرٍ.
وَمِنْ بَنِي نَوْفَلِ بْنِ عَبْدِ مَنَاف ٍ عَدِيّ بْنُ الْخِيَارِ بْنِ عَدِيّ بْنِ نَوْفَلٍ؛ وَعُثْمَانُ بْنُ عَبْدِ شَمْسِ ابْنِ أَخِي غَزْوَانَ بْنِ جَابِرٍ حَلِيفٌ لَهُمْ مِنْ بَنِي مَازِنِ بْنِ مَنْصُورٍ وَأَبُو ثَوْرٍ، حَلِيفٌ لَهُمْ. ثَلَاثَةُ نَفَرٍ. وَمِنْ بَنِي عَبْدِ الدّارِ بْنِ قُصَيّ: أَبُو عَزِيزِ بْنِ عُمَيْرِ بْنِ هَاشِمِ بْنِ عَبْدِ مَنَافِ بْنِ عَبْدِ الدّارِ وَالْأَسْوَدُ بْنُ عَامِرٍ حَلِيفٌ لَهُمْ. وَيَقُولُونَ نَحْنُ بَنُو الْأَسْوَدِ بْنِ عَامِرِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْحَارِثِ بْنِ السّبّاقِ. رَجُلَانِ.
وَمِنْ بَنِي أَسَدِ بْنِ عَبْدِ الْعُزّى بْنِ قُصَيّ: السّائِبُ بْنُ أَبِي حُبَيْشِ بْنِ الْمُطّلِبِ بْنِ أَسَدٍ؛ وَالْحُوَيْرِث بْنُ عَبّادِ بْنِ عُثْمَانَ بْنِ أَسَدٍ. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: هُوَ الْحَارِثُ بْنُ عَائِذِ بْنِ عُثْمَانَ بْنِ أَسَدٍ. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَسَالِمُ بْنُ شَمّاخٍ حَلِيفٌ لَهُمْ. ثَلَاثَةُ نَفَرٍ. وَمِنْ بَنِي مَخْزُومِ بْنِ يَقَظَة بْنِ مُرّةَ خَالِدُ بْنُ هِشَامِ بْنِ الْمُغِيرَةِ بْنِ عَبْدِ اللّهِ بْنِ عُمَرَ بْنِ مَخْزُومٍ؛ وَأُمَيّةُ بْنُ أَبِي حُذَيْفَةَ بْنِ الْمُغِيرَةِ وَالْوَلِيدُ بْنُ الْوَلِيدِ بْنِ الْمُغِيرَةِ؛ وَعُثْمَانُ بْنُ عَبْدِ اللّهِ بْنِ الْمُغِيرَةِ بْنِ عَبْدِ اللّهِ بْنِ عُمَرَ بْنِ مَخْزُومٍ؛ وَصَيْفِيّ بْنُ أَبِي رِفَاعَةَ بْنِ عَابِدِ بْنِ عَبْدِ اللّهِ بْنِ عُمَرَ بْنِ مَخْزُومٍ، وَأَبُو الْمُنْذِرِ بْنِ أَبِي رِفَاعَةَ بْنِ عَابِدِ بْنِ عَبْدِ اللّهِ بْنِ عُمَرَ بْنِ مَخْزُومٍ؛ وَأَبُو عَطَاءٍ عَبْدُ اللّهِ بْنُ أَبِي السّائِبِ بْنِ عَبْدِ اللّهِ بْنِ عُمَرَ بْنِ مَخْزُومٍ، وَالْمُطّلِبُ بْنُ حَنْطَبِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ عُبَيْدِ بْنِ عُمَرَ بْنِ مَخْزُومٍ، وَخَالِدُ بْنُ الْأَعْلَمِ حَلِيفٌ لَهُمْ وَهُوَ كَانَ- فِيمَا يَذْكُرُونَ- أَوّلُ مَنْ وَلّى فَارّا مُنْهَزِمًا، وَهُوَ الّذِي يَقُولُ:
وَلَسْنَا عَلَى الْأَدْبَارِ تَدْمَى كُلُومُنَا ** وَلَكِنْ عَلَى أَقْدَامِنَا يَقْطُرُ الدّمُ

تِسْعَةُ نَفَرٍ. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَيُرْوَى: لَسْنَا عَلَى الْأَعْقَابِ. وَخَالِدُ بْنُ الْأَعْلَمِ مِنْ خُزَاعَةَ، وَيُقَال: عُقَيْلِيّ.
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَمِنْ بَنِي سَهْمِ بْنِ عَمْرِو بْنِ هُصَيْص بْنِ كَعْبٍ: أَبُو وَدَاعَةَ بْنُ ضُبَيْرَة بْنِ سَعِيدِ بْنِ سَعْدِ بْنِ سَهْم، كَانَ أَوّلَ أَسِيرٍ أَفْتُدِيَ مِنْ أَسْرَى بَدْرٍ افْتَدَاهُ ابْنُهُ الْمُطّلِبُ بْنُ أَبِي وَدَاعَةَ؛ وَفَرْوَةُ بْنُ قَيْسِ بْنِ عَدِيّ بْنِ حُذَافَةَ بْنِ سَعْدِ بْنِ سَهْمٍ بْنُ قَبِيصَةَ بْنِ حُذَافَةَ بْنِ سَعْدِ بْنِ سَهْمٍ وَالْحَجّاجُ بْنُ قَيْسِ بْنِ عَدِيّ بْنِ سَعْدِ بْنِ سَهْمٍ. أَرْبَعَةُ نَفَرٍ. وَمِنْ بَنِي جُمَحَ بْنِ عَمْرِو بْنِ هُصَيْص بْنِ كَعْبٍ عَبْدُ اللّهِ بْنُ أُبَيّ بْنِ خَلَفِ بْنِ وَهْبِ بْنِ حُذَافَةَ بْنِ جُمَحَ وَأَبُو عَزّةَ عَمْرُو بْنُ عَبْدِ بْنِ عُثْمَانَ بْنِ وُهَيْب بْنِ حُذَافَةَ بْنِ جُمَحَ وَالْفَاكِهُ مَوْلَى أُمَيّةَ بْنِ خَلَفٍ، ادّعَاهُ بَعْدَ ذَلِكَ رَبَاحُ بْنُ الْمُغْتَرِفِ وَهُوَ يَزْعُمُ أَنّهُ مِنْ بَنِي شَمّاخِ بْنِ مُحَارِبِ بْنِ فِهْرٍ- وَيُقَال: إنّ الْفَاكِهَ ابْنَ جَرْوَل بْنِ حِذْيَمِ بْنِ عَوْفِ بْنِ غَضْب بْنِ شَمّاخِ بْنِ مُحَارِبِ بْنِ فِهْرٍ- وَوَهْبُ بْنُ عُمَيْرِ بْنِ وَهْبِ بْنِ خَلَفِ بْنِ وَهْبِ بْنِ حُذَافَةَ بْنِ جُمَحَ وَرَبِيعَةُ بْنُ دَرّاجِ بْنِ الْعَنْبَس بْنِ أُهْبَان بْنِ وَهْب بْنِ حُذَافَةَ بْنِ جُمَحَ. خَمْسَةُ نَفَرٍ.
وَمِنْ بَنِي عَامِرِ بْنِ لُؤَيّ: سُهَيْلُ بْنُ عَمْرِو بْنِ عَبْدِ شَمْسِ بْنِ عَبْدِ وُدّ بْنِ نَصْرِ بْنِ مَالِكِ بْنِ حِسْلِ بْنِ عَامِرِ أَسَرَهُ مَالِكُ بْنُ الدّخْشُم، أَخُو بَنِي سَالِمِ بْنِ عَوْفٍ وَعَبْدُ بْنُ زَمَعَةَ بْنِ قَيْسِ بْنِ عَبْدِ شَمْسِ بْنِ عَبْدِ وُدّ بْنِ نَصْرِ بْنِ مَالِكِ بْنِ حِسْلِ بْنِ عَامِرٍ وَعَبْدُ الرّحْمَنِ بْنُ مَشْنُوءِ بْنِ وَقْدَان بْنِ قَيْسِ بْنِ عَبْدِ شَمْسِ بْنِ عَبْدِ وُدّ بْنِ نَصْرِ بْنِ مَالِكِ بْنِ حِسْلِ بْنِ عَامِرٍ. ثَلَاثَةُ نَفَرٍ. بَنِي الْحَارِثِ بْنِ فِهْرٍ: الطّفَيْلُ بْنُ أَبِي قُنَيْع؛ وَعَتَبَةُ بْنُ عَمْرِو بْنِ جَحْدَم. رَجُلَانِ. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فَجَمِيعُ مَنْ حُفِظَ لَنَا مِنْ الْأُسَارَى ثَلَاثَةٌ وَأَرْبَعُونَ رَجُلًا.
.[مَا فَاتَ ابْنُ إسْحَاقَ ذِكْرَهُمْ]:

قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَقَعَ مِنْ جُمْلَةِ الْعَدَدِ رَجُلٌ لَمْ نَذْكُرْ اسْمَهُ وَمِمّنْ لَمْ نَذْكُرْ ابْنُ إسْحَاقَ مِنْ الْأُسَارَى: مِنْ بَنِي هَاشِمِ بْنِ عَبْدِ مَنَافٍ: عُتْبَة، حَلِيفٌ لَهُمْ مِنْ بَنِي فِهْرٍ. رَجُلٌ. وَمِنْ بَنِي الْمُطّلِبِ بْنِ عَبْدِ مَنَافٍ: عَقِيلُ بْنُ عَمْرٍو، حَلِيفٌ لَهُمْ وَأَخُوهُ تَمِيمُ بْنُ عَمْرٍو؛ وَابْنُهُ ثَلَاثَةُ نَفَرٍ. وَمِنْ بَنِي عَبْدِ شَمْسِ بْنِ عَبْدِ مَنَاف ٍ خَالِدُ بْنُ أُسَيْد بْنِ أَبِي الْعِيصِ؛ وَأَبُو الْعَرِيضِ يَسَارٌ مَوْلَى الْعَاصِ بْنِ أُمَيّةَ. رَجُلَانِ. وَمِنْ بَنِي نَوْفَلِ بْنِ عَبْدِ مَنَاف ٍ نَبْهَانُ مَوْلًى لَهُمْ. رَجُلٌ. وَمِنْ بَنِي أَسَدِ بْنِ عَبْدِ الْعُزّى: عَبْدُ اللّهِ بْنُ حُمَيْد بْنِ زُهَيْرِ بْنِ الْحَارِثِ. رَجُلٌ.
وَمِنْ بَنِي عَبْدِ الدّارِ بْنِ قُصَي ّ: عَقِيلٌ حَلِيفٌ لَهُمْ مِنْ الْيَمَنِ. رَجُلٌ. بَنِي تَيْمِ بْنِ مُرّةَ مُسَافِعُ بْنُ عِيَاضِ بْنِ صَخْرِ بْنِ عَامِرِ بْنِ كَعْبِ بْنِ سَعْدِ بْنِ تَيْمٍ وَجَابِرُ بْنُ الزّبِيرِ حَلِيفٌ لَهُمْ. رَجُلَانِ. وَمِنْ بَنِي مَخْزُومِ بْنِ يَقَظَةَ قَيْسُ بْنُ السّائِبِ. رَجُلٌ. وَمِنْ بَنِي جُمَحَ بْنِ عَمْرٍو: عَمْرُو بْنُ أُبَيّ بْنِ خَلَفٍ، وَأَبُو رُهْم بْنِ عَبْدِ اللّهِ، حَلِيفٌ لَهُمْ وَحَلِيفٌ لَهُمْ ذَهَبَ عَنّي اسْمُهُ وَمَوْلَيَانِ لِأُمَيّةِ بْنِ خَلَفٍ أَحَدُهُمَا نِسْطَاس؛ وَأَبُو رَافِعٍ غُلَامُ أُمَيّةَ بْنِ خَلَفٍ. سِتّةُ نَفَرٍ. وَمِنْ بَنِي سَهْمِ بْنِ عَمْرٍو: أَسْلَمَ، مَوْلَى نُبَيْه بْنِ الْحَجّاجِ. رَجُلٌ. وَمِنْ بَنِي عَامِرِ بْنِ لُؤَيّ: حَبِيبُ بْنُ جَابِرٍ وَالسّائِبُ بْنُ مَالِكٍ. رَجُلَانِ. وَمِنْ بَنِي الْحَارِثِ بْنِ فِهْرٍ: شَافِعُ وَشَفِيعٌ حَلِيفَانِ لَهُمْ مِنْ أَرْضِ الْيَمَنِ. رَجُلَانِ.
.[مَا قِيلَ مِنْ الشّعْرِ فِي يَوْمِ بَدْر]:

قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَكَانَ مِمّا قِيلَ مِنْ الشّعْرِ فِي يَوْمِ بَدْر، وَتَرَادّ بَهْ الْقَوْمُ بَيْنَهُمْ لِمَا كَانَ فِيهِ قَوْلُ حَمْزَةَ بْنِ عَبْدِ الْمُطّلِبِ يَرْحَمُهُ اللّهُ قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَأَكْثَرُ أَهْلِ الْعِلْمِ بِالشّعْرِ يُنْكِرُهَا وَنَقِيضَتَهَا:
أَلَمْ تَرَ أَمْرًا كَانَ مِنْ عَجْبِ الدّهْر ِ ** وَلِلْحَيْنِ أَسِبَابٌ مُبَيّنَةُ الْأَمْرِ

وَمَا ذَاكَ إلّا أَنّ قَوْمًا أَفَادَهُمْ ** فَحَانُوا تَوَاصٍ بِالْعُقُوقِ وَبِالْكُفْرِ

عَشِيّةَ رَاحُوا نَحْوَ بَدْرٍ بِجَمْعِهِمْ ** فَكَانُوا رُهُونًا لِلرّكِيّةِ مِنْ بَدْرِ

وَكُنّا طَلَبْنَا الْعِيرَ لَمْ نَبْغِ غَيْرَهَا ** فَسَارُوا إلَيْنَا فَالْتَقَيْنَا عَلَى قَدْرِ

فَلَمّا الْتَقَيْنَا لَمْ تَكُنْ مَثْنَوِيّةٌ ** لَنَا غَيْرَ طَعْنٍ بِالْمُثَقّفَةِ السّمْرِ

وَضَرْبٍ بِبِيضٍ يَخْتَلِي الْهَامَ حَدّهَا ** مُشْهِرَةُ الْأَلْوَانِ بَيّنَةُ الْأُثُرِ

وَنَحْنُ تَرَكْنَا عُتْبَة الْغَيّ ثَاوِيًا ** وَشَيْبَةَ فِي الْقَتْلَى تَجْرَجَمُ فِي الْجَفْرِ

وَعَمْرٌو ثَوَى فِيمَنْ ثَوَى مِنْ حُمَاتِهِمْ ** فَشُقّتْ جُيُوبُ النّائِحَاتِ عَلَى عَمْرِو

جُيُوبُ نِسَاءٍ مِنْ لُؤَيّ بْنِ غَالِبٍ ** كِرَامٍ تَفَرّعْنَ الذّوَائِبَ مِنْ فِهْرِ

أُولَئِكَ قَوْمٌ قُتّلُوا فِي ضَلَالِهِمْ ** وَخَلّوْا لِوَاءً غَيْرَ مُحْتَضَرِ النّصْرُ

لِوَاءُ ضَلَالٍ قَادَ إبْلِيسُ أَهْلَهُ ** فَخَاسَ بِهِمْ إنّ الْخَبِيثَ إلَى غَدْرِ

وَقَالَ لَهُمْ إذْ عَايَنَ الْأَمْرَ وَاضِحًا ** بَرِئْت إلَيْكُمْ مَا بِي الْيَوْمَ مِنْ صَبْرِ

فَإِنّي أَرَى مَا لَا تَرَوْنَ وَإِنّنِي ** أَخَافُ عِقَابَ اللّهِ وَاَللّهُ ذُو قَسْرِ

فَقَدّمَهُمْ لِلْحَيْنِ حَتّى تَوَرّطُوا ** وَكَانَ بِمَا لَمْ يَخْبُرْ الْقَوْمُ ذَا خُبْرِ

فَكَانُوا غَدَاةَ الْبِئْرِ أَلْفًا وَجَمْعُنَا ** ثَلَاثُ مِئِينٍ كَالْمُسْدَمَةِ الزّهْرِ

وَفِينَا جُنُودُ اللّهِ حَيْنَ يُمِدّنَا ** بِهِمْ فِي مَقَامٍ ثُمّ مُسْتَوْضَحِ الذّكْرِ

فَشَدّ بِهِمْ جِبْرِيلُ تَحْتَ لِوَائِنَا ** لَدَى مَأْزِقٍ فِيهِ مَنَايَاهُمْ تَجْرِي

الْحَارِثُ بْنُ هِشَامِ بْنِ الْمُغِيرَةِ، فَقَالَ:
أَلَا يَا لِقَوْمِي لِلصّبَابَةِ وَالْهَجْرِ ** وَلِلْحُزْنِ مِنّي وَالْحَرَارَةِ فِي الصّدْرِ

وَلِلدّمْعِ مِنْ عَيْنَيّ جُودَا كَأَنّهُ ** فَرِيدٌ هَوَى مِنْ سِلْك نَاظِمه يَجْرِي

عَلَى الْبَطَلِ الْحُلْوِ الشّمَائِلِ إذْ ثَوَى ** رَهِينَ مَقَامٍ لِلرّكِيّةِ مِنْ بَدْرِ

فَلَا تَبْعُدْنَ يَا عَمْرُو مِنْ ذِي قُرَابَةٍ ** وَمِنْ ذِي نِدَامٍ كَانَ ذَا خُلُقٍ غَمْرِ

فَإِنْ يَكُ قَوْمٌ صَادَفُوا مِنْك دَوْلَةً ** فَلَا بُدّ لِلْأَيّامِ مِنْ دُوَلِ الدّهْرِ

فَقَدْ كُنْتَ فِي صَرْفِ الزّمَانِ الّذِي مَضَى ** تُرِيهِمْ هَوَانًا مِنْك ذَا سُبُلٍ وَعْرِ

فَإِلّا أَمُتْ يَا عَمْرُو أَتْرُكْ ثَائِرًا ** وَلَا أُبْقِ بُقْيَا فِي إخَاءٍ وَلَا صِهْرِ

وَأَقْطَعُ ظَهْرًا مِنْ رِجَالٍ بِمَعْشَرٍ ** كِرَامٍ عَلَيْهِمْ مِثْلَ مَا قَطَعُوا ظَهْرِي

أَغَرّهُمْ مَا جَمّعُوا مِنْ وَشِيظَةٍ ** وَنَحْنُ الصّمِيمُ فِي الْقَبَائِلِ مِنْ فِهْرِ

فِيَالَ لُؤَيّ ذَبّبُوا عَنْ حَرِيمِكُمْ ** وَآلِهَةٍ لَا تَتْرُكُوهَا لِذِي الْفَخْرِ

تَوَارَثَهَا آبَاؤُكُمْ وَوَرِثْتُمْ ** أَوَاسِيّهَا وَالْبَيْتَ ذَا السّقْفِ وَالسّتْرِ

فَمَا لِحَلِيمٍ قَدْ أَرَادَ هَلَاكَكُمْ ** فَلَا تَعْذِرُوهُ آلَ غَالِبٍ مِنْ عُذْرٍ

وَجِدّوا لِمِنْ عَادَيْتُمْ وَتَوَازَرُوا ** وَكُونُوا جَمِيعًا فِي التّأَسّي وَفِي الصّبْرِ

لَعَلّكُمْ أَنْ تَثْأَرُوا بِأَخِيكُمْ ** وَلَا شَيْءَ إنّ لَمْ تَثْأَرُوا بِذَوِي عَمْرِو

بِمُطّرِدَاتِ فِي الْأَكُفّ كَأَنّهَا ** وَمِيضٌ تُطِيرُ الْهَامَ بَيّنَةَ الْأُثْرِ

كَأَنّ مُدِبّ الذّرّ فَوْقَ مُتُونِهَا ** إذَا جُرّدَتْ يَوْمًا لِأَعْدَائِهَا الْخُزْر

قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: أَبْدَلْنَا مِنْ هَذِهِ الْقَصِيدَةِ كَلِمَتَيْنِ مِمّا رَوَى ابْنُ إسْحَاقَ، وَهُمَا الْفَخْر فِي آخِرِ الْبَيْتِ وَفَمَا لِحَلِيمِ، فِي أَوّلِ الْبَيْتِ لِأَنّهُ نَالَ فِيهِمَا مِنْ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَقَالَ عَلِيّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ فِي يَوْمِ بَدْرٍ: قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَلَمْ أَرَ أَحَدًا مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ بِالشّعْرِ يَعْرِفُهَا وَلَا نَقِيضَتَهَا، وَإِنّمَا كَتَبْنَاهُمَا لِأَنّهُ يُقَالُ إنّ عَمْرَو بْنَ عَبْدِ اللّهِ بْنِ جُدْعَانَ قُتِلَ يَوْمَ بَدْرٍ، وَلَمْ يَذْكُرْهُ ابْنُ إسْحَاقَ فِي الْقَتْلَى، وَذَكَرَهُ فِي هَذَا الشّعْرِ:
أَلَمْ تَرَ أَنّ اللّهَ أَبْلَى رَسُولَهُ ** بَلَاءَ عَزِيزٍ ذِي اقْتِدَارِ وَذِي فَضْلٍ

بِمَا أَنْزَلَ الْكُفّارَ دَارَ مَذَلّةٍ ** فَلَاقَوْا هَوَانَا مِنْ إسَارٍ وَمِنْ قَتْل

فَأَمْسَى رَسُولُ اللّهِ قَدْ عَزّ نَصْرُهُ ** وَكَانَ رَسُولُ اللّهِ أُرْسِلَ بِالْعَدْل

فَجَاءَ بِفُرْقَانٍ مِنْ اللّهِ مُنْزَلٍ ** مُبَيّنَةٍ آيَاتُهُ لِذَوِي الْعَقْل

فَآمَنَ أَقْوَامٌ بِذَاكَ وَأَيْقَنُوا ** فَأَمْسَوْا بِحَمْدِ اللّهِ مُجْتَمِعِي الشّمْلِ

وَأَنْكَرَ أَقْوَامٌ فَزَاغَتْ قُلُوبُهُمْ ** فَزَادَهُمْ ذُو الْعَرْشِ خَبْلًا عَلَى خَبْلُ

وَأَمْكَنَ مِنْهُمْ يَوْمَ بَدْرٍ رَسُولَه ** وَقَوْمًا غِضَابًا فِعْلُهُمْ أَحْسَنُ الْفِعْلِ

بِأَيْدِيهِمْ بِيضٌ خِفَافٌ عَصَوْا بِهَا ** وَقَدْ حَادَثُوهَا بِالْجِلَاءِ وَبِالصّقْلِ

فَكَمْ تَرَكُوا مِنْ نَاشِئٍ ذِي حَمِيّةٍ ** صَرِيعًا وَمِنْ ذِي نَجْدَة مِنْهُمْ كَهْل

تَبِيتُ عُيُونُ النّائِحَاتِ عَلَيْهِمْ ** تَجُودُ بِأَسْبَالِ الرّشَاشِ وَبِالْوَبْلِ

نَوَائِحَ تَنْعَى عُتْبَة الْغَيّ وَابْنَه ** وَشَيْبَةَ تَنْعَاهُ وَتَنْعَى أَبَا جَهْلٍ

وَذَا الرّجُلِ تَنْعَى وَابْنَ جُدْعَانَ فِيهِمْ ** مُسَلّبَةً حَرّى مُبَيّنَة الثّكْلِ

ثَوَى مِنْهُمْ فِي بِئْرِ بَدْرٍ عِصَابَةٌ ** ذَوِي نَجَدَاتٍ فِي الْحُرُوبِ وَفِي الْمَحْل

دَعَا الْغَيّ مِنْهُمْ مَنْ دَعَا ** فَأَجَابَهُ وَلِلْغَيّ أَسِبَابٌ مُرَمّقَةُ الْوَصْلِ

عَنْ الشّغْبِ وَالْعُدْوَانِ فِي أَشْغَلْ الشّغْلِ ** فَأَضْحَوْا لَدَى دَارِ الْجَحِيمِ بِمَعْزِل

فَأَجَابَهُ الْحَارِثُ بْنُ هِشَامِ بْنِ الْمُغِيرَةِ، فَقَالَ:
عَجِبْتُ لِأَقْوَامٍ تَغَنّى سَفِيهُهُمْ ** بِأَمْرٍ سَفَاهٍ ذِي اعْتِرَاضٍ وَذِي بُطْلٍ

تَغَنّى بِقَتْلَى يَوْمَ بَدْرٍ تَتَابَعُوا ** كِرَامِ الْمَسَاعِي مِنْ غُلَامٍ وَمِنْ كَهْلٍ

مَصَالِيتَ بِيضٍ مِنْ لُؤَيّ بْنِ غَالِبٍ ** مَطَاعِينَ فِي الْهَيْجَا مَطَاعِيمَ فِي الْمَحْلِ

أُصِيبُوا كِرَامًا لَمْ يَبِيعُوا عَشِيرَةً ** بِقَوْمِ سِوَاهُمْ نَازِحِي الدّارِ وَالْأَصْلِ

كَمَا أَصْبَحَتْ غَسّانُ فِيكُمْ بِطَانَةً ** لَكُمْ بَدَلًا مِنّا فِيَالَك مِنْ فِعْلِ

عُقُوقًا وَإِثْمًا بَيّنًا وَقَطِيعَةً ** يَرَى جَوْرَكُمْ فِيهَا ذَوُو الرّأْيِ وَالْعَقْلِ

فَإِنْ يَكُ قَوْمٌ قَدْ مَضَوْا لِسَبِيلِهِمْ ** وَخَيْرُ الْمَنَايَا مَا يَكُونُ مِنْ الْقَتْلِ

فَلَا تَفْرَحُوا أَنْ تَقْتُلُوهُمْ فَقَتْلُهُمْ ** لَكُمْ كَائِنٌ خَبْلًا مُقِيمًا عَلَى خَبْلِ

فَإِنّكُمْ لَنْ تَبْرَحُوا بَعْدَ قَتْلِهِمْ ** شَتِيتًا هَوَاكُمْ غَيْرُ مُجْتَمِعِي الشّمْلِ

بِفَقْدِ ابْنِ جُدْعَانَ الْحَمِيدِ فِعَالُهُ ** وَعُتْبَة وَالْمَدْعُوّ فِيكُمْ أَبَا جَهْلِ

وَشَيْبَةَ فِيهِمْ وَالْوَلِيدَ وَفِيهِمْ ** أُمَيّةَ مَأْوَى الْمُعْتَرِينَ وَذُو الرّجْلِ

أُولَئِكَ فَابْكِ ثُمّ لَا تَبْكِ غَيْرَهُمْ ** نَوَائِحُ تَدْعُو بِالرّزِيّةِ وَالثّكْلِ

وَقُولُوا لِأَهْلِ الْمَكّتَيْنِ تَحَاشَدُوا ** وَسِيرُوا إلَى آطَامِ يَثْرِبَ ذِي النّخْلِ

جَمِيعًا وَحَامُوا آلَ كَعْبٍ وَذَبّبُوا ** بِخَالِصَةِ الْأَلْوَانِ مُحْدَثَةِ الصّقْلِ

وَإِلّا فَبُيّتُوا خَائِفِينَ وَأَصْبِحُوا ** أَذَلّ لِوَطْءِ الْوَاطِئِينَ مِنْ النّعْلِ

عَلَى أَنّنِي وَاللّاتِ يَا قَوْمُ فَاعْلَمُوا ** بِكَمْ وَاثِقٌ أَنْ لَا تُقِيمُوا عَلَى تَبْلِ

سِوَى جَمْعِكُمْ لِلسّابِغَاتِ وَلِلْقَنَا ** وَلِلْبَيْضِ وَالْبِيضِ الْقَوَاطِعِ وَالنّبْلِ

وَقَالَ ضِرَارُ بْنُ الْخَطّابِ بْنِ مِرْدَاسٍ، أَخُو بَنِي مُحَارِبِ بْنِ فِهْرٍ، فِي يَوْمِ بَدْرٍ:
عَجِبْتُ لِفَخْرِ الْأَوْسِ وَالْحَيْنُ دَائِرٌ ** عَلَيْهِمْ غَدًا وَالدّهْرُ فِيهِ بَصَائِرُ

وَفَخْرُ بَنِي النّجّارِ إنْ كَانَ مَعْشَرٌ ** أُصِيبُوا بِبَدْرٍ كُلّهُمْ ثَمّ صَابِرُ

فَإِنْ تَكُ قَتْلَى غُودِرَتْ مِنْ رِجَالِنَا ** فَإِنّا رِجَالٌ بَعْدَهُمْ سَنُغَادِرُ

وَتَرْدِي بِنَا الْجُرْدُ الْعَنَاجِيجُ وَسَطكُمْ ** بَنِي الْأَوْسِ حَتّى يَشْفِي النّفْسَ ثَائِرٌ

وَوَسْطَ بَنِي النّجّارِ سَوْفَ نَكُرّهَا ** لَهَا بِالْقَنَا وَالدّارِعِينَ زَوَافِر

فَنَتْرُكُ صَرْعَى تَعْصِبُ الطّيْرُ حَوْلَهُمْ ** وَلَيْسَ لَهُمْ إلّا الْأَمَانِيّ نَاصِرُ

وَتَبْكِيهِمْ مِنْ أَهْلِ يَثْرِبَ نِسْوَةٌ ** لَهُنّ بِهَا لَيْلٌ عَنْ النّوْمِ سَاهِرُ

وَذَلِك أَنّا لَا تَزَالُ سُيُوفُنَا ** بِهِنّ دَمٌ مِمّنْ يُحَارَبْنَ مَائِرُ

فَإِنْ تَظْفَرُوا فِي يَوْمِ بَدْرٍ فَإِنّمَا ** بِأَحْمَدَ أَمْسَى جَدّكُمْ وَهُوَ ظَاهِرُ

وَبِالنّفَرِ الْأَخْيَارِ هُمْ أَوْلِيَاؤُهُ ** يُحَامُونَ فِي الّلأْوَاءِ وَالْمَوْتُ حَاضِرُ

يُعَدّ أَبُو بَكْرٍ وَحَمْزَةُ فِيهِمْ ** وَيُدْعَى عَلِيّ وَسْطَ مَنْ أَنْتَ ذَاكِرُ

وَيُدْعَى أَبُو حَفْصٍ وَعُثْمَانُ مِنْهُمْ ** وَسَعْدٌ إذَا مَا كَانَ فِي الْحَرْبِ حَاضِرُ

أُولَئِكَ لَا مَنْ نَتّجَتْ فِي دِيَارِهَا ** بَنُو الْأَوْسِ وَالنّجّارِ حَيْنَ تُفَاخِرُ

وَلَكِنْ أَبُوهُمْ مِنْ لُؤَيّ بْنِ غَالِبٍ ** إذَا عُدّتْ الْأَنْسَابُ كَعْبٌ وَعَامِرُ

هُمْ الطّاعِنُونَ الْخَيْلَ فِي كُلّ مَعْرَكٍ ** غَدَاةَ الْهِيَاجِ الْأَطْيَبُونَ الْأَكَاثِرُ

فَأَجَابَهُ كَعْبُ بْنُ مَالِكٍ، أَخُو بَنِي سَلِمَةَ فَقَالَ:
عَجِبْتُ لِأَمْرِ اللّهِ وَاَللّهُ قَادِرٌ ** عَلَى مَا أَرَادَ لَيْسَ لِلّهِ قَاهِرُ

قَضَى يَوْمَ بَدْرٍ أَنْ نُلَاقِيَ مَعْشَرًا ** بَغَوْا وَسَبِيلُ الْبَغْي بِالنّاسِ جَائِرُ

وَقَدْ حَشَدُوا وَاسْتَنْفَرُوا مِنْ يَلِيهِمْ ** مِنْ النّاسِ حَتّى جَمْعُهُمْ مُتَكَاثَرُ

وَسَارَتْ إلَيْنَا لَا تُحَاوِلُ غَيْرَنَا ** بِأَجْمَعِهَا كَعْبٌ جَمِيعًا وَعَامِرُ

وَفِينَا رَسُولُ اللّهِ وَالْأَوْسُ حَوْلَهُ ** لَهُ مَعْقِلٌ مِنْهُمْ عَزِيزٌ وَنَاصِرُ

وَجَمْعُ بَنِي النّجّارِ تَحْتَ لِوَائِهِ ** يُمَشّوْنَ فِي الْمَاذِيّ وَالنّقْعُ ثَائِرُ

فَلَمّا لَقِينَاهُمْ وَكُلّ مُجَاهِدٌ ** لِأَصْحَابِهِ مُسْتَبْسِلُ النّفْسِ صَابِرُ

شَهِدْنَا بِأَنّ اللّهَ لَا رَبّ غَيْرُهُ ** وَأَنّ رَسُولَ اللّهِ بِالْحَقّ ظَاهِرُ

وَقَدْ عُرّيَتْ بِيضٌ خِفَافٌ كَأَنّهَا ** مَقَابِيسُ يُزْهِيهَا لِعَيْنَيْك شَاهِرُ

بِهِنّ أَبَدْنَا جَمْعَهُمْ فَتَبَدّدُوا ** وَكَانَ يُلَاقِي الْحَيْنَ مَنْ هُوَ فَاجِرُ

فَكُبّ أَبُو جَهْلٍ صَرِيعًا لِوَجْهِهِ ** وَعُتْبَةُ قَدْ غَادَرْنَهُ وَهُوَ عَاثِرُ

وَشَيْبَةُ وَالتّيْمِيّ غَادَرْنَ فِي الْوَغَى ** وَمَا مِنْهُمْ إلّا بِذِي الْعَرْشِ كَافِرُ

فَأَمْسَوْا وَقُودَ النّارِ فِي مُسْتَقَرّهَا ** وَكُلّ كَفَوْرٍ فِي جَهَنّمَ صَائِرُ

تَلَظّى عَلَيْهِمْ وَهِيَ قَدْ شَبّ حَمْيُهَا ** بِزُبَرِ الْحَدِيدِ وَالْحِجَارَةِ سَاجِرُ

وَكَانَ رَسُولُ اللّهِ قَدْ قَالَ أَقْبِلُوا ** فَوَلّوْا وَقَالُوا: إِنّمَا أَنْتَ سَاحِرُ

لِأَمْرِ أَرَادَ اللهُ أَنْ يَهْلَكُوا بِهِ ** وَلَيْسَ لِأَمْرٍ حَمّهُ اللهُ زَاجِرُ

وَقَالَ عَبْدُ اللّهِ بْنُ الزّبْعَرَى السّهْمِيّ يَبْكِي قَتْلَى بَدْرٍ: فَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَتُرْوَى لِلْأَعْشَى بْنِ زُرَارَةَ بْنِ النّبّاشِ أَحَدُ بَنِي أُسَيْد بْنِ عَمْرِو بْنِ تَمِيمٍ حَلِيفُ بَنِي نَوْفَلِ بْنِ عَبْدِ مَنَافٍ. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: حَلِيفُ بَنِي عَبْدِ الدّارِ:
مَاذَا عَلَى بَدْرٍ وَمَاذَا حَوْلَهُ ** مِنْ فِتْيَةٍ بِيضِ الْوُجُوهِ كِرَامٍ

تَرَكُوا نُبَيْهًا خَلْفَهُمْ وَمُنَبّهًا ** وَابْنَيْ رَبِيعَةَ خَيْرَ خَصْمٍ فِئَام

وَالْحَارِثَ الْفَيّاضَ يَبْرُقُ وَجْهُهُ ** كَالْبَدْرِ جَلّى لَيْلَةَ الْإِظْلَامِ

وَالْعَاصِيَ بْنَ مُنَبّهٍ ذَا مِرّةٍ ** رُمْحًا تَمِيمًا غَيْرَ ذِي أَوْصَام

تَنَمّى بَهْ أَعْرَاقُهُ وَجُدُودُهُ ** وَمَآثِرُ الْأَخْوَالِ وَالْأَعْمَامِ

وَإِذَا بَكَى بَاكٍ فَأَعْوَل شَجْوَهُ ** فَعَلَى الرّئِيسِ الْمَاجِدِ ابْنِ هِشَامِ

حَيّا الْإِلَهُ أَبَا الْوَلِيدِ وَرَهْطَهُ ** رَبّ الْأَنَامِ وَخَصّهُمْ بِسَلَامِ

فَأَجَابَهُ حَسّانُ بْنُ ثَابِتٍ الْأَنْصَارِيّ، فَقَالَ:
ابْكِ بَكَتْ عَيْنَاك ثُمّ تَبَادَرَتْ ** بِدَمِ تُعَلّ غُرُوبُهَا سَجّام

مَاذَا بَكَيْتَ بِهِ الّذِينَ تَتَايَعُوا ** هَلّا ذَكَرْتَ مَكَارِمَ الْأَقْوَامِ

وَذَكَرْتَ مِنّا مَاجِدًا ذَا هِمّةٍ ** سَمْحَ الْخَلَائِقِ صَادِقَ الْإِقْدَامِ

أَعْنِي النّبِيّ أَخَا الْمَكَارِمِ وَالنّدَى ** وَأَبَرّ مَنْ يُولَى عَلَى الْإِقْسَامِ

فَلِمِثْلِهِ وَلِمِثْلِ مَا يَدْعُو لَهُ ** كَانَ الْمُمَدّحَ ثَمّ غَيْرُ كَهَام

.[شِعْرٌ لِحَسّانَ فِي بَدْرٍ أَيْضًا]:

وَقَالَ حَسّانُ بْنُ ثَابِتٍ الْأَنْصَارِيّ أَيْضًا:
تَبَلَتْ فُؤَادَك فِي الْمَنَامِ خَرِيدَةً ** تَسْقِى الضّجِيعَ بِبَارِدِ بَسّامِ

كَالْمِسْكِ تَخْلِطُهُ بِمَاءِ سَحَابَةٍ ** أَوْ عَاتِقٍ كَدَمِ الذّبِيحِ بَيّحَ مُدَام

نُفُجُ الْحَقِيبَةِ بُوصُهَا مُتَنَضّدٌ ** بَلْهَاءُ غَيْرُ وَشِيكَةِ الْأَقْسَامِ

بُنِيَتْ عَلَى قَطَنٍ أَجَمّ كَأَنّهُ ** فُضُلًا إذَا قَعَدَتْ مَدَاكُ رُخَامِ

وَتَكَادُ تَكْسَلُ أَنْ تَجِئْ فِرَاشُهَا ** فِي جِسْمِ خَرْعَبَة وَحُسْن قَوَام

أَمّا النّهَارَ فَلَا أُفَتّرُ ذِكْرَهَا ** وَاللّيْلُ تُوزِعُنِي بِهَا أَحْلَامِي

أَقْسَمْتَ أَنْسَاهَا وَأَتْرُكُ ذِكْرَهَا ** حَتّى تُغَيّبَ فِي الضّرِيحِ عِظَامِي

يَا مَنْ لِعَاذِلَةٍ تَلُومُ سَفَاهَةً ** وَلَقَدْ عَصَيْتُ عَلَى الْهَوَى لُوّامِي

بَكَرَتْ عَلَيّ بِسُحْرَةٍ بَعْدَ الْكَرَى ** وَتَقَارُبٍ مِنْ حَادِثِ الْأَيّامِ

زَعَمَتْ بِأَنّ الْمَرْءَ يَكْرُبُ عُمْرَهُ ** عَدَمٌ لِمُعْتَكِرٍ مِنْ الْأَصْرَامِ

إنّ كُنْتِ كَاذِبَةَ الّذِي حَدّتْتِنِي ** فَنَجَوْتِ مَنْجَى الْحَارِثِ بْنِ هِشَامِ

تَرَك الْأَحِبّة أَنْ يُقَاتِلَ دُونَهُمْ ** وَنَجَا بِرَأْسِ طِمرّة وَلِجَامِ

تَذَر الْعَنَاجِيجُ الْجِيَادُ بِقَفْرَةٍ ** مَرّ الدّمُوكِ بِمُحْصَدٍ وَرِجَامِ

مَلَأَتْ بِهِ الْفَرْجَيْنِ فَارْمَدّتْ بِهِ ** وَثَوَى أَحِبّتُهُ بِشَرّ مَقَامِ

وَبَنُو أَبِيهِ وَرَهْطُهُ فِي مَعْرَكٍ ** نَصَرَ الْإِلَهُ بِهِ ذَوِي الْإِسْلَامِ

طَحَنَتْهُمْ وَاَللّهُ يُنْفِذُ أَمْرَهُ ** حَرْبٌ يُشَبّ سَعِيرُهَا بِضِرَامِ

لَوْلَا الْإِلَهُ وَجَرْيُهَا لَتَرَكْنَهُ ** جَزَرَ السّبَاعِ وَدُسْنَهُ بحَوَامِي

مِنْ بَيْنَ مَأْسُورٍ يُشَدّ وَثَاقُهُ ** صَقْرٍ إذَا لَاقَى الْأَسِنّةَ حَامِي

وَمُجَدّلٍ لَا يَسْتَجِيبُ لِدَعْوَةٍ ** حَتّى تَزُولَ شَوَامِخُ الْأَعْلَامِ

بِالْعَارِ وَالذّلّ الْمُبَيّنِ إذْ رَأَى ** بِيضَ السّيُوفِ تَسُوقُ كُلّ هُمَامِ

بِيَدَيْ أَغَرّ إذَا انْتَمَى لَمْ يُخْزِهِ ** نَسَبُ الْقِصَارِ سَمَيْدَع مِقْدَامِ

بِيضٌ إذَا لَاقَتْ حَدِيدًا صَمّمَتْ ** كَالْبَرْقِ تَحْتَ ظِلَالِ كُلّ غَمَامِ
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://el-quran.ahlamontada.com
Admin
Admin
Admin


