۞بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ۞
۞ٱلْسَلآمّ ٍعَلْيّكَمُ وٍرٍحَمُةٌ اللَّــْـْہ ۆبُركَاته۞
۞أَعُوذُ بِاللَّهِ السَّمِيعِ الْعَلِيمِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ من
هَمْزِهِ،
ونَفْثِهِ،
ونَفْخِهِ۞
۞الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ۞
۞أَشْهَدُ أَنّ لَّا إِلَٰهَ إِلَّإ الله
وأَشْهَدُ ان محمداً رسول الله۞
۞تحية من عند الله طيبة مباركة۞
" وجوب حفظ اللسان "
قال الله تعالى : " مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ " [ق: 18] .
قال الحافظ ابن كثير : أي ما يتكلم ابن آدم بكلمة إلاَّ ولها من يرقبها، معـدٌّ لذلك يكتبها، لا يترك كلمة ولا حركة، كما قال تعالى : "وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَافِظِينَ * كِرَامًا كَاتِبِينَ * يَعْلَمُونَ مَا تَفْعَلُونَ" [الانفطار 10-12] .
وقال تعالى : " مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ " [ق: 18] .
فينبغي على العاقل أن يتعاهد لسانه بالتنقية والتطهير، ولا يتكلم إلاَّ بما ظهرت مصلحته ولاحت للعيان فائدته، وهذا ليس بالأمر الهين، بل إنه يحتاج إلى مجاهدة شاقة للنفس، حتى تتعوَّد الخير ويكون سجيَّةً لها، وتنفر من الشرِّ ويكون بغيضًا لها .
قال محمد بن واسع لمالك بن دينار : يا أبا يحيى، حفظ اللسان أشدُّ على الناس من حفظ الدينار .
وخاطب ابن عباس رضي الله عنه لسانه قائلاً : يا لسان، قل خيرًا تغنم، أو اسكت عن شرٍّ تسلم .
وقال بعض البلغاء : كلام المرء بيان فضله وترجمان عقله، فاقصره على الجميل واقتصر منه على القليل .
" متى تتكلَّم ؟! "
بيَّن الإمام النووي رحمه الله حدود الكلام والصمت فقال : اعلم أنه ينبغي لكلِّ مكلَّفٍ أن يحفظ لسانه عن جميع الكلام، إلاَّ كلامًا ظهرت فيه المصلحة، فالسُنة الإمساك عنه، لأنه قد يجرُّ الكلام المباح إلى حرامٍ أو مكروه .
ورتب الماوردي للكلام شروطًا أربعة إذا استوفاها الإنسان تكلم وإلا فلا؛ وهي :
الشرط الأول : أن يكون الكلام لداعٍ يدعو إليه، إما في اجتلاب نفع أو دفع ضرر .
الشرط الثاني : أن يأتي به في موضعه، ويتوخَّى به إصابة فرصته .
الشرط الثالث : أن يُقتصَر منه على قدر حاجته .
الشرط الرابع : أن يَختار اللفظ الذي يتكلَّم به .
ولما تكلم الإمام ابن القيم رحمه الله عن خطر اللسان قال :
وأمَّااللفظات فحفظها بألاَّ يُخرج لفظة ضائعة، بل لا يتكلم إلاَّ فيما يرجو فيه الربح والزيادة في دينه، فإذا أراد أن يتكلّم بالكلمة نظر هل فيها ربح وفائدة أم لا ؟ فإن لم يكن فيها ربح أمسك عنها، وإن كان فيها ربح نظر : هل تفوته بها كلمة هي أربح منها فلا يُضيعها بهذه ؟ وإذا أردتَ أن تستدلَّ على ما في القلوب فاستدلّ عليه بحركة اللسان، فإنه يُطلعك على ما في القلب، شاء صاحبه أم أبى .. قال يحيى بن معاذ : القلوب كالقدور تغلي بما فيها، وألسنتها مغارفها .
فاتق الله أخي المسلم في نفسك، واحفظ لسانك من الباطل بجميع أنواعه، واعلم أنك مسوؤل أمام الله تعالى عما يصدر عنك من أقوال : " يَوْمَ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتُهُمْ وَأَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ " [النور: 24] .
" أحاديث نبوية في خطر اللسان ووجوب حفظه "
أخي المسلم :
ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم أحاديث كثيرة تبيِّن خطر اللسان وتدعو إلى كفِّ شرِّه والاحتراز من إطلاقه وإرساله دون زمام أو ضابط، ومن ذلك :
1- عن أبي هريرة رضي الله عنه أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول : «إنَّ العبد ليتكلم بالكلمة ما يتبين فيها، يزل بها إلى النار أبعد مما بين المشرق والمغرب» (متفق عليه) .
2- وعن عقبة بن عامر رضي الله عنه قال : قلت : يا رسول الله، ما النجاة ؟ قال : «أمسك عليك لسانك، وليسعك بيتك، وابكِ على خطيئتك» (الترمذي وقال: حسن) .
3- وسأل سفيان بن عبد الله رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أخوف ما يخاف عليه، فأخذ النبي صلى الله عليه وسلم بلسان نفسه ثم قال : «هذا» (مسلم الترمذي) .
4- وسئل النبي صلى الله عليه وسلم عن أكثر ما يُدخل الناس النار فقال : «الفم والفرج» (الترمذي وقال: صحيح غريب وصححه الحاكم) .
5- ولما سأله معاذ رضي الله عنه عن العمل الذي يدخله الجنة، ويباعده عن النار أخبره النبي صلى الله عليه وسلم برأسه وعموده وذروة سنامه ثم قال : «ألا أخبرك بملاك ذلك كله ؟» قال : بلى يا رسول الله، فأخذ بلسان نفسه ثم قال : «كفّ عليك هذا» فقال معاذ : وإنا لمؤاخذون بما نتكلم به ؟ فقال : «ثكلتك أمك يا معاذ ! وهل يكبُّ الناس في النار على وجوههم - أو قال : على مناخرهم - إلاَّ حصائد ألسنتهم ؟» (أحمد والترمذي وقال: حسن صحيح) .
6- وقال النبي صلى الله عليه وسلم : «من وقاه الله شر ما بين لحييه وشر ما بين رجليه دخل الجنة» (الترمذي وقال: حسن) .
7- وأخبر النبي صلى الله عليه وسلم أنَّ جميع أعضاء الإنسان تخاطب اللسان كلّ صباح قائلة : «اتَّق الله فينا، فإنما نحن بك، فإذا استقمت استقمنا وإن اعوجت اعوججنا» (الترمذي وصححه ابن خزيمة) .
8- وقال النبي صلى الله عليه وسلم : «المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده» (متفق عليه) .
9- وقال النبي صلى الله عليه وسلم : «من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيرًا أو ليصمت» (متفق عليه) .
10- وأخبر النبي صلى الله عليه وسلم أنَّ بداية الإيمان استقامة اللسان، فقال عليه الصلاة والسلام : «لا يستقيم إيمان عبد حتى يستقيم قلبه، ولا يستقيم قلبه حتى يستقيم لسانه» (رواه أحمد) .
11- وقال النبي صلى الله عليه وسلم : «أكثر خطايا ابن آدم في لسانه» (أخرجه الخطيب وهو في الصحيحة) .
12- وأخبر النبي صلى الله عليه وسلم : أنَّ «زنا اللسان النطق»(متفق عليه) يعني الكلام الباطل بالفحش والرفث من القول، ولذلك نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن أن تصف المرأة المرأة لزوجها كأنه ينظر إليها، فقال عليه الصلاة والسلام : «لا تباشر المرأة المرأة فتنعتها لزوجها كأنه ينظر إليها»(البخاري) .
13- وأخبر النبي صلى الله عليه وسلم عن صفات شرار الخلق فقال عليه الصلاة والسلام : «شرار أمتي : الثرثارون المتشدِّقون المتفيهقون»(البخاري في الأدب وحسنه الألباني) والثرثارون هم المتوسعون في الكلام من غير احتراز ولا احتياط، والمتشدق قيل : هو المستهزئ بالناس في كلامه .
" أقوال في خطر اللسان ووجوب حفظه "
1- يُروَى أنَّ أبا بكر الصديق رضي الله عنه كان يضع حصاة في فيه يمنع بها نفسه عن الكلام، وكان يشير إلى لسانه ويقول هذا الذي أوردني الموارد .
2- وكان ابن مسعود رضي الله عنه يقول : والله الذي لا إله إلا هو، ما شيء أحوج إلى طول سجن من لسان ! .
3- وقال طاوس : لساني سبع إن أرسلته أكلني .
4- وقال الحسن : ما عقل دينه من لم يحفظ لسانه .
5- وقال محمد بن واسع لمالك بن دينار : يا أبا يحيى، حفظ اللسان أشدُّ على الناس من حفظ الدينار والدرهم ! .
6- وقال الأصمعي : الكلمة أسيرة في وثاق الرجل، فإذا تكلم بها كان أسيرًا في وثاقها .
" الكذب "
أخي الحبيب :
الكذب من آفات اللسان الكبار ، وهو جماع كلِّ شر ، وأصل كلِّ ذم ، عواقبه وخيمة ونتائجه خبيثة ، قال تعالى في ذمِّه : " إِنَّمَا يَفْتَرِي الْكَذِبَ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِآيَاتِ اللهِ " [النحل: 105] .
وقال سبحانه : " ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَلْ لَعْنَةَ اللهِ عَلَى الْكَاذِبِينَ " [آل عمران: 61] .
والكذب دليل على ضعة النفس وحقارة الشأن ، وخبث الطوية ، وفساد النية وعدم المروءة ، قال النبي صلى الله عليه وسلم : «إياكم والكذب، فإن الكذب يهدي إلى الفجور، وإنَّ الفجور يهدي إلى النار، وإنَّ الرجل ليكذب حتى يكتب عند الله كذابًا» (متفق عليه) .
والكذب من صفات المنافقين كما قال النبي صلى الله عليه وسلم : «أربع من كن فيه كان منافقًا خالصًا ومن كانت فيه خصلة منهنَّ ، كانت فيه خصلة من النفاق، حتى يدعها : إذا حدث كذب ، وإذا اؤتمن خان ، وإذا خاصم فجر، وإذا عاهد غدر» (متفق عليه) .
فهل ترضى أخي الحبيب أن تكون متصفًا بصفة من صفات المنافقين ؟ وهل تقبل أن يقال عنك كذاب ؟!
ربما يقول بعض الناس : إنني أكذب أحيانًا في أضيق نطاق، ولا أكثر من الكذب أو أتوسَّع في مجاله كي لا أعتاده .
فاعلم أخي الحبيب أنّ الكذب يدعو إلى الفجور كما قال النبي صلى الله عليه وسلم : وربَّ كذبة واحدة أفسدت عليك دُنياك وأخراك ، ولذلك حين سُئِل خالد بن صبيح : أيُسمَّى الرجل كاذبًا بكذبة واحدة ؟ قال : نعم !
وكذلك أخي الحبيب ؛ فإنَّ الناس لو جربوا عليك ولو كذبة واحدة لم يُصدِّقوك ، بعد ذلك أبدًا بل نسبوا إليك كلَّ كذب وافتراء ولو لم تكن صاحبه كما قيل :
حَسْبُ الْكَذُوبِ مِنْ الْبَلِيَّةِ بَعْضُ مَا يُحْكَى عَلَيْهِ
فَــــإِذَا سَمِعْــــتَ بِكذْبَــــةٍ مِنْ غَيْرِهِ نُسِبَتْ إلَيْهِ
حسب الكذوب من البلية بعض ما يُحكى عليه، ما إن سمعت بكذبه من غير نسبت إليه .
" أنواع الكذب "
أخي الحبيب :
الكذب ظلمات بعضها فوق بعض ، وأودية لا يقتحمها إلاَّ هالك ، ويمكن تقسيم الكذب إلى ما يلي :
أولاً - الكذب على الله ورسوله صلى الله عليه وسلم :
ومن أفظع صوره تحليل ما حرَّمه الله ورسوله، أو تحريم ما أحلَّه الله ورسوله، وكذلك من يحدِّث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم كاذبًا متعمدًا .
قال تعالى : " وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللهِ كَذِبًا أَوْ كَذَّبَ بِآيَاتِهِ إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ " [الأنعام: 21] .
وقال صلى الله عليه وسلم : «من كذب عليَّ متعمدًا فليتبوَّأ مقعده من النار» (متفق عليه) .
ثانيًا : الكذب على الناس فيما يتعلق بأعراضهم وأموالهم وأنفسهم :
وهذا من أشدِّ الكبائر وأقبح الجرائم التي تضرُّ بالمجتمع وتقضي على العدل والنظام فيه ، وتؤجِّج رُوح العداوة والمشاحنة بين أفراده ، ومن أبرز مظاهر هذا النوع .
1- شهادة الزور : وهي من أكبر الكبائر، قال النبي صلى الله عليه وسلم : «ألا أنبئكم بأكبر الكبائر، الإشراك بالله وعقوق الوالدين» ، وكان متكئًا فجلس ثم قال : «ألا وقول الزور ، ألا وشهادة الزور»..قالوا : فما زال يكررها حتى قلنا ليته سكت !
2- الحلف زورًا : وهو نوع من شهادة الزور ، إلاَّ أنَّ شاهد الزور في هذه الحالة يقرن شهادته بالحلف الكاذب ، وهو أشدُّ جرمًا وأعظم إثمًا من الأول ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «من حلف على يمين صبر يقتطع بها مال امرئ مسلم هو فيها فاجر ، لقي الله وهو عليه غضبان» (متفق عليه) .
3- الكذب في البيع والشراء : كالذي يُخفي عن الناس عيوب سلعته ، أو يعتمِد الحلف والإيمان أداةً له في ترويج بضاعته ، يقول النبي صلى الله عليه وسلم : «اليمين الكاذبة مُنفقة للسلعة مُمحقة للكسب» (متفق عليه) .
4- الكذب بقصد المزاح والسخرية ، وهذا أيضًا من الكبائر لقول النبي صلى الله عليه وسلم : «ويل للذي يُحدِّث فيكذب ليُضحك به القوم، ويلٌ له ويلٌ له» (أحمد وأبو داود والترمذي وجودة ابن باز) .
5- الكذب لإفساد ذات البين، قال تعالى : " فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ " [محمد: 22] وقال النبي صلى الله عليه وسلم : «من خبَّب زوجة امرئ أو مملوكة فليس منها» (أبو داود وصححه الألباني) .
ثالثًا : الكذب على الناس فيما لا يتعلَّق بشيء من أموالهم وأعراضهم وأنفسهم :
وهذا وإن كان أخفَّ مما قبله إلاَّ أنه مذموم أشدُّ الذم ، ويتناول هذا النوع ما يلي :
1- الكذب في إظهار الفضل وادِّعاء ما ليس له : وفي ذلك يقول النبي صلى الله عليه وسلم : «من ادَّعى ما ليس له فليس منا ، وليتبوَّأ مقعده من النار» (البيهقي وصححه الألباني) .
2- الكذب في الرؤيا أو الحِلم : وفي ذلك يقول النبي صلى الله عليه وسلم : «من تحلَّم بحلم لم يره، كُلف أن يعقد بين شعيرتين ولن ينفعل» (البخاري) .
" الغيبـة : حدها - حكم سماعها - مجالاتها "
أخي الحبيب :
ماذا تفعل لو علمت أنَّ أحدًا من الناس أخذ يتكلم عليك في المجالس ويغتابك ويذكر عيوبك ومثالبك وأسرارك ؟
هل ترضى فعل ذلك الشخص ؟
وماذا سيكون شعورك نحوه ؟
وبأيِّ شيءٍ يمكن أن تصفه ؟
لا شكَّ أنك ستبغض هذا الشخص ، وستعمل على كفِّ أذاه عنك بشتَّى السُبل ، ولو عن طريق الذهاب إليه وتهديده .
فالغيبة آفة خطيرة من آفات اللسان نهى عنها ربنا تعالى في كتابه ، وشبَّه متعاطيها بآكل لحم أخيه الميت ، إيغالاً في بيان قُبحها وشدَّة جُرمها ، قال تعالى : " وَلَا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضًا أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللهَ إِنَّ اللهَ تَوَّابٌ رَحِيمٌ " [الحجرات: 12] .
قال الإمام ابن القيم رحمه الله :
وكم ترى من رجلٍ متورِّع عن الفواحش والظلم ، ولسانه يفري في أعراض الأحياء والأموات ، ولا يُبالي ما يقول .
ولا يدري هؤلاء أنَّ كلمة واحدة يمكن أن تحبط جميع أعمالهم ، وتوبق دنياهم وأخراهم .
" تعريف الغيبة "
عرَّف النبي صلى الله عليه وسلم الغيبة وذلك عندما سأل أصحابه : «أتدرون ما الغيبة ؟» قالوا : الله ورسوله أعلم ، قال : «ذكرك أخاك بما يكره» .
وربما ظنَّ بعض الناس أنَّ ذلك مذموم إذا كان عن طريق الكذب والافتراء ، أما إذا ذكر أخاه في غيبته بما فيه فليس من الغيبة ، وهذا غير صحيح لأن النبي صلى الله عليه وسلم سُئل في نفس المجلس فقيل له : أفرأيت إن كان في أخي ما أقول ؟ فقال عليه الصلاة والسلام : «إن كان فيه ما تقول فقد اغتبته، وإن لم يكن فيه فقد بهته» (رواه مسلم) .
وقال رسول اللهصلى الله عليه وسلم : «لما عُرج بي مررتُ بقوم لهم أظفار من نحاس يخمشون وجوههم وصدورهم فقلت : من هؤلاء يا جبريل ؟ قال : هؤلاء الذين يأكلون لحوم الناس ويقعون في أعراضهم» (أبو داود أحمد وصححه الألباني) .
والغيبة أيضًا من شعار المنافقين وأفعالهم، ولذلك توعد النبيُّ صلى الله عليه وسلم أصحابها بالفضيحة في الدنيا قبل الآخرة ، قال النبي صلى الله عليه وسلم : «يا معشر من آمن بلسانه ولم يدخل الإيمان قلبه ، لا تغتابوا المسلمين ، ولا تتبعوا عوراتهم ، فإنه من اتبع عوراتهم، اتبع الله عورته ، ومن يتبع الله عورته يفضحه في بيته» (أبو داود وأحمد وصححه الألباني) .
" ماذا تفعل في مجلس الغيبة ؟! "
أخي المسلم :
ينبغي عليك بادئ ذي بدء ألاَّ تحضر مجلسًا يُغتاب فيه مسلم، لأنَّ حضورك من باب التعاون على الإثم والعدوان والمشاركة في الباطل، فكما أن الغيبة محرَّمة، فسماع الغيبة أيضًا محرم .
وإذا حضرت مجلسًا اغتيب فيه أحد المسلمين فالواجب عليك ردُّ غيبته، وزجر المغتاب وتخويفه بالله تعالى وتحذيره من أليم عقابه .
قال سماحة الشيخ ابن باز :
الواجب على كلِّ مسلم ومسلمة الحذر من الغيبة والتواصي بتركها طاعةً لله سبحانه ولرسوله صلى الله عليه وسلم، وحرصًا من المسلم على ستر إخوانه وعدم إظهار عوراتهم ؛ لأنَّ الغيبة من أسباب الشحناء والعداوة وتفريق المجتمع .
والواجب عدم مجالسة من يغتاب المسلمين مع نصيحته، والإنكار عليه لقول النبي صلى الله عليه وسلم : «من رأى منكم منكرًا فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الإيمان» (رواه مسلم) .
فإن لم يمتثل فاترك مجالسته لأنَّ ذلك من تمام الإنكار عليه .
" حكم غيبة الفاسق "
سؤال : بعض الناس لا يصلي ويعمل أعمالاً سيئة تغضب الله تعالى ورسوله ، فهل يجوز أن يُغتاب ليعرف الناس به أم لا ؟
الجواب : يجب نُصح هذا وأمثاله بفعل ما أمر الله به ، ويُنكر عليه فعل ما نهى الله عنه ، فإن امتثل ولو شيئًا فشيئًا فيستمر معه في النصيحة حسب الوسع وإلاَّ فيُجتنب قدر الطاقة اتقاءً وبعدًا عن المنكر ، ثم يذكر بما هو فيه من التفريط في الواجبات وفعل المنكرات عند وجود الدواعي قصدًا للتعريف به وحفظًا للناس من شرِّه .
وقد يجب عليك ذلك إذا استنصحك أحد في مصاهرته أو مشاركته أو استخدامه مثلاً ، أو خفت على شخصٍ أن يقع في حياله ويُصاب بشرِّه ؛ فيجب عليك بيان حاله إنقاذًا لأهل الخير من شرِّه ، وأملاً في ازدجاره إذا عرف كفّ الناس عنه وتجنُّبهم إياه ، وليس لك أن تتخذ من ذِكر سيرته السيئة تسلية لك وللناس وفكاهة تتفكَّه بها في المجالس ؛ فإن ذلك من إشاعة الشر ، وبه تتبلَّد النفوس ويذهب إحساسها بشيوع المنكرات أو بعضها ، وليس لك أن تفتري عليه منكرات لم يفعلها رغبةً في زيادة تشويه حاله والتشنيع عليه ؛ فإنَّ هذا كذب وبهتان وقد نهى عنه النبي صلى الله عليه وسلم .
" مجالات الغيبة "
سبق بيان معنى الغيبة وهي : أن تذكر أخاك بما يكره سواء ذكرته بنقص في بدنه أو في نسبه أو في خلقه أو في فعله أو في قوله أو في دينه أو في دنياه ، حتى في ثوبه وداره ودابته ، كقولك : فلان أعمش أو أحول أو قصير ، أو فلان هندي أو خضيري على وجه التنقص ، أو فلان سيئ الخلق، بخيل جبان خائن أو يعمل عملاً خسيسًا على وجه الاحتقار ، أو فلان قذر الثوب والدار وغير ذلك .
والغيبة لا تقتصر على اللسان ؛ فالإشارة والإيماء والغمز واللمز والكتابة والحركة وكل ما يفهم أنك تذكر أخاك بما يكرهه فهو داخل في الغيبة ، وهو حرام ومن كبائر الذنوب وإن لم تتكلم بذلك .
" النميمــة : حدُّها - الواجب على ما نُقلت إليه - ذم ذي الوجهين "
أخي الحبيب :
النميمة من شرور اللسان وآفاته ، وهي نقل كلام الناس بعضهم إلى بعض على جهة الإفساد بينهم ؛ فهي مفتاح شر، وطريق فساد ، قال الله تعالى : " هَمَّازٍ مَشَّاءٍ بِنَمِيمٍ " [القلم: 11] .
وقال سبحانه : " وَيْلٌ لِكُلِّ هُمَزَةٍ لُمَزَةٍ " [الهمزة: 1] .
قيل : الهمزة : النمَّام .
وقال النبي صلى الله عليه وسلم : «لا يدخل الجنة نمَّام» (متفق عليه واللفظ لمسلم).
النميمة من أسباب عذاب القبر، فقد مرَّ النبي صلى الله عليه وسلم على قبرَين فقال : «إنهما ليعذَّبان وما يعذَّبان في كبير، أما أحدهما فكان لا يستتر من بوله ، وأما الآخر فكان يمشي بالنميمة» (متفق عليه) .
والنميمة من الآفات التي تتسبَّب في وقوع محنٍ وفِتَنٍ عظيمة لا يعلمها إلاَّ الله ، فكم من حُروبٍ حدثت بسبب النميمة ! وكم من فتن نشبت بسبب النميمة ! وكم من صديقَين حميمَين أصبحا عدوَّين لدودَين بسبب النميمة ! وكم من زوجين افترقا بسبب النميمة ! وكم من جماعة وقبيلة ساد بين أبنائها النزاع والشقاق والتدابر والتحاسد بسبب النميمة !
فهي شرُّ ما مُنيت به الفضيلة ورُزِئت به الإنسانية ، فقاتل الله النمَّام الذي قد اجتمعت فيه الخسة والدناءة ومعظم الصفات المرذولة ، لأنه إذا نقل الكذب صار كذابًا إضافة إلى كونه نمَّاما ، وإذا ذكر شيئًا من العيوب كان مغتابًا كذلك ، ولا ينفكُّ هذا الخبيث عن الغدر والخيانة والحقد والحسد والتملُّق والإفساد بين الناس ؛ فهو من شر خلق الله الذين يسعون في الأرض فسادًا .
قال يحيى بن أكثم : النمَّام شَرٌّ من الساحر ، ويعمل النمَّام في ساعة ما لا يعمل الساحر في شهر .
وقال الحسن رحمه الله : من نَمَّ لك نَمَّ عليك .
وقال آخر : النميمة مبنيَّةٌ على الكذب والحسد والنفاق .
" قصة عجيبة وحادثة غريبة "
قال حماد بن سلمة :
باع رجلٌ عبدًا وقال للمشتري : ما فيه من عيب إلاَّ النميمة ، قال : رَضيتُ ، فاشتراه ، فمكث الغلام أيامًا ثم قال لزوجة مولاه : إنَّ سيدي لا يُحِبُّك ، وهو يريد أن يتسرَّى عليك ، فخذي الموسى واحلقي شعرات من رأسه عند نومه حتى أسحره عليها فيحبك !.. ثم قال للزوج : إن امرأتك اتخذت خليلاً وتريد أن تقتلك ، فتناوم لها حتى تعرف ذلك.. فتناوم لها الرجل ، فجاءت المرأة بالموسى لتحلق الشعرات، فظنَّ أنها تريد قتله ، فقام إليها فقتلها ، فجاء أهل المرأة فقتلوا الزوج، ووقع القتال بين القبيلتين بسبب هذا النمَّام..! .
" الواجب على من نُقلت إليه النميمة "
قال أبو حامد الغزالي :
وكلُّ من حُمِلَت إليه النميمة وقيل له إنَّ فلانًا قال فيك كذا وكذا أو فعل في حقِّك كذا ، أو هو يُدبِّر في إفساد أمرك ، أو في ممالاة عدوِّك ، أو تقبيح حالك أو ما يجري مجراه فعليه ستة أمور :
الأول - ألاَّ يُصدِّقه ؛ لأنَّ النمَّام فاسق ، وهو مردود الشهادة .
الثاني - أن ينهاه عن ذلك وينصح له ويقبح عليه فعله .
الثالث - أن يبغضه في الله تعالى .
الرابع - ألاَّ يظن بأخيه الغائب سوءًا .
الخامس - ألاَّ يحمله ما حُكي له على التجسُّس وتتبُّع عورات أخيه للتحقُّق مما نقل إليه .
السادس - ألاَّ يرضى لنفسه ما نهى النمَّام عنه ، ولا يحكي نميمة فيقول : فلان قد حكى لي كذا وكذا .
" شر الناس ذو الوجهين "
أخي المسلم :
قال الله تعالى في شأن المنافقين : " مُذَبْذَبِينَ بَيْنَ ذَلِكَ لَا إِلَى هَؤُلَاءِ وَلَا إِلَى هَؤُلَاءِ " [النساء: 143] .
ويُشبه هؤلاء ذا الوجهين ، وهو أخبث من النمَّام ؛ لأنَّ النمَّام يستحق هذا الاسم بنقل الكلام لأحد الطرفين دون الآخر ، أمَّا ذو الوجهين فإنه يزيد على ذلك فينقل الكلام إلى كلا الطرفين ، فيأتي هؤلاء بوجهٍ وهؤلاء بوجه .
" فتـوى "
سؤال : أنا أشاهد أناسًا يتكلمون بالوجهين لي ولغيري .. أسكت على ذلك أم أخبرهم ؟
الجواب : لا يجوز الكلام بوجهين لقوله صلى الله عليه وسلم : «تجدون شرَّ الناس ذا الوجهين الذي يأتي هؤلاء بوجه وهؤلاء بوجه» .
ومعنى ذلك أن يمدح الإنسان في وجهه ويبالغ في ذلك لقصد دنيوي ثم في غيبته يذمُّه عند الناس ويعيبه ، وهكذا يفعل مع أغلب من لا يناسبه ، فالواجب على من عرفه بذلك أن ينصحه ويُحذِّره من هذا الفعل الذي هو من خصال المنافقين ، وأن الناس ولا بدَّ سيعرفون هذا الإنسان بهذه الصفة الذميمة فيمقتونه ويأخذون منه الحذر ويبتعدون عن صُحبته فلا تحصل له مقاصده ، أما إذا لم يستفد من النصح فإنَّ الواجب التحذير منه ومن فعله ولو في غيبته .
" اللعن والسب "
أخي المسلم :
تظهر خطورة اللعن في أنَّ اللاعن يشهد بطرد من لعنه من رحمة الله تعالى وإبعاده ؛ لأنَّ اللعن هو الطرد من رحمة الله والإبعاد من كرامته ، ولا ريب أنَّ ذلك حكمٌ على الله تعالى بأنه فعل ذلك ، فإن كان اللاعن كاذبًا في قوله كان قائلاً على الله ما لا يعلم مفتريًا عليه الكذب ، وهذا لا شكَّ أنه من الكبائر المهلكة ، فلعنُ المسلم المصون حرامٌ بإجماع المسلمين .
وقد ورد في ذمِّ اللعن والنهي عنه وبيان قبحه أدلَّةٌ كثيرة منها قوله صلى الله عليه وسلم : «لعن المؤمن كقتله»(متفق عليه) .
وقوله صلى الله عليه وسلم : «ليس المؤمن بالطعان ولا اللعان ولا الفاحش ولا البذيء» (الترمذي وحسنه) .
وقوله صلى الله عليه وسلم : «لا يكون اللعانون شفعاء، ولا شهداء يوم القيامة» (رواه مسلم) .
ونظرًا لخطورة اللعن، ولإرادة الشارع أن يكون لسان المسلم نظيفًا طاهرًا في كلِّ ما يصدر عنه من أقوال ؛ نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن لعن أيِّ شيءٍ لا يستحقُّ اللعن ، وإن لم يكن من البشر ، فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم : «إن العبد إذا لعن شيئا صعدت اللعنة إلى السماء ، فتُغلَق أبوب السماء دونها ، ثم تهبط إلى الأرض فتغلق أبوابها دونها ، ثم تأخذ يمينًا وشمالاً ، فإذا لم تجد مساغًا رجعت إلى الذي لَعَن ، فإن كان لذلك أهلاً وإلاَّ رجعت إلى قائلها» (رواه أبو داوود) .
ولذلك نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن لعن الدَّواب ، ونهى عن لعن الريح .
ولا يجوز لعن من اتَّصف بشيءٍ من المعاصي بعينه ، طالما أنه لم يخرج بمعصيته عن الإسلام ، ولم يمت على الكفر ، لأنه ربما تاب من معصيته أو كفره قبل الموت ، ومن تاب تاب الله عليه .
ويجوز لعن أصحاب الأوصاف المذمومة بغير تعيين كقولك : «لعن الله اليهود والنصارى» ، «لعنة الله على الظالمين» ، «لعن الله المصورين» ، «لعن الله من عمل عمل قوم لوط» ، «لعن الله من غير منار الأرض» ، «لعن الله من ذبح لغير الله» ، «لعن الله المتشبهين من الرجال بالنساء والمتشبهات من النساء بالرجال» ، وغير ذلك .
أخي المسلم الحبيب :
والسبب دليل على سرعة الغضب وخفة العقل والطيش والسفه ، وذلك إذا كان بغير حق ولا داع ، قال النبي صلى الله عليه وسلم : «سباب المسلم فسوق وقتاله كفر» (متفق عليه) .
قال الإمام النووي رحمه الله : ومن الألفاظ المذمومة المستعملة في العادة قول الشخص لمن يخاصمه : «يا حمار» ، «يا تيس» ، «يا كلب» ، ونحو ذلك ، فهذا قبيح من وجهين :
أحدهما - أنه كذب .. والآخر - أنه إيذاء .
وقد بالغ الشارع الحكيم في النهي عن السب، حتى نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن سبِّ الحيوان فقال عليه الصلاة والسلام : «لا تسبوا الدِّيك فإنه يوقظ للصلاة» (أبو داود وصححه الألباني) .
ونهى كذلك عن سبِّ المرض فقال : «لا تسبُّوا الحمى، فإنها تُذهب خطايا بني آدم كما يذهب الكير خبث الحديد» (رواه مسلم) .
ومن أقبح أنواع السب : سبُّ الله ورسوله صلى الله عليه وسلم والإسلام ، وهو كُفرٌ مُخرِجٌ عن الملَّة ، وسبُّ الدهر وسبُّ الصحابة رضوان الله عليهم ، وسبُّ الوالدين أو التسببُّ في ذلك ، فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم : «من الكبائر شتم الرجل والديه» قالوا : يا رسول الل ه، وهل يشتم الرجل والديه ؟! قال : «نعم ، يسبُّ أبا الرجل فيسبُّ أباه ويسبُّ أمَّه فيسبُّ أمّه» (متفق عليه) .
أخي..
أما رأيت كيف استعظم الصحابة سبَّ الوالدين ولم يتصوروا وقوع ذلك من ولدهما ؟.. فكيف لو كانوا معنا اليوم ورأوا من يضرب والديه ويطردهما من بيته أو يُودِعهما دور الرعاية والمسنين ثم ينساهما حتى الموت ؟! .
" السخرية والاستهزاء "
أخي المسلم :
يعمد ضعاف النفوس إلى استخدام السخرية والاستهزاء كوسيلة لصرف الأنظار عنهم وتضخيم عيوب الآخرين ، وهذا أمرٌ محرَّمٌ لأنه لا يرجى من وراء السخرية والاستهزاء إصلاح ولا رشد ، بل ربما أدَّى إلى الازدياد في الإثم والباطل ، قال تعالى : " يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَسْخَرْ قَومٌ مِنْ قَوْمٍ عَسَى أَنْ يَكُونُوا خَيْرًا مِنْهُمْ وَلَا نِسَاءٌ مِنْ نِسَاءٍ عَسَى أَنْ يَكُنَّ خَيْرًا مِنْهُنَّ " [الحجرات: 11] .
ومعنى السخرية :
الاستهانة والتحقير والتنبيه على العيوب والنقائص على وجه يُضحك منه ، وقد يكون ذلك بالقول ، وقد يكون بالمحاكاة في الفعل والقول ، وقد يكون بالإشارة والإيماء .. قالت عائشة رضي الله عنها : حاكيتُ إنسانًا فقال لي النبي صلى الله عليه وسلم : «والله ما أحب أني حاكيت إنسانًا ولي كذا وكذا» (أبو داود والترمذي وصححه) .
قال ابن عباس رضي الله عنهم في قوله تعالى : " وَيَقُولُونَ يَا وَيْلَتَنَا مَالِ هَذَا الْكِتَابِ لَا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلَا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصَاهَا " [الكهف: 49] قال : إنَّ الصغيرة التبسُّم بالاستهزاء بالمؤمن ، والكبيرة القهقهة بذلك ، وهذا إشارة إلى أنَّ الضحك على الناس من جُملة الذنوب والكبائر .
ومن أقبح أنواع السخرية والاستهزاء :
السخرية والاستهزاء بأهل الدين والاستقامة ؛ لأنَّ الاستهزاء بهؤلاء دليل على خفَّة التديُّن وضعف الإيمان ، وربما أدَّى إلى الردَّة والخروج من الإسلام بالكلية والعياذ بالله .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في قوله تعالى " قُلْ أَبِاللهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ * لَا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ " [التوبة: 65، 66] : تدلُّ على أنَّ الاستهزاء بالله وبالرسول كفر.. وكذلك الآيات .
وقال سماحة الشيخ ابن باز :
الاستهزاء بالإسلام أو بشيء منه كفرٌ أكبر ، ومن يستهزئ بأهل الدين والمحافظين على الصلوات من أجل دينهم ومحافظتهم عليه يُعتَبَر مُستهزِئًا بالدين ، فلا يجوز مجالسته ولا مصاحبته ، بل يجب الإنكار عليه والتحذير منه ومن صحبته ، وهكذا من يخوض في مسائل الدين بالسخرية والاستهزاء يعتبر كافرًا .
وسئلت اللجنة الدائمة للإفتاء عن حُكم الاستهزاء باللحية والأمر بحلقها ؟
فكان الجواب : لا يجوز الاستهزاء بمن أعفى لحيته لأنه أعفاها تنفيذًا لأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وينبغي نُصح المستهزئ وإرشاده، وبيان أنَّ استهزاءه مِمَّن أعفى لحيته جريمة عظيمة يُخشى على صاحبها من الردَّة عن الإسلام لقوله سبحانه وتعالى : " قُلْ أَبِاللهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ * لَا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ" الآية .
" الغنــاء "
أخي الحبيب :
الغناء آفة كبرى من آفات اللسان التي تعمل على مهاجمة القلب بصورة مباشرة ؛ فإما أن تُمرضه وإما أن تُميته ، ومن خطورته أنه يشمل كثيرًا من آفات اللسان الأخرى كالكذب والسخرية والاستهزاء والقذف والخصومة والمراء والعزل والتشبيب بالنساء وذِكر محاسنهن ومفاتنهن ، مما يصدُّ عن سبيل الله تعالى ، ويفتح على العبد أبواب الشهوات المحرَّمة والأدواء المهلكة .
وتحريم الغناء كان مقررًا لدى الصحابة رضوان الله عليهم ، وهو ما كان عليه أصحاب القرون المفضلة ، فلم ينقل عن أحد منهم أنه أباحه ، بل نُقِل عنهم خلاف ذلك ؛ فقد كان ابن مسعود رضي الله عنه يقسم بالله أنَّ المراد بلهو الحديث في قوله تعالى : " وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللهِ " [لقمان: 6] هو الغناء .
والغناء من أعظم آفات اللسان في هذا العصر ؛ إذ لا يخلو منه الآن بيت من أجهزة الراديو والتلفاز التي ملأت الدنيا بالغناء ليلاً ونهارًا ، حتى أصبح الناس ينامون على الغناء ويستيقظون على الغناء ، ويأكلون ويشربون على الغناء ، ويلهون ويسمرون على الغناء ؛ فهو داء العصر وآفة الزمان .
والغناء من أعظم أسباب قسوة القلب والإعراض عن ذِكر الله تعالى وتلاوة كتابه ، فلا يجتمع في قلب عبدٍ محبة الغناء ومحبة القرآن ألبته ؛ فإنَّ محبة أحدهما تدفع محبة الآخر .
والغناء كذلك يُضعف الغيرة في قلب العبد ، ولذلك ذكر العلماء أنه بريد الزنا ، وأنه يُنبِت النفاق في القلب ، وأنه مِزمار الشيطان .
وقد أخبر النبي صلى الله عليه وسلم أنه سيكون في أمته من لا يرى بالغناء والمعازف بأسًا ، وقرن ذلك بالزنا والخمر والحرير ، فقال عليه الصلاة والسلام «ليكونن في أمتي أقوام يستحلون الحر والحرير والخمر والمعازف» (رواه البخارى) .
وقد كان ما أخبر به النبي صلى الله عليه وسلم وصدق الله إذ يقول : " وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى " [النجم: 3، 4] .
فاتَّقِ الله أخي المسلم ، ودعك من هذا الداء الوبيل والمرض الخطير ، وأقبل على كتاب ربك تاليًا ومتعلِّمًا ومتدبرًا ؛ فمن قرأ حرفًا من كتاب الله كانت له حسنة ، والحسنة بعشر أمثالها .
" الحلف بغير الله "
أخي الحبيب :
الحلف بغير الله من آفات اللسان التي يجب على المسلم التخلُّص منها ، وذلك لأنَّ الحلف نوعٌ من التعظيم لا ينبغي صرفه إلاَّ لله عزَّ وجل ، فلا يجوز الحلف بمخلوق كائنًا من كان ، قال النبي صلى الله عليه وسلم : «إنَّ الله ينهاكم أن تحلفوا بآبائكم من كان حالفًا فليحلف بالله أو ليصمت» (رواه البخارى) .
وكذلك لا يجوز الحلف بالنبي صلى الله عليه وسلم ولا بالكعبة ولا بالأمانة، ولا برأس فلان ولا بجاه فلان الولي ولا بقبره لقول النبي صلى الله عليه وسلم : «من حلف بغير الله فقد أشرك» (رواه أحمد وصححه الألبانى) .
ومن وقع في شيء من الحلف المحرم فعليه التوبة إلى الله تعالى من ذلك وأن يقول : «لا إله إلا الله» لقول النبي صلى الله عليه وسلم : «من حلف فقال في حلفه باللات والعزى فليقل لا إله إلا الله» (رواه البخارى) .
" احذر هذه الألفاظ ! "
أخي المسلم :
حرص الإسلام على ردِّ جميع الأمور إلى مشيئة الله وحده وتدبيره وقضائه ، حتى يكون المسلم على علمٍ تامٍ بأنَّ الله وحده هو مُصرف الأمور ومدبِّر الحوادث والقضايا، وليس لأحدٍ دور في ذلك، ولتقرير ذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم : «لا تقولوا : ما شاء الله وشاء فلان ، ولكن قولوا : ما شاء الله ثم شاء فلان» (رواه أحمد وأبو داود) .
وهذا يدلُّ على أنَّ مشيئة غير الله سبحانه تابعة لمشيئة الله ، وليس للعبد مشيئة مستقلَّة عن مشيئة الله تعالى .
ومن هذا الباب أيضًا قال النبي صلى الله عليه وسلم : «احرص على ما ينفعك واستعن بالله ولا تعجز ، وإن أصابك شيء فلا تقل : لو أني فعلت كذا كان كذا وكذا ، ولكن قل : قدَّر الله وما شاء فعل ، فإن " لو " تفتح عمل الشيطان» (رواه مسلم) .
" النياحة على الميت "
أختي المسلمة :
النياحة من آفات اللسان التي نهى عنها الإسلام وحذَّر منها ، وذلك لأنها تنافي الصبر وتدفع الرضا بالقضاء ، ولذلك فقد أخذ النبي صلى الله عليه وسلم على النساء عند البيعة ألا ينُحن (متفق عليه) .
ووصف النبي صلى الله عليه وسلم النياحة بأنها من أمور الجاهلية ، ثم قال : «النائحة إذا لم تتب قبل موتها تُقام يوم القيامة وعليها سربال من قطران ودرع من جرب»(رواه مسلم) .
وقال النبي صلى الله عليه وسلم : «ليس منا من ضرب الخدود وشقَّ الجيوب ودعا بدعوى الجاهلية» (متفق عليه) .
بل إنه صلى الله عليه وسلم لعن الخامشة وجهها والشاقة جيبها والداعية بالويل والثبور (رواه ابن ماجة وصححه الألبانى) .