۞بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ۞
۞ٱلْسَلآمّ ٍعَلْيّكَمُ وٍرٍحَمُةٌ اللَّــْـْہ ۆبُركَاته۞
۞أَعُوذُ بِاللَّهِ السَّمِيعِ الْعَلِيمِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ من
هَمْزِهِ،
ونَفْثِهِ،
ونَفْخِهِ۞
۞الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ۞
۞أَشْهَدُ أَنّ لَّا إِلَٰهَ إِلَّإ الله
وأَشْهَدُ ان محمداً رسول الله۞
۞تحية من عند الله طيبة مباركة۞
" العفو أعلى مراتب الأخلاق وأسماها "
يخطئ كثير من الناس حينما لا يعد العفو وكف الأذى من مكارم الأخلاق وهو أسماها وأرقاها بل وأعلاها، فإن كل من تحلى بالعفو سمي و حسن خلقه ولا ريب ، وبهذا عرَّف كثير من السلف حسن الخلق، ومن ذلك قوله الحسن البصري رحمه الله : ((حسن الخلق الكرم والبذل والاحتمال))، وثبت عن ابن المبارك أنه قال :
((هو بسط الوجه وبذل المعروف وكف الأذى)) (أخرجه الترمذي ) ويقول الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله : ((حسن الخلق أن تحتمل ما يكون من الناس))(أخرجه البيهقي في الشعب والألباني في الترغيب ) وقال بعض أهل العلم : ((حسن الخلق كظم الغيظ لله، وإظهار الطلاقة والبشر إلا لمبتدع أو ضال والعفو عن الزالّين إلا تأديباً...))، بل كفى بقوله عليه الصلاة والسلام قبل ذلك شاهداً «يا عقبة ألا أخبرك بأفضل أخلاق أهل الدنيا والآخرة ؟ تصل من قطعك، وتعطي من حرمك، وتعفو عمن ظلمك»(أخرجه أحمد والحاكم )، وقد صرح به فقال عليه الصلاة والسلام «أبا هريرة عليك بحسن الخلق، قلت وما حسن الخلق ؟ قال : تصل من قطعك وتعفو عمن ظلمك وتعطي من حرمك» ( أخرجه البيهقي في الشعب وفيه انقطاع بين الحسن وأبي هريرة رضي الله عنه ، قال العراقي في الإحياء 2/1758 : أنه من رواية الحسن عن أبي هريرة ولم يسمع منه . أ.هـ والحديث السابق يشهد له فهو حسن ) .
فلهذا فإنه يجلو ويحلو للمُغضب أن يستحضر أجر حسن الخلق، وبذلك يسلو فيتذكر أنه أكثر ما يدخل الناس الجنة وأنه أثقل ما يوضع في الميزان يوم القيامة، وأنه سبب القرب من الأنبياء والدنو منهم .
وقال تعالى : " ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ " (سورة المؤمنون الآية رقم (96) ) .
" تحريم هجر المسلم "
إن من علم بالوعيد الذي جاء في هجر المسلم والإعراض عنه وماجاء فيه من الوعيد والترهيب فيه هاب ذلك ورهب عن الوقوع فيه وابتعد وكان من رهبته على وجل فكيف يليق بمؤمن بالله واليوم الآخر أن يهجر أخاه أو يبغضه بسبب كلمة جرحه بها، أخذ الشيطان ينفخ بها في رأسه وقلبه حتى انفجرت فيه غلاً وحسداً وحقداً، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم : «لا يحل لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاث..»(متفق عليه) ويقول عليه الصلاة والسلام : «فإن هجره فوق ثلاث فمات دخل النار» (أخرجه أبو داود )، وقد روي في بعض الأخبار أنهما لا يجتمعان في الجنة أبداً والعياذ بالله .
و قال عليه الصلاة والسلم «لا تقاطعوا ولا تدابروا ولا تباغضوا ولا تحاسدوا وكونوا عباد الله إخواناً..»( أخرجه مسلم وأخرج نحوه البخاري بزيادة ونقص ).
قال الإمام مالك رحمه الله (ولا أحسب التدابر إلا الإعراض عن المسلم يعرض عنه بوجهه ) أ. هـ .(الموطأ).
ويقول ابن رجب رحمه الله معلقاً على هذا الحديث في كلام جميل بديع ( نهي المسلمين عن التباغض فيما بينهم في غير الله بل على أهواء نفوسهم، فإن المسلمين جعلهم الله إخوة، والإخوة يتحابون فيما بينهم ولا يتباغضون، وقد قال عليه الصلاة والسلام «والذي نفسي بيده لا تدخلوا الجنة حتى تؤمنوا، ولا تؤمنوا حتى تحابوا، أولا أدلكم على شيء إذا فعلتموه تحاببتم، أفشوا السلام بينكم» رواه مسلم، وقد حرم الله على المسلمين ما يوقع بينهم العداوة والبغضاء، كما قال تعالى : " إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ " (سورة المائدة الآية رقم (91) )وامتن على عباده بالتآلف بين قلوبهم، كما قال تعالى : " وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا " (سورة آل عمران الآية رقم (103) ) ولهذا المعنى حُرِّم المشي بالنميمة لما فيها من إيقاع العداوة والبغضاء ورخص في الكذب للإصلاح وبين الناس ) (جامع العوم والحكم ص329 ) أ.هـ .
فيا عجباً :
أيهجر مسلم فينا أخاه سنيناً لا يمد له يمينا
أيهجره لأجل حطام دنيا أيهجره على نُتف اللعينا
ويا أخي الحبيب أعلم أن الغضب جمرة يلقيها الشيطان في قلبك فأطفأها بذكر الرحمن، والاستعاذة من الشيطان ولا تدع أخي للشيطان عليك سبيلاً،حتى لا تأخذك بأخيك الظنونا، فتزيد البغض هجراناً .
" حسن الظن "
وينبغي لك أخي الحبيب، حمل ما كان من أخيك على أحسن المحامل، ولأجل ذلك نهى الشرع عن إساءة الظن وحذر منه، بل ونهى عن الأسباب الموصلة إليه، فنهى عن تناجي اثنين دون الثالث لكي لا يظن أن الكلام موجه إليه فيحزن، وقد قال عليه الصلاة والسلام : «إياكم والظن، فإن الظن أكذب الحديث..» (متفق عليه) وقد قال الله تعالى : " يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ " (سورة الحجرات الآية رقم (12) ) يقول إسحاق بن إبراهيم رحمه الله : (سالت أبا عبد الله، يعني الإمام أحمد عن الحديث الذي جاء «إذا بلغك عن أخيك شيء فاحمله على أحسنه حتى لا تجد له محملاً» ما يعني به ؟ فقال أبو عبد الله : يقول تعذره، تقول لعله كذا، لعله كذا) (الآداب الشرعية والمنح المرعية ) أ.هـ . وقال عليه الصلاة والسلام : «حسن الظن من حسن العبادة» (أخرجه الإمام أحمد وأبو داود والترمذي وحسنه) ويقول ابن الجوزي رحمه الله : (متى خطر لك شيء على مسلم فينبغي أن تزيد في مراعاته وتدعوا له بالخير فإن ذلك يغيظ الشيطان ويدفعه عنك).أ.هـ .
" قبول الاعتذار "
وعليك أخي الحبيب، بقبول عُذر أخيك، إن قدم لك الاعتذار وتصديقه بما يقول، يروى عن عمر رضي الله عنه أنه قال : ( لا تلُم أخاك على أن يكون العذر في مثله) (الآداب الشرعية والمنح المرعية) ويقول الحسن بن علي رضي الله عنهما فيما يُروى عنه : ( لو أن رجلاً شتمني في أذني هذه واعتذر إليَّ في الأخرى لقبلت عذره) (الآداب الشرعية والمنح المرعية) .
يقول الشاعر :
قيل لي قد أساء إليك فلان وقعود الفتى على الضيم عار
قلت قد جاءنا فأحدث عذراً ودية الذنب عندنا الاعتذار (الآداب الشرعية )
ويُروي أن أبا موسى هارون بن عبد الله قد جاء إلى رجل شتمه، لعله يعتذر إليه، فلم يخرج إليه وشق الباب في وجهه، فيال العجب من حلم هؤلاء وصفاء قلوبهم، فيا أخي :
اقبل معاذير من يأتيك معتذراً إن بر عندك فيما قال أو فجرا
فقد أطاعك من يرضيك ظاهره وقد عصاك من يعصيك مستتراً (الآداب الشرعية )
ويقول الأحنف بن قيس رحمه الله : ( إن اعتذر إليك معتذر تلقه بالبِشْر) (الآداب الشرعية ) .
" الحث على العفو والحلم عند الغير "
وينبغي لكل غافر زلّة، وقابل معذرة، أن يحتسب الأجر عند الله تعالى، ويتذكر ما جاء في ذلك من الفضل العظيم، فمن ذلك قوله تعالى مبيناً صفات عباده المتقين " وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ "(سورة آل عمران الآية رقم (134) ) وكظم الغيظ: هو إخفاء الغيظ وعدم إظهاره، فيقال كظم غيظه : أي سكت عنه ولم يظهره قال في القاموس : كظم غيظه يكظمه : رده وحبسه... ويقول ابن كثير في تفسير هذه الآية : أي إذا ثار بهم الغيظ كظموه بمعنى كتموه فلم يعملوه وعفو مع ذلك عمن أساء إليهم، ويقول سبحانه : " وَإِذَا مَا غَضِبُوا هُمْ يَغْفِرُونَ " (سورة الشورى الآية رقم (37) )ويقول سبحانه : " وَلَمَنْ صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذَلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ "(سورة الشورى الآية رقم (43) )وغيرها من الآيات كثير، ويقول النبي صلى الله عليه وسلم «ما نقصت صدقة من مال، وما زاد الله عبداً بعفو إلا زاده عزا، وما تواضع أحد لله إلا رفعه الله»(رواه مسلم ) ، وقال عليه الصلاة والسلام لأشج بن قيس «إن فيك خصلتين يحبهما الله ورسوله، الحلم والأناة»(رواه مسلم) والحلم بالكسر قال في القاموس : الأناة والعقل. ومن المعلوم قصة سعد بن مالك رضي الله عنه، عندما قال النبي صلى الله عليه وسلم فيه «يطلع عليكم رجل من أهل الجنة، فطلع رجل من الأنصار، تنظف لحيته من وضوئه، وقد علق نعليه بيده الشمال، فلما كان من الغد، قال النبي صلى الله عليه وسلم ذلك، فطلع ذلك الرجل مثل المرة الأولى، فلما كان اليوم الثالث قال النبي صلى الله عليه وسلم مثل مقالته أيضاً، فطلع ذلك الرجل على مثل حالته الأولى، فلما قام النبي صلى الله عليه وسلم تبعه عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما، فقال للرجل : إني لاحيت أبي فأقسمت أني لا أدخل عليه ثلاثاً، فإن رأيت أن تؤيني إليك حتى تمضي فعلت، قال: نعم، قال أنس رضي الله عنه الراوي : فكان عبد الله يحدث أنه بات معه تلك الثلاث ليالي، فلم يره يقوم الليل شيئاً غير أنه إذا تعارّ تقلب على فراشه، ذكر الله عز وجل وكبر حتى صلاة الفجر، قال عبد الله : غير أني لم أسمعه يقول إلا خيراً، فلما مضت الثلاث الليالي وكدت أن أحتقر عمله، قلت : يا عبد الله لم يكن بيني وبين أبي غضب ولا هجرة ولكن سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول ثلاث مرات» يطلع عليكم رجل من أهل الجنة فطلعت أنت الثلاث مرات، فأردت أن آوي إليك، فأنظر عملك، فأقتدي بك، فلم أرك، عملت كبير عمل، فما الذي بلغ بك ما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ قال : هو ما رأيت، فلما وليت دعاني فقال : ما هو إلا ما رأيت غير أني لا أجد في نفسي لأحد من المسلمين غشاً، ولا أحسد أحداً على خير أعطاه الله إياه) وفي رواية : «آخذ مضجعي وليس في قلبي غمر على أحد»( أخرجه أحمد والنسائي) والغمر هو الحقد، ويقول النبي صلى الله عليه وسلم عندما سئل أي الناس أفضل ؟ فقال : «كل مخموم القلب، صدوق اللسان» قالوا : صدوق اللسان نعرفه، فما مخموم القلب ؟ فقال : «هو التقي النقي لا إثم فيه ولا بغي ولا حسد»(أخرجه البيهقي في الشعب وابن ماجة ) ومخموم : أي نظيف، وهو من خم يخم، ومن خم البيت إذا كنسه، كما قال السيوطي رحمه الله، ويقول عليه الصلاة والسلام : «ارحموا تُرحموا، واغفروا يُغفر لكم»(أخرجه أحمد والحميدي في المنتخب ) وليعلم أن العفو لا يكون إلا بعد القدرة، فأما من أُسيء إليه وأُوذي وهو غير قادر على أخذ حقه فعفا عنه فهذا لا يسمى عفواً، إنما يسمى عجزاً لأنه بغير إرادته كما قال الشيخ العلامة بن باز رحمه الله عندما سئل عن ذلك، ويقول أيضا عليه الصلاة والسلام: «من كظم غيضاً وهو قادر على أن ينفذه دعاه الله على رؤوس الخلائق حتى يخيره أي الحور شاء»(أخرجه أحمد وأبو داود والترمذي وابن ماجة ) فهل بعد هذا أخي الحبيب يأبى قلبك أن يزيل حقده وغله، وإني لأظن أن أخي بعد هذا يذهب بحقده أدراج الرياح، وهذا الظن بالمسلمين .
" هدي النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه والسلف الصالح وأقوالهم في العفو والحلم "
تذكر أخي دائماً عفو نبينا وهو أسوتك وقدوتك محمد صلى الله عليه وسلم وصحابته رضوان الله عليهم وسبيلهم في ذلك وفي سلوك سبيلهم الفوز والنجاة، فقد هجروا الدنيا بملذاتها وزخرفها ونعيمها، ولقد كانوا أشد الناس عفواً لعباد الله جل وعلا " وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ قِيلً " (سورة النساء الآية رقم (122))و " وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ حَدِيثًا " (سورة النساء الآية رقم (87))فقد قال سبحانه " مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ " (سورة الفتح الآية رقم (29))ويقول سبحانه : " فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ " (سورة المائدة الآية رقم (54)) وأولهم سيد المرسلين وإمام المتقين ورسول رب العالمين محمد صلى الله عليه وسلم وعلى آله وأصحابه أجمعين إلى يوم الدين، الذي قال فيه سبحانه " وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ " (سورة القلم الآية رقم (4))ولقد كان عليه الصلاة والسلام أشد الناس حلماً وأكثرهم عفواً وأسلمهم صدراً، وإليك يا أخي الحبيب بعضاً من أخلاقه ولسوف ترتوي بواحد منها، فمنها حديث عائشة رضي الله عنها أنها قالت لرسول الله صلى الله عليه وسلم: هل أتى عليك يوم كان أشد من يوم أحد ؟ فقال عليه السلام «لقد لقيت من قومك، وكان أشد ما لقيت منهم يوم العقبة، إذ عرضت نفسي على عبد ياليل بن كلالة، فلم يجبني إلى ما أردت فانطلقت وأنا مهموم على وجهي فلم أستفق إلا وأنا بقرن الثعالب فرفعت رأسي، فإذا أنا بسحابة قد أظلتني، فنظرت، فإذا فيها جبريل عليه السلام، فناداني فقال : إن الله تعالى، سمع قول قومك لك وما ردوا عليك، وقد بعث الله إليك ملك الجبال، لتأمره بما شئت فيهم، فناداني ملك الجبال، فسلم علي، ثم قال : يا محمد إن الله سمع قول قومك لك، وأنا ملك الجبال وقد بعثني ربي إليك لتأمرني بأمرك فما شئت ؟ إن شئت طبقت عليهم الأخشبين، فقال النبي صلى الله عليه وسلم بل أرجوا أن يخرج الله من أصلابهم من يعبد الله وحده، لا يشرك به شيئا»(متفق عليه )فالله أكبر، يا له من خلق ما أعظمه، وحلم ما أعجبه، وعفو ما أوسعه، فانظر أخي الحبيب إلى نظرته عليه الصلاة والسلام الثاقبة الهادفة، وانظر إلى هوان الدنيا وخستها وتركه لها ولزينتها، فخذ بالعفو وأعرض عن الجاهلين .
وإليك أخي الحبيب موقف آخر من مواقفه عليه الصلاة والسلام يقول أنس رضي الله عنه : كنت أمشي مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وعليه رداء نجراني غليظ الحاشية، فأدركه أعرابي، فجبذه بردائه جبذة شديدة فنظرت إلى صفحة عنق رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد أثرت بها حاشية ردائه من شدة جبذته، ثم قال : يا محمد مُر لي من مال الله الذي عندك، فالتفت إليه رسول الله عليه الصلاة والسلام، فضحك ثم أمر له بعطاء(متفق عليه ) فما أعظمه من حلم وعفو وإحسان إلى فحش وقلة عرفان وهذا لا يستغرب منه عليه الصلاة والسلام، تقول عائشة رضي الله عنها : «وما انتقم رسول الله صلى الله عليه وسلم لنفسه في شيء قط إلا أن تنتهك حرمة الله فينتقم بها لله »(متفق عليه ) ومن المعلوم قصته مع جاره اليهودي وموقفه مع أهل مكة يوم الفتح وغيرها كثير جداً، لكن هل من مقتد هل من ممتثل ؟ " لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآَخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا " (سورة الأحزاب الآية رقم (21) )وهكذا كانت أخلاق الأنبياء عليهم الصلاة والسلام، ففي الحديث عن ابن مسعود رضي الله عنه أنه قال : «كأني أنظر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، ويحكي نبيا من الأنبياء، صلوات الله وسلامه عليهم، ضربه قومه، فأدموه وهو يمسح الدم عن وجهه ويقول : اللهم اغفر لقومي فإنهم لا يعلمون»(متفق عليه ) .
فهؤلاء خير البشر وصفوتهم، قد أوذوا، وصبروا، وهم خير البشر، فكيف بمن دونهم، ولقد كان لصحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومن بعدهم من سلف هذا الأمة أروع الأمثال والمواقف التي بها يتجلى لك عِظمُ صبرهم، وشدةُ حلمهم وقوةُ اقتدائهم بنبيهم عليه أزكى الصلاة وأتم التسليم، فهذا رجل يشتم ابن عباس رضي الله عنهما حبر هذه الأمة وترجمان القرآن، فصبر حتى قضى مقالته، ثم قال : يا عكرمة، أنظر هل للرجل حاجة فنقضيها ؟ فنكس الرجل رأسه واستحى، وأسمع رجل معاوية رضي الله عنه كلاماً شديداً، فقيل له لو عاقبته ؟ فقال إني لأستحي أن يضيق حلمي عن ذنب أحد من رعيتي .
وسأل أبو ذر رضي الله عنه غلامه عندما رأى الشاة تصيح ألماً فقال : من كسر رجل هذه الشاة ؟ فقال له الغلام أنا فعلته عمداً لأغيظك، فتضربني فتأثم، فقال لأغيظن من حرضك علي غيظي فأعتقه، وشتم رجل عدي بن حاتم وهو ساكت، فلما فرغ من مقالته، قال : إن كان بقي عندك كلام فقل، قبل أن يأتي رجال الحي، لأنهم إن سمعوك تقول هذا في شيخهم لم يرضوا، ودخل عمر بن عبد العزيز المسجد ذات ليلة والمكان فيه ظلمة فمر برجل فعثر به فرفع رأسه وقال : أمجنون أنت؟ فقال عمر : لا، فهم به الحرس، فقال عمر : مه إنما سألني أمجنون أنت ؟ فقلت لا ولقي رجل علي بن الحسين رضي الله عنه، فسبه فثار عليه العبيد، فقال : مهلاً ثم أقبل علي الرجل فقال : ما سُتر عنك من أمرنا أكثر، ألك حاجة نعينك عليها؟ فاستحي الرجل فألقي عليه قميصه الذي كان عليه، وأمر له بألف درهم، فكان الرجل يقول بعد ذلك، أشهد أنك من أولاد رسول الله، وقال رجل لوهب بن منبه رحمه الله إن فلاناً شتمك، فقال وهب : وما وجد الشيطان بريداً غيرك .
ويقول عبد الله بن الإمام أحمد بن حنبل رحمهما الله : قال أبي، وجه إلى الواثق أن اجعل المعتصم في حل، من ضربه إياي، فقلت : ما خرجت من داره حتى جعلته في حل وذكرت قول النبي صلى الله عليه وسلم «لا يقوم يوم القيامة إلا من عفا فعفوت عنه، ويا أخي اعلم أن الإنسان لابد له من خطأ وزلل، وينبغي مقابلة ذلك بالعفو، و إلا ما كان هناك شيء اسمه عفو، يقول اليزيدي عندما أخطأ يعتذر للمأمون :
أنا المذنب الخطاءُ والعفو واسعُ ولو لم يكن ذنب لما عرف العفو
ويروى أن بعض السلف جاء إلى أخيه، فقال : غداً نتعاتب، فقال له لا، بل قل غداً نتغافر .
ويقول جعفر بن محمد، وكان والياً : لأن أندم على العفو أحب إلى من أن أندم على العقوبة، وإليك أخي الحبيب ما يروى عن عيسى عليه السلام، أنه قال : وتأمل لما قال، يقول : لا يحزنك قول الناس فيك، فإذا كان كاذباً كانت حسنة لم تعملها، وإن كان صادقاً كانت سيئة عجلت عقوبتها أ.هـ , ولا يكن أخي الغضب دائماً يعلوك، وتذكر أخي ما يروي عن علي رضي الله عنه أنه قال: الغضب أوله جنون، وآخره ندم، ولا يقوم الغضب، بذل الاعتذار، وربما كان العطب في الغضب أ.هـ ، وقيل للشعبي : بأي شيء يكون سريع الغضب، سريع الفيئة، ويكون بطيء الغضب بطيء الفيئة، فقال : لأن الغضب كالنار، فأسرعها اشتعالاً أسرعها خموداً .
" أسباب هيجان الغضب وطرق علاجه "
اعلم رحمك الله، أن أسباب الغضب كثيرة منها العُجب فطالما كان المرء معجباً بنفسه فإنه لا يحب أن يمسه ما يقدح فيه ولو كان لأدنى شيء وبما أنه معجباً بنفسه فيكون مستصغراً لغيره فيصبح سريع الغضب قليل الحلم أو معدومه .
ومن أسبابه :
المزاح، والمقصود كثرته على غير اللائق، فكم من مزاح في بداية أمره انقلب إلى ضده في آخره , ومنه المماراة والمضاهاة، والغدر، والسب، والغش، والخيانة، وغيرها .
وأما علاجها :
فباختصار سأذكرها كما ذكرها ابن الجوزي رحمه الله يقول : فمنها أن يتفكر الأخبار الواردة في فضل كظم الغيظ، والعفو والحلم، والاحتمال كما جاء عند البخاري من حديث ابن عباس رضي الله عنهما : أن رجل استأذن علي عمر رضي الله عنه : فأذن له فقال له : يا ابن الخطاب والله ما تعطينا الجزاء ولا تحكم بيننا بالعدل، فغضب عمر رضي الله عنه حتى هم أن يوقع به فقال الحر بن قيس : يا أمير المؤمنين إن الله قال لنبيه : " خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ " (سورة الأعراف الآية رقم (199)) وإن هذا من الجاهلين، فو الله ما جاوزها عمر حين تلاها عليه وكان وقافاً عند كتاب الله عز وجل .
والثاني : أن يخوف نفسه عقاب الله تعالى، وهو أن يقول : قدرة الله علي أعظم من قدرتي على هذا الرجل، فلو أمضيت فيه غضبي، لم آمن أن يمضي الله عز وجل غضبه على يوم القيامة، فأنا أحوج ما أكون إلى العفو، فارحم ترحم، واغفر يغفر لك .
والثالث : أن يتفكر في قبح صورته عند الغضب وأنه يشبه الكلب الضاري، والسبع العادي، وأنه يكون مجانباً لأخلاق الأنبياء والعلماء في عاداتهم لتميل نفسه إلى الإقتداء بهم ينبغي للمؤمن أن يكظم غيظه، فعند ذلك يعظمه الله تعالى، وما له وللناس، أفلا يحب أن يكون هو القائم يوم القيامة، إذا نودي ليتم من وقع أجره على الله، فلا يقوم إلا من عفا، فهذا وأمثاله ينبغي أن يمرره على قلبه .
وأخيراً يعلم أن غضبه إنما من شيء جرى على وفق مراد الله، لا على وفق مراده، فيكيف يقدم مراده على مراد الله تعالى، هذا ما يتعلق بالقلب، وأما العمل، فينبغي السكون، والتعوذ بالله، وتغيير الحال فإذا كان واقفا جلس، وإن كان جالسا اضطجع، وقد أُمرنا بالوضوء عند الغضب، لأن الغضب من الشيطان وهو من نار، وإنما تُطفأ النار بالماء كما في الحديث، وأما الجلوس والاضطجاع فيمكن والله أعلم أن يكون، إنما أُمر به ليقرب من الأرض التي خُلق منها ويتذكر أنها أصله فيذل، ويمكن أن يكون لتواضع لذله لأن الغضب ينشأ من الكبر . أ.هـ بتصرف قليل وإنما الكلام المذكور كله على الغضب الذي سببه الدنيا لا الدين، وكذلك الهجرة وغيره مما ذكر، وأيضاً لا يعني ما ذكرناه من فضل العفو وما جاء فيه، وما ينبغي أن يكون عليه حال الغضب لا يعني أن يسب المسلم ويمتهن لأنه يعفوا ويحلم، لا، هذا أمر يرده الشرع والعقل، ومن المعلوم أن الإنسان يأثم بسبه لأخيه واعتدائه عليه، كما قال عليه الصلاة والسلام، «إيذاء المسلم فسوق وقتاله كفر»(متفق عليه ) ويقول عليه الصلاة والسلام «أتدرون من المفلس ؟ قالوا المفلس فينا من لا درهم له ولا متاع، فقال عليه الصلاة والسلام «المفلس من أمتي من يأتي يوم القيامة بصلاة وصيام وزكاة، ويأتي قد شتم هذا وقذف هذا، وأكل مال هذا، وسفك دم هذا، وضرب هذا، فيعطي هذا من حسناته وهذا من حسناته، فإذا فنيت حسناته قبل أن يقضي ما عليه، أخذ من خطاياهم، فطرحت عليه ثم طرح في النار»(رواه مسلم ) .
•
••
••
••
••
••
••
••
••
••
••
••
••
••
••
••
•
لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ
لَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ العَلِيِّ العَظِيمِ
سُبْحَانَ اللَّهِ
وَالْحَمْدُ لِلَّهِ
وَلَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ
وَاللهُ أَكْبَرُ
اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ،
وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ،
كَمَا صَلَّيْتَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ،
وَعَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ،
إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ،
وَبَارِكْ عَلَى مُحَمَّدٍ،
وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ،
كَمَا بَارَكْتَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ،
وَعَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ،
فِي الْعَالَمِينَ
إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ
صَلَّ اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
أسْتَغْفِرُ اللهَ العَظِيمَ
الَّذِي لاَ إلَهَ إلاَّ هُوَ،
الحَيُّ القَيُّومُ،
وَأتُوبُ إلَيهِ
حَسْبِيَ اللَّهُ لا إِلَـهَ إِلاَّ هُوَ
عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ
وَهُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ
حسبنا الله
ونعم الوكيل
نعم المولى
ونعم النصير
اللَّهُمَّ انصر واعز الاسلام والمسلمين
واعلي بفضلك كلمتي الحق والدين
*۞ اللَّهُمَّ إجعل ما كتبناهُ وما قلناهُ وما نقلناه
حُجة ً لنا لا علينا
يوم ان نلقاك *
وأنا مُلْتَمِسٌ من قارئ حازَ من هذا السِّفر نَفْعَاً ألا ينساني بدعوة صالحة خالصة في السَّحَر ، وليعلم أن ما في هذا الكتاب مِن غُنْم فحلال زُلال له ولغيره ، وما كان مِن غرم فهو عَلَى كاهلي وظهري ، وأبرأ إلى الله من كل خطأ مقصود ، وأستعيذه من كل مأثم ومغرم .
فدونك أيها القارئ هذا الكتاب ، اقرأه واعمل بما فيه ، فإن عجزت فَأَقْرِأْهُ غيرَك وادْعُه أن يعمل بما فيه ، فإن عجزتَ – وما إِخَالُكَ بِعَاجِزٍ – فبطْن الأرض حينئذ خيرٌ لك من ظاهرها .
ومن سويداء قلبي أسأل الله تبارك وتعالى أن ينفعك بما فيه وأن يقوّيَك على العمل بما انتفعت به ، وأن يرزقك الصبر على ما قد يلحقك من عَنَتٍ وأذى ، وأن يتقبل منك سعيك في خدمة الدين ، وعند الله اللقاء ، وعند الله الجزاء
ونقله لكم الْأَمَةُ الْفَقِيرَةَ الى عفو الله ومرضاته . غفر الله لها ولوالديها ولاخواتها وذرياتها ولاهلها ولأُمّة نبينا محمد صَلَّ اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اجمعين ويجعلنا من عباده الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَالْقَانِتِينَ وَالْقَانِتَاتِ وَالصَّادِقِينَ وَالصَّادِقَاتِ وَالصَّابِرِينَ وَالصَّابِرَاتِ وَالْخَاشِعِينَ وَالْخَاشِعَاتِ وَالْمُتَصَدِّقِينَ وَالْمُتَصَدِّقَاتِ وَالصَّائِمِينَ وَالصَّائِمَاتِ وَالْحَافِظِينَ فُرُوجَهُمْ وَالْحَافِظَاتِ وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتِ وَالْمُنفِقِينَ وَالْمُسْتَغْفِرِينَ بِالأَسْحَارِوَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنْ النَّاسِ وَالْمُحْسِنِينَ والْمُتَّقِينَ الأَحيَاءِ مِنهُم وَالأَموَاتِ اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِحَيِّنَا وَمَيِّتِنَا وَصَغِيرِنَا وَكَبِيرِنَا وَذَكَرِنَا وَأُنْثَانَا وَشَاهِدِنَا وَغَائِبِنَا ، اللَّهُمَّ مَنْ أَحْيَيْتَهُ مِنَّا فَأَحْيِهِ عَلَى الْإِيمَانِ ، وَمَنْ تَوَفَّيْتَهُ مِنَّا فَتَوَفَّهُ عَلَى الْإِسْلَامِ ويجمعنا اجمعين فى اعلى درجات الجنة مع نبينا محمد وجميع النَّبِيِّينَ والْمُرْسَلِينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا
تحققت الآمال و توفر لهم كل شئ فلم يبق إلا الثناء
وأخيرًا أسأل الله أن يتقبلني انا وذريتى ووالداى واخواتى واهلى والمسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات وامة محمد اجمعين صَلَّ اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الاحياء منهم والاموات شهيدًا في سبيله وأن يلحقناويسكنا الفردوس الاعلى من الجنة مع النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا أسألكم أن تسامحوني وتغفروا لي زلاتي وأخطــائي وأن يرضى الله عنا وترضــوا عنــا وتهتمــوا وأسال الله العظيم ان ينفع بمانقلت للمسلمين والمسلمات
سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وبِحَمْدِكَ، أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلاَّ أَنْتَ أَسْتَغْفِرُكَ وَأَتُوبُ إِلَيْكَ
دَعْوَاهُمْ فِيهَا سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَتَحِيَّتُهُمْ فِيهَا سَلَامٌ ۚ وَآخِرُ دَعْوَاهُمْ أَنِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ
آميــٍـِـِـٍـٍـٍنْ يـــآرّبْ العآلميــــن
۞ وَاللَّهُ تَعَالَى أَعْلَىَ وأَعْلَمُ وأَحكَمُ، ورَدُّ العلمِ إليه أَسلَمُ