المساهمات : 4240
تاريخ التسجيل : 20/01/2018

كتاب السيرة النبوية۞ لعبد الملك ابن هشام ۞«المؤرخ» ​ - صفحة 2 Empty
مُساهمةموضوع: رد: كتاب السيرة النبوية۞ لعبد الملك ابن هشام ۞«المؤرخ» ​   كتاب السيرة النبوية۞ لعبد الملك ابن هشام ۞«المؤرخ» ​ - صفحة 2 Emptyالأحد مارس 04, 2018 6:38 am

كتاب السيرة النبوية۞ لعبد الملك ابن هشام ۞«المؤرخ» ​ - صفحة 2 SeeretIbenHisham

.[شِعْرُ الْحَارِثِ فِي الرّدّ عَلَى حَسّانَ]:

فَأَجَابَهُ الْحَارِثُ بْنُ هِشَامٍ، فِيمَا ذَكَرَ ابْنُ هِشَامٍ، فَقَالَ:
اللّهُ أَعْلَمُ مَا تَرَكْتُ قِتَالَهُم ْ ** حَتّى حَبَوْا مُهْرِي بِأَشْقَرَ مُزْبِد

وَعَرَفْتُ أَنّي إنْ أُقَاتِلْ وَاحِدًا ** أُقْتَلْ وَلَا يَنْكِي عَدُوّي مَشْهَدِي

فَصَدَدْتُ عَنْهُمْ وَالْأَحِبّةُ فِيهِمْ ** طَمَعًا لَهُمْ بِعِقَابِ يَوْمٍ مُفْسِدٍ

قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: قَالَهَا الْحَارِثُ يَعْتَذِرُ مِنْ فِرَارِهِ يَوْمَ بَدْرٍ. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: تَرَكْنَا مِنْ قَصِيدَةِ حَسّانَ ثَلَاثَةَ أَبْيَاتٍ مِنْ آخِرِهَا، لِأَنّهُ أَقْذَعَ فِيهَا.
.[شِعْرٌ لِحَسّانَ فِيهَا أَيْضًا]:

قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَقَالَ حَسّانُ بْنُ ثَابِتٍ أَيْضًا:
لَقَدْ عَلِمَتْ قُرَيْشٌ يَوْمَ بَدْرٍ ** غَدَاةَ الْأَسْرِ وَالْقَتْلِ الشّدِيدِ

بِأَنّا حَيْنَ تَشْتَجِرُ الْعَوَالِي ** حُمَاةُ الْحَرْبِ يَوْمَ أَبِي الْوَلِيدِ

قَتَلْنَا ابْنَيْ رَبِيعَةَ يَوْمَ سَارا ** إلَيْنَا فِي مُضَاعَفَةِ الْحَدِيدِ

وَفَرّ بِهَا حَكِيمٌ يَوْمَ جَالَتْ ** بَنُو النّجّارِ تَخْطِرُ كَالْأُسُودِ

وَوَلّتْ عِنْدَ ذَاكَ جَمُوعُ فِهْرٍ ** وَأَسْلَمَهَا الْحُوَيْرِث مِنْ بِعِيدِ

لَقَدْ لَاقَيْتُمْ ذُلّا وَقَتْلًا ** جَهِيزًا نَافِذًا تَحْتَ الْوَرِيدِ

وَكُلّ الْقَوْمِ قَدْ وَلّوْا جَمِيعًا ** وَلَمْ يَلْوُوا عَلَى الْحَسَبِ التّلِيدِ

وَقَالَ حَسّانُ بْنُ ثَابِتٍ أَيْضًا:
يَا حَارِ قَدْ عَوّلْتَ غَيْرَ مُعَوّلٍ ** عِنْدَ الْهِيَاجِ وَسَاعَةَ الْأَحْسَابِ

إذْ تَمْتَطِي سُرُحَ الْيَدَيْنِ نَجِيبَةً ** مَرْطَى الْجِرَاءِ طَوِيلَةَ الْأَقْرَابِ

وَالْقَوْمُ خَلْفَك قَدْ تَرَكْتَ قِتَالَهُمْ ** تَرْجُو النّجَاءَ وَلَيْسَ حَيْنَ ذَهَابِ

أَلّا عَطَفْت عَلَى ابْنِ أُمّك إذْ ثَوَى ** قَعْصَ الْأَسِنّةِ ضَائِعَ الْأَسْلَابِ

عَجّلَ الْمَلِيكُ لَهُ فَأَهْلَكَ جَمْعَهُ ** بِشَنَارِ مُخْزِيَةٍ وَسُوءِ عَذَابِ

قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: تَرَكْنَا مِنْهَا بَيْتًا وَاحِدًا أَقْذَعَ فِيهِ.
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَقَالَ حَسّانُ بْنُ ثَابِتٍ أَيْضًا:- قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَيُقَالُ بَلْ قَالَهَا عَبْدُ اللّهِ بْنُ الْحَارِثِ السّهْمِيّ:
مُسْتَشْعِرِي حَلَقِ الْمَاذِيّ يَقْدُمُهُمْ ** جَلْدُ النّحِيزَةِ مَاضٍ غَيْرُ رِعْدِيدِ

أَعْنِي رَسُولَ إلَهِ الْخَلْقِ فَضّلَهُ ** عَلَى الْبَرّيّةِ بِالتّقْوَى وَبِالْجُودِ

وَقَدْ زَعَمْتُمْ بِأَنْ تَحْمُوا ذِمَارَكُمْ ** وَمَاءُ بَدْرٍ زَعَمْتُمْ غَيْرُ مَوْرُودِ

ثُمّ وَرَدْنَا وَلَمْ نَسْمَعْ لِقَوْلِكُمْ ** حَتّى شَرِبْنَا رَوَاءً غَيْرَ تَصْرِيدِ

مُسْتَعْصِمِينَ بِحَبْلٍ غَيْرِ مُنْجَذِمٍ ** مُسْتَحْكَمٍ مِنْ حِبَالِ اللّهِ مَمْدُودِ

فِينَا الرّسُولُ وَفِينَا الْحَقّ نَتْبَعُهُ ** حَتّى الْمَمَاتِ وَنَصْرٌ غَيْرُ مَحْدُودِ

وَافٍ وَمَاضٍ شِهَابٌ يُسْتَضَاءُ بِهِ ** بَدْرٌ أَنَارَ عَلَى كُلّ الْأَمَاجِيدِ

قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: بَيْتُهُ مُسْتَعْصِمِينَ بِحَبْلٍ غَيْرِ مُنْجَذِمٍ عَنْ أَبِي زَيْدٍ الْأَنْصَارِيّ قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَقَالَ حَسّانُ بْنُ ثَابِتٍ أَيْضًا:
خَابَتْ بَنُو أَسَدٍ وَآبَ غُزّيهِم ** يَوْمَ الْقَلِيبِ بِسَوْءَةٍ وَفُضُوح

مِنْهُمْ أَبُو الْعَاصِي تَجَدّلَ مُقْعَصًا ** عَنْ ظَهْرِ صَادِقَةِ النّجَاءِ سَبُوحِ

حَيْنًا لَهُ مِنْ مَانِعٍ بِسِلَاحِهِ ** لَمّا ثَوَى بِمَقَامِهِ الْمَذْبُوحِ

وَالْمَرْءُ زَمْعَةُ قَدْ تَرَكْنَ وَنَحْرُهُ ** يَدْمَى بِعَانِدٍ مُعْبَطٍ مَسْفُوحِ

مُتَوَسّدًا حُرّ الْجَبِينِ مُعَفّرًا ** قَدْ عُرّ مَارِن أَنْفِهِ بِقُبُوحِ

وَنَجَا ابْنُ قَيْسٍ فِي بَقِيّةَ رَهْطِهِ ** بِشَفَا الرّمَاقِ مُوَلّيًا بِجُرُوحِ

وَقَالَ حَسّانُ بْنُ ثَابِتٍ أَيْضًا:
أَلَا لَيْتَ شِعْرِي هَلْ أَتَى أَهْلَ مَكّةَ ** إبَارَتُنَا الْكُفّار فِي سَاعَةِ الْعُسْرِ

قَتَلْنَا سَرَاةَ الْقَوْمِ عِنْدَ مَجَالِنَا ** فَلَمْ يَرْجِعُوا إلّا بِقَاصِمَةِ الظّهْرِ

قَتَلْنَا أَبَا جَهْلٍ وَعُتْبَة قَبْلَهُ ** وَشَيْبَةُ يَكْبُو لِلْيَدَيْنِ وَلِلنّحْرِ

قَتَلْنَا سُوَيْدًا ثُمّ عُتْبَة بَعْدَهُ ** وَطُعْمَة أَيْضًا عِنْدَ ثَائِرَةِ الْقَتْرِ

فَكَمْ قَدْ قَتَلْنَا مِنْ كَرِيمٍ مُرَزّإٍ ** لَهُ حَسَبٌ فِي قَوْمِهِ نَابَهُ الذّكْرُ

تَرَكْنَاهُمْ لِلْعَاوِيَاتِ يَنُبْنَهُمْ ** وَيَصْلَوْنَ نَارًا بَعْدُ حَامِيَةَ الْقَعْرِ

لَعَمْرُك مَا حَامَتْ فَوَارِسُ مَالِكٍ ** وَأَشْيَاعُهُمْ يَوْمَ الْتَقَيْنَا عَلَى بَدْرٍ

قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: أَنْشَدَنِي أَبُو زَيْدٍ الْأَنْصَارِيّ بَيْتَهُ قَتَلْنَا أَبَا جَهْلٍ وَعُتْبَة قَبْلَهُ وَشَيْبَةُ يَكْبُو لِلْيَدَيْنِ وَلِلنّحْرِ:
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَقَالَ حَسّانُ بْنُ ثَابِتٍ أَيْضًا:
نَجّى حَكِيمًا يَوْمَ بَدْرٍ شَدّهُ ** كَنَجَاءِ مُهْرٍ مِنْ بَنَاتِ الْأَعْوَجِ

لَمّا رَأَى بَدْرًا تَسِيلُ جِلَاهُهُ ** بِكَتِيبَةٍ خَضْرَاءَ مِنْ بَلْخَزْرَج

لَا يَنْكُلُونَ إذَا لَقُوا أَعْدَاءَهُمْ ** يَمْشُونَ عَائِدَةَ الطّرِيقِ الْمَنْهَج

كَمْ فِيهِمْ مِنْ مَاجِدٍ ذِي مَنْعَةٍ ** بَطَل بِمَهْلَكَةِ الْجَبَانِ الْمُحْرَجِ

وَمُسَوّدٍ يُعْطِي الْجَزِيلَ بِكَفّهِ ** حَمّالَ أَثْقَالِ الدّيَاتِ مُتَوّجٍ

زَيْنِ النّدِيّ مُعَاوِدٍ يَوْمَ الْوَغَى ** ضَرْبَ الْكُمَاةِ بِكُلّ أَبْيَضَ سَلْجَج

قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: قَوْلُهُ سَلَجج، عَنْ غَيْرِ ابْنِ إسْحَاقَ. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَقَالَ حَسّانُ أَيْضًا:
فَمَا نَخْشَى بِحَوْلِ اللّهِ قَوْمًا ** وَإِنْ كَثُرُوا وَأُجْمِعَتْ الزّحُوفُ

إذَا مَا أَلّبُوا جَمْعًا عَلَيْنَا ** كَفَانَا حَدّهُمْ رَبّ رَءُوفٌ

سَمَوْنَا يَوْمَ بَدْرٍ بِالْعَوَالِي ** سِرَاعًا مَا تُضَعْضِعُنَا الْحُتُوفُ

فَلَمْ تَرَ عُصْبَةً فِي النّاسِ أَنْكَى ** لِمَنْ عَادَوْا إذَا لَقِحَتْ كُشُوفٌ

وَلَكِنّا تَوَكّلْنَا وَقُلْنَا ** مَآثِرُنَا وَمَعْقِلُنَا السّيُوفُ

لَقِينَاهُمْ بِهَا لَمّا سَمَوْنَا ** وَنَحْنُ عِصَابَةٌ وَهُمْ أُلُوفٌ

وَقَالَ حَسّانُ بْنُ ثَابِتٍ أَيْضًا، يَهْجُو بَنِي جُمَحَ وَمَنْ أُصِيبَ مِنْهُمْ:
جَمَحَتْ بَنُو جُمَحٍ لِشِقْوَةِ جَدّهِمْ ** إنّ الذّلِيلَ مُوَكّلٍ بِذَلِيلٍ

قُتِلَتْ بَنُو جُمَحٍ بِبَدْرٍ عَنْوَةً ** وَتَخَاذَلُوا سَعْيًا بِكُلّ سَبِيلٍ

جَحَدُوا الْكِتَابَ وَكَذّبُوا بِمُحَمّدٍ ** وَاَللّهُ يُظْهِرُ دِينَ كُلّ رَسُولٍ

لَعَنَ الْإِلَهُ أَبَا خُزَيْمَةَ وَابْنَهُ ** وَالْخَالِدَيْنِ وَصَاعِدَ بْنَ عَقِيل

.[شِعْرُ عَبِيدَةَ بْنِ الْحَارِثِ فِي قَطْعِ رِجْلِهِ]:

قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَقَالَ عُبَيْدَةُ بْنُ الْحَارِثِ بْنِ الْمُطّلِبِ فِي يَوْمِ بَدْر ٍ، وَفِي قَطْعِ رِجْلِهِ حَيْنَ أُصِيبَتْ فِي مُبَارَزَتِهِ هُوَ وَحَمْزَةُ وَعَلِيّ حِينَ بَارَزُوا عَدُوّهُمْ- قَالَ ابْنُ هِشَامٍ، وَبَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ بِالشّعْرِ يُنْكِرُهَا لِعُبَيْدَة:
سَتَبْلُغُ عَنّا أَهْلَ مَكّةَ وَقْعَةٌ ** يَهُبّ لَهَا مَنْ كَانَ عَنْ ذَاكَ نَائِيًا

بِعُتْبَة إذْ وَلّى وَشَيْبَةُ بَعْدَهُ ** وَمَا كَانَ فِيهَا بِكْر عُتْبَة رَاضِيًا

فَإِنْ تَقْطَعُوا رِجْلِي فَإِنّى مُسْلِمٌ ** أُرَجّي بِهَا عَيْشًا مِنْ اللّهِ دَانِيًا

مَعَ الْحُورِ أَمْثَالَ التّمَاثِيلِ أُخْلِصَتْ ** مَعَ الْجَنّةِ الْعُلْيَا لِمَنْ كَانَ عَالِيًا

وَبِعْتُ بِهَا عَيْشًا تَعَرّقْتُ صَفْوَهُ ** وَعَالَجْتُهُ حَتّى فَقَدْتُ الْأَدَانِيَا

فَأَكْرَمَنِي الرّحْمَنُ مِنْ فَضْلِ مَنّهِ ** بِئَوْب مِنْ الْإِسْلَامِ غَطّى الْمُسَاوِيَا

وَمَا كَانَ مَكْرُوهًا إلَيّ قِتَالُهُمْ ** غَدَاةَ دَعَا الْأَكْفَاءَ مَنْ كَانَ دَاعِيًا

وَلَمْ يَبْغِ إذْ سَالُوا النّبِيّ سَوَاءَنَا ** ثَلَاثَتنَا حَتّى حَضَرْنَا الْمُنَادِيَا

لَقِينَاهُمْ كَالْأُسْدِ تَخْطِرُ بِالْقَنَا ** نُقَاتِلُ فِي الرّحْمَنِ مَنْ كَانَ عَاصِيَا

فَمَا بَرِحَتْ أَقْدَامُنَا مِنْ مَقَامِنَا ** ثَلَاثَتُنَا حَتّى أَزِيرُوا الْمَنَائِيَا

قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: لَمّا أُصِيبَتْ رِجْلُ عَبِيدَةَ قَالَ أَمَا وَاَللّهِ لَوْ أَدْرَكَ أَبُو طَالِبٍ هَذَا الْيَوْمَ لَعَلِمَ أَنّي أَحَقّ مِنْهُ بِمَا قَالَ حِينَ يَقُولُ:
كَذَبْتُمْ وَبَيْتِ اللّهِ يُبْزَى مُحَمّدٌ ** وَلَمّا نُطَاعِن دُونَهُ وَنُنَاضِلْ

وَنُسْلِمُهُ حَتّى نُصَرّعَ حَوْلَهُ ** وَنُذْهَل عَنْ أَبْنَائِنَا وَالْحَلَائِلِ

وَهَذَانِ الْبَيْتَانِ فِي قَصِيدَةٍ لِأَبِي طَالِبٍ وَقَدْ ذَكَرْنَاهَا فِيمَا مَضَى مِنْ هَذَا الْكِتَابِ.
.رِثَاءُ كَعْبٍ لِعَبِيدَةَ بْنِ الْحَارِثِ:

قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فَلَمّا هَلَكَ عَبِيدَة بْنُ الْحَارِثِ مِنْ مُصَابِ رِجْلِهِ يَوْمَ بَدْرٍ. قَالَ كَعْبُ بْنُ مَالِكٍ الْأَنْصَارِيّ يَبْكِيهِ:
أَيَا عَيْنُ جُودِي وَلَا تَبْخَلِي ** بِدَمْعِك حَقّا وَلَا تَنْزُرِي

عَلَى سَيّدٍ هَدّنَا هُلْكُهُ ** كَرِيمِ الْمَشَاهِدِ وَالْعُنْصُرِ

جَرِيءِ الْمُقَدّمِ شَاكِي السّلَاحِ ** كَرِيمِ النّثَا طَيّبِ الْمَكْسِرِ

عَبِيدَة أَمْسَى وَلَا نَرْتَجِيهِ ** لِعُرْفٍ عَرَانَا وَلَا مُنْكِرِ

وَقَدْ كَانَ يَحْمَى غَدَاةَ الْقِتَا ** لِ حَامِيَةَ الْجَيْشِ بِالْمُبْتَرِ

.[شِعْرٌ لِكَعْبِ فِي بَدْرٍ]:

وَقَالَ كَعْبُ بْنُ مَالِكٍ أَيْضًا، فِي يَوْمِ بَدْرٍ:
أَلَا هَلْ أَتَى غَسّانَ فِي نَأْيِ دَارِهَا ** وَأَخْبَرُ شَيْءٍ بِالْأُمُورِ عَلِيمُهَا

بِأَنْ قَدْ رَمَتْنَا عَنْ قِسِيّ عَدَاوَةٍ ** مُعَدّ مَعًا جُهّالُهَا وَحَلِيمُهَا

لِأَنّا عَبَدْنَا اللّهَ لَمْ نَرْجُ غَيْرَهُ ** رَجَاءَ الْجِنَانِ إذْ أَتَانَا زَعِيمُهَا

نَبِيّ لَهُ فِي قَوْمِهِ إرْثُ عِزّةٍ ** وَأَعْرَاقُ صِدْقٍ هَذّبَتْهَا أُرُومُهَا

فَسَارُوا وَسِرْنَا فَالْتَقَيْنَا كَأَنّنَا ** أُسُودُ لِقَاءٍ لَا يُرَجّى كَلِيمُهَا

ضَرَبْنَاهُمْ حَتّى هَوَى فِي مَكَرّنَا ** لِمَنْخِرِ سَوْءٍ مِنْ لُؤَيّ عَظِيمُهَا

فَوَلّوْا وَدُسْنَاهُمْ بِبِيضِ صَوَارِمِ ** سَوَاءٌ عَلَيْنَا حِلْفُهَا وَصَمِيمُهَا

وَقَالَ كَعْبُ بْنُ مَالِكٍ أَيْضًا:
لَعَمْرُ أَبِيكُمَا يَا بَنِي لُؤَيّ ** عَلَى زَهْوٍ لَدَيْكُمْ وَانْتِخَاءِ

لَمَا حَامَتْ فَوَارِسُكُمْ بِبَدْرٍ ** وَلَا صَبَرُوا بِهِ عِنْدَ اللّقَاءِ

وَرَدْنَاهُ بِنُورِ اللّهِ يَجْلُو ** دُجَى الظّلْمَاءِ عَنّا وَالْغِطَاءِ

رَسُولُ اللّهِ يَقْدُمُنَا بِأَمْرٍ ** مِنْ أَمْرِ اللّهِ أُحْكِمَ بِالْقَضَاءِ

فَمَا ظَفَرَتْ فَوَارِسُكُمْ بِبَدْرِ ** وَمَا رَجَعُوا إلَيْكُمْ بِالسّوَاءِ

فَلَا تَعْجَلْ أَبَا سُفْيَانَ وَارْقُبْ ** جِيَادَ الْخَيْلِ تَطْلُعُ مِنْ كَدَاءِ

بِنَصْرِ اللّهِ رُوحُ الْقُدْسِ فِيهَا ** وَمِيكَالُ فَيَا طِيبَ الْمَلَاءِ

.[شِعْرُ طَالِبٍ فِي مَدْحِ الرّسُولِ وَبُكَاءِ أَصْحَابِ الْقَلِيبِ]:

وَقَالَ طَالِبُ بْنُ أَبِي طَالِبٍ، يَمْدَحُ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَيَبْكِي أَصْحَابَ الْقَلِيبِ مِنْ قُرَيْشٍ يَوْمَ بَدْرٍ:
أَلَا إنّ عَيْنِي أَنْفَدَتْ دَمْعَهَا سَكْبًا ** تُبَكّي عَلَى كَعْبٍ وَمَا إنْ تَرَى كَعْبَا

أَلَا إنّ كَعْبًا فِي الْحُرُوبِ تَخَاذَلُوا ** وَأَرْدَاهُمْ ذَا الدّهْرُ وَاجْتَرَحُوا ذَنْبًا

وَعَامِرٌ تَبْكِي لِلْمُلِمّاتِ غُدْوَةً ** فَيَالَيْتَ شِعْرِي هَلْ أَرَى لَهُمَا قُرْبًا

هُمَا أَخَوَايَ لَنْ يُعَدّا لِغَيّةِ ** تُعَدّ وَلَنْ يُسْتَامُ جَارُهُمَا غَصْبَا

فَيَا أَخَوَيْنَا عَبْدَ شَمْسٍ وَنَوْفَلًا ** فِدًا لَكُمَا لَا تَبْعَثُوا بَيْنَنَا حَرْبًا

وَلَا تُصْبِحُوا مِنْ بَعْدِ وُدّ وَأُلْفَةٍ ** أَحَادِيثَ فِيهَا كُلّكُمْ يَشْتَكِي النّكْبَا

أَلَمْ تَعْلَمُوا مَا كَانَ فِي حَرْبِ دَاحِسٍ ** وَجَيْشِ أَبِي يَكْسُومٍ إذْ مَلَئُوا الشّعْبَا

فَلَوْلَا دِفَاعُ اللّهِ لَا شَيْءَ غَيْرُهُ ** لَأَصْبَحْتُمْ لَا تَمْنَعُونَ لَكُمْ سِرْبًا

فَمَا إنْ جَنَيْنَا فِي أَقُرَيْشٌ عَظِيمَةً ** سِوَى أَنْ حَمَيْنَا خَيْرَ مَنْ وَطِئَ التّرْبَا

أَخَا ثِقَةٍ فِي النّائِبَاتِ مُرَزّأً ** كَرِيمًا نَثَاهُ لَا بَخِيلًا وَلَا ذَرْبًا

يُطِيفُ بِهِ الْعَافُونَ يَغْشَوْنَ بَابَهُ ** يَؤُمّونَ بَحْرًا لَا نَزُورًا وَلَا صَرْبًا

فَوَاَللّهِ لَا تَنْفَكّ نَفْسِي حَزِينَةً ** تَمَلْمُلُ حَتّى تَصْدُقُوا الْخَزْرَجَ الضّرْبَا

.[شِعْرُ ضِرَارٍ فِي رِثَاءِ أَبِي جَهْلٍ]:

وَقَالَ ضِرَارُ بْنُ الْخَطّابِ الْفِهْرِيّ يَرْثِي أَبَا جَهْلٍ:
أَلَا مَنْ لَعَيْنٍ بَاتَتْ اللّيْلَ لَمْ تَنَمْ ** تُرَاقِبُ نَجْمًا فِي سَوَادٍ مِنْ الظّلَمْ

كَأَنّ قَذًى فِيهَا وَلَيْسَ بِهَا قَذًى ** سِوَى عَبْرَةٍ مِنْ جَائِلِ الدّمْعِ تَنْسَجِمْ

فَبَلّغْ قُرَيْشًا أَنّ خَيْرَ نَدِيّهَا ** وَأَكْرَمَ مَنْ يَمْشِي بِسَاقٍ عَلَى قَدَمْ

ثَوَى يَوْمَ بَدْرٍ رَهْنَ خَوْصَاءَ رَهْنُهَا ** كَرِيمُ الْمَسَاعِي غَيْرُ وَغْدٍ وَلَا بَرَمْ

فَآلَيْتُ لَا تَنْفَكّ عَيْنَيّ بِعَبْرَةٍ ** عَلَى هَالِكٍ بَعْدَ الرّئِيسِ أَبِي الْحَكَمْ

عَلَى هَالِكٍ أَشْجَى لُؤَيّ بْنَ غَالِبٍ ** أَتَتْهُ الْمَنَايَا يَوْمَ بَدْرٍ فَلَمْ يَرِمْ

تَرَى كِسَرَ الْخَطّيّ فِي نَحْرِ مُهْرِهِ ** لَدَى بَائِنٍ مِنْ لَحْمِهِ بَيْنَهَا خِذَمْ

وَمَا كَانَ لَيْثٌ سَاكِنٌ بَطْنَ بِيشَةٍ ** لَدَى غَلَلٍ يَجْرِي بِبَطْحَاءَ فِي أَجَمْ

بِأَجْرَأَ مِنْهُ حِينَ تَخْتَلِفُ الْقَنَا ** وَتُدْعَى نَزَالِ فِي الْقَمَاقِمَة الْبُهَمْ

فَلَا تَجْزَعُوا آلَ الْمُغِيرَةِ وَاصْبِرُوا ** عَلَيْهِ وَمَنْ يَجْزَعْ عَلَيْهِ فَلَمْ يُلَمْ

وَجِدّوا فَإِنّ الْمَوْتَ مَكْرُمَةٌ لَكُمْ ** وَمَا بَعْدَهُ فِي آخِرِ الْعَيْشِ مِنْ نَدَمْ

وَقَدْ قُلْتُ إنّ الرّيحَ طَيّبَةٌ لَكُمْ ** وَعِزّ الْمَقَامِ غَيْرُ شَكّ لِذِي فَهَمْ

قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَبَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ بِالشّعْرِ يُنْكِرُهَا لِضِرَارٍ.
.[شِعْرُ الْحَارِثِ بْنِ هِشَامٍ فِي رِثَاءِ أَبِي جَهْلٍ]:

قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَقَالَ الْحَارِثُ بْنُ هِشَامٍ، يَبْكِي أَخَاهُ أَبَا جَهْلٍ:
أَلَا يَا لَهْفَ نَفْسِي بَعْدَ عَمْرٍو ** وَهَلْ يُغْنِي التّلَهّفُ مِنْ قَتِيلِ

يُخْبِرُنِي الْمُخَبّرُ أَنّ عَمْرًا ** أَمَامَ الْقَوْمِ فِي جَفْرٍ مُحِيلِ

فَقِدْمًا كُنْتُ أَحْسِبُ ذَاكَ حَقّا ** وَأَنْتَ لِمَا تَقَدّمَ غَيْرُ فِيلِ

وَكُنْتُ بِنِعْمَةِ مَا دُمْتَ حَيّا ** فَقَدْ خُلّفْت فِي دَرَجِ الْمَسِيلِ

كَأَنّ حِينَ أُمْسِي لَا أَرَاهُ ** ضَعِيفُ الْعَقْدِ ذُو هَمّ طَوِيلِ

عَلَى عَمْرٍو إذَا أَمْسَيْتُ يَوْمًا ** وَطَرْفٌ مَنْ تَذَكّرِهِ كَلِيلِ

قَالَ ابْنُ هِشَامِ: وَبَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ بِالشّعْرِ يُنْكِرُهَا لِلْحَارِثِ بْنِ هِشَامٍ وَقوله: فِي جَفْرٍ عَنْ غَيْرِ ابْنِ إسْحَاقَ.
.[شِعْرُ ابْنِ الْأَسْوَدِ فِي بُكَاءِ قَتْلَى بَدْرٍ]:

قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَقَالَ أَبُو بَكْرِ بْنُ الْأَسْوَدِ بْنِ شُعُوبٍ اللّيْثِيّ وَهُوَ شَدّادُ بْنُ الْأَسْوَدِ:
تُحَيّي بِالسّلَامَةِ أُمّ بَكْرٍ ** وَهَلْ لِي بَعْدَ قَوْمِي مِنْ سَلَامِ

فَمَاذَا بِالْقَلِيبِ قَلِيبِ بَدْرٍ ** مِنْ الْقَيْنَاتِ وَالشّرْبِ الْكِرَامِ

وَمَاذَا بِالْقَلِيبِ قَلِيبِ بَدْرٍ ** مِنْ الشّيزَى تُكَلّلُ بِالسّنَامِ

وَكَمْ لَكِ بِالطّوِيّ طَوِيّ بَدْرٍ ** مِنْ الْحَوْمَاتِ وَالنّعَمِ الْمُسَامِ

وَكَمْ لَكِ بِالطّوِيّ طَوِيّ بَدْرٍ ** مِنْ الْغَايَاتِ وَالدّسُع الْعِظَامِ

وَأَصْحَابِ الْكَرِيمِ أَبِي عَلِيّ ** أَخِي الْكَاسِ الْكَرِيمَةِ وَالنّدَامِ

وَإِنّك لَوْ رَأَيْت أَبَا عَقِيلٍ ** وَأَصْحَابَ الثّنِيّةِ مِنْ نَعَامِ

إذًا لَظَلِلْت مِنْ وَجْدٍ عَلَيْهِمْ ** كَأُمّ السّقْبِ جَائِلَةِ الْمَرَامِ

يُخَبّرُنَا الرّسُولُ لَسَوْفَ نَحْيَا ** وَكَيْفَ لِقَاءُ أَصْدَاءٍ وَهَامِ؟

قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: أَنْشَدَنِي أَبُو عُبَيْدَةَ النّحْوِيّ:
يُخَبّرُنَا الرّسُولُ بِأَنْ سَنَحْيَا ** وَكَيْفَ حَيَاةُ أَصْدَاءٍ وَهَام

قَالَ وَكَانَ قَدْ أَسْلَمَ ثُمّ ارْتَدّ.
.[شِعْرُ أُمَيّةَ بْنِ أَبِي الصّلْتِ فِي رِثَاءِ قَتْلَى بَدْرٍ]:

وَقَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَقَالَ أُمَيّةُ بْنُ أَبِي الصّلْتِ، يَرْثِي مَنْ أُصِيبَ مِنْ قُرَيْشٍ يَوْمَ بَدْرٍ:
أَلّا بَكَيْتِ عَلَى الْكِرَا ** مِ بَنِي الْكِرَامِ أُولِي الْمَمَادِحْ

كَبُكَا الْحَمَامِ عَلَى فُرُو ** عِ الْأَيْكِ فِي الْغُصْنِ الْجَوانِحْ

يَبْكِينَ حَرّى مُسْتَكِي ** نَاتٍ يَرُحْنَ مَعَ الرّوَائِحْ

أَمْثَالُهُنّ الْبَاكِيَا ** تُ الْمُعْوِلَات مِنْ النّوَائِحْ

مَنْ يَبْكِهِمْ يَبْكِ عَلَى ** حُزْنٍ وَيَصْدُق كُلّ مَادِحْ

مَاذَا بِبَدْرٍ فَالْعَقَن ** جَحَاجِحْ

فَمَدَافِعُ الْبَرَقَيْنِ فَالْح ** الْأَوَاشِحْ

شُمْطٍ وَشُبّانٍ بِهَا ** لَيْلٍ مَغَاوِيرَ وَحَاوِحْ

أَلَا تَرَوْنَ لِمَا أَرَى ** وَلَقَدْ أَبَانَ لِكُلّ لَامِحْ

أَنْ قَدْ تَغَيّرَ بَطْنُ مَكّةَ ** فَهِيَ مُوحِشَةُ الْأَبَاطِحْ

مِنْ كُلّ بِطْرِيقٍ لِبِطْرِيقٍ ** نَقِيّ الْقَوْنِ وَاضِحْ

دُعْمُوص أَبْوَابِ الْمُلُوّ ** كِ وَجَائِبٌ لِلْخَرْقِ فَاتِحْ

مِنْ السّرَاطِمَةِ الْخَلَا ** جِمَةِ الْمَلَاوِثَةِ الْمَنَاجِحْ

الْقَائِلِينَ الْفَاعِلِينَ ** الْآمِرِينَ بِكُلّ صَالِحْ

الْمُطْعِمِينَ الشّحْمَ فَوْ ** قَ الْخُبْزِ شَحْمًا كَالْأَنَافِحْ

نُقُلُ الْجِفَانِ مَعَ الْجِفَا ** نِ إلَى جِفَانٍ كَالْمَنَاضِحْ

لَيْسَتْ بِأَصْفَارٍ لِمَنْ ** يَعْفُو وَلَا رَحّ رَحَارِحْ

لِلضّيْفِ ثُمّ الضّيْفِ بَعْدَ ** الضّيْفِ وَالْبُسُطِ السّلَاطِحْ

وُهُبُ الْمِئيِنَ مِنْ الْمِئيِنَ ** إلَى الْمِئيِنَ مِنْ اللّوَاقِحْ

سَوْقُ الْمُؤَبّلِ لِلْمُؤَبّلِ ** صَادِرَاتٌ عَنْ بَلَادِحْ

لِكِرَامِهِمْ فَوْقَ الْكِرَا ** مِ مَزِيّةٌ وَزْنَ الرّوَاجِحْ

كَتَثَاقُلِ الْأَرْطَالِ بِالْقِسْطَاسِ ** فِي الْأَيْدِي الْمَوَائِحْ

خَذَلَتْهُمْ فِئَةٌ وَهُمْ ** يَحْمُونَ عَوْرَاتِ الْفَضَائِحْ

الضّارِبِينَ التّقُدُمِيّةَ ** بِالْمُهَنّدَةِ الصّفَائِحْ

وَلَقَدْ عَنَانِي صَوْتُهُمْ ** مِنْ بَيْنِ مُسْتَسْقٍ وَصَائِحْ

لِلّهِ دَرّ بَنِي عَ ** لِيّ أَيّمٍ مِنْهُمْ وَنَاكِحْ

إنْ لَمْ يُغِيرُوا غَارَةً ** شَعْوَاءَ تُجْحِرُ كُلّ نَابِحْ

بِالْمُقْرَبَاتِ الْمُبْعَدَا ** تِ الطّامِحَاتِ مَعَ الطّوَامِحْ

مُرْدًا عَلَى جُرْدٍ إلَى ** أَسَدٍ مُكَالِبَةٍ كَوَالِحْ

وَيُلَاقِ قِرْنٌ قِرْنَهُ ** مَشْيَ الْمُصَافِحِ لِلْمُصَافِحْ

بِزُهَاءِ أَلْفٍ ثُمّ أَلْفٍ ** بَيْنَ ذِي بَدَنٍ وَرَامِحْ

قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: تَرَكْنَا مِنْهَا بَيْتَيْنِ نَالَ فِيهِمَا مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ. وَأَنْشَدَنِي غَيْرُ وَاحِدٍ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ بِالشّعْرِ بَيْتَهُ:
وَيُلَاقِ قِرْنٌ قِرْنَهُ ** مَشْيَ الْمُصَافِحِ لِلْمُصَافِحْ

وَأَنْشَدَنِي أَيْضًا:
وُهُبُ الْمِئيِنَ مِنْ الْمِئيِنَ ** إلَى الْمِئيِنَ مِنْ اللّوَاقِحْ

سَوْقُ الْمُؤَبّلِ لِلْمُؤَبّلِ ** صَادِرَاتٌ عَنْ بَلَادِحْ

قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَقَالَ أُمَيّةُ بْنُ أَبِي الصّلْتِ، يَبْكِي زَمْعَةَ بْنَ الْأَسْوَدِ، وَقَتْلَى بَنِي أَسَدٍ:
عَيْنُ بَكّي بِالْمُسْبِلَاتِ أَبَا الْحَ ** ارِثِ لَا تَذْخَرِي عَلَى زَمْعَهْ

وَابْكِي عَقِيلَ بْنَ أَسْوَد أَسَدَ ال ** وَالدّفَعَهْ

تِلْكَ بَنُو أَسَدٍ إخْوَةِ الْجَوْ ** زَاءِ لَا خَانَةٌ وَلَا خَدَعَهْ

هُمْ الْأُسْرَةُ الْوَسِيطَةُ مِنْ كَعْبٍ ** وَهُمْ ذِرْوَةُ السّنَامِ وَالْقَمَعَهْ

أَنْبَتُوا مِنْ مَعَاشِر شَعَرَ ال ** رّأْسِ وَهُمْ أَلْحَقُوهُمْ الْمَنَعَهْ

أَمْسَى بَنُو عَمّهِمْ إذَا حَضَرَ الْب ** وَجِعَهْ

وَهُمْ الْمُطْعِمُونَ إذْ قَحَطَ الْقَطْ ** رُ وَحَالَتْ فَلَا تَرَى قَزَعَهْ

قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: هَذِهِ الرّوَايَةُ لِهَذَا الشّعْرِ مُخْتَلِطَةٌ لَيْسَتْ بِصَحِيحَةِ الْبِنَاءِ لَكِنْ أَنْشَدَنِي أَبُو مُحْرِزٍ خَلَفُ الْأَحْمَرُ وَغَيْرُهُ رَوَى بَعْضٌ مَا لَمْ يَرْوِ بَعْضٌ:
عَيْنُ بَكّي بِالْمُسْبَلَاتِ أَبَا الْحَا ** رِثِ لَا تَذْخَرِي عَلَى زَمْعَهْ

وَعَقِيلَ بْنَ أَسْوَدَ أَسَدَ الْبَأْ ** سِ لِيَوْمِ الْهِيَاجِ وَالدّفَعَهْ

فَعَلَى مِثْلِ هُلْكِهِمْ خَوَتْ الْجَوْ ** زَاءُ لَا خَانَةٌ وَلَا خَدَعَهْ

وهُمْ الْأُسْرَةُ الْوَسِيطَةُ مِنْ كَعْبٍ ** وَفِيهِمْ كَذِرْوَةِ الْقَمَعَهْ

أَنْبَتُوا مِنْ مَعَاشِرَ شَعَرَ الرّأ ** الْمَنَعَهْ

فَبَنُو عَمّهِمْ إذَا حَضَرَ الْبَأْ ** سُ عَلَيْهِمْ أَكْبَادُهُمْ وَجِعَهْ

وَهُمْ الْمُطْعِمُونَ إذْ قَحَطَ الْقَطْرُ ** وَحَالَتْ فَلَا تَرَى قَزَعَهْ
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://el-quran.ahlamontada.com
Admin
Admin
Admin


المساهمات : 4240
تاريخ التسجيل : 20/01/2018

كتاب السيرة النبوية۞ لعبد الملك ابن هشام ۞«المؤرخ» ​ - صفحة 2 Empty
مُساهمةموضوع: رد: كتاب السيرة النبوية۞ لعبد الملك ابن هشام ۞«المؤرخ» ​   كتاب السيرة النبوية۞ لعبد الملك ابن هشام ۞«المؤرخ» ​ - صفحة 2 Emptyالأحد مارس 04, 2018 6:39 am

كتاب السيرة النبوية۞ لعبد الملك ابن هشام ۞«المؤرخ» ​ - صفحة 2 SeeretIbenHisham

.[شِعْرُ أَبِي أُسَامَةَ]:

قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَقَالَ أَبُو أُسَامَةَ، مُعَاوِيَةُ بْنُ زُهَيْرِ بْنِ قَيْسِ بْنِ الْحَارِثِ ضُبَيْعَةَ بْنِ مَازِنٍ بْنِ عَدِيّ بْنِ جُشَمَ بْنِ مُعَاوِيَةَ حَلِيفُ بَنِي مَخْزُومٍ- قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَكَانَ مُشْرِكًا وَكَانَ مَرّ بهُبَيْرَةَ بْنِ أَبِي وَهْبٍ وَهُمْ مُنْهَزِمُونَ يَوْمَ بَدْر ٍ، وَقَدْ أَعْيَا هُبَيْرَةُ فَقَامَ فَأَلْقَى عَنْهُ دِرْعَهُ وَحَمَلَهُ فَمَضَى بِهِ قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَهَذِهِ أَصَحّ أَشْعَارِ أَهْلِ بَدْرٍ:
وَلَمّا أَنْ رَأَيْت الْقَوْمَ خَفّوا ** وَقَدْ زَالَتْ نَعَامَتُهُمْ لِنَفْرِ

وَأَنْ تُرِكَتْ سَرَاةُ الْقَوْمِ صَرْعَى ** كَأَنّ خِيَارَهُمْ أَذْبَاحُ عِتْرِ

وَكَانَتْ جُمّةٌ وَافَتْ حِمَامًا ** وَلُقّينَا الْمَنَايَا يَوْمَ بَدْرِ

نَصُدّ عَنْ الطّرِيقِ وَأَدْرَكُونَا ** كَأَنّ زُهَاءَهُمْ غَطَيَانُ بَحْرِ

وَقَالَ الْقَائِلُونَ مَنْ ابْنُ قَيْسٍ ** فَقُلْتُ أَبُو أُسَامَةَ غَيْرَ فَخْرِ

أَنَا الْجُشَمِيّ كَيْمَا تَعْرِفُونِي ** أُبَيّنْ نِسْبَتِي نَقْرًا بِنَقْرِ

فَإِنْ تَكُ فِي الْغَلَاصِمِ مِنْ قُرَيْشٍ ** فَإِنّي مِنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ بَكْرِ

فَأَبْلِغْ مَالِكًا لَمّا غُشِينَا ** وَعِنْدَك مَالِ- إنْ نَبّأْتَ- خُبْرَى

وَأَبْلِغْ إنْ بَلَغْتَ الْمَرْءَ عَنّا ** هُبَيْرَةَ وَهُوَ ذُو عِلْمٍ وَقَدْرِ

بِأَنّي إذْ دُعِيت إلَى أُفَيْدٍ ** كَرَرْتُ وَلَمْ يَضِقْ بِالْكَرّ صَدْرِي

عَشِيّةً لَا يَكَرّ عَلَى مُضَافٍ ** وَلَا ذِي نَعْمَة مِنْهُمْ وَصِهْرِ

فَدُونَكُمْ بَنِي لَأْيٍ أَخَاكُمْ ** وَدُونَكِ مَالِكًا يَا أُمّ عَمْرِو

فَلَوْلَا مَشْهَدِي قَامَتْ عَلَيْهِ ** مُوَقّفَةُ الْقَوَائِمِ أُمّ أَجْرِي

دَفُوعٌ لِلْقُبُورِ بِمَنْكِبَيْهَا ** كَأَنّ بِوَجْهِهَا تَحْمِيمَ قَدْرِ

فَأُقْسِمُ بِاَلّذِي قَدْ كَانَ رَبّي ** وَأَنْصَابٍ لَدَى الْجَمَرَاتِ مُغْرِ

لَسَوْفَ تَرَوْنَ مَا حَسَبِي إذَا مَا ** تَبَدّلَتْ الْجُلُودُ جُلُودَ نِمْرِ

فَمَا إنْ خَادِرٌ مِنْ أُسْدِ تَرْجِ ** مُدِلّ عَنْبَسٌ فِي الْغَيْلِ مُجْرِي

فَقَدْ أَحْمِي الْأَبَاءَةَ مِنْ كُلَافِ ** فَمَا يَدْنُو لَهُ أَحَدٌ بِنَقْرِ

بِخَلّ تَعْجِزُ الْحُلَفَاءُ عَنْهُ ** يُوَاثِبُ كُلّ هَجْهَجَةٍ وَزَجْرِ

بِأَوْشَكَ سَوْرَةً مِنّي إذَا مَا ** حَبَوْتُ لَهُ بِقَرْقَرَةٍ وَهَدْرِ

بِبِيضٍ كَالْأَسِنّةِ مُرْهِفَاتٍ ** كَأَنّ ظُبَاتِهِنّ جَحِيمِ جَمْرِ

وَأَكْلَف مُجْنَإِ مِنْ جِلْدِ ثَوْرٍ ** وَصَفْرَاءِ الْبُرَايَةِ ذَاتِ أَزْرِ

وَأَبْيَضَ كَالْغَدِيرِ ثَوَى عَلَيْهِ ** عُمَيْرٌ بِالْمَدَاوِسِ نِصْفَ شَهْرِ

أُرَفّلُ فِي حَمَائِلِهِ وَأَمْشِي ** كَمِشْيَةِ خَادِرٍ لَيْثٍ سِبَطْرِ

يَقُولُ لِي الْفَتَى سَعْدٌ هَدِيّا ** فَقُلْتُ لَعَلّهُ تَقْرِيبُ غَدْرِ

وَقُلْتُ أَبَا عَدِيّ لَا تَطُرْهُمْ ** وَذَلِكَ إنْ أَطَعْتَ الْيَوْمَ أَمْرِي

كَدَأْبِهِمْ بِفَرْوَةَ إذْ أَتَاهُمْ ** فَظَلّ يُقَادُ مَكْتُوفًا بِضَفْرِ

قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَأَنْشَدَنِي أَبُو مُحْرِزٍ خَلَفُ الْأَحْمَرُ:
نَصُدّ عَنْ الطّرِيقِ وَأَدْرَكُونَا ** كَأَنّ سِرَاعَهُمْ تَيّارُ بَحْرِ

وَقَوْلُهُ:
مُدَلّ عَنْبَسٌ فِي الْغَيْلِ مُجْرِي

عَنْ غَيْرِ ابْنِ إسْحَاقَ. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَقَالَ أَبُو أَسَامّةَ أَيْضًا:
أَلَا مِنْ مُبَلّغٌ عَنّي رَسُولًا ** مُغَلْغَلَةً يُثَبّتُهَا لَطِيفُ

أَلَمْ تَعْلَمْ مَرَدّي يَوْمَ بَدْرٍ ** وَقَدْ بَرَقَتْ بِجَنْبَيْك الْكُفُوفُ

وَقَدْ تُرِكَتْ سَرَاةُ الْقَوْمِ صَرْعَى ** كَأَنّ رُءُوسَهُمْ حَدَجٌ نَقِيفُ

وَقَدْ مَالَتْ عَلَيْك بِبَطْنِ بَدْرٍ ** خِلَافَ الْقَوْمِ دَاهِيَةٌ خَصِيفُ

فَنَجّاهُ مِنْ الْغَمَرَاتِ عَزْمِي ** وَعَوْنُ اللّهِ وَالْأَمْرُ الْحَصِيفُ

وَمُنْقَلَبِي مِنْ الْأَبْوَاءِ وَحْدِي ** وَدُونَك جَمْعُ أَعْدَاءٍ وُقُوفُ

وَأَنْتَ لِمَنْ أَرَادَك مُسْتَكِينٌ ** بِجَنْبِ كُرَاشٍ مَكْلُومٌ نَزِيفُ

وَكُنْتُ إذَا دَعَانِي يَوْمَ كَرْبٍ ** مِنْ الْأَصْحَابِ دَاعٍ مُسْتَضِيفُ

فَأَسْمَعَنِي وَلَوْ أَحْبَبْتُ نَفْسِي ** أَخٌ فِي مِثْلِ ذَلِكَ أَوْ حَلِيفُ

أَرُدّ فَأَكْشِفُ الْغُمّى وَأَرْمِي ** إذَا كَلَحَ الْمَشَافِرُ وَالْأُنُوفُ

وَقِرْنٍ قَدْ تَرَكَتْ عَلَى يَدَيْهِ ** يَنُوءُ كَأَنّهُ غُصْنٌ قَصِيفُ

دَلَفْتُ لَهُ إذْ اخْتَلَطُوا بِحَرّى ** مُسْحْسَحَةٍ لِعَانِدِهَا حَفِيفُ

فَذَلِك كَانَ صَنْعِي يَوْمَ بَدْرٍ ** وَقَبْلُ أَخُو مُدَارَاةَ عَزُوفُ

أَخُوكُمْ فِي السّنِينَ كَمَا عَلِمْتُمْ ** وَحَرْبٍ لَا يَزَالُ لَهَا صَرِيفُ

وَمِقْدَامٌ لَكُمْ لَا يَزْدَهِينِي ** جَنَانُ اللّيْلِ وَالْأَنَسُ اللّفِيفُ

أَخُوضُ الصّرّةَ الْجَمّاءَ خَوْضًا ** إذَا مَا الْكَلْبُ أَلْجَأَهُ الشّفِيفُ

قَالَ ابْنُ هِشَامٍ قَصِيدَةً لِأَبِي أُسَامَةَ عَلَى اللّامّ لَيْسَ فِيهَا ذِكْرُ بَدْرٍ إلّا فِي أَوّلِ بَيْتٍ مِنْهَا وَالثّانِي، كَرَاهِيَةَ الْإِكْثَارِ.
.[شِعْرُ هِنْدَ بِنْتِ عُتْبَة]:

قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَقَالَتْ هِنْدُ بِنْتُ عُتْبَة بْنِ رَبِيعَةَ تَبْكِي أَبَاهَا يَوْمَ بَدْر ٍ:
أَعَيْنَيّ جُودَا بِدَمْعٍ سَرِبْ ** عَلَى خَيْرِ خِنْدِفَ لَمْ يَنْقَلِبْ

تَدَاعَى لَهُ رَهْطُهُ غُدْوَةً ** بَنُو هَاشِمٍ وَبَنُو الْمُطّلِبْ

يُذِيقُونَهُ حَدّ أَسْيَافِهِمْ ** يَعُلّونه بَعْدَ مَا قَدْ عَطِبْ

يَجُرّونَهُ وَعَفِيرُ التّرَابِ ** عَلَى وَجْهِهِ عَارِيًا قَدْ سُلِبْ

وَكَانَ لَنَا جَبَلًا رَاسِيًا ** جَمِيلَ الْمَرَاةِ كَثِيرَ الْعُشُبِ

فَأَمّا بُرَيّ فَلَمْ أَعْنِهِ ** فَأُوتِيَ مِنْ خَيْرِ مَا يَحْتَسِبْ

وَقَالَتْ هِنْدُ أَيْضًا:
يَرِيبُ عَلَيْنَا دَهْرُنَا فَيَسُوءُنَا ** وَيَأْبَى فَمَا نَأْتِي بِشَيْءِ يُغَالِبُهْ

أَبَعْدَ قَتِيلٍ مِنْ لُؤَيّ بْنِ غَالِبٍ ** يُرَاعَ أَمْرٌ إنْ مَاتَ أَوْ مَاتَ صَاحِبُهْ

أَلَا رُبّ يَوْمٍ قَدْ رُزِئْتُ مُرَزّأً ** تَرُوحُ وَتَغْدُو بِالْجَزِيلِ مُوَاهِبُهُ

فَأَبْلِغْ أَبَا سُفْيَانَ عَنّي مَأْلُكًا ** فَإِنْ أَلْقَهُ يَوْمًا فَسَوْفَ أُعَاتِبُهْ

فَقَدْ كَانَ حَرْبٌ يَسْعَرُ الْحَرْبَ إنّهُ ** لِكُلّ امْرِئِ فِي النّاسِ مَوْلًى يُطَالِبُهُ

قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَبَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ بِالشّعْرِ يُنْكِرُهَا لِهِنْدٍ.
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَقَالَتْ هِنْدُ أَيْضًا:
لِلّهِ عَيْنًا مَنْ رَأَى ** هُلْكًا كَهُلْكِ رِجَاليهْ

يَا رُبّ بَاكٍ لِي غَدًا ** فِي النّائِبَاتِ وَبَاكِيَهْ

كَمْ غَادَرُوا يَوْمَ الْقَلِي ** بِ غَدَاةَ تِلْكَ الْوَاعِيَهْ

مِنْ كُلّ غَيْثٍ فِي السّنِي ** نِ إذَا الْكَوَاكِبُ خَاوِيَهْ

قَدْ كُنْتُ أُحْذَرُ مَا أَرَى ** فَالْيَوْمُ حَقّ حَذَارِيَهْ

قَدْ كُنْتُ أَحْذَرُ مَا أَرَى ** فَأَنَا الْغَدَاةَ مُوَامِيَهْ

يَا رُبّ قَائِلَةٍ غَدًا ** يَا وَيْحَ أُمّ مُعَاوِيَهْ

قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَبَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ بِالشّعْرِ يُنْكِرُهَا لِهِنْدٍ. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَقَالَتْ هِنْدُ أَيْضًا:
يَا عَيْنُ بَكّي عُتْبَهْ ** شَيْخًا شَدِيدَ الرّقَبَهْ

يُطْعِمُ يَوْمَ الْمَسْغَبَهْ ** يَدْفَعُ يَوْمَ الْمَغْلَبَهْ

إنّي عَلَيْهِ حَرِبَهْ ** مَلْهُوفَةٌ مُسْتَلَبَهْ

لَنَهْبِطَنّ يَثْرِبَهْ ** بِغَارَةٍ مُنْثَعِبَهْ

فِيهَا الْخُيُولُ مُقْرَبَهْ ** كُلّ جَوَادٍ سَلْهَبَهْ

.[شِعْرُ صَفِيّةَ]:

وَقَالَتْ صَفِيّةُ بِنْتُ مُسَافِرِ بْنِ أَبِي عَمْرِو بْنِ أُمَيّةَ بْنِ عَبْدِ شَمْسِ بْنِ عَبْدِ مَنَافٍ تَبْكِي أَهْلَ الْقَلِيبِ الّذِينَ أُصِيبُوا يَوْمَ بَدْرٍ مِنْ قُرَيْشٍ: وَتَذْكُرُ مُصَابَهُمْ:
يَا مَنْ لِعَيْنٍ قَذَاهَا عَائِرُ الرّمَدِ ** حَدّ النّهَارِ وَقَرْنُ الشّمْسِ لَمْ يَقِدْ

أُخْبِرْتُ أَنّ سَرَاةَ الْأَكْرَمِينَ مَعًا ** قَدْ أَحْرَزَتْهُمْ مَنَايَاهُمْ إلَى أَمَدِ

وَفَرّ بِالْقَوْمِ أَصْحَابُ الرّكَابِ وَلَمْ ** تَعْطِفْ غَدَاتَئِذٍ أُمّ عَلَى وَلَدِ

قَوْمِي صَفِيّ وَلَا تَنْسَى قَرَابَتَهُمْ ** وَإِنْ بَكَيْتِ فَمَا تَبْكِينَ مِنْ بُعُدِ

كَانُوا سُقُوبَ سَمَاءِ الْبَيْتِ فَانْقَصَفَتْ ** فَأَصْبَحَ السّمْكُ مِنْهَا غَيْرَ ذِي عَمَدِ

قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: أَنْشَدَنِي بَيْتَهَا: كَانُوا سُقُوبَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ بِالشّعْرِ. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَقَالَتْ صَفِيّةُ بِنْتُ مُسَافِرٍ أَيْضًا:
أَلَا يَا مَنْ لِعَيْنٍ لِلتّ ** بَكّي دَمْعُهَا فَانِ

كَغَرْبَيْ دَالِجٍ يَسْقَى ** خِلَالَ الْغَيّثِ الدّانِ

وَمَا لَيْثُ غَرِيفٍ ذُو ** أَظَافِيرَ وَأَسْنَانِ

وأَبُو شِبْلَيْنِ وَثّابٌ ** شَدِيدُ الْبَطْشِ غَرْثَانِ

كَحِبّي إذْ تَوَلّى و** أَلْوَانِ

وَبِالْكَفّ حُسَامٌ صَا ** رِمٍ أَبْيَضُ ذُكْرَانِ

وَأَنْتَ الطّاعِنُ النّجْلَا ** ءِ مِنْهَا مُزْبِدٌ آنِ

قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَيَرَوْنَ قَوْلَهَا: وَمَا لَيْثُ غَرِيفٍ إلَى آخِرِهَا، مَفْصُولًا مِنْ الْبَيْتَيْنِ اللّذَيْنِ قَبْلَهُ.
.[شِعْرُ هِنْدَ بِنْتِ أُثَاثَةَ]:

قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَقَالَتْ هِنْدُ بِنْتُ أُثَاثَةَ بْنِ عَبّادِ بْنِ الْمُطّلِبِ تَرْثِي عَبِيدَة بْنَ الْحَارِثِ بْنِ الْمُطّلِبِ:
لَقَدْ ضُمّنَ الصّفْرَاءُ مَجْدًا وَسُؤْدُدًا ** وَحِلْمًا أَصِيلًا وَافِرَ اللّبّ وَالْعَقْلِ

عُبَيْدَةَ فَابْكِيهِ لِأَضْيَافِ غُرْبَةٍ ** وَأَرْمَلَة تَهْوِي لِأَشْعَثَ كَالْجِذْلِ

وَبَكّيهِ لِلْأَقْوَامِ فِي كُلّ شَتْوَةٍ ** إذَا احْمَرّ آفَاقُ السّمَاءِ مِنْ الْمَحْلِ

وَبَكّيهِ لِلْأَيْتَامِ وَالرّيحُ زَفْزَةٌ ** وَتَشْبِيبُ قِدْرٍ طَالَمَا أَزْبَدَتْ تَغْلِي

فَإِنْ تُصْبِحُ النّيرَانَ قَدْ مَاتَ ضَوْءُهَا ** فَقَدْ كَانَ يُذْكِيهِنّ بِالْحَطَبِ الْجَزْلِ

لِطَارِقِ لَيْلٍ أَوْ لِمُلْتَمِسِ الْقِرَى ** وَمُسْتَنْبَحٍ أَضْحَى لَدَيْهِ عَلَى رَسْلِ

قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَأَكْثَرُ أَهْلِ الْعِلْمِ بِالشّعْرِ يُنْكِرُهَا لِهِنْدٍ.
.[شِعْرُ قُتَيْلَة بِنْتِ الْحَارِثِ]:

قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَقَالَتْ قُتَيْلَة بِنْتُ الْحَارِثِ أُخْت النّضْرِ بْنِ الْحَارِثِ تَبْكِيهِ:
يَا رَاكِبًا إنّ الْأَثِيلَ مَظِنّةٌ ** مِنْ صُبْحِ خَامِسَةٍ وَأَنْتَ مُوَفّقُ

أَبْلِغْ بِهَا مَيْتًا بِأَنّ تَحِيّةً ** مَا إنْ تَزَالُ بِهَا النّجَائِبُ تَخْفِقُ

مِنّي إلَيْك وَعَبْرَةً مَسْفُوحَةً ** جَادَتْ بِوَاكِفِهَا وَأُخْرَى تَخْنُقُ

هَلْ يَسْمَعَنّي النّضْرُ إنْ نَادَيْتُهُ ** أَمْ كَيْفَ يَسْمَعُ مَيّتٌ لَا يَنْطِقُ

أَمُحَمّدُ يَا خَيْرَ ضَنْءِ كَرِيمَةٍ ** فِي قَوْمِهَا وَالْفَحْلُ فَحْلٌ مُعْرّقُ

مَا كَانَ ضُرّك لَوْ مَنَنْتَ وَرُبّمَا ** مَنّ الْفَتَى وَهُوَ الْمَغِيظُ الْمُحْنَقُ

أَوْ كُنْتَ قَابِلَ فِدْيَةٍ فَلْيُنْفِقَنْ ** بِأَعَزّ مَا يَغْلُو بِهِ مَا يُنْفِقُ

فَالنّضْرُ أَقْرَبُ مَنْ أَسَرّتْ قَرَابَةً ** وَأَحَقّهُمْ إنْ كَانَ عِتْقٌ يُعْتَقُ

ظَلّتْ سُيُوفُ بَنِي أَبِيهِ تَنُوشُهُ ** لِلّهِ أَرْحَامٌ هُنَاكَ تُشَقّقُ

صَبْرًا يُقَادُ إلَى الْمَنِيّةِ مُتْعَبًا ** رَسْفَ الْمُقَيّدِ وَهُوَ عَانٍ مُوَثّقُ

قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: فَيُقَالُ وَاَللّهُ أَعْلَمُ إنّ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ لَمّا بَلَغَهُ هَذَا الشّعْرُ قَالَ: «لَوْ بَلَغَنِي هَذَا قَبْلَ قَتْلِهِ لَمَنَنْتُ عَلَيْه».
.[تَارِيخُ الْفَرَاغِ مِنْ بَدْرٍ]:

قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَكَانَ فَرَاغُ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ مِنْ بَدْرٍ فِي عَقِبِ شَهْرِ رَمَضَانَ أَوْ فِي شَوّالٍ.
.غَزْوَةُ بَنِي سُلَيْم ٍ بِالْكَدَرِ:

قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فَلَمّا قَدِمَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ لَمْ يَقُمْ بِهَا إلّا سَبْعَ لَيَالٍ حَتّى غَزَا بِنَفْسِهِ يُرِيدُ بَنِي سُلَيْمٍ. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَاسْتَعْمَلَ عَلَى الْمَدِينَةِ سِبَاعَ بْنَ عُرْفُطَةَ الْغِفَارِيّ أَوْ ابْنَ أُمّ مَكْتُومٍ. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فَبَلَغَ مَاءً مِنْ مِيَاهِهِمْ يُقَالُ لَهُ الْكُدْرُ، فَأَقَامَ عَلَيْهِ ثَلَاثَ لَيَالٍ الْمَدِينَةِ، وَلَمْ يَلْقَ كَيْدًا، فَأَقَامَ بِهَا بَقِيّةَ شَوّالٍ وَذَا الْقَعَدَةِ وَأَفْدَى فِي إقَامَتِهِ تِلْكَ جُلّ الْأُسَارَى مِنْ قُرَيْشٍ.
.غَزْوَة السّوِيقِ:

.[عُدْوَانُ أَبِي سُفْيَانَ وَخُرُوجُ الرّسُولِ فِي أَثَرِهِ]:

قَالَ حَدّثَنَا أَبُو مُحَمّدٍ عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ هِشَامٍ قَالَ حَدّثَنَا زِيَادُ بْنُ عَبْدِ اللّهِ الْبَكّائِيّ، عَنْ مُحَمّدِ بْنِ إسْحَاقَ الْمُطّلِبِيّ قَالَ ثُمّ غَزَا أَبُو سُفْيَانَ بْنُ حَرْبٍ غَزْوَةَ السّوِيقِ فِي ذِي الْحَجّةِ وَوَلّى تِلْكَ الْحَجّةَ الْمُشْرِكُونَ مِنْ تِلْكَ السّنَةِ فَكَانَ أَبُو سُفْيَانَ كَمَا حَدّثَنِي مُحَمّدُ بْنُ جَعْفَرِ بْنِ الزّبَيْرِ، وَيَزِيدُ بْنُ رُومَانَ، وَمَنْ لَا أَتّهِمُ عَنْ عَبْدِ اللّهِ بْنِ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ، وَكَانَ مِنْ أَعْلَمِ الْأَنْصَارِ، حِينَ رَجَعَ إلَى مَكّةَ، وَرَجَعَ فَلّ قُرَيْشٍ مِنْ بَدْرٍ، نَذَرَ أَنْ لَا يَمَسّ رَأْسَهُ مَاءٌ مِنْ جَنَابَةٍ حَتّى يَغْزُوَ مُحَمّدًا صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَخَرَجَ فِي مِئَتَيْ رَاكِبٍ مِنْ قُرَيْشٍ، لِيَبَرّ يَمِينَهُ فَسَلَكَ النّجْدِيّة، حَتّى نَزَلَ بِصَدْرِ قَنَاةٍ إلَى جَبَلٍ يُقَالُ لَهُ ثَيْب، مِنْ الْمَدِينَةِ عَلَى بَرِيدٍ أَوْ نَحْوِهِ ثُمّ خَرَجَ مِنْ اللّيْلِ حَتّى أَتَى بَنِي النّضِيرِ تَحْتَ اللّيْلِ فَأَتَى حُيَيّ بْنُ أَخْطَبَ، فَضَرَبَ عَلَيْهِ بَابَهُ فَأَبَى أَنْ يَفْتَحَ لَهُ بَابَهُ وَخَافَهُ فَانْصَرَفَ عَنْهُ إلَى سَلّامِ بْنِ مِشْكَمٍ، وَكَانَ سَيّدَ بَنِي النّضِير ِ فِي زَمَانِهِ ذَلِكَ وَصَاحِبَ كَنْزِهِمْ فَاسْتَأْذَنَ عَلَيْهِ فَأَذِنَ لَهُ فَقَرّاهُ وَسَقَاهُ وَبَطَنَ لَهُ مِنْ خَبَرِ النّاسِ ثُمّ خَرَجَ فِي عَقِبِ لَيْلَتِهِ حَتّى أَتَى أَصْحَابَهُ فَبَعَثَ رِجَالًا مِنْ قُرَيْشٍ إلَى الْمَدِينَةِ، فَأَتَوْا نَاحِيَةً يُقَالُ لَهَا: الْعَرِيضُ، فَحَرَقُوا فِي أَصْوَارٍ مِنْ نَخْلٍ بِهَا، وَوَجَدُوا بِهَا رَجُلًا مِنْ الْأَنْصَارِ وَحَلِيفًا لَهُ فِي حَرْثٍ لَهُمَا، فَقَتَلُوهُمَا، ثُمّ انْصَرَفُوا رَاجِعِينَ وَنَذِرَ بِهِمْ النّاسُ. فَخَرَجَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فِي طَلَبِهِمْ وَاسْتَعْمَلَ عَلَى الْمَدِينَةِ بَشِيرَ بْنَ عَبْدِ الْمُنْذِرِ وَهُوَ أَبُو لُبَابَةَ فِيمَا قَالَ ابْنُ هِشَامٍ، حَتّى بَلَغَ قَرْقَرَةَ الْكُدْرِ، ثُمّ انْصَرَفَ رَاجِعًا، وَقَدْ فَاتَهُ أَبُو سُفْيَانَ وَأَصْحَابُهُ وَقَدْ رَأَوْا أَزْوَادًا مِنْ أَزْوَادِ الْقَوْمِ قَدْ طَرَحُوهَا فِي الْحَرْثِ يَتَخَفّفُونَ مِنْهَا لِلنّجَاءِ فَقَالَ الْمُسْلِمُونَ حَيْنَ رَجَعَ بِهِمْ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ يَا رَسُولَ اللّهِ أَتَطْمَعُ لَنَا أَنْ تَكُونَ غَزْوَةً؟ قَالَ نَعَمْ.
.[سَبَبُ تَسْمِيَتِهَا بِغَزْوَةِ السّوِيق ِ]:

قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَإِنّمَا سُمّيَتْ غَزْوَةَ السّوِيقِ، فِيمَا حَدّثَنِي أَبُو عُبَيْدَةَ أَنّ أَكْثَرَ مَا طَرَحَ الْقَوْمُ مِنْ أَزْوَادِهِمْ السّوِيقُ، فَهَجَمَ الْمُسْلِمُونَ عَلَى سَوِيقٍ كَثِيرٍ فَسُمّيَتْ غَزْوَةَ السّوِيقِ.
.[شِعْرُ أَبِي سُفْيَانَ فِيهَا]:

قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَقَالَ أَبُو سُفْيَانَ بْنُ حَرْبٍ عِنْدَ مُنْصَرَفِهِ لِمَا صَنَعَ بِهِ سَلّامُ بْنُ مِشْكَمٍ:
وَإِنّي تَخَيّرْت الْمَدِينَةَ وَاحِدًا ** لِحِلْفٍ فَلَمْ أَنْدَمْ وَلَمْ أَتَلَوّمْ

سَقَانِي فَرَوَانِي كُمَيْتًا مُدَامَةً ** عَلَى عَجَلٍ مِنّي سَلّامُ بْنُ مِشْكَمٍ

وَلَمّا تَوَلّى الْجَيْشُ قُلْتُ وَلَمْ أَكُنْ ** لِأُفْرِحَهُ أَبْشِرْ بِعَزّ وَمَغْنَمِ

تَأَمّلْ فَإِنّ الْقَوْمَ سُرّ وَإِنّهُمْ ** صَرِيحُ لُؤَيّ لَا شَمَاطِيطُ جُرْهُمِ

وَمَا كَانَ إلّا بَعْضُ لَيْلَةِ رَاكِبٍ ** أَتَى سَاعِيًا مِنْ غَيْرِ خَلّةِ مُعْدِمِ

.غَزْوَةُ ذِي أَمَرَ:

فَلَمّا رَجَعَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ مِنْ غَزْوَةِ السّوِيقِ، أَقَامَ بِالْمَدِينَةِ بَقِيّةَ ذِي الْحَجّةِ أَوْ قَرِيبًا مِنْهَا، ثُمّ غَزَا نَجْدًا، يُرِيدُ غَطَفَانَ، وَهِيَ غَزْوَةُ ذِي أَمَرَ وَاسْتَعْمَلَ عَلَى الْمَدِينَةِ عُثْمَانَ بْنَ عَفّانَ فِيمَا قَالَ ابْنُ هِشَامٍ. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فَأَقَامَ بِنَجْدٍ صَفَرًا كُلّهُ أَوْ قَرِيبًا مِنْ ذَلِكَ ثُمّ رَجَعَ إلَى الْمَدِينَةِ، وَلَمْ يَلْقَ كَيْدًا. فَلَبِثَ بِهَا شَهْرَ رَبِيعٍ الْأَوّلَ كُلّهُ أَوْ إلّا قَلِيلًا مِنْهُ.
.غَزْوَةُ الْفُرُعِ مِنْ بُحْرَانَ:

ثُمّ غَزَا رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ يُرِيدُ قُرَيْشًا، وَاسْتَعْمَلَ عَلَى الْمَدِينَةِ ابْنَ أُمّ مَكْتُومٍ، فِيمَا قَالَ ابْنُ هِشَامٍ. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: حَتّى بَلَغَ بُحْرَانَ، مَعْدِنًا بِالْحِجَازِ مِنْ نَاحِيَةِ الْفُرُعِ، فَأَقَامَ بِهَا شَهْرَ رَبِيعٍ الْآخِرِ وَجُمَادَى الْأُولَى، ثُمّ رَجَعَ إلَى الْمَدِينَةِ وَلَمْ يَلْقَ كَيْدًا.
.أَمْرُ بَنِي قَيْنُقَاع: [نَصِيحَةُ الرّسُولِ لَهُمْ وَرَدّهُمْ عَلَيْهِ]:

قَالَ: وَقَدْ كَانَ فِيمَا بَيْنَ ذَلِكَ مِنْ غَزْوِ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ أَمَرَ بَنِي قَيْنُقَاعَ، وَكَانَ مِنْ حَدِيثِ بَنِي قَيْنُقَاع َ أَنّ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ جَمَعَهُمْ بِسُوقِ بَنِي قَيْنُقَاع َ ثُمّ قَالَ يَا مَعْشَرَ يَهُودَ احْذَرُوا مِنْ اللّهِ مِثْلَ مَا نَزَلَ بِقُرَيْشٍ مِنْ النّقْمَةِ وَأَسْلِمُوا، فَإِنّكُمْ قَدْ عَرَفْتُمْ أَنّي نَبِيّ مُرْسَلٌ تَجِدُونَ ذَلِكَ فِي كِتَابِكُمْ وَعَهْدِ اللّهِ إلَيْكُمْ قَالُوا: يَا مُحَمّدُ إنّك تَرَى أَنّا قَوْمُك لَا يَغُرّنّكَ أَنّك لَقِيت قَوْمًا لَا عِلْمَ لَهُمْ بِالْحَرْبِ فَأَصَبْتَ مِنْهُمْ فُرْصَةً إنّا وَاَللّهِ لَئِنْ حَارَبْنَاك لَتَعْلَمَنّ أَنّا نَحْنُ النّاسَ.
.[مَا نَزَلَ فِيهِمْ]:

قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فَحَدّثَنِي مَوْلًى لِآلِ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، أَوْ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ ابْنِ عَبّاسٍ، قَالَ مَا نَزَلَ هَؤُلَاءِ الْآيَاتُ إلّا فِيهِمْ {قُلْ لِلّذِينَ كَفَرُوا سَتُغْلَبُونَ وَتُحْشَرُونَ إِلَى جَهَنّمَ وَبِئْسَ الْمِهَادُ قَدْ كَانَ لَكُمْ آيَةٌ فِي فِئَتَيْنِ الْتَقَتَا} أَيْ أَصْحَابِ بَدْرٍ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَقُرَيْشٍ {فِئَةٌ تُقَاتِلُ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَأُخْرَى كَافِرَةٌ يَرَوْنَهُمْ مِثْلَيْهِمْ رَأْيَ الْعَيْنِ وَاللّهُ يُؤَيّدُ بِنَصْرِهِ مَنْ يَشَاءُ إِنّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً لِأُولِي الْأَبْصَارِ}
.[كَانُوا أَوّلَ مَنْ نَقَضَ الْعَهْدِ]:

قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَحَدّثَنِي عَاصِمُ بْنُ عُمَرَ بْنِ قَتَادَةَ: أَنّ بَنِي قَيْنُقَاعَ كَانُوا أَوّلَ يَهُودَ نَقَضُوا مَا بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَحَارَبُوا فِيمَا بَيْنَ بَدْرٍ وَأُحُدٍ.
.[سَبَب الْحَرْبِ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الْمُسْلِمِينَ]:

قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَذَكَرَ عَبْدُ اللّهِ بْنُ جَعْفَرِ بْنِ الْمِسْوَرِ بْنِ مَخْرَمَةَ، عَنْ أَبِي عَوْنٍ قَالَ كَانَ مِنْ أَمْرِ بَنِي قَيْنُقَاع َ أَنّ امْرَأَةً مِنْ الْعَرَبِ قَدِمَتْ بِجَلَبٍ لَهَا، فَبَاعَتْهُ بِسُوقِ بَنِي قَيْنُقَاعَ، وَجَلَسَتْ إلَى صَائِغٍ بِهَا، فَجَعَلُوا يُرِيدُونَهَا عَلَى كَشْفِ وَجْهِهَا، فَأَبَتْ فَعَمِدَ الصّائِغُ إلَى طَرَفِ ثَوْبِهَا فَعَقَدَهُ إلَى ظَهْرِهَا، فَلَمّا قَامَتْ انْكَشَفَتْ سَوْأَتُهَا، فَضَحِكُوا بِهَا، فَصَاحَتْ. فَوَثَبَ رَجُلٌ مِنْ الْمُسْلِمِينَ عَلَى الصّائِغِ فَقَتَلَهُ وَكَانَ يَهُودِيّا، وَشَدّتْ الْيَهُودُ عَلَى الْمُسْلِمِ فَقَتَلُوهُ فَاسْتَصْرَخَ أَهْلُ الْمُسْلِمِ الْمُسْلِمِينَ عَلَى الْيَهُودِ، فَغَضِبَ الْمُسْلِمُونَ فَوَقَعَ الشّرّ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ بَنِي قَيْنُقَاعَ.
.[مَا كَانَ مِنْ ابْنِ أُبَيّ مَعَ الرّسُولِ]:

قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَحَدّثَنِي عَاصِمُ بْنُ عُمَرَ بْنِ قَتَادَةَ، قَالَ فَحَاصَرَهُمْ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ حَتّى نَزَلُوا عَلَى حُكْمِهِ فَقَامَ إلَيْهِ عَبْدُ اللّهِ بْنُ أُبَيّ ابْنُ سَلُولَ حِينَ أَمْكَنَهُ اللّهُ مِنْهُمْ فَقَالَ يَا مُحَمّدُ أَحْسِنْ فِي مَوَالِيّ وَكَانُوا حُلَفَاءَ الْخَزْرَجِ، قَالَ فَأَبْطَأَ عَلَيْهِ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَقَالَ يَا مُحَمّدُ أَحْسِنْ فِي مُوَالِيّ قَالَ فَأَعْرَضَ عَنْهُ. فَأَدْخَلَ يَدَهُ فِي جَيْبِ دِرْعِ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَكَانَ يُقَالُ لَهَا: ذَاتَ الْفُضُولِ. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ أَرْسِلْنِي، وَغَضِبَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ حَتّى رَأَوْا لِوَجْهِهِ ظُلَلًا، ثُمّ قَالَ وَيْحَك أَرْسِلْنِي، قَالَ لَا وَاَللّهِ لَا أُرْسِلْك حَتّى تُحْسِنَ فِي مُوَالِيّ أَرْبَعَ مِئَةِ حَاسِرٍ وَثَلَاثُ مِئَةِ دَارِعٍ قَدْ مَنَعُونِي مِنْ الْأَحْمَرِ وَالْأَسْوَدِ تَحْصُدُهُمْ فِي غَدَاةٍ وَاحِدَةٍ إنّي وَاَللّهِ امْرُؤٌ أَخْشَى الدّوَائِرَ قَالَ فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ هُمْ لَك.
.[مُدّةُ حِصَارِهِمْ]:

قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَاسْتَعْمَلَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ عَلَى الْمَدِينَةِ فِي مُحَاصَرَتِهِ إيّاهُمْ بَشِيرَ بْنَ عَبْدِ الْمُنْذِرِ وَكَانَتْ مُحَاصَرَتُهُ إيّاهُمْ خَمْسَ عَشْرَةَ لَيْلَةً.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://el-quran.ahlamontada.com
Admin
Admin
Admin


المساهمات : 4240
تاريخ التسجيل : 20/01/2018

كتاب السيرة النبوية۞ لعبد الملك ابن هشام ۞«المؤرخ» ​ - صفحة 2 Empty
مُساهمةموضوع: رد: كتاب السيرة النبوية۞ لعبد الملك ابن هشام ۞«المؤرخ» ​   كتاب السيرة النبوية۞ لعبد الملك ابن هشام ۞«المؤرخ» ​ - صفحة 2 Emptyالأحد مارس 04, 2018 6:41 am

كتاب السيرة النبوية۞ لعبد الملك ابن هشام ۞«المؤرخ» ​ - صفحة 2 SeeretIbenHisham

.[تَبَرّؤُ ابْنِ الصّامِتِ مِنْ حِلْفِهِمْ وَمَا نَزَلَ فِيهِ وَفِي ابْنِ أُبَيّ]:

قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَحَدّثَنِي أَبِي إسْحَاقُ بْنُ يَسَارٍ، عَنْ عُبَادَةَ بْنِ الْوَلِيدِ بْنِ عُبَادَةَ بْنِ الصّامِتِ، قَالَ لَمّا حَارَبَتْ بَنُو قَيْنُقَاع َ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ تَشَبّثَ بِأَمْرِهِمْ عَبْدُ اللّهِ بْنُ أُبَيّ ابْنُ سَلُولَ وَقَامَ دُونَهُمْ قَالَ وَمَشَى عُبَادَةُ بْنُ الصّامِتِ إلَى رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَكَانَ أَحَدَ بَنِي عَوْفٍ لَهُمْ مِنْ حِلْفِهِ مِثْلُ الّذِي لَهُمْ مِنْ عَبْدِ اللّهِ بْنِ أُبَيّ، فَخَلَعَهُمْ إلَى رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَتَبَرّأَ إلَى اللّهِ عَزّ وَجَلّ وَإِلَى رَسُولِهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ مِنْ حِلْفِهِمْ وَقَالَ يَا رَسُولَ اللّهِ أَتَوَلّى اللّهَ وَرَسُولَهُ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَالْمُؤْمِنِينَ وَأَبْرَأُ مِنْ حِلْفِ هَؤُلَاءِ الْكُفّارِ وَوِلَايَتِهِمْ. قَالَ فَفِيهِ وَفِي عَبْدِ اللّهِ بْنِ أُبَيّ نَزَلَتْ هَذِهِ الْقِصّةُ مِنْ الْمَائِدَةِ {يَا أَيّهَا الّذِينَ آمَنُوا لَا تَتّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنّهُ مِنْهُمْ إِنّ اللّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظّالِمِينَ فَتَرَى الّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ} أَيْ لِعَبْدِ اللّهِ بْنِ أُبَيّ وَقَوْلُهُ إنّي أَخْشَى الدّوَائِرَ{يُسَارِعُونَ فِيهِمْ يَقُولُونَ نَخْشَى أَنْ تُصِيبَنَا دَائِرَةٌ فَعَسَى اللّهُ أَنْ يَأْتِيَ بِالْفَتْحِ أَوْ أَمْرٍ مِنْ عِنْدِهِ فَيُصْبِحُوا عَلَى مَا أَسَرّوا فِي أَنْفُسِهِمْ نَادِمِينَ وَيَقُولُ الّذِينَ آمَنُوا أَهَؤُلَاءِ الّذِينَ أَقْسَمُوا بِاللّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ} ثُمّ الْقِصّةُ إلَى قَوْلِهِ تَعَالَى: {إِنّمَا وَلِيّكُمُ اللّهُ وَرَسُولُهُ وَالّذِينَ آمَنُوا الّذِينَ يُقِيمُونَ الصّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ} وَذَكَرَ لِتُوَلّي عُبَادَةَ بْنِ الصّامِتِ اللّهَ وَرَسُولَهُ وَاَلّذِينَ آمَنُوا، وَتَبَرّئِهِ مِنْ بَنِي قَيْنُقَاع {وَمَنْ يَتَوَلّ اللّهَ وَرَسُولَهُ وَالّذِينَ آمَنُوا فَإِنّ حِزْبَ اللّهِ هُمُ الْغَالِبُونَ}
سَرِيّةُ زَيْدِ بْنِ حَارِثَةَ إلَى الْقَرَدَةِ.
.[إصَابَةُ زَيْدٍ لِلْعِيرِ وَإِفْلَاتُ الرّجَالِ]:

قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَسَرِيّةُ زَيْدِ بْنِ حَارِثَةَ الّتِي بَعَثَهُ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فِيهَا، حَيْنَ أَصَابَ عِيرَ قُرَيْشٍ، وَفِيهَا أَبُو سُفْيَانَ بْنُ حَرْبٍ عَلَى الْقَرَدَةِ، مَاءٌ مِنْ مِيَاهِ نَجْدٍ. وَكَانَ مِنْ حَدِيثِهَا: أَنّ قُرَيْشًا خَافُوا طَرِيقَهُمْ الّذِي كَانُوا يَسْلُكُونَ إلَى الشّأْمِ حِينَ كَانَ مِنْ وَقْعَةِ بَدْرٍ مَا كَانَ فَسَلَكُوا طَرِيقَ الْعِرَاقِ، فَخَرَجَ مِنْهُمْ تُجّارٌ فِيهِمْ أَبُو سُفْيَانَ بْنُ حَرْبٍ وَمَعَهُ فِضّةٌ كَثِيرَةٌ وَهِيَ عُظْمُ تِجَارَتِهِمْ وَاسْتَأْجَرُوا رَجُلًا مِنْ بَنِي بَكْرِ بْنِ وَائِلٍ، يُقَال لَهُ فُرَاتُ بْنُ حَيّانَ يَدُلّهُمْ فِي ذَلِكَ عَلَى الطّرِيقِ. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: فُرَاتُ بْنُ حَيّانَ، مِنْ بَنِي عِجْلٍ حَلِيفٌ لِبَنِي سَهْمٍ. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَبَعَثَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ زَيْدَ بْنَ حَارِثَةَ فَلَقِيَهُمْ عَلَى ذَلِكَ الْمَاءِ فَأَصَابَ تِلْكَ الْعِيرَ وَمَا فِيهَا، وَأَعْجَزَهُ الرّجَالُ فَقَدِمَ بِهَا عَلَى رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ.
.[شِعْرُ حَسّانَ فِي تَأْنِيبِ قُرَيْشٍ]:

فَقَالَ حَسّانُ بْنُ ثَابِتٍ بَعْدَ أُحُدٍ فِي غَزْوَةِ بَدْرٍ الْآخِرَةِ يُؤَنّبُ قُرَيْشًا لِأَخْذِهِمْ تِلْكَ الطّرِيقِ:
دَعُو فَلَجَاتِ الشّامِ قَدْ حَالَ دُونَهَا ** جَلّادٌ كَأَفْوَاهِ الْمَخَاضِ الْأَوَارِكِ

بِأَيْدِي رِجَالٍ هَاجَرُوا نَحْوَ رَبّهِمْ ** وَأَنْصَارِهِ حَقّا وَأَيْدِي الْمَلَائِكِ

إذَا سَلَكَتْ لِلْغَوْرِ مِنْ بَطْنِ عَالِجٍ ** فَقُولَا لَهَا لَيْسَ الطّرِيقُ هُنَالِكَ

قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَهَذِهِ الْأَبْيَاتُ فِي أَبْيَاتٍ لِحَسّانَ بْنِ ثَابِتٍ نَقَضَهَا عَلَيْهِ أَبُو سُفْيَانَ بْنُ الْحَارِثِ بْنِ عَبْدِ الْمُطّلِبِ، وَسَنَذْكُرُهَا وَنَقِيضَتُهَا إنْ شَاءَ اللّهُ فِي مَوْضِعِهَا.
.[مُقْتَلُ كَعْبِ بْنِ الْأَشْرَفِ]:

.[اسْتِنْكَارُهُ خَبَرَ رَسُولَيْ الرّسُولِ بِقَتْلِ نَاسٍ مِنْ الْمُشْرِكِينَ]:

قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَكَانَ مِنْ حَدِيثِ كَعْبِ بْنِ الْأَشْرَفِ: أَنّهُ لَمّا أُصِيبَ أَصْحَابُ بَدْرٍ، وَقَدِمَ زَيْدُ بْنُ حَارِثَةَ إلَى أَهْلِ السّافِلَةِ، وَعَبْدُ اللّهِ بْنُ رَوَاحَةَ إلَى أَهْلِ الْعَالِيَةِ بَشِيرَيْنِ بَعَثَهُمَا رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ إلَى مَنْ بِالْمَدِينَةِ مِنْ الْمُسْلِمِينَ بِفَتْحِ اللّهِ عَزّ وَجَلّ عَلَيْهِ وَقُتِلَ مَنْ قُتِلَ مِنْ الْمُشْرِكِينَ. كَمَا حَدّثَنِي عَبْدُ اللّهِ بْنُ الْمُغِيثِ بْنِ أَبِي بُرْدَةَ الظّفَرِيّ وَعَبْدُ اللّهِ بْنُ أَبِي بَكْرِ بْنِ مُحَمّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ، وَعَاصِمُ بْنُ عُمَرَ بْنِ قَتَادَةَ، وَصَالِحُ بْنُ أَبِي أُمَامَةَ بْنِ سَهْلٍ كُلّ قَدْ حَدّثَنِي بَعْضَ حَدِيثِهِ قَالُوا: قَالَ كَعْبُ بْنُ الْأَشْرَفِ وَكَانَ رَجُلًا مِنْ طَيّئٍ ثُمّ أَحَدَ بَنِي نَبْهَانَ وَكَانَتْ أُمّهُ مِنْ بَنِي النّضِيرِ حِينَ بَلَغَهُ الْخَبَرُ: أَحَقّ هَذَا؟ أَتَرَوْنَ مُحَمّدًا قَتَلَ هَؤُلَاءِ الّذِينَ يُسَمّى هَذَانِ الرّجُلَانِ- يَعْنِي زَيْدًا وَعَبْدَ اللّهِ بْنَ رَوَاحَةَ- فَهَؤُلَاءِ أَشْرَافُ الْعَرَبِ وَمُلُوكُ النّاسِ وَاَللّهِ لَئِنْ كَانَ مُحَمّدٌ أَصَابَ هَؤُلَاءِ الْقَوْمَ لَبَطْنُ الْأَرْضِ خَيْرٌ مِنْ ظَهْرِهَا.
.[شِعْرُهُ فِي التّحْرِيضِ عَلَى الرّسُولِ]:

فَلَمّا تَيَقّنَ عَدُوّ اللّهِ الْخَبَرَ، خَرَجَ حَتّى قَدِمَ مَكّةَ، فَنَزَلَ عَلَى الْمُطّلِبِ بْنِ أَبِي وَدَاعَةَ بْنِ ضُبَيْرَة السّهْمِيّ وَعِنْدَهُ عَاتِكَةُ بِنْتُ أَبِي الْعِيصِ بْنِ أُمَيّةَ بْنِ عَبْدِ شَمْسِ بْنِ عَبْدِ مَنَافٍ فَأَنْزَلَتْهُ وَأَكْرَمَتْهُ وَجَعَلَ يُحَرّضُ عَلَى رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَيُنْشِدُ الْأَشْعَارَ وَيَبْكِي أَصْحَابَ الْقَلِيبِ مِنْ قُرَيْشٍ، الّذِينَ أُصِيبُوا بِبَدْرِ فقال:
طَحَنَتْ رَحَى بَدْرٍ لِمَهْلِك أَهْلِهِ ** وَلِمِثْلِ بَدْرٍ تَسْتَهِلّ وَتَدْمَعُ

قُتِلَتْ سَرَاةُ النّاسِ حَوْلَ حِيَاضِهِمْ ** لَا تَبْعَدُوا إنّ الْمُلُوكَ تُصَرّعُ

كَمْ قَدْ أُصِيبَ بِهِ مِنْ أَبْيَضَ مَاجِدٍ ** ذِي بَهْجَةٍ يَأْوِي إلَيْهِ الضّيّعُ

طَلْق الْيَدَيْنِ إذَا الْكَوَاكِبُ أَخْلَفَتْ ** حَمّالُ أَثْقَالٍ يَسُودُ وَيَرْبَعُ

وَيَقُولُ أَقْوَامٌ أُسَرّ بِسَخَطِهِمْ ** إنّ ابْنَ الْأَشْرَفِ ظَلّ كَعْبًا يَجْزَعُ

صَدَقُوا فَلَيْتَ الْأَرْضُ سَاعَةَ قُتّلُوا ** ظَلّتْ تَسُوخُ بِأَهْلِهَا وَتُصَدّعُ

صَارَ الّذِي أَثَرَ الْحَدِيثَ بِطَعْنِهِ ** أَوْ عَاشَ أَعْمَى مُرْعَشًا لَا يَسْمَعُ

نُبّئْتُ أَنّ بَنِي الْمُغِيرَةِ كُلّهُمْ ** خَشَعُوا لِقَتْلِ أَبِي الْحَكِيمِ وَجُدّعُوا

وَابْنَا رَبِيعَةَ عِنْدَهُ وَمُنَبّهٌ ** مَا نَالَ مِثْلَ الْمُهْلِكِينَ وَتُبّعُ

نُبّئْتُ أَنّ الْحَارِثَ بْنَ هِشَامِهِمْ ** فِي النّاسِ يَبْنِي الصّالِحَاتِ وَيَجْمَعُ

لِيَزُورَ يَثْرِبَ بِالْجُمُوعِ وَإِنّمَا ** يَحْمَى عَلَى الْحَسَبِ الْكَرِيمُ الْأَرْوَعُ

قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: قوله: تُبّعُ، وَأُسِرّ بِسَخَطِهِمْ. عَنْ غَيْرِ ابْنِ إسْحَاقَ.
.[شِعْرُ حَسّانَ فِي الرّدّ عَلَيْهِ]:

قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فَأَجَابَهُ حَسّانُ بْنُ ثَابِتٍ الْأَنْصَارِيّ، فَقَالَ:
أَبَكَى لِكَعْبٍ ثُمّ عُلّ بِعَبْرَةٍ ** مِنْهُ وَعَاشَ مُجَدّعًا لَا يَسْمَعُ

وَلَقَدْ رَأَيْتُ بِبَطْنِ بَدْرٍ مِنْهُمْ ** قَتْلَى تَسُحّ لَهَا الْعُيُونُ وَتَدْمَعُ

فَابْكِي فَقَدْ أَبَكَيْتَ عَبْدًا رَاضِعًا ** شِبْهَ الْكُلَيْبِ إلَى الْكُلَيْبَةِ يَتْبَعُ

وَلَقَدْ شَفَى الرّحْمَنُ مِنّا سَيّدًا ** وَأَهَانَ قَوْمًا قَاتَلُوهُ وَصُرّعُوا

وَنَجَا وَأُفْلِتَ مِنْهُمْ مَنْ قَلْبُهُ ** شَغَفٌ يَظَلّ لِخَوْفِهِ يَتَصَدّعُ

قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَأَكْثَرُ أَهْلِ الْعِلْمِ بِالشّعْرِ يُنْكِرُهَا لِحَسّانَ. وَقوله: أَبَكَى لِكَعْبِ عَنْ غَيْرِ ابْنِ إسْحَاقَ.
.[شِعْرُ مَيْمُونَةَ فِي الرّدّ عَلَى كَعْبٍ]:

قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَقَالَتْ امْرَأَةٌ مِنْ الْمُسْلِمِينَ مِنْ بَنِي مُرَيْدٍ بَطْنٌ مِنْ بَلِيّ، كَانُوا حَلْفَاءَ فِي بَنِي أُمَيّةَ بْنِ زَيْدٍ يُقَالُ لَهُمْ الْجَعَادِرَةُ، تُجِيبُ كَعْبًا- قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: اسْمُهَا مَيْمُونَةُ بِنْتُ عَبْدِ اللّهِ، وَأَكْثَرُ أَهْلِ الْعِلْمِ بِالشّعْرِ يُنْكِرُ هَذِهِ الْأَبْيَاتَ لَهَا، وَيُنْكِرُ نَقِيضَتَهَا لِكَعْبِ بْنِ الْأَشْرَفِ:
تَحَنّنَ هَذَا الْعَبْدُ كُلّ تَحَنّنٍ ** يُبَكّى عَلَى قَتْلَى وَلَيْسَ بِنَاصِبِ

بَكَتْ عَيْنُ مَنْ يَبْكِي لِبَدْرٍ وَأَهْلُهُ ** وَعُلّتْ بِمِثْلِيّهَا لُؤَيّ بْنُ غَالِبِ

فَلَيْتَ الّذِينَ ضُرّجُوا بِدِمَائِهِمْ ** يَرَى مَا بِهِمْ مَنْ كَانَ بَيْنَ الْأَخَاشِبِ

فَيَعْلَمُ حَقّا عَنْ يَقِينٍ وَيُبْصِرُوا ** مَجَرّهُمْ فَوْقَ اللّحَى وَالْحَوَاجِبِ

.[شِعْرُ كَعْبٍ فِي الرّدّ عَلَى مَيْمُونَةَ]:

فَأَجَابَهَا كَعْبُ بْنُ الْأَشْرَفِ، فَقَالَ:
أَلَا فَازْجُرُوا مِنْكُمْ سَفِيهًا لِتَسْلَمُوا ** عَنْ الْقَوْلِ يَأْتِي مِنْهُ غَيْرَ مُقَارِبِ

أَتَشْتُمُنِي أَنْ كُنْتُ أَبْكِي بِعَبْرَةٍ ** لِقَوْمٍ أَتَانِي وُدّهُمْ غَيْرَ كَاذِبِ

فَإِنّي لَبّاك مَا بَقِيتُ وَذَاكِرٌ ** مَآثِرَ قَوْمٍ مَجْدُهُمْ بِالْجَبَاجِبِ

لَعَمْرِي لَقَدْ كَانَتْ مُرَيْدٌ بِمَعْزِلٍ ** عَنْ الشّرّ فَاحْتَالَتْ وُجُوهَ الثّعَالِبِ

فَحُقّ مُرَيْدٌ أَنْ تُجَدّ أُنُوفُهُمْ ** بِشَتْمِهِمْ حَيِيّ لُؤَيّ بْنِ غَالِبِ

وَهَبْتُ نَصِيبِي مِنْ مُرَيْدٍ لِجَعْدَرٍ ** وَفَاءً وَبَيْتُ اللّهِ بَيْنَ الْأَخَاشِبِ

.[تَشْبِيبُ كَعْبٍ بِنِسَاءِ الْمُسْلِمِينَ وَالْحِيلَةُ فِي قَتْلِهِ]:

ثُمّ رَجَعَ كَعْبُ بْنُ الْأَشْرَفِ إلَى الْمَدِينَةِ فَشَبّبَ بِنِسَاءِ الْمُسْلِمِينَ حَتّى آذَاهُمْ. فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ كَمَا حَدّثَنِي عَبْدُ اللّهِ بْنُ الْمُغِيثِ بْنِ أَبِي بُرْدَةَ مَنْ لِي بِابْنِ الْأَشْرَفِ؟ فَقَالَ لَهُ مُحَمّدُ بْنُ مَسْلَمَةَ أَخُو بَنِي عَبْدِ الْأَشْهَلِ أَنَا لَك بِهِ يَا رَسُولَ اللّهِ أَنَا أَقْتُلُهُ قَالَ فَافْعَلْ إنْ قَدَرْتَ عَلَى ذَلِكَ. فَرَجَعَ مُحَمّدُ بْنُ مَسْلَمَةَ فَمَكَثَ ثَلَاثًا لَا يَأْكُلُ وَلَا يَشْرَبُ إلّا مَا يُعْلِقُ بِهِ نَفْسَهُ فَذُكِرَ ذَلِكَ لِرَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَدَعَاهُ فَقَالَ لَهُ لِمَ تَرَكْتَ الطّعَامَ وَالشّرَابَ؟ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللّهِ قُلْت لَك قَوْلًا لَا أَدْرِي هَلْ أَفِيَنّ لَك بِهِ أَمْ لَا؟ فَقَالَ إنّمَا عَلَيْك الْجَهْدُ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللّهِ إنّهُ لَا بُدّ لَنَا مِنْ أَنْ نَقُولَ قَالَ قُولُوا مَا بَدَا لَكُمْ فَأَنْتُمْ فِي حِلّ مِنْ ذَلِكَ فَاجْتَمَعَ فِي قَتْلِهِ مُحَمّدُ بْنُ مَسْلَمَةَ، وَسِلْكَانُ بْنُ سَلَامَةَ بْنِ وَقْشٍ وَهُوَ أَبُو نَائِلَةَ أَحَدُ بَنِي عَبْدِ الْأَشْهَلِ، وَكَانَ أَخَا كَعْبِ بْنِ الْأَشْرَفِ مِنْ الرّضَاعَةِ وَعَبّادُ بْنُ بِشْرِ بْنِ وَقْشٍ، أَحَدُ بَنِي عَبْدِ الْأَشْهَلِ وَالْحَارِثُ بْنُ أَوْسِ بْنِ مُعَاذٍ أَحَدُ بَنِي عَبْدِ الْأَشْهَلِ وَأَبُو عَبْسِ بْنِ جَبْرٍ أَحَدُ بَنِي حَارِثَةَ؛ ثُمّ قَدّمُوا إلَى عَدُوّ اللّهِ كَعْبِ بْنِ الْأَشْرَفِ قَبْلَ أَنْ يَأْتُوهُ سِلْكَانَ بْنَ سَلَامَةَ أَبَا نَائِلَةَ فَجَاءَهُ فَتَحَدّثَ مَعَهُ سَاعَةً وَتَنَاشَدُوا شِعْرًا، وَكَانَ أَبُو نَائِلَةَ يَقُولُ الشّعْرَ ثُمّ قَالَ وَيْحَك يَا ابْنَ الْأَشْرَفِ إنّي قَدْ جِئْتُك لِحَاجَةِ أُرِيدُ ذِكْرَهَا لَك، فَاكْتُمْ عَنّي؛ قَالَ أَفْعَلُ قَالَ كَانَ قُدُومُ هَذَا الرّجُلِ عَلَيْنَا بَلَاءً مِنْ الْبَلَاءِ عَادَتْنَا بِهِ الْعَرَبُ، وَرَمَتْنَا عَنْ قَوْسٍ وَاحِدَةٍ وَقَطَعَتْ عَنّا السّبُلَ حَتّى ضَاعَ الْعِيَالُ وَجُهِدَتْ الْأَنْفُسُ وَأَصْبَحْنَا قَدْ جُهِدْنَا وَجُهِدَ عِيَالُنَا. فَقَالَ كَعْبٌ أَنَا ابْنُ الْأَشْرَفِ أَمَا وَاَللّهِ لَقَدْ كُنْتُ أُخْبِرُك يَا ابْنَ سَلَامَةَ أَنّ الْأَمْرَ سَيَصِيرُ إلَى مَا أَقُولُ فَقَالَ لَهُ سِلْكَانُ إنّي قَدْ أَرَدْتُ أَنْ تَبِيعَنَا طَعَامًا وَنَرْهَنَك وَنُوثِقَ لَك، وَنُحْسِنُ فِي ذَلِكَ فَقَالَ أَتَرْهَنُونَنِي أَبْنَاءَكُمْ؟ قَالَ لَقَدْ أَرَدْتَ أَنْ تَفْضَحَنَا إنّ مَعِي أَصْحَابًا لِي عَلَى مِثْلِ رَأْيِي، وَقَدْ أَرَدْتُ أَنْ آتِيَك بِهِمْ فَتَبِيعُهُمْ وَتُحْسِنُ فِي ذَلِكَ وَنَرْهَنُك مِنْ الْحَلْقَةِ مَا فِيهِ وَفَاءٌ وَأَرَادَ سِلْكَانُ أَنْ لَا يُنْكِرَ السّلَاحَ إذَا جَاءُوا بِهَا؛ قَالَ إنّ فِي الْحَلْقَةِ لَوَفَاءً قَالَ فَرَجَعَ سِلْكَانُ إلَى أَصْحَابِهِ فَأَخْبَرَهُمْ خَبَرَهُ وَأَمَرَهُمْ أَنْ يَأْخُذُوا السّلَاحَ ثُمّ يَنْطَلِقُوا فَيَجْتَمِعُوا إلَيْهِ فَاجْتَمَعُوا عِنْدَ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ.
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَيُقَالُ أَتَرْهَنُونَنِي نِسَاءَكُمْ؟ قَالَ كَيْفَ نَرْهَنُك نِسَاءَنَا، وَأَنْتَ أَشَبّ أَهْلِ يَثْرِبَ وَأَعْطَوْهُمْ قَالَ أَتَرْهَنُونَنِي أَبْنَاءَكُمْ؟ قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فَحَدّثَنِي ثَوْرُ بْنُ زَيْدٍ عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنْ ابْنِ عَبّاسٍ. قَالَ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ إلَى بَقِيعِ الْغَرْقَدِ، ثُمّ وَجّهَهُمْ فَقَالَ انْطَلِقُوا عَلَى اسْمِ اللّهِ؛ اللّهُمّ أَعِنْهُمْ ثُمّ رَجَعَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ إلَى بَيْتِهِ وَهُوَ فِي لَيْلَةٍ مُقْمِرَةٍ وَأَقْبَلُوا حَتّى انْتَهَوْا إلَى حِصْنِهِ فَهَتَفَ بِهِ أَبُو نَائِلَةَ وَكَانَ حَدِيثَ عَهْدٍ بِعُرْسٍ فَوَثَبَ فِي مِلْحَفَتِهِ فَأَخَذَتْ امْرَأَتُهُ بِنَاحِيَتِهَا، وَقَالَتْ إنّك امْرُؤٌ مُحَارِبٌ وَإِنّ أَصْحَابَ الْحَرْبِ لَا يَنْزِلُونَ فِي هَذِهِ السّاعَةِ قَالَ إنّهُ أَبُو نَائِلَةَ لَوْ وَجَدَنِي نَائِمًا لَمَا أَيْقَظَنِي؛ فَقَالَتْ وَاَللّهِ إنّي لَأَعْرِفُ فِي صَوْتِهِ الشّرّ قَالَ يَقُولُ لَهَا كَعْبٌ لَوْ يُدْعَى الْفَتَى لِطَعْنَةٍ لَأَجَابَ. فَنَزَلَ فَتَحَدّثَ مَعَهُمْ سَاعَةً وَتَحَدّثُوا مَعَهُ ثُمّ قَالَ هَلْ لَك يَا ابْنَ الْأَشْرَفِ أَنْ تَتَمَاشَى إلَى شِعْبِ الْعَجُوزِ، فَنَتَحَدّثَ بِهِ بَقِيّةَ لَيْلَتِنَا هَذِهِ؟ قَالَ إنْ شِئْتُمْ. فَخَرَجُوا يَتَمَاشَوْنَ فَمَشَوْا سَاعَةً ثُمّ إنّ أَبَا نَائِلَةَ شَامَ يَدَهُ فِي فَوْدِ رَأْسِهِ ثُمّ شَمّ يَدَهُ فَقَالَ مَا رَأَيْت كَاللّيْلَةِ طِيبًا أَعْطَرَ قَطّ، ثُمّ مَشَى سَاعَةً ثُمّ عَادَ لِمِثْلِهَا حَتّى اطْمَأَنّ ثُمّ مَشَى سَاعَةً ثُمّ عَادَ لِمِثْلِهَا، فَأَخَذَ بِفَوْدِ رَأْسِهِ ثُمّ قَالَ اضْرِبُوا عَدُوّ اللّهِ فَضَرَبُوهُ فَاخْتَلَفَتْ عَلَيْهِ أَسْيَافُهُمْ فَلَمْ تُغْنِ شَيْئًا. قَالَ مُحَمّدُ بْنُ مَسْلَمَةَ فَذَكَرْتُ مِغْوَلًا فِي سَيْفِي، حِينَ رَأَيْتُ أَسْيَافَنَا لَا تُغْنِي شَيْئًا، فَأَخَذْتُهُ وَقَدْ صَاحَ عَدُوّ اللّهِ صَيْحَةً لَمْ يَبْقَ حَوْلَنَا حِصْنٌ إلّا وَقَدْ أُوقِدَتْ عَلَيْهِ نَارٌ قَالَ فَوَضَعْته فِي ثُنّتِهِ ثُمّ تَحَامَلْتُ عَلَيْهِ حَتّى بَلَغْتُ عَانَتَهُ فَوَقَعَ عَدُوّ اللّهِ وَقَدْ أُصِيبَ الْحَارِثُ بْنُ أَوْسِ بْنِ مُعَاذٍ فَجُرِحَ فِي رَأْسِهِ أَوْ فِي رِجْلِهِ أَصَابَهُ بَعْضُ أَسْيَافِنَا. قَالَ فَخَرَجْنَا حَتّى سَلَكْنَا عَلَى بَنِي أُمَيّةَ بْنِ زَيْدٍ بَنِي قُرَيْظَة، ثُمّ عَلَى بُعَاثٍ حَتّى أَسْنَدْنَا فِي حَرّةِ الْعَرِيضِ، وَقَدْ أَبْطَأَ عَلَيْنَا صَاحِبُنَا الْحَارِثُ بْنُ أَوْسٍ، وَنَزَفَهُ الدّمُ فَوَقَفْنَا لَهُ سَاعَةً ثُمّ أَتَانَا يَتْبَعُ آثَارَنَا. قَالَ فَاحْتَمَلْنَاهُ فَجِئْنَا بِهِ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ آخِرَ اللّيْلِ وَهُوَ قَائِمٌ يُصَلّي، فَسَلّمْنَا عَلَيْهِ فَخَرَجَ إلَيْنَا. فَأَخْبَرْنَاهُ بِقَتْلِ عَدُوّ اللّهِ وَتَفَلَ عَلَى جُرْحِ صَاحِبِنَا، فَرَجَعَ وَرَجَعْنَا إلَى أَهْلِنَا فَأَصْبَحْنَا وَقَدْ خَافَتْ يَهُودُ لِوَقْعَتِنَا بِعَدُوّ اللّهِ فَلَيْسَ بِهَا يَهُودِيّ إلّا وَهُوَ يَخَافُ عَلَى نَفْسِهِ.
.[شِعْرُ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ فِي مَقْتَلِ ابْنِ الْأَشْرَفِ]:

قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فَقَالَ كَعْبُ بْنُ مَالِكٍ:
فَغُودِرَ مِنْهُمْ كَعْبٌ صَرِيعًا ** فَذَلّتْ بَعْدَ مَصْرَعِهِ النّضِيرُ

عَلَى الْكَفّيْنِ ثَمّ وَقَدْ عَلَتْهُ ** بِأَيْدِينَا مُشْهَرَةٌ ذُكُورُ

بِأَمْرِ مُحَمّدٍ إذْ دَسّ لَيْلًا ** إلَى كَعْبٍ أَخَا كَعْبٍ يَسِيرُ

فَمَا كَرِهَ فَأَنْزَلَهُ بِمَكْرٍ ** وَمَحْمُودٌ أَخُو ثِقَةٍ جَسُورُ

قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَهَذِهِ الْأَبْيَاتُ فِي قَصِيدَةٍ لَهُ فِي يَوْمِ بَنِي النّضِيرِ، سَأَذْكُرُهَا إنْ شَاءَ اللّهُ فِي حَدِيثِ ذَلِكَ الْيَوْمِ.
.[شِعْرُ حَسّانَ فِي مُقْتَلِ ابْنِ الْأَشْرَفِ وَابْنِ أَبِي الْحُقَيْقِ]:

قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَقَالَ حَسّانُ بْنُ ثَابِتٍ يَذْكُرُ قَتْلَ كَعْبِ بْنِ الْأَشْرَفِ وَقَتْلَ سَلّامِ بْنِ أَبِي الْحُقَيْقِ:
لِلّهِ دَرّ عِصَابَةٍ لَاقَيْتهمْ ** يَا ابْنَ الْحُقَيْقِ وَأَنْتَ يَا ابْنَ الْأَشْرَفِ

يَسْرُونَ بِالْبِيضِ الْخِفَافِ إلَيْكُمْ ** مَرَحًا كَأُسْدٍ فِي عَرِينٍ مُغْرِفِ

حَتّى أَتَوْكُمْ فِي مَحِلّ بِلَادِكُمْ ** فَسَقَوْكُمْ حَتْفًا بِبِيضٍ ذُفّفِ

مُسْتَنْصِرِينَ لِنَصْرِ دِينِ نَبِيّهِمْ ** مُسْتَصْغَرِينَ لِكُلّ أَمْرٍ مُجْحِفِ

قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَسَأَذْكُرُ قَتْلَ سَلّامِ بْنِ أَبِي الْحُقَيْقِ فِي مَوْضِعِهِ إنْ شَاءَ اللّهُ. وَقوله: ذُفّفِ، عَنْ غَيْرِ ابْنِ إسْحَاقَ.
أَمْرُ مُحَيّصَةَ وَحُوَيّصَةَ.
.[لَوْمُ حُوَيّصَةَ لِأَخِيهِ مُحَيّصَةَ لِقَتْلِهِ يَهُودِيّا ثُمّ إسْلَامُهُ]:

قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَقَالَ رَسُولُ اللّهِ مَنْ ظَفَرْتُمْ بِهِ مِنْ رِجَالِ يَهُودَ فَاقْتُلُوهُ فَوَثَبَ مُحَيّصَةُ بْنُ مَسْعُودٍ- قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: مُحَيّصَة. وَيُقَالُ مُحَيّصَةُ بْنُ مَسْعُودِ بْنِ كَعْبِ بْنِ عَامِرِ بْنِ عَدِيّ بْنِ مَجْدَعَةَ بْنِ حَارِثَةَ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ الْخَزْرَجِ بْنِ عَمْرِو بْنِ مَالِكِ بْنِ الْأَوْسِ- عَلَى ابْنِ سُنَيْنَة- قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَيُقَالُ سُبَيْنَة- رَجُلٌ مِنْ تُجّارِ يَهُودَ كَانَ يُلَابِسُهُمْ وَيُبَايِعُهُمْ فَقَتَلَهُ وَكَانَ حُوَيّصَة بْنُ مَسْعُودٍ إذْ ذَاكَ لَمْ يُسْلِمْ وَكَانَ أَسَنّ مِنْ مُحَيّصَةَ فَلَمّا قَتَلَهُ جَعَلَ حُوَيّصَةَ يَضْرِبُهُ وَيَقُولُ أَيْ عَدُوّ اللّهِ أَقَتَلْتَهُ أَمَا وَاَللّهِ لَرُبّ شَحْمٍ فِي بَطْنِك مِنْ مَالِهِ. قَالَ مُحَيّصَةُ فَقُلْت: وَاَللّهِ لَقَدْ أَمَرَنِي بِقَتْلِهِ مَنْ لَوْ أَمَرَنِي بِقَتْلِك لَضَرَبْتُ عُنُقَك؛ قَالَ فَوَاَللّهِ إنْ كَانَ لِأَوّلِ إسْلَامِ حُوَيّصَةَ قَالَ آوَللّهِ لَوْ أَمَرَك مُحَمّدٌ بِقَتْلِي لَقَتَلْتَنِي؟ قَالَ نَعَمْ وَاَللّهِ لَوْ أَمَرَنِي بِضَرْبِ عُنُقِك لَضَرَبْتُهَا قَالَ وَاَللّهِ إنّ دِينًا بَلَغَ بِك هَذَا لَعَجَبٌ فَأَسْلَمَ حُوَيّصَة. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: حَدّثَنِي هَذَا الْحَدِيثَ مَوْلًى لِبَنِي حَارِثَةَ عَنْ ابْنِهِ مُحَيّصَةَ عَنْ أَبِيهَا مُحَيّصَةَ.
.[شِعْرُ مُحَيّصَةَ فِي لَوْمِ أَخِيهِ لَهُ]:

فَقَالَ مُحَيّصَةُ فِي ذَلِكَ:
يَلُومُ ابْنُ أُمّي لَوْ أُمِرْتُ بِقَتْلِهِ ** لَطَبّقْتُ ذِفْرَاهُ بِأَبْيَضَ قَاضِبِ

حُسَامٍ كَلَوْنِ الْمِلْحِ أُخْلِصَ صَقْلُهُ ** مَتَى مَا أُصَوّبْهُ فَلَيْسَ بِكَاذِبِ

وَمَا سَرّنِي أَنّي قَتَلْتُكَ طَائِعًا ** وَأَنّ لَنَا مَا بَيْنَ بُصْرَى وَمَأْرِبِ

.[رِوَايَةٌ أُخْرَى فِي إسْلَامِ حُوَيّصَةَ]:

قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَحَدّثَنِي أَبُو عُبَيْدَةَ عَنْ أَبِي عَمْرٍو الْمَدَنِيّ قَالَ لَمّا ظَفَرَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّه عَلَيْهِ وَسَلّمَ بِبَنِي قُرَيْظَةَ أَخَذَ مِنْهُمْ نَحْوًا مِنْ أَرْبَعِ مِئَةِ رَجُلٍ مِنْ الْيَهُودِ، وَكَانُوا حَلْفَاءَ الْأَوْسِ عَلَى الْخَزْرَجِ، فَأَمَرَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بِأَنْ تُضْرَبَ أَعْنَاقُهُمْ فَجَعَلَتْ الْخَزْرَجُ تَضْرِبُ أَعْنَاقَهُمْ وَيَسُرّهُمْ ذَلِكَ فَنَظَرَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ إلَى الْخَزْرَجِ وَوُجُوهُهُمْ مُسْتَبْشِرَةٌ وَنَظَرَ إلَى الْأَوْسِ فَلَمْ يَرَ ذَلِكَ فِيهِمْ فَظَنّ أَنّ ذَلِكَ لِلْحِلْفِ الّذِي بَيْنَ الْأَوْسِ وَبَيْنَ بَنِي قُرَيْظَة وَلَمْ يَكُنْ بَقِيَ مِنْ بَنِي قُرَيْظَةَ إلّا اثْنَا عَشَرَ رَجُلًا، فَدَفَعَهُمْ إلَى الْأَوْسِ، فَدَفَعَ إلَى كُلّ رَجُلَيْنِ مِنْ الْأَوْسِ رَجُلًا مِنْ بَنِي قُرَيْظَةَ وَقَالَ لِيَضْرِبَ فُلَانٌ وَلْيُذَفّفْ فُلَانٌ فَكَانَ مِمّنْ دَفَعَ إلَيْهِمْ كَعْبُ بْنُ يَهُوذَا، وَكَانَ عَظِيمًا فِي بَنِي قُرَيْظَةَ فَدَفَعَهُ إلَى مُحَيّصَةَ بْنِ مَسْعُودٍ، وَإِلَى أَبِي بُرْدَةَ بْنِ نِيَارٍ- وَأَبُو بُرْدَةَ الّذِي رَخّصَ لَهُ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّه عَلَيْهِ وَسَلّمَ فِي أَنْ يَذْبَحَ جَذَعًا مِنْ الْمَعْزِ فِي الْأَضْحَى- وَقَالَ لِيَضْرِبَهُ مُحَيّصَةُ وَلِيُذَفّفْ عَلَيْهِ أَبُو بُرْدَةَ فَضَرَبَهُ مُحَيّصَةُ ضَرْبَةً لَمْ تَقْطَعْ وَذَفّفَ أَبُو بُرْدَةَ فَأَجْهَزَ عَلَيْهِ. فَقَالَ حُوَيّصَة، وَكَانَ كَافِرًا، لِأَخِيهِ مُحَيّصَةَ أَقَتَلْتَ كَعْبَ ابْنَ يَهُوذَا؟ قَالَ نَعَمْ فَقَالَ حُوَيّصَة: أَمَا وَاَللّهِ لَرُبّ شَحْمٍ قَدْ نَبَتَ فِي بَطْنِك مِنْ مَالِهِ إنّك لَلَئِيمٌ يَا مُحَيّصَةُ فَقَالَ لَهُ مُحَيّصَةُ لَقَدْ أَمَرَنِي بِقَتْلِهِ مَنْ لَوْ أَمَرَنِي يَقْتُلْك لَقَتَلْتُك؛ فَعَجِبَ مِنْ قَوْلِهِ ثُمّ ذَهَبَ عَنْهُ مُتَعَجّبًا. فَذَكَرُوا أَنّهُ جَعَلَ يَتَيَقّظُ مِنْ اللّيْلِ فَيَعْجَبُ مِنْ قَوْلِ أَخِيهِ مُحَيّصَةَ. حَتّى أَصْبَحَ وَهُوَ يَقُولُ وَاَللّهِ إنّ هَذَا لَدِينٌ. ثُمّ أَتَى النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَأَسْلَمَ فَقَالَ مُحَيّصَةُ فِي ذَلِكَ أَبْيَاتًا قَدْ كَتَبْنَاهَا.
.[الْمُدّةُ بَيْنَ قُدُومِ الرّسُولِ نَجْرَانَ وَغَزْوَةِ أُحُدٍ]:

قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَكَانَتْ إقَامَةُ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بَعْدَ قُدُومِهِ مِنْ نَجْرَانَ، جُمَادَى الْآخِرَةِ وَرَجَبًا وَشَعْبَانَ وَشَهْرَ رَمَضَانَ وَغَزَتْهُ قُرَيْشٌ غَزْوَةَ أُحُدٍ فِي شَوّالٍ سَنَةَ ثَلَاثٍ.
.غَزْوَةُ أُحُد:

وَكَانَ مِنْ حَدِيثِ أُحُدٍ، كَمَا حَدّثَنِي مُحَمّدُ بْنُ مُسْلِمٍ الزّهْرِيّ وَمُحَمّدُ بْنُ يَحْيَى بْنِ حِبّانَ وَعَاصِمُ بْنُ عُمَرَ بْنِ قَتَادَةَ وَالْحُصَيْنُ بْنُ عَبْدِ الرّحْمَنِ بْنِ عَمْرِو بْنِ سَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ وَغَيْرُهُمْ مِنْ عُلَمَائِنَا، كُلّهُمْ قَدْ حَدّثَ بَعْضَ الْحَدِيثِ عَنْ يَوْمِ أُحُدٍ، وَقَدْ اجْتَمَعَ حَدِيثُهُمْ كُلّهُ فِيمَا سُقْتُ مِنْ هَذَا الْحَدِيثِ عَنْ يَوْمِ أُحُدٍ قَالُوا، أَوْ مَنْ قَالَهُ مِنْهُمْ.
.[التّحْرِيضُ عَلَى غَزْوِ الرّسُولِ]:

لَمّا أُصِيبَ يَوْمَ بَدْرٍ مِنْ كُفّارِ قُرَيْشٍ أَصْحَابِ الْقَلِيبِ، وَرَجَعَ فَلّهُمْ إلَى مَكّةَ، وَرَجَعَ أَبُو سُفْيَانَ بْنُ حَرْبٍ بِعِيرِهِ مَشَى عَبْدُ اللّهِ بْنُ أَبِي رَبِيعَةَ، وَعِكْرِمَةُ بْنُ أَبِي جَهْلٍ، وَصَفْوَانُ بْنُ أُمَيّةَ، فِي رِجَالٍ مِنْ قُرَيْشٍ، مِمّنْ أُصِيبَ آبَاؤُهُمْ وَأَبْنَاؤُهُمْ وَإِخْوَانُهُمْ يَوْمَ بَدْرٍ فَكَلّمُوا أَبَا سُفْيَانَ بْنَ حَرْبٍ وَمَنْ كَانَتْ لَهُ فِي تِلْكَ الْعِيرِ مِنْ قُرَيْشٍ تِجَارَةٌ فَقَالُوا: يَا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ إنّ مُحَمّدًا قَدْ وَتَرَكُمْ، وَقَتَلَ خِيَارَكُمْ فَأَعِينُونَا بِهَذَا الْمَالِ عَلَى حَرْبِهِ فَلَعَلّنَا نُدْرِكُ مِنْهُ ثَأْرَنَا بِمَنْ أَصَابَ مِنّا، فَفَعَلُوا.
.[مَا نَزَلَ فِي ذَلِكَ مِنْ الْقُرْآنِ]:

قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فَفِيهِمْ كَمَا ذَكَرَ لِي بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ أَنَزَلَ اللّهُ تَعَالَى: {إِنّ الّذِينَ كَفَرُوا يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ لِيَصُدّوا عَنْ سَبِيلِ اللّهِ فَسَيُنْفِقُونَهَا ثُمّ تَكُونُ- عَلَيْهِمْ حَسْرَةً ثُمّ يُغْلَبُونَ وَالّذِينَ كَفَرُوا إِلَى جَهَنّمَ يُحْشَرُونَ}
.[اجْتِمَاعُ قُرَيْشٍ لِلْحَرْبِ]:

فَاجْتَمَعَتْ قُرَيْشٌ لِحَرْبِ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ حِينَ فَعَلَ ذَلِكَ أَبُو سُفْيَانَ أَطَاعَهَا مِنْ قَبَائِلِ كِنَانَةَ وَأَهْلِ تِهَامَةَ. وَكَانَ أَبُو عَزّةَ عَمْرُو بْنُ عَبْدِ اللّهِ الْجُمَحِيّ قَدْ مَنّ عَلَيْهِ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ يَوْمَ بَدْرٍ وَكَانَ فَقِيرًا ذَا عِيَالٍ وَحَاجَةٍ وَكَانَ فِي الْأُسَارَى فَقَالَ إنّي فَقِيرٌ ذُو عِيَالٍ وَحَاجَةٍ قَدْ عَرَفْتَهَا فَامْنُنْ عَلَيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْك وَسَلّمَ فَمَنّ عَلَيْهِ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ. فَقَالَ لَهُ صَفْوَانُ بْنُ أُمَيّةَ: يَا أَبَا عَزّةَ إنّك امْرُؤٌ شَاعِرٌ، فَأُعِنّا بِلِسَانِك، فَاخْرُجْ مَعَنَا؛ فَقَالَ إنّ مُحَمّدًا قَدْ مَنّ عَلَيّ فَلَا أُرِيدُ أَنْ أُظَاهِرَ عَلَيْهِ قَالَ بَلَى فَأَعِنّا بِنَفْسِك، فَلَك اللّهُ عَلَيّ إنْ رَجَعْتُ أَنْ أُغْنِيَك، وَإِنْ أُصِبْتَ أَنْ أَجَعَلَ بَنَاتِك مَعَ بَنَاتِي، يُصِيبُهُنّ مَا أَصَابَهُنّ مِنْ عُسْرٍ وَيُسْرٍ. فَخَرَجَ أَبُو عَزّةَ فِي تِهَامَةَ، وَيَدْعُو بَنِي كِنَانَةَ وَيَقُولُ.
إيهًا بَنِي عَبْدِ مَنَاةَ الرّزّام ** أَنْتُمْ حُمَاةٌ وَأَبُوكُمْ حَامْ

لَا تَعْدُونِي نَصّرَكُمْ بَعْدَ الْعَامِ ** لَا تُسْلِمُونِي لَا يَحِلّ إسْلَامْ

وَخَرَجَ مُسَافِعُ بْنُ عَبْدِ مَنَافِ بْنِ وَهْبِ بْنِ حُذَافَةَ بْنِ جُمَحٍ إلَى بَنِي مَالِكِ بْنِ كِنَانَةَ، يُحَرّضُهُمْ وَيَدْعُوهُمْ إلَى حَرْبِ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَقَالَ:
يَا مَالُ مَالُ الْحَسَبَ الْمُقَدّمِ ** أَنْشُدُ ذَا الْقُرْبَى وَذَا التّذَمّمْ

مَنْ كَانَ ذَا رَحِمٍ وَمَنْ لَمْ يَرْحَمْ ** الْحِلْفَ وَسْطَ الْبَلَدِ الْمُحَرّمْ

عِنْدَ حَطِيمِ الْكَعْبَةِ الْمُعَظّمْ وَدَعَا جُبَيْرُ بْنُ مُطْعِمٍ غُلَامًا لَهُ حَبَشِيّا يُقَالُ لَهُ وَحْشِيّ، يَقْذِفُ بِحَرْبَةِ لَهُ قَذْفَ الْحَبَشَةِ، قَلّمَا يُخْطِئُ بِهَا، فَقَالَ لَهُ اُخْرُجْ مَعَ النّاسِ فَإِنْ أَنْتَ قَتَلْت حَمْزَةَ عَمّ مُحَمّدٍ بِعَمّي طُعَيْمَةَ بْنِ عَدِيّ، فَأَنْتَ عَتِيقٌ.
.[خُرُوجُ قُرَيْشٍ مَعَهُمْ نِسَاؤُهُمْ]:

قَالَ فَخَرَجَتْ قُرَيْشٌ بِحَدّهَا وَجَدّهَا وَحَدِيدِهَا وَأَحَابِيشِهَا، وَمَنْ تَابَعَهَا بَنِي كِنَانَةَ، وَأَهْلِ تِهَامَةَ، وَخَرَجُوا مَعَهُمْ بِالظّعْنِ؟ الْتِمَاسَ الْحَفِيظَةِ وَأَلّا يَفِرّوا. فَخَرَج َ أَبُو سُفْيَانَ بْنُ حَرْبٍ، وَهُوَ قَائِدُ النّاسِ بِهِنْدٍ بْنَةِ عُتْبَة وَخَرَجَ عِكْرِمَةُ بْنُ أَبِي جَهْلٍ بِأُمّ حَكِيمٍ بِنْتِ الْحَارِثِ بْنِ هِشَامِ بْنِ الْمُغِيرَةِ وَخَرَجَ الْحَارِثُ بْنُ هِشَامِ بْنِ الْمُغِيرَةِ بِفَاطِمَةَ بِنْتِ الْوَلِيدِ بْنِ الْمُغِيرَةِ، وَخَرَجَ صَفْوَانُ بْنُ أُمَيّةَ بِبَرْزَةَ بِنْتِ مَسْعُودِ بْنِ عَمْرِو بْنِ عُمَيْرٍ الثّقَفِيّةِ وَهِيَ أُمّ عَبْدِ اللّهِ بْنِ صَفْوَانَ بْنِ أُمَيّةَ. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَيُقَالُ رُقَيّةُ. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَخَرَجَ عَمْرُو بْنُ الْعَاصِ بِرَيْطَةَ بِنْتِ مُنَبّهِ بْنِ الْحَجّاجِ وَهِيَ أُمّ عَبْدِ اللّهِ بْنِ عَمْرٍو، وَخَرَجَ طَلْحَةُ بْنُ أَبِي طَلْحَةَ وَأَبُو طَلْحَةَ عَبْدُ اللّهِ بْنُ عَبْدِ الْعُزّى بْنِ عُثْمَانَ بْنِ عَبْدِ الدّارِ بِسُلَافَةَ بِنْتِ سَعْدِ بْنِ شَهِيدٍ الْأَنْصَارِيّةِ وَهِيَ أُمّ بَنِي طَلْحَةَ مُسَافِعُ وَالْجُلَاسُ وَكِلَابٌ قُتِلُوا يَوْمئِذٍ هُمْ وَأَبُوهُمْ وَخَرَجَتْ خُنَاسُ بِنْتُ مَالِكٍ بْنِ الْمُضْرِبِ إحْدَى نِسَاءِ بَنِي مَالِكِ بْنِ حِسْلٍ مَعَ ابْنِهَا أَبِي عَزِيزِ بْنِ عُمَيْرٍ وَهِيَ أُمّ مُصْعَبِ بْنِ عُمَيْرٍ، وَخَرَجَتْ عَمْرَةُ بِنْتُ عَلْقَمَةَ إحْدَى نِسَاءِ بَنِي الْحَارِثِ بْنِ عَبْدِ مَنَاةَ بْنِ كِنَانَةَ. وَكَانَتْ هِنْدُ بِنْتُ عُتْبَة كُلّمَا مَرّتْ بِوَحْشِيّ أَوْ مَرّ بِهَا، قَالَتْ وَيْهَا أَبَا دَسْمَةَ اشْفِ وَاسْتَشْفِ وَكَانَ وَحْشِيّ يُكَنّى بِأَبِي دَسْمَةَ فَأَقْبَلُوا حَتّى نَزَلُوا بِعَيْنَيْنِ بِجَبَلٍ بِبَطْنِ السّبْخَةِ مِنْ قَنَاةٍ عَلَى شَفِيرِ الْوَادِي، مُقَابِلَ الْمَدِينَةِ.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://el-quran.ahlamontada.com
Admin
Admin
Admin


المساهمات : 4240
تاريخ التسجيل : 20/01/2018

كتاب السيرة النبوية۞ لعبد الملك ابن هشام ۞«المؤرخ» ​ - صفحة 2 Empty
مُساهمةموضوع: رد: كتاب السيرة النبوية۞ لعبد الملك ابن هشام ۞«المؤرخ» ​   كتاب السيرة النبوية۞ لعبد الملك ابن هشام ۞«المؤرخ» ​ - صفحة 2 Emptyالأحد مارس 04, 2018 6:41 am

كتاب السيرة النبوية۞ لعبد الملك ابن هشام ۞«المؤرخ» ​ - صفحة 2 SeeretIbenHisham

.[رُؤْيَا رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ]:

قَالَ فَلَمّا سَمِعَ بِهِمْ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَالْمُسْلِمُونَ قَدْ نَزَلُوا حَيْثُ نَزَلُوا، قَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّه عَلَيْهِ وَسَلّمَ لِلْمُسْلِمِينَ إنّي قَدْ رَأَيْت وَاَللّهِ خَيْرًا، رَأَيْتُ بَقَرًا، وَرَأَيْتُ فِي ذُبَابِ سَيْفِي ثَلْمًا، وَرَأَيْتُ أَنّي أَدْخَلْتُ يَدِي فِي دِرْعٍ حَصِينَةٍ فَأَوّلْتُهَا الْمَدِينَةَ قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَحَدّثَنِي بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ أَنّ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ قَالَ «رَأَيْت بَقَرًا لِي تُذْبَحُ؟ قَالَ فَأَمّا الْبَقَرُ فَهِيَ نَاسٌ مِنْ أَصْحَابِي يُقْتَلُونَ وَأَمّا الثّلْمُ الّذِي رَأَيْتُ فِي ذُبَابِ سَيْفِي، فَهُوَ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ بَيْتِي يُقْتَلُ».

.[مُشَاوَرَةُ الرّسُولِ الْقَوْمَ فِي الْخُرُوجِ أَوْ الْبَقَاءِ]:

قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فَإِنْ رَأَيْتُمْ أَنْ تُقِيمُوا بِالْمَدِينَةِ وَتَدْعُوهُمْ حَيْثُ نَزَلُوا، فَإِنْ أَقَامُوا أَقَامُوا بِشَرّ مُقَامٍ وَإِنْ هُمْ دَخَلُوا عَلَيْنَا قَاتَلْنَاهُمْ فِيهَا وَكَانَ رَأْيُ عَبْدِ اللّهِ بْنِ أُبَيّ ابْنِ سَلُولَ مَعَ رَأْيِ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ يَرَى رَأْيَهُ فِي ذَلِكَ وَأَلّا يَخْرَجَ إلَيْهِمْ وَكَانَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ يَكْرَهُ الْخُرُوجَ فَقَالَ رِجَالٌ مِنْ الْمُسْلِمِينَ مِمّنْ أَكْرَمَ اللّهُ بِالشّهَادَةِ يَوْمَ أُحُدٍ وَغَيْرِهِ مِمّنْ كَانَ فَاتَهُ بَدْرٌ يَا رَسُولَ اللّهِ اُخْرُجْ بِنَا إلَى أَعْدَائِنَا، لَا يَرَوْنَ أَنّا جَبُنّا عَنْهُمْ وَضَعُفْنَا؟ فَقَالَ عَبْدُ اللّهِ بْنُ أُبَيّ ابْنُ سَلُولَ يَا رَسُولَ اللّهِ أَقِمْ بِالْمَدِينَةِ لَا تَخْرُجْ إلَيْهِمْ فَوَاَللّهِ مَا خَرَجْنَا مِنْهَا إلَى عَدُوّ لَنَا قَطّ إلّا أَصَابَ مِنّا، وَلَا دَخَلَهَا عَلَيْنَا إلّا أَصَبْنَا مِنْهُ فَدَعْهُمْ يَا رَسُولَ اللّهِ فَإِنْ أَقَامُوا أَقَامُوا بِشَرّ مَحْبِسٍ وَإِنْ دَخَلُوا قَاتَلَهُمْ الرّجَالُ فِي وَجْهِهِمْ وَرَمَاهُمْ النّسَاءُ وَالصّبْيَانُ بِالْحِجَارَةِ مِنْ فَوْقِهِمْ وَإِنْ رَجَعُوا رَجَعُوا خَائِبِينَ كَمَا جَاءُوا. فَلَمْ يَزَلْ النّاسُ بِرَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ الّذِينَ كَانَ مِنْ أَمْرِهِمْ حُبّ لِقَاءِ الْقَوْمِ حَتّى دَخَلَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بَيْتَهُ فَلَبِسَ لَأْمَتَهُ وَذَلِكَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ حَيْنَ فَرَغَ مِنْ الصّلَاةِ. وَقَدْ مَاتَ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ رَجُلٌ مِنْ الْأَنْصَارِ يُقَالُ لَهُ مَالِكُ بْنُ عَمْرٍو، أَحَدُ بَنِي النّجّار ِ فَصَلّى عَلَيْهِ رَسُولُ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ ثُمّ خَرَجَ عَلَيْهِمْ وَقَدْ نَدِمَ النّاسُ وَقَالُوا: اسْتَكْرَهْنَا رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَلَمْ يَكُنْ لَنَا ذَلِكَ. فَلَمّا خَرَجَ عَلَيْهِمْ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ قَالُوا: يَا رَسُولَ اللّهِ اسْتَكْرَهْنَاك وَلَمْ يَكُنْ ذَلِكَ لَنَا، فَإِنْ شِئْتَ فَاقْعُدْ صَلّى اللّهُ عَلَيْك، فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ مَا يَنْبَغِي لِنَبِيّ إذَا لَبِسَ لَأَمْته أَنْ يَضَعَهَا حَتّى يُقَاتِلَ فَخَرَجَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فِي أَلْفٍ مِنْ أَصْحَابِهِ. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَاسْتَعْمَلَ ابْنَ أُمّ مَكْتُومٍ عَلَى الصّلَاةِ بِالنّاسِ.
.[انْخِذَالُ الْمُنَافِقِينَ]:

قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: حَتّى إذَا كَانُوا بِالشّوْطِ بَيْنَ الْمَدِينَةِ وَأُحُدٍ، انْخَزَلَ عَنْهُ عَبْدُ اللّهِ بْنُ أُبَيّ ابْنُ سَلُولَ بِثُلُثِ النّاسِ وَقَالَ أَطَاعَهُمْ وَعَصَانِي، مَا نَدْرِي عَلَامَ نَقْتُل أَنْفُسَنَا هَاهُنَا أَيّهَا النّاسُ فَرَجَعَ بِمَنْ اتّبَعَهُ مِنْ قَوْمِهِ مِنْ أَهْلِ النّفَاقِ وَالرّيْبِ وَاتّبَعَهُمْ عَبْدُ اللّهِ بْنُ عَمْرِو بْنِ حَرَامٍ أَخُو بَنِي سَلِمَةَ يَقُولُ يَا قَوْمِ أُذَكّرُكُمْ اللّهَ أَلّا تَخْذُلُوا قَوْمَكُمْ وَنَبِيّكُمْ عِنْدَمَا حَضَرَ مِنْ عَدُوّهِمْ فَقَالُوا: لَوْ نَعْلَمُ أَنّكُمْ تُقَاتِلُونَ لَمَا أَسْلَمْنَاكُمْ وَلَكِنّا لَا نَرَى أَنّهُ يَكُونُ قِتَالٌ. قَالَ فَلَمّا اسْتَعْصَوْا عَلَيْهِ وَأَبَوْا إلّا الِانْصِرَافَ عَنْهُمْ قَالَ أَبْعَدَكُمْ اللّهُ أَعْدَاءَ اللّهِ فَسَيُغْنِي اللّهُ عَنْكُمْ نَبِيّهُ. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَذَكَرَ غَيْرُ زِيَادٍ عَنْ مُحَمّدِ بْنِ إسْحَاقَ عَنْ الزّهْرِيّ: أَنّ الْأَنْصَارَ يَوْمَ أُحُدٍ، قَالُوا لِرَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ يَا رَسُولَ اللّهِ أَلَا نَسْتَعِينُ بِحُلَفَائِنَا مِنْ يَهُودَ؟ فَقَالَ لَا حَاجَةَ لَنَا فِيهِمْ.
.[حَادِثَةٌ تَفَاءَلَ بِهَا الرّسُولُ]:

قَالَ زِيَادٌ حَدّثَنِي مُحَمّدُ بْنُ إسْحَاقَ قَالَ وَمَضَى رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ حَتّى سَلَكَ فِي حَرّةِ بَنِي حَارِثَةَ، فَذَبّ فَرَسُ بِذَنَبِهِ فَأَصَابَ كَلّابَ سَيْفٍ فَاسْتَلّهُ. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَيُقَالُ كِلَابُ سَيْفٍ. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَكَانَ يُحِبّ الْفَأْلَ وَلَا يَعْتَافُ لِصَاحِبِ السّيْفِ شِمْ سَيْفَك، فَإِنّي أَرَى السّيُوفَ سَتُسَلّ الْيَوْمَ.
.[مَا كَانَ مِنْ مِرْبَعٍ حِينَ سَلَكَ الْمُسْلِمُونَ حَائِطَهُ]:

قَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ لِأَصْحَابِهِ مَنْ رَجُلٌ يَخْرُجُ بِنَا عَلَى الْقَوْمِ مِنْ كَثَبٍ أَيْ مِنْ قُرْبٍ مِنْ طَرِيقٍ لَا يَمُرّ بِنَا عَلَيْهِمْ؟ فَقَالَ أَبُو خَيْثَمَةَ أَخُو بَنِي حَارِثَةَ بْنِ الْحَارِثِ أَنَا يَا رَسُولَ اللّهِ فَنَفَذَ بِهِ فِي حَرّةِ بَنِي حَارِثَةَ، وَبَيْنَ أَمْوَالِهِمْ حَتّى سَلَكَ فِي مَالٍ لِمِرْبَعِ بْنِ قَيْظِيّ وَكَانَ رَجُلًا مُنَافِقًا ضَرِيرَ الْبَصَرِ فَلَمّا سَمِعَ حِسّ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَمَنْ مَعَهُ مِنْ الْمُسْلِمِينَ قَامَ يَحْثِي فِي وُجُوهِهِمْ التّرَابَ وَيَقُولُ إنْ كُنْتَ رَسُولَ اللّهِ فَإِنّي لَا أُحِلّ لَك أَنْ تَدْخُلَ حَائِطِي. وَقَدْ ذُكِرَ لِي أَنّهُ أَخَذَ حَفْنَةً مِنْ تُرَابٍ فِي يَدِهِ ثُمّ قَالَ وَاَللّهِ لَوْ أَعْلَمُ أَنّي لَا أُصِيبُ بِهَا غَيْرَك يَا مُحَمّدُ لَضَرَبْتُ بِهَا وَجْهَك. فَابْتَدَرَهُ الْقَوْمُ لِيَقْتُلُوهُ فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ لَا تَقْتُلُوهُ فَهَذَا الْأَعْمَى أَعْمَى الْقَلْبِ، أَعْمَى الْبَصَرِ وَقَدْ بَدَرَ إلَيْهِ سَعْدُ بْنُ زَيْدٍ، أَخُو بَنِي عَبْدِ الْأَشْهَلِ، قَبْلَ نَهْيِ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ عَنْهُ فَضَرَبَهُ بِالْقَوْسِ فِي رَأْسِهِ فَشَجّهُ.
.[نُزُولُ الرّسُولِ بِالشّعْبِ وَتَعْبِيَتُهُ لِلْقِتَالِ]:

قَالَ وَمَضَى رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ حَتّى نَزَلَ الشّعْبَ مِنْ أُحُدٍ، فِي عُدْوَةِ الْوَادِي إلَى الْجَبَلِ فَجَعَلَ ظَهْرَهُ وَعَسْكَرَهُ إلَى أُحُدٍ، وَقَالَ لَا يُقَاتِلُنّ أَحَدٌ مِنْكُمْ حَتّى نَأْمُرُهُ بِالْقِتَالِ وَقَدْ سَرّحَتْ قُرَيْشٌ الظّهْرَ وَالْكُرَاعَ فِي زُرُوعٍ كَانَتْ بِالصّمْغَةِ مِنْ قَنَاةِ لِلْمُسْلِمِينَ فَقَالَ رَجُلٌ مِنْ الْأَنْصَارِ حِينَ نَهَى رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ عَنْ الْقِتَالِ أَتُرْعَى زُرُوعُ بَنِي قَيْلَةَ وَلِمَا نُضَارِبُ وَتُعَبّى رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ لِلْقِتَالِ وَهُوَ فِي سَبْعِ مِئَةِ رَجُلٍ وَأَمّرَ عَلَى الرّمَاةِ عَبْدَ اللّهِ بْنَ جُبَيْرٍ، أَخَا بَنِي عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ وَهُوَ مُعْلَمٌ يَوْمئِذٍ بِثِيَابِ بِيضٍ وَالرّمَاةُ خَمْسُونَ رَجُلًا، فَقَالَ انْضَحْ الْخَيْلَ عَنّا بِالنّبْلِ، لَا يَأْتُونَا مِنْ خَلْفِنَا، إنْ كَانَتْ لَنَا أَوْ عَلَيْنَا، فَاثْبُتْ مَكَانَك لَا نُؤْتَيَنّ مِنْ قِبَلِكِ وَظَاهَرَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بَيْنَ دِرْعَيْنِ وَدَفَعَ اللّوَاءَ إلَى مُصْعَبِ بْنِ عُمَيْرٍ، أَخِي بَنِي عَبْدِ الدّارِ.
.[مَنْ أَجَازَهُمْ الرّسُولُ وَهُمْ فِي الْخَامِسَةَ عَشْرَةَ]:

قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَأَجَازَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ يَوْمئِذٍ سَمُرَةَ بْنَ جُنْدُبٍ الْفَزَارِيّ وَرَافِعَ بْنَ خَدِيجٍ، أَخَا بَنِي حَارِثَةَ وَهُمَا ابْنَا خَمْسَ عَشْرَةَ سَنَةً وَكَانَ قَدْ رَدّهُمَا، فَقِيلَ لَهُ يَا رَسُولَ اللّهِ إنّ رَافِعًا رَامٍ، فَأَجَازَهُ فَلَمّا أَجَازَ رَافِعًا، قِيلَ لَهُ يَا رَسُولَ اللّهِ فَإِنّ سَمُرَةَ يَصْرَعُ رَافِعًا، فَأَجَازَهُ وَرَدّ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّه عَلَيْهِ وَسَلّمَ أُسَامَةَ بْنَ زَيْد ٍ وَعَبْدَ اللّهِ بْنَ عُمَرَ بْنِ الْخَطّابِ وَزَيْدَ بْنَ ثَابِتٍ، أَحَدَ بَنِي مَالِكِ بْنِ النّجّارِ وَالْبَرَاءَ بْنَ عَازِبٍ، أَحَدَ بَنِي حَارِثَة، وَعَمْرَو بْنَ حَزْمٍ، أَحَدَ بَنِي مَالِكِ بْنِ النّجّارِ وَأُسَيْدَ بْنَ ظُهَيْرٍ، أَحَدَ بَنِي حَارِثَةَ ثُمّ أَجَازَهُمْ يَوْمَ الْخَنْدَقِ، وَهُمْ أَبْنَاءُ خَمْسَ عَشْرَةَ سَنَةً. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَتَعَبّأَتْ قُرَيْشٌ وَهُمْ ثَلَاثَةُ آلَافِ رَجُلٍ وَمَعَهُمْ مِئَتَا فَرَسٍ قَدْ جَنَبُوهَا، فَجَعَلُوا عَلَى مَيْمَنَةِ الْخَيْلِ خَالِدَ بْنَ الْوَلِيدِ، وَعَلَى مَيْسَرَتِهَا عِكْرِمَةَ بْنَ أَبِي جَهْلٍ.
.[أَمْرُ أَبِي دُجَانَةَ]:

وَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ مَنْ يَأْخُذُ هَذَا السّيْفَ بِحَقّهِ؟ فَقَامَ إلَيْهِ رِجَالٌ فَأَمْسَكَهُ عَنْهُمْ حَتّى قَامَ إلَيْهِ أَبُو دُجَانَةَ سِمَاكُ بْنُ خَرَشَةَ، أَخُو بَنِي سَاعِدَةَ فَقَالَ وَمَا حَقّهُ يَا رَسُولَ اللّهِ؟ قَالَ أَنْ تضْرَبَ بِهِ الْعَدُوّ حَتّى يَنْحَنِيَ قَالَ أَنَا آخُذُهُ يَا رَسُولَ اللّهِ بِحَقّهِ فَأَعْطَاهُ إيّاهُ وَكَانَ أَبُو دُجَانَةَ رَجُلًا شُجَاعًا يَخْتَالُ عِنْدَ الْحَرْبِ إذَا كَانَتْ وَكَانَ إذَا أَعُلِمَ بِعِصَابَةِ لَهُ حَمْرَاءَ، فَاعْتَصَبَ بِهَا عَلِمَ النّاسُ أَنّهُ سَيُقَاتِلُ فَلَمّا أَخَذَ السّيْفَ مِنْ يَدِ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ أَخْرَجَ عِصَابَتَهُ تِلْكَ فَعَصَبَ بِهَا رَأْسَهُ وَجَعَلَ يَتَبَخْتَرُ بَيْنَ الصّفّيْنِ. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فَحَدّثَنِي جَعْفَرُ بْنُ عَبْدِ اللّهِ بْنِ أَسْلَمَ، مَوْلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطّابِ، عَنْ رَجُلٍ مِنْ الْأَنْصَارِ مِنْ بَنِي سَلِمَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ حِينَ رَأَى أَبَا دُجَانَةَ يَتَبَخْتَرُ إنّهَا لَمِشْيَةٌ يُبْغِضُهَا اللّهُ إلّا فِي مِثْلِ هَذَا الْمَوْطِنِ.
.[أَمْرُ أَبِي عَامِرٍ الْفَاسِق]:

قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَحَدّثَنِي عَاصِمُ بْنُ عُمَرَ بْنِ قَتَادَةَ: أَنّ أَبَا عَامِرٍ عَبْدَ عَمْرِو بْنِ صَيْفِيّ بْنِ مَالِكِ بْنِ النّعْمَانِ أَحَدَ بَنِي ضُبَيْعَةَ وَقَدْ كَانَ خَرَجَ حِينَ خَرَجَ إلَى مَكّةَ مُبَاعِدًا لِرَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ مَعَهُ خَمْسُونَ غُلَامًا مِنْ الْأَوْسِ، وَبَعْضُ النّاسِ كَانَ يَقُولُ كَانُوا خَمْسَةَ عَشَرَ رَجُلًا، وَكَانَ يَعِدُ قُرَيْشًا أَنْ لَوْ قَدْ لَقِيَ قَوْمَهُ لَمْ يَخْتَلِفْ عَلَيْهِ مِنْهُمْ رَجُلَانِ فَلَمّا الْتَقَى النّاسُ كَانَ أَوّلَ مَنْ لَقِيَهُمْ أَبُو عَامِرٍ فِي الْأَحَابِيشِ وَعُبْدَانُ أَهْلِ مَكّةَ، فَنَادَى: يَا مَعْشَرَ الْأَوْسِ، أَنَا أَبُو عَامِرٍ قَالُوا: فَلَا أَنْعَمَ اللّهُ بِك عَيْنًا يَا فَاسِقُ- وَكَانَ أَبُو عَامِرٍ يُسَمّى فِي الْجَاهِلِيّةِ الرّاهِبَ فَسَمّاهُ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ الْفَاسِقَ- فَلَمّا سَمِعَ رَدّهُمْ عَلَيْهِ قَالَ لَقَدْ أَصَابَ قَوْمِي بَعْدِي شَرّ، ثُمّ قَاتَلَهُمْ قِتَالًا شَدِيدًا، ثُمّ رَاضَخَهُمْ بِالْحِجَارَةِ.
.[أُسْلُوبُ أَبِي سُفْيَانَ فِي تَحْرِيضِ قُرَيْشٍ]:

قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَقَدْ قَالَ أَبُو سُفْيَانَ لِأَصْحَابِ اللّوَاءِ مِنْ بَنِي عَبْدِ الدّارِ يُحَرّضُهُمْ بِذَلِكَ عَلَى الْقِتَالِ يَا بَنِي عَبْدِ الدّارِ إنّكُمْ قَدْ وَلّيْتُمْ لِوَاءَنَا يَوْمَ بَدْرٍ فَأَصَابَنَا مَا قَدْ رَأَيْتُمْ وَإِنّمَا يُؤْتَى النّاسُ مِنْ قِبَلِ رَايَاتِهِمْ إذَا زَالَتْ زَالُوا، فَإِمّا أَنْ تَكْفُونَا لِوَاءَنَا، وَإِمّا أَنْ تُخَلّوا بَيْنَنَا وَبَيْنَهُ فَنَكْفِيكُمُوهُ فَهَمّوا بِهِ وَتُوَاعَدُوهُ وَقَالُوا: نَحْنُ نُسْلِمُ إلَيْك لِوَاءَنَا، سَتَعْلَمُ غَدًا إذَا الْتَقَيْنَا كَيْفَ نَصْنَع وَذَلِكَ أَرَادَ أَبُو سُفْيَانَ.


.[تَحْرِيضُ هِنْدَ وَالنّسْوَةِ مَعَهَا]:

فَلَمّا الْتَقَى النّاسُ وَدَنَا بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ قَامَتْ هِنْدُ بِنْتُ عُتْبَة فِي النّسْوَةِ اللّاتِي مَعَهَا، وَأَخَذْنَ الدّفُوفَ يَضْرِبْنَ بِهَا خَلَفَ الرّجَالِ وَيُحَرّضْنَهُمْ فَقَالَتْ هِنْدُ فِيمَا تَقُولُ:
وَيْهَا بَنِي عَبْدِ الدّارْ ** وَيْهَا حُمَاةَ الْأَدْبَارْ

ضَرْبًا بِكُلّ بَتّارْ وَتَقُولُ:
إنْ تُقْبِلُوا نُعَانِقْ ** وَنَفْرِشُ النّمَارِقْ

أَوْ تُدْبِرُوا نُفَارِقْ ** فِرَاقَ غَيْرَ وَامِقْ

.[شِعَارُ الْمُسْلِمِينَ]:

وَكَانَ شِعَارُ أَصْحَابِ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ يَوْمَ أُحُدٍ: أَمِتْ أَمِتْ فِيمَا قَالَ ابْنُ هِشَامٍ.
.[تَمَامُ قِصّةِ أَبِي دُجَانَةَ]:

قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فَاقْتَتَلَ النّاسُ حَتّى حَمِيَتْ الْحَرْبُ وَقَاتَلَ أَبُو دُجَانَةَ حَتّى أَمْعَنَ فِي النّاسِ. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: حَدّثَنِي غَيْرُ وَاحِدٍ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ أَنّ الزّبَيْرَ بْنَ الْعَوّامِ قَالَ وَجِدْتُ فِي نَفْسِي حِينَ سَأَلْتُ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ السّيْفَ فَمَنَعْنِيهِ وَأَعْطَاهُ أَبَا دُجَانَةَ وَقُلْت: أَنَا ابْنُ صَفِيّةَ عَمّتَهِ، وَمِنْ قُرَيْشٍ، وَقَدْ قُمْت إلَيْهِ فَسَأَلْته إيّاهُ قَبْلَهُ فَأَعْطَاهُ إيّاهُ وَتَرَكَنِي، وَاَللّهِ لَأَنْظُرَنّ مَا يَصْنَعُ فَاتّبَعَتْهُ فَأَخْرَجَ عِصَابَةً لَهُ حَمْرَاءَ، فَعَصَبَ بِهَا رَأْسَهُ فَقَالَتْ الْأَنْصَارُ: أَخْرِجْ أَبُو دُجَانَةَ عِصَابَةَ الْمَوْتِ، وَهَكَذَا كَانَتْ تَقُولُ لَهُ إذَا تَعَصّبَ بِهَا فَخَرَجَ وَهُوَ يَقُولُ:
أَنَا الّذِي عَاهَدَنِي خَلِيلِي ** وَنَحْنُ بِالسّفْحِ لَدَى النّخِيلِ

أَلّا أَقَوْمَ الدّهْرَ فِي الْكَيّولِ ** أَضْرِبُ بِسَيْفِ اللّهِ وَالرّسُولِ

قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَيُرْوَى فِي الْكُبُول. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فَجَعَلَ لَا يَلْقَى أَحَدًا إلّا قَتَلَهُ. وَكَانَ فِي الْمُشْرِكِينَ رَجُلٌ لَا يَدَعُ لَنَا جَرِيحًا إلّا ذَفّفَ عَلَيْهِ فَجَعَلَ كُلّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يَدْنُو مِنْ صَاحِبِهِ. فَدَعَوْتُ اللّهَ أَنْ يَجْمَعَ بَيْنَهُمَا، فَالْتَقَيَا، فَاخْتَلَفَا ضَرْبَتَيْنِ فَضَرَبَ الْمُشْرِكُ أَبَا دُجَانَةَ فَاتّقَاهُ بِدَرَقَتِهِ فَعَضّتْ بِسَيْفِهِ وَضَرَبَهُ أَبُو دُجَانَةَ فَقَتَلَهُ ثُمّ رَأَيْتُهُ قَدْ حَمَلَ السّيْفَ عَلَى مَفْرِقِ رَأْسِ هِنْدِ بِنْتِ عُتْبَة، ثُمّ عَدَلَ السّيْفَ عَنْهَا. قَالَ الزّبِيرُ فَقُلْتُ اللّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَقَالَ أَبُو دُجَانَةَ سِمَاكُ بْنُ خَرَشَةَ: رَأَيْت إنْسَانًا يَخْمُشُ النّاسَ خَمْشًا شَدِيدًا، فَصَمَدْتُ لَهُ فَلَمّا حَمَلْتُ عَلَيْهِ السّيْفَ وَلْوَلَ فَإِذَا امْرَأَةٌ فَأَكْرَمْت سَيْفَ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ أَنْ أَضْرِبَ بِهِ امْرَأَةً.
.[مَقْتَلُ حَمْزَةَ]:

وَقَاتَلَ حَمْزَةُ بْنُ عَبْدِ الْمُطّلِبِ حَتّى قَتَلَ أَرْطَاةَ بْنَ عَبْدِ شُرَحْبِيلَ بْنِ هَاشِمِ بْنِ عَبْدِ مَنَافِ بْنِ عَبْدِ الدّارِ وَكَانَ أَحَدَ النّفَرِ الّذِينَ يَحْمِلُونَ اللّوَاءَ ثُمّ مَرّ بِهِ سِبَاعُ بْنُ عَبْدِ الْعُزّى الْغُبْشَانِيّ وَكَانَ يُكَنّى بِأَبِي نِيَارٍ فَقَالَ لَهُ حَمْزَةُ هَلُمّ إلَيّ يَا ابْنَ مُقَطّعَةِ الْبُظُورِ- وَكَانَتْ أُمّهُ أُمّ أَنْمَارٍ مَوْلَاةُ شَرِيقِ بْنِ عَمْرِو بْنِ وَهْبٍ الثّقَفِيّ. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: شَرِيقُ بْنُ الْأَخْنَسِ بْنِ شَرِيقٍ. وَكَانَتْ خَتّانَةً بِمَكّةَ- فَلَمّا الْتَقَيَا ضَرَبَهُ حَمْزَةُ فَقَتَلَهُ. قَالَ وَحْشِيّ، غُلَامُ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ: وَاَللّهِ إنّي لَأَنْظُرُ إلَى حَمْزَةَ يَهُدّ بِسَيْفِهِ مَا يُلِيقُ بِهِ شَيْئًا، مِثْلَ الْجَمَلِ الْأَوْرَقِ إذْ تَقَدّمَنِي إلَيْهِ سِبَاعُ بْنُ عَبْدِ الْعُزّى، فَقَالَ لَهُ حَمْزَةُ هَلُمّ إلَيّ يَا ابْنَ مُقَطّعَةِ الْبُظُورِ فَضَرَبَهُ ضَرْبَةً فَكَأَنّ مَا أَخْطَأَ رَأْسَهُ وَهَزَزْتُ حَرْبَتِي حَتّى إذَا رَضِيتُ مِنْهَا دَفَعْتُهَا عَلَيْهِ فَوَقَعَتْ فِي ثُنّتِهِ حَتّى خَرَجَتْ مِنْ بَيْنَ رِجْلَيْهِ فَأَقْبَلَ نَحْوِي، فَغُلِبَ فَوَقَعَ وَأَمْهَلْتُهُ حَتّى إذَا مَاتَ جِئْت فَأَخَذْت حَرْبَتِي، ثُمّ تَنَحّيْت إلَى الْعَسْكَرِ وَلَمْ تَكُنْ لِي بِشَيْءِ حَاجَةٌ غَيْرَهُ.
.[وَحْشِيّ يُحَدّثُ الضّمْرِيّ وَابْنَ الْخِيَارِ عَنْ قَتْلِهِ حَمْزَةَ]:

قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَحَدّثَنِي عَبْدُ اللّهِ بْنُ الْفَضْلِ بْنِ عَبّاسِ بْنِ رَبِيعَةَ بْنِ الْحَارِثِ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ عَنْ جَعْفَرِ بْنِ عَمْرِو بْنِ أُمّيّةَ الضّمْرِيّ قَالَ خُرِجْتُ أَنَا وَعُبَيْدُ اللّهِ بْنُ عَدِيّ بْنِ الْخِيَارِ، أَخُو بَنِي نَوْفَلِ بْنِ عَبْدِ مَنَافٍ فِي زَمَانِ مُعَاوِيَةَ بْنِ أَبِي سُفْيَانَ، فَأَدْرَبْنَا مَعَ النّاسِ فَلَمّا قَفَلْنَا مَرَرْنَا بِحِمْصَ- وَكَانَ وَحْشِيّ، مَوْلَى جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ، قَدْ سَكَنَهَا، وَأَقَامَ بِهَا- فَلَمّا قَدِمْنَاهَا، قَالَ لِي عُبَيْدُ اللّهِ بْنُ عَدِيّ هَلْ لَك فِي أَنْ نَأْتِيَ وَحْشِيّا فَنَسْأَلَهُ عَنْ قَتْلِ حَمْزَةَ كَيْفَ قَتَلَهُ؟ قَالَ قُلْت لَهُ إنْ شِئْتَ. فَخَرَجْنَا نَسْأَلُ عَنْهُ بِحِمْصَ فَقَالَ لَنَا رَجُلٌ وَنَحْنُ نَسْأَلُ عَنْهُ إنّكُمَا سَتَجِدَانِهِ بِفِنَاءِ دَارِهِ وَهُوَ رَجُلٌ قَدْ غَلَبَتْ عَلَيْهِ الْخَمْرُ فَإِنْ تَجِدَاهُ صَاحِيًا تَجِدَا رَجُلًا عَرَبِيّا، وَتَجِدَا عِنْدَهُ بَعْضَ مَا تُرِيدَانِ وَتُصِيبَا عِنْدَهُ مَا شِئْتُمَا مِنْ حَدِيثٍ تَسْأَلَانِهِ عَنْهُ وَإِنْ تَجِدَاهُ وَبَهْ بَعْضُ مَا يَكُونُ بِهِ فَانْصَرَفَا وَدَعَاهُ قَالَ فَخَرَجْنَا نَمْشِي حَتّى جِئْنَاهُ فَإِذَا هُوَ بِفِنَاءِ دَارِهِ عَلَى طَنْفَسَةٍ لَهُ فَإِذَا شَيْخٌ كَبِيرٌ مِثْلُ الْبُغَاثِ.- قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: الْبُغَاثُ ضَرْبٌ مِنْ الطّيْرِ إلَى السّوَادِ- فَإِذَا هُوَ صَاحٍ لَا بَأْسَ بِهِ. قَالَ فَلَمّا انْتَهَيْنَا إلَيْهِ سَلّمْنَا عَلَيْهِ فَرَفَعَ رَأْسَهُ إلَى عُبَيْدِ اللّهِ بْنِ عَدِيّ فَقَالَ ابْنٌ لِعَدِيّ بْنِ الْخِيَارِ أَنْتَ؟ قَالَ نَعَمْ قَالَ أَمَا وَاَللّهِ مَا رَأَيْتُك مُنْذُ نَاوَلْتُك أُمّك السّعْدِيّةَ الّتِي أَرْضَعَتْك بِذِي طُوًى، فَإِنّي نَاوَلْتُكهَا وَهِيَ عَلَى بَعِيرِهَا، فَأَخَذَتْك بِعُرْضَيْك، فَلَمَعَتْ لِي قَدَمَاك حِينَ رَفَعْتُك إلَيْهَا، فَوَاَللّهِ مَا هُوَ إلّا أَنْ وَقَفْتَ عَلَيّ فَعَرَفْتُهُمَا. قَالَ فَجَلَسْنَا إلَيْهِ فَقُلْنَا لَهُ جِئْنَاك لِتُحَدّثَنَا عَنْ قَتْلِك حَمْزَةَ كَيْفَ قَتَلْتَهُ؟ فَقَالَ أَمَا إنّي سَأُحَدّثُكُمَا كَمَا حَدّثْت رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ حِينَ سَأَلَنِي عَنْ ذَلِكَ كُنْتُ غُلَامًا لِجُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ وَكَانَ عَمّهُ طُعَيْمَةَ بْنَ عَدِيّ قَدْ أُصِيبَ يَوْمَ بَدْرٍ فَلَمّا سَارَتْ قُرَيْشٌ إلَى أُحُدٍ، قَالَ لِي جُبَيْرٌ إنْ قَتَلْتَ حَمْزَةَ عَمّ مُحَمّدٍ بِعَمّي فَأَنْتَ عَتِيقٌ قَالَ فَخَرَجْتُ مَعَ النّاسِ وَكُنْتُ رَجُلًا حَبَشِيّا أَقْذِفُ بِالْحَرْبَةِ قَذْفَ الْحَبَشَةِ، قَلّمَا أُخْطِئُ بِهَا شَيْئًا؛ فَلَمّا الْتَقَى النّاسُ خَرَجْتُ أَنْظُرُ حَمْزَةَ وَأَتَبَصّرُهُ حَتّى رَأَيْته فِي عُرْضِ النّاسِ مِثْلَ الْجَمْلِ الْأَوْرَقِ يَهُدّ النّاسَ بِسَيْفِهِ هَدّا، مَا يَقُومُ لَهُ شَيْءٌ فَوَاَللّهِ إنّي لَأَتَهَيّأُ لَهُ أُرِيدُهُ وَأَسْتَتِرُ مِنْهُ بِشَجَرَةِ أَوْ حَجَرٍ لِيَدْنُوَ مِنّي إذْ تَقَدّمَنِي إلَيْهِ سِبَاعُ بْنُ عَبْدِ الْعُزّى، فَلَمّا رَآهُ حَمْزَةُ قَالَ لَهُ هَلُمّ إلَيّ يَا ابْنَ مُقَطّعَةِ الْبُظُورِ. قَالَ فَضَرَبَهُ ضَرْبَةً كَأَنّ مَا أَخَطَأ رَأْسَهُ. قَالَ وَهَزّزَتْ وَذَهَبَ لِيَنُوءَ نَحْوِي، فَغُلِبَ وَتَرَكْتُهُ وَإِيّاهَا حَتّى مَاتَ ثُمّ أَتَيْتُهُ فَأَخَذْتُ حَرْبَتِي، ثُمّ رَجَعْت إلَى الْعَسْكَرِ فَقَعَدْتُ فِيهِ وَلَمْ يَكُنْ لِي بِغَيْرِهِ حَاجَةٌ وَإِنّمَا قَتَلْتُهُ لِأُعْتَقَ. فَلَمّا قَدِمْت مَكّةَ أُعْتِقْت، ثُمّ أَقَمْتُ حَتّى إذَا افْتَتَحَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ مَكّةَ هَرَبْتُ إلَى الطّائِفِ، فَمَكَثْت بِهَا، فَلَمّا خَرَجَ وَفْدُ الطّائِفِ إلَى رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ لِيُسْلِمُوا تَعَيّتْ عَلَيّ الْمَذَاهِبُ فَقُلْت: أَلْحَقُ بِالشّأْم ِ أَوْ الْيَمَنِ، أَوْ بِبَعْضِ الْبِلَادِ فَوَاَللّهِ إنّي لَفِي ذَلِكَ مِنْ هَمّي، إذْ قَالَ لِي رَجُلٌ وَيْحَك إنّهُ وَاَللّهِ مَا يَقْتُلُ أَحَدًا مِنْ النّاسِ دَخَلَ فِي دِينِهِ وَتَشَهّدَ شَهَادَتَهُ.
.[وَحْشِيّ بَيْنَ يَدَيْ الرّسُولِ يُسْلِمُ]:

فَلَمّا قَالَ لِي ذَلِكَ خَرَجْتُ حَتّى قَدِمْتُ عَلَى رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ الْمَدِينَةَ، فَلَمْ يَرُعْهُ إلّا بِي قَائِمًا عَلَى رَأْسِهِ أَتَشَهّدُ بِشَهَادَةِ الْحَقّ فَلَمّا رَآنِي قَالَ أَوَحْشِيّ؟ قُلْت: نَعَمْ يَا رَسُولَ اللّهِ. قَالَ اُقْعُدْ فَحَدّثْنِي كَيْفَ قَتَلْتَ حَمْزَةَ قَالَ فَحَدّثْته كَمَا حَدّثْتُكُمَا، فَلَمّا فَرَغْتُ مِنْ حَدِيثِي قَالَ وَيْحَك غَيّبْ عَنّي وَجْهَك، فَلَا أُرَيَنّك. قَالَ فَكُنْتُ أَتَنَكّبُ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ حَيْثُ كَانَ لِئَلّا يَرَانِي، حَتّى قَبَضَهُ اللّهُ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ.
.[قَتْلُ وَحْشِيّ لَمُسَيْلِمَةَ]:

فَلَمّا خَرَجَ الْمُسْلِمُونَ إلَى مُسَيْلِمَةَ الْكَذّابِ صَاحِبِ الْيَمَامَةِ خَرَجْت مَعَهُمْ وَأَخَذْت حَرْبَتِي الّتِي قَتَلْتُ بِهَا حَمْزَةَ فَلَمّا الْتَقَى النّاسُ رَأَيْت مُسَيْلِمَةَ الْكَذّابَ قَائِمًا فِي يَدِهِ السّيْفَ وَمَا أَعْرِفُهُ فَتَهَيّأْتُ لَهُ وَتَهَيّأَ لَهُ رَجُلٌ مِنْ الْأَنْصَارِ مِنْ النّاحِيَةِ الْأُخْرَى، كِلَانَا يُرِيدُهُ فَهَزَزْتُ حَرْبَتِي حَتّى إذَا رَضِيت مِنْهَا دَفَعْتُهَا عَلَيْهِ فَوَقَعَتْ فِيهِ وَشَدّ عَلَيْهِ الْأَنْصَارِيّ فَضَرَبَهُ بِالسّيْفِ فَرَبّك أَعْلَمُ أَيّنَا قَتَلَهُ كُنْت قَتَلْته، فَقَدْ قَتَلْت خَيْرَ النّاسِ بَعْدَ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَقَدْ قَتَلْت شَرّ النّاسِ. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَحَدّثَنِي عَبْدُ اللّهِ بْنُ الْفَضْلِ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ عَنْ عَبْدِ اللّهِ بْنِ عُمَرَ بْنِ الْخَطّابِ، وَكَانَ قَدْ شَهِدَ الْيَمَامَةَ، قَالَ سَمِعْت يَوْمئِذٍ صَارِخًا يَقُولُ: قَتَلَهُ الْعَبْدُ الْأَسْوَدُ.
.[خَلْعُ وَحْشِيّ مِنْ الدّيوَانِ]:

قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: فَبَلَغَنِي أَنّ وَحْشِيّا لَمْ يَزَلْ يُحَدّ فِي الْخَمْرِ حَتّى خُلِعَ مِنْ الدّيوَانِ فَكَانَ عُمَرُ بْنُ الْخَطّابِ يَقُولُ قَدْ عَلِمْتُ أَنّ اللّهَ تَعَالَى لَمْ يَكُنْ لِيَدَعَ قَاتِلَ حَمْزَةَ.
.[مَقْتَلُ مُصْعَبِ بْنِ عُمَيْرٍ]:

قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَقَاتَلَ مُصْعَبُ بْنُ عُمَيْرٍ دُونَ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ حَتّى قُتِلَ وَكَانَ الّذِي قَتَلَهُ ابْنُ قَمِئَةَ اللّيْثِيّ وَهُوَ يَظُنّ أَنّهُ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَرَجَعَ إلَى قُرَيْشٍ فَقَالَ قَتَلْتُ مُحَمّدًا. فَلَمّا قُتِلَ مُصْعَبُ بْنُ عُمَيْرٍ أَعْطَى رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ اللّوَاءَ عَلِيّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ، وَقَاتَلَ عَلِيّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ وَرِجَالٌ مِنْ الْمُسْلِمِينَ. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَحَدّثَنِي مَسْلَمَةُ بْنُ عَلْقَمَةَ الْمَازِنِيّ، قَالَ لَمّا اشْتَدّ الْقِتَالُ يَوْمَ أُحُدٍ، جَلَسَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ تَحْتَ رَايَةِ الْأَنْصَارِ، وَأَرْسَلَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ إلَى عَلِيّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رِضْوَانُ اللّهِ عَلَيْهِ أَنْ قَدّمَ الرّايَة فَتَقَدّمَ عَلِيّ، فَقَالَ أَنَا أَبُو الْفُصَمِ وَيُقَالُ أَبُو الْقُصَمِ فِيمَا قَالَ ابْنُ هِشَامٍ- فَنَادَاهُ أَبُو سَعْدِ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ، وَهُوَ صَاحِبُ لِوَاءِ الْمُشْرِكِينَ أَنْ هَلْ لَك يَا أَبَا الْقُصَمِ فِي الْبِرَازِ مِنْ حَاجَةٍ؟ قَالَ نَعَمْ. فَبَرَزَا بَيْن الصّفّيْنِ فَاخْتَلَفَا ضَرْبَتَيْنِ فَضَرَبَهُ عَلِيّ فَصَرَعَهُ ثُمّ انْصَرَفَ عَنْهُ وَلَمْ يُجْهَزْ عَلَيْهِ فَقَالَ لَهُ أَصْحَابُهُ أَفَلَا أُجْهِزْت عَلَيْهِ؟ فَقَالَ إنّهُ اسْتَقْبَلَنِي بِعَوْرَتِهِ، فَعَطَفَتْنِي عَنْهُ الرّحِمُ وَعَرَفْتُ أَنّ اللّهَ عَزّ وَجَلّ قَدْ قَتَلَهُ. وَيُقَالُ إنّ أَبَا سَعْدِ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ خَرَجَ بَيْنَ الصّفّيْنِ فَنَادَى: أَنَا قَاصِمٌ مَنْ يُبَارِزُ بِرَازًا، فَلَمْ يَخْرَجْ إلَيْهِ أَحَدٌ. فَقَالَ يَا أَصْحَابَ مُحَمّدٍ زَعَمْتُمْ أَنّ قَتْلَاكُمْ فِي الْجَنّةِ وَأَنّ قَتْلَانَا فِي النّارِ كَذَبْتُمْ وَاَللّاتِي لَوْ تَعْلَمُونَ ذَلِكَ حَقّا لَخَرَجَ إلَيّ بَعْضُكُمْ فَخَرَجَ إلَيْهِ عَلِيّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ، فَاخْتَلَفَا ضَرْبَتَيْنِ فَضَرَبَهُ عَلِيّ فَقَتَلَهُ. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: قَتَلَ أَبَا سَعْدِ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ سَعْدُ بْنُ أَبِي وَقّاصٍ.
.[شَأْنُ عَاصِمِ بْنِ ثَابِتٍ]:

وَقَاتَلَ عَاصِمُ بْنُ ثَابِتِ بْنِ أَبِي الْأَقْلَحِ، فَقَتَلَ مُسَافِعَ بْنَ طَلْحَةَ وَأَخَاهُ الْجُلَاسَ بْنَ طَلْحَةَ، كِلَاهُمَا يَشْعُرُهُ سَهْمًا، فَيَأْتِي أُمّهُ سُلَافَةَ فَيَضَعُ رَأْسَهُ فِي حِجْرِهَا فَتَقُولُ يَا بُنَيّ مَنْ أَصَابَك؟ فَيَقُولُ سَمِعْتُ رَجُلًا حِينَ رَمَانِي وَهُوَ يَقُولُ خُذْهَا وَأَنَا ابْنُ أَبِي الْأَقْلَحِ. فَنَذَرْتُ إنْ أَمْكَنَهَا اللّهُ مِنْ رَأْسِ عَاصِمٍ أَنْ تُشْرَبَ فِيهِ الْخَمْرُ وَكَانَ عَاصِمٌ قَدْ عَاهَدَ اللّهَ أَنْ لَا يَمَسّ مُشْرِكًا أَبَدًا، وَلَا يَمَسّهُ مُشْرِكٌ. وَقَالَ عُثْمَانُ بْنُ أَبِي طَلْحَةَ يَوْمئِذٍ وَهُوَ يَحْمِلُ لِوَاءَ الْمُشْرِكِينَ:
إنّ عَلَى أَهْلِ اللّوَاءِ حَقّا ** أَنْ يَخْضِبُوا الصّعْدَةَ أَوْ تَنْدَقّا

فَقَتَلَهُ حَمْزَةُ بْنُ عَبْدِ الْمُطّلِبِ.
.[حَنْظَلَةُ غَسِيلُ الْمَلَائِكَةِ]:

حَنْظَلَةُ بْنُ أَبِي عَامِرٍ الْغَسِيلُ وَأَبُو سُفْيَانَ فَلَمّا اسْتَعْلَاهُ حَنْظَلَةُ بْنُ أَبِي عَامِرٍ رَآهُ شَدّادُ بْنُ الْأَسْوَدِ، وَهُوَ ابْنُ شَعُوبٍ قَدْ عَلَا أَبَا سُفْيَانَ. فَضَرَبَهُ شَدّادٌ فَقَتَلَهُ. فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ إنّ صَاحِبَكُمْ يَعْنِي حَنْظَلَةَ لَتُغَسّلَهُ الْمَلَائِكَةُ. فَسَأَلُوا أَهْلَهُ مَا شَأْنُهُ؟ فَسُئِلَتْ صَاحِبَتُهُ عَنْهُ. فَقَالَتْ خَرَجَ وَهُوَ جُنُبٌ حِينَ سَمِعَ الْهَاتِفَةَ.- قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَيُقَالُ الْهَائِعَةُ. وَجَاءَ فِي الْحَدِيثِ خَيْرُ النّاسِ رَجُلٌ مُمْسِكٌ بِعِنَانِ فَرَسِهِ كُلّمَا سَمِعَ هَيْعَةَ طَارَ إلَيْهَا قَالَ الطّرِمّاحُ بْنُ حَكِيمٍ الطّائِيّ، وَالطّرِمّاحُ الطّوِيلُ مِنْ الرّجَالِ-:
أَنَا ابْنُ حُمَاةَ الْمَجْدِ مِنْ آلِ مَالِكٍ ** إذَا جَعَلَتْ خُورُ الرّجَالِ تَهِيعُ

وَالْهَيْعَةُ الصّيْحَةُ الّتِي فِيهَا الْفَزَعُ قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ لِذَلِكَ غَسّلَتْهُ الْمَلَائِكَةُ.
.[شِعْرُ الْأَسْوَدِ فِي قَتْلِهِمَا حَنْظَلَةَ وَأَبَا سُفْيَانَ]:

قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَقَالَ شَدّادُ بْنُ الْأَسْوَدِ فِي قَتْلِهِ حَنْظَلَةَ:
لَأَحْمِيَنّ صَاحِبِي وَنَفْسِي ** بِطَعْنَةِ مِثْلِ شُعَاعِ الشّمْسِ

وَقَال أَبُو سُفْيَانَ بْنُ حَرْبٍ، وَهُوَ يَذْكُرُ صَبْرَهُ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ وَمُعَاوَنَةَ ابْنِ شَعُوبٍ إيّاهُ عَلَى حَنْظَلَةَ:
وَلَوْ شِئْتُ نَجّتْنِي كُمَيْتٌ طِمرّة ** وَلَمْ أَحْمِلْ النّعْمَاءَ لِابْنِ شَعُوبِ

وَمَا زَالَ مُهْرِي مَزْجَرَ الْكَلْبِ مِنْهُمْ ** لَدُنْ غُدْوَةٍ حَتّى دَنَتْ لِغُرُوبِ

أُقَاتِلُهُمْ وَأَدّعِي يَا لَغَالِبٍ ** وَأَدْفَعُهُمْ عَنّي بِرُكْنٍ صَلِيبِ

فَبَكّي وَلَا تَرْعَى مَقَالَةَ عَاذِلٍ ** وَلَا تَسْأَمِي مِنْ عَبْرَةٍ وَنَحِيبِ

أَبَاكِ وَإِخْوَانًا لَهُ قَدْ تَتَابَعُوا ** وَحُقّ لَهُمْ مِنْ عَبْرَةٍ بِنَصِيبِ

وَسَلّى الّذِي قَدْ كَانَ فِي النّفْسِ أَنّنِي ** قَتَلْتُ مِنْ النّجّار كُلّ نَجِيبِ

وَمِنْ هَاشِمٍ قَرْمًا كَرِيمًا وَمُصْعَبًا ** وَكَانَ لَدَى الْهَيْجَاءِ غَيْرُ هَيُوبِ

وَلَوْ أَنّنِي لَمْ أَشْفِ نَفْسِي مِنْهُمْ ** لَكَانَتْ شَجًا فِي الْقَلْبِ ذَاتَ نُدُوبِ

فَآبَوْا وَقَدْ أَوْدَى الْجَلَابِيبُ مِنْهُمْ ** بِهِمْ خَدَبٌ مِنْ مُعْطِبٍ وَكَئِيبِ

أَصَابَهُمْ مَنْ لَمْ يَكُنْ لِدِمَائِهِمْ ** كِفَاءً وَلَا فِي خُطّةٍ بِضَرِيبِ

.[شِعْرُ حَسّانَ فِي الرّدّ عَلَى أَبِي سُفْيَانَ]:

فَأَجَابَهُ حَسّانُ بْنُ ثَابِتٍ، فِيمَا ذَكَرَ ابْنُ هِشَامٍ؟ فَقَالَ:
ذَكَرْتَ الْقُرُومَ الصّيْدَ مِنْ آلِ هَاشِمٍ ** وَلَسْتَ لِزُورٍ قُلْتَهُ بِمُصِيبِ

أَتَعْجَبُ أَنْ أَقَصَدْت حَمْزَةَ مِنْهُمْ ** نَجِيبًا وَقَدْ سَمّيْتَهُ بِنَجِيبِ

أَلَمْ يَقْتُلُوا عَمْرًا وَعُتْبَة وَابْنَهُ ** وَشَيْبَةَ وَالْحَجّاجَ وَابْنَ حَبِيبِ

غَدَاةَ دَعَا الْعَاصِي عَلِيّا فَرَاعَهُ ** بِضَرْبَةِ عَضْبٍ بَلّهُ بِخَضِيبِ

قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَقَالَ ابْنُ شَعُوبٍ يَذْكُرُ يَدَهُ عِنْدَ أَبِي سُفْيَانَ فِيمَا دَفَعَ عَنْهُ فَقَالَ:
وَلَوْلَا دِفَاعِي يَا ابْنَ حَرْبٍ وَمَشْهَدِي ** لَأُلْفِيَتْ يَوْمَ النّعْفِ غَيْرَ مُجِيبِ

وَلَوْلَا مَكَرّي الْمُهْرَ بِالنّعْفِ قَرْقَرَتْ ** ضِبَاعٌ عَلَيْهِ أَوْ ضِرَاءُ كَلِيبِ

قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: قوله: عَلَيْهِ أَوْ ضِرَاءُ عَنْ غَيْرِ ابْنِ إسْحَاقَ.
.[شِعْرُ الْحَارِثِ فِي الرّدّ عَلَى أَبِي سُفْيَانَ أَيْضًا]:

قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَقَالَ الْحَارِثُ بْنُ هِشَامٍ يُجِيبُ أَبَا سُفْيَانَ:
جَزَيْتهمْ يَوْمًا بِبَدْرٍ كَمِثْلِهِ ** عَلَى سَابِحٍ ذِي مَيْعَةٍ وَشَبِيبِ

لَدَى صَحْنِ بَدْرٍ أَوْ أَقَمْت نَوَائِحًا ** عَلَيْك وَلَمْ تَحْفِلْ مُصَابَ حَبِيبِ

وَإِنّك لَوْ عَايَنْتَ مَا كَانَ مِنْهُمْ ** لَأُبْتَ بِقَلْبِ مَا بَقِيتُ نَخِيبُ

قَالَ ابْن هِشَام: وَإِنّمَا أَجَابَ الْحَارِثُ بْنُ هِشَامٍ أَبَا سُفْيَانَ لِأَنّهُ ظَنّ أَنّهُ عَرّضَ بِهِ فِي قَوْلِهِ:
وَمَا زَالَ مُهْرِيّ مَزْجَرَ الْكَلْبِ مِنْهُمْ

لِفِرَارِ الْحَارِثِ يَوْمِ بَدْرٍ.
.[حَدِيثُ الزّبَيْرِ عَنْ سَبَبِ الْهَزِيمَةِ]:

قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: ثُمّ أَنْزَلَ اللّهُ نَصْرَهُ عَلَى الْمُسْلِمِينَ وَصَدَقَهُمْ وَعْدَهُ فَحَسّوهُمْ بِالسّيُوفِ حَتّى كَشَفُوهُمْ عَنْ الْعَسْكَرِ وَكَانَتْ الْهَزِيمَةُ لَا شَكّ فِيهَا. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَحَدّثَنِي يَحْيَى بْنُ عَبّادِ بْنِ عَبْدِ اللّهِ بْنِ الزّبَيْرِ، عَنْ أَبِيهِ عَبّادٍ عَنْ عَبْدِ اللّهِ بْنِ الزّبَيْرِ، عَنْ الزّبَيْرِ أَنّهُ قَالَ وَاَللّهِ لَقَدْ رَأَيْتنِي أَنْظُرُ إلَى خَدَمِ هِنْدِ بِنْتِ عُتْبَة وَصَوَاحِبُهَا مُشَمّرَاتٌ هَوَارِبُ مَا دُونِ أَخْذِهِنّ قَلِيلٌ وَلَا كَثِيرٌ إذْ مَالَتْ الرّمَاةُ إلَى الْعَسْكَرِ حِين كَشَفْنَا الْقَوْمَ عَنْهُ وَخَلّوْا ظُهُورَنَا لِلْخَيْلِ فَأُتِينَا مِنْ خَلْفِنَا، وَصَرَخَ صَارِخٌ أَلَا إنّ مُحَمّدًا قَدْ قُتِلَ؛ فَانْكَفَأْنَا وَانْكَفَأَ عَلَيْنَا الْقَوْمُ بَعْدَ أَنْ أَصَبْنَا أَصْحَابَ اللّوَاءِ حَتّى مَا يَدْنُو مِنْهُ أَحَدٌ مِنْ الْقَوْمِ قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: الصّارِخُ أَزَبّ الْعَقَبَةِ، يَعْنِي الشّيْطَانَ.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://el-quran.ahlamontada.com
Admin
Admin
Admin


المساهمات : 4240
تاريخ التسجيل : 20/01/2018

كتاب السيرة النبوية۞ لعبد الملك ابن هشام ۞«المؤرخ» ​ - صفحة 2 Empty
مُساهمةموضوع: رد: كتاب السيرة النبوية۞ لعبد الملك ابن هشام ۞«المؤرخ» ​   كتاب السيرة النبوية۞ لعبد الملك ابن هشام ۞«المؤرخ» ​ - صفحة 2 Emptyالأحد مارس 04, 2018 6:42 am

كتاب السيرة النبوية۞ لعبد الملك ابن هشام ۞«المؤرخ» ​ - صفحة 2 SeeretIbenHisham

.[شَجَاعَةُ صُؤَابٍ وَشِعْرُ حَسّانَ فِي ذَلِكَ]:

قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَحَدّثَنِي بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ أَنّ اللّوَاءَ لَمْ يَزَلْ صَرِيعًا حَتّى أَخَذَتْهُ عَمْرَةُ بِنْتُ عَلْقَمَةَ الْحَارِثِيّةُ، فَرَفَعَتْهُ لِقُرَيْشِ فَلَاثُوا بِهِ. وَكَانَ اللّوَاءُ مَعَ صُؤَابٍ غُلَامٌ لِبَنِي أَبِي طَلْحَةَ حَبَشِيّ وَكَانَ آخِرُ مَنْ أَخَذَهُ مِنْهُمْ فَقَاتَلَ بِهِ حَتّى قُطِعَتْ يَدَاهُ ثُمّ بَرَكَ عَلَيْهِ فَأَخَذَ اللّوَاءَ بِصَدْرِهِ وَعُنُقِهِ حَتّى قُتِلَ عَلَيْهِ وَهُوَ يَقُولُ اللّهُمّ هَلْ أَعْزَرْت- يَقُولَ أَعَذَرْت- فَقَالَ حَسّانُ بْنُ ثَابِتٍ فِي ذَلِكَ:
فَخَرْتُمْ بِاللّوَاءِ وَشَرّ فَخْرٍ ** لِوَاءٌ حِينَ رُدّ إلَى صُؤَابِ

جَعَلْتُمْ فَخَرَكُمْ فِيهِ بِعَبْدٍ ** وَأَلْأَمُ مَنْ يَطَا عَفَرَ التّرَابِ

ظَنَنْتُمْ وَالسّفِيهُ لَهُ ظُنُونُ ** وَمَا إنْ ذَاكَ مِنْ أَمْرِ الصّوَابِ

بِأَنّ جِلَادَنَا يَوْمَ الْتَقَيْنَا ** بِمَكّةَ بَيْعُكُمْ حُمْرَ الْعِيَابِ

أَقَرّ الْعَيْنَ أَنْ عُصِبَتْ يَدَاهُ ** وَمَا إنْ تُعْصَبَانِ عَلَى خِضَابِ

قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: آخِرُهَا بَيْتًا يُرْوَى لِأَبِي خِرَاشٍ الْهُذَلِيّ وَأَنْشَدَنِيهِ لَهُ خَلَفٌ الْأَحْمَرُ:
أَقَرّ الْعَيْنَ أَنْ عُصِبَتْ يَدَاهَا ** وَمَا إنْ تُعْصَبَانِ عَلَى خِضَابِ

فِي أَبْيَاتٍ لَهُ يَعْنِي امْرَأَتَهُ فِي غَيْرِ حَدِيثِ أُحُدٍ. وَتُرْوَى الْأَبْيَاتُ أَيْضًا لِمَعْقِلِ بْنِ خُوَيْلِد الْهُذَلِيّ.
.[شِعْرُ حَسّانَ فِي عُمْرَةِ الْحَارِثِيّةِ]:

قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَقَالَ حَسّانُ بْنُ ثَابِتٍ فِي شَأْنِ عَمْرَةَ بِنْتِ عَلْقَمَةَ الْحَارِثِيّةِ وَرَفْعِهَا اللّوَاءِ:
إذَا عَضَلٌ سِيقَتْ إلَيْنَا كَأَنّهَا ** جِدَايَةُ شِرْكٍ مُعْلِمَاتِ الْحَوَاجِبِ

أَقَمْنَا لَهُمْ طَعْنًا مُبِيرًا مُنَكّلًا ** وَحُزْنَاهُمْ بِالضّرْبِ مِنْ كُلّ جَانِبِ

فَلَوْلَا لِوَاءُ الْحَارِثِيّةِ أَصْبَحُوا ** يُبَاعُونَ فِي الْأَسْوَاقِ بَيْعَ الْجَلَائِبِ

قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَهَذِهِ الْأَبْيَاتُ فِي أَبْيَاتٍ لَهُ.
.[مَا لَقِيَهُ الرّسُولُ يَوْمَ أُحُدٍ]:

قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَانْكَشَفَ الْمُسْلِمُونَ فَأَصَابَ فِيهِمْ الْعَدُوّ، وَكَانَ يَوْمَ بَلَاءٍ وَتَمْحِيصٍ أَكْرَمَ اللّهُ فِيهِ مَنْ أَكْرَمَ مِنْ الْمُسْلِمِينَ بِالشّهَادَةِ حَتّى خَلَصَ الْعَدُوّ إلَى رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ. فَدُثّ بِالْحِجَارَةِ حَتّى وَقَعَ لِشِقّهِ فَأُصِيبَتْ رَبَاعِيَتُهُ وَشُجّ فِي وَجْهِهِ وَكُلِمَتْ شَفَتُهُ وَكَانَ الّذِي أَصَابَهُ عُتْبَة بْنُ أَبِي وَقّاصٍ. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فَحَدّثَنِي حُمَيْد الطّوِيلُ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ كُسِرَتْ رَبَاعِيَةُ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ يَوْمَ أُحُدٍ، وَشُجّ فِي وَجْهِهِ فَجَعَلَ الدّمُ يَسِيلُ عَلَى وَجْهِهِ وَجَعَلَ يَمْسَحُ الدّمَ وَهُوَ يَقُولُ كَيْفَ يُفْلِحُ قَوْمٌ خَضَبُوا وَجْهَ نَبِيّهِمْ، وَهُوَ يَدْعُوهُمْ إلَى رَبّهِمْ فَأَنْزَلَ اللّهُ عَزّ وَجَلّ فِي ذَلِكَ {لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ أَوْ يُعَذّبَهُمْ فَإِنّهُمْ ظَالِمُونَ}. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَذَكَرَ رُبَيْحُ بْنُ عَبْدِ الرّحْمَنِ بْنِ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيّ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيّ أَنّ عُتْبَة بْنَ أَبِي وَقّاصٍ رَمَى رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ يَوْمئِذٍ فَكَسَرَ رَبَاعِيَتَهُ الْيُمْنَى السّفْلَى، وَجَرَحَ شَفَتَهُ السّفْلَى، وَأَنّ عَبْدَ اللّهِ بْنَ شِهَابٍ الزّهْرِيّ شَجّهُ فِي جَبْهَتِهِ وَأَنّ ابْنَ قَمِئَةَ جَرَحَ وَجْنَتَهُ فَدَخَلَتْ حَلْقَتَانِ مِنْ حَلَقِ الْمِغْفَرِ وَجْنَتَهُ وَوَقَعَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فِي حُفْرَةٍ مِنْ الْحُفَرِ الّتِي عَمِلَ أَبُو عَامِرٍ لِيَقَعَ فِيهَا الْمُسْلِمُونَ وَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ فَأَخَذَ عَلِيّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ بِيَدِ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَرَفَعَهُ طَلْحَةُ بْنُ عُبَيْدِ اللّهِ حَتّى اسْتَوَى قَائِمًا، وَمَصّ مَالِكُ بْنُ سِنَانٍ، أَبُو أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيّ الدّمّ عَنْ وَجْهِ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ ثُمّ ازْدَرَدَهُ فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ مَنْ مَسّ دَمِي دَمَهُ لَمْ تُصِبْهُ النّارُ. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَذَكَرَ عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ مُحَمّدٍ الدّرَاوَرْدِيّ: أَنّ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ قَالَ «مَنْ أَحَبّ أَنْ يَنْظُرَ إلَى شَهِيدٍ يَمْشِي عَلَى وَجْهِ الْأَرْضِ فَلْيَنْظُرْ إلَى طَلْحَةَ بْنِ عُبَيْدِ اللّهِ» وَذَكَرَ يَعْنِي عَبْدُ الْعَزِيزِ الدّرَاوَرْدِيّ، عَنْ إسْحَاقَ بْنِ يَحْيَى بْنِ طَلْحَةَ عَنْ عِيسَى بْنِ طَلْحَةَ، عَنْ عَائِشَةَ عَنْ أَبِي بَكْرٍ الصّدّيقِ أَنّ أَبَا عُبَيْدَةَ بْنِ الْجَرّاحِ نَزَعَ إحْدَى الْحَلْقَتَيْنِ مِنْ وَجْهِ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَسَقَطَتْ ثَنِيّتُهُ ثُمّ نَزَعَ الْأُخْرَى، فَسَقَطَتْ ثَنِيّتُهُ الْأُخْرَى، فَكَانَ سَاقِطَ الثّنِيّتَيْنِ.
.[شِعْرُ حَسّانَ فِي عُتْبَة وَمَا أَصَابَ بِهِ الرّسُولَ]:

قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَقَالَ حَسّانُ بْنُ ثَابِتٍ لِعُتْبَةَ بْنِ أَبِي وَقّاصٍ:
إذَا اللّهُ جَازَى مَعْشَرًا بِفِعَالِهِمْ ** وَضَرّهُمْ الرّحْمَنُ رَبّ الْمَشَارِقِ

فَأَخْزَاك رَبّي يَا عُتَيْبُ بْنَ مَالِكٍ ** وَلَقّاك قَبْلَ الْمَوْتِ إحْدَى الصّوَاعِقِ

بَسَطْتَ يَمِينًا لِلنّبِيّ تَعَمّدًا ** فَأَدْمَيْت فَاهُ قُطّعَتْ بِالْبَوَارِقِ

فَهَلّا ذَكَرْتَ اللّهَ وَالْمَنْزِلَ الّذِي ** تَصِيرُ إلَيْهِ عِنْدَ إحْدَى الْبَوَائِقِ

قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: تَرَكْنَا مِنْهَا بَيْتَيْنِ أَقْذَعَ فِيهِمَا.
.[ابْنُ السّكَنِ وَبَلَاؤُهُ يَوْمَ أُحُدٍ]:

قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ حِينَ غَشِيَهُ الْقَوْمُ مَنْ رَجُلٌ يَشْرِي لَنَا نَفْسَهُ؟ كَمَا حَدّثَنِي الْحُصَيْنُ بْنُ عَبْدِ الرّحْمَنِ بْنِ عَمْرِو بْنِ سَعْدِ بْنِ مَعَاذٍ، عَنْ مَحْمُودِ بْنِ عَمْرٍو، قَالَ فَقَامَ زِيَادُ بْنُ السّكَنِ فِي نَفَرٍ خَمْسَةٍ مِنْ الْأَنْصَارِ- وَبَعْضُ النّاسِ يَقُولُ إنّمَا هُوَ عُمَارَةُ بْنُ يَزِيدَ بْنِ السّكَنِ- فَقَاتَلُوا دُونَ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ رَجُلًا ثُمّ رَجُلًا، يُقْتَلُونَ دُونَهُ حَتّى كَانَ آخِرُهُمْ زِيَادَ أَوْ عُمَارَةَ فَقَاتَلَ حَتّى أَثَبَتَتْهُ الْجِرَاحَةُ ثُمّ فَاءَتْ فِئَةٌ مِنْ الْمُسْلِمِينَ فَأَجْهَضُوهُمْ عَنْهُ فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ أَدْنُوهُ مِنّي، فَأَدْنَوْهُ مِنْهُ فَوَسّدَهُ قَدِمَهُ فَمَاتَ وَخَدّهُ عَلَى قَدَمِ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّم.
.[حَدِيثُ أُمّ سَعْدٍ عَنْ نَصِيبِهَا فِي الْجِهَادِ يَوْمَ أُحُدٍ]:

قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَقَاتَلَتْ أُمّ عُمَارَةَ نُسَيْبَةُ بِنْتُ كَعْبٍ الْمَازِنِيّة يَوْمَ أُحُدٍ. فَذَكَرَ سَعِيدُ بْنُ أَبِي زَيْدٍ الْأَنْصَارِيّ: أَنّ أُمّ سَعْدِ بِنْتِ سَعْدِ بْنِ الرّبِيعِ كَانَتْ تَقُولُ دَخَلْتُ عَلَى أُمّ عُمَارَةَ فَقُلْت لَهَا: يَا خَالَةُ أَخْبِرِينِي خَبَرَك؛ فَقَالَتْ خَرَجْتُ أَوّلَ النّهَارِ وَأَنَا أَنْظُرُ مَا يَصْنَعُ النّاسُ وَمَعِي سِقَاءٌ فِيهِ مَاءٌ فَانْتَهَيْتُ إلَى رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَهُوَ فِي أَصْحَابِهِ وَالدّوْلَةُ وَالرّيحُ لِلْمُسْلِمِينَ. فَلَمّا انْهَزَمَ الْمُسْلِمُونَ انْحَزْتُ إلَى رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَقُمْت أُبَاشِرُ الْقِتَالَ وَأَذُبّ عَنْهُ بِالسّيْفِ وَأَرْمِي عَنْ الْقَوْسِ حَتّى خَلَصَتْ الْجِرَاحُ إلَيّ. قَالَتْ فَرَأَيْتُ عَلَى عَاتِقِهَا جُرْحًا أَجْوَفَ لَهُ غَوْرٌ، فَقُلْت: مَنْ أَصَابَك بِهَذَا؟ قَالَتْ ابْنُ قَمِئَةَ أَقْمَأَهُ اللّهُ لَمّا وَلّى النّاسُ عَنْ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ أَقْبَلَ يَقُولُ دُلّونِي عَلَى مُحَمّدٍ، فَلَا نَجَوْتُ إنْ نَجَا، فَاعْتَرَضْتُ لَهُ أَنَا وَمُصْعَبُ بْنُ عُمَيْرٍ، وَأُنَاسٌ مِمّنْ ثَبَتَ مَعَ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَضَرَبَنِي هَذِهِ الضّرْبَةَ وَلَكِنْ فَلَقَدْ ضَرَبْته عَلَى ذَلِكَ ضَرْبَاتٍ وَلَكِنّ عَدُوّ اللّهِ كَانَ عَلَيْهِ دِرْعَانِ.
.[أَبُو دُجَانَةَ وَابْنُ أَبِي وَقّاصٍ يَدْفَعَانِ عَنْ الرّسُولِ]:

قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَتَرّسَ دُونَ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ أَبُو دُجَانَة بِنَفْسِهِ يَقَعُ النّبْلُ فِي ظَهْرِهِ وَهُوَ مُنْحَنٍ عَلَيْهِ حَتّى كَثُرَ فِيهِ النّبْلُ. وَرَمَى سَعْدُ بْنُ أَبِي وَقّاصٍ دُونَ رَسُولِ اللّهِ. قَالَ سَعْدٌ فَلَقَدْ رَأَيْتُهُ يُنَاوِلُنِي النّبْلَ وَهُوَ يَقُولُ ارْمِ فِدَاك أَبِي وَأُمّي، حَتّى إنّهُ لَيُنَاوِلُنِي السّهْمَ مَا لَهُ نَصْلٌ فَيَقُولُ ارْمِ بِهِ.
.[بَلَاءُ قَتَادَةَ وَحَدِيثُ عَيْنهُ]:

قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَحَدّثَنِي عَاصِمُ بْنُ عُمَرَ بْنِ قَتَادَةَ: أَنّ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ رَمَى عَنْ قَوْسِهِ حَتّى انْدَقّتْ سِيَتُهَا، فَأَخَذَهَا قَتَادَةَ بْنُ النّعْمَانِ، فَكَانَتْ عِنْدَهُ وَأُصِيبَتْ يَوْمئِذٍ عَيْنُ قَتَادَةَ بْنِ النّعْمَانِ، حَتّى وَقَعَتْ عَلَى وَجْنَتِهِ. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فَحَدّثَنِي عَاصِمُ بْنُ عُمَرَ بْنِ قَتَادَةَ: أَنّ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ رَدّهَا بِيَدِهِ فَكَانَتْ أَحْسَنَ عَيْنَيْهِ وَأَحَدّهُمَا.
.[شَأْنُ أَنَسِ بْنِ النّضْرِ]:

قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَحَدّثَنِي الْقَاسِمُ بْنُ عَبْدِ الرّحْمَنِ بْنِ رَافِع أَخُو بَنِي عَدِيّ بْنِ النّجّارِ قَالَ انْتَهَى أَنَسُ بْنُ النّضْرِ، عَمّ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، إلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطّابِ، وَطَلْحَةُ بْنُ عُبَيْدِ اللّهِ، فِي رِجَالٍ مِنْ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ، وَقَدْ أَلْقَوْا بِأَيْدِيهِمْ فَقَالَ مَا يُجْلِسُكُمْ؟ قَالُوا: قُتِلَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ قَالَ فَمَاذَا تَصْنَعُونَ بِالْحَيَاةِ بَعْدَهُ؟ قُومُوا فَمُوتُوا عَلَى مَا مَاتَ عَلَيْهِ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ ثُمّ اسْتَقْبَلَ الْقَوْمَ فَقَاتَلَ حَتّى قُتِلَ وَبَهْ سُمّيَ أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فَحَدّثَنِي حُمَيْد الطّوِيلُ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ لَقَدْ وَجَدْنَا بِأَنَسِ بْنِ النّضْرِ يَوْمئِذٍ سَبْعِينَ ضَرْبَةً فَمَا عَرَفَهُ إلّا أُخْتُهُ عَرَفَتْهُ بِبَنَاتِهِ.
.[مَا أَصَابَ ابْنَ عَوْفٍ مِنْ الْجِرَاحَاتِ]:

قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: حَدّثَنِي بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ. أَنّ عَبْدَ الرّحْمَنِ بْنَ عَوْفٍ أُصِيبَ فُوهُ يَوْمئِذٍ فَهُتِمَ وَجُرِحَ عِشْرِينَ جِرَاحَةً أَوْ أَكْثَرَ أَصَابَهُ بَعْضُهَا فِي رِجْلِهِ فَعَرِجَ.
.[أَوّلُ مَنْ عَرَفَ الرّسُولَ بَعْدَ الْهَزِيمَةِ]:

قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَكَانَ أَوّلَ مَنْ عَرَفَ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بَعْدَ الْهَزِيمَةِ وَقَوْلُ النّاسِ قُتِلَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ كَمَا ذَكَرَ لِي ابْنُ شِهَابٍ الزّهْرِيّ كَعْبُ بْنُ مَالِكٍ، قَالَ عَرَفْت عَيْنَيْهِ تَزْهَرَانِ مِنْ تَحْتِ الْمِغْفَرِ فَنَادَيْتُ بِأَعْلَى صَوْتِي: يَا مَعْشَرَ الْمُسْلِمِينَ أَبْشِرُوا، هَذَا رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَأَشَارَ إلَيّ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ أَنْ أَنْصِتْ. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فَلَمّا عَرَفَ الْمُسْلِمُونَ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ نَهَضُوا بِهِ وَنَهَضَ مَعَهُمْ نَحْوَ الشّعْبِ، مَعَهُ أَبُو بَكْرٍ الصّدّيقُ، وَعُمَرُ بْنُ الْخَطّابِ، وَعَلِيّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ، وَطَلْحَةُ بْنُ عُبَيْدِ اللّهِ، وَالزّبَيْرُ بْنُ الْعَوّامِ، رِضْوَانُ اللّهِ عَلَيْهِمْ وَالْحَارِثُ بْنُ الصّمّةِ وَرَهْطٌ مِنْ الْمُسْلِمِينَ.
.[مَقْتَلُ أُبَيّ بْنِ خَلَفٍ]:

قَالَ: فَلَمّا أُسْنِدَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فِي الشّعْبِ أَدْرَكَهُ أُبَيّ بْنُ خَلَفٍ وَهُوَ يَقُولُ أَيْ مُحَمّدُ لَا نَجَوْتُ إنْ نَجَوْتَ فَقَالَ الْقَوْمُ يَا رَسُولَ اللّهِ أَيَعْطِفُ عَلَيْهِ رَجُلٌ مِنّا؟ فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ دَعُوهُ فَلَمّا دَنَا، تَنَاوَلَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ الْحَرْبَةَ مِنْ الْحَارِثِ بْنِ الصّمّةِ يَقُولُ بَعْضُ الْقَوْمِ فِيمَا ذُكِرَ لِي: فَلَمّا أَخَذَهَا رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ مِنْهُ انْتَفَضَ بِهَا انْتِفَاضَةً تَطَايَرْنَا عَنْهُ تَطَايُرَ الشّعْرَاءِ عَنْ ظَهْرِ الْبَعِيرِ إذَا انْتَفَضَ بِهَا- قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: الشّعْرَاءُ ذُبَابٌ لَهُ لَدْغٌ- ثُمّ اسْتَقْبَلَهُ فَطَعَنَهُ فِي عُنُقِهِ طَعْنَةً تَدَأْدَأَ مِنْهَا عَنْ فَرَسِهِ مِرَارًا. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: تَدَأْدَأَ يَقُولُ تَقَلّبَ عَنْ فَرَسِهِ فَجَعَلَ يَتَدَحْرَجُ. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَكَانَ أُبَيّ بْنُ خَلَفٍ، كَمَا حَدّثَنِي صَالِحُ بْنُ إبْرَاهِيمَ بْنِ عَبْدِ الرّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ، يَلْقَى رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بِمَكّةَ فَيَقُولُ يَا مُحَمّدُ إنّ عِنْدِي الْعَوْذَ فَرَسًا أَعْلِفُهُ كُلّ يَوْمٍ فَرَقًا مِنْ ذُرَةٍ أَقْتُلُك عَلَيْهِ فَيَقُولُ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بَلْ أَنَا أَقْتُلُك إنْ شَاءَ اللّهُ. فَلَمّا رَجَعَ إلَى قُرَيْشٍ وَقَدْ خَدَشَهُ فِي عُنُقِهِ خَدْشًا غَيْرَ كَبِيرٍ فَاحْتَقَنَ الدّمُ قَالَ قَتَلَنِي وَاَللّهِ مُحَمّدٌ قَالُوا لَهُ ذَهَبَ وَاَللّهِ فُؤَادُك وَاَللّهِ إنْ بِك مِنْ بَأْسٍ قَالَ إنّهُ قَدْ كَانَ قَالَ لِي بِمَكّةَ أَنَا أَقْتُلُك، فَوَاَللّهِ لَوْ بَصَقَ عَلَيّ لَقَتَلَنِي. فَمَاتَ عَدُوّ اللّهِ ِسَرِف وَهُمْ قَافِلُونَ بِهِ إلَى مَكّةَ.
.[شِعْرُ حَسّانَ فِي مَقْتَلِ أُبَيّ بْنِ خَلَفٍ]:

قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فَقَالَ حَسّانُ بْنُ ثَابِتٍ فِي ذَلِكَ:
لَقَدْ وَرِثَ الضّلَالَةَ عَنْ أَبِيهِ ** أُبَيّ يَوْمَ بَارَزَهُ الرّسُولُ

أَتَيْتَ إلَيْهِ تَحْمِلُ رِمّ عَظْمٍ ** وَتُوعِدُهُ وَأَنْتَ بِهِ جَهُولُ

وَقَدْ قَتَلَتْ بَنُو النّجّارِ مِنْكُمْ ** أُمَيّةَ إذْ يُغَوّثُ يَا عَقِيلُ

وَتَبّ ابْنَا رَبِيعَةَ إذْ أَطَاعَا ** أَبَا جَهْلٍ لِأُمّهِمَا الْهَبُول

وَأَفْلَتْ حَارِثٌ لَمّا شَغَلْنَا ** بِأَسْرِ الْقَوْمِ أُسْرَتُهُ فَلَيْلُ

قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: أُسْرَتُهُ قَبِيلَتُهُ. وَقَالَ حَسّانُ بْنُ ثَابِتٍ أَيْضًا فِي ذَلِكَ:
أَلَا مَنْ مُبْلِغٌ عَنّي أُبَيّا ** لَقَدْ أُلْقِيَتْ فِي سُحْقِ السّعِيرِ

تَمَنّى بِالضّلَالَةِ مِنْ بَعِيدٍ ** وَتُقْسِمُ أَنْ قَدَرْت مَعَ النّذُورِ

تَمَنّيك الْأَمَانِيّ مِنْ بَعِيدٍ ** وَقَوْلُ الْكُفْرِ يَرْجِعُ فِي غُرُورِ

فَقَدْ لَاقَتْك طَعْنَةُ ذِي حِفَاظٍ ** كَرِيمِ الْبَيْتِ لَيْسَ بِذِي فُجُورِ

لَهُ فَضْلٌ عَلَى الْأَحْيَاءِ طُرّا ** إذَا نَابَتْ مُلِمّاتُ الْأُمُورِ

.[انْتِهَاءُ الرّسُولِ إلَى الشّعْبِ]:

قَالَ: فَلَمّا انْتَهَى رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ إلَى فَمِ الشّعْبِ خَرَجَ عَلِيّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ، حَتّى مَلَأَ دَرَقَتَهُ مَاءً مِنْ الْمِهْرَاسِ، فَجَاءَ بِهِ إلَى رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ لِيَشْرَبَ مِنْهُ فَوَجَدَ لَهُ رِيحًا، فَعَافَهُ فَلَمْ يَشْرَبْ مِنْهُ وَغَسَلَ عَنْ وَجْهِهِ الدّمَ وَصَبّ عَلَى رَأْسِهِ وَهُوَ يَقُولُ اشْتَدّ غَضَبُ اللّهِ عَلَى مَنْ دَمّى وَجْهَ نَبِيّهِ.
.[حِرْصُ ابْنِ أَبِي وَقّاصٍ عَلَى قَتْلِ عُتْبَة]:

قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فَحَدّثَنِي صَالِحُ بْنُ كَيْسَانَ عَمّنْ حَدّثَهُ عَنْ سَعْد بْنِ أَبِي وَقّاصٍ أَنّهُ كَانَ يَقُولُ وَاَللّهِ مَا حَرَصْت عَلَى قَتْلِ رَجُلٍ قَطّ كَحِرْصِي عَلَى قَتْلِ عُتْبَة بْنِ أَبِي وَقّاصٍ، وَإِنْ كَانَ مَا عَلِمْتُ لِسَيّئِ الْخَلْقِ مُبْغَضًا فِي قَوْمِهِ وَلَقَدْ كَفَانِي مِنْهُ قَوْلُ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ اشْتَدّ غَضَبُ اللّهِ عَلَى مَنْ دَمّى وَجْهَ رَسُولِهِ.
.[صُعُودُ قُرَيْشٍ الْجَبَلَ وَقِتَالُ عُمَرَ لَهُمْ]:

قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فَبَيْنَا رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بِالشّعْبِ مَعَهُ أُولَئِكَ النّفَرُ مِنْ أَصْحَابِهِ إذْ عَلَتْ عَالِيَةٌ مِنْ قُرَيْشٍ الْجَبَلَ. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: كَانَ عَلَى تِلْكَ الْخَيْلِ خَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ اللّهُمّ إنّهُ لَا يَنْبَغِي لَهُمْ أَنْ يَعْلُونَا فَقَاتَلَ عُمَرُ بْنُ الْخَطّابِ وَرَهْطٌ مَعَهُ مِنْ الْمُهَاجِرِينَ حَتّى أَهْبَطُوهُمْ مِنْ الْجَبَلِ.
.[ضَعْفُ الرّسُولِ عَنْ النّهُوضِ وَمُعَاوَنَةُ طَلْحَةَ لَهُ]:

قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَنَهَضَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ إلَى صَخْرَةٍ مِنْ الْجَبَلِ لِيَعْلُوَهَا، وَقَدْ كَانَ بَدُنَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَظَاهَرَ بَيْنَ دِرْعَيْنِ فَلَمّا ذَهَبَ لِيَنْهَضَ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ لَمْ يَسْتَطِعْ فَجَلَسَ تَحْتَهُ طَلْحَةُ بْنُ عُبَيْدِ اللّهِ، فَنَهَضَ بِهِ حَتّى اسْتَوَى عَلَيْهَا. فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ كَمَا حَدّثَنِي يَحْيَى بْنُ عَبّادِ بْنِ عَبْدِ اللّهِ بْنِ الزّبَيْرِ، عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَبْدِ اللّهِ بْنِ الزّبَيْرِ، عَنْ الزّبَيْرِ قَالَ سَمِعْت رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهِ عَلَيْهِ وَسَلّمَ يَوْمئِذٍ يَقُولُ أَوْجَبَ طَلْحَةُ حِينَ صَنَعَ بِرَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ مَا صَنَعَ قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَبَلَغَنِي عَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ ابْنِ عَبّاسٍ: أَنّ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ لَمْ يَبْلُغْ الدّرَجَةَ الْمَبْنِيّةَ فِي الشّعْبِ.
.[صَلَاةُ الرّسُولِ قَاعِدًا]:

قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَذَكَرَ عُمَرُ مَوْلَى غُفْرَةَ: أَنّ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ صَلّى الظّهْرَ يَوْمَ أُحُدٍ قَاعِدًا مِنْ الْجِرَاحِ الّتِي أَصَابَتْهُ وَصَلّى الْمُسْلِمُونَ خَلْفَهُ قُعُودًا.
.[مَقْتَلُ الْيَمَانِ وَابْنِ وَقْشٍ]:

قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَقَدْ كَانَ النّاسُ انْهَزَمُوا عَنْ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ حَتّى انْتَهَى بَعْضُهُمْ إلَى الْمُنَقّى، دُونَ الْأَعْوَصِ. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَحَدّثَنِي عَاصِمُ بْنُ عُمَرَ بْنِ قَتَادَةَ، عَنْ مَحْمُودِ بْنِ لَبِيدٍ، قَالَ لَمّا خَرَجَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ إلَى أُحُدٍ، رَفَعَ حُسَيْلُ بْنُ جَابِرٍ وَهُوَ الْيَمَانُ أَبُو حُذَيْفَةَ بْنُ الْيَمَانِ، وَثَابِتُ بْنُ وَقْشٍ فِي الْآطَامِ مَعَ النّسَاءِ وَالصّبْيَانِ فَقَالَ أَحَدُهُمَا لِصَاحِبِهِ وَهُمَا شَيْخَانِ كَبِيرَانِ مَا أَبَا لَك، مَا تَنْتَظِرُ؟ فَوَاَللّهِ لَا بَقِيَ لِوَاحِدِ مِنّا مِنْ عُمْرِهِ إلّا ظِمْءُ حِمَارٍ إنّمَا نَحْنُ هَامَةُ الْيَوْمِ أَوْ غَد، أَفَلَا نَأْخُذُ أَسْيَافَنَا، ثُمّ نَلْحَقُ بِرَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ لَعَلّ اللّهَ يَرْزُقُنَا شَهَادَةً مَعَ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ؟ فَأَخَذَا أَسْيَافَهُمَا ثُمّ خَرَجَا، حَتّى دَخَلَا فِي النّاسِ وَلَمْ يُعْلَمْ بِهِمَا، فَأَمّا ثَابِتُ بْنُ وَقْشٍ فَقَتَلَهُ الْمُشْرِكُونَ وَأَمّا حُسَيْلُ بْنُ جَابِرٍ فَاخْتَلَفَتْ عَلَيْهِ أَسْيَافُ الْمُسْلِمِينَ فَقَتَلُوهُ وَلَا يَعْرِفُونَهُ فَقَالَ حُذَيْفَةُ أَبِي؛ فَقَالُوا: وَاَللّهِ إنْ عَرَفْنَاهُ وَصَدَقُوا قَالَ حُذَيْفَةُ يَغْفِرُ اللّهُ لَكُمْ وَهُوَ أَرْحَمُ الرّاحِمِينَ، فَأَرَادَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ أَنْ يَدِيَهُ فَتَصَدّقَ حُذَيْفَةُ بِدِيَتِهِ عَلَى الْمُسْلِمِينَ فَزَادَهُ ذَلِكَ عِنْدَ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ خَيْرًا.
.[مَقْتَلُ حَاطِبٍ وَمَقَالَةُ أَبِيهِ]:

قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَحَدّثَنِي عَاصِمُ بْنُ عُمَرَ بْنِ قَتَادَةَ: أَنّ رَجُلًا مِنْهُمْ كَانَ يُدْعَى حَاطِبَ بْنَ أُمّيّةَ بْنِ رَافِعٍ وَكَانَ لَهُ ابْنٌ يُقَال لَهُ يَزِيدُ بْنُ حَاطِبٍ أَصَابَتْهُ جِرَاحَةٌ يَوْمَ أُحُدٍ، فَأُتِيَ بِهِ إلَى دَارِ قَوْمِهِ وَهُوَ بِالْمَوْتِ فَاجْتَمَعَ إلَيْهِ أَهْلُ الدّارِ فَجَعَلَ الْمُسْلِمُونَ يَقُولُونَ لَهُ مِنْ الرّجَالِ وَالنّسَاءِ أَبْشِرْ يَا ابْنَ حَاطِبٍ بِالْجَنّة قَالَ وَكَانَ حَاطِبٌ شَيْخًا قَدْ عَسَا فِي الْجَاهِلِيّةِ فَنَجَمَ يَوْمئِذٍ نِفَاقُهُ فَقَالَ بِأَيّ شَيْءٍ تُبَشّرُونَهُ؟ بِجَنّةٍ مِنْ حَرْمَلٍ غَرَرْتُمْ وَاَللّهِ هَذَا الْغُلَامَ مِنْ نَفْسِهِ.
.[مَقْتَلُ قُزْمَانَ مُنَافِقًا كَمَا حَدّثَ الرّسُولُ بِذَلِكَ]:

قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَحَدّثَنِي عَاصِمُ بْنُ عُمَرَ بْنِ قَتَادَةَ، قَالَ كَانَ فِينَا رَجُلٌ أَتَى لَا يُدْرَى مِمّنْ هُوَ يُقَالُ لَهُ قُزْمَانُ، وَكَانَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ يَقُولُ إذَا ذُكِرَ لَهُ إنّهُ لَمِنْ أَهْلِ النّارِ، قَالَ فَلَمّا كَانَ يَوْمُ أُحُدٍ قَاتَلَ قِتَالًا شَدِيدًا، فَقَتَلَ وَحْدَهُ ثَمَانِيَةً أَوْ سَبْعَةً مِنْ الْمُشْرِكِينَ وَكَانَ ذَا بَأْسٍ فَأَثْبَتَتْهُ الْجِرَاحَةُ فَاحْتُمِلَ إلَى دَارِ بَنِي ظَفَرٍ، قَالَ فَجَعَلَ رِجَالٌ مِنْ الْمُسْلِمِينَ يَقُولُونَ لَهُ وَاَللّهِ لَقَدْ أَبْلَيْتَ الْيَوْمَ يَا قُزْمَانُ، فَأَبْشِرْ قَالَ بِمَاذَا أَبْشِرُ؟ فَوَاَللّهِ إنْ قَاتَلْتُ إلّا عَنْ أَحْسَابِ قَوْمِي، وَلَوْلَا ذَلِكَ مَا قَاتَلْتُ. قَالَ فَلَمّا اشْتَدّتْ عَلَيْهِ جِرَاحَتُهُ أَخَذَ سَهْمًا مِنْ كِنَانَتِهِ فَقَتَلَ بِهِ نَفْسَه.
.قَتْلُ مُخَيْرِيقٍ:

قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَكَانَ مِمّنْ قُتِلَ يَوْمَ أُحُدٍ مُخَيْرِيق، وَكَانَ أَحَدَ بَنِي ثَعْلَبَةَ بْنِ الْفِطْيُونِ قَالَ لَمّا كَانَ يَوْمُ أُحُدٍ، قَالَ يَا مَعْشَرَ يَهُودَ وَاَللّهِ لَقَدْ عَلِمْتُمْ أَنّ نَصْرَ مُحَمّدٍ عَلَيْكُمْ لَحَقّ، قَالُوا: إنّ الْيَوْمَ يَوْمُ السّبْتِ قَالَ لَا سَبْتَ لَكُمْ. فَأَخَذَ سَيْفَهُ وَعُدّتَهُ وَقَالَ إنْ أُصِبْتُ فَمَالِي لِمُحَمّدٍ يَصْنَعُ فِيهِ مَا شَاءَ ثُمّ غَدَا إلَى رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَقَاتَلَ مَعَهُ حَتّى قُتِلَ فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ- فِيمَا بَلَغَنَا- مُخَيْرِيق خَيْرُ يَهُود.
.[أَمْرُ الْحَارِثِ بْنِ سُوَيْدٍ]:

قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَكَانَ الْحَارِثُ بْنُ سُوَيْد بْنِ صَامَتْ مُنَافِقًا، فَخَرَجَ يَوْمَ أُحُدٍ مَعَ الْمُسْلِمِينَ فَلَمّا الْتَقَى النّاسُ عَدَا عَلَى الْمُجَذّرِ بْنِ ذِيَادٍ الْبَلَوِيّ وَقَيْسِ بْنِ زَيْدٍ أَحَدِ بَنِي ضُبَيْعَةَ، فَقَتَلَهُمَا، ثُمّ لَحِقَ بِمَكّةَ بِقُرَيْشٍ وَكَانَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ- فِيمَا يَذْكُرُونَ- قَدْ أَمَرَ عُمَرُ بْنُ الْخَطّابِ بِقَتْلِهِ إنْ هُوَ ظَفِرَ بِهِ فَفَاتَهُ فَكَانَ بِمَكّةَ ثُمّ بَعَثَ إلَى أَخِيهِ الْجُلَاسِ بْنِ سُوَيْد يَطْلُبُ التّوْبَةَ لِيَرْجِعَ إلَى قَوْمِهِ. فَأَنْزَلَ اللّهُ تَعَالَى فِيهِ فِيمَا بَلَغَنِي، عَنْ ابْنِ عَبّاسٍ: {كَيْفَ يَهْدِي اللّهُ قَوْمًا كَفَرُوا بَعْدَ إِيمَانِهِمْ وَشَهِدُوا أَنّ الرّسُولَ حَقّ وَجَاءَهُمُ الْبَيّنَاتُ وَاللّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظّالِمِينَ} إلَى آخِرِ الْقِصّةِ.
.[تَحْقِيقُ ابْنِ هِشَامٍ فِيمَنْ قَتَلَ الْمُجَذّرَ]:

قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: حَدّثَنِي مَنْ أَثِقُ بِهِ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ أَنّ الْحَارِثَ بْنَ سُوَيْد قَتَلَ الْمُجَذّرَ بْنَ ذِيَادٍ وَلَمْ يَقْتُلْ قِيسَ بْنَ زَيْدٍ وَالدّلِيلُ عَلَى ذَلِكَ أَنّ ابْنَ إسْحَاقَ لَمْ يَذْكُرْهُ فِي قَتْلَى أُحُدٍ؛ وَإِنّمَا قَتَلَ الْمُجَذّرَ لِأَنّ الْمُجَذّرَ بْنَ ذِيَادٍ كَانَ قَتَلَ أَبَاهُ سُوَيْدًا فِي بَعْضِ الْحُرُوبِ الّتِي كَانَتْ بَيْنَ الْأَوْسِ وَالْخَزْرَجِ، وَقَدْ ذَكَرْنَا ذَلِكَ فِيمَا مَضَى مِنْ هَذَا الْكِتَابِ. فَبَيْنَا رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فِي نَفَرٍ مِنْ أَصْحَابِهِ إذْ خَرَجَ الْحَارِثُ بْنُ سُوَيْد مِنْ بَعْضِ حَوَائِطِ الْمَدِينَةِ، وَعَلَيْهِ ثَوْبَانِ مُضَرّجَانِ فَأَمَرَ بِهِ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ عُثْمَانَ بْنَ عَفّانَ، فَضَرَبَ عُنُقَهُ وَيُقَالُ بَعْضُ الْأَنْصَارِ. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: قَتَلَ سُوَيْدَ بْنَ الصّامِتِ مَعَاذُ بْنُ عَفْرَاءَ غِيلَةً فِي غَيْرِ حَرْبٍ رَمَاهُ بِسَهْمٍ فَقَتَلَهُ قَبْلَ يَوْمِ بُعَاث.
.[أَمْرُ أُصَيْرِم]:

قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَحَدّثَنِي الْحُصَيْنُ بْنُ عَبْدِ الرّحْمَنِ بْنِ عَمْرِو بْنِ سَعْدِ بْنِ مَعَاذٍ عَنْ أَبِي سُفْيَانَ مَوْلَى ابْنِ أَبِي أَحْمَدَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ كَانَ يَقُولُ حَدّثُونِي عَنْ رَجُلٍ دَخَلَ الْجَنّةَ لَمْ يُصَلّ قَطّ، فَإِذَا لَمْ يَعْرِفْهُ النّاسُ سَأَلُوهُ مَنْ هُوَ؟ فَيَقُولُ أُصَيْرِم، بَنِي عَبْدِ الْأَشْهَلِ، عَمْرُو بْنُ ثَابِتِ بْنِ وَقْشٍ قَالَ الْحُصَيْنُ فَقُلْت لِمَحْمُودِ بْنِ أَسَدٍ: كَيْفَ كَانَ شَأْنُ الْأُصَيْرِمِ؟ قَالَ كَانَ يَأْبَى الْإِسْلَامَ عَلَى قَوْمِهِ. فَلَمّا كَانَ يَوْمُ خَرَجَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ إلَى أُحُدٍ بَدَا لَهُ فِي الْإِسْلَامِ فَأَسْلَمَ ثُمّ أَخَذَ سَيْفَهُ فَعَدَا حَتّى دَخَلَ فِي عُرْضِ النّاسِ فَقَاتَلَ حَتّى أَثْبَتَتْهُ الْجِرَاحَةُ. قَالَ فَبَيْنَا رِجَالٌ مِنْ بَنِي عَبْدِ الْأَشْهَلِ يَلْتَمِسُونَ قَتَلَاهُمْ فِي الْمَعْرَكَةِ إذَا هُمْ بِهِ فَقَالُوا: وَاَللّهِ إنّ هَذَا لَلْأُصَيْرِمُ مَا جَاءَ بِهِ؟ لَقَدْ تَرَكْنَاهُ وَإِنّهُ لِمُنْكِرٍ لِهَذَا الْحَدِيثَ فَسَأَلُوهُ مَا جَاءَ بِهِ فَقَالُوا: مَا جَاءَ بِك يَا عَمْرُو؟ أَحَدَبٌ عَلَى قَوْمِك أَمْ رَغْبَةً فِي الْإِسْلَامِ؟ قَالَ بَلْ رَغْبَةً فِي الْإِسْلَامِ آمَنْت بِاَللّهِ وَبِرَسُولِهِ وَأَسْلَمْتُ ثُمّ أَخَذْت سَيْفِي، فَغَدَوْتُ مَعَ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ ثُمّ قَاتَلْت حَتّى أَصَابَنِي مَا أَصَابَنِي، ثُمّ لَمْ يَلْبَثْ أَنْ مَاتَ فِي أَيْدِيهِمْ. فَذَكَرُوهُ لِرَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَقَالَ إنّهُ لَمِنْ أَهْلِ الْجَنّةِ.
.[مَقْتَلُ عَمْرِو بْنِ الْجَمُوحِ]:

قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَحَدّثَنِي أَبِي إسْحَاقُ بْنُ يَسَارٍ، عَنْ أَشْيَاخٍ مِنْ بَنِي سَلِمَةَ أَنّ عَمْرَو بْنَ الْجَمُوحِ كَانَ رَجُلًا أَعْرَجَ شَدِيدَ الْعَرَجِ، وَكَانَ لَهُ بَنُونَ أَرْبَعَةٌ مِثْلَ الْأُسْدِ يَشْهَدُونَ مَعَ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ الْمَشَاهِدَ فَلَمّا كَانَ يَوْمُ أُحُد ٍ أَرَادُوا حَبْسَهُ وَقَالُوا لَهُ إنّ اللّهَ عَزّ وَجَلّ قَدْ عَذَرَك، فَأَتَى رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَقَالَ إنّ بَنِيّ يُرِيدُونَ أَنْ يَحْبِسُونِي عَنْ هَذَا الْوَجْهِ وَالْخُرُوجِ مَعَك فِيهِ. فَوَاَللّهِ إنّي لَأَرْجُو أَنْ أَطَأَ بِعَرْجَتِي هَذِهِ فِي الْجَنّةِ فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ أَمّا أَنْتَ فَقَدْ عَذَرَك اللّهُ فَلَا جِهَادَ عَلَيْك، وَقَالَ لِبَنِيهِ مَا عَلَيْكُمْ أَنْ لَا تَمْنَعُوهُ لَعَلّ اللّهَ أَنْ يَرْزُقَهُ الشّهَادَةَ فَخَرَجَ مَعَهُ فَقُتِلَ يَوْمَ أُحُدٍ.
.[هِنْدُ وَتَمْثِيلُهَا بِحَمْزَةِ]:

قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَوَقَعَتْ هِنْدُ بِنْتُ عُتْبَة، كَمَا حَدّثَنِي صَالِحُ بْنُ كَيْسَانَ، وَالنّسْوَةُ اللّاتِي مَعَهَا، يُمَثّلْنَ بِالْقَتْلَى مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ يَجْدَعْنَ الْآذَانَ وَالْأُنُفَ حَتّى اتّخَذَتْ هِنْدُ مِنْ آذَانِ الرّجَالِ وَآنُفِهِمْ خَدَمًا وَقَلَائِدَ وَأَعْطَتْ خَدَمَهَا وَقَلَائِدَهَا وَقِرَطَتَهَا وَحْشِيّا، غُلَامَ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ، وَبَقَرَتْ عَنْ كَبِدِ حَمْزَةَ، فَلَاكَتْهَا، فَلَمْ تَسْتَطِعْ أَنْ تُسِيغَهَا، فَلَفَظَتْهَا، ثُمّ عَلَتْ عَلَى صَخْرَةٍ مُشْرِفَةٍ فَصَرَخَتْ بِأَعْلَى صَوْتِهَا فَقَالَتْ:
نَحْنُ جَزَيْنَاكُمْ بِيَوْمِ بَدْرٍ ** وَالْحَرْبُ بَعْدَ الْحَرْبِ ذَاتِ سُعْرِ

مَا كَانَ عَنْ عُتْبَة لِي مِنْ صَبْرِ ** وَلَا أَخِي وَعَمّهِ وَبَكْرِي

شَفَيْتُ نَفْسِي وَقَضَيْتُ نَذْرِي ** شَفَيْتَ وَحْشِيّ غَلِيلَ صَدْرِي

فَشُكْرُ وَحْشِيّ عَلَيّ عُمْرِي ** حَتّى تَرُمّ أَعْظُمِي فِي قَبْرِي

.[شِعْرُ هِنْدَ بِنْتِ أُثَاثَةَ فِي الرّدّ عَلَى هِنْدِ بِنْتِ عُتْبَة]:

فَأَجَابَتْهَا هِنْدُ بِنْتُ أُثَاثَةَ بْنِ عَبّادِ بْنِ الْمُطّلِبِ فَقَالَتْ:
خَزِيت فِي بَدْرٍ وَبَعْدَ بَدْرٍ ** يَا بِنْتَ وَقّاعٍ عَظِيمِ الْكُفْرِ

صَبّحَك اللّهُ غَدَاةَ الْفَجْرِ ** مَلْهَاشِمَيّيْنِ الطّوَالِ الزّهْرِ

بِكُلّ قَطّاعٍ حُسَامٍ يَفْرِي ** حَمْزَةُ لَيْثِيّ وَعَلِيّ صَقْرِيّ

إذْ رَامَ شَيْبٌ وَأَبُوك غَدْرِي ** فَخَضّبَا مِنْهُ ضَوَاحِي النّحْرِ

وَنَذْرُك السّوءَ فَشَرّ نَذْرِ قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: تَرَكْنَا مِنْهَا ثَلَاثَةَ أَبْيَاتٍ أَقْذَعَتْ فِيهَا.
.[شِعْرُ لِهِنْدِ بِنْتِ عُتْبَة أَيْضًا]:

قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَقَالَتْ هِنْدُ بِنْتُ عُتْبَة أَيْضًا:
شَفَيْتُ مِنْ حَمْزَةَ نَفْسِي بِأُحُدٍ ** حَتّى بَقَرْتُ بَطْنَهُ عَنْ الْكَبِدِ

أَذْهَبَ عَنّي ذَاكَ مَا كُنْتُ أَجِدُ ** مِنْ لَذْعَةِ الْحُزْنِ الشّدِيدِ الْمُعْتَمِدِ

وَالْحَرْبُ تَعْلُوكُمْ بِشَؤْبُوب بَرِدٍ ** تُقْدِمُ إقْدَامًا عَلَيْكُمْ كَالْأَسَدِ

.[تَحْرِيضُ عُمَرَ لِحَسّانَ عَلَى هَجْوِ هِنْدَ بِنْتِ عُتْبَة]:

قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فَحَدّثَنِي صَالِحُ بْنُ كَيْسَانَ أَنّهُ حُدّثَ أَنّ عُمْرَ بْنَ الْخَطّابِ قَالَ لِحَسّانَ بْنِ ثَابِتٍ يَا ابْنَ الْفُرَيْعَةِ- قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: الْفُرَيْعَةُ بِنْتُ خَالِدِ بْنِ خُنَيْسٍ وَيُقَال: خُنَيْسٌ ابْنُ حَارِثَةَ بْنِ لَوْذَانَ بْنِ عَبْدِ وُدّ بْنِ زَيْدِ بْنِ ثَعْلَبَةَ بْنِ الْخَزْرَجِ بْنِ سَاعِدَةَ بْنِ كَعْبِ بْنِ الْخَزْرَجِ- لَوْ سَمِعْتَ مَا تَقُولُ هِنْدُ، وَرَأَيْت أَشْرَهَا قَائِمَةً عَلَى صَخْرَةٍ تَرْتَجِزُ بِنَا، وَتَذْكُرُ مَا صَنَعَتْ بِحَمْزَةِ؟ قَالَ لَهُ حَسّانُ وَاَللّهِ إنّي لَأَنْظُرُ إلَى الْحَرْبَةِ تَهْوِي وَأَنَا عَلَى رَأْسِ فَارِعٍ- يَعْنِي أُطُمَهُ- فَقُلْت: وَاَللّهِ إنّ هَذِهِ لَسِلَاحٌ مَا هِيَ بِسِلَاحِ الْعَرَبِ، وَكَأَنّهَا إنّمَا تَهْوِي إلَى حَمْزَةَ وَلَا أَدْرِي، لَكِنْ قَالَ فَأَنْشَدَهُ عُمَرُ بْنُ الْخَطّابِ بَعْضَ مَا قَالَتْ فَقَالَ حَسّانُ بْنُ ثَابِتٍ:
أَشْرَتْ لَكَاعُ وَكَانَ عَادَتُهَا ** لُؤْمًا إذَا أَشْرَتْ مَعَ الْكُفْرِ

قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَهَذَا الْبَيْتُ فِي أَبْيَاتٍ لَهُ تَرَكْنَاهَا، وَأَبْيَاتًا أَيْضًا لَهُ عَلَى الدّالِ. وَأَبْيَاتًا أُخَرَ عَلَى الذّالِ لِأَنّهُ أَقْذَعَ فِيهَا.
.[اسْتِنْكَارُ الْحُلَيْسِ عَلَى أَبِي سُفْيَانَ تَمْثِيلَهُ بِحَمْزَةِ]:

قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَقَدْ كَانَ الْحُلَيْسُ بْنُ زَبّانٍ أَخُو بَنُو الْحَارِثِ بْنِ عَبْدِ مَنَاةَ، وَهُوَ يَوْمئِذٍ سَيّدُ الْأُبَيْشِ، قَدْ مَرّ بِأَبِي سُفْيَانَ وَهُوَ يَضْرِبُ فِي شَدْقِ حَمْزَةَ بْنِ عَبْدِ الْمُطّلِبِ بِزُجّ الرّمْحِ وَيَقُولُ ذُقْ عُقَقُ فَقَالَ الْحُلَيْسُ يَا بَنِي كِنَانَةَ هَذَا سَيّدُ قُرَيْشٍ يَصْنَعُ بِابْنِ عَمّهِ مَا تَرَوْنَ لَحْمًا؟ فَقَالَ وَيْحَك اُكْتُمْهَا عَنّي، فَإِنّهَا كَانَتْ زَلّةً.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://el-quran.ahlamontada.com
Admin
Admin
Admin


المساهمات : 4240
تاريخ التسجيل : 20/01/2018

كتاب السيرة النبوية۞ لعبد الملك ابن هشام ۞«المؤرخ» ​ - صفحة 2 Empty
مُساهمةموضوع: رد: كتاب السيرة النبوية۞ لعبد الملك ابن هشام ۞«المؤرخ» ​   كتاب السيرة النبوية۞ لعبد الملك ابن هشام ۞«المؤرخ» ​ - صفحة 2 Emptyالأحد مارس 04, 2018 6:52 am

كتاب السيرة النبوية۞ لعبد الملك ابن هشام ۞«المؤرخ» ​ - صفحة 2 SeeretIbenHisham

.[شَمَاتَةُ أَبِي سُفْيَانَ بِالْمُسْلِمِينَ بَعْدَ أُحُدٍ وَحَدِيثُهُ مَعَ عُمَرَ]:

ثُمّ إنّ أَبَا سُفْيَانَ بْنَ حَرْبٍ حِينَ أَرَادَ الِانْصِرَافَ أَشْرَفَ عَلَى الْجَبَلِ ثُمّ صَرَخَ بِأَعْلَى صَوْتِهِ فَقَالَ أَنْعَمْتَ فَعَالِ وَإِنّ الْحَرْبَ سِجَالٌ يَوْمٌ بِيَوْمِ أُعْلُ هُبَلُ أَيْ أَظْهِرْ دِينَك؛ فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ قُمْ يَا عُمَرُ فَأَجِبْهُ، فَقُلْ اللّهُ أَعَلَى وَأَجَلّ، لَا سَوَاءَ قَتَلَانَا فِي الْجَنّةِ وَقَتْلَاكُمْ. فَلَمّا أَجَابَ عُمَرُ أَبَا سُفْيَانَ قَالَ لَهُ أَبُو سُفْيَانَ هَلُمّ إلَيّ يَا عُمَرُ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ لِعُمَرِ ائْتِهِ فَانْظُرْ مَا شَأْنُهُ؛ فَجَاءَهُ فَقَالَ لَهُ أَبُو سُفْيَانَ أَنْشُدُك اللّهَ يَا عُمَرُ أَقَتَلْنَا مُحَمّدًا؟ قَالَ عُمَرُ اللّهُمّ لَا، وَإِنّهُ لَيَسْمَعُ كَلَامَك الْآنَ قَالَ أَنْتَ أَصْدَقُ عِنْدِي مِنْ ابْنِ قَمِئَةَ وَأَبَرّ لِقَوْلِ ابْنِ قَمِئَةَ لَهُمْ إنّي قَدْ قَتَلْت مُحَمّدًا. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَاسْمُ ابْنِ قَمِئَةَ عَبْدُ اللّهِ.
.[تَوَعّدُ أَبِي سُفْيَانَ الْمُسْلِمِينَ]:

قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: ثُمّ نَادَى أَبُو سُفْيَانَ: إنّهُ قَدْ كَانَ فِي قَتْلَاكُمْ مُثُلٌ وَاَللّهِ مَا رَضِيت، وَمَا سَخِطْت، وَمَا نَهَيْتُ وَمَا أَمَرْت. وَلَمّا انْصَرَفَ أَبُو سُفْيَانَ وَمَنْ مَعَهُ نَادَى: إنّ مَوْعِدَكُمْ بَدْرٌ لِلْعَامِ الْقَابِلِ فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ لِرَجُلِ مِنْ أَصْحَابِهِ قُلْ نَعَمْ هُوَ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ مَوْعِدٌ.
.[خُرُوجُ عَلِيّ فِي آثَارِ الْمُشْرِكِينَ]:

ثُمّ بَعَثَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ عَلِيّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ، فَقَالَ اُخْرُجْ فِي آثَارِ الْقَوْمِ، فَانْظُرْ مَاذَا يَصْنَعُونَ وَمَا يُرِيدُونَ فَإِنْ كَانُوا قَدْ جَنّبُوا الْخَيْلَ وَامْتَطَوْا الْإِبِلَ فَإِنّهُمْ يُرِيدُونَ مَكّةَ، وَإِنْ رَكِبُوا الْخَيْلَ وَسَاقُوا الْإِبِلَ فَإِنّهُمْ يُرِيدُونَ الْمَدِينَةَ، وَاَلّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَئِنْ أَرَادُوهَا لَأَسِيرَنّ إلَيْهِمْ فِيهَا، ثُمّ لَأُنَاجِزَنّهُمْ قَالَ عَلِيّ: فَخَرَجْت فِي آثَارِهِمْ أَنْظُرُ مَاذَا يَصْنَعُونَ فَجَنّبُوا الْخَيْلَ وَامْتَطَوْا الْإِبِلَ وَوَجّهُوا إلَى مَكّةَ.
.[أَمْرُ الْقَتْلَى بِأُحُدِ]:

وَفَرَغَ النّاسُ لِقَتْلَاهُمْ فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ كَمَا حَدّثَنِي مُحَمّدُ بْنُ عَبْدِ اللّهِ بْنِ عَبْدِ الرّحْمَنِ بْنِ أَبِي صَعْصَعَةَ الْمَازِنِيّ أَخُو بَنِي النّجّار ِ مَنْ رَجُلٌ يَنْظُرُ لِي مَا فَعَلَ سَعْدُ بْنُ الرّبِيعِ؟ أَفِي الْأَحْيَاءِ هُوَ أَمْ فِي الْأَمْوَاتِ؟ فَقَالَ رَجُلٌ مِنْ الْأَنْصَارِ: أَنَا أَنْظُرُ لَك يَا رَسُولَ اللّهِ مَا فَعَلَ سَعْدٌ فَنَظَرَ فَوَجَدَهُ جَرِيحًا فِي الْقَتْلَى وَبِهِ رَمَقٌ. قَالَ فَقُلْت لَهُ إنّ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ أَمَرَنِي أَنْ أَنْظُرَ أَفِي الْأَحْيَاءِ أَنْتَ أَمْ فِي الْأَمْوَاتِ؟ قَالَ أَنَا فِي الْأَمْوَاتِ فَأَبْلِغْ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ عَنّي السّلَامَ وَقُلْ لَهُ إنّ سَعْدَ بْنَ الرّبِيعِ يَقُولُ لَك: جَزَاك اللّهُ عَنّا خَيْرَ مَا جَزَى نَبِيّا عَنْ أُمّتِهِ وَأَبْلِغْ قَوْمَك عَنّي السّلَامَ وَقُلْ لَهُمْ إنّ سَعْدَ بْنَ الرّبِيعِ يَقُولُ لَكُمْ إنّهُ لَا عُذْرَ لَكُمْ عِنْدَ اللّهِ إنْ خَلُصَ إلَى نَبِيّكُمْ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَمِنْكُمْ عَيْنٌ تَطْرِفُ قَالَ ثُمّ لَمْ أَبْرَحْ حَتّى مَاتَ قَالَ فَجِئْتُ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَأَخْبَرْته خَبَرَهُ. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَحَدّثَنِي أَبُو بَكْرٍ الزّبَيْرِيّ أَنّ رَجُلًا دَخَلَ عَلَى أَبِي بَكْرٍ الصّدّيقِ، وَبِنْتٌ لِسَعْدِ بْنِ الرّبِيعِ جَارِيَةٌ صَغِيرَةٌ عَلَى صَدْرِهِ يَرْشُفُهَا وَيُقَبّلُهَا، فَقَالَ لَهَ الرّجُلُ مَنْ هَذِهِ؟ قَالَ هَذِهِ بِنْتُ رَجُلٍ خَيْرٍ مِنّي، سَعْدِ بْنِ الرّبِيعِ، كَانَ مِنْ النّقَبَاءِ يَوْمَ الْعَقَبَةِ، وَشَهِدَ بَدْرًا، وَاسْتُشْهِدَ يَوْمَ أُحُدٍ.
.[حُزْنُ الرّسُولِ عَلَى حَمْزَةَ وَتَوَعّدُهُ الْمُشْرِكِينَ بِالْمُثْلَةِ]:

قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَخَرَجَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فِيمَا بَلَغَنِي، يَلْتَمِسُ حَمْزَةَ بْنَ عَبْدِ الْمُطّلِبِ، فَوَجَدَهُ بِبَطْنِ الْوَادِي قَدْ بُقِرَ بَطْنُهُ عَنْ كَبِدِهِ وَمُثّلَ بِهِ فَجُدِعَ أَنْفُهُ وَأُذُنَاهُ. فَحَدّثَنِي مُحَمّدُ بْنُ جَعْفَرِ بْنِ الزّبَيْرِ: أَنّ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ قَالَ حِينَ رَأَى مَا رَأَى: «لَوْلَا أَنْ تَحْزَنَ صَفِيّةُ، وَيَكُونُ سُنّةً مِنْ بَعْدِي لَتَرَكْته، حَتّى يَكُونَ فِي بِطُونِ السّبَاعِ وَحَوَاصِلِ الطّيْرِ وَلَئِنْ أَظْهَرنِي اللّهُ عَلَى قُرَيْشٍ» حُزْنَ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَغَيْظَهُ عَلَى مَنْ فَعَلَ بِعَمّهِ مَا فَعَلَ قَالُوا:«وَاَللّهِ لَئِنْ أَظْفَرَنَا اللّهُ بِهِمْ يَوْمًا مِنْ الدّهْرِ لَنُمَثّلَنّ بِهِمْ مُثْلَةً لَمْ يُمَثّلْهَا أَحَدٌ مِنْ الْعَرَبِ». قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَلَمّا وَقَفَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ عَلَى حَمْزَةَ قَالَ «لَنْ أُصَابَ بِمِثْلِك أَبَدًا مَا وَقَفْتُ مَوْقِفًا قَطّ أَغْيَظَ إلَيّ مِنْ هَذَا ثُمّ قَالَ جَاءَنِي جِبْرِيلُ فَأَخْبَرَنِي أَنّ حَمْزَةَ بْنَ عَبْدِ الْمُطّلِبِ مَكْتُوبٌ فِي أَهْلِ السّمَوَاتِ السّبْعِ حَمْزَةُ بْنُ عَبْدِ الْمُطّلِب ِ، أَسَدُ اللّهِ وَأَسَدُ رَسُولِه» وَكَانَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَحَمْزَةُ وَأَبُو سَلَمَةَ بْنَ عَبْدِ الْأَسَدِ، إخْوَةٌ مِنْ الرّضَاعَةِ أَرْضَعَتْهُمْ مَوْلَاةٌ لِأَبِي لَهَبٍ.
.[مَا نَزَلَ فِي النّهْيِ عَنْ الْمُثْلَةِ]:

قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَحَدّثَنِي بُرَيْدَةُ بْنُ سُفْيَانَ بْنِ فَرْوَةَ الْأَسْلَمِيّ عَنْ مُحَمّدِ بْنِ كَعْبٍ الْقُرَظِيّ، وَحَدّثَنِي مَنْ لَا أَتّهِمُ عَنْ ابْنِ عَبّاسٍ: أَنّ اللّهَ عَزّ وَجَلّ أَنْزَلَ فِي ذَلِكَ مِنْ قَوْلِ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَقَوْلِ أَصْحَابِهِ {وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ وَلَئِنْ صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِلصّابِرِينَ وَاصْبِرْ وَمَا صَبْرُكَ إِلّا بِاللّهِ وَلَا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَلَا تَكُ فِي ضَيْقٍ مِمّا يَمْكُرُونَ} فَعَفَا رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَصَبَرَ وَنَهَى عَنْ الْمُثْلَةِ قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَحَدّثَنِي حُمَيْد الطّوِيلُ عَنْ الْحَسَنِ عَنْ سَمُرَةَ بْنِ جُنْدُبٍ، قَالَ مَا قَامَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فِي مَقَامٍ قَطّ فَفَارَقَهُ حَتّى يَأْمُرَنَا بِالصّدَقَةِ وَيَنْهَانَا عَنْ الْمُثْلَةِ.
.[صَلَاةُ الرّسُولِ عَلَى حَمْزَةَ وَالْقَتْلَى]:

قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَحَدّثَنِي مَنْ لَا أَتّهِمُ عَنْ مِقْسَمٍ، مَوْلَى عَبْدِ اللّهِ بْنِ الْحَارِثِ، عَنْ ابْنِ عَبّاسٍ، قَالَ أَمَرَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بِحَمْزَةِ فَسُجّيَ بِبُرْدَةِ ثُمّ صَلّى عَلَيْهِ فَكَبّرَ سَبْعَ تَكْبِيرَاتٍ ثُمّ أُتِيَ بِالْقَتْلَى فَيُوضَعُونَ إلَى حَمْزَةَ فَصَلّى عَلَيْهِمْ وَعَلَيْهِ مَعَهُمْ حَتّى صَلّى عَلَيْهِ ثِنْتَيْنِ وَسَبْعِينَ صَلَاةً.
.[صَفِيّةُ وَحُزْنُهَا عَلَى حَمْزَةَ]:

قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَقَدْ أَقْبَلَتْ فِيمَا بَلَغَنِي، صَفِيّةُ بِنْتُ عَبْدِ الْمُطّلِبِ لِتَنْظُرَ إلَيْهِ وَكَانَ أَخَاهَا لِأَبِيهَا وَأُمّهَا، فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ لِابْنِهَا الزّبَيْرِ بْنِ الْعَوّامِ: الْقَهَا فَأَرْجِعْهَا، لَا تَرَى مَا بِأَخِيهَا؛ فَقَالَ لَهَا: يَا أُمّهُ إنّ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ يَأْمُرُك أَنْ تَرْجِعِي، قَالَتْ وَلِمَ؟ وَقَدْ بَلَغَنِي أَنْ قَدْ مُثّلَ بِأَخِي، وَذَلِك فِي اللّهِ فَمَا أَرْضَانَا بِمَا كَانَ مِنْ ذَلِكَ لَأَحْتَسِبَن وَلَأَصْبِرَن إنْ شَاءَ اللّهُ. فَلَمّا جَاءَ الزّبَيْرُ إلَى رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَأَخْبَرَهُ بِذَلِكَ قَالَ خَلّ سَبِيلَهَا، فَأَتَتْهُ فَنَظَرَتْ إلَيْهِ فَصَلّتْ عَلَيْهِ وَاسْتَرْجَعَتْ وَاسْتَغْفَرَتْ لَهُ ثُمّ أَمَرَ بِهِ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَدُفِنَ.
.[دَفْنُ عَبْدِ اللّهِ بْنِ جَحْشٍ مَعَ حَمْزَةَ]:

قَالَ فَزَعَمَ لِي آلُ عَبْدِ اللّهِ بْنِ جَحْشٍ- وَكَانَ لِأُمَيْمَةِ بِنْتِ عَبْدِ الْمُطّلِبِ حَمْزَةُ خَالُهُ وَقَدْ كَانَ مُثّلَ بِهِ كَمَا مُثّلَ بِحَمْزَةِ، إلّا أَنّهُ لَمْ يُبْقَرْ عَنْ كَبِدِهِ- أَنّ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ دَفَنَهُ مَعَ حَمْزَةَ فِي قَبْرِهِ وَلَمْ أَسْمَعْ ذَلِكَ إلّا عَنْ أَهْلِهِ.
.[دَفْنُ الشّهَدَاءِ]:

قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَكَانَ قَدْ احْتَمَلَ نَاسٌ مِنْ الْمُسْلِمِينَ قَتْلَاهُمْ إلَى الْمَدِينَةِ، فَدَفَنُوهُمْ بِهَا، ثُمّ نَهَى رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ عَنْ ذَلِكَ وَقَالَ ادْفِنُوهُمْ حَيْثُ صُرِعُوا. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَحَدّثَنِي مُحَمّدُ بْنُ مُسْلِمٍ الزّهْرِيّ، عَنْ عَبْدِ اللّهِ بْنِ ثَعْلَبَةَ بْنِ صُعَيْرٍ الْعُذْرِيّ، حَلِيفِ بَنِي زُهْرَةَ: أَنّ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ لَمّا أَشْرَفَ عَلَى الْقَتْلَى يَوْمَ أُحُدٍ، قَالَ أَنَا شَهِيدٌ عَلَى هَؤُلَاءِ، إنّهُ مَا مِنْ جَرِيحٍ يُجْرَحُ فِي اللّهِ إلّا وَاَللّهُ يَبْعَثُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يَدْمَى جُرْحُهُ اللّوْنُ لَوْنُ دَمٍ وَالرّيحُ رِيحُ مِسْكٍ اُنْظُرُوا أَكْثَرَ هَؤُلَاءِ جَمْعًا لِلْقُرْآنِ فَاجْعَلُوهُ أَمَامَ أَصْحَابِهِ فِي الْقَبْرِ- وَكَانُوا يَدْفِنُونَ الِاثْنَيْنِ وَالثّلَاثَةَ فِي الْقَبْرِ الْوَاحِدِ قَالَ وَحَدّثَنِي عَمّي مُوسَى بْنُ يَسَارٍ أَنّهُ سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ يَقُولُ قَالَ أَبُو الْقَاسِمِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ مَا مِنْ جَرِيحٍ يُجْرَحُ فِي اللّهِ إلّا وَاَللّهُ يَبْعَثُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَجُرْحُهُ يَدْمَى، اللّوْنُ لَوْنُ دَمٍ وَالرّيحُ رِيحُ مِسْكٍ قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَحَدّثَنِي أَبِي إسْحَاقُ بْنُ يَسَارٍ، عَنْ أَشْيَاخٍ مِنْ بَنِي سَلَمَةَ: أَنّ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ قَالَ يَوْمَئِذٍ حِينَ أَمَرَ بِدَفْنِ الْقَتْلَى: «اُنْظُرُوا إلَى عَمْرِو بْنِ الْجَمُوحِ وَعَبْدِ اللّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ حَرَامٍ فَإِنّهُمَا كَانَا مُتَصَافِيَيْنِ فِي الدّنْيَا، فَاجْعَلُوهُمَا فِي قَبْرٍ وَاحِدٍ».
.[حُزْنُ حَمْنَةَ عَلَى حَمْزَةَ]:

قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: ثُمّ انْصَرَفَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ رَاجِعًا إلَى الْمَدِينَةِ، فَلَقِيَتْهُ حَمْنَةُ بِنْتُ جَحْشٍ، كَمَا ذُكِرَ لِي، فَلَمّا لَقِيَتْ النّاسَ نُعِيَ إلَيْهَا أَخُوهَا عَبْدُ اللّهِ بْنُ جَحْشٍ، فَاسْتَرْجَعَتْ وَاسْتَغْفَرَتْ لَهُ ثُمّ نُعِيَ لَهَا خَالُهَا حَمْزَةُ بْنُ عَبْدِ الْمُطّلِبِ فَاسْتَرْجَعَتْ وَاسْتَغْفَرَتْ لَهُ ثُمّ نُعِيَ لَهَا زَوْجُهَا مُصْعَبُ بْنُ عُمَيْرٍ، فَصَاحَتْ وَوَلْوَلَتْ فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ إنّ زَوْجَ الْمَرْأَةِ مِنْهَا لَبِمَكَانِ لِمَا رَأَى مِنْ تَثَبّتِهَا عِنْدَ أَخِيهَا وَخَالِهَا، وَصِيَاحِهَا عَلَى زَوْجِهَا.
.[بُكَاءُ نِسَاءِ الْأَنْصَارِ عَلَى حَمْزَةَ]:

قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَمَرّ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بِدَارِ مِنْ دُورِ الْأَنْصَارِ مِنْ بَنِي عَبْدِ الْأَشْهَلِ وَظَفَرٍ فَسَمِعَ الْبُكَاءَ وَالنّوَائِحَ عَلَى قَتْلَاهُمْ فَذَرَفَتْ عَيْنَا رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَبَكَى، ثُمّ قَالَ لَكِنّ حَمْزَةَ لَا بَوَاكِيَ لَهُ فَلَمّا رَجَعَ سَعْدُ بْنُ مُعَاذٍ وَأُسَيْدُ بْنُ حُضَيْرٍ إلَى دَارِ بَنِي عَبْدِ الْأَشْهَلِ أَمَرَا نِسَاءَهُمْ أَنْ يَتَحَزّمْنَ ثُمّ يَذْهَبْنَ فَيَبْكِينَ عَلَى عَمّ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: حَدّثَنِي حَكِيمُ بْنُ حَكِيمٍ عَنْ عَبّادِ بْنِ حُنَيْفٍ عَنْ بَعْضِ رِجَالِ بَنِي عَبْدِ الْأَشْهَلِ قَالَ لَمّا سَمِعَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بُكَاءَهُنّ عَلَى حَمْزَةَ خَرَجَ عَلَيْهِنّ وَهُنّ عَلَى بَابِ مَسْجِدِهِ يَبْكِينَ عَلَيْهِ فَقَالَ ارْجِعْنَ يَرْحَمْكُنّ اللّهُ فَقَدْ آسَيْتُنّ بِأَنْفُسِكُنّ قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَنُهِيَ يَوْمَئِذٍ عَنْ النّوْحِ. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَحَدّثَنِي أَبُو عُبَيْدَةَ أَنّ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ لَمّا سَمِعَ بُكَاءَهُنّ قَالَ رَحِمَ اللّهُ الْأَنْصَارَ فَإِنّ الْمُوَاسَاةَ مِنْهُمْ مَا عَتّمَتْ لَقَدِيمَةٌ مُرُوهُنّ فَلْيَنْصَرِفْنَ.
.[شَأْنُ الْمَرْأَةِ الدّينَارِيّةِ]:

قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَحَدّثَنِي عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَبِي عَوْنٍ عَنْ إسْمَاعِيلَ بْنِ مُحَمّدٍ عَنْ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقّاصٍ، قَالَ مَرّ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بِامْرَأَةِ مِنْ بَنِي دِينَارٍ، وَقَدْ أُصِيبَ زَوْجُهَا وَأَخُوهَا وَأَبُوهَا مَعَ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بِأُحُدٍ فَلَمّا نُعُوا لَهَا، قَالَتْ فَمَا فَعَلَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ؟ قَالُوا: خَيْرًا يَا أُمّ فُلَانٍ هُوَ بِحَمْدِ اللّهِ كَمَا تُحِبّينَ قَالَتْ أَرُونِيهِ حَتّى أَنْظُرَ إلَيْهِ؟ قَالَ فَأُشِيرَ لَهَا إلَيْهِ حَتّى إذَا رَأَتْهُ قَالَتْ كُلّ مُصِيبَةٍ بَعْدَك جَلَلٌ تُرِيدُ صَغِيرَةً قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: الْجَلَلُ يَكُونُ مِنْ الْقَلِيلِ وَمِنْ الْكَثِيرِ وَهُوَ هَاهُنَا مِنْ الْقَلِيلِ. قَالَ امْرُؤُ الْقَيْسِ فِي الْجَلَلِ الْقَلِيلِ:
لَقَتْلُ بَنِي أَسَدٍ رَبّهُمْ ** أَلَا كُلّ شَيْءٍ سِوَاهُ جَلَلُ

قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَأَمّا قَوْلُ الشّاعِرِ وَهُوَ الْحَارِثُ بْنُ وَعْلَةَ الْجَرْمِيّ:
وَلَئِنْ عَفَوْتُ لَأَعْفُوَن جَلَلًا ** وَلَئِنْ سَطَوْت لَأُوْهِنَنْ عَظْمِي

فَهُوَ مِنْ الْكَثِيرِ.
.[غَسْلُ السّيُوفِ]:

قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فَلَمّا انْتَهَى رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ إلَى أَهْلِهِ نَاوَلَ سَيْفَهُ ابْنَتَهُ فَاطِمَةَ فَقَالَ اغْسِلِي عَنْ هَذَا دَمَهُ يَا بُنَيّةَ فَوَاَللّهِ لَقَدْ صَدَقَنِي الْيَوْمَ وَنَاوَلَهَا عَلِيّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ سَيْفَهُ فَقَالَ وَهَذَا أَيْضًا، فَاغْسِلِي عَنْهُ دَمَهُ فَوَاَللّهِ لَقَدْ صَدَقَنِي الْيَوْمَ فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ لَئِنْ كُنْت صَدَقْتَ الْقِتَالَ لَقَدْ صَدَقَ مَعَك سَهْلُ بْنُ حُنَيْفٍ وَأَبُو دُجَانَةَ قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَكَانَ يُقَالُ لِسَيْفِ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ ذُو الْفَقَارِ. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَحَدّثَنِي بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ أَنّ ابْنَ أَبِي نَجِيحٍ قَالَ نَادَى مُنَادٍ يَوْمَ أُحُد ٍ: لَا سَيْفَ إلّا ذُو الْفَقَارِ وَلَا فَتَى إلّا عَلِيّ قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَحَدّثَنِي بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ أَنّ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ قَالَ لِعَلِيّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ «لَا يُصِيبُ الْمُشْرِكُونَ مِنّا مِثْلَهَا حَتّى يَفْتَحَ اللّهُ عَلَيْنَا» قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَكَانَ يَوْمُ أُحُدٍ يَوْمَ السّبْتِ لِلنّصْفِ مِنْ شَوّالٍ.
.[خُرُوجُ الرّسُولِ فِي أَثَرِ الْعَدُوّ لِيُرْهِبَهُ]:

قَالَ فَلَمّا كَانَ الْغَدُ مِنْ يَوْمِ الْأَحَدِ لِسِتّ عَشْرَةَ لَيْلَةً مَضَتْ مِنْ شَوّالٍ أَذّنَ مُؤَذّنُ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فِي النّاسِ بِطَلَبِ الْعَدُوّ فَأَذّنَ مُؤَذّنُهُ أَنْ لَا يَخْرُجَنّ مَعَنَا أَحَدٌ إلّا أَحَدٌ حَضَرَ يَوْمَنَا بِالْأَمْسِ. فَكَلّمَهُ جَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ حَرَامٍ، فَقَالَ يَا رَسُولَ اللّهِ إنّ أَبِي كَانَ خَلّفَنِي عَلَى أَخَوَاتٍ لِي سَبْعٍ وَقَالَ يَا بُنَيّ إنّهُ لَا يَنْبَغِي لِي وَلَا لَك أَنْ نَتْرُكَ هَؤُلَاءِ النّسْوَةَ لَا رَجُلَ فِيهِنّ وَلَسْت بِاَلّذِي أُوثِرُكَ بِالْجِهَادِ مَعَ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ عَلَى نَفْسِي، فَتَخَلّفْ عَلَى أَخَوَاتِك، فَتَخَلّفْتُ عَلَيْهِنّ. فَأَذِنَ لَهُ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَخَرَجَ مَعَهُ وَإِنّمَا خَرَجَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ مُرْهِبًا لِلْعَدُوّ وَلِيُبَلّغَهُمْ أَنّهُ خَرَجَ فِي طَلَبِهِمْ لِيَظُنّوا بِهِ قُوّةً وَأَنّ الّذِي أَصَابَهُمْ لَمْ يُوهِنْهُمْ عَنْ عَدُوّهِمْ.
.[مَثَلٌ مِنْ اسْتِمَاتَةِ الْمُسْلِمِينَ فِي نُصْرَةِ الرّسُولِ]:

قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فَحَدّثَنِي عَبْدُ اللّهِ بْنُ خَارِجَةَ بْنِ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ، عَنْ أَبِي السّائِبِ مَوْلَى عَائِشَةَ بِنْتِ عُثْمَانَ أَنّ رَجُلًا مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ مِنْ بَنِي عَبْدِ الْأَشْهَلِ، كَانَ شَهِدَ أُحُدًا مَعَ رَسُولِ اللّهِ قَالَ شَهِدْتُ أُحُدًا مَعَ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ أَنَا وَأَخٌ لِي، فَرَجَعْنَا جَرِيحَيْنِ فَلَمّا أَذّنَ مُؤَذّنُ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بِالْخُرُوجِ فِي طَلَبِ الْعَدُوّ قُلْت لِأَخِي أَوْ قَالَ لِي: أَتَفُوتُنَا غَزْوَةٌ مَعَ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ؟ وَاَللّهِ مَا لَنَا مِنْ دَابّةٍ نَرْكَبُهَا، وَمَا مِنّا إلّا جَرِيحٌ ثَقِيلٌ فَخَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَكُنْت أَيْسَرَ جُرْحًا، فَكَانَ إذَا غُلِبَ حَمَلْته عُقْبَةً وَمَشَى عُقْبَةً حَتّى انْتَهَيْنَا إلَى مَا انْتَهَى إلَيْهِ الْمُسْلِمُون.
.[اسْتِعْمَالُ ابْنِ أُمّ مَكْتُومٍ عَلَى الْمَدِينَةِ]:

قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فَخَرَجَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ حَتّى انْتَهَى إلَى حَمْرَاءِ الْأَسَدِ الْمَدِينَةِ عَلَى ثَمَانِيَةِ أَمْيَالٍ وَاسْتَعْمَلَ عَلَى الْمَدِينَةِ ابْنَ أُمّ مَكْتُومٍ، فِيمَا قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فَأَقَامَ بِهَا الِاثْنَيْنِ وَالثّلَاثَاءَ وَالْأَرْبِعَاءَ ثُمّ رَجَعَ إلَى الْمَدِينَةِ.
.[شَأْنُ مَعْبَدٍ الْخُزَاعِيّ]:

قَالَ وَقَدْ مَرّ بِهِ كَمَا حَدّثَنِي عَبْدُ اللّهِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ، مَعْبَدُ بْنُ أَبِي مَعْبَدٍ الْخُزَاعِيّ، وَكَانَتْ خُزَاعَةُ، مُسْلِمُهُمْ وَمُشْرِكُهُمْ عَيْبَةَ نُصْحٍ لِرَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بِتِهَامَةَ صَفْقَتُهُمْ مَعَهُ لَا يُخْفُونَ عَنْهُ شَيْئًا كَانَ بِهَا، وَمَعْبَدٌ يَوْمَئِذٍ مُشْرِكٌ فَقَالَ يَا مُحَمّدُ أَمَا وَاَللّهِ لَقَدْ عَزّ عَلَيْنَا مَا أَصَابَك، وَلَوَدِدْنَا أَنّ اللّهَ عَافَاك فِيهِمْ ثُمّ خَرَجَ وَرَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بِحَمْرَاءِ الْأَسَدِ حَتّى لَقِيَ أَبَا سُفْيَانَ بْنَ حَرْب ٍ وَمَنْ مَعَهُ بِالرّوْحَاءِ وَقَدْ أَجْمَعُوا الرّجْعَةَ إلَى رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَأَصْحَابِهِ وَقَالُوا: أَصَبْنَا حَدّ أَصْحَابِهِ وَأَشْرَافَهُمْ وَقَادَتَهُمْ ثُمّ نَرْجِعُ قَبْلَ أَنْ نَسْتَأْصِلَهُمْ لَنَكُرَنّ عَلَى بَقِيّتِهِمْ فَلَنَفْرُغَنّ مِنْهُمْ. فَلَمّا رَأَى أَبُو سُفْيَان َ مَعْبَدًا، قَالَ مَا وَرَاءَك يَا مَعْبَدُ؟ قَالَ مُحَمّدٌ قَدْ خَرَجَ فِي أَصْحَابِهِ يَطْلُبُكُمْ فِي جَمْعٍ لَمْ أَرَ مِثْلَهُ قَطّ، يَتَحَرّقُونَ عَلَيْكُمْ تَحَرّقًا، قَدْ اجْتَمَعَ مَعَهُ مَنْ كَانَ تَخَلّفَ عَنْهُ فِي يَوْمِكُمْ وَنَدِمُوا عَلَى مَا صَنَعُوا، فِيهِمْ مِنْ الْحَنَقِ عَلَيْكُمْ شَيْءٌ لَمْ أَرَ مِثْلَهُ قَطّ؛ قَالَ وَيْحك مَا تَقُولُ؟ قَالَ وَاَللّهِ مَا أَرَى أَنْ تَرْتَحِلَ حَتّى أَرَى نَوَاصِيَ الْخَيْلِ قَالَ فَوَاَللّهِ لَقَدْ أَجْمَعْنَا الْكَرّةَ عَلَيْهِمْ لِنَسْتَأْصِلَ بَقِيّتَهُمْ قَالَ فَإِنّي أَنْهَاك عَنْ ذَلِكَ قَالَ وَاَللّهِ لَقَدْ حَمَلَنِي مَا رَأَيْتُ عَلَى أَنْ قُلْتُ فِيهِمْ أَبْيَاتًا مِنْ شِعْرٍ قَالَ وَمَا قُلْت؟ قَالَ قُلْت:
كَادَتْ تُهَدّ مِنْ الْأَصْوَاتِ رَاحِلَتِي ** إذْ سَالَتْ الْأَرْضُ بِالْجُرْدِ الْأَبَابِيلِ

تَرْدِى بِأُسْدٍ كَرَامٍ لَا تَنَابِلَةٍ ** عِنْدَ اللّقَاءِ وَلَا مِيلٍ مَعَازِيلِ

فَظَلْتُ عَدْوًا أَظُنّ الْأَرْضَ مَائِلَةً ** لَمّا سَمَوْا بِرَئِيسٍ غَيْرِ مَخْذُولِ

فَقُلْت: وَيْلَ ابْنِ حَرْبٍ مِنْ لِقَائِكُمْ ** إذَا تَغَطمطت الْبَطْحَاءُ بِالْجِيلِ

إنّي نَذِيرٌ لِأَهْلِ الْبَسْلِ ضَاحِيَةً ** لِكُلّ ذِي إرْبَةٍ مِنْهُمْ وَمَعْقُولِ

مِنْ جَيْشِ أَحْمَدَ لَا وَخَشٍ تَنَابِلَةٍ ** وَلَيْسَ يُوصَفُ مَا أَنْذَرْتُ بِالْقِيلِ

فَثَنَى ذَلِكَ أَبَا سُفْيَانَ وَمَنْ مَعَهُ.
.[رِسَالَةُ أَبِي سُفْيَانَ إلَى الرّسُولِ عَلَى لِسَانِ رَكْبٍ]:

وَمَرّ بِهِ رَكْبٌ مِنْ عَبْدِ الْقَيْسِ، فَقَالَ أَيْنَ تُرِيدُونَ؟ قَالُوا: نُرِيدُ الْمَدِينَةَ؟ قَالَ وَلِمَ؟ قَالُوا: نُرِيدُ الْمِيرَةَ قَالَ فَهَلْ أَنْتُمْ مُبَلّغُونَ عَنّي مُحَمّدًا رِسَالَةً أُرْسِلُكُمْ بِهَا إلَيْهِ وَأُحَمّلُ لَكُمْ هَذِهِ غَدًا زَبِيبًا بِعُكَاظٍ إذَا وَافَيْتُمُوهَا؟ قَالُوا نَعَمْ؟ قَالَ فَإِذَا وَافَيْتُمُوهُ فَأَخْبِرُوهُ أَنّا قَدْ أَجْمَعْنَا السّيْرَ إلَيْهِ وَإِلَى أَصْحَابِهِ لِنَسْتَأْصِلَ بَقِيّتَهُمْ فَمَرّ الرّكْبُ بِرَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَهُوَ بِحَمْرَاءِ الْأَسَدِ فَأَخْبَرُوهُ بِاَلّذِي قَالَ أَبُو سُفْيَانَ فَقَالَ حَسْبُنَا اللّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ.
.[كَفّ صَفْوَانَ لِأَبِي سُفْيَانَ عَنْ مُعَاوَدَةِ الْكَرّةِ]:

قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: حَدّثَنَا أَبُو عُبَيْدَةَ أَنّ أَبَا سُفْيَانَ بْنَ حَرْب ٍ لَمّا انْصَرَفَ يَوْمَ أُحُدٍ، أَرَادَ الرّجُوعَ إلَى الْمَدِينَةِ، لِيَسْتَأْصِلَ بَقِيّةَ أَصْحَابِ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَقَالَ لَهُمْ صَفْوَانُ بْنُ أُمَيّةَ بْنِ خَلَفٍ: لَا تَفْعَلُوا، فَإِنّ الْقَوْمَ قَدْ حَرِبُوا، وَقَدْ خَشِينَا أَنْ يَكُونَ لَهُمْ قِتَالٌ غَيْرُ الّذِي كَانَ فَارْجِعُوا، فَرَجَعُوا. فَقَالَ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَهُوَ بِحَمْرَاءِ الْأَسَدِ حِينَ بَلَغَهُ أَنّهُمْ هَمّوا بِالرّجْعَةِ وَاَلّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَقَدْ سُوّمَتْ لَهُمْ حِجَارَةٌ لَوْ صُبّحُوا بِهَا لَكَانُوا كَأَمْسِ الذّاهِبِ.
.[مَقْتَلُ أَبِي عَزّةَ وَمُعَاوِيَةَ بْنِ الْمُغِيرَةِ]:

قَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ وَأَخَذَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فِي جِهَةِ ذَلِكَ قَبْلَ رُجُوعِهِ إلَى الْمَدِينَةِ، مُعَاوِيَةَ بْنَ الْمُغِيرَةِ بْنَ أَبِي الْعَاصِ بْنِ أُمَيّةَ بْنِ عَبْدِ شَمْسٍ، وَهُوَ جَدّ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ مَرْوَانَ، أَبُو أُمّهِ عَائِشَةَ بِنْتِ مُعَاوِيَةَ وَأَبَا عَزّة الْجُمَحِيّ وَكَانَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ أَسَرَهُ بِبَدْرِ ثُمّ مَنّ عَلَيْهِ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللّهِ أَقِلْنِي، فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَاَللّهِ لَا تَمْسَحْ عَارِضَيْك بِمَكّةَ بَعْدَهَا وَتَقُول: خَدَعْت مُحَمّدًا مَرّتَيْنِ اضْرِبْ عُنُقَهُ يَا زُبَيْرُ. فَضَرَبَ عُنُقَهُ قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَبَلَغَنِي عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيّبِ أَنّهُ قَالَ قَالَ لَهُ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ إنّ الْمُؤْمِنَ لَا يُلْدَغُ مِنْ جُحْرٍ مَرّتَيْنِ اضْرِبْ عُنُقَهُ يَا عَاصِمُ بْنُ ثَابِتٍ فَضَرَبَ عُنُقَهُ.
.[مَقْتَلُ مُعَاوِيَةَ بْنِ الْمُغِيرَةِ]:

قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَيُقَالُ إنّ زَيْدَ بْنَ حَارِثَةَ وَعَمّارَ بْنَ يَاسِرٍ قَتَلَا مُعَاوِيَةَ بْنَ الْمُغِيرَة ِ بَعْدَ حَمْرَاءِ الْأَسَدِ، كَانَ لَجَأَ إلَى عُثْمَانَ بْنِ عَفّانَ فَاسْتَأْمَنَ لَهُ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَأَمّنَهُ عَلَى أَنّهُ إنْ وُجِدَ بَعْدَ ثَلَاثٍ قُتِلَ فَأَقَامَ بَعْدَ ثَلَاثٍ وَتَوَارَى فَبَعَثَهُمَا النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَقَالَ إنّكُمَا سَتَجِدَانِهِ بِمَوْضِعِ كَذَا وَكَذَا، فَوَجَدَاهُ فَقَتَلَاهُ.
.[شَأْنُ عَبْدِ اللّهِ بْنِ أُبَيّ بَعْدَ ذَلِكَ]:

قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فَلَمّا قَدِمَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ الْمَدِينَةَ، وَكَانَ عَبْدُ اللّهِ بْنُ أُبَيّ ابْنِ سَلُولَ، كَمَا حَدّثَنِي ابْنُ شِهَابٍ الزّهْرِيّ، لَهُ مَقَامٌ يَقُومُهُ كُلّ جُمُعَةٍ لَا يُنْكَرُ شَرَفًا لَهُ فِي نَفْسِهِ وَفِي قَوْمِهِ وَكَانَ فِيهِمْ شَرِيفًا، إذَا جَلَسَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَهُوَ يَخْطُبُ النّاسَ قَامَ فَقَالَ أَيّهَا النّاسُ هَذَا رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بَيْنَ أَظْهُرِكُمْ أَكْرَمَكُمْ اللّهُ وَأَعَزّكُمْ بِهِ فَانْصُرُوهُ وَعَزّرُوهُ وَاسْمَعُوا لَهُ وَأَطِيعُوا، ثُمّ يَجْلِسُ حَتّى إذَا صَنَعَ يَوْمَ أُحُدٍ مَا صَنَعَ وَرَجَعَ بِالنّاسِ قَامَ يَفْعَلُ ذَلِكَ كَمَا كَانَ يَفْعَلُهُ فَأَخَذَ الْمُسْلِمُونَ بِثِيَابِهِ مِنْ نَوَاحِيهِ وَقَالُوا: اجْلِسْ أَيْ عَدُوّ اللّهِ لَسْت لِذَلِكَ بِأَهْلِ، وَقَدْ صَنَعْتَ مَا صَنَعْتَ فَخَرَجَ يَتَخَطّى رِقَابَ النّاسِ وَهُوَ يَقُولُ وَاَللّهِ لَكَأَنّمَا قُلْت بَجْرًا أَنْ قُمْت أُشَدّدُ أَمْرَهُ. فَلَقِيَهُ رَجُلٌ مِنْ الْأَنْصَارِ بِبَابِ الْمَسْجِدِ فَقَالَ مَا لَك؟ وَيْلَك قَالَ قُمْتُ أُشَدّدُ أَمْرَهُ فَوَثَبَ عَلَيّ رِجَالٌ مِنْ أَصْحَابِهِ يَجْذِبُونَنِي وَيُعَنّفُونَنِي، لَكَأَنّمَا قُلْت بَجْرًا أَنْ قُمْت أُشَدّدُ أَمْرَهُ. قَالَ وَيْلَك ارْجِعْ يَسْتَغْفِرْ لَك رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ قَالَ وَاَللّهِ مَا أَبْتَغِي أَنْ يَسْتَغْفِرَ لِي.
.[كَانَ يَوْمُ أُحُدٍ يَوْمَ مِحْنَةٍ]:

قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: كَانَ يَوْمُ أُحُدٍ يَوْمَ بَلَاءٍ وَمُصِيبَةٍ وَتَمْحِيصٍ اخْتَبَرَ اللّهُ بِهِ الْمُؤْمِنِينَ وَمَحَنَ بِهِ الْمُنَافِقِينَ مِمّنْ كَانَ يُظْهِرُ الْإِيمَانَ بِلِسَانِهِ وَهُوَ مُسْتَخْفٍ بِالْكُفْرِ فِي قَلْبِهِ وَيَوْمًا أَكْرَمَ اللّهُ فِيهِ مَنْ أَرَادَ كَرَامَتَهُ بِالشّهَادَةِ مِنْ أَهْلِ وِلَايَتِهِ.
.ذِكْرُ مَا أَنْزَلَ اللّهُ فِي أُحُدٍ مِنْ الْقُرْآنِ:

قَالَ حَدّثَنَا أَبُو مُحَمّدِ عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ هِشَامٍ. قَالَ حَدّثَنَا زِيَادُ بْنُ عَبْدِ اللّهِ الْبَكّائِيّ عَنْ مُحَمّدِ بْنِ إسْحَاقَ الْمُطّلِبِيّ قَالَ فَكَانَ مِمّا أَنْزَلَ اللّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى فِي يَوْمِ أُحُدٍ مِنْ الْقُرْآنِ سِتّونَ آيَةً مِنْ آلِ عِمْرَانَ، فِيهَا صِفَةُ مَا كَانَ فِي يَوْمِهِمْ ذَلِكَ وَمُعَاتَبَةُ مَنْ عَاتَبَ مِنْهُمْ يَقُولُ اللّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى لِنَبِيّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ {وَإِذْ غَدَوْتَ مِنْ أَهْلِكَ تُبَوّئُ الْمُؤْمِنِينَ مَقَاعِدَ لِلْقِتَالِ وَاللّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ} قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: تُبَوّئُ الْمُؤْمِنِينَ تَتّخِذُ لَهُمْ مَقَاعِدَ وَمَنَازِلَ. قَالَ الْكُمَيْتُ بْنُ زَيْدٍ:
لَيْتَنِي كُنْتُ قَبْلَهُ ** قَدْ تَبَوّأْتُ مَضْجَعَا

وَهَذَا الْبَيْتُ فِي أَبْيَاتٍ لَهُ. أَيْ سَمِيعٌ بِمَا تَقُولُونَ عَلِيمٌ بِمَا تُخْفُونَ.
{إِذْ هَمّتْ طَائِفَتَانِ مِنْكُمْ أَنْ تَفْشَلَا} أَنْ تَتَخَاذَلَا، وَالطّائِفَتَانِ بَنُو سَلَمَةَ بْنِ جُشَمِ بْنِ الْخَزْرَجِ، وَبَنُو حَارِثَةَ بْنِ النّبِيت مِنْ الْأَوْسِ، وَهُمَا الْجَنَاحَانِ يَقُولُ اللّهُ تَعَالَى: {وَاللّهُ وَلِيّهُمَا} أَيْ الْمُدَافِعُ عَنْهُمَا مَا هَمّتَا بِهِ مِنْ فَشَلِهِمَا، وَذَلِك أَنّهُ إنّمَا كَانَ ذَلِكَ مِنْهُمَا عَنْ ضَعْفٍ وَوَهَنٍ أَصَابَهُمَا غَيْرَ شَكّ فِي دِينِهِمَا، فَتَوَلّى دَفْعَ ذَلِكَ عَنْهُمَا بِرَحْمَتِهِ وَعَائِدَتِهِ حَتّى سَلِمَتَا مِنْ وُهُونِهِمَا وَضَعْفِهِمَا، وَلَحِقَتَا بِنَبِيّهِمَا صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: حَدّثَنِي رَجُلٌ مِنْ الْأَسْدِ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ قَالَ قَالَتْ الطّائِفَتَانِ مَا نُحِبّ أَنّا لَمْ نَهُمّ بِمَا هَمَمْنَا بِهِ، لَتَوَلّى اللّهُ إيّانَا فِي ذَلِكَ قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: يَقُولُ اللّهُ تَعَالَى: {وَعَلَى اللّهِ فَلْيَتَوَكّلِ الْمُؤْمِنُونَ} أَيْ مَنْ كَانَ بِهِ ضَعْفٌ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ فَلْيَتَوَكّلْ عَلَيّ وَلْيَسْتَعِنْ بِي، أُعِنْهُ عَلَى أَمْرِهِ وَأُدَافِعْ عَنْهُ حَتّى أَبْلُغَ بِهِ وَأَدْفَعَ عَنْهُ وَأُقَوّيَهُ عَلَى نِيّتِهِ. {وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللّهُ بِبَدْرٍ وَأَنْتُمْ أَذِلّةٌ فَاتّقُوا اللّهَ لَعَلّكُمْ تَشْكُرُونَ} شُكْرُ نِعْمَتِي. {وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللّهُ بِبَدْرٍ} وَأَنْتُمْ أَقَلّ عَدَدًا وَأَضْعَفُ قُوّةً {إِذْ تَقُولُ لِلْمُؤْمِنِينَ أَلَنْ يَكْفِيَكُمْ أَنْ يُمِدّكُمْ رَبّكُمْ بِثَلَاثَةِ آلَافٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ مُنْزَلِينَ بَلَى إِنْ تَصْبِرُوا وَتَتّقُوا وَيَأْتُوكُمْ مِنْ فَوْرِهِمْ هَذَا يُمْدِدْكُمْ رَبّكُمْ بِخَمْسَةِ آلَافٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ مُسَوّمِينَ} أَيْ إنْ تَصْبِرُوا لِعَدُوّي، وَتُطِيعُوا أَمْرِي، وَيَأْتُوكُمْ مِنْ وَجْهِهِمْ هَذَا، أُمِدّكُمْ بِخَمْسَةِ آلَافٍ مِنْ الْمَلَائِكَةِ مُسَوّمِينَ.
.[تَفْسِيرُ ابْنِ هِشَامٍ لِبَعْضِ الْغَرِيبِ]:

قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: مُسَوّمِينَ مُعْلَمِينَ. بَلَغَنَا عَنْ الْحَسَنِ بْنِ أَبِي الْحَسَنِ الْبَصْرِيّ أَنّهُ قَالَ أَعْلَمُوا عَلَى أَذْنَابِ خَيْلِهِمْ وَنَوَاصِيهَا بِصُوفِ أَبْيَضَ فَأَمّا ابْنُ إسْحَاقَ فَقَالَ كَانَتْ سِيمَاهُمْ يَوْمَ بَدْرٍ عَمَائِمَ بِيضًا. وَقَدْ ذَكَرْت ذَلِكَ فِي حَدِيثِ بَدْرٍ. وَالسّيمَا: الْعَلَامَةُ. وَفِي كِتَابِ اللّهِ عَزّ وَجَلّ {سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السّجُودِ}: أَيْ عَلَامَتُهُمْ. وَ{حِجَارَةً مِنْ سِجّيلٍ مَنْضُودٍ مُسَوّمَةً} يَقُول: مُعْلَمَةً. بَلَغَنَا عَنْ الْحَسَنِ بْنِ أَبِي الْحَسَنِ الْبَصْرِيّ أَنّهُ قَالَ عَلَيْهَا عَلَامَةٌ أَنّهَا لَيْسَتْ مِنْ حِجَارَةِ الدّنْيَا، وَأَنّهَا مِنْ حِجَارَةِ الْعَذَابِ. قَالَ رُؤْبَةُ بْنُ الْعَجّاجِ:
فَالْآنَ تُبْلَى بِي الْجِيَادُ السّهَمُ ** وَلَا تُجَارِينِي إذَا مَا سَوّمُوا

وَشَخَصَتْ أَبْصَارُهُمْ وَأَجْذَمُوا أَجْذَمُوا بِالذّالِ الْمُعْجَمَةِ: أَيْ أَسْرَعُوا، وَأَجْدَمُوا بِالدّالِ الْمُهْمَلَةِ: أَقْطَعُوا. وَهَذِهِ الْأَبْيَاتُ فِي أُرْجُوزَةٍ لَهُ. وَالْمُسَوّمَةُ أَيْضًا: الْمَرْعِيّةُ. وَفِي كِتَابِ اللّهِ تَعَالَى: {وَالْخَيْلِ الْمُسَوّمَةِ} و{شَجَرٌ فِيهِ تُسِيمُونَ} تَقُولُ الْعَرَبُ: سَوّمَ خَيْلَهُ وَإِبِلَهُ وَأَسَامَهَا: إذَا رَعَاهَا. قَالَ الْكُمَيْتُ بْنُ زَيْدٍ:
رَاعِيًا كَانَ مُسْجِحًا فَفَقَدْنَاهُ ** وَفَقْدُ الْمُسِيمِ هُلْكُ السّوَامِ

قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: مُسْجِحًا: سَلِسُ السّيَاسَةِ مُحْسِنٌ إلَى الْغَنَمِ. وَهَذَا الْبَيْتُ فِي قَصِيدَةٍ لَهُ. {وَمَا جَعَلَهُ اللّهُ إِلّا بُشْرَى لَكُمْ وَلِتَطْمَئِنّ قُلُوبُكُمْ بِهِ وَمَا النّصْرُ إِلّا مِنْ عِنْدِ اللّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ} أَيْ مَا سَمّيْت لَكُمْ مَنْ سَمّيْتُ مِنْ جُنُودِ مَلَائِكَتِي إلّا بُشْرَى لَكُمْ وَلِتَطْمَئِنّ قُلُوبُكُمْ بِهِ لِمَا أَعْرِفُ مِنْ ضَعْفِكُمْ وَمَا النّصْرُ إلّا مِنْ عِنْدِي، لِسُلْطَانِي وَقُدْرَتِي، وَذَلِك أَنّ الْعِزّ وَالْحُكْمَ إلَيّ لَا إلَى أَحَدٍ مِنْ خَلْقِي. ثُمّ قَالَ {لِيَقْطَعَ طَرَفًا مِنَ الّذِينَ كَفَرُوا أَوْ يَكْبِتَهُمْ فَيَنْقَلِبُوا خَائِبِينَ} أَيْ لِيَقْطَعَ طَرَفًا مِنْ الْمُشْرِكِينَ بِقَتْلٍ يَنْتَقِمُ بِهِ مِنْهُمْ أَوْ يَرُدّهُمْ خَائِبِينَ أَيْ وَيَرْجِعُ مَنْ بَقِيَ مِنْهُمْ فَلّا خَائِبِينَ لَمْ يَنَالُوا شَيْئًا مِمّا كَانُوا يَأْمُلُونَ.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://el-quran.ahlamontada.com
 
كتاب السيرة النبوية۞ لعبد الملك ابن هشام ۞«المؤرخ» ​
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 2 من اصل 4انتقل الى الصفحة : الصفحة السابقة  1, 2, 3, 4  الصفحة التالية
 مواضيع مماثلة
-
» السيرة النبوية۞ وبناء الأمة الاسلامية ۞
» كتاب صحيح السيرة النبوية ۞لابن كثير۞
» كتاب الشيطان و الانسان(للشعراوى)
» كتاب الاسعافات الاولية الشامل
» كتاب للارشادات المنزلية وصيانة الأجهزة والمطبخ

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
القرآن الكريم والسُنَّة النبوية والاعجاز :: ♥(( اقسام السيرة النبوية ))♥ :: السيرة النبوية الشريفة وغزواته-
انتقل الى